أبو الريحان البيروني ونظرتو إلى التاريخ د. رياض حمودة حاج ياسين أبو الرحيان البريوني ونظرته إىل التاريخ د/ رياض محودة حاج ياسني حماضر غري متفرغ جامعت

النسخ

1 أبو الرحيان البريوني ونظرته إىل التاريخ د/ رياض محودة حاج ياسني حماضر غري متفرغ جامعت األمرية مسيت للتكنولوجيا 453

2 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب ممخص محاضر غير متفرغ- جامعة األميرة سمية لمتكنولوجيا يعتبر القرنان ال اربع والخامس اليجريين نقطة تحول في تطور عمم التاريخ في اإلسالم كما يظير ذلك جميا في أعمال مؤرخين بارزين في ىذه المرحمة كالمسعودي والمقدسي عمى ومن الذين وغيرىما. أسيموا في تطور الكتابة التاريخية في ىذا المجال أبو الريحان البيروني وىو عالم موسوعي اىتم بالفمك والرياضيات والعمم الطبيعي بالدرجة األولى لكن إسيامو في تطوير الكتابة التاريخية والمنيج الذي اختطو في ىذا المجال لم يمق حتى اآلن االىتمام الكافي. تسعى ىذه الد ارسة إلى إلقاء الضوء رؤية البيروني لمتاريخ والمنيج الذي اختطو في ىذا اإلطار عبر در اسة مؤلفاتو األساسية والسيما كتابيو "تحقيق ما لميند من مقولة مقبولة في العقل او مرذولة" و"اآلثار الباقية عن القرون الخالية". وتقارن الد ارسة ىذه النظرة وىذا المنيج بإسيامات بعض المؤرخين الكبار من أبناء القرنين ال اربع والخامس اليجريين. Al-Biruni and his View of History Dr. Riad, H. Haj Yasin Adjunct Professor The fourth and fifth centuries of the hijra calendar constitute a turning point in the development of Islamic historiography as can be shown in the work of the noted historians al-mas udi and al-maqdisi. Among those who contributed to the development of Islamic historiography in this period was Al-Biruni. Al-Biruni was encyclopaedic, well versed in astrology, mathematics, and natural sciences, but his contribution to the development of Islamic historiography has not yet been studied adequately. This study attempts to shed light on al-biruni s view of history as well as his method in writing history through studying his main works, particularly his " al- Athar al-baqia an al-kurun al-khaliya, and " Kitab Tarikh al- Hind. The study then compares his views to other prominent historians from the same period.. 454

3 1 -النظرة الشمولية- توسع مدلول التاريخ ومحتواه وصل األدب العربي التاريخي مستوى رفيعا في القرن ال اربع اليجري)العاشر الميالدي(. فقد اتسم ىذا القرن بنظرة جديدة لمتاريخ تمي زت بتوظيف عموم و معارف غمبت عمييا الصبغة الدنيوية كالطب والفمك والجغ ارفيا والفمسفة وسواىا. وقد ساىمت ىذه العموم وباألخص الفمسفة في تحول التاريخ من مستوى الخبر الى مستوى النظر. فالمسعودي)ت 346 ى( مثال تأثر بالجغ ارفية في كتاباتو ويتضح ذلك من خالل كتابو "المروج". وكتب حمزة األصفياني )ت "تاريخ سني 363 ى( متأث ار بالفمك في كتابو مموك األرض واألنبياء". وتأثر المطير بن طاىر المقدسي)ت بعد 355 ى( بعمم الكالم والفمسفة موضوعا ومنيجا في كتابو "البدء والتأريخ". البيروني بالفمك والعموم الرياضية والطبيعية بصورة الفتة في كتاباتو التاريخية. وتأثر 455 مرغوليوث د.س. د ارسات عن المؤرخين العرب ترجمة الدكتور حسين نصار دار الثقافة القاىرة 1929 م ص 142 وحول تأثير ىذه العموم في الكتابة التاريخية ارجع الخالدي طريف فكرة التاريخ عند العرب من الكتاب إلى المقدمة ط 1 ترجمة حسني زينة دار النيار لمنشر بيروت 1997 م.ص فتحي التريكي مقال عن البيروني منشور ضمن تاريخ العموم عند العرب مجموعة مقاالت كتبيا اساتذة جامعيون إش ارف عز الدين باش شاوش المؤسسة الوطنية لمترجمة والتحقيق والد ارسات بيت الحكمة تونس 1989 ص 64 ارجع بيذا الخصوص حاج ياسين رياض حمودة ) 1998 ( كتاب "البدء والتاريخ" لممطير المقدسي د ارسة تاريخية تحميمية رسالة ماجستير الجامعة االردنية عمان االردن ص 18 وما بعدىا. 5 ارجع حول حياة البيروني وتكوينو الثقافي والعممي ومؤلفاتو البييقي ظيير الدين ابو الحسن )ت 565 ى/ 1169 م( تتمة صوان الحكمة ط 1 )تحقيق وضبط وتعميق رفيق العجم( دار الفكر المبناني بيروت 1994.ص 74 وانظر: تاريخ حكماء االسالم )عني بنشره وتحقيقو محمد كرد عمي( مطبعة الترقي مطبوعات المجمع العممي العربي دمشق 1946 م.ص 72

4 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب ىذا االتجاه ابتدأ بالتأسيس بصورة الذين عرفيم القرن الثالث أول ي ة من خالل نظرة بعض المؤرخين الكبار اليجري. فقد شيد القرن المذكور بداية االنفتاح عمى العموم األخرى وما تبعو من االىتمام بثقافة األمم األخرى وخاصة الت ارث اليوناني وذلك بعد أن نشطت حركة الترجمة زمن المأمون ) ى(. ساعد في ذلك التوسع في الرحالت والتجارة كان عصر الرحمة في طمب العمم. وقد عالوة عمى أن القرن الثالث اليجري ىذه التطو ارت ساىمت في توسيع مدلول كممة "تاريخ". فالمسعودي قبل البيروني مثال عب ر تماما عن ىذه النظرة عندما ض من كتابو مجمل الحقول المعرفية التي أحاط بيا حسب قولو: "ولم نترك نوعا من العموم وال فن ا من األخبار وال طريقة من 456 )وباألخص ابن قتيبة واليعقوبي (. حول حركة الترجمة أنظر : ابن النديم الفيرست -ابن النديم أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب )ت 383 ى/ 993 م( الفيرست )تحقيق رضا تجدد( طي ارن )د.ت( ص 334 ابن ابي أصيبعة موفق الدين ابي العباس أحمد بن القاسم)ت 668 ى/ 1269 م( عيون االنباء في طبقات االطباء ط 1 )ضبطو وصححو ووضع فيارسو محمد باسل عيون السود( منشو ارت محمد عمي بيضون دار الكتب العممية بيروت 1998 خاصة الفمسفة والتنجيم والفمك االشرف)ت 646 ى/ 1248 م( مصر 1935 م. ص ص التركيز عمى عموم اليونان القفطي جمال الدين ابو الحسن عمي بن القاضي إخبار العمماء بأخبار الحكماء ط 1 مطبعة السعادة وقد أكد محمد أركون أن القرن ال اربع كان ذروة زمن التاجر واالنفتاح عمى الفمسفة. أنظر اركون محمد نزعة األنسنو في الفكر العربي جيل مسكويو والتوحيدي ط 1 ترجمة ىاشم صالح دار الساقي بيروت ولندن 1997 م ص 565 الدوري عبد العزيز 1993 م ص 48. بحث في نشأة عمم التاريخ عند العرب ط 2 دار المشرق بيروت.

5 اآلثار إال وقد أوردناىا في ىذا الكتاب مفص ال أو ذكرناه مجمال أو أشرنا إليو بضروب " من اإلشا ارت أو لو حنا إليو بفحوى من العبا ارت ىذا القول يشك ل منطمقا نحو فيم النظرة الجديدة لمتاريخ. إذ أرى المسعودي أن التاريخ ىو غاية ىذه العموم ومنتياىا. فالتاريخ مستودع لماضي اإلنسان وعمومو وسج ل جامع لكل المعرفة اإلنسانية إذ ىو أرفع العموم. أقل وضوحا واليعقوبي)ت فالنظرة الجديدة التي تبناىا مؤرخو القرن ال اربع اليجري ومن قبميم وبصورة مؤرخون كبار في القرن الثالث اليجري مثل ابن قتيبة)ت 276 ى( 292 ى( تجاوزت نظرة أىل الحديث في الكتابة التاريخية. فقد أدرك أصحاب النظرة الجديدة عزوف أىل الحديث عن استيعاب فكر األمم األخرى وجدال عقائدىا وأديانيا وت ارثيا ولذلك كان التجديد في النظرة عمى المسعودي وغيره من المجددين في النظرة التاريخية. لمتاريخ. وىذا بدوره انعكس وكان بار از لدى البيروني بالناحيتين االنفتاح عمى األمم األخرى واإلفادة من العموم الجديدة بصورة واسعة. وىذا عز ز التحو ل في عممية تطور الكتابة التاريخية من حيث طبيعة الموضوعات وطريقة تناوليا ومن حيث المغة واألسموب. أصبح التاريخ بعد كل ىذه التطو ارت حقال جامعا. وتؤكد محاولة البيروني خاصة في "تحقيق ما لميند" عمى أن الثقافة بمفيوميا الواسع باتت جزءا أساسيا من -المسعودي أبو الحسن عمي بن الحسين )ت 346 ى/ 957 م(: مروج الذىب ومعادن الجوىر )شرحو عبد االمير مينا( 4 مج منشو ارت مؤسسة االعمى لممطبوعات بيروت )د.ت( ص ج 1 Khalidi, Tarif, Islamic Historiography, The Histories of Ma sudi, State University of New York Press, Albany.1975,pp Khalidi, Islamic historiography.. Masudi, p,13

6 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب التاريخ. صحيح أن كتاب "تحقيق ما لميند" ليس عمال تاريخيا بالمعنى كان مدركا لألبعاد التاريخية في مجال الثقافة إد اركا عميقا. الدقيق لكنو ويتضح الطابع الحضاري في االىتمام بجوانب معينة عند األمم فقد درس البيروني في كتاب "الصيدنة" العقاقير وأدبياتيا عند األمم المختمفة. "الجماىر" د ارسة لممعادن والجواىر ومتعمقاتيما عند أمم عديدة. وقد م في كتاب وذىب بصورة الفتة في كتابيو"اآلثار الباقية" و"تحقيق ما لميند" إلى التعريف بعناصر مختمفة من آداب األمم األخرى. قد م البيروني في د ارسة األدب التاريخي جوانب أخرى تيم الدولة والمجتمع ففي كتاب "الجماىر" أورد إشا ارت عديدة ليا عالقة بالمعادن والجواىر عند األمويين 458 والعباسيين. وأكثر من ذلك فقد أورد البيروني إشا ارت لمفتوحات اإلسالمية من خالل )6( التركيز عمى االستيالء عمى الجواىر والمعادن النفيسة بأنواعيا وقيمتيا. عمى أىمية ىذه الجوانب بالنسبة لدارس التاريخ الحضاري. بما ليؤشر يعزز الشمول في د ارسة المجتمع. وقد سبق لممسعودي أن توسع في د ارسة جوانب أخرى تدل عمى (1) -AL-Biruni Commemorative Volume, proceeding of the International Congress held in Pakistan on the occasion of Millenary of Abu Raihan Muhammed ibn Ahmed al-biruni(973-ca 1051 A.D), November 26,1973 thru December 12, 1973, Editer: Hakim Mohammed Said, Hamdard National Foundation, Karachi, Pakistan.1979,p.232 الخالدي فكرة التاريخ عند العرب ص 233. ) ( 3 ومن يتفحص كتاب الصيدنة يكاد يجد في كل صفحة المقارنة في االدوية عند االمم. ) ( 4 البيروني ابو الريحان محمد بن احمد)ت 443 ى/ 1348 م( الجماىر في معرفة الجواىر وانواعيا ط 1 نشرتو مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية حيدر أباد اليند 1936 م ص ) ( 5 )6( المصدر نفسو ص المصدر نفسو ص

7 التاريخ الحضاري وقد ظير ذلك من خالل بعض األمثمة التي يتضح فييا تصويره لمحياة الثقافية في العصر العباسي ومنيا حديثو في خالفة المعتمد ) ى( عن المالىي والطرب بأنواعو وفوائده وبعض اآلالت الموسيقية واإليقاع وفنون النظم والشطرنج. ساىم البيروني في تعزيز فكرة التنوع المعرفي واتساع مفيوم التاريخ الذي بات يقبل التنوع نتيجة تداخل العموم المتنوعة واالنفتاح عمى االمم االخرى فالبيروني نموذج تمث ل فيو الكثير من سمات الكتابة التاريخية المستميمة من ىذه العموم. 2 -فائدة التاريخ-استخالص العبرة والحكمة: نظر البيروني لمتاريخ من ازوية فائدتو لمبشرية فالتاريخ مستودع الخب ارت البشرية ومنبع الستخالص العبر لتفادي ما يمكن حصولو أو الخروج من وضع ما باستميام حيمة أو خطة ما وىذا كان واضحا من خالل ما عب ر عنو يقول:"...ليكون ما نعممو من ذلك معينا لطالب الحق ومحب الحكمة عمى التصر ف في غيرىا ومرشدا إلى نيل ما لم يتييأ لنا" ويتضح ذلك في إشا ارت أخرى عندما قال: "وال بد من تأم ل التاريخ لمعرفة األمثمة الكثيرة عمى ىذا مما يقع في كل آونة وفي كل دولة" وفي تعميقو عمى فائدة كتاب "المسامرة في أخبار خوارزم" يقول البيروني: "ولو قيل انو المسعودي مروج ج 4 ص وكذلك ذكره لمنوادر زمن المعتضد ) ى( وخاصة المشتغمين بالمعادن والطب والكيمياء المصدر نفسو والجزء ص الخالدي فكرة التاريخ عند العرب ص 231 البيروني ابو الريحان محمد بن احمد)ت 443 ى/ 1348 م( اآلثار الباقية عن القرون الخالية دار صادر بيروت )د.ت( نسخة مصورة عن طبعة DR.EDWARD C.SACHAU في ليبزج 1923 ص 5 البييقي ابو الفضل محمد بن حسين )ت 473 ى/ 1377 م( تاريخ البييقي وفيو المسامرة في أخبار خوارزم لمبيروني ترجمو الى العربية يحيى الخشاب وصادق نشأت دار النيضة العربية لمطباعة والنشر بيروت 1982 م. سيشار لو البيروني المسامرة ص 752

8 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب جدير بأن يكون كتاب تاريخ وحده لما كان ىذا القول بعيدا عن الصواب ألن فيو عبرة ألولي األلباب". وتدل بعض العبا ارت من حكم ومواعظ لديو عمى ىذا االتجاه منيا "فتمك سن ة الخمق منذ آدم عميو السالم الى يومنا ىذا فكل عبد يخرج عمى مواله يفقد حياتو العزيزة" ما استتر عنو وخفي أمره عميو" أبواب األغنياء واشا ارت أخرى "أليس البشر مطبوعا عمى فرط الحرص بتعر ف "سئل بعض الحكماء عن سبب غشيان العمماء واع ارض األغنياء عن قصد أبواب العمماء فأجاب بأنو عمم ىؤالء بمنافع المال وجيل أولئك بشرف العمم" خس ارن" فالتاريخ )6( "ألن القمم يؤثر إذا آزره السيف". "فأين ال اربح إذا كان أرس المال ىذه االقتباسات تدل بوضوح عمى استخالص الحكمة من التجارب البشرية مستودع ليذه التجارب. والبيروني في ىذه النظرة يشاطر معاصره مسكويو )ت 421 ى( الذي اتضح لديو ىذا االتجاه تماما في كتاباتو التاريخية. فقد عب ر عن ذلك بوضوح عندما قال: "وأنا مبتدئ بذكر اهلل ومن تو بما نقل إلينا من األخبار بعد الطوفان لقم ة الث قة بما كان منيا قبمو وألن ما نقل أيضا ال يفيد شيئا مما عزمنا عمى ذكره وضم ناه في صدر الكتاب وليذا السبب بعينو لم نتعر ض لمعج ازت األنبياء صموات اهلل عمييم وما تم ليم من السياسات ألن أىل زماننا ال يستفيدون منيا تجربة 463 المصدر نفسو ص 759 المصدر نفسو ص 752 البيروني ابو الريحان محمد بن احمد)ت 443 ى/ 1348 م( تحديد نيايات األماكن لتصحيح مسافات المساكن (تحقيق د.بولجاكوف م ارجعة د.إمام إب ارىيم أحمد) معيد المخطوطات العربية جامعة الدول العربية القاىرة 1962 م.ص 35 )6( البيروني تحقيق ما لميند ص 149 البيروني المسامرة ص 738 المصدر نفسو والصفحة

9 فيما يستقبمونو من أمور الميم إال ما كان منيا تدبي ار بشريا ال يقترن باإلعجاز". ويتضح أن رفض مسكويو تضمين تمك األخبار كان أساسو أنيا ال تتضمن التدبير البشري والحيل والمكايد التي أشار ليا مسكويو باعتبارىا تيم "الوز ارء وأصحاب الجيوش وسو اس المدن ومدب ري أمر العامة والخاصة" مسكويو التاريخية. في استخالص الحكمة من التجارب. ومن ىنا تكمن وىذه كانت أساس رؤية وقد دل عنوان كتابو "تجارب األمم وتعاقب اليمم" عمى رؤيتو األىمية القصوى لمتاريخ في انو مستودع الخبرة ومكتنز استخالص الحكمة اإلنسانية. وىذا معناه أن اإلنسان اليمكن أن يتجاىل التاريخ في حياتو أو يستبعد حوادثو التي تعينو عمى فيم ذاتو الحضارية بل وتسيم في ىدايتو إلى اتجاىات أخرى تمزمو في الحاضر وقد تعينو عمى الكثير مما قد يصادفو في حياتو. وليذا أك د البيروني قيمة الكتابة والتدوين في حفظ اآلثار والمعارف لألمم فالتدوين والكتابة تفوق شرف كل عمم وفن. ىذه المعرفة التي يتم تناقميا جيال زمنيا بعد جيل تطرح مسألتين األولى:ارتباط الماضي بالحاضر فالتاريخ مستمر في الحاضر استم ار ار تفرض وجوده وعناصره ثقافة األمة الحالية المتوارثة من األجيال والثانية أنو مؤشر يبنى عميو ما يحدث في الحاضر تجاه المستقبل. فالبيروني ربط الماضي بالحاضر فعنوان كتابو "اآلثار الباقية" يشير إلى ىذه الفكرة فالتاريخ ىو الماضي الحاضر إذ أن مجموع عوارض 461 مسكويو أبو عمي أحمد بن محمد )ت 421 ى/ 1333 م( تجارب األمم وتعاقب اليمم 3 مج )كتب مقدمتو ووضع فيارسو ليون كايتاني( برل ليدن م ج 1 ص 6-5. المصدر نفسو ج 1 ص 5-4. ارجع حول نظرة مسكويو بالتفصيل أركون نزعة األنسنو في الفكر العربي ص و جب "تاريخ" دائرة المعارف االسالمية وانظر الخالدي كرة التاريخ عند العرب ىناك إشا ارت الفتة عمى ذلك في مقدمة تحقيق ما لميند ص 1

10 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب الماضي حاضرة بأخبارىا وآثارىا وفحص تمك األخبار عممية تنجز دائما في الحاضر. فالتاريخ حاضر بمعنيين شواىده وفي ذىن المؤرخ وكثي ار ما نق أر ال بد من مقارنة الماضي بالحاضر والحاضر بالماضي نستخمص منيا أن معرفة الماضي دائما نسبية إذ تستجيب لمتطمبات الوضع القائم وأنيا دائما عممية إذ تجيب عن أسئمة حالية. ومن ىنا تتبدى أىمية المعرفة التاريخية التي تقتضي اإلفادة من األدوات المتاحة في الحاضر وىذا ما فعمو البيروني. البيروني ونظرتو لتاريخ الحضارة كان البيروني مسكونا بياجس المحافظة عمى الت ارث الحضاري فقد أولى أىمية بالغة لمتدوين والكتابة اعترف البيروني في مطمع كتاب وانتقد بشدة ممارسات العبث بالت ارث والمساس بو. كما "تحقيق ما لميند" بتفوق الكتابة وشرفيا وربما كان ليذا عالقة بنظرة البيروني لبعض جوانب الحضارة فالكتابة تؤرخ لمحضارة االنسانية إذ يعتبر دارسو الحضا ارت القديمة بأن الكتابة واخت ارعيا من أىم عناصر تطور بالخصوصية. الحضارة االنسانية. ىذه النظرة الفريدة لمبيروني تعب ر عن رؤية تتسم 462 ص 38 العروي عبد اهلل مفيوم التاريخ ط 1 جزءان المركز الثقافي العربي بيروت 1997 م ج 1 كان النموذج االكثر ص ارحة انتقاده البن قتيبة بن مسمم وما فعمو بالنسبة لت ارث خوارزم المكتوب ارجع البيروني االثار الباقية ص 48. ارجع ايمار أندريو واوبوايو جانين تاريخ الحضا ارت العام ط 3 7 مجمدات إش ار ف موريس كروزويو ترجمة فريد م. داغر وأحمد عويدات وفؤاد ج.ابو ريحان منشو ارت عويدات بيروت- باريس 1993 ج 1 ص اش ارف موريس كروزيو. فالكتابة تعد أوسع خطوة خطاىا االنسان في انتقالو الى المدنية وىي من أىم سمات االنتقال الى العصور التاريخية ديو ارنت ول وايرل قصة الحضارة 42 جزءا دا ارلجيل بالتعاون مع المنظمة العربية والثقافة والعموم بيروت 181. ص 1988 م.ج 1

11 وىناك أبعاد طرقيا البيروني يستدل منيا عمى النظ ارت الحضارية التي قد ميا مدني ومنيا ما يتصل بمجال عمم االجتماع فقد سبق ابن خمدون في فكرة أن االنسان بالطبع.إذ كان البيروني ممي از في طرحو بخصوص فكرة التمد ن فقد قال:"فأما العموم بعد أن كان اإلنسان مطبوعا عمى قبوليا- فقد اضطره إلييا كونو في العالم مدة تصرفو فيو عمى قضايا التكميف ألنو لكثرة حاجاتو وقم ة قناعاتو وتعر يو عن آالت الدفاع مع وفور أعدائو ولم يجد بد ا من التمد ن مع أىل جنسو قصدا لمت اردف واشتغال كل واحد منيم بشغل يكفيو ويكفي غيره...". ولعل ىذه الفكرة ترقى لألدبيات اليونانية موسعة. وقد ناقشيا ابن خمدون بصورة وىكذا قد م البيروني نظ ارت في االجتماع اإلنساني سبقت ابن خمدون وكان متمي از ألن و طرح ىذا من ازوية فائدة العموم لإلنسان بقولو:"ثم لم ا كان اإلنسان المتمد ن مقتنيا بحرصو ما زين لو من "القناطير المقنطرة...والخيل المسومة واألنعام والحرث" احتاج في نقميا ونقل أبعاضيا المتفاضمة من ممك غيره إلى ممكو وقسمتيا عمى أصحابو إذ شاركوه في النقل إما باالعواض واما بالمي ارث إلى حساب ومساحة لم يجد منيما بد ا وىما اليندسة فيذه منفعتيا". أصول العموم المسماة رياضيات وتعاليم وتحقيقيا عمم البيروني تحديد نيايات ص 25. مسكويو ابو عمي أحمد بن محمد)ت 421 ى(تيذيب االخالق وتطيير االع ارق تحقيق قسطنطين زريق نشرتو الجامعة االميركية بيروت 1966 ص 29 )وسيشار لو مسكويو تيذيب االخالق(. 463 ابن خمدون أبو زيد عن الرحمن بن ولي الدين )ت 838 ى/ 1436 م( المقدمة ط 3 3 مج )ميد ليا وحققيا عمي عبد الواحد وافي( دار نيضة مصر لمطباعة والنشر الفجالة - القاىرة )د.ت( ص البيروني تحديد نيايات ص 26 االقتباس القرآني في النص من آية 14- سورة آل عم ارن.

12 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب وتمي ز البيروني حين ذىب أبعد في ربط تطو ر العموم بحاجات اإلنسان "فيذه حال العموم بقولو: قد أنتجتيا حوائج االنسان الضرورية في معاشو وتسمسمت بحسبيا وحصول الحاجات بيا ىومنافعيا". فالمالحظ أن ىذه النظرة ترس خ لدى البيروني ما يمكن أن نسم يو اسبابا لنشأة العموم مرتبطة بتطور حياة اإلنسان وحاجياتو وكأن نشأة العموم جاءت تابعة لرغبة االنسان وتمبية لتعقيدات حياتو. فالبيروني وفق ذلك يرفض العزلة واالنسحاب من العالم فيو يوافق الفكر الفمسفي منذ زمن المدني ة االغريقية بالدفاع عن المبدأ القائل بأن"االنسان حيوان سياسي بطبيعتو" ولكن االنسان اليتوصل الى المدني ة اال من خالل التضامن مع الجماعة التي ينتمي الييا. فاالنسان اليمكن أن يكون مكتفيا وسعيدا بذاتو. وقد عب ر مسكويو عن ذلك "ولما كانت ىذه الخي ارت االنسانية كثيرة...ولم يكن في طاقة االنسان الواحد القيام بجميعيا وجب ان يقوم بجميعيا جماعة كثيرة منيم ولذلك وجب أن تكون أشخاص الناس كثيرة وان يجتمعوا في زمان واحد عمى تحصيل ىذه السعادات المشتركة ليكمل كل واحد منيم بمعاونة الباقين لو فتكون الخي ارت مشتركة والسعادة فوضى بينيم فيتوزعونيا حتى يقوم كل واحد بجزء منيا ويتم لمجميع الكمال االنسي... ". فيو يعترف بأن "االنسان مدني بالطبع أي ىو محتاج الى مدينة فييا خمق كثير لتتم لو السعادة االنسانية". المصدر نفسو ص اركون نزعة االنسنة في الفكر العربي ص 513 مسكويو تيذيب االخالق ص المصدر نفسو ص 29

13 تمييز البيروني لمتاريخ بوصفو معرفة نقمية شفوية ومكتوبة: فاضل البيروني بين أكثر من مستوى لتناقل المعرفة التاريخية. فيناك المعرفة المبني ة عمى الرواية الشفوية وىناك المكتوبة وىناك المشاىدة. وقد حد د البيروني السبيل لمعرفة أخبار األمم الماضية بقولو:"إن اقرب األسباب المؤدية إلى ما سئمت عنو ىو معرفة أخبار األمم السالفة وأنباء القرون الماضية ألن أكثرىا أحوال عنيم ورسوم باقية من رسوميم ونواميسيم والسبيل إلى التوس ل إلى ذلك من جية االستدالل بالمعقوالت والقياس بما يشاىد من المحسوسات سوى التقميد ألىل الكتب والممل وأصحاب اآل ارء والنحل...". فاألصل في التاريخ ىو المدونات المكتوبة واآلثار الباقية عن األمم والمرويات الشفوية بما تمث مو من تاريخ حي في صدور الناس. ووفقا لذلك ال يولد اإلبداع فجأة ودفعة واحدة. بل عمى العالم أن يكون متمر سا بعد أن يفيد من الت ارث المت اركم في كل حقل معرفي يعمل فيو. بمعنى أنو ال يمكن كتابة التاريخ دون المصادر النقمية يقول البيروني:"...واذا كان إنكارىم كل ما لم يتفق في زمانيم أو مكانيم حتى يشاىدوه ولم يكن يستحيل في العقول كثير إنكارىم ولم يقر وا بشيء غاب عنيم فإن الحوادث العظام غير متفقة في كل وقت واذا اتفقت في قرن لم يتصل بمن بعدىم عند مضي الدىور ومرور األحقاب إال باألخبار وتواترىا...". وبذا ليس ثمة ما يبعث عمى القمق عندما نقول بأن المصدر األساس لمكتابة التاريخية ىو نقمي في حين أن ىناك أدوات ليا طابع عممي تتصل بالناحية العقمية والحسية والتجريبية يمكن من خالليا محاكمة بعض األخبار التاريخية. فالبيروني لم 465 أشار الى ىذه المستويات الثالثة في مقدمة االثا ارلباقية ص 4 المصدر نفسو ص 4 المصدر نفسو ص 82

14 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب يذىب إلى إخ ارج التاريخ من دائرة العموم النقمية. فقد حافظ التاريخ عمى ىذه الخصوصية حتى بعد التطو ارت الثقافية الكبيرة التي طالت جوانب الحياة في المجتمع االسالمي السي ما مع القرن الثالث اليجري)التاسع الميالدي( وما بعده فالتصنيف الدارج لمتاريخ في القرن ال اربع والخامس لميجرة)العاشر والحادي عشر الميالديين( كان عمى أساس أنو من بين العموم النقمية الشرعية تحديدا وظير ذلك في تقسيمات الخوارزمي في القرن ال اربع اليجري)العاشر الميالدي( عندما قس م العموم الى : أوال عموم الشريعة وما يقترن بيا من العموم العرب ية والتي تشمل: الفقو والكالم والنحو وفن الكتابة والشعر والعروض واألخبار ثانيا عموم األوائل )اإلغريق( وتشمل: الطب والفمسفة والمنطق والفمك والموسيقى. كما ظير في الرسالة السابعة من المجموعة األولى إلخوان الصفا عندما صنفوا العموم إلى ثالثة أصناف:الرياضية والشرعية والفمسفية. والتاريخ عندىم يشكل جزءا ميما من العموم الشرعية. وقد اتضح من خالل بعض النماذج استخدام أدوات المعرفة النقمية المستقاة من قواعد عمم الحديث في د ارسة التاريخ وكان النموذج االكثر وضوحا الطبري )ت 313 ى( والذي كانت نظرتو لمتاريخ وأسموبو في كتابتو متأثرة بدارستو كمح دث وفقيو. فقد نظر لمتاريخ باعتباره من العموم النقميو مقابل العموم العقميو واضعا إياه جنبا إلى جنب مع عمم الحديث. وىذه النظرة لمتاريخ أوضحيا في مقدمة تاريخو إذ يقول : "وليعمم الناظر في كتابنا ىذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيو مما شرطت أني ارسمو فيو إنما ىو عمى ما رويت من األخبار التي أنا مسندىا إلى رواتيا الخوارزمي محمد بن أحمد بن يوسف )ت 387 فيارسو فان فموتن( برل ليدن 1968 م. ص 5 وما بعدىا. ى/ 997 م( مفاتيح العموم )حققو ووضع 466 رسائل اخوان الصفا وخالن الوفا ط 1 أربعة مج الدار االسالمية بيروت 1992 ج 1 ص 267 الدوري بحث ص 55. الخالدي فكرة التاريخ عند العرب ص 137

15 فيو دون ما أدرك بحجج العقول واستنبط بفكر النفوس اال اليسير القميل منو إذ كان العمم بما كان من أخبار الماضين وما ىو كائن من أنباء الحادثين غير واصل إلى من لم يشاىدىم ولم يدرك زمانيم إال بأخبار المخبرين ونقل الناقمين دون االستخ ارج بالعقول واالستنباط بفكر النفوس فما يكن من كتابي ىذا من خبر ذكرناه في بعض الماضين مم ا يستنكره قارئو أو يستشنعو سامعو من أجل أنو لم يعرف لو وجيا في الصحة وال معنى في الحقيقة فميعمم أنو لم يؤت في ذلك من قبمنا وانما أتى من قبل بعض ناقميو إلينا وانما أدينا ذلك عمى نحو ما أدي إلينا". يتضح من ذلك أن طريقة الطبري في عرض الروايات تتجو إلى إسنادىا لرواتيا من جية والى تحديد الوسيمة التي تصل بيا المعرفة التاريخية من جية أخرى. ىذه المعرفة ال يمكن أن ي ستدل عمييا أو أن تدرك بحجج العقول وفكر النفوس بل يمكن الحصول عمييا من خالل النقل من الرواة. فاإلخبار عن الماضي ىو دائما شيادة سواء أتعم ق األمر بقول أو حدث. وبالتالي إن طبق منيج التعديل عمى الشيود اقترب من معرفة الحادث عمى وجيو الصحيح. وبذلك تتأكد نظرة الطبري لمتاريخ بوصفو أخبا ار يتم تناقميا عبر رواة يجري تحر ييم لمعرفة موثوقيم وأقربيم إلى الحدث. فقيمة الروايات في نظر الطبري تعتمد عمى قوة أسانيدىا وكمما كان بدء الس ند أقرب إلى الحدث كان أفضل. أما البيروني فكان مشروعو مغاي ار تماما ليذا النيج مع اعت ارفو بأىمية النقل لعمل المؤرخ. لذا فقد حرص عمى استخدام أدوات لد ارسة التاريخ متأثرة بناحية تكوينو العممي ومنسجمة مع االفادة من العموم االخرى في د ارسة التاريخ. 467 الطبري أبو جعفر محمد بن جرير )ت 313 ى/ 922 م( تاريخ الرسل والمموك ط 6 13 م )تحقيق محمد أبو الفضل إب ارىيم( دار المعارف القاىرة )د.ت(. ج 1 ص 8-7. عبد اهلل العروي مفيوم التاريخ ج 1 ص. 212 الدوري بحث ص. 55

16 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب فاضل البيروني بين مستويات نقل المعرفة في أكثر من موضع فقد أصر في مؤلفو الموسوعي "تحقيق ما لميند" عمى فكرة:"ليس الخبر كالعيان ألن العيان ىو إد ارك عين الناظر عين المنظور إليو في زمان وجوده وفي مكان حصولو ولوال لواحق آفات بالخبر لكانت فضيمتو تبين عمى العيان...". بمعنى أنو يعترف بقيمة األخبار وأىميتيا أي بالمعرفة النقمية التي لم تسمم بنظره من عبث الناقمين وغايات المخبرين لكن و يصر عمى أىمية أدوات أخرى مثل المشاىدة والمعاينة. وبانت قيمة الكتابة المبنية عمى المعاينة عندما طب قيا عمى تجربتو في كتاب"تحقيق ما لميند" فقد درس اليند من داخميا بأجوائيا وبيئتيا. وربما تدل عبارة البيروني عمى أن ما كتب عن اليند كان قائما عمى النقل والسماع وتتالي الحكايات عن اليند والدليل انو نقض مقوالت كانت شائعة عن اليند مثل وصف اليند بالحكمة والتي تم تناقميا قبمو. ويتضمن ىذا المبدأ ضرورة مشاىدة الحادثة في المحظة التي حدثت فييا ومكانيا وعندىا اليضطر المؤرخ لالعتماد عمى المخبرين وذلك نظ ار لما تسببو االخبار المنقولة من تشويو لمحقائق. وىكذا يكون البيروني قد قرر إطا ار تصوريا في رؤية الظواىر االجتماعية ود ارستيا قوامو أن يقوم بين الظواىر االجتماعية من جية ثم بينيا وبين المجال البيئوي المحيط بيا والمناخ االجتماعي المالزم والزمن الذي تحدث فيو صالت تكاممية. وما ازل ىذا االطار الفكري ىو الذي يحكم رؤية عمماء االجتماع المعاصرين لمظواىر والنظم االجتماعية. 468 البيروني تحقيق ما لميند ص 1 المصدر نفسو ص 17 الربايعة أحمد البيروني وأسس االنثروبولوجيا الثقافية" د ارسات تاريخية )ع ( جامعة دمشق 1989 م ص 134

17 وىذا النيج ينسجم مع الرؤية العممية. وقد بدا واضحا في وصفو الجغ ارفي لمبمدان في كتابو "تحديد نيايات االماكن" عندما قد م معرفة جغ ارفية عمى أساس تحميل عممي جيولوجي وكيميائي نبع من المشاىدة بالدرجة االساس. ايضا في نقده لمعمومات جغ ارفية أوردىا الجاحظ الذي قبيل المعرفة الظنية غير الصحيحة وتت بدى أ ىمية المشاىدة لم يشاىد ما حكاه بأنيا من ألن يا لم تقم عمى أساس المعاينة والمشاىدة. كذلك أىمية المشاىدة بالنسبة لمثقة بالخبر لقول البيروني:"...وان كان القمب اليطمئن الييا دون مشاىدتيا". ومن ىنا يمكن تفسير إص ارره عمى الوثوق بأخبار سنان بن ثابت انطالقا من كونيا مبنية عمى المعاينة والتجربة ألنيا ليست مبنية عمى المشاىدة. او نقده لمصادره ويؤيد البيروني مقولتو التي اشتممت عمى أىمية النقل في الوقت الذي يبدو فيو الحذر من التعامل مع ىذه المعرفة من منطمق أنيا تختمط بالتزوير واألساطير وباألخص تمك البعيدة زمنيا لقول البيروني:"...فاألولى أن ال نقبل من قوليم في مثمو إال ما يشيد بو كتاب معتمد عمى صحتو أو خبر مشفوع بو ش ارئط الثقة في الظن )6( األغمب". ومن ىنا فقط يمكن تبرير إي ارده لمقتبسات عن الكتب السماوية كالتو ارة والتي اشتممت عمى معمومات تاريخية ال يمكن لمؤرخ أن يتجاىميا ال سي ما في التعامل مع 469 البيروني تحقيق ما لميند ص 163 البيروني االثار الباقية ص 215 المصدر نفسو ص )6( ارجع أىمية المشاىدة في أخباره المصدر نفسو ص ( ) جالل شوقي: د ارسات البيروني في الطبيعيات أبحاث الندوة العالمية األولى لتاريخ العموم عند العرب جامعة حمب ص البيروني االثار الباقية ص 14

18 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب التاريخ القديم. وىذا كان مبر ار من وجيتو فيو يستعين مثال بالكتب السماوية لتعذ ر توفر مصادر أخرى عن التاريخ القديم مثال. أما في المواضع التي تتوفر فييا مصادر أخرى متنوعة فإنو يسج ل بوضوح أن ميمة المؤرخ في استقصاء األصح واألصمح واألكثر عممية واألقرب زمنا. وقد كان موقف البيروني من ىذه األخبار نقديا تشكيكيا فظير بار از في مجمل مقتبساتو عندما استخدم تعابي ار وألفاظأ عمى النحو التالي:"زعموا" ذكرنا ليس كل واحد تمحق بدعاوى الييود" )7( متعددة في النسخ ومختمفة من الفريقين إال مد عيا في ىذا المعنى دعاوى )6( "انيم يزعمون" "وكل ما "وىذه شبو و ازد تشكيكو فييا من منطمق أنيا متعددة فيي تعر ضت لمتغيير والتحريف. عالوة عمى أنيا اشتممت عمى أساطير وتمفيقات يقول البيروني:" وكل ما ذكروه ونذكره ىي حجج قاطعة وأدل ة واضحة عمى أن الكمم في الكتب محر ف عن مواضعو والنص فييا مغي ر عن مناىجو واالعتصام بمثل ىذا من الحسبانات والتمفيقات أقوى دليل وأوضح حج ة )8( عمى تنك ب صاحبيا عن الحق واليدى..." فالبيروني رفض األساطير من خمفية عممية وقد بدا ذلك بوضوح في موقفو من كثير من القصص التي كان يروييا )9( الينود بحج ة أن "ليس لمعقل فييا مدخل" عمى حد تعبيره. ورفض "السحر كونو 473 المصدر نفسو )6( )7( )8( )9( البيروني االثار الباقية ص 5-4 المصدر نفسو ص 15 المصدر نفسو ص 17 المصدر نفسو ص 18 المصدر نفسو ص 22 المصدر نفسو ص 21 المصدر نفسو ص 23 البيروني تحقيق ما لميند ص

19 كونو غير داخل في العمم البتة". غير أن و أرى أن بعض األخبار التي تشتمل عمى غ ارئب وعجائب ال يصح رفضيا لمجر د ىذه الغ اربة "فما كان منيا في حد اإلمكان جرى مجرى الخبر الحق إذا لم يشيد ببطالنو شواىد أخر" أخبا ار عديدة ليا طابع الغ اربة. لذلك يالحظ أنو أورد لم يتوقف البيروني عند االكتفاء بمحاكمة األخبار وفقا لشروط مصداقية الناقمين وشيرة الكتب الموثوقة بل أصر عمى استخدام أدوات معرفية أخرى. وىذا الجانب عب ر عنو ابن خمدون عندما أرى بان أدوات المؤرخ يفترض أن ال تتعمق بمجر د أخالقية الناقمين كما ىو الحال بالنسبة لمنيج المحدثين ألن الت اريخ من وجيتو محتاج إلى أدوات متعددة يستوعبيا عمم العم ارن. فالتاريخ من وجية ابن خمدون "...محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وثبت يفضيان بصاحبيما إلى الحق وينكبان بو عن المزالت والمغالط ألن األخبار إذا اعتمد فييا عمى مجرد النقل ولم تحك م أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العم ارن واألحوال في االجتماع اإلنساني والقيس الغائب منيا بالشاىد والحاضر بالذاىب فربما لم يؤمن فييا من العثور ومزل ة القدم والحيد عن جادة الصدق وكثي ار ما وقع لممؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط في الحكايات والوقائع العتمادىم فييا عمى مجرد النقل غث ا أو سمينا فيم لم يعرضوىا عمى أصوليا والقاسوىا بأشباىيا والسبروىا بمعيار الحكمة والوقوف 471 المصدر نفسو ص 181 المصدر نفسو ص 149 البيروني تحقيق ما لميند ص 5 المصدر نفسو ص ابن خمدون المقدمة ج 1 ص. 337

20 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب عمى طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في األخبار فضم وا عن الحقائق وتاىوا في بيداء الوىم والغمط". وتمثل محاولة البيروني سابقة عمى ما ذىب إليو ابن خمدون من أىمية استخدام أدوات متعددة في التعامل مع التاريخ مع االنف ارد باستخدام الفمك والحسابات الرياضية التي تعد أدواتو الرئيسة في التعامل مع المعرفة التاريخية.عالوة عمى استخدام نيج المقارنة في د ارسة التاريخ. التفت البيروني إلى أىمية توظيف أدوات أخرى في د ارسة المعرفة التاريخية تجاوزت النقل من الكتب والرواية الشفوية فالنقل ال واإلضافات الناشئة عن دوافع الناقمين والمخبرين. يسمم من اآلفات فالبيروني أ ارد القول بأن تحصيل المعرفة يفترض أن يكون لذاتو وليس ألي مأرب بمعنى تحر ي الحقيقة والمعرفة الصحيحة والوصول إلى المعرفة من أجل المعرفة. والتاريخ بوصفو معرفة تعتمد عمى النقل لن يكون ذا سمة موضوعية تماما فب أريو فإن "الخبر عن الشيء الممكن الوجود في العادة الجارية يقابل الصدق والكذب عمى صورة واحدة وكالىما الحقان بو من جية المخبرين..." ويحدد البيروني دوافع الكذب في األخبار ذاك ار خمس طبقات من المخبرين عمى النحو التالي: 472 المصدر نفسو والجزء ص 291 البيروني تحقيق ما لميند ص انظر دفاعو عن تأليف كتابو اليند انطالقا من الرغبة في الوصول لمحقيقة المصدر نفسو ص المصدر نفسو ص 2 كاور جونيندار البيروني: ارئد من رواد الد ارسة المقارنة لألديان ترجمة د.محمد اكرم سعد الدين الثقافة العالمية المجمد السادس )ع 32 ( 1987 م ص عند أحمد الربايعة البيروني واسس االنثربولوجيا ص ارجع ايضا ىذه التفاصيل:

21 - - التعصب لمذات أو لمساللة التي ينتمي إلييا المخبر فيرفع قدر نفسو وساللتو ويحط من قدر غيره والسالالت األخرى لقولو:"ومن مخبر عن أمر كذب يقصد فيو نفسو فيعظ م بو جنسو... أو يقصدىا فيزري بخالف جنسو لفوزه فيو بإ اردتو". تحي ز المخبر لطبقة اجتماعية معي نة بسبب ما يحصل عميو من فوائد ومكتسبات وذم طبقة اجتماعية أخرى لعدم حصولو عمى مكتسبات منيا يتضح ذلك من قولو:"ومن مخبر عن كذب في طبقة يحبيم لشكر أو يبغضيم لنكر والداعي الى ذلك ىو المحبة والغمبة". - المحاباة طمعا في خير يصيبو أو تجنبا لشر قد يقع عميو يقول البيروني:"ومن مخبر عنو متقربا الى خير بدناءة الطبع أو متقيا لشر من فشل أو فزع". - أن يكون الكذب متأص ال في المخبر أي من طبعو يقول:"ومن مخبر عنو طباعا كأنو محمول عميو غير متمكن من غيره وذلك من دواعي الش اررة وخبث مخابئ الطبيعة". - الجيل باالخبار ونقميا كما ىي يقول:"ومن مخبر عنو جيال وىو المق ل لممخبرين وان كثروا جممة أو تواتروا فرقة بعد فرقة فيم وسائط بين السامع وبين المتعمد االول". فالبيروني يكشف أسباب الروايات الكاذبة فيو يجد أن ىذه االسباب تكمن في مصالح متناقضة لطوائف محددة من الناس وفي رغائبيا وتطمعاتيا وانفعاالتيا 473 البيروني تحقيق ما لميند ص 2 المصدر نفسو والصفحة المصدر نفسو والصفحة. المصدر نفسو والصفحة. المصدر نفسو والصفحة.

22 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب وسخطيا وحبيا وك ارىيتيا وكذلك في أماني االف ارد وذلك بسبب بساطة طبيعتيا لتحقيق الرخاء عن طريق األكاذيب أو نتيجة الخوف من الشر الذي يجعل الناس ينطقون بالكذب. وىذه اآلفات من كذب وتحريف تفس ر وجود ىاجس لدى بعض المؤرخين فالمسعودي )ت 346 ى( يتمسك بمسؤوليتو أمام نصوصو معتد ا بذلك ومحذ ار من العبث بما أورده يقول: " فمن حر ف شيئا من معناه أو أ ازل ركنا من مبناه أو طمس واضحة من معالمو أو لب س شاىده من ت ارجمو أو غي ره أو بد لو أو نسبو إلى غيرنا أو أضافو إلى سوانا فوافاه من غضب اهلل...". بمعنى أن ذلك سيعقد ميمة المؤرخ في البحث والتقصي واالجتياد ألن فرز المعرفة التاريخية الصحيحة لن يكون سيال يقول البيروني:"عمى أن األصل الذي أص متو والطريق الذي ميدتو ليس بقريب المأخذ بل كأنو من بعده وصعوبتو يشبو أن يكون غير موصول إليو لكثرة األباطيل التي كانت تدخل جمل األخبار واألحاديث". وىذا يؤكد قيمة األدوات التي يحتاجيا المؤرخ. وأكثر من ذلك فاآلفات التي قد تمحق بالمعرفة المكتوبة دفعت البيروني أحيانا إلى تفضيل المعرفة الشفوية عمى المكتوبة. مع إي ارد المبر ارت لذلك فاعتبر المعرفة مأمونوف اب ارىيم البيروني أعظم عالم موسوعي ترجمة وتعميق سميم طو التكريتي المورد المجمد السادس )ع 4 ( عدد خاص )العموم عند العرب( بغداد 1977 م ص 158 ص المسعودي مروج ج 1 ص. 9 البيروني االثار الباقية ص 5-4 و يعزو البيروني انقطاع المعرفة في تاريخ العرب قبل اإلسالم أحيانا إلى الرواية الشفوية بمعنى أن العرب في نظره كانوا أميين"ولم يعو لوا في تخميد اآلثار إال عمى الحفظ واألشعار فمما انقرض مستعمموىا انقطع ذكرىا والسبيل إلى معرفة مثل ذلك" )البيروني اآلثار الباقية ص 141 ( فيذا معناه انو حدد أيضا آفة المعرفة الشفوية.

23 الشفوية أقل خط ار من المعرفة المكتوبة التي قد تتعرض لما قد يط أر عمييا وحتى يكون أحيانا بنظره الحفظ في الصدور أكثر أىمية من الجمع من الكتب لقولو:"...والحفظ بكل ما برىن أعمق واليو أسرع وأقرب لكنو موىبة من اهلل تعالى غير مكتسبة بل يختص بو قوم دون قوم يحرمونو فال يكاد يوصمون إلى الممكن فيو منيم إال بالمواظبة والدؤوب عمى الممارسة قال ابو سعد)عبد الرحمن بن محمد بن دوست( : عميك بالحفظ دون الجمع من كتب النار تحرقيا والماء يغرقيا فإن لمكتب آفات تفرقيا والفأر يخرقيا والمص يسرقيا فيذه اآلفات تجعل المعرفة المنقولة في الكتب عرضة لمتغيير والتبديل والضياع وىنا تكمن الخطورة الحقيقية بنظره. األمر الذي يتعذ ر معو التسميم تماما بالمعرفة المكتوبة عمى أىميتيا. ومن ىنا فكرة النقد واستخدام االدوات المتعددة في د ارسة التاريخ. وقد عب ر البيروني بوضوح عن خطورة المعرفة المكتوبة بقولو:"فإن الحيطة واجبة عمى الكت اب في كل ما تسطر أقالميم ألن القول يمكن العدول عنو وأما المسطور فال رجعة عنو". ىذه النظرة تؤكد قيمة الكتابة وخصوصيتيا عمى المعرفة الشفوية باعتبار أن الكتابة المدونة وثيقة معتمدة بصرف النظر عن فحواىا في حين 475 ابو سعد: من اعيان الفضالء بنيسابور يجمع الفقو واالدب وشعره كثير الممح والنكت حسن وانظر ىذه الديباجة األبيات )ت 429 ى/ 1337 م( يتيمة الدىر في محاسن أىل العصر ط 1 4 مج دار الكتب العممية بيروت أيضا عند الثعالبي ابو منصور عبد الممك بن محمد بن اسماعيل 1983 م.ج 4 ص 493 البيروني ابو الريحان محمد بن احمد)ت 443 ى/ 1348 م( كتاب الصيدنة )شرح وتحقيق د. مفيد محمد قميحة( سعيد والدكتور ارنا احسان اليي) اش ارف مؤسسة ىمدرد الوطنية ك ارتشي 1973 م ص 2 البيروني المسامرة ص 738 (تحقيق الحكيم محمد

24 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب أن المعرفة الشفوية قد يتنكر ليا بسيولة. وىذا يدل عمى أن الفترة التي كتب فييا البيروني شيدت طغيان الكتابة عمى المروي ات الشفوية عمى نطاق واسع. العممية األدوات أدوات عممية رئيسية: مستويات في النظر لمتاريخ عند البيروني: مرتبطة بالعقل والتجربة والمقارنة ينبغي وفقا لمبيروني أن ندرس ما وصل الينا من الس مف فنخضعو لمن قد واألدوات العممية المتنوعة وذلك من أجل تمييز الصواب من الخطأ. فالبيروني يرفض التعاطي مع المعرفة بالتسميم المطمق. لذلك وجد لديو ىذا التنوع في استخدام األدوات. فالبيروني ال يسم م بما آمن بو غيره أو رفضو قبل أن يخضعو لمتمحيص والقياس والتحميل والنقد فيقبل ما وافق مقاييسو ويرفض ما عداه ال يصد ه عن عظمة القائل أو عدم شيرتو وىي آية موضوعية تجانب التقميد وتنشد الحق أيا كان. فيو اعتمد أساسا عمى فيم الجانب العممي فجاءت المعمومات مقرونة باالرقام واالحصائيات المبنية عمى المشاىدة والممارسة. وتقتضي األدوات العممية ان و ال يمكن أن تكون األخبار بمنأى عن حكم العقل وقوانين الطبيعة فالبيروني كان يستبعد كل ما يخالف العقل وقوانين الطبيعة وىذا ليس غريبا عمى عالم طبيعيات. وربما افمح في استخدام ىذا النيج في كتابو "اآلثار" أكثر من كتاب"تحقيق ما لميند" فقد تبين حرصو عمى إي ارد الثقافة اليندية من منابعيا وأصوليا بدليل عنوان الكتاب"من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة". 476 الشابي عمي األدب الفارسي في العصر الغزنوي دار نشر تونس م ص أمين حسين )1975( البيروني عالم ساىم في تقدم العموم المؤرخ العربي )ع 1 ( األمانة العامة التحاد المؤرخين العرب بغداد ص 13 Sachau,, Alberuni s India,vol,1,p,33

25 ومنيج البيروني في البحث التاريخي ىو عين المنيج الذي يسير عميو المنيج العممي في العصر الحديث. أي االحتكام إلى العقل بعد االستقصاء واالستيعاب والتحميل والنقد والمقارنة. أرى البيروني أىمية أن تعرض األخبار عمى محك العقل فما يقبمو يقبل وما يرفضو يرفض بدليل ورود مفردات مستقاة من لغة عمماء الكالم والفالسفة "مثل "جائز" "ممكن" الممكن الوجود" "واجب" "ممتنع". وقد أشار البيروني الى "الخبر عن الشيء فقد أشار مثال الى مسألة التصديق بوجود بعض االنبياء 6 مستخدما ألفاظ: "ممكن جائز") (ىذه المفاىيم وان كانت تحمل مرونة يبقى خالليا الموقف من الخبر بين األخذ والرفض إال أن يا إشارة عمى حضور معيار العقل في التعاطي مع الروايات والمعمومات. فما تمي ز بو البيروني في نقد أخباره ومعموماتو كان العقل. فمعيار قبول بعض األخبار أو رفضيا ىو العقل وذلك في حال غياب مصدر موثوق ومتخصص. وقريب من ىذا السياق ىناك روايات ما كان البيروني يستطيع أن يقطع بصحتيا فتبقى موضع أخذ ورد إذ ال تحمل اليقين بإطالق وىذه الروايات اقترنت 477 عمي سيد رضوان ) 1983 ( البيروني ومنيجو في البحث التاريخي المؤرخ العربي )ع 14( بغداد ص ) ( ص 338. البيروني االثار الباقية ص 27 البيروني تحقيق ما لميند ص 95 واالثار الباقية ص 333 البيروني االثار الباقية ص البيروني تحقيق ما لميند ص 3 )6( البيروني ابو الريحان محمد بن احمد)ت 443 ى/ 1348 م( القانون المسعودي ط 1 3 مج و ازرة المعارف بالحكومة العالية اليندية مجمس دائرة المعارف العثمانية حيدر اباد الدكن اليند )الجزء االول 1954 ( )الجزء الثاني 1955 ( )الجزء الثالث 1956 (.ج ص

26 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب بعبارة"واهلل أعمم". تمي ز البيروني بمعرفتو الشاممة ويقظتو العقمية وحسو النقدي الدقيق في معالجة كثير من قضايا التاريخ واستكناه عمميا والربط بينيا ولكن ىذا اليعني أن البيروني تجاىل المنيج التاريخي في النظر لمتاريخ عمى ان و بالمحصمة معرفة نقمية ليا أدواتيا والدليل ان و اقر المصادر الموثوقة المشيورة والمشيود ليا بالصحة عندما قال:"فاألولى أن النقبل من قوليم في مثمو إال ما يشيد بو كتاب معتمد عمى صحتو أو خبر مشفوع بو بش ارئط الثقة في الظن األغمب" المخبرين ومختمطة بالتزوي ارت واألساطير لبعد العيد بيننا وبينيا". فاألخبار التاريخية "معر ضة لزيف إن منيج البيروني في التعامل مع التاريخ كان بوصفو معرفة نقمية غير أن ذلك لم يمنعو من استخدام أدوات المنيج العممي المقارنة بصورة واسعة في أعمالو فيو باألساس أصر عمى استخدام معتب ار إياىا الخطوة التالية بعد استيفاء المادة من من المصادر المختمفة لقولو:"...ثم قياس أقاويميم وآ ارئيم في إثبات ذلك بعضيا 478 البيروني االثار الباقية ص سيد رضوان عمي البيروني ومنيجو في البحث التاريخي المؤرخ العربي ص ايضا اليوزبكي توفيق سمطان )1979( منيج البحث التاريخي عند البيروني الجامعة )ع 2 ( جامعة الموصل ص 76. البيروني االثار الباقية ص 14 البيروني االثار الباقية ص 14 المصدر نفسو ص ومن يتفحص كتاب الصيدنة يكاد يجد في كل صفحة المقارنة في االدوية عند االمم كذلك من يتفحص كتاب الجماىر في معرفة الجواىر يتضح لو وجود المقارنة بين االمم

27 ليذا يبدي البيروني إعجابو بالذين اعتمدوا عمى المقارنة في د ارساتيم ببعض" مثل إشارتو إلى أبي الفرج اب ارىيم بن أحمد بن خمف الزنجاني الذي وضع كتابا في التاريخ اعتمد فيو المقايسة بين األقاويل المختمفة". يعتبر البيروني من أوائل عمماء المسممين الذين اعتمدوا عمى البحث والتجربة كوسيمة لتحصيل المعارف وكان يتحاشى األخذ بآ ارء عممية دون د ارسة وتحقيق. ومن ىنا يظير جميا أن طريقة البيروني في البحث تقوم عمى المشاىدة والتجربة واالستنباط. و أرى البيروني أن ىناك وقوانين الطبيعة لمبيئة ا تأثير في نظرتو لمتاريخ يدعم ذلك قولو:"...ولكن ما كان منيا حد اإلمكان جرى مجرى الخبر الحق إذا لم يشيد ببطالنو شواىد أخر بل قد يشاىد وشوىد من األحوال الطبيعية ما لو حكي مثميا عن زمان بعيد عيدنا بو لثبتنا الحكم عمى امتناعيا". ويتضح ذلك في أكثر من مثال منيا تساؤلو عن "بقاء خشبة لمدة زمنية طويمة وىي معر ضة لتأثي ارت نداوة اليواء واألرض فيو يفند عمميا قصة وجود أصنام ىندية لفترة طويمة آالف السنين وب أريو يفترض األخذ بتأثير العوامل مثل الماء واليواء عمى إمكانية بقائيا" ومنيا أيضا )6( مناقشة "قصة الصميب عند المسيحيين" عمى أساس "المقيس والمقيس بو والدليل )7( والمدلول عميو..." ومنيا كذلك إيمانو بقوانين الطبيعة جعمو يرفض "ما حكاه 479 البيروني االثار الباقية ص 4 المصدر نفسو ص 116 الدفاع عمي عبد اهلل إسيام عمماء العرب والمسممين في الصيدلة ط 1 مؤسسة الرسالة بيروت م ص 332 البيروني االثار الباقية ص 5 البيروني تحقيق ما لميند ص 89 )6( البيروني االثار الباقية ص 297 )7( المصدر نفسو والصفحة

28 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب - الجيياني في كتاب المسالك والممالك أن في شرقي مدينة الطبرية مدينة بميناس ومنيا منبع األردن وعميو ارحية تقف يوم السبت وال تطحن لنضوب مائيا حتى ينقضي يوم السبت وال أجد ليذا في الطبيعيات مأخذا...". القياس: وتتضح أىمية القياس بقولو:"واذا كان األمر من االختالف بحيث وصفناه ولم يكن لمقياس مدخل إلى تمييز حق من ذلك من باطمو فمن أين يطمع الطالب في الوقوف عمى حقيقة" نحو ويستخدم البيروني أدوات قياس عممي مبنية عمى حسابات رياضية فاالصل بالقياس وجود معيار دقيق ثابت عمميا تقاس عميو المقوالت قولو: عمى "فنجعل ىذا الذي ال ينكر أصال محفوظا ومعيا ار منصوبا إليو نقيس جميع ما ذكروه فنأخذ أوال ما يجتمع في الجدول األول في القسم الثاني وىو مائتان وثمانون سنة ونجمعيا إلى ما سنبي نو في الجدول األول في القسم الثالث لتقاس النظائر من أول ممك أردشير إلى أول ممك يزدجرد وىو في أربعمائة وعشر سنين بالتقريب فيجتمع ستمائة وتسعون سنة وىي تنقص عن المعيار بقريب من مائتي سنة وثالث وخمسين سنة". فالبيروني استخدم القياس من خالل بعض الثوابت وطب قيا من خالل عممي ة رياضي ة حسابية لفت ارت تاريخية فتمي ز بإعطاء خصوصية لمقياس كأداة عممية يستفاد منيا في تحديد الزمن لفت ارت تاريخية. -التاريخ والحسابات الرياضية المبنية عمى الفمك: أشار يتضح ارتباط التحصيل المعرفي لدى البيروني بوضوح بالناحية الزمنية فقد البيروني إلى أن "عمر اإلنسان ال يمكنو من اإلحاطة بأخبار أم ة واحدة فكيف 483 المصدر نفسو ص 284 المصدر نفسو ص 22 البيروني تحقيق ما لميند ص

29 يفي بعمم أخبار األمم جميعيا" فالتحصيل المعرفي مرتبط بالزمن أي بعمر اإلنسان. بمعنى أن اإلحاطة بكل التاريخ أمر غير وارد وىذا ينسجم مع رؤية البيروني في اإلفادة من د ارسة التاريخ من السيما الغنية بالتجارب والحكم. خالل التركيز عمى الجوانب الحضارية تنطمق فكرة التاريخ عند البيروني من كيفية تصور كل أمة لمزمان وموقعيا منو فيكون ىذا التصور لمزمان والمختمف حسب كل مجموعة بشرية مقوما أساسيا من مقومات االختالف ألنو يكيف نظاميا االجتماعي وايقاعو ويضفي عميو تفر ده. ومن ىنا بدا أن البيروني كان لديو اىتمام بمسألة التحقيب عندما عب ر بوضوح عن اختيار االمم لحوادث تبدأ تأريخيا منيا. فقد حدد ىذه الحوادث بصورة شمولية عمى النحو:"والتاريخ ىي مدة معمومة تعد من لدن آدم أول سنة ماضية كان فييا مبعث نبي بآيات وبرىان أو قيام ممك مسم ط عظيم الشأن أو ىالك امة بطوفان عام أو زلزلة وخسف مبيد أو وباء ميمك أو قحط مستأصل أو انتقال دولة أو تبد ل مم ة أو حادثة عظيمة من اآليات السماوية والعالمات المشيورة االرضيةالتي التحدث اال في دىور متطاولة وأزمنة مت ارخية تعرف بيا االوقات المحددة". وقد م البيروني أمثمة تاريخية لمتحقيب عند االمم ليدعم وجيتو فيو يبرر اختيار المسممين تاريخ اليجرة لبداية التحقيب دون غيره من الحوادث الميمة كمولد الرسول أو مبعثو أو موتو ألن "في المولد والمبعث من الخالف ما اليجوز أن يجعل معو أصال لما يجب أن اليقع فيو خالف فقال قيل في المولد أنو كان ليمة االثنين الثاني وقيل الثامن وقيل الثالث عشر 481 البيروني اآلثا ارلباقية ص 5 اومميل عمي في شرعية االختالف ط 1 المجمس القومي لمثقافة العربية الرباط م ص 36 البيروني االثار الباقية ص 13

30 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب ممن ربيع االول ثم قيل أنو في ستة واربعين من ممك كسرى انوشيروان ولذلك اختمف في مقدار عمره بالموا ازة ليذا االختالف وأيضا فإن السنين متفاوتة فيما بينيا بعضيا مكبوسة وبعضيا غير مكبوسة... فأما وقت وفاتو فإنو وان كان معموما فميس يستحسن التاريخ بموت نبي أو ىالك ممك الميم اال أن يكون كاذبا أو عدوا يستبشر بموتو ويستحب أن يكون موتو عيدا أو يكون ممن ينقرض عميو الدولة فيعمل أشياعو في ذلك تذكا ار ليم فيما بينيم وتأسفا عميو" وضرب مثاال عمى التحقيب بوفاة ممك كما ىو الحال بالنسبة لموت االسكندر يقول البيروني:"الغريب مثل االسكندر البن اء فإن تاريخو يعد من لدن وقت مماتو...ومثل يزدجرد ابن شيريار فإن المجوس يورخون بوقت ىالكو ألن الدولة قد انقرضت ببواره فأرخوا بمماتو تحزنا عميو وتميفا لذىاب ممتيم". فالبيروني اعتبر بداية التحقيب مؤش ار ىاما عمى مسير التاريخ بالنسبة ألي أمة أو جماعة بشرية. فالتحقيب يمنح خصوصية ثقافية لألمة أو الجماعة البشرية بدليل أن ىذه الحوادث الكبرى مثل الطوفان الذي يعد فاصال كبي ار في الذاكرة التاريخية ألىل االديان الكتابية الثالثة أما خارجيا فإن ىذا الحدث مجيول بدليل قول البيروني:"فأما الفرس وعامة المجوس فقد أنكروا الطوفان بكميتو... إنكارىم اياه اليند والصين وأصناف االمم المشرقية" يبين نسبية بعض االحداث التحقيبية. ووافقيم عمى ومثال الطوفان بيذا المعنى أرى البيروني أن مصداقية الخبر ليا عالقة مباشرة بالقرب الزمني لمحدث 482 المصدر نفسو ص 33 المصدر نفسو ص البيروني تحقيق ما لميند ص عمي اومميل في شرعية االختالف ص 36

31 التاريخي وبناء عميو قرر أنو من :"الواجب عمينا أن نأخذ األقرب من ذلك فاألقرب واألشير فاألشير ونحصميا من أربابيا ونصمح منيا ما يمكن إصالحو...". فالبيروني يرى بأن"...األخبار تنقطع إذا طال عمييا األمد وخاصة في األشياء الكائنة جزءا بعد جزء بحيث ال يفطن ليا إال الخواص". الصفحة بالحسابات المعقدة والتقاويم والجداول والرسوم البيانية فالبيروني يمأل الصفحة تمو إذ يقول: الناظر في ىذا الكتاب البد أن يكون مترفعا عن مرتبة المبتدئين في الحساب". "فإن وتشعر محاولة حمزة األصفياني قبل البيروني أنو كان ميتم ا بالناحية الزمنية المبني ة عمى الفمك في الحوادث التاريخية. وتمث ل ىذا في اإلشا ارت التي تناثرت في كتابو ارتبطت بمجمل األخبار التي أوردىا. فيو لم يخصص إال حي از محدودا لبعض األحداث اليامة التي شيدتيا فترة حكم الممك أو الخميفة ألن اىتمامو األساسي كان بحساب فترة حكمو بالسنة والشير واليوم. وكانت محاولة البيروني أكثر وضوحا ورسوخا في التركيز عمى الناحية الزمنية في كتابة التاريخ ليس فقط بالتركيز عمى المعرفة الزمنية والتقاويم عند األمم بل باستحداث طرق حسابية رياضية لحساب تقاويم األمم والتقريب بينيا باستخدام حساب 483 البيروني االثا ارلباقية ص 5 البيروني تحديد نيايات ص 43. الخالدي فكرة التاريخ عند العرب ص 227 البيروني االثار الباقية ص األصفياني أبو عبد اهلل حمزة بن الحسن )ت 363 ى/ 973 م( تاريخ سني مموك األرض واألنبياء ط 3 )تقديم يوسف يعقوب المسكوني( مكتبة دار الحياة بيروت )ب.ت(. ص

32 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب الزيجات وأكثر من ذلك استخدام الزمن في الحكم عمى صحة الرواية أو ترجيحيا أو رفضيا واستبعادىا فالزمن وفق محاولة البيروني ليس موثقا وضابطا لمحوادث التاريخية فحسب بل أداة منيجية في التعاطي مع ىذه المعرفة. ومن الميم في ىذا السياق تقديم أمثمة لتوضيح تأثير الفمك و الحسابات الرياضية في تدقيق الحوادث التاريخية منيا حسابو الفت ارت بين األنبياء في التاريخ القديم بناء عمى حساب الجم ل. كذلك عرض البيروني تاريخ اليجرة النبوية ورفض بعض الروايات الشائعة بناء عمى حسابات زمنية وظير ذلك بقولو::" وقد كانت ىجرة النبي عميو السالم في النصف األول من ربيع األول وسئل عن يوم االثنين فقال ذاك يوم ولدت فيو وبعثت فيو وأنزل عمي فيو وىاجرت فيو ثم اختمف في أي االثانين كانت اليجرة فزعم بعضيم أنيا في اليوم الثاني من ربيع األول وزعم بعضيم أنيا في اليوم الثامن منو وزعم آخرون أنيا في اليوم الثاني عشر منو والمتفق عميو أنيا في الثامن وال يجوز أن يكون الثاني وال الثاني عشر ألنيما ليسا بيوم اثنين من أجل أن أول ربيع األول في تمك السنة كان يوم االثنين فيكون عمى ما ذكرنا قدوم النبي عميو السالم المدينة قبل عاشو ارء بيوم واحد وليس يتفق وقوعو في المحرم إال قبل تمك السنة ببضع سنين أو بعدىا بنيف وعشرين سنة فكيف يجوز أن يقال أن النبي عميو السالم صام عاشو ارء التفاقو مع العاشر في تمك السنة إال بعد أن ينقل من أول شيور الييود إلى أول شيور العرب نقال التفاق معو وكذلك في السنة الثانية من اليجرة كان العاشور 484 ارجع طريقة استخ ارج التواريخ باالمثمة في كتابيو االثار الباقية ص القانون المسعودي ج 1 ص 123 انظر مثال إي ارده ألكثر من حدث مختمف في اليوم الواحد اآلثار الباقية ص البيروني االثار الباقية ص 19-18

33 يوم السبت من أيمول والتاسع من ربيع األول! فما ذكروه من اتفاقيما حينئذ محال عمى كل حال". لقد ذىب البيروني الى االستعانة بالفمك في تحديد السنوات مثمما فعل عندما حدد اوائل سني اليجرة في ايام االسبوع واوائل شيور العرب في ايام االسبوع ومعرفة اوائل سني يزدجرد في ايام االسبوع ومعرفة اوائل شيور الفرس اوائل سني االسكندر في ايام االسبوع ومعرفة اوائل شيور السريانية. ومعرفة واالىم من ذلك فإن المنيج العممي المبني عمى الحسابات دفعو إلى تحديد تواريخ بعض الحوادث بدقة لم يوردىا سواه. فقد استغل في سياق حديثو عن األيام الميمة عند األمم إي ارد رواية عن موعد بناء بغداد وفق التقويم اليوناني فقد قال باستع ارض األيام الميمة في شير تموز عند األمم محددا اليوم الثالث والعشرين منو:"وفيو ابتدأ أبو جعفر المنصور ببناء مدينة السالم وىي التي تسمى مدينة المنصور في الجانب الغربي من دجمة ببغداد وذلك في سنة ألف وأربع وسبعين )6( لإلسكندر...". قد م البيروني التاريخ اإلسالمي من خالل االىتمام بالحسابات الدقيقة لمتاريخ- )بمعنى الوحدات الزمنية(- مع استبعاد ذكر السنوات لمحوادث التاريخية ربما ألن و افترض أن سنوات الحوادث غالبا معروفة إضافة إلى أن الخالفات عمى الدقة الزمنية 485 المصدر نفسو ص 333 البيروني القانون لمسعودي ج 1 المصدر نفسو والجزء ص ص )6( المصدر نفسو والجزء ص 99 المصدر نفسو والجزء ص 99 البيروني القانون المسعودي ص 273

34 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب عمى توقيت الحوادث كانت في األيام واألشير وليس في السنوات فالتواريخ بالنسبة لمبيروني ىي وحدات زمنية حددىا بقولو:"التواريخ أجناس منقسمة الى أنواع ىي سنون وأشير وأيام وااليام مشتركة بجميع أجناسيا التختمف باختالف السنين والشيور فييا" وقدم البيروني عدة امثمة تدعم أريو منيا الخالف عمى يوم وقعة بدر بين يومي السابع عشر أو التاسع عشر من شير رمضان أو الخالف عمى يوم ىجرة الرسول بين الثامن من ربيع األول أو الثاني أو الثاني عشر من الشير ذاتو. فالبيروني اعتمد )اليوم( أساسا لمبحث ألن اليوم وحدة زمنية ثابتة لو مد ة محددة متفق عمييا. أما األشير والسنون فيختمف مقدارىا باختالف األمم التي تعتمدىا لذا رك ز عمى ذكر الحدث في اليوم والشير دون ذكر السنة. كما يدل اعتماده) اليوم ) أساسا لمبحث من منطمق تحر ي الدقة في تأريخ الحوادث. ومن يختار اليوم كوحدة زمنية لرواية أخباره ال نتوقع منو أن يدرج مواقيتا فييا احتماالت صحيح أن كتب التاريخ حفمت بأكثر من رواية حول التوقيت لكثير من الحوادث لكن النموذج الذي قد مو البيروني وفق التوج و العممي اليسمح بإي ارد ألفاظ"قيل" و"يقال" "وقال آخرون" بمعنى أن البيروني كان حاسما في التحديد الزمني فرفض التعدد في حال الروايات التاريخية المتعمقة بالزمن. فالبيروني اختار الوحدة الزمنية األكثر تدقيقا مستعينا بالفمك فيو يريد أن يصل بالتدقيق الزمني إلى منتياه. األمر الذي يدل عمى أىمية الوحدة الزمنية لديو من خالل ضبط الزمن بدقة كما يؤشر عمى أن ىاجسو كان إعطاء أىمية لمبعد الزمني أكثر من نوع الخبر وطبيعتو. 486 المصدر نفسو والجزء ص 122 البيروني االثار الباقية ص 332 المصدر نفسو ص 333

35 ويفترض وفقا لممنيج العممي الذي تمي ز بو البيروني استبعاد األساطير وذلك ليس ألن يا تبتعد عن الحقائق العممية والصيرورة المألوفة لمحوادث واألفعال البشرية بل العتبا ارت مرتبطة بعنصر الزمن إذ يعترف بأن "فترة بدء الخميقة وأحوال القرون السالفة مختمطة بتزوي ارت وأساطير لبعد العيد بو وامتداد الزمان بيننا وبينو...". فاألساطير تنشأ نظ ار لبعد الفترة الزمنية البعد انفرد بو البيروني. مما يجعميا بعيدة عن الناحية العممية وىذا قد م البيروني روايات مختمفة لحدث واحد ولكنو رج ح أريو اعتمادا عمى عممية حسابية دقيقة وكأن و طب ق مقولتو في أن و يريد أن يصحح ويعد ل في الروايات التي اعتبرىا غير دقيقة وقد صر ح بذلك في المقدمة عندما قال:"...ونصمح منيا ما يمكننا إصالحو...". ومن األمثمة الواضحة نقاشو لقصة أىل الكيف عمى أساس االختالف الزمني بين روايتين إذ أن و حاول أن يقد م القصة مرك از عمى حساب التقاويم بين المسممين والنصارى السي ما أن قصة أىل الكيف قد وردت فييا محددات زمنية في القرآن وقد استغل البيروني تمك اإلشا ارت وناقشيا عمى طريقتو الخاصة. لم يوافق عمى وقوع يوم عاشو ارء عند الييود في العاشر من محرم السنين والشيور وتمايزىا بين الييود والمسممين. كذلك تبعا لحسابات وقد م نقدا لروايات تاريخية اعتمادا عمى الحسابات الرياضية لمزمن لقولو:"وىذه الرواية غير صحيحة ألن االمتحان يشيد عمييا...فإذا حسبنا أول سنة الييود كان في تمك السنة كان يوم األحد الثاني عشر 487 البيروني اآلثا ارلباقية ص 14 المصدر نفسو ص 5 المصدر نفسو ص و ارجع المزيد لديو في المصدر نفسو ص

36 جامعة بنيا مجمة كمية اآلداب من أيمول ويوافقو اليوم التاسع والعشرون من صفر ويكون صوم عاشو ارء يوم الثالثاء التاسع من شير ربيع األول". فاختياره لمر وايات كان باستخدام أدوات عممية صرفة مبني ة عمى حسابات رياضية ليا عالقة بالزمن كما أن رفضو لروايات أخرى كان العتبا ارت تتصل باستحالة مطابقتيا لمحسابات الرياضية لمزمن حسب التقاويم المختمفة التي اىتم بيا. لم يؤر خ البيروني لمحوادث التاريخية بصورة منظمة ومتكاممة بحيث أن و لم يقد م تاريخا وافيا ألم ة بعينيا ألن ىاجسو كان التقاويم والحسابات الرياضية لمز من وفق اختالف التقاويم بين األمم مع اإلشا ارت الفمكية فيو اكتفى بسرد المموك من لدن آدم وذكر أبنائو دون أن يتطرق لتفسير ما جرى في عيودىم وال حتى أشير القصص التي رويت عنيم فالمالحظ أن و بذكر تاريخو من لدن آدم أ ارد أن يقدم تاريخا عالميا عمى غ ارر النماذج التاريخية التي سبقتو والتي كانت تبدأ مع آدم وبدء الخميقة. انفرد البيروني في أسموب عرض مادة التاريخ اإلسالمي مقارنة بمن سبقو فيو لم يكتب حوادث تاريخو عمى الحوليات مرتبة متتالية سنة تمو أخرى كما فعل الطبري في "تاريخو" أو مسكويو في "تجارب األمم وتعاقب اليمم" أو وفق سنوات غير متتالية كما فعل حمزة األصفياني في كتابو"تاريخ سني مموك األرض واألنبياء".كذلك لم يقدم البيروني تاريخو عمى عيود الخمفاء كما فعل اليعقوبي في "تاريخو" والمسعودي في كتابيو "مروج الذىب" و"التنبيو" إذ قد م البيروني مادة التاريخ اإلسالمي بصورة مغايرة متفردة اعتمادا عمى األيام المشيورة عندىم. كما اىتم البيروني بتأثير الحسابات عمى الدولة كما حدث عندما ساق الروايات البيروني تحقيق ما لميند ص 333 ارجع خطة مادتو في كتابو "االثار الباقية" ص 4 ومابعدىا 488