األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية اإلسالميات التطبيقية يف فكر حممد أركون Applied Islamology in Arkoun s Thought طالبة دكتوراه. قسول مريم أ.د ب

النسخ

1 األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية Applied Islamology in Arkoun s Thought طالبة دكتوراه. قسول مريم أ.د بوبكر الجياللي كلية العلوم االنسانية واالجتماعية جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف kassoulmaryam@yahoo.fr ملخص يختص المقال بمحاولة استقراء األسس واألبعاد الفكرية والمعرفية للتجربة النقدية من داخل فضاء الفكر العربي المعاصر وهذا من الوقوف عند مشروع محمد أركون الذي ركز على اإلسالميات التطبيقية كعنوان لمشروعه البديل. الذي يرى فيه إمكانية لتجاوز الفكرين اإلسالمي واإلستشراقي في آن معا من خالل تحقيق الهدف األسمى والذي يشكل الصيغة الثانية أو الوجه اآلخر لهذا المشروع والمتمثل في نقد العقل اإلسالمي. الكلمات الدالة : نقد الخطاب اإلستشراقي الخطاب اإلسالمي اإلسالميات التطبيقية. Abstract This paper is an attempt to study the intellectual principals and perspectives of the critical experience of the contemporary Islamic thought by Mohamed Arkoune, who had focused on the Applied Islamology as an alternative project to study Islam. In his approach Arkoune, talked about the possibility toovercoming or reject both, the classical Islamic views and the orientalism approaches, using new critical methods of the Mind in the Islamic thought. Keywords: : critics, Islamic thought, Orientalist thought,applied Islamology. املشروع الفكري حملمد أركون نبدأ بقول حممد أركون: " وقد انتهى بي تدبر اجملتمعات اإلسالميات املعاصرة وإعادة القراءة للنصوص املؤسسة للفكر اإلسالمي )القرآن احلديث والتفسري والسرية وأصول الفقه وأصول الدين واألخالق والتاريخ( إىل وضع برنامج بعيد اآلفاق عالي اهلمة طويل النفس صعب االجناز وهو ما )1( أمسيته نقد العقل اإلسالمي ". يصطلح حممد أركون على االستشراق باسم "اإلسالميات التقليدية" ويصفها تارة مبنهج فقه اللغة أو اللسانيات األرثوذكسية... ويعرفها عموما بأنها "خطاب غربي حول األسالم أو باألحرى هي خطاب من وضع غربي يهدف إىل )2( تطبيق العقالنية على اإلسالم". 206 األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية. ج/قسم العلوم االجتماعية. العدد - 21 جانفي ص

2 1- اخلطابات اإلسستشراقية شكل اإلستشراق عند أركومنادة للنقد والنقض واملراجعة ألن تراث االستشراق ومناهج املستشرقني يف رأيه حتتاج إىل إعادة النظر وإىل التجاوز كما حيدث لسائر جماالت احلقول العلمية واملعرفية ومن مآخذه يكتفي املستشرق باملستوى الوصفي والتصنيفي التقليدي كما حددته املدارس الوضعية )3( يف القرن التاسع عشر. فاملستشرقون الذين ختصصوا يف اإلسالميات وهو مصطلح استشراقي مل يطوروا يف مناهجهم وطريقة اهتمامهم إىل أبعد من الوصف والتصنيف واملعاينة احليادية اليت ال تضيف إىل ذلك النقد والتحليل والتعليق املنخرط مع البحث إىل آخر منطوقاته وبتعبري آخر أن الدراسات االستشراقية مل تنب اسرتاتيجيات حبثية تتوخى الكشف والفهم واإليضاح فال يزال املستشرق كسلفه الكالسيكي باحثا ال يفكر يف استثمار إجنازاته ليستفيد منها املسلم الذي تعنيه نتائج البحث. إن من حيث الفكر واالجتماع ضمن سياق إشكالية اإلسالم والعصر ولعل السبب كما يذكر بعض املستشرقني- أن قضايا املسلمني شأن إسالمي صرف ال جيرب املستشرق على االلتزام وحتمل نتائج البحث ألنه قبل وبعد كل شيء هو مثقف وباحث غربي يساهم يف تطوير جماالت علمية اجتماعية وحضارية داخل الفضاء الغربي األوروبي حتى وهو يدرس ويبحث يف جماالت غري غربية لكن كل هذا كما يرى أركون هو نوع من املأزق الذي وصلت إليه الدراسات االستشراقية يف الكليات األوروبية اليت تأخرت عن اآلليات اليت تنتج بها املعرفة التارخيية واالجتماعية... وعبثا حتاو القوى احملافظة سواء يف الطرف العربي اإلسالمي أو لدى املستشرقني أن تبقى على اإلسالم خارج التأثريات العلمية اليت يشهدها العامل اليوم فبإمكان املستشرق وهذا ما الحظه أركون يف بعض املستشرقني- )4( أن يقدم إسهامات نظرية علمية وعملية مثينة جدا للعرب واملسلمني واإلسالم ألنه متمرس على آليات وأدوات البحث العلمي املتطورة يف خمابر وورشات عمله وألنه يعاجل ذلك بواسطة لغة متطورة مثل اللغة االجنليزية واألملانية والفرنسية وكلها تضيف إضافات جديدة نوعية إىل عامل املفاهيم واألفكار واملناهج واملقاربات )5( تزيد إمكانية الفهم واإلفهام. إن املرحلة احلالية واملستقبلية كما يرى أركون حتتاج إىل إىل وجود الباحث املفكر أي ذلك املختص يف اإلسالميات ويستثمر نتائج حبثه بالتفكري فيها واالخنراط مبالحظاته ومواقفه فياحلياة السياسية واالجتماعية. وهذا ما يقوم بهأركون الذي مل جيد بدا من االخنراط يف احلياة العلمية الغربية واالهتمام باملناهج واملقاربات واملقررات التعليمية واألحداث السياسية واالجتماعية اليت متس بصورة )6( من الصور اإلسالم واملسلمني. كما ينقد حممد أركون اإلسالميات التقليدية )االستشراق( اليت يرى بأنها تناولت الفكر العربي اإلسالمي تناوال خارجيا وظيفيا ال يتعدى حدود الدراسة الشكلية البحتة فهي مل تدرس ذلك الفكر من خالل" عملية اخنراط استمولوجي كاملة " )7( يهدف إىل الوصول إىل مكامن الضعف يف الثقافة العربية اإلسالمية وإجياد احللول املناسبة لتخطيها. يدين أركون اإلسالميات التقليدية لقصور منهجها عن إحتواء الفكر العربي اإلسالمي بطريقة علمية تساعده على جتاوز حمنه الكثرية ومآزقه االبستمولوجية لذلك جنده يرفض آليات الفكر االستشراقي ألنها حتصر الرتاث العربي واإلسالمي يف جمال الدراسة السطحية اخلالية من أي حماولة نقدية جدي ة. وعليه يقوم أركون بتصنيف األدبيات االستشراقية إىل ثالثة أصناف بهدف بيان دوافع البحث االستشراقي أم ا الصنف األول فهو جمموعة من املؤلفني اخلاضعني معرفيا لوجهة النظر النظر املسيحية وإنهم بذلك يبالغون يف أهمية العامل الديين ويرسخون األبعاد اإليديولوجية واجلدالية لألدبيات البدعوية اإلسالمية إنهم ينقلون مصطلحات هذه األدبيات إىل اللغات األجنبية من مثل مصطلح األرثوذكسية واألمة والسنة والشيعة واخلوارج دون أي تفكيك هلا أو إلقاء نظرة )8( نقدية عليها. أم ا الصنف الثاني فهو جمموعة من املؤلفني يرتكون اجملتمعات نفسها تتحدث ويتوقفون عند حتليل القوى االجتماعية املتنافسة دون أن يرتاجعوا عن فكرة أولوية االستلهام الديين أو عن هيمنة األرثوذكسية أو عن الفكرة الدوغمائية اليت تقول بأن اإلسالم ال يفصل بني الروحي والزمين. أم ا الصنف الثالث فهو االستشراق املاركسي حيث يوجد حسب أركون عدد قليل من الباحثني الذين يطبقون املنهج املاركسي )أو املصطلحات املاركسية( يف دراسة اجملتمعات اإلسالمية ويرجع السبب يف ذلك إىل الرقابة الرمسية والرقابة الذاتية اليت تأتي من اجلانب اإلسالمي وإىل املنبت االجتماعي والثقايف يف معظم املستشرقني الغربيني. وهذا الصنف األخري يركز على العامل املادي يف دراسة اإلسالم على عكس الصنف األول الذي يركز على العامل الروحي. 2- اخلطاب االسالمي املعاصر يرى أركون أن اخلطاب االسالمي املعاصر مازال سجني "مناهج اخلطاب العلمي العربي" وأدواته املفهومية وطرق تأليفه وحماجاته )9( فهو مل يتبنى-أي اخلطاب االسالمي املعاصر- أي جتديد خاصة على مستوى املنهج فرواد ومفكري اخلطاب االسالمي املعاصر ينفرون بدرجة الرفض من كل دراسة غري اسالمية ناجتة عن املستشرقني مبعنى أن هم يرفضون كل ما هو غربي ويعتربون الدراسات االستشراقية الغاية منها هو تشويه وتضليل وحتريف جوهر االسالم كما 207 األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية. ج/قسم العلوم االجتماعية. العدد - 21 جانفي ص

3 طالبة دكتوراه. قسول مريم أ.د بوبكر الجياللي أنهم يتهمون الدراسات االستشراقية بأن ها تدعو يف طياتها للخضوع واإلذعان والتبعية للغرب واليت هي شكل من أشكال االستعمار غري املباشر. إن اخلطاب االسالمي اليوم يرتكز على خلفية سوسيولوجية كبرية واليت تستند طاقتها وصالبتها من مؤيديها ومعتنقيها وأي خطاب خارج هذا اإلطار هو خطاب مرفوض تتلبسه الشبهة إىل درجة التكفري. ويرى أركون أن عدد املشاركني يف املناقشة الدائرة حول االستشراق قليلون جدا خاصة إذا ما أهملنا اخلطاب األصولي السلفي الذي يتمتع بقو ة جتيش هائلة ولكن العاري من الصحة العلمية وهذا العدد الضئيل يف نظر أركون ال يتناسب مع أجيال املثقفني الليرباليني الذين ابتدأوا منذ القرن التاسع عشر يقلدون علم الغرب وثقافته وفكره وأركون ينتقد الكت اب العرب من أمثال عبد اهلل العروي وأنور عبد امللك وهشام جعيط وإدوارد سعيد الذين بدورهم يقومون بنقد املستشرقني من دون أن يأخذوا يف نظر االعتبار أن هم ينتمون إىل منهجية العلم الغربي وروحه )10(. فهؤالء يف نظر أركون حينما يتحدثون باسم العامل العربي واالسالمي فإنهم يتموضعون يف منطقة ما دون مستوى احلوار وليس يف منطقة ما وراء أو ما يتجاوزه أم ا عن العروي فريى أركون بأن دراسته اليت قد مها خبصوص تاريخ املغرب تظهر أنه مل يستطع أن ينجو من تأثري الفرح الكبري الذي يعقب التحرير ال سيما وأنه الشاب املغربي الذي يكتب تاريخ بالده. من هنا نتج كتاب مفيد ومثري كما يقول أركون إال أنه كان خاضعا أكثر مما ينبغي ملوضوعات ايديولوجيا الكفاح أم ا خبصوص كتاب االستشراق ل"ادوارد سعيد" فريى أركون أن ادوارد سعيد لو أن ه قد حل ل بشكل مباشر تأثري الصراع العربي االسرائيلي على ممارسة الدراسات العربية واالسالمية يف الواليات املتحدة األمريكية بشكل خاص عندئذ كان سيعطي شيئا مفيد ومهما وضروريا بدال عن انتهاج الطريق الطويل والصعب لنقد حركة االستشراق مبجملها )11( إذ يقول أركون إن ادوارد سعيد كان قد تناول يف دراسته كتابا قدماء صاروا جزءا من التاريخ انكب على دراسة انتاجهم مهمال الظرف التارخيي الذي كتب هؤالء مؤلفاتهم يف ظله فاغرق أحباثه يف حبر من االيديولوجيا أشك يف قدرتها على إيصال النقاش غلى اهلدف املنشود منه. وباإلضافة إىل كل هذه األمور فإن أركون يرى أن انتشار خطاب الثورة االسالمية وتوسعه اآلن يزيدان من سوء التفاهم ويقويان النظرة السلبية لدى الشعوب االسالمية ضد الغرب وضد نتاجه املشكوك به أكثر من غريه أال وهو االستشراق وهكذا جند احلوار احلقيقي واجلذري الذي ينبغي أن يدور يف فلك األسئلة الكربى واحلامسة للداللة الدينية لالسالم ولتارخيه ولوظائفه وطريقة اشتغاله يف اجملتمع قد زور وزيف ثم أجل من جديد بسبب التناقضات املؤقتة واخلصومات السياسية العابرة. وحيدد أركون ما يسميه بالفرضية الضمنية واليت تكمن خلف معظم االعرتاضات اليت يقوم بها املسلمون واملوجهة ضد االستشراق واليت مفادها أن غري املسلم ليس له احلق يف أن يقوم بدراسة االسالم من حيث كونه دينا وثقافة وتارخيا وكأن انتماء املرء إىل األمة االسالمية مينحه مصداقية استمولوجية حيرم منها غري املسلم )12(. اإلسالميات التطبيقية بديال عن االستشراق أوال : مفهوم اإلسالميات التطبيقية تعين االسالميات التطبيقية "قراءة ماضي االسالم وحاضره انطالقا من تعبريات اجملتمعات االسالمية ومطالبها الراهنة وذلك من خالل تطبيق منهجيات العلوم االنسانية واالجتماعية ومصطلحاتها على دراسة االسالم عرب مراحل تارخيه الطويل" )13(. ينطلق أركون يف أطروحاته النقدية للفكر العربي االسالمي من مفاهيم رئيسية ثالث تصدرت تقريبا كل دراساته وإن كان ذلك بأشكال خمتلفة وهي: الدين الدولة الدنيا وبغض النظر عن الرؤى املقارنة اليت غالبا ما جندها يف سياق حتليالته للظاهرة الدينية بشكلها االنرتبولوجي الواسع إال أنه عمد يف اجملال االسالمي على حتديدها وبلورتها مفهوميا وصوال إىل أشكلتها وهو يعتقد جازما أنها حتتاج أكثر من غريها إىل شرح وتفسري داخل الفضاء االسالمي انطالقا من اخلطاب القرآني )14( "فهي مبلورة فيه إىل درجة أن ها حتيل إىل بعضها البعض باستمرار من خالل ديناميكية معنوية ذات قوة هائلة فغالبا ما تذكر مع بعضها البعض أو كمضادات لبعضها البعض فالدين مذكور كمضاد للدنيا والعكس صحيح أيضا. وهكذا يشكل اخلطاب القرآني شبكة معنوية متكاملة من هذين املفهومني بل أن هذه القوة املعنوية اخلاصة بالتضاد بني الدين والدنيا التزال تظهر بوضوح يف اخلطابات العربية واالسالمية املعاصرة )15(. ثانيا : مهمة االسالميات التطبيقية هناك مهمتان رئيسيتان تضطلع بهما االسالميات التطبيقية هما دراسة الرتاث ودراسة احلداثة فالدراسة املوجهة للرتاث تروم تقوميه من أجل فرز ما هو معريف مما هو ايديولوجي أو بعبارة أوضح فرز ما هو عقالني مما هو خرايف ودراسة احلداثة تقوم على إبراز إجنازات العلوم االنسانية ومكتسباتها كما تسعى إىل نقدها وإظهار ثغراتها ابتداءا من عصر األنوار إىل عصر العوملة فالرتاث واحلداثة عمليتان مرتابطتان. والبراز تعالقهما يتعني املتاح من اجنازات العلوم االنسانية من لسانيات وتاريخ وأنثروبولوجيا وسيكولوجيا وكذا من 208 األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية. ج/قسم العلوم االجتماعية. العدد - 21 جانفي ص

4 التحليالت الفلسفية اجلديدة كتفكيكية "دريدا" وحفريات فوكو وكل هذا يهدف إىل حترير العقل العربي من عوائقه الذاتية واملوضوعية حيذر أركون من عملية الترتيث)أي القراءة الرتاثية للرتاث( ألن ها "عملية إيديولوجية تقوم على فعل تعظيم الرتاث من دون دراسته دراسة علمية نقدية هذه العملية تشكل يف نظر أركون عائقا أمام القراءة العلمية اليت جيب أن تقطع معها لتؤسس طريقتها اجلديدة يف دراسة الرتاث املرتبط بتحديات احلداثة )16(. يبني أركون كيف أنه قد استوحى تسمية االسالميات التطبيقية من كتاب لروجيه باستيدبعنوان: االنرتوبولوجيا التطبيقية وكيف أن لبحوث اليت يقدمها تسري يف اخلط نفسه. فاالسالميات التطبيقية على غرار اإلناسة التطبيقية )االنرتوبولوجيا التطبيقية( تتنزل يف إطار خلفية فلسفية ال استعمارية وهي خاصية علم األناسة احلديث واملعاصر الذي عدل معرفيا علم االنسان وذلك بنقله من جمال النزعة العرقية املركزية اليت رافقت تاريخ ظهوره األول إىل جمال املعرفة املوضوعية والشاملة وبعبارة أخرى نقلت األناسبة مقاصدها من جمال معرفة االنسان من أجل السيطرة عليه إىل جمال معرفة االنسان من أجل حتقيق تصور صحيح عنه )17(. إن االسالميات التطبيقية تنفصل تدرجييا عن االسالميات الكالسيكية )االستشراق( وهذه األخرية تهدف إىل تقديم معلومات حمددة حول دين معني )االسالم( إىل مجهور غربي وذلك عن طريق تقديم بعض الدراسات عنه قام بهذه الكتابات أو الدراسات عسكريون وإداريون كولونياليون وتبشرييون وأساتذة جامعيون مهما تكن القيمة التثقيفية هلذه الكتابات فإنها تبقى مع ذلك تعكس جهد نظرة خارجية إنها فوق ذلك متأثرة بنزعة عرقية مركزية مؤكدة مفهومة ضمن الوسط التارخيي الذي ولدت فيه وحتى الدراسات اجلامعية تسبح يف احمليط العام هلذه العرقية املركزية ذلك أن تفسرياتها وحتليالتها تعكس يف الغالب رؤيا سلبية لالسالم أم ا عن االسالميات التطبيقية فهي تدرس االسالم ضمن منظورين متكاملني )18(. أوال : منظور علم األديان املقارن الذي جيعل االسالم يدرك خصائصه الذاتية وعالقته باألديان األخرى يف ضوء جديد يؤدي به إىل أن يستبدل مبوقفه االفتخاري واهلجومي اجتاه األديان األخرى موقفا متفهما مقارنا بدرجة معقولة من املوضوع. ثانيا : منظور علوم االنسانيات احلديثة واليت تهدف إىل إخضاع النص القرآني حملك النقد التارخيي املقارن وللتحليل األلسين وللتأمل الفلسفي املتعلق بانتاج املعنى وتوسعاته وزواله وذلك من أجل جتاوز املرتكزات املعرفية للعصور الوسطى اليت ما زالت تؤثر يف تفكري البعض منا حتى اليوم )19(. وعندما ميعن أركون النظر يف الرتاث العربي االسالمي جيد أن حجم الالمفكر فيه بل املستحيل التفكري فيه أضخم من فضاء املفكر فيه وإن كان هذا األخري ال معنى له هنا ما مل يستند إىل الالمفكر فيه إذ منه يستمد ماهيته حتى وإن كان املفكر فيه هو الذي يكتشف الالمفكر فيه أو باألحرى "وحده الكفيل بأن ميهد ملا يفك فيه بعد" )20(. وأركون عندما ينقب يف الرتاث كشيء مفكر فيه يدرك أنه حيمل يف طياته عنصر الالمفكر فيه فهو قدره واالسالميات التطبيقية ترى من مهامها اختيار مدى جناعة هذا املفهوم الغربي عندما يطبق على أرضية غري أرضيته فاجملتمع االسالمي هو احملك احلقيقي والناجع الختبار مثل هذه املفاهيم ذات املنبت الغربي ويضرب أركون أمثلة من التاريخ )21( العربي االسالمي ليربز هول هذا املستحيل التفكري فيه: مسألة تارخيية النص القرآني وتشكله. مسألة تاريخ جمموعات احلديث النبوي. الشروط التارخيية والثقافية لتشكل الشريعة. مسألة الوحي. مسألة حتريف الكتابات املقدسة السابقة على القرآن. مسألة التعالي اخلاص باآلليات التشريعية يف القرآن. مسألة خلق القرآن. مسألة االنتقال من لرمزية إىل سلطة الدولة والقانون القضائي. مسألة الشخص البشري. مسألة حقوق املرأة. مسألة تربية األطفال. وهذه املسائل يف نظر حممد أركون مسائل حمضورة يف جمال الدين وهي ال متس إال مسا سطحيا من قبل الفكر الكالسيكي. أما االسالم السياسي املعاصر )الفكر االسالمي النضالي الصاعد( بتعبري أركون فإنه يستغل إىل أقصى حد ممكن كل املوضوعات والشعارات االسالمية التقليدية ألهداف سياسية دعائية ليعارض بقوة أي حماولة إلدخال مستلزمات احلداثة الفكرية إىل الساحة االسالمية أو العربية )22(. ثالثا: أهداف االسالميات التطبيقية يذكر أركون جمموعة من األهداف ميكن تلخيصها فيما يلي )23( : 1- دراسة االسالم ضمن منظورين متكاملني: أ-كفعالية علمية داخلية للفكر االسالمي. )24( ب-كفعالية علمية متضامنة مع الفكر املعاصر كله. 2- استبدال البحث العلمي املتضامن مبناخ الالثقة والتشهري ال 209 األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية. ج/قسم العلوم االجتماعية. العدد - 21 جانفي ص

5 طالبة دكتوراه. قسول مريم أ.د بوبكر الجياللي متبادل. 3- خلق الظروف املالئمة ملمارسة فكر اسالمي حمرر من احملرمات العتيقة وامليثولوجيا البالية وحمرر من االيديولوجيات الناشئة حديثا 4- إعادة دمج ما كان قد اعترب معطى الوحي أو الوحي الذي تلقى صياغة مشتقة ومتماسكة على يد علم الالهوت. رابعا : االختصاصات اليت تشملها االسالميات التطبيقية يقصد باالختصاصات اليت تشملها االسالميات التطبيقية هي خمتلف احلقول املعرفية اليت اخنرط فيها أركون ليعتمدها يف نقد العقل االسالمي مراجع نظرية يربز ذلك من خالل أحد تعريفاته اإلجرائية لالسالميات التطبيقية عندما قال:»إن السالميات التطبيقية هي ممارسة علمية متعددة االختصاص وهذا ناتج عن اهتماماتها املعاصرة واملتطلبات اخلاصة مبوضوع دراستها لقد ارتبطت الظاهرة االسالمية منذ نشأتها بكالم أصبح نصا وهذا يعين أن عامل االسالميات ينبغي أن يكون لسانيا كامال وليس فقط متطفال على إحدى فروعها ويف الوقت ذاته فإن االسالم باعتباره ظاهرة دينية ال ميكن أن خنتزله إىل جمرد نظام من األفكار اجملردة )...( إن ه كأي دين آخر جسد مؤلف من عد ة عوامل ال تنفصم: العامل النفسانيPsychique والنفسي Psychologique )الفردي )25( واجلماعي( والتارخيي واالجتماعي«. إن املرجعيات النقدية ذات األصول الغربية اليت يعتمدها حممد أركون كانت سببا يف صعوبة ضبط تعدد االختصاص بالنسبة إىل االسالميات التطبيقية ولكن خمتار الفجاري حاول منهجيا أن يضبط ذلك يف ثالث اختصاصات وهي: 1- اختصاص املؤرخ تعترب املنهجية التارخيية احلديثة من أبرز مقومات االسالميات التطبيقية وخاصة يف نقدها للعقل االسالمي صرح أركون بذلك علنا عندما قال:»املنهجية التارخيية احلديثة تتخذ مكانة حمورية من مشروعي العام: نقد العقل االسالمي«)26(. واملقصود باملنهجية التارخيية احلديثة ارجاع الفكر إىل األنساق أو نظم الفكر وليس إىل األحداث اخلارجة عنه كاألحداث السياسية أو العسكرية أو غريها وضمن هذا اإلطار سعى أركون إىل أن يكون من بني املؤرخني للفكر االسالمي على الطريقة احلديثة أي إىل إخراج الفكر االسالمي من جمال البعثرة اليت ال جامع هلا إىل جمال النظام وذلك من خالل حبثه عن املبادئ املشرتكة بني خمتلف العلوم االسالمية ليصوغ لنا النظام الفكري العام أو األفق املعريف الذي يؤطرها وهو إذ يفعل ذلك يقوم بضبط املبادئ العامة للعقل اإلسالمي. كما يؤكد أركون أن ه حبكم ختص صه العلمي يسعى إىل إحداث نقلة نوعية يف تاريخ الفكر االسالمي من خالل دراسة العالقات اليت تربط بني كل العلوم وتأسيس ما مساه ب: " التقسيم االبستيمي" للفكر متجاوزا أيضا ما مساه ب: "التقسيم الزمين" )28(. فالتقسيم االبستيمي يرجع إىل االنتظام األصولي املعريف وأركون يطلق عليه أحيانا اسم "الزمان الطويل والتقسيم الزمين يرجع إىل االنتظام اخلطي التسلسلي ويطلق عليه أركون اسم "الزمان القصري". والزمان القصري الذي يراه أركون سائدا إىل اليوم يف الفكر االسالمي هو من أبرز عوائق نقد العقل االسالمي ألنه يكتفي "بسرد األخبار على خط زمين متصل مستقيم ينطلق من بداية تأسيسية تعترب أصال يفصل ما بني قبل وبعد. ويفرض هذا التقسيم الزمين تصورا معينا وهو يف احلقيقة إيديولوجيا- للتاريخ إذ أن نا ننظر إىل ما قبل املسيح أو قبل اهلجرة نظرة لعقيدة املسيحية واالسالمية اليت ترفض ظلمات اجلاهلية إلشاعة نور املسيحية أو االسالم. ونعترب كذلك الثورة الفرنسية الكربى والثورة السوفياتية... نقاط انفصال يف اخلط الزمين املمتد من أصل إىل النجاة املستهدفة يف العقيدة الدينية كما يف االيديولوجييات االشرتاكية احلديثة" )29(. أم ا الزمان الطويل فهو الضامن لتحقيق معرفة علمية عن العقل ألن املؤرخ يف هذا اجملال يربط بني املقوالت ليستنبط املبادئ املعرفية لعصر من العصور تساعده على ضبط اجملال املعريف األصولي لذلك العصر أو بالتعبري العربي ألركون ابستمية العصر )30(. وقد حاول أركون أن ينظر إىل الفكر االسالمي من منظور الزمان الطويل فاكتشف أن بنية الوعي واحدة لدى كل الفرق مهما اختلفت فكرانيا وهو ما ساعده على ضبط البنية العامة للعقل االسالمي. إن أركون يراهن على املنهجية التارخيية يف تقد العقل االسالمي من خالل مساعدته على التحول من جمال معريف إىل آخر ومن ثم إصالح الفكر االسالمي إصالحا جذريا مبعنى إصالحا ثوريا ) 31 ( 2- اختصاص الفيلسوف ال ميكن للطرح الفلسفي أن يغيب عن موضوع العقل خاصة ولذلك جند الفلسفة دائما حاضرة يف كل املستويات النقدية وإذا كان أركون قد أك د ذلك عندما قال: "أفهم إن ه من الص عب جدا على املرء أن ينسى عندما يلفظ مصطلح نقد العقل السوابق الفلسفية هلذه املهمة الكربى" )32( كما أن أركون بني يف كتاباته عن االسالميات التطبيقية بأن هذا هذه األخرية ترتكز على مدارس فلسفية خمتلفة. وقد مجع حممد أركون رؤيته الفلسفية لالسالميات التطبيقية من خمتلف املدارس واالجتاهات الفلسفية املعاصرة رغم تباعدها وتناقضها أحيانا إن ها مزيج من النظريات. نذكر هنا على سبيل املثال الفضل الذي ينسب املفكر األملاني 210 األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية. ج/قسم العلوم االجتماعية. العدد - 21 جانفي ص

6 هربماس الذي أعاد االعتبار ملفهوم احلقيقة الذي تصدعت أركانه أمام املوجات الفكرية املعاصرة اليت تعارض احلداثة وخاصة التفكيكية إن هابرماس يقول مبحسوسية احلقيقة ال من خالل وجودها العيين كما هو الشأن لدى الفكر التقليدي بل من خالل وجودها التواصلي على النقيض من فوكو الذي يعتربه هابرماس أول خمرب لفكرة العقالنية واحلداثة الغربية وكل إرث فكر األنوار األوروبي ذلك أن فوكو يف نظر هذا الفيلسوف»قد وصل يف نهاية املطاف إىل قتل مفهوم احلقيقة والسقوط يف العدمية«)33(. حيث أن احلقيقة يف نظر فوكو مرتبطة دائما بإرادة السلطة أو اهليمنة ويف ذلك تصريح بنسوبية احلقيقة ومن ثم عدمها وهذا عارضه هابرماس يف كتابه املشهور "اخلطاب الفلسفي للحداثة" وهي العبثية اليت ينكرها هابرماس على فوكو ويقرتح لتجنبها مفهوم احلقيقة التواصلية إلنقاذ احلداثة ومكتسباتها العلمية والوضعية من إلنهيار والفكرة نفسها جندها عند أركون فريي:»أن فكرة احلقيقة تتجس د دائما ويف كل مكان عن طريق الفاعلني االجتماعيني أي البشر إن ها إذن شيء حمسوس وملموس«34. ولكن ما يلفت االنتباه أن أركون سرعان ما جلأ إىل فوكو ليستمد منع عددا من املبادئ إن مل نقل إلبها فبعد أن أك د فكرة هابرماس يف املبدأ األول سرعان ما عاد يف املبدأ الثاني ليقول:»احلقيقة تربر السلطة لذا جند منطني من احلقيقة احلقيقة الفلسفية احلقيقية واحلقيقة الرمسية والعالقة بينهما دائما متوترة «35. وهذا دليل على النزعة الرتكيبية بني فلسفات متناقضة لبناء الرؤية الفلسفية لالسالميات التطبيقية وحممد أركونكما يعتمد على هابرماس وفوكو فهو يعتمد أيضا على فالسفة آخرين يف هذا البناء الفكري. 3- اختصاص اللساني أهمية املنهج اللساني يف خطاب االسالميات التطبيقية ليست يف حاجة إىل توضيح إذ يكفي القارئ إحصاء اإلحاالت اليت يقوم بها أركون من متونه وهوامشه حتى يعي تلك القيمة 55 فاخلطاب حافل بأفكار الكثري من املفكرين والفالسفة الغربيني إن حممد أركون يرفض اللسانيات البنيوية يف املستوى النظري ولكنه عمليا مل يتخلص من البنيوية. إن أركون ال يرفض اللسانيات البنيوية رفضا مطلقا بل يرفضها رفضا يتحكم فيه السياق النقدي فهو يرفضه عندما يتعلق األمر بتحليل اخلطابات املعرفية يف االستعمال ويقبله عندما حيلل بنية النصوص وهذا التداخل واملراوحة بني املنهجني اللسانيني يفسر مرة أخرى على أساس املنهج عند أركون يقوم على تعدد االختصاص واجلمع الكثيف بني ملدارس النقدية حت ى عد هذا املنهج عند بعض النقاد "منهج متعددي احلرف" )36(. ومن األمثلة العملية على اعتماد املنهج اللساني نذكر قراءة الفاحتة وكذلك دراسة ما أطلق عليه جتربة املدينة اليت أخضعها لدراسة آنية من خالل حرصه على املعادلة املثلثة: اللغة والتاريخ والفكر وهو يرى أن العصر متى اختلفت مفرداته اختلف فكره ولذلك تعترب الدراسة اليت جتمع بني :آنيتني" فأكثر دراسة "زمانية" وهذا ما جعل أركون يقر بأن ه ال ميكن دراسة مرحلة فكرية ما إال إذا أخذنا بعني االعتبار وضع اللغة وطريقة التعبري السائدة آنذاك )37(. اهلوامش 1- مرجع سابق ص مصطفى كيحل مرجع سابق ص امساعيل زروخي وآخرون التيارات الفلسفية الغربية احلديثة وأثرها على الفكر العربي منشورات خمرب الدراسات التارخيية والفلسفية جامعة منتوري قسنطينة 2003 ص امساعيل زروخي وآخرون مرجع سابق ص مرجع سابق ص مرجع سابق ص عبد الوهاب شعالن: إشكاليات الفكر العربي املعاصر يف أطروحات أركون اجلابري العروي حسن حنفي على حرب مكتبة اآلداب القاهرة ط ص مصطفى كيحل مرجع سابق ص عماد مطري خليف حبث بعنوان: مشروع نقد العقل االسالمي عند حممد أركون مشارك يف املؤمتر العلمي العاملي الثاني "التكامل املعريف بني علوم الوحي وعلوم الكون" مركز حبوث القرآن الكريم والسنة النبوية من 6-8 جانفي 2009 ص املرجع نفسه املرجع نفسه ص املرجع نفسه ص خملوف بشري قراءة يف فكر حممد أركون جملة احلوار الثقايف تصدر عن حوار احلضارات التنوع الثقايف وفلسفة السلم جبامعة مستغامن اجلزائر عدد ربيع وصيف حممد أركون حترير الوعي االسالمي "حنو اخلروج من السياجات الدوغمائية املغلقة نقال عن خملوف بشري قراءة يف فكر حممد أركون مرجع سابق ص بغورة الزواوي ميشيل فوكو يف الفكر العربي املعاصر حممد عابد اجلابري حممد أركون فتحي الرتيكي نقال عن عبد اجمليد خليفي قراءة النص الديين عند حممد أركون الطبعة األوىل منتدى املعارف بريوت 2010 ص عماد مطري خليف مرجع سابق ص مرجع سابق ص حممد أركون نافذة على االسالم نقال عن عماد مطري خليف مرجع سابق ص هايدغر اهلوية واالختالف نقال عن عبد اجمليد خليقي مرجع سابق ص عبد اجمليد خليقي مرجع سابق ص حممد أركون الفكر االسالمي نقد واجتهاد نقال عن عبد اجمليد خليقي مرجع سابق ص أمحد فاضل السعدي مرجع سابق ص حممد أركون تارخيية الفكر العربي االسالمي نقال عن أمحد فاضل 211 األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية. ج/قسم العلوم االجتماعية. العدد - 21 جانفي ص

7 طالبة دكتوراه. قسول مريم أ.د بوبكر الجياللي السعدي مرجع سابق ص 77. نقال عن خمتار الفجاري نقد العقل االسالمي عند حممد أركون الكبعة األوىل دار الطليعة بريوت 2005 ص حممد أركون الفكر االسالمي نقد واجتهاد نقال عن خمتار الفجاري مرجع سابق ص Mohamed Arkoun: pour une critique de la raison islanmique p خمتار الفجاري مرجع سابق ص املرجع نفسه ص حممد أركون حنو تقييم واستلهام جديدين للفكر االسالمي نقال عن خمتار الفجاري مرجع سابق ص خمتار الفجاري املرجع نفسه ص نفس املرجع ص حممد أركون الفكر االسالمي نقد واجتهاد نقال عن خمتار الفجاري مرجع سابق ص نقال عن خمتار. modernité -Habemas : le discours philosophique de la 32.الفجاري مرجع سابق ص 54 نقال عن islamique, 33Mohamed arkoun, pour une critique de la raison.خمتار الفجاري مرجع سابق ص بالتصرف املرجع نفسه ص املرجع نفسه ص بالتصرف املرجع نفسه ص املرجع نفسه ص األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية. ج/قسم العلوم االجتماعية. العدد - 21 جانفي ص