الأردن وإسرائيل: علاقة مضطربة في إقليم ملتهب

النسخ

1

2 األردن واسرائيل عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب د. حسن الرباري النسخة الثانية 2019

3 اململكة األردنية اهلاشمية رقم اإليداع لدى دائرة املكتبة الوطنية )2463/5/2014( الرباري حسن عبداملهدي األردن وإرسائيل عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب / حسن عبداملهدي الرباري - عامن :مؤسسة فريدريش إيربت 2014 )236 ص. ر.أ. : 2013/9/4607 الواصفات/ :العالقات الدولية//األردن//إرسائيل/ يتحمل املؤلف كامل املسؤولية القانونية عن حمتوى دائرة املكتبة الوطنية أو أي جهة حكومية أخرى. النارش مؤسسة فريدريش ايربت مكتب االردن والعراق مؤسسة فريدريش ايربت مكتب عامن صندوق بريد: بريد الكرتوين: fes@fes-jordan.org املوقع االلكرتوين: غري خمصص للبيع مؤسسة فريدريش ايربت مكتب عامن النسخة الثانية مصنفه وال يعرب هذا املصنف عن رأي مجيع احلقوق حمفوظة. ال يمكن اعادة طبع نسخ أو استعامل اي جزء من هذه املطبوعة من دون اذن مكتوب من النارش. اآلراء الواردة يف هذه الدراسة ال متثل بالرضورة وجهات نظر مؤسسة فريدريش إيربت أو املحرر التنسيق وتصميم الغالف: رمزي العريب طباعة: املطبعة االقتصادية الرقم املعياري الدويل )ردمك(:

4 األردن وإسرائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب د. حسن الرباري النسخة الثانية 2019

5

6 تقديم الطبعة الثانية ت م بيتشوالت املدير املقيم مؤسسة فريدريش إيربت مكتب األردن والعراق 2019 كان هناك العديد من املطالبات بوجود طبعة ثانية من كتاب حسن براري بشأن العالقة املعقدة واحلساسة بني األردن وإرسائيل. صدرت الطبعة األوىل من كتاب " األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب" عام 2014 واآلن نضع بني أيديكم طبعة جديدة ومنقحة توفر خلفية تارخيية وحتليل سيايس هبدف فهم العنارص األساسية للسياسة اخلارجية األردنية حتى هذا التاريخ.

7 تقديم الطبعة األوىل آنيا فيلر-تشوك املديرة املقيمة مؤسسة فريدريش إيربت مكتب األردن والعراق يصادف 26 أكتوبر الذكرى العرشين لتوقيع معاهدة السالم األردنية اإلرسائيلية. وحتى يومنا هذا ال تزال األردن ومرص الدولتني الوحيدتني يف العامل العريب اللتن حتافظان عىل عالقات دبلوماسية مع ارسائيل حي يعد األردن حليفا حاسام يف املنطقة إلرسائيل. وبالرغم من ذلك فإن معاهدة السالم والعالقات الدبلوماسية تفتقر إىل الدعم الشعبي يف األردن وغالبا ما تواجه بالعداء الرصي.. يف تصويت أقرب ما يكون إىل اإلمجاع طالب الربملان االردين طرد السفري اإلرسائييل من األردن يف شباط 2014 وذلك بسب بدء مداوالت الكنيست حول بسط السيادة اإلرسائيلية عىل املسجد األقىص والذي يقع حتت الوصاية األردنية بموجب معاهدة السالم. وتكرر املشهد مرة أخرى باختاذ النواب اخلطوة ذاهتا بعد مرور شهر واحد فقط عندما أطلق حرس احلدود اإلرسائييل النار عىل القايض األردين رائد زعري. ويف الوقت ذاته وقع جمموعة من الربملانني عىل عريضة تطالب بإلغاء معاهدة السالم. واحتشد املتظاهرون يف مناسبات عديدة يف الشارع

8 معربني عن غضبهم يف يتعلق بالسياسات اإلرسائيلية مطالبني بقطع العالقات مع إرسائيل إذ قاموا بحرق العلم اإلرسائييل. تعد الذكرى العرشين لتوقيع معاهدة السالم فرصة هامة إلعادة تقييم العالقات بني األردن وإرسائيل عىل خلفية االستياء الشعبي يف األردن فضال عن التطورات اإلقليمية التي عصفت باملنطقة. الراهن أن الوضع احلايل ال يرتك جماال كبريا للتفاؤل ومستقبل املنطقة يتوقف عىل استمرار حوار مفتوح وملهم عىل املستوى الداخيل لدول املنطقة وعىل املستوى الدويل ملواجهة التحديات واالسرتاتيجيات املتبعة. وهتدف مؤسسة فريدريش ايربت -عامن من نرش هذا الكتاب من منظور أردين إىل تعزيز احلوار املستمر يف هذه املسألة بني وجهات النظر املختلفة. حي يزود د. حسن الرباري املخطط التارخيي للعالقات األردنية-اإلرسائيلية ويعرض من خالل حتليله كيفية تعاطي الطرفني مع اآلخر عىل املستوى السيايس. وكام يناقش د. الرباري سيناريوهات خمتلفة يف حماولة منه للوصول إىل الدور الذي ينبغي أن تضطلع به االردن يف يتعلق بعملية السالم وبالتايل يقدم تقييم للرصاع الفلسطيني اإلرسائييل من وجهة نظر أردنية. مؤسسة فريدريش ايربت مؤسسة سياسية أملانية ناشطة يف األردن منذ عام مسجلة عن طريق اجلمعية العلمية امللكية تعمل عىل تعزيز قيم 1986 الديمقراطية والعدالة االجتامعية يف مجيع أنحاء العامل. تنظم مؤسسة فريدريش إي

9 ت أنشطة يف مواضيع خمتلفة مع أكر من 90 مكتب حول العامل بدءا من تشجيع العمل النقايب وحقوق العامل لتنمية قدرات املجتمع الوطني إىل تعزيز حقوق اإلنسان والعديد من القضايا األخرى. وتسعى مؤسسة فريدريش ايربت جاهدة من خالل أنشطتها يف اململكة األردنية اهلاشمية لتعزيز العملية الديمقراطية يف مؤسسات خمتلفة ودعم منظامت املجتمع املدين وتعزيز املشاركة الفعالة جلميع فئات املجتمع. وكام نشكركم قراءنا األعزاء عىل اهتاممكم املتواصل بمنشوراتنا ونأمل أن يضيف كتاب "األردن وارسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب" لكم قيمة ثاقبة يف حقل املعرفة بالعالقات األردنية-اإلرسائيلية.

10 ابين إىل إهداء باسل...مع احلب

11

12 قائمة احملتويات مقدمة الطبعة الثانية مقدمة الطبعة األوىل الفصل األول: من نظام أمين إىل سالم قانوني املقدمة التعاون والرصاع العالقة الصفرية املقاربة الثنائية وإحداث التوازن اخلامتة: من سالم واقع إىل سالم قانوين الفصل الثاني: األردن يف تفكري إسرائيل االسرتاتيجي تقديم حركة العمل وجذور شعار اخليار األردين الليكود واألردن خامتة: صعود اخليار الفلسطيني عند حزب العمل الفصل الثالث: معضلة األردن اإلسرائيلية تقديم البيئة االسرتاتيجية لألردن

13 موقف األردن من الدولة الفلسطينية: مدرستان سيناريو الكونفدرالية اخلامتة الفصل الرابع: فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد تقديم فشل نموذج السالم الدافئ التطبيع ومنتقدوه خامتة الفصل اخلتامي قائمة املراجع

14 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 13 مقدمة الطبعة الثانية املايض هو "الفاحتة" عبارة قاهلا الكاتب املرسحي اإلنجليزي "ويليام شكسبري" يف مرسحيته الشهرية "العاصفة" هلا دالالت يف عامل اليوم. وعليه فإذا كان املايض هو الفاحتة فإن السالم بني الفلسطينيني واإلرسائيليني هو بعيد املنال فالظروف والرشوط الرضورية لصنع السالم ال تتوفر واألسوأ من ذلك هو أن الواليات املتحدة التي قدمت نفسها وسيطا نزهيا أصبحت جزءا من املشكلة بدال من أن تكون جزءا من احلل واحلق أن صفقة الرئيس ترامب للقرن ما هي إال بوح بأنه سيتم التنازل بموجبها عن احلقوق الوطنية للفلسطينيني. مل يعد خافيا أن عملية السالم اإلرسائيلية الفلسطينية التي امتدت عىل مدار ربع قرن فشلت فالكثريون عىل طريف النزاع ال يمكن هلم إنكار أن حل الدولتني الذي يمكن القبول به هو هدف صعب التحقيق. هذا التشاؤم مل يأت من فراغ بل استند إىل ثالث حقائق قاسية هي: استمرار عجلة االستيطان اإلرسائييل يف األرايض الفلسطينية املحتلة بدون توقف مما جعل من فكرة تبادل األرايض وهي إجراء رضوري لصنع السالم أمرا ال يمكن التوصل إليه عمليا فاحلكومات اإلرسائيلية املتعاقبة أصبحت أسرية ملتطلبات السياسة الداخلية ما يعيق تنفيذ االتفاقيات التي تم التوصل إليها مع اجلانب الفلسطيني. ثانيا عدم

15 14 مقدمة الطبعة الثانية وجود قائد يمتلك اإلرادة السياسية ليتجاوز ضغوطات السياسة الداخلية التي يمكن أن تفيض إليها التنازالت اإلرسائيلية للفلسطينيني. ثالثا ال يمكن القول بأن أيا من اجلانبني ملتزم بسالم حقيقي ال حيقق املصال. احليوية هلام ناهيك عن أن هذه املصال. احليوية للطرفني غالبا ما تكون متناقضة أي يصعب التوفيق بينها. ويف السياق نفسه استند املوقف الرسمي األردين منذ عام 1967 إىل أن فكرة األرض مقابل السالم هي الطريقة الوحيدة لتسوية الرصاع سلميا لألبد. ويكمن يف إرصار األردن عىل هذه املعادلة عىل وجه التحديد السعي الدائم خللق بيئة إقليمية تسم. له بالبقاء فاألردنيون بشكل عام يرون أن أي حماولة حلل الرصاع مع إرسائيل لن تنج. إال إذا ارتكزت عىل معادلة األرض مقابل السالم. عندما كتبت الطبعة األوىل من هذا الكتاب قبل أربعة أعوام كان لدي شكوك حول إمكانية ترمجة هذه املعادلة األكثر تكرارا يف حدي األردنيني. وعىل نحو الفت جاءت معاهدة وادي عربة التي وقعت يف اكتوبر من العام 1994 لتعني أمورا خمتلفة ألناس خمتلفني فكل جانب له تفسريه اخلاص لسياق املعاهدة فقد كان الراحل امللك حسني يعرف بأن معاهدة السالم ليست مثالية وهلذا السبب جوهبت بكثري من النقد غري أن امللك حسني كان اسرتاتيجيا فقد نظر

16 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 15 إىل معاهدة السالم مع إرسائيل بوصفها جزءا من حل شامل للرصاع العريب اإلرسائييل وهو السالم الذي كان سيسم. لألردن بالبقاء واالزدهار. واحلق أنه ال يوجد قائد يف زماننا هذا عمل عىل إنضاج عملية السالم والتأثري هبا كامللك الراحل احلسني بن طالل. يرشح آيف شاليم يف كتابه "أسد األردن" بح امللك حسني الدائم لتحقيق حالة من التجانس حمليا وإقليمييا تستند إىل خلق األرضيات املشرتكة. وفضال عن ذلك يتطرق شاليم بيشء من التفصيل للعقبات التي وضعها رشكاؤه يف طريقه للمفاوضات أما للملك حسني وهنا يكمن جوهر القصة فقد كانت القضية عنده مرتبطة أساسا بكيفية حل الرصاع العريب اإلرسائييل سلميا وكيفية إهناء الرصاع واملصاحلة مع دولة إرسائيل وإغالق فصل ميلء باحلروب يف تاريخ هذه املنطقة. يف معرض حماوالته لكسب التأييد الشعبي ملعاهدة السالم عزف رئيس الوزراء يف ذلك الوقت عبدالسالم املجايل عىل وتر حساس عند األردنيني عندما قال: "السالم مع إرسائيل يلغي فكرة الوطن البديل مرة ولألبد. فشب. "الوطن البديل" يثري فزع األردنيني وبخاصة مع فشل عملية السالم. الراهن أن خماوف االردنيني من سيناريو حل الدولتني اهنيار )وهي خماوف متجذرة بعمق( هي حقيقية ألن من شأن ذلك أن يؤسس لوطن بديل للفلسطينيني يف األردن. ومما

17 16 مقدمة الطبعة الثانية يزيد من الطني بلة أن تفاؤل األردنيني بتحقيق تقدم يف املسار الفلسطيني تالشى كام حتولت عوائد السالم إىل رساب. والالفت لألمر أن اخلرباء اإلرسائيليني قد أخفقوا يف رؤية استحالة فصل العالقات الثنائية بني األردن وإرسائيل عن التعثر واملأزق يف املسار الفلسطيني االرسائييل فال يمكن إقامة عالقات طبيعية مع األردنيني يف غياب توقف املسار الفلسطيني وأي نظرة حلياة الفلسطينيني اليومية تكشف لنا أن سفك الدماء قد استمر دون توقف وتثبت أن عملية السالم ما كانت إال غطاء يسم. إلرسائيل بتغيري احلقائق عىل األرض وهو ما قامت به إرسائيل فعال. كان األردن عىل وعي هبذه الديناميكيات التي حصلت نتيجة السياسة االرسائيلية إذ قلصت من إمكانية حتقق حل الدولتني الذي يعد احلل الوحيد ويمكن أن يلبي احلد األدنى من املصال. الوطنية األردنية ويغري النظرة املتشائمة عند األردنيني. هناك كثري من املحللني السياسيني يف إرسائيل بدأوا يفكرون بخيارات أخرى نتيجة الفشل الظاهر لعملية السالم لكن هذه البدائل تقوم عىل فكرة الدولة ثنائية القومية كام أن احللول االقليمية مل تصل إىل حد يمكن أن يقبل به أي من طريف الرصاع.

18 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 17 ماذا بعد قام القادة االرسائيليون عىل مدار أربعة عقود باختاذ خطوات عملية واستباقية عىل األرض حتى ال يصب. سيناريو حل الدولتني خيارا واقعيا وفوق ذلك كله ترتاجع فرص حتقيق حل الدولتني بسبب االستمرار يف النشاطات االستيطانية يف الضفة الغربية والقدس الرشقية. واخلرباء الذين يعرفون احلقائق الديموغرافية واجلغرافية يرون أن تقسيم فلسطني التارخيية إىل دولتني منفصلتني قابلتني للحياة والبقاء أصب. أقرب إىل املستحيل لذلك فإن اسطوانة أو ترنيمة "حل الدولتني" التي يكررها اإلرسائيليون أصبحت غطاء لالنزالق التدرجيي والعميق نحو نظام "األبرهتايد" وقد حان الوقت للتوقف عن التأمل بأن عملية السالم يمكن أن تفيض إىل حل الدولتني وال يوجد أكثر من قانون القومية القانون اجلديل الذي مرره الكنيست واالستمرار يف النشاطات االستيطانية يف األرايض املحتلة ومها يعربان بعمق عن اخلداع الذي تنطوي عليه ادعاءات اإلرسائيليني بأهنم يريدون سالما مع الفلسطينيني. يمكن القول أن التصورات اإلرسائيلية عن مصادر التهديد هي من يثنيهم عن التفكري جديا بمسألة تقديم تنازالت رضورية حتى يف سياق اتفاق سالم هنائي وهذه احلقيقة أفضت إىل إحباط لدى األردنيني الذين اعتقدوا بإمكانية التوصل إىل سالم شامل.

19 18 مقدمة الطبعة الثانية مل يعد خافيا اإلمجاع بني النخب االرسائيلية علة مثل هذا القلق األمني يف إرسائيل فاهلوس باألمن جتسد يف اختالف ألوان الطيف السيايس يف مؤمتر هرتسليا السنوي وبخاصة املؤمتر الذي عقد عام 2000 قثد تناول هوية الدولة والتحديات األساسية. وقام الربفسور أمنون سوفري من جامعة حيفا بعرض التحدي الديموغرايف الذي يواجه إرسائيل إذ يرى أن الفلسطينيني سيشكلون أغلبية واضحة بحلول عام 2020 وذلك من شأنه أن يشكل هتديدا هلوية الدولة اليهودية وحذر سوفري من سيناريو اختفاء إرسائيل الديمقراطية اليهودية خالل عقدين من الزمن إن مل يكن هناك انفصال عن الفلسطينيني كام قدم الربفسور ملخصا لدراسته ألعضاء جلنة السياسة اخلارجية والدفاع يف الكنيست التي كانت برئاسة دان مريدور فاملشكلة عند سوفري هي يف اعتقاده بأن هناك حرب ا ديمغوغرافية تطورت بشكل كبري خالل العقود السابقة وهي اآلن هتدد مسألة الوجود إلرسائييل وأي تقصري يف إمتام االنفصال عن الفلسطينيني حتى لو تطلب االنفصال التخيل عن األرض واملوافقة عىل إقامة دولة فلسطينية مستقلة من شأنه أن يفيض يف هناية األمر إىل دولة ثنائية القومية لن يشكل فيها اليهود األغلبية. لكن هناك معضلة فإرسائيل ترفض بشدة مقرتحات دولة ثنائية القومية كام طرحه بعض املثقفني واألكاديميني لذا فإهنا قد تقوم بعمل أي يشء استباقي

20 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 19 ملنع ما تراه تطورا خميفا إذ إن الغالبية العظمى من اإلرسائيليني يرون أن أبرز التحديات التي تواجه دولتهم هي حتديات تتعلق باألمن وبكيفية منع حتول إرسائيل إىل دولة ثنائية القومية. يف هذا السياق يمكن القول أن الفرضية السائدة عند اإلرسائيليني تعتقد أن استمرار السيطرة اإلرسائيلية عىل األرايض الفلسطينية يف ظل غياب حل الدولتني سوف يؤدي إىل واقع الدولة ثنائية القومية يكون فيها اليهود أقلية فهناك ما يقارب %76 من اليهودي يف إرسائيل يقولون خيشون مثل هذا السيناريو يف حني أن هناك %6 فقط يؤيدون الدولة ثنائية القومية فيام يؤيد %78 منهم حل الدولة الواحدة لكن طاملا بقيت عملية السالم أسرية لرغبات املستوطنني واحتياجاهتم فإن فرص اختاذ صناع القرار حال هلذه املعضلة تبقى ضعيفة. التهديد الثاين املبارش الذي يراه اإلرسائيليون يتمحور حول األمن إذ إن مقاربة إرسائيل ملوضوع األمن تتأثر بشكل كبري باستمرار الرصاع العريب اإلرسائييل فخالل عقد التسعينات من القرن املايض - عىل سبيل املثال - تراجع إحساس إرسائيل بخطورة األمن نتيجة ظهور بيئة أمنية تشكلت بعد انتهاء احلرب الباردة وهزيمة العراق يف حرب 1991 فلو نظرنا إىل مصدري التهديد معا جتد أهنام قد دفعا بكثري من اإلرسائيليني للتوصل إىل نتيجة تفيد بأن التهديد الناجم عن "اجلبهة الرشقية" أي دخول قوات عراقية وعربية إىل األردن ملهاجة

21 20 مقدمة الطبعة الثانية إرسائيل قلقا يعد مل حقيقا إذ إن بند األمن يف معاهدة السالم األردنية اإلرسائيلية عزز االطمئنان من خطر اجلبهة الرشقية. الوضع األمني تغري يف العقد األخري فانسحاب إرسائيل أحادي اجلانب من غزة مل جيلب لإلرسائيليني السالم وال األمن فقد ختلت إرسائيل عن "كريدور فيالدلفيا" الذي يفصل قطاع غزة عن شبه جزيرة سيناء مما مكن اماس من هتريب األسلحة إىل قطاع غزة ومنذ أن استولت حركة اماس عىل قطاع غزة عام 2006 قامت القوات اإلرسائيلية بمهامجة القطاع ثالث مرات. ويرى االسرتاتيجيون اإلرسائيليون أن أي انسحاب إضايف من الضفة الغربية سيكون متأثرا بتجربة االنسحاب أحادي اجلانب من غزة وهلذا السبب اكتسبت فكرة ضم غور األردن إىل إرسائيل زمخا بني النخب اإلرسائيلية خالل السنوات األخرية وإذا حدث هذا فعندئذ لن يكون هناك تواصل جغرايف بني الدولة الفلسطينية واألردن. هناك ما هو أكثر من ذلك إذ بدأ االرسائيليون يقرتحون مقاربة جديدة حلل النزاع مع الفلسطينيني وقد أطلق عىل هذا احلل اسم "احلل اإلقليمي" وممن ذهب مع هذا احلل االسرتاتيجي اإلرسائييل "غيورا إيالند" فقد قام بنرش دراسة للرتويج هلذه الفكرة وهي ترى أن عىل األردن أن يسيطر عىل الضفة الغربية ملنع وقوعها بأيدي من وصفهم بأهنم "متطرفون". ويقول إيالند: إذا ما قررت إرسائيل االنسحاب من الضفة الغربية فإن حركة اماس هي املرشحة لتويل

22 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 21 السيطرة يف وقت رسيع وعليه فإن دولة فلسطينية يف الضفة الغربية حتت سيطرة اماس يمكن هلا أن تشكل حتديات أمنية وال يمكن أن تتحملها إرسائيل وقد أستندت مقولته عىل أن العلامنيني الفلسطينيني سيفضلون خيار األردن عىل اماس. من وجهة نظر إرسائيلية حيدد غيورا إيالند أربع فوائد للحل اإلقليمي أوهلا أن الرصاع سيتحول من رصاع بني الشعب الفلسطيني واملحتل إىل رصاع بني دولتني مها األردن وإرسائيل ويرى أن رفع مستوى الرصاع ليكون بني دولتني من شأنه أن يقلل من الضغوط الدولية عىل إرسائيل لدفعها تقديم التنازالت بقضايا خمتلفة. ثانيهام إن األردن - عىل خالف الفلسطينيني - يمكن أن يقدم تنازالت عىل األرض إذ يمكن أن يتحقق طلب إرسائيل يف أن تكون الضفة الغربية منطقة منزوعة السالح. ثاهلام أن هناك ثقة ارسائيلية بالقيادة األردنية أكرب من القيادة الفلسطينية ووفقا حلل الدولتني فإن إرسائيل ستطلب التخيل عن األصول مقابل التزام الفلسطينيني باألمن مما سيشكل خماطرة كبرية لكن مثل هذا الرتتيب مع األردن الذي يمتلك سج واماية احلدود لن ينظر له إرسائيليا بوصفة خماطرة. ال ممتازا يف االلتزام باالتفاقات األمنية أخريا تعتقد إرسائيل أن دولة فلسطينية مستقلة ستكون ضعيفة وبالتايل ستشكل عبئا عىل إرسائيل ويسهب غيورا إيالند يف طرح هذا املنطق عندما يقول: "ليس واضحا فيام إذا كانت األرض املمتدة بني هنر األردن والبحر املتوسط كافية

23 22 مقدمة الطبعة الثانية إلقامة دولتني قابلتني للحياة ويف هذه احلالة سيلقى بمشاكل الدولة املستقبلية عىل أكتاف إرسائيل إذ تتمثل هذه املشاكل يف نقص البنى التحتية ونقص... التوظيف وانقسامات الضفة الغربية وغزة إلخ وفوق ذلك سيفرض املجتمع الدويل عىل إرسائيل التزامات أخالقية لتساعد الدولة اجلديدة بسبب السنوات الطويلة من االحتالل ألن ذلك يف صال. إرسائيل حتى ال يكون هناك إحباط وفقر ويأس عند الفلسطينيني, ولن يكون هذا هو األمر لو أصبحت الضفة الغربية جزءا من اململكة األردنية الكربى." إن من الصعوبة بمكان وجود فائدة رصحية أو حتى ضمنية للفلسطينيني أو األردنيني يف مثل هذا احلل اإلقليمي ويبدو أن إيالند ال يستوعب حساسايات األردن ملثل هذا املقرتح عندما يرى أنه البديل األفضل حلل الدولتني والواقع أن أي دور أردين فاعل بشكل أكرب يف األرايض الفلسطينية سيكون له عىل األرج. عواقب وخيمة ستنعكس عىل استقرار األردن الداخيل وخالصة القول أن األردن لن يقبل أي إجراء أقل من حل الدولتني ألن أي مقرتح آخر سينطر له دائام بوصفه هتديدا اسرتاتيجيا عىل ازدهار األردن يف املدى البعيد. يف اخلامتة إن األردن وإرسائيل عىل الرغم من معاهد السالم هلام وجهتا نظر خمتلفة بشكل جذري يف حل مقبول للرصاع إذ يرى األردن أن تعنت إرسائيل وعدم رغبتها يف التقدم للتوصل إىل حل الدولتني وتكتيكاهتا إلعاقة

24 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 23 عملية السالم هي مهددات لألمن الوطني األردين يف الوقت احلارض ويف قادم األيام واحلق أن السياسات اإلرسائيلية إن تركت كام هي دون رادع ستقضم فرص حل الدولتني. لقد زحفت احلكومة االرسائيلية بشكل تدرجيي عىل مدار عقود باجتاه تيار يميني مساند لالستيطان وهذا امليل قد فاقم من خيبة أمل الفلسطينيني يف حل الدولتني وما يزيد الطني بلة أن السالم احلقيقي مل يعد أولوية إرسائيلية وهو أمر أظهرته االنتخابات املتتالية األخرية التي تركزت عىل عوامل متعلقة بالوضع االقتصادي واالجتامعي وليس عىل القضايا املتعلقة بالسالم فوق ذلك تشري استطالعات الرأي العام االرسائييل إىل أن املواطن االرسائييل العادي ال يثق بأن السالم ممكن حتقيقه. هلذا السبب فإن من شأن إدامة الوضع القائم املرافق للحقائق الديموغرافية والنشاطات االستيطانية أن يدفع إرسائيل للضغط عىل األردن لقبول احلل عىل حسابه بمعنى أخر فإن لألردن وإرسائيل اسرتاتيجيات متناقضة لذا فقد تشهد السنوات القادمة صداما بينهام. أما االتصاالت املستمرة بني اجلانبني وكلامت املجامالت فهي ال تعدو كوهنا سحابة دخان ختفي خلفها خالفات عميقة ودرجة عالية من انعدام الثقة املتبادلة وعلينا أن ننتظر كيف

25 24 مقدمة الطبعة الثانية ستتغلب الدولتان عىل اختالفاهتام العميقة وتضعان اسرتاتيجية خروج للتعامل مع عواقب اهنيار مقاربة حل الدولتني.

26 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 25 مقدمة الطبعة األوىل يف اجلزء الثاين من مرسحية "هنري الرابع" للكاتب اإلنجليزي ويليام شكسبري تتنهد الشخصية الرئيسة قائلة "ال يستقر قرار للرأس الذي حيمل التاج". هذه العبارة متثل بدقة متناهية قصة البقاء السيايس للعرش اهلاشمي يف إقليم غري مستقر فالتقلب الدائم يف الرشق األوسط ترك أثرا عميقا ودائام عىل البنية الذهنية للحكام اهلاشميني يف األردن طيلة العقود املاضية. وعىل وجه التحديد أدى استمرار الرصاع العريب اإلرسائييل واستعصاء حله إىل حالة من احلدة يف تصورات اهلاشميني باخلطر الداهم عىل بقائهم. ومن ث م ال يبدو أن هناك سببا وجيها يدفع حكام األردن إىل غض النظر عام جيري غرب النهر من تطورات أمنية وسياسية ستنعكس عىل مستقبل األردن. هبذا املعنى يبدو من الطبيعي أن يسعى امللك حسني للسالم مع إرسائيل وسيلة لبقاء نظامه السيايس فبعد أن نج. يف مواجهة التحديات الكبرية حلكمه سواء اخلارجية أم الداخلية اختذ امللك حسني من السالم مع إرسائيل خيارا اسرتاتيجيا فقد آمن بشكل كبري بأن استقرار بلده وبقاء نظامه يتطلب ركائز قوية منها احلفاظ عىل سالم مع إرسائيل لذلك سعى للسالم بقوة. يقول امللك حسني: "ال يوجد هناك عودة عن السالم فبغض النظر عن الضغوطات واملصاعب فإن

27 26 مقدمة الطبعة األوىل إرادة السالم ستتغلب عىل كل العقبات" )1(. ويف واقع احلال مل يشكك يف رغبة امللك حسني يف إهناء الرصاع مع إرسائيل إال قليل من الناس وهو ما ينطبق عىل امللك عبداهلل الثاين أيضا. لقد سعى كل من األردن وإرسائيل لتقديم نموذج سالم دافئ بني البلدين خيتلف عن النموذج املرصي الذي وصف بأنه بارد. غري أن نظرة عىل املايض القريب جتعلنا نتساءل: ملاذا ما زال السالم الدافئ بني األردن وإرسائيل بعيدا عن الواقع حتى اليوم فاالحتفاالت التي رافقت توقيع معاهدة السالم األردنية اإلرسائيلية مل تستمر إال ملدة وجيزة. فقد غري اغتيال رئيس الوزراء اإلرسائييل إسحاق رابني يف السنة الثانية من توقيع املعاهدة ديناميكيات العالقات الثنائية بني البلدين فالقادة اإلرسائيليون الذي جاؤوا بعد رابني مل يشاطروه التزامه بالسالم خيار ا إلهناء الرصاع. ونتيجة لذلك فقد انتقل السالم من نموذجه الدافئ الذي توقعه كثري من املراقبني إىل نموذجه البارد عىل غرار النموذج املرصي. اآلن وقد مر عرشون عام ا عىل توقيع معاهدة السالم ما زال البلدان أبعد ما يكونان عن بعضهام وما زاال خمتلفني حيال القضية الفلسطينية. وهذا ال يعني أن الطرفني تعمدا ختريب اجلهود السلمية لكن املعيقات السياسية داخل إرسائيل )1( انظر إىل خطاب امللك حسن يف قمة رشم الشيخ التي عقدت يف الثال عرش من آذار 1996.

28 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 27 والتي ترافقت مع االنزياح يف املجتمع اإلرسائييل جتاه اليمني جعلت من إجراء مفاوضات حقيقية إلحالل السالم بني كل األطراف أمرا مستحيال فهذه التغريات داخل إرسائيل )كام سيتناول الفصل األخري من الكتاب( أعاقت كل اجلهود املبذولة لتحقيق السالم. كل ذلك حيدث يف وقت ختىل فيه النظام اهلاشمي عن أطامعه يف املطالبة بإعادة الضفة الغربية ففي هناية الثامنينات من القرن املايض أدرك امللك حسني بأن أهدافه يف منع إقامة دولة فلسطينية ومنع الليكود من ضم الضفة الغربية مها هدفان متعارضان ال يمكن التوفيق بينهام وهنا عىل وجه التحديد برزت مدرسة سياسية أخرى يف األردن ترى أن من مصلحة النظام اهلاشمي أن يكون هناك دولة فلسطينية مستقلة. صحي. أن معاهدة السالم جتاوزت كل التقلبات والتطورات اإلقليمية التي عصفت باملنطقة يف السنوات العرشين األخرية. غري أن هذه احلقيقة ال تعني أن األمور تسري عىل ما يرام فام زال أمام اجلانب اإلرسائييل كثري من احلقائق التي عليه أن يدركها فالعالقات الثنائية مع األردن ال يمكن فصلها عام جيري عىل املسار الفلسطيني اإلرسائييل. بمعنى آخر فإن اجلمود املستمر يف املسار الفلسطيني اإلرسائييل ترك أثرا سلبيا عىل العالقات الثنائية بني عامن وتل أبيب. وفوق ذلك هناك اعتقاد متنام عند كثري من األردنيني بأن فرص حل الدولتني

29 28 مقدمة الطبعة األوىل )وهو احلل الذي يعد ه األردنيون يف مصلحة بلدهم االسرتاتيجية( تتالشى برسعة كبرية. إن استمرار السياسات اإلرسائيلية يف خلق وقائع جديدة عىل األرض سوف تؤثر عىل نتيجة التسوية النهائية بني إرسائيل والفلسطينيني. وعىل هذا النحو فإنه يمكن القول بأن استمرار هذه السياسات سوف يقلل من فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة. وما من شك فإن الفشل يف إقامتها من شأنه أن يفيض إىل واقع ديمغرايف جديد يشكل فيه الفلسطينيون األغلبية يف املنطقة املمتدة من البحر املتوسط إىل هنر األردن وهو ما يشكل _بالنسبة للصهاينة_ كابوسا مريرا ألنه يناقض مربر وجود الفكرة الصهيونية بإقامة دولة لليهود. ولتجنب سيناريو ثنائية القومية هذا فإن إرسائيل قد تلجأ إىل سياسات ربام ستشكل هتديدا اسرتاتيجيا لألردن والبقاء السيايس للنظام اهلاشمي. لذلك فإن هذا الكتاب يتحدى املقولة الرئيسة التي ترى أن إرسائيل تعتقد أن بقاء األردن واستقراره يعد مصلحة اسرتاتيجية هلا بمعن ى أخ ر فإن األردن ال يمكن له أن يأخذ التطمينات اإلرسائيلية عىل حممل اجلد. ففي ضوء التغريات الديمغرافية القادمة التي ستعصف باملثل األردين الفلسطيني اإلرسائييل فإن علينا كمراقبني أن ال نستبعد سيناريو حتدد فيه إرسائيل مصاحلها بشكل خمتلف عن التطمينات التي تبع هبا لألردن وقد يؤدي ذلك إلحلاق الرضر باألردن ونظامه.

30 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 29 وهنا ال بد من التوضي. كيف يرى األردنيون التهديدات التي تتأتى من جراء استمرار الرصاع الفلسطيني اإلرسائييل. فكام هو احلال مع غالبية اإلرسائيليني )الذين يدعمون إقامة دولة فلسطينية مستقلة كوسيلة للحفاظ عىل الطابع اليهودي للدولة ولتجنب سيناريو الدولة الواحدة( فإن األردنيني يدعمون مقاربة حل الدولتني حتى يتجنبوا احتاملية أن يستويل الفلسطينيون عىل األردن. وهناك مقاربة شائعة بني األردنيني تقول بأن الوحدة مع الفلسطينيني غرب النهر -سواء وفقا ملقاربات الكونفدرالية أو الفيدرالية أو اخليار األردين -من شأهنا أن حتول األردنيني إىل أقلية يف بلدهم ومن ثم يتحول األردن إىل وطن بديل للفلسطينيني. وقد وض. امللك يف غري مناسبة من أن فشل حل الدولتني سيشكل هتديدا لألمن الوطني األردين. وبالفعل فقد تشكل خالل العقدين األخريين امجاع وطني يف األردن يتفق مع مقولة امللك. وهنا تتجىل املفارقة املتمثلة بأن كبار رجال الدولة األردنية أخفقوا يف حتديد ما عىل األردن فعله إذا تبني أن من الصعوبة بمكان إقامة دولة فلسطينية مستقلة. يف املقابل هناك أغلبية إرسائيلية تدعم فكرة االنفصال بني العرب واليهود )وهو ما يعني أيضا إعطاء الفلسطينيني دولة مستقلة( ومع ذلك فهناك أيضا مفارقة وهي أن سياسات إرسائيل جعلت من فرص حتقيق هذا السيناريو أقل. فهناك توجه يف املجتمع اإلرسائييل نحو اليمني بدءا من انتفاضة األقىص وهو ما

31 30 مقدمة الطبعة األوىل جيعل من أي تنازل إرسائييل مهام صغر قضية للنقاش الساخن داخل املجتمع ايل إرسائييل. فرئيس احلكومة اإلرسائييل بغض النظر عن هويته يمن. البقاء السيايس له أمهية قصوى وهو أمر ال جيعله متحمسا للتعاون من أجل حتقيق السالم العادل أو تقديم التنازالت الرضورية لصنع السالم. مع ذلك ثمة فرق بني اجلانبني. فاألردنيون عىل العكس من اإلرسائليني - مل يبلوروا خياراهتم يف حال فشل حل الدولتني فإن كثريا من اإلرسائيليني بدأوا يطرحون خيارات بديلة. فهناك العديد من املفكرين اإلرسائيليني املرموقني الذين ال يتبوأون مناصب رسمية بدأوا بتقديم اقرتاحات يمكن وصفها بأهنا غري مألوفة وربام راديكالية لدرجة أن بعضهم اقرتح أن يلعب األردن دورا يف احلل النهائي للرصاع والتخيل عن فكرة حل الدولتني ألهنا مل تعد قابلة للتنفيذ. هناك هدفان وراء تأليف هذا الكتاب. أوال أن يقدم تقييام للتطورات يف العالقة األردنية اإلرسائيلية يف الفرتة التي سبقت وتلت عملية السالم. أما اهلدف الثاين فيتمثل يف تقديم قراءة مستقبلية عن العالقات األردنية اإلرسائيلية وسيناريوهاهتا وعىل وجه التحديد حياول الكتاب اإلجابة عن التساؤل التايل: هل سيكون هناك صدام بني البلدين وهل بإمكاهنام االستمرار يف إدراة خالفاهتم اجلذرية بشكل سلمي يف عامل آخذ يف التغري وبشكل عام سريكز الكتاب عىل العالقات الثنائية وسيقدم تفسريا الستمرار نموذج السالم البارد.

32 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 31 يتكون الكتاب من مقدمة وأربعة فصول وخامتة. يف املقدمة يقدم الكتاب املقوالت الرئيسة واملشهد العام وكذلك اهلدف منه. أما الفصل األول فهو تارخيي يقدم اخللفية التارخيية للعالقات الثنائية خالل الفرتة التي سبقت التوصل إىل معاهدة سالم. ويتتبع الفصل األول اجلذور التارخيية ويؤصل لعالقة "أفضل األعداء" ويتفحص فيام إذا كان الطرفان يف حالة من الرصاع الصفري أم يف حالة تسم. هلام بالتعاون لتحقيق أهدافهام املتطابقة. أما الفصل الثاين فيتفحص تطور األردن يف التفكري االسرتاتيجي إلرسائيل عىل مر العقود ويرشح أيضا فشل اخليار األردين كام أريد له منذ البداية. فقد رفض إسحاق رابني مفهوم اخليار األردين يف بداية التسعينات من القرن املنرصم وهي خطوة مهدت الطريق أمام تبلور اخليار الفلسطيني يف تفكري حزب العمل األمر الذي سهل من توقيع معاهدة السالم مع األردن يف عام فبعد أن متكن حزب العمل ومنظمة التحرير التوصل إىل اتفاق أوسلو مل يتبق كثري من القضايا اخلالفية بني األردن وإرسائيل. وفوق ذلك يتحدث الفصل عن القوى املجتمعية الرئيسة يف إرسائيل ونظرهتا لألردن وانعكاس ذلك يف سياسة إرسائيل. ويتحدث الفصل الثال عن املعضلة األردنية اإلرسائيلية واملهارة التي أداها امللك حسني بالسياسة اإلقليمية حتى يبقى األردن ذا صلة جتاه احلل السلمي للرصاع العريب اإلرسائييل. كام يقوم الفصل بتتبع كيفية تطور إرسائيل يف التفكري

33 32 مقدمة الطبعة األوىل االسرتاتيجي األردين وكذلك يتطرق الفصل إىل انطباعات األردنيني وتصوراهتم إلرسائيل وملاذا مل يؤثر انتشار املشاعر املعادية إلرسائيل يف األردن عىل السياسة اخلارجية األردنية وملاذا مل تؤد إىل فشل معاهدة السالم. يف الفصل الرابع يعالج مسألة االنتقال من نموذج السالم الدافئ إىل نموذج السالم البارد ويرى املؤلف أن من املستحيل فصل العالقات الثنائية بني األردن وإرسائيل عن اجلمود الذي رافق املسار الفلسطيني اإلرسائييل. فلم تستبطن إرسائيل وال حتى األردن املعنى احلقيقي لتحقيق السالم فبينام ترص إرسائيل عىل أهنا حترتم األردن وسيادته عىل أرضه مل تتوان أجهزهتا األمنية عن اخرتاق السيادة األردنية عندما حاولت اغتيال خالد مشعل يف عام ويف املقابل قام امللك حسني بصنع السالم مع إرسائيل يف وقت مل يعمل عىل إعداد شعبه هلذه اخلطوة التي كانت تتطلب إعدادا نفسيا لشعب يرى يف إرسائيل دولة عدوة له وملصاحله. ويف اخلامتة يرى املؤلف أن الدولتني ستتعامالن مع احتامل فشل سيناريو حل الدولتني وهنا جيري احلدي عن حلول بديلة قد تكون راديكالية. وبالتايل سيكون هناك تفكري بقرارات صعبة عىل اجلانبني يف قادم األيام. وسيتم تسليط الضوء عىل اهنيار عملية السالم وفشل حل الدولتني وكيف يفيض ذلك إىل السؤال الصعب الذي عىل القوى املجتمعية يف إرسائيل التصدي له. ويف النهاية

34 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 33 تقدم اخلامتة قراءة مستقبلية ملا يمكن أن تكون عليه العالقات األردنية اإلرسائيلية يف املستقبل.

35

36 الفصل األول: من نظام أمين إىل سالم قانوني املقدمة تعود جذور العالقات األردنية اإلرسائيلية مرحلة إىل ما بني احلربني العامليتني عندما خضعت كل من فلسطني ورشق األردن لالنتداب الربيطاين. ويف تلك املرحلة قامت القيادات الصهيونية واهلاشمية بالتأسيس لعالقة نادرة ومعقدة نظرا لتداخل املصال. االسرتاتيجية الناجتة عن اطامعهام وضعف احلركة الوطنية الفلسطينية. ومع أن اجلانبني قد التقيا يف ساحات املعارك يف غري مناسبة وبالرغم من أهنام حافظا عىل نمط من العالقة العدائية إال أن عالقتهام أبعد ما تكون عن لعبة صفرية. وهذا نمط من التفاعل يفرس الطريقة التي انتقلت هبا العالقات األردنية اإلرسائيلية الحقا من سالم واقع إىل سالم قانوين يف عام وعىل العكس من بعض الدول املحيطة فإن مركزية األردن اجليوسرتاتيجية يف اإلقليم تعد ذخرا وعبئا يف الوقت ذاته. فمن جانب كان ملوقع األردن اجلغرايف وانخراطه املبكر بتطورات القضية الفلسطينية الدور يف جعل األردن العبا يصعب االستغناء عنه يف السلم واحلرب. كام يقول املؤرخ اإلرسائييل

37 36 من نظام أمني إىل سالم قانوين واملختص بالشؤون األردنية يف جامعة تل أبيب ارش سرس فإن استقرار األردن وكذلك القيود املفروضة عليه ينبعان من مركزيته اجلغرافية. )2( وهناك قليل من الذين يمكن هلم التفكري يف أي حل للرصاع اإلرسائييل الفلسطيني املزمن من دون دور أردين مبارش أو غري مبارش. ومن دون شك فإن هذا االنطباع واسع االنتشار مل يغب عن أذهان القادة األردنيني فملوك األردن _ وبخاصة امللك حسني _ وظفوا بدهاء مركزية األردن من أجل احلصول عىل دعم خارجي مستدام من الواليات املتحدة والغرب ومن بعض الدول اخلليجية وهو ما ساعد النظام عىل البقاء واإليفاء بمسؤولياته الداخلية واخلارجية. لكن من جانب آخر فإن هامش املناورة املتاح أمام األردن للحصول عىل ما يريد مل يكن واسعا ومل يكن سهال فاألردن الذي يفتقر للموارد املالية الرضورية كان عليه وما زال أن يناور أمام الضغوطات السياسية التي تأيت من كل صوب ويوازن أموره من خالهلا هلذا يمكن فهم حقيقة عالقة األردن مع الدولة املحيطة ومن ضمنها إرسائيل التي مل تكن وفقا لرشوط األردن. فبينام حاول كل من امللك عبداهلل األول وامللك حسني أن يسامها يف اجياد نظام إقليمي يسم. لألردن بالبقاء )2( ملزيد من التفاصيل أنظر Asher Susser, "Jordan: Preserving Domestic Order in a Setting of Regional Turmoil," Middle East Brief, No.27, March 2008

38 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 37 السيايس فقد كان عليهام أن يأخذا يف حساباهتام القيود املفروضة عىل األردن بسبب موقعه اجليوسرتاتيجي وهو ما وضع األردن يف موقع ال حيسد عليه يف العديد من املناسبات ودفعت بعضهم للتشكيك بإمكانية بقاء األردن ونظامه. بمعنى آخر فإن البيئة اإلقليمية التي يعمل هبا األردن وفرت له فرصا لكنها أيضا فرضت عددا من املخاطر ويف بعض احلاالت واملناسبات فإن هذه البيئة شكلت حتديا واضحا ملفهوم االستقرار اإلقليمي الذي سعى إليه األردن. وكان من شأن ذلك أن أجرب األردن عىل التعامل ويف مفاصل تارخيية خمتلفة مع أحداث سببها قادة يف اإلقليم مثل الرئيس املرصي مجال عبدالنارص يف اخلمسينات والستينات من القرن املايض أو من قبل العبني خارجيني مثل الواليات املتحدة واالحتاد السوفيايت إبان احلرب الباردة كام كان عليه أن يتصدى ويتعامل قضايا مع إقليمية ملحة مثل القضية الفلسطينية ومع االجتاهات األيدولوجية مثل األصولية اإلسالمية والقومية العربية إضافة إىل اخلطر الصهيوين. وكان من شأن ذلك بطبيعة احلال أن فرض قيودا إضافية عىل السياسة األردنية. )3( )3( املصدر نفسه.

39 38 من نظام أمني إىل سالم قانوين ومن بني كل الدول يف اإلقليم فإن سياسة إرسائيل نحو الفلسطينيني وقضيتهم شكلت قيدا واضحا عىل السياسة اخلارجية األردنية وحتديا كبريا هلا فمع أن األردن سعى ألن تتعاون معه إرسائيل يف موضوع السالم فإن سياسات إرسائيل التوسعية واألمنية كانت قد أبرزت الضعف النسبي يف تعامل األردن معها. ويمكن القول - ولغاية هذا اليوم - أن انخراط األردن بالقضية الفلسطينية مرتبط بصورة كبرية بالسياسات اإلرسائيلية جتاه عملية السالم أكثر من كونه نتيجة ملا يريده األردن ويسعى إليه. يتكون هذا الفصل من ثالثة أقسام القسم األول يتفحص انخراط األردن يف حرب عام 1948 وما رافق ذلك من تفاعل أردين إرسائييل سواء قبل احلرب أو خالهلا أو بعدها والقسم الثاين يرى أن عالقته األردن بإرسائيل يف العقد األول من الرصاع كانت عالقة صفرية حتديدا يف القضايا املصريية بالرغم من األردن كان مساملا يف عالقته مع إرسائيل يف الطدة ما بني عام 1948 و وكانت هناك قضيتان مسؤولتان عن استمرار توتري عالقة األردن بإرسائيل ومها رفض إرسائيل االنسحاب من األرايض خارج حدود التقسيم وكذلك رفضها إعادة الالجئني الفلسطينيني وفقا للقرار األممي رقم 194. أما القسم الثال من هذا الفصل فيتناول العالقات األردنية اإلرسائيلية الثنائية فحتى قبل أن توقع األردن وإرسائيل اتفاقية السالم كان هناك ما يشبه السالم الواقع أو النظام األمني الذي

40 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 39 تطور الحقا بعد عام 1967 وبالفعل كان حلرب حزيران أثر يف إحداث تغيري جذري يف البيئة االسرتاتيجية التي يعمل هبا كل من األردن وإرسائيل وهذا التغيري أفرز وضعا جديدا اصبحت فيه إرسائيل حمتلة ألراض عربية إضافية يمكن مبادلتها بالسالم وفق معادلة " ألا رض مقابل السالم". التعاون والصراع عىل نحو الفت تعد مشاركة األردن يف حرب عام 1948 خطوة إشكالية فقد أشبع الباحثون هذه املشاركة دراسة وبخاصة فيام يرتبط بالدور األردين ودور بريطانيا يف املرحلة التي سبقت احلرب مبارشة. ويعتقد عىل نطاق واسع أن امللك عبداهلل األول كان مدفوعا برغتبه وطموحه يف توسيع حدود مملكته وذلك عن طرق توثيق عالقاته مع بريطانيا يف املدة التي تلت هناية احلرب العاملية الثانية. وقد انتقد القادة العرب امللك عبداهلل األول يف ذلك الوقت وكانوا خيشون من خمططاته وأطامعه اإلقليمية وبخاصة بعد أن برز مرشوعه املعروف باسم سوريا الكربى وبعد أن انتاب العرب شكوك حيال موقفه من قرار التقسيم. وكان العرب يعرفون أن مفتاح حتقيق كل ذلك هو عالقة امللك عبداهلل بربيطانيا ويف هذا السياق تقول املؤرخة ماري ويلسون: إن األردن استمر يف احلفاظ عىل عالقاته الوثيقة مع بريطانيا وهو ما وضع امللك عبداهلل يف صدام مع التيار العريب السائد

41 40 من نظام أمني إىل سالم قانوين بعد هناية احلرب العاملية الثانية وهو تيار كان ال يثق بربيطانيا ويريد االبتعاد عنها. )4( وكان الرتكيز منصبا خالل النصف الثاين من أربعينات القرن املايض عىل فلسطني التي شهدت رصاعا مريرا بني الفلسطينيني واليهود. وبعد أن أخفقت املحاوالت الربيطانية يف التوفيق بني املطالب العربية واليهودية يف فلسطني جلأت بريطانيا العظمى حينها إىل حتويل القضية الفلسطينية برمتها إىل هيئة األمم املتحدة لعل األخرية جتد خمرجا وحال مرضيا جلميع األطراف املشتبكة يف القضية. وحتى يتسنى لألمم املتحدة حل املشكلة قامت بتشكيل جلنة خاصة لتقيص احلقائق لتقديم توصياهتا بشأن احلل املقبول. وبالفعل قامت اللجنة اخلاصة لألمم املتحدة بشأن فلسطني بزيارة املنطقة وااللتقاء مع خمتلف أطراف الرصاع وقدمت توصياهتا مقرتحة تقسيم فلسطني إىل دولة لليهود ودولة للعرب الفلسطينيني. ومن اجلدير بالقول أن يف تلك الفرتة احلرجة مل يكن هناك رشيك فلسطيني يمكن له أن يقبل بقرار تقسيم فلسطني. ويف هذا السياق يقول املؤرخ رشيد اخلالدي: إن املجتمع الفلسطيني كان ضعيفا ومرشذما ما منعه من القيام برد فعل )4( أنظر Mary C. Wilson, King Abdullah, Britain and the making of Jordan (New York: Cambridge University Press, 1987), p.151.

42 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 41 ويتفحص رشيد اخلالدي يف كتابه "القفص احلديدي" األعامل التي قام مؤثر. )5( هبا القادة الفلسطينيون إبان فرتة االنتداب الربيطاين التي أدت إىل إخفاقهم الذريع يف بناء املؤسسات التي كان من شأهنا )لو أهنا شيدت( أن تسهل من عملية إقامة دولة فلسطينية مستقلة يف ذلك الوقت. فالعقد الذي سبق حرب عام 1948 كان كارثيا عىل الفلسطينيني فعىل العكس من قادة اليشوف )املجتمع اليهودي يف فلسطني إبان االنتداب الربيطاين( الذين نجحوا يف إقامة املؤسسات الرضورية للدولة كلها فقد أضاع القادة الفلسطينيون فرصهم وعانوا من ضعف داخيل أحلق بقضيتهم أذى كبريا. وانعكس هذا اخللل الفادح بني الطرفني عىل القتال الذي دار بينهام يف أعقاب صدور قرار تقسيم فلسطني. طبعا ال نقول هنا بعدم وجود دور للقوى اخلارجية فيام حل بالشعب الفلسطيني فهناك دول خارجية لعبت دورا بارزا يف مساعدة القادة الصهاينة يف مساعيهم إلقامة دولة لليهود يف وقت عملت فيه عىل حرمان الفلسطينيني من اليشء ذاته. وبكل تأكيد فقد ساعدت القوى الكربى وبخاصة بريطانيا يف خلق ملعب غري متوازن حتى يتسنى للصهاينة يف أن تكون هلم اليد الطوىل يف الرصاع )5( ملزيد من التفاصيل أنظر Rashid Khalidi, The Iron Cage: The Story of the Palestinian Struggle for Statehood (Boston: Beacon Press, 2006)

43 42 من نظام أمني إىل سالم قانوين عىل فلسطني احلدي هنا عن العقد الذي سبق احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل. ويف هذا السياق يقدم رشيد اخلالدي قراءة متامسكة للمعيقات التي وقفت أمام الفلسطينيني والتي كان أمهها التنافس بني القادة الفلسطينيني يف تقديم اخلدمة لألسياد االستعامريني وسوء إدارة الثورة الفلسطينية األوىل التي امتدت بني أعوام 1936 إىل )6( ويوض. اخلالدي يف كتابه سبب اهنيار املجتمع الفلسطيني عام 1948 هبذه الطريقة وسبب إخفاق الفلسطينيني يف إقامة دولة مستقلة هلم يف تلك املرحلة. قبيل قرار التقسيم واندالع احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل كان املجتمع الفلسطيني مفككا مقارنة مع "اليشوف" الذي كان متامسكا وفاعال. وقد استفاد اليهود من حالة التفكك التي ميزت املجتمع الفلسطيني إذ متكن قادة الوكالة اليهودية من جتاوز الفلسطينيني حمولني أنظارهم إىل امللك عبداهلل األول بوصفه رشيكا يمكن له أن يقبل بتوصيات قرار تقسيم فلسطني. فحسابات قادة الوكالة اليهودية كانت مبارشة وعىل النحو اآليت: مل يكن هناك من بني قادة املجتمع الفلسطيني من يمكن له أن يقبل بتقسيم فلسطني ما جيمع امللك عبداهلل بالصهاينة هو شك هام املشرتك باحلركة الوطنية الفلسطينية كام أن امللك عبداهلل كان يسعى إىل )6( املصدر نفسه

44 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 43 توسيع حدود مملكته لتضم قسام من فلسطني. وهذه احلسابات والفهم كونا جوهر ما اصطل. عىل تسميته الحقا باخليار األردين. وتوصل القادة الصهاينة إىل نتيجة مفادها أن امللك عبداهلل األول مل يكن قانعا بحدود مملكته وبالتايل اعتقدوا أنه سيكون منسجام مع املرشوع املقرتح لتقسيم فلسطني. ويف كتابه "تواطؤ عرب النهر" يقدم املؤرخ اإلرسائييل الشهري آيف شاليم نظرية مركزية تفيد بأن هناك اتفاقية غري مكتوبة بني امللك عبداهلل والوكالة اليهودية ممثلة بغولدا مائري تم االتفاق بموجبها عىل تقسيم فلسطني عىل أن يضم امللك عبداهلل األجزاء املخصصة للفلسطينيني وأن يقيم اليهود دولة هلم يف - ) ويشري املؤرخ آيف شاليم األجزاء املخصصة هلم حسب خطة التقسيم. )7 معتمدا عىل األرشيف اإلرسائييل - إىل أن غولدا مائري التقت مع امللك عبداهلل رشقي األردن يف السابع عرش من شهر نوفمرب عام أي 12 يوما قبل صدور قرار التقسيم - للبح يف السيناريوهات واخليارات املتاحة وتوصال إىل هذا االتفاق الضمني غري املكتوب ويضيف آيف شليم أن بريطانيا كانت قد باركت هذا التفاهم اهلاشمي الصهيوين. وهبذا فإن نظرية "شاليم" تشكل حتديا للرواية )7( أنظر Avi Shlaim, Collusion Across the Jordan: King Abdullah, the Zionist Movement, and the Partition of Palestine (New York: Columbia University Press, 1988).

45 44 من نظام أمني إىل سالم قانوين الصهيونية الرسمية للحرب وهي رواية قدمت احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل لعام 1948 كأهنا حرب ثنائية بني إرسائيل وجانب عريب متوحد خلف هدف واحد أال وهو القضاء عىل إرسائيل. وعىل العكس من هذا التوصيف جيادل "شاليم" أن القادة العرب كانوا أبعد ما يكونوا عن املوقف املوحد فخالفاهتم وتنافسهم منعهم من االتفاق عىل احلدود الدنيا من األهداف ناهيك عن هدف تدمري إرسائيل. ومقولة أن هناك اتفاقا ضمنيا غري مكتوب مل تقترص عىل آيف شاليم أو املؤرخني اجلدد فقط فمثال كتب عبداهلل التل )الذي كان ضابطا أردنيا حارب يف عام 1948 وكان مقربا من امللك عبداهلل األول وعمل كرسول بني امللك وقادة إرسائيل( كتابا أدان فيه ما اسامه ب "خنوع" امللك عبداهلل للقادة الصهاينة حممال ويف نفس السياق انتقد ضابط إرسائييل هو إرسائيل بائري إياه كارثة فلسطني. )8( رئيس احلكومة اإلرسائيلية آنذاك ديفيد بن غوريون للتعامل مع األردن وحتالفه "غري املقدس" ) 9( مع الرجعية العربية واإلمربيالية الربيطانية. أما املؤرخون )8( عبداهلل التل كارثة فلسطني: مذكرات عبداهلل التل: قائد معركة القدرس )القاهرة: 1955( )9( أنظر Israel Baer, Israel's Security: Yesterday, Today, Tomorrow (Tell Aviv: Amikam, 1966),(in Hebrew).

46 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 45 األردنيون فال غرابة أهنم مل يتطرقوا إىل االتفاقية غري املكتوبة يف تأرخيهم ملا جرى قبل احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل وأثنائها. فعىل سبيل املثال ال احلرص كتب معن أبو نوار كتابا ضخام عن احلرب اإلرسائيلية األردنية وتاريخ األردن ومل يتطرق فيه إىل أي يشء حول اللقائني الرسيني اللذين مجعا امللك عبداهلل األول بغولدا مائري يف السابع عرش من نوفمرب عام 1947 أو اللقاء الثاين بينهام يف احلادي عرش من مايو عام )10( وإلقاء نظرة رسيعة عىل حسابات امللك عبداهلل األول وتقديراته من شأهنا أن تساعد يف تسليط الضوء عىل املعضلة التي كان يواجهها فهو قائد براغاميت إذ أدرك قوة املرشوع الصهيوين وتأثريه يف فلسطني كام استوعب جيدا الروابط والصالت املؤثرة التي متتع هبا الصهاينة مع القوى الكربى آنذاك عىل العكس من منتقديه يف العامل العريب. يقول عدنان أبو عودة )مستشار امللك حسني لسنوات طويلة(: إن وعي امللك عبداهلل األويل للتطورات الدولية التي أعقبت احلرب العاملية األوىل وامتازت بوجود تعاطف أورويب مع اليهود قد جعله متأكدا أكثر من )10( أنظر Ma'an Abu Nuwar, The Jordanian-Israeli War : A History of the Hashemite Kingdom of Jordan (Great Britain: Ithaca Press, 2002)

47 46 من نظام أمني إىل سالم قانوين وقد قدر امللك ذي قبل بأن إقامة دولة لليهود يف فلسطني بات أمرا وشيكا. )11( عبداهلل بأن األردن سيكون يف وضع أفضل إذا حاول التوفيق بني مصاحله ومصال. ويبدو أن عدنان أبو عودة يتفق مع مقولة املؤرخ آيف شاليم حول الصهاينة. )12( وجود اتفاق أردين صهيوين رسي وضمني. وعىل نحو الفت يرى أبو عودة أن هناك قاسمني مشرتكني بني امللك عبداهلل والصهاينة مها: معارضة إقامة دولة فلسطينية وإبعاد احلاج أمني احلسيني عن مستقبل فلسطني. )13( غري أنه ال يمكن أخذ هذه الرواية اجلديدة كام هي دون نقد أو متحيص فحتى يف إرسائيل هناك عدد من املؤرخي اختلفوا مع النظرية التي قدمها شاليم حول التواطؤ فعىل سبيل املثال بح املؤرخ اإلرسائييل إفراهام سلع يف حقيقة ما جرى عىل أرض الواقع من أحداث أكثر من بحثه لالتفاقية الضمنية وركز أيضا عىل ما جرى خالل احلرب بدال من الرتكيز عىل اتفاقيات سبقت اندالع احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل. وهنا يقول إفراهام سلع: إن الرشوط والظروف )11( أنظر Adnan Abu Odeh, Jordanians, Palestinians, and Hashemite Kingdom in the Middle East Peace Process, (Washington DC: USIP Press, 1999), p.35 )12( املصدر نفسه ص. 35 )13( املصدر نفسه ص. 35

48 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 47 والفرضيات األساسية التي شكلت األساس لالتفاقية غري املكتوبة بني امللك عبداهلل األول والوكالة اليهودية بخصوص تقسم فلسطني خالل صيف 1946 قد تغريت بشكل كبري خالل احلرب غري الرسمية التي اندلعت مع بداية ديسمرب 1947 وامتدت إىل منتصف مايو عام 1948 وهو ما حول االتفاقية غري املكتوبة إىل يشء قديم وغري عميل. )14( ويقلل افراهام سلع من أثر االتفاقية غري املكتوبة يف حال وجودها ألن طريف الرصاع األردين اإلرسائييل اشتبكا يف قتال رشس عندما اندلعت احلرب. ويف الوقت الذي أعطى فيه "شاليم" اهتامما كبريا للتفاعل بني قادة احلركة الصهيونية وامللك عبداهلل األول يف تلك املرحلة فإن إشكالية هذا الدور ستبقى عىل األرج. موضع خالف. ويف واقع احلال ال يوجد هناك دليل عميل عىل أن نتيجة احلرب عكست التزام الطرفني هبذه االتفاقية الضمنية أو غري املكتوبة. فالطرفان قاتال برضاوة شديدة للسيطرة عىل القدس وبعض املناطق االسرتاتيجية األخرى. وقد ركز معظم التأريخ األردين عن تلك املرحلة عىل املعارك الرئيسة التي خاضها اجليش األردين ضد القوات اليهودية يف القدس إلظهار بطوالت )14( أنظر Avraham Sela, "Transjordan, Israel, and 1948 War: Myth, Historiography, an Reality," Middle Eastern Studies 28 no. 4 (October 1992), p.627

49 48 من نظام أمني إىل سالم قانوين اجليش األردين يف الصمود أمام اهلجامت املتالحقة للجيش اإلرسائييل عىل هذه املدينة عىل وجه التحديد. ومع ذلك يمكن القول إن النتيجة النهائية للحرب العربية اإلرسائيلية األوىل هي أهم بكثري من مسألة وجود أو عدم وجود اتفاقية بني الطرفني عىل حساب الفلسطينيني. فوجود اجليش العريب األردين وسيطرته عىل أجزاء من فلسطني مهد الطريق للوحدة بني ضفتي النهر. ومل جتد نفعا حماوالت وخطط املرصيني يف إقامة حكومة عموم فلسطني يف شهر سبتمرب عام 1948 يف قطاع غزة وهي خطوة مرصية كانت مصممة لتقويض مكانة األردن ودوره. فحكومة عموم فلسطني بقيت حربا عىل ورق ومل يعرتف هبا األردن وجلأ إىل الدبلوماسية لضامن فشل اجلهود املرصية ففي األول من ديسمرب عام 1948 عقد مؤمتر أرحيا وحرضه أعيان فلسطني الذين أعلنوا الوحدة بني األرايض الفلسطينية واألردن حتت قيادة امللك عبداهلل األول. وبعد أن متكن امللك عبداهلل من تقويض مكانة احلاج أمني احلسيني وأفشل اخلطوة املرصية أصب. قائدا بال منازع عىل األرايض الفلسطينية التي دخلت يف وحدة مع األردن. وبعدها أصبحت الضفة الغربية والقدس الرشقية جزءا من أرايض اململكة األردنية اهلاشمية مما ترك أثرا كبريا عىل األردن وإرسائيل يف الوقت ذاته فبغض النظر عن وجود الرصاع والتعاون الذي ميز كثريا من التفاعل بني األردن

50 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 49 وإرسائيل فإن ضم األرايض الفلسطينية إىل األردن حول العالقة بني األردن وإرسائيل إىل عالقة صفرية يف بعض مناحيها وهي عالقة جعلت من السالم بينهام يف ذلك الوقت أمرا مستحيال. العالقة الصفرية عندما هدأ غبار احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل عام 1948 سار األردن عىل خطى مرص ووقع اتفاقية اهلدنة مع إرسائيل يف رودس يف أبريل فالتشكيك املتبادل بني األردن ومرص منع الطرفني من تنسيق مواقفهام وقد أدى ذلك إىل خسارة صحراء النقب لصال. إرسائيل وحسب ماري ويلسون فإن مرص "مل ترغب يف أن ترى تعاظم موقف امللك عبداهلل األول إذ اعتقدت القيادة املرصية بأن امللك كان مرنا جدا لدرجة أنه ال يمكن الوثوق به كرشيك يف ) ويف املقابل انتاب الشك امللك عبداهلل الذي بقي متوجسا من التفاوض." )15 املرصيني إذ كان يرى أن املرصيني دعموا احلاج أمني احلسيني وأهنم مل يدخروا جهدا من أجل تقويض مكتسبات األردن يف احلرب. )15( ماري ويلسون مصدر سبق ذكره ص. 187.

51 50 من نظام أمني إىل سالم قانوين عىل أية حال كان يمكن أن تفيض القناة الرسية يف املفاوضات بني امللك عبداهلل األول واإلرسائيليني إىل سالم غري أن هناك قضيتني وقفتا أمام هذا الطريق مها: رفض إرسائيل االنسحاب من بعض األرايض خارج حدود التقسيم ورفضها قبول عودة الالجئني الفلسطينيني يف سياق توقيع معاهدة سالم مع األردن. فالفجوة بني الطرفني فيام يتعلق هباتني القضيتني كانت غري قابلة للتجسري. ونظرا لذلك شعر امللك عبداهلل بأن ال جمال للمناورة حي قدر بأن أي تنازل لإلرسائيليني يف هاتني القضيتني من شأنه أن ال يفيض إىل سالم مرشف يمكن الدفاع عنه فسالم من هذا النوع كان سيثري الرأي العام الداخيل وسيجعل من املعارضة الداخلية حتديا جديا. ويف ضوء هذا التقدير وضع امللك عبداهلل هناية للمحادثات مع اإلرسائيليني إىل حلظة تتغري فيها الظروف. وجاء اغتيال امللك عبداهلل نقطة حتول يف العالقات األردنية اإلرسائيلية. وإذا عدنا بالنظر إىل ماض غري بعيد سنكشف سبب بقاء السالم بني الطرفني أمرا صعب املنال. فبعيدا عن رغبة امللك عبداهلل األول يف أن ينهي حالة احلرب مع إرسائيل وبعيدا عن رفض إرسائيل إبداء مرونة فإن العالقات البينية العربية شكلت عائقا كبريا أمام مبادرة امللك عبداهلل بالسالم مع إرسائيل. وبالفعل ظهرت العالقات العربية اإلقليمية املقيدة يف أعقاب احلرب العاملية األوىل ومتيزت هذه العالقات بوجود هوية عربية مشرتكة غري أن هذه اهلوية املشرتكة كانت قد

52 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 51 عانت من التنافس والتنافر بني النخب احلاكمة لكل دولة عربية فطرائق احلكم الكولنيايل املختلفة والتغري االجتامعي الذي طرأ عىل املجتمعات العربية واحلداثة وسياسة القوة لعبت كلها دورا بارزا يف تشكيل النظام العريب الذي كان عائقا مقيدا عىل األردن يف عالقته مع إرسائيل. ومع قيام دولة إرسائيل وحلول الكارثة بالشعب الفلسطيني وما صاحب ذلك من ضعف عريب يف التصدي الفاعل للسياسات اإلرسائيلية أصبحت القضية الفلسطينية مكونا رئيسا يف أيدولوجيا القومية العربية. صحي. أن األنظمة العربية انتبهت فقط لفظيا لتحقيق اهلدف األيدلولوجيي املتمثل هبزيمة الصهيونية غري أن الصحي. أيضا هو أن القضية الفلسطينية أصبحت عامل انقسام وأداة للحشد والتعبئة يف السياسات العربية البينية يف الوقت ذاته. فال غرابة إذن عندما نقول: إن سياسات األنظمة العربية جتاه القضية الفلسطينية كانت مدفوعة باالعتبارات واملصال. القطرية الضيقة لذلك فإن اخفاق األنظمة العربية يف التعامل مع التحدي اإلرسائييل عكس حالة من التنافس الشديد بني هذه األنظمة حتى عندما كانت تواجه عدوا مشرتكا. وكان الوضع القائم بعد احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل هشا وقابال لالنفجار. ومع أن هناك كثريين وصفوا األردن وإرسائيل ك "أفضل األعداء" فإن سياسة إرسائيل جتاه األردن كانت عدائية إذ مل يكن هناك اتفاق إرسائييل أو

53 52 من نظام أمني إىل سالم قانوين إمجاع عىل املوقف من األردن وحتى عندما أيد عدد كبري من أعضاء الكنيست اإلرسائييل اتفاقية اهلدنة بني األردن وإرسائيل التي تم التوصل إليها يف شهر أبريل من العام 1949 فإن هناك عددا من أعضاء الكنيست من اليسار واليمني كانوا قد انتقدوا االتفاقية مع األردن وبالفعل ق دم مرشوعان حلجب الثقة عن احلكومة اإلرسائيلية احتجاجا عىل اتفاقية اهلدنة مع األردن ألنه نظر إليها بمثابة اعرتاف إرسائييل بضم األردن لألرايض الفلسطينية. )16( )16( حزب حريوت )املكون األسايس يف حزب الليكود( انتمى إىل احلركة الصهيونية التنقيحية والتي قالت بأن لليهود احلق يف كل أرض فلسطني. وكان األب املؤسس للحركة التنقيحية جابوتنسكي قد رفض استثناء األردن من وعد بلفور لذلك أسس يف عام 1922 احلركة التنقيحية. وعالوة عىل ذلك قام حزب مابام )حزب إرسائييل يساري انضم واندمج بعد ذلك مع حزب العمل اإلرسائييل( بمعارضة اتفاقية اهلدنة بني األردن وإرسائيل عىل اعتبار أن يف ذلك اعرتاف إرسائييل بضم األردن ألجزاء من "أرض إرسائيل" وهو ما سيفت. هذه األجزاء للسيطرة الربيطانية االمربيالية عليها. وقد أيد حزب مابام قيام دولة فلسطينية مستقلة يف الضفة الغربية رشيطة أن تدار هذه الدولة املستقلة من قبل قيادة تقدمية. وكذلك أبدى الشيوعيون قلقا متعلقا بام رأوه من امتثال امللك عبداهلل للتأثري االنجليزي االمريكي. وملزيد عن املعلومات والطروحات التي قدمها حزبا حريوت ومابام انظر يف حمرض الكنيست يف الرابع من نيسان 1949.

54 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 53 وقد ظهرت اخلالفات األردنية اإلرسائيلية عىل السط. بشكل واض. خالل مؤمتر لوزان الذي عقد بسويرسا ما بني أبريل وسبتمرب من العام )17( وأخفق املؤمتر يف ردم اهلوة بني الدول العربية وإرسائيل بسبب صعوبة االتفاق عىل حل للقضيتني الرئيسيتني مها احتالل إرسائيل ألراض خارج نطاق قرار التقسيم ورفض إرسائيل إعادة الالجئني الفلسطينني. وقد أرصت إرسائيل عىل موقفها بأن مسؤولية الالجئني تتحملها الدول العربية وأن خطوط اهلدنة جيب أن ي عرتف هبا كحدود دولية. وقد جادل رئيس أول حكومة إرسائيلية ديفيد بن غوريون كام جادل غريه من القادة البارزين للحركة الصهيونية بأنه ال ينبغي عىل إرسائيل أن تقدم تنازالت وانسحابات من أجل السالم. ويف املحادثات األردنية اإلرسائيلية التي تلت مؤمتر لوزان أرص امللك عبداهلل األول عىل رأيه القائل بعدم املوافقة عىل رشوط سالم ال يمكن له الدفاع عنها يف العامل العريب ومثل هذه الرشوط كانت تستلزم تنازال إرسائيليا عن أراض احتلتها وهو مطلب أردين مل توافق عليه إرسائيل ابتداء. وهذا اخلالف احلاد بني )17( عقد مؤمتر لوزان من قبل جلنة األمم املتحدة للتوفيق حول فلسطني يف الفرتة الواقعة بني نيسان إىل أيلول عام 1949 وقد حرض كل من األردن ومرص وسوريا ولبنان وإرسائيل واهليئة العربية العليا املؤمتر حلل النزاع حول القضايا البارزة التي متخضت عنها احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل عام 1948 وقد فشل املؤمتر يف التوصل إىل النتائج املرجوة منه.

55 54 من نظام أمني إىل سالم قانوين الطرفني جعل من النزاع رصاعا صفريا ما قلل من فرص التوصل إىل تسويات أو حلول وسط بني اجلانبني. ومع أن املحادثات بني الطرفني استمرت حتى اغتيال امللك عبداهلل يف شهر يوليو 1951 إال أهنا مل تسفر عن يشء. يف الوقت ذاته كانت اهلجامت اإلرسائيلية ضد "املتسللني" الفلسطينني )وفقا للتعبري اإلرسائييل( عىل طول احلدود األردنية اإلرسائيلية تكشف وتؤكد عىل ضعف األردن مقابل إرسائيل. فترشيد أكثر من 800 ألف فلسطيني دفع بالعديد منهم إىل التسلل مرة ثانية إىل بيوهتم وقراهم داخل إرسائيل وخطوط اهلدنة وذلك ألسباب اقتصادية بالدرجة األوىل وليس ألهداف عسكرية. )18 ) ومع أنه مل يكن للسواد األعظم من املتسللني أية أهداف لتقويض األمن اإلرسائييل إال أن إرسائيل اعتمدت سياسة "حرية إطالق النار" عىل املتسللني وقامت أيضا بسلسلة من اهلجامت العدوانية واالنتقامية ضد أي دولة عربية - كمرص واألردن- خيرج منها متسللون إلرغام هذه الدول العمل عىل وقف املتسللني عرب حدودها. لذلك كان هناك أسباب كافية لألردن جعلته خيشى من االنتقام اإلرسائييل وقد حاول األردن جاهدا منع املتسللني الفلسطينيني من عبور حدوده (18) أنظر Israel's Border Wars, : Arab Infiltration, Israeli Retaliation, and the Countdown to the Suez War (New York: Oxford University Press, 1993).

56 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 55 باجتاه إرسائيل غري أن اجلهد األردين مل يكن كافيا حسب املوقف اإلرسائييل إذ أرص قادة إرسائيل يف مناسبات عديدة عىل أن األردن أيضا مسؤول عن تدهور األوضاع األمنية عىل خطوط اهلدنة. لكن وفقا للمؤرخ اإلرسائييل آيف شاليم فإن فاحلكومة اإلرسائيلية كان هلا اهتامات إرسائيل لألردن مل تكن تستند إىل واقع. )19( حسابات داخلية تدفعها إىل إبقاء هجامهتا العدوانية وهبذا املعنى كان لالعتبارات السياسية اإلرسائيلية الداخلية دور كبري يف إرصار احلكومة اإلرسائيلية عىل إبراز قوهتا وقدرهتا عىل إحلاق تدمري كبري ألهداف يف األردن رغبة من احلكومة اإلرسائيلية يف احلفاظ عىل شعبيتها يف سياق اللعبة االنتخابية. وكان لعدم قدرة األردن عىل تلبية املطالب اإلرسائيلية بشكل كاف أثر يف عملية تكثيف إرسائيل من سياستها االنتقامية والعدوانية وهي سياسة أخذت منحى خطريا عندما هامجت القوات اإلرسائيلية قرية قيبيا يف ليلة الرابع عرش أكتوبر عام فقام اجليش اإلرسائييل بتدمري القرية إذ تم تفجري 45 منزال وقتل أكثر من 70 مدنيا )20(. وقد كانت املجزرة اإلرسائيلية كبرية لدرجة أن املجتمع الدويل أداهنا وأصدر جملس )19( آيف شاليم اجلدار احلديدي ص. 85 )20( بشهر آب 1953 أنشأ ارئيل شاورن الذي كان ضابطا برتبة رائد وحدة رقم 101 وهي وحدة انشأت من أجل القيام بمهام خاصة وقد أمر شارون جنوده باخرتاق قرية قيبيا وتفجري املنازل إلحداث أكرب قدر من التدمري املمكن.

57 56 من نظام أمني إىل سالم قانوين األمن يف اخلامس والعرشين من ترشين الثاين قرارا يدين فيه إرسائيل عىل ارتكاب املجزرة. ومع أن جمزرة قيبيا كانت قد سببت حرجا دوليا كبريا إلرسائيل إال أهنا يف الوقت ذاته أظهرت االنكشاف االسرتاتيجي األردين فالسياسات العدائية اإلرسائيلية واهلجامت عىل أهداف أردنية سبب ضعفا للحكومة األردنية ما حدا بأعداد كبرية من األردنيني )شأهنم يف ذلك شأن اجلامهري العربية( إىل التطلع إىل شخص آخر ليقف يف وجه إرسائيل. ففي منتصف اخلمسينات من القرن املايض جاءت النارصية جتسيدا للحركة القومية العربية التي ناصبت العداء لالمربيالية وإلرسائيل. وفوق ذلك نجحت مرص يف تقديم نفسها عىل أهنا قلب احلركة القومية العربية وبخاصة عندما ناضلت ضد مرشوع حلف بغداد وانترص الرئيس مجال عبدالنارص عىل العدوان الثالثي عام وهذه األحداث جعلت من عبدالنارص قائدا عربيا وصاحب التأثري األكرب واألعمق عىل اجلامهري العربية يف تلك املرحلة عىل وجه التحديد وكان لصعود نجم عبدالنارص أن بدأت املنطقة عرصا جديدا من االستقطابات العربية والرصاعات واالنقسامات يف معسكرات متناحرة ودخلت املنطقة العربية يف ما أسامه مالكومل كري ب "احلرب العربية

58 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 57 وفيها انقسم العرب إىل معسكرين: امللكيات "الرجعية" يف خندق الباردة" )21( واجلمهوريات "التقدمية" يف خندق مضاد. وال غرابة يف هذه احلالة أن يصب. األردن الذي كان حمسوبا عىل املعسكر الغريب عرضة وهدفا آللة الرببوغندا التي وظفها النارصيون والقوميون العرب 1948 فانخراط األردن يف حرب عام التي افضت إىل توسيع حدود األردن وتزايد عدد سكانه حتى أصب. مصدرا لالنتقاد. كام أن الوحدة بني الضفتني أفضت إىل حتول ديمغرايف بارز أصب. فيه الفلسطينيون أكثرية يف اململكة األردنية اهلاشمية. ومع أن احلكومة األردنية حاولت أن ترسع من عملية أردنة الفلسطينيني فإن هناك أعدادا كبرية منهم كانت تصبوا إىل حترير فلسطني من االحتالل الصهيوين وبطبيعة احلال قام الرئيس مجال عبدالنارص باستغالل هذا الوضع ملغازلة األردنيني من أصول فلسطينية وكان خلطابه القوي املستند إىل القومية العربية وحديثه عن حتمية التحرير دور يف استثارة مشاعرهم ما أدى إىل خلق حتديات جديدة للنظام األردين الذي وجد صعوبة بالغة يف مواجهة الرسائل التي كان يبع هبا عبدالنارص. )21( ملزيد من التفاصيل عن دور الرئيس مجال عبدالنارص انظر مالكومل كري Malcolm Kerr, The Arab Cold War: Gamal 'Abd al-nasir and His Rivals, (New York: Oxford, 1971).

59 58 من نظام أمني إىل سالم قانوين ربام مل يشهد األردن يف تارخيه املعارص مرخلة من عدم التيقن كام شهدته هذه احلقبة الزمنية فاملخاض السيايس اإلقليمي واملعارضة السياسية الداخلية والتداخل بني العامل اخلارجي والداخيل دفع العديد من املراقبني يف تلك املرحلة إللقاء الشك حول قدرة األردن عىل البقاء والصمود. بمعنى آخر مل يكن أمام احلكومات األردنية خيارات كثرية. ومن جهة أخرى كان لعبدالنارص وأيدولوجيته دور كبري يف جعل األردن مكانا صعبا للحكم فعبدالنارص شكل هتديدا كبريا عىل بقاء األردن وأمنه. ويف الوقت ذاته اعتقد صناع القرار يف األردن أن إرسائيل يمكنها أن تستغل الوضع واملخاض اإلقليمي الحتالل الضفة الغربية. وشعر امللك حسني بأنه بني مطرقة عبدالنارص وسندان إرسائيل هلذا السبب انتهج األردن سياسة تستند إىل التوازن والعقالنية والربغامتية وهي سياسة أظهرت عداء إلرسائيل حتى هتدئ من روع الشارع املتأثر باخلطاب النارصي لكنها مل تكن عدائية بشكل كاف إلثارة إرسائيل واستفزازها. ويف الوقت ذاته عززت التطورات اإلقليمية من مكانة األردن وقيمته بوصفه دولة عازلة بني إرسائيل والعرب. فبعد عقد من االضطرابات السياسية التي شهدت سلسلة من االنقالبات العسكرية دخلت سوريا يف اخلامس من فرباير 1958 يف وحدة مع مرص فيام كان يعرف باسم اجلمهورية العربية املتحدة وضمت كال من سوريا ومرص حتت قيادة القائد "الكرزمايت" مجال عبدالنارص.

60 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 59 وهذه اخلطوة دقت ناقوس اخلطر أردنيا لذلك وملواجهة _أو للدقة_ ملوازنة اخلطوة املرصية السورية دخل األردن يف وحدة مع العراق اهلاشمي فيام كان يعرف باسم االحتاد العريب. وجاء قرار األردن والعراق باالحتاد رد فعل بعد مرور تسعة أيام فقط عىل إعالن مرص وسوريا دولة الوحدة. وأصبحت إرسائيل قلقة من مجلة التطورات التي كان يمكن أن تفيض إىل بيئة إقليمية ليست يف صاحلها وهنا تناول اإلرسائيليون ثالثة سيناريوهات متعلقة بالوحدة بني مرص وسوريا: السيناريو األول يرى أن اجلمهورية العربية املتحدة سوف تصب. معادية إلرسائيل وذلك لتقوية روابطها بني الدول العربية املنافسة أما السيناريو الثاين فكان يتناول إمكانية أن تلجأ اجلمهورية العربية املتحدة إىل تكتيكات وأعامل لتقويض كل من األردن ولبنان ويفيد السيناريو األخري بأن اجلمهورية العربية املتحدة ستقع يف املدار السوفييتي مما جيعلها خملبا يف االسرتاتيجية السوفيتية لتقويض االستقرار يف الرشق االوسط. )22( )22( ملزيد من التفاصيل أنظر Zaki Shalom, The Superpowers, Israel and the Future of Jordan, : The Perils of the Pro-Nasser Policy (Great Britain: Sussex Academic Press, 1999), p.97.

61 60 من نظام أمني إىل سالم قانوين مل يمر سوى أشهر قليلة عىل الوحدة األردنية العراقية حتى حدث انقالب دموي يف الرابع عرش من يوليو 1958 إذ أطي. بالعائلة اهلاشمية يف العراق وانتهى االحتاد ونزل ذلك كالصاعقة عىل عامن. وقدر اإلرسائيليون أن األردن سيشهد انتفاضة داخلية مؤيدة للرئيس مجال عبدالنارص وسيسعى منارصوه ) 23( النتزاع السلطة يف عامن. وشكل هذا التحول منعطفا مهام يف التفكري اإلرسائييل وهنا طور بن غوريون مبدأ اسرتاتيجيا بعكس موقف إرسائيل من اإلقليم برمته. وعىل الرغم من أن النخب اإلرسائيلية من خمتلف األطياف السياسية قد أمجعت عىل أن حدود اهلدنة غري مرضية بالنسبة إلرسائيل إال أن بن غورين بدأ يرى أن بقاء النظام اهلاشمي مستقرا يف األردن يصب يف مصلحة إرسائيل. وبناء عىل هذا الفهم اجلديد كتب بن غوريون رسالة إىل الرئيس االمريكي جون كيندي يقول فيها إن بقاء األردن يصب يف مصلحة إرسائيل االسرتاتيجية. ووفقا ل موشيه زاك )رئيس حترير معاريف األسبق( فإن بن غوريون طور مبدأ أمنيا يستند إىل ثالثة أركان هي: أن عىل إرسائيل أن تطور سالحا نوويا رادعا ثانيا أن عىل إرسائيل أن تتحالف مع الدول غري العربية يف )23( املصدر نفسه ص. 97

62 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 61 األقليم مثل تركيا وإيران وإثيوبيا وثالثا أن بقاء النظام اهلاشمي يف األردن هو أمر مفيد ألن من شأنه أن يوازن الصعود الالفت للنارصية ويف ذلك مصلحة إرسائيلية. )24( غري أن الفهم اجلديد مل يفض إىل تساهل إرسائييل مع األردن ففي الستينات تطورت األحداث وتسارعت وكان من نتائج ذلك: الرصاع العريب اإلرسائييل عىل مياه هنر األردن وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وتكثيف التنافس بني القوتني العظميني يف الرشق األوسط وتدهور األوضاع األمنية والعسكرية عىل اجلبهة السورية اإلرسائيلية وكل ذلك أدى حلرب العام 1967 التي التقى فيها اجليش األردين مع اإلرسائييل وبذلك توافرت إلرسائيل الفرصة للتقدم باجتاه هنر األردن الذي يعد ه كثري من االسرتاتيجيني اإلرسائيليني حدا أمني ا إلرسائيل.) ) 25 وكان األردنيون يعتقدون أن إرسائيل مل تكن قانعة بحدود اهلدنة وشعروا بأن إرسئيل ستسعى للتوسع يف حال وجود فرصة. يقول سمري مطاوع الباح األردين والوزير األسبق يف كتابه عن حرب 1967 مقتبسا من غلوب )24( موشيه زاك احلسني يصنع السالم )25( ملزيد من التفاصيل عن احلدود التي يمكن الدفاع عنها انظر Yigal Allon, "Israel: The Case for Defensible Borders," Foreign Affairs, vol.55 (1976), pp

63 62 من نظام أمني إىل سالم قانوين باشا: "منذ صد إرسائيل يف حرب عام 1948 من قبل اجليش األردين وإرسائيل تبح عن فرصة للسيطرة عىل ما تبقى من أرايض فلسطني لكن ما دام األردن صديقا لربيطانيا والواليات املتحدة وطاملا مل يقدم األردن الذريعة إلرسائيل فإن األخرية ال يمكن هلا أن تتحرك." )26( ومع تدهور اجلبهة السورية اإلرسائيلية التي جرت املنطقة إىل شفى حرب مدمرة فقد وصلت العالقات األردنية اإلرسائيلية إىل أدنى مستوى هلا يف النصف الثاين من عام 1966 وبالتحديد عندما نفذت إرسائيل هجوما واعتداء عىل قرية السموع يف الثال عرش من نوفمرب ففي ذلك اليوم ويف وض. النهار قامت القوات اإلرسائيلية بمهامجة قرية السموع الواقعة جنوب اخلليل يف الضفة الغربية. وكان اهلجوم اإلرسائييل وبكافة املقاييس مفاجئا وصادما وكان له أثر يف زعزعة االستقرار يف األردن. فامللك حسني شعر بخيانة من اإلرسائيليني وبخاصة بعد أن عربت إرسائيل عن تفهمها والتزامها باستقرار األردن يف اإلقليم امللتهب واملتقلب. واقنع االعتداء اإلرسائييل عىل قرية السموع األردنيني بأن إرسائيل هي دولة غري مقتنعة State( )Revisionist بالوضع القائم وأهنا مستعدة )26( أنظر Samir Mutawi, Jordan in the 1967 War, (Great Britain: Cambridge University Press, 1987) p.69.

64 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 63 الستغالل وقت احلرب للتوسع عىل حساب األردن يف الضفة الغربية والقدس الرشقية. وعندما بدأ العد التنازيل يف شهر مايو من العام 1967 حلرب األيام الستة وجد األردن نفسه يف موقع ال حيسد عليه وبالتايل وبعد دراسة الوضع اإلقليمي قرر امللك حسني أن ينضم إىل الرئيس املرصي مجال عبدالنارص ويوقع مع مرص معاهدة دفاع مشرتك. واملفارقة أن األردن مل يسع إىل االشتباك عسكريا مع إرسائيل ومع ذلك فقد وضعت معاهدة الدفاع اجلديدة كال من األردن وإرسائيل عىل منزلق للحرب. ومن اجلدير بنا أن نشري إىل أن معاهدة الدفاع املشرتك كانت تعاين من اخلالفات السياسية الشديدة التي ميزت العامل العريب يف العقد الذي سبق احلرب وبالتايل مل تنج. معاهدة الدفاع يف جتنبها أو يف حل اخلالفات السياسية العالقة. واندلعت احلرب يف اخلامس من حزيران وخرس األردن الضفة الغربية والقدس الرشقية وشكلت اهلزيمة العسكرية رضبة قوية وتركت أثرا نفسيا عميقا عىل صناع القرار يف عامن. ومنذ تلك اللحظة اختار األردن طريق الدبلوماسية حتى يتسنى له استعادة ما فقده يف احلرب من أراض يف سياق عملية سالم مع إرسائيل. وبالفعل جاءت احلرب اإلرسائيلية اخلاطفة لتغري البيئة االسرتاتيجية والسياسية يف اإلقليم الذي كان األردن وإرسائيل يعيشان فيه.

65 64 من نظام أمني إىل سالم قانوين املقاربة الثنائية وإحداث التوازن كان حلرب عام 1967 عواقب عانى منها األردن فخسارته للضفة الغربية والقدس الرشقية يف أيام قليلة أثرت كثريا عىل السياسة اخلارجية األردنية جتاه إرسائيل إىل يومنا هذا فمنذ تلك الفرتة وضع األردن نصب عينيه أولوية استعادة األرض التي فقدها يف احلرب التي مل يكن األردن راغبا يف دخوهلا من األساس. ويف أعقاب احلرب مل يكن هناك كثري من اخليارات أمامه لذلك اتبع مقاربة ثنائية متوازية جاءت نتيجة التداخل بني عاملني يف غاية األمهية مها: أن األردن مل يكن قادرا عىل الترصف والعمل بحرية يف هذه البيئة اجلديدة وأن موقف األردن جتاه منظمة التحرير الفلسطينية كان مرتددا أو لنقل متقلبا. لذلك كان التحدي األبرز أمام النظام األردين هو العمل عىل إجياد إطار من العمل يسم. بإخضاع أو ضم املشاعر واآلمال الوطنية الفلسطينية لكن دون أن يؤدي ذلك إىل استفزاز إرسائيل. ويف الوقت ذاته واجه األردن مشكلة آنية وحتديا كبريا يتمثل يف كيفية السيطرة عىل الفصائل الفلسطينية املسلحة التي استخدمت األردن نقطة انطالق هلجامهتا ضد أهداف إرسائيلية. فبعد أن خرس األردن املعركة مع إرسائيل بشكل يسء وجد نفسه يف وضع صعب جدا ال يمكنه من منع الفصائل الفلسطينية من مهامجة إرسائيل فمنظمة التحرير الفلسطينية كانت حتقق شعبية عالية وبخاصة

66 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 65 بعد معركة الكرامة التي اندلعت يف احلادي والعرشين من مارس 1968 فبالرغم من األداء العسكري الرفيع للجيش األردين ودوره الكبري يف إحلاق هزيمة عسكرية بالقوات اإلرسائيلية الغازية إال أن حركة فت. هي التي اختطفت النرص ومتكنت من أرس قلوب العرب واألردنيني وعقوهلم. وربام أفضل من خلص وجهة نظر منظمة التحرير الفلسطينية هو ما كتبه أبو إياد )الرجل الثاين يف منظمة التحرير الفلسطينية بعد يارس عرفات( يف كتابه "فلسطيني بال هوية" وفيه يقول: إن حرب عام 1967 كانت قد فتحت أمام منظمة التحرير أفقا جديدا من التطورات فالنظام األردين أصب. ضعيفا جدا بحي ال يمكنه حتدي برناجمنا وامللك حسني أطلق رساح املئات من الوطنيني الفلسطينيني الذين تم سجنهم يف السنة التي سبقت الرصاع... كام أننا مل نفتقد إىل الدعم والتعاطف من السكان املحليني أو دعم وتعاطف اجليش األردين الذي اقمنا معه عالقات ممتازة." )27( وعند هذا املنعطف كان األردن مشتبكا بعمق باملحاوالت الرامية الستعادة األرايض املحتلة فضامن اإلمجاع العريب يف مؤمتر اخلرطوم الذي عقد يف عام 1969 وصدور قرار جملس األمن رقم 242 زودا األردن بذخرية إضافية يف مساعيه الستعادة ما فقده من أراض يف حرب عام فبالرغم من تعنت )27( اقتباس من كتاب عدنان أبو عودة مصدر سبق ذكره ص. 151.

67 66 من نظام أمني إىل سالم قانوين إرسائيل حيال فكرة االنسحاب وبالرغم من هجامهتا عىل قواعد تابعة ملنظمة التحرير الفلسطينية يف األردن إال أن امللك حسني بقي براغامتيا يف التعامل معها. ففي ضوء موازين القوى املتغرية يف املنطقة ويف ضوء حقيقة أن الدول العربية كانت تعمل دون تنسيق وبشكل متعارض أحيانا توصل امللك حسني إىل نتيجة مفادها أن لديه خيارا واحدا فقط هو خيار االسرتاتيجية الدبلوماسية الستعادة األرض املحتلة. وبالفعل وضع األردن كل ثقله خلف اجلهود األمريكية إلهناء الرصاع مع إرسائيل ومع ذلك مل حتقق الدبلوماسية األمريكية أي إنجاز يذكر يف هذا السياق وكان ذلك عامل إحباط للملك. كان األردن واعيا للقيود اخلارجية مثل تعنت إرسائيل وطبيعة العالقات العربية العربية ومع تصاعد حضور وتأثري أسلوب حرب العصابات ضد إرسائيل وشعبيتها تبني أن اسرتاتيجية األردن الدبلوماسية صعبة التحقق. فبعد ما يقارب ثالث سنوات بعد حرب عام 1967 كان عىل النظام األردين أن يواجه حتدي منظمة التحرير الفلسطينية يقول عدنان أبو عودة: "حول الرصاع بني األردن ومنظمة التحرير الفلسطينية ورضا األردن عن بعض اإلنجازات الدبلوماسية إىل قلق حيال بقاء األردن... فامللك حسني كان منشغال بعمق يف األسابيع واألشهر التي تلت حرب حزيران يف مسعاه ودبلوماسيته يف العواصم

68 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 67 العربية واألجنبية وكان أيضا يارس عرفات منشغال يف التحضري حلرب العصابات" )28(. وكان هناك سلسلة من األحداث التي رافقت انعدام االنضباط عند فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والتي حولت األردن إىل دولة غاب عنها النظام وعمتها الفوىض األمر الذي مهد الطريق للحسم العسكري يف من سبتمرب عام 1970 وهي جتربة قام خالهلا اجليش األردين بإحلاق هزيمة بمنظمة التحرير الفلسطينية وطردها من األردن. وبعد طرد منظمة التحرير الفلسطينية من األردن كان األردن يأمل بأن يكون أقل عرضة للقيود يف تعامله مع إرسائيل. فامللك كان بذهنه هدف واحد فقط وهو استعادة األرايض التي احتلتها منه إرسائيل يف احلرب يف سياق معاهدة سالم كاملة. وحتى يتمكن امللك من حتقيق هذه اهلدف اعتقد بأنه يف وضع يسم. له التوصل إىل اتفاقية سالم كاملة مع اإلرسائيليني. وباملقابل كانت إرسائيل تعد األردن رشيكا يف السالم فبعد أن قامت إرسائيل باحتالل أجزاء كبرية من األرايض العربية اعتقد قادة إرسائيل أهنم بوضع يسم. هلم التنازل عن هذه األرايض مقابل السالم. فالكثري من اإلرسائيليني فكروا )28( املصدر نفسه ص. 153.

69 68 من نظام أمني إىل سالم قانوين يف نفس السياق ومع ذلك فإن ذلك كان لفظيا ومل يتحقق عمليا. فالسنوات الست التي سبقت حرب أكتوبر لعام 1973 متيزت باجلمود يف السياسة اخلارجية اإلرسائيلية جتاه (29) السالم مع العرب. فرئيسة وزراء إرسائيل غولدا مائري طرحت جانبا كل املبادرات األمريكية التي كان يعني قبوهلا أن يفيض أو يسهم يف خلق زخم إجيايب للسالم. وعىل النقيض مما يقوله القادة يف إرسائيل فلم يكن هناك رشيك إرسائييل يمكن له أن يصنع السالم مع األردن. وبالفعل فقد اندلع نقاش عام يف إرسائيل حول ما يمكن أن تقوم به إرسائيل جتاه األرايض املحتلة وهو نقاش أفىض إىل شلل يف أداء احلكومة. وحتى داخل حزب العمل احلاكم كان هناك مواقف خمتلفة )سيتم مناقشة ذلك يف الفصل الثاين(. لذلك مل يكن أمرا غري طبيعي أن تكون أولوية رئيس احلكومة "ليفي اشكول" ومن بعد خليفته غولدا مائري هي إحداث استقرار وتوازن داخل احلكومة ألغراض الوحدة الوطنية. لذلك كان الرتكيز دائام عىل هذا اهلدف األهم وهو ما أفىض إىل حكومات إرسائيلية ال ترى يف السالم مع األردن أمرا بالغ األمهية. وكام ذكرنا سابقا فإن يف هذه املرحلة عىل وجهة التحديد كان لديناميكية السياسة الداخلية يف املجتمع اإلرسائييل األثر األكرب يف توجيه )29( آيف شاليم اجلدار احلديدي ص

70 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 69 السياسة اخلارجية وجاءت الديناميكية الداخلية نتيجة لتضارب الرؤى والتنافس حتى بني أعضاء احلكومة الواحدة. وكانت النتيجة شلال واضحا بسبب عدد من العوامل أبرزها هذا التنافس واالنحياز األيديولوجي لبعض الفصائل واألحزاب السياسية داخل احلكومة جتاه الضفة الغربية. ويف خضم مثل هذه الظروف املتمثلة بعدم االستقرار احلكومي كان دور رئيس احلكومة هو املوازنة بني اآلراء املختلفة والشخصيات املتضاربة واملتنافسة داخل احلكومة وهو ما كان يعني عىل أرض الواقع أن احلكومة ليست يف موقع من يتخذ ويتبنى سياسة جتاه األرايض املحتلة حديثا. فحكومات العمل املتتابعة فضلت إبقاء الوضع الراهن بدال من تبني سياسة تؤدي إىل سقوط احلكومة أو أسوأ من ذلك إىل رشذمة حزب العمل وخسارته ملوقعه املهيمن يف السياسة اإلرسائيلية. لو طرحنا اخلالفات احلكومية جانبا لوجدنا أن هناك إمجاعا اسرتاتيجيا كان آخذا بالتشكل يف أعقاب حرب عام 1967 وهو إمجاع يربط بني األمن والطبوغرافيا فبالنسبة لالسرتاتيجيني اإلرسائيليني تعد األرض عنرصا ومكونا حاسام يف أمن الدولة. وبشكل عام اعتقد قادة إرسائيل أن أكثر ما حتتاجه هو العمق االسرتاتيجي حتى يتسنى هلا الدفاع عن نفسها يف احلروب املستقبلية. ومن هذا املنطلق كانت حدود اهلدنة تعني أن إرسائيل تفتقر للعمقني االسرتاتيجي

71 70 من نظام أمني إىل سالم قانوين والتكتيكي الرضوريني من أجل حتقق األمن. ووفقا لإلرسائيليني يعد هذا واقعا جيعل من إرسائيل ضعيفة اسرتاتيجيا أو منكشفة يف وجه هجوم مفاجئ وبخاصة من اجلهة الرشقية وهنا احلدي عن اجلبهة األردنية. وقد تناول هذه املسألة بالتفصيل الوزير العاميل البارز إيغال ألون يف مقال له نرش يف جملة "الفورن افريز" يرشح فيها املنطق خلف فكرة ما أسامه باحلدود القابلة للدفاع. ويرى إيغال الون أن إرسائيل ال يمكن هلا أن تنسحب إىل حدود الرابع من حزيران العتبارات أمنية واسرتاتيجية بحتة. )30( وكان إلخفاق إرسائيل يف صنع السالم مع األردن أثر بالغ عىل تطور النزاع بشكل عام فبعد حرب اكتوبر 1973 رفضت احلكومة اإلرسائيلية )وهي حكومة كانت مقيدة برضورة احلفاظ عىل وحدة حزب العمل واالئتالف احلكومي مع احلزب الوطني الديني املزيد عن هذا احلزب يف الفصل القادم( رفضت أن تتقدم بعرض لألردن حيتوي عىل أي تنازل عن األرض وهو أمر معاكس ملا قامت به إرسائيل مع سوريا ومرص. فعىل الرغم من ح اإلدارة األمريكية إلرسائيل فقد رفض رابني أن يتزحزح قيد أنملة يف امللف األردين لقد شكل التعنت اإلرسائييل لألردن أذى كبريا فقد حذر امللك حسني إرسائيل من )30( ايغال الون مصدر سبق ذكره

72 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 71 العواقب الوخيمة لرفض إرسائيل املوافقة عىل تقديم تنازل يف األرض لصال. األردن عىل غرار ما قامت به إرسائيل مع مرص وسوريا. ومع ذلك أخفقت كل لقاءات امللك حسني الرسية مع القادة اإلرسائيليني يف االتفاق عىل نتيجة خمتلفة. ويف هذا املنعطف حرض األردن وشارك يف مؤمتر الرباط يف العام 1974 وهو خايل الوفاض. فبعد أن أخفق امللك حسني يف انتزاع انسحاب إرسائييل كان عليه أن يقبل بمقررات مؤمتر الرباط الذي أمجع فيه املشاركون العرب عىل أن منظمة التحرير الفلسطينية هي املمثل الرشعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وكانت هذه رضبة لألردن وانتكاسة للنظام األردين يف تنافسه مع املنظمة يف معركة متثيل الفلسطينيني. يف هذه األثناء بدأ حزب العمل خيرس مراكز قوته يف أعقاب حرب أكتوبر. ففي عام 1977 كان يعاين األمرين من اخلالفات الداخلية وفضائ. الفساد التي دبت يف صفوف احلزب. ومن هنا خرس احلزب انتخابات عام 1977 لصال. حزب الليكود الذي شكل حكومة يمينية منهيا بذلك هيمنة حزب العمل عىل احلكومة وهي هيمنة استمرت ألكثر من 29 عاما أي منذ تأسيس الدولة. وقد كان وجود مناحيم بيغني يف سدة احلكم سببا كافيا لقلق امللك حسني كام كان لفوز الليكود تأثري كبري مل يكن بمقدور صناع القرار يف عامن جتاهله. فبعض دوائر حزب الليكود كانت قد اعتنقت شعار "األردن فلسطني" وهو أمر كان خييف األردنيني.

73 72 من نظام أمني إىل سالم قانوين وبالرغم من أن مناحيم بيغن كان قد فاجأ كل املراقبني حني أعاد كامل أرض سيناء إىل مرص يف سياق معاهد سالم كاملة إال أنه اتبع سياسة استيطانية توسعية وعدائية يف الضفة الغربية. وبالفعل كان اهلدف هو تشييد أكرب عدد ممكن من املستوطنات لتكون أمرا واقعا. ولذا فإن سياسة الليكود االستيطانية كانت تعرب عن سياسة واعية خللق وقائع عىل األرض ملنع حكومات العمل الحقا من تقديم أي تنازل لألردن حتى يف سياق معاهدة سالم. عندما عاد حزب العمل للسلطة يف عام 1984 مل يعد وحده لكنه كان يف إطار حكومة وحدة وطنية ورشاكة مع حزب الليكود. وكانت حكومة الوحدة الوطنية وصفة للشلل يف السياسة اخلارجية اإلرسائيلية. لذلك وصلت اجلهود املضنية التي بذهلا امللك حسني إلقناع كل من اإلرسائيليني ومنظمة التحرير الفلسطينية لصنع السالم إىل طريق مسدود خالل النصف الثاين من الثامنينات. وحتى عندما حاول األردن االلتفاف عىل قرارات قمة الرباط عن طريق العمل مع شيمعون بريس مل تفض هذه اجلهود إىل يشء )املزيد عن ذلك يف الفصلني القادمني(.

74 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 73 لكن مع اندالع االنتفاضة الفلسطينية يف 1987 ديسمرب وعدم قدرة ) 31( شيمعون بريس الوفاء بتعهده للملك حسني حسب اتفاقية لندن التي بموجبها تعهد بريس بالعمل لعقد مؤمتر دويل( جلأ امللك حسني إىل خطوة أحادية مفاجئة ففي احلادي والثالثني من شهر يوليو عام 1988 أعلن امللك حسني قرار فك االرتباط اإلداري والقانوين مع الضفة الغربية وبجرة قلم قام امللك حسني بحرمان حزب العمل اإلرسائييل من شعاره املفضل "اخليار األردين" وبالتايل ذهب حزب العمل وبريس إىل انتخابات نوفمرب 1988 من دون شعار للسالم. ووفقا لكثري من املراقبني فإن خطوة امللك ساعدت الليكود يف حتقيق الفوز يف االنتخابات. )31( قام امللك حسني ووزير خارجية إرسائيل شيمعون بريس بتوقيع اتفاقية لندن يف احلادي عرش من نيسان عام 1987 وجاءت االتفاقية عىل شكل إطار لعقد مؤمتر دويل للسالم من قبل األمم املتحدة وبمشاركة الدول دائمة العضوية يف جملس األمن. واهلدف من املؤمتر كان إجياد حل سلمي للرصاع العريب اإلرسائييل استنادا إىل قرارت جملس األمن رقم 242 و 338 وكذلك استنادا إىل حل سلمي لكافة القضايا املتعلقة املشكلة الفلسطينية. واشرتطت االتفاقية عىل أنه لن يفرض أي حل عىل أي طرف من أطراف النزاع. واتفق الطرفان عىل أن تقوم األردن بتمثيل الفلسطينيني يف هذا املؤمتر وكذلك اتفق امللك حسني وشيمعون بريس بأن تقدم اتفاقيتهم لإلدارة األمريكية حتى تتبناها اإلدارة وتبدو وكأهنا مبادرة أمريكية.

75 74 من نظام أمني إىل سالم قانوين يف السنوات التي أعقبت قرار فك االرتباط وقعت أحداث كان هلا أثر كبري عىل األردن فانتهاء احلرب الباردة وبروز اهليمنة األمريكية يف الرشق األوسط وخسارة العراق للحرب أمام التحالف الدويل بقيادة الواليات املتحدة غريت من البيئتني الدولية واإلقليمية التي تعمل هبام كل من األردن وإرسائيل. وهنا طبعا ال نقصد القول أن الفشل يف صنع السالم كان بسبب احلرب الباردة فهناك مقولة يكررها كثريون تفيد بأن التنافس بني القوتني العظميتني يف الرشق األوسط قد أضعف من فرص صنع السالم بني العرب وإرسائيل غري أهنا مقولة ال تصمد أمام التاريخ فمرص وإرسائيل وقعتا معاهدة سالم خالل ذروة احلرب الباردة. لذلك سيبدو سطحيا اعتبار أن انتهاء التنافس الدويل يمكن له أن يفيض إىل سالم يف الرشق األوسط. فاحلكومات اإلرسائيلية املتعاقبة استخدمت احلرب الباردة ذريعة لرفض كل مقرتحات السالم التي ال تروق هلا. ومع ذلك يمكن القول أن األثر املشرتك النتهاء احلرب الباردة وهزيمة العراق يف احلرب كان باديا للعيان عندما حتسنت البيئة االسرتاتيجية لصال. إرسائيل يقول الربفسور أنوش احتشامي من جامعة درم الربيطانية: "يف وقت كانت فيه الدول العربية الراديكالية خترس القوى الداعمة هلا كانت إرسائيل حتسن من وضعها باألرقام املطلقة: فكانت ترفع من معدل تدفق املهاجرين األوروبيني إليها وكانت تقوم بذلك دون أن حتدث اضطرابا يف حتالفها االسرتاتيجي مع

76 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 75 الواليات املتحدة. ويف املقابل مع غياب الكتلة السوفيتية القوية فإن خصوم إرسائيل من العرب مل يكونوا قادرين عىل إجياد أصدقاء خارجيني بديلني ومؤثرين دون إحداث تغيري عىل سياساهتم القومية وإصالح سياساهتم اخلارجية حتى يكونوا أكثر قبوال يف الغرب. وألول مرة منذ عقود يصب. لدى إرسائيل التفوق السيايس واالسرتاتيجي عىل منافسيها من العرب" )32(. استجابت منظمة التحرير الفلسطينية للتغريات الدولية واإلقليمية عىل نحو الفت إذ اجتهت نحو سياسة االعتدال يف موقفها جتاه إرسائيل فقد وافق عرفات عىل الرشوط التي حددها هنري كيسنجر عام 1975 حتى يتأهل اجلانب الفلسطيني ليصب. رشيكا يف مفاوضات السالم إذ تعهد كيسنجر - وزير خارجية أمريكا يف منتصف السبعينات - إلرسائيل بأن بالده لن جتري مفاوضات أو حمادثات مع منظمة التحرير الفلسطينية إال إذ لبت املنظمة ثالثة رشوط هي: االعرتاف بإرسائيل وإدانة اإلرهاب وقبول قرارات األمم املتحدة رقم 242 و 338. وقد تم إدراج الرشوط الثالثة يف مذكرة التفاهم التي توصلت إليها )32( أنظر Anoushiravan Ehteshami, "The Arab States and the Middle East Balance of Power," in Games Gow (ed.), Iraq, The Gulf Conflict and the World Community (London, Brassey's, 1992) p.61.

77 76 من نظام أمني إىل سالم قانوين إرسائيل مع الواليات املتحدة عام 1975 عىل أثر قبول إرسائيل توقيع اتفاقية سيناء 2 مع مرص. وهنا كثر احلدي عن نظام عاملي جديد ويف هذا احلقبة قام الرئيس بوش بمساعدة األطراف املعنية بالرصاع ويف بعض األحيان قام بإجبارها عىل حضور مؤمتر مدريد للسالم الذي عقد يف شهر نوفمرب وقد مهد عقد مؤمتر مدريد للسالم الطريق التفاقية أوسلو التي وقعت يف الثال عرش من سبتمرب 1993 إذ جاءت متطلبا سابقا التفاقية السالم بني األردن وإرسائيل التي وقعت يف 26 أكتوبر اخلامتة: من سالم واقع إىل سالم قانوني مل يكن من السهولة بمكان لألردن أن ينأى بنفسه عن التطورات التي حتدث غرب النهر وذلك لقرب األردن اجلغرايف من فلسطني والواقع الديمغرايف الداخيل يف األردن الذي جاء يف أعقاب انخراط األردن يف احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل عام 1948 وهلذا السبب كان من املؤكد أن يتأثر األردن بشكل كبري باجلمود الذي أصاب عملية السالم أو بالطريقة التي سيحل فيها الرصاع بني الفلسطينيني واإلرسائيليني.

78 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 77 طيلة عقود الرصاع بني األردن وإرسائيل كان مستقبل األرايض الفلسطينية هو حمور الرصاع وحتى قبل اندالع احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل وجد األردن نفسه مضطرا للتدخل والدفاع عن أجزاء من فلسطني. لكن بالرغم من أن اجلانبني األردين واإلرسائييل التقيا غري مرة يف ساحات املعارك إال أن عالقتهام متيزت بالتعقيد. وعىل العكس من احلاالت األخرى التي وجدت إرسائيل نفسها يف حالة رصاع دموي مع خصومها فقد متكن اجلانبان األردين واإلرسائييل يف اإلبقاء عىل نظام أمني. وكان هذا اخليار مستندا إىل حسابات الرب. واخلسارة من اجلانبني فالقوة اإلرسائيلية أجربت األردن عىل أن يطرح اخليار العسكري يف التعامل معها. يف املقابل كانت ترفض االستجابة ملطالب األردن ورشوطه للسالم مما جعله يلجأ إىل إقامة نظام أمني مع إرسائيل وهذه العالقة املتطورة أخذت شكل التعاون الوظيفي ألكثر من عقدين بعد حرب عام كان امللك حسني يؤكد يف كل لقاءاته الرسية مع إرسائيل عىل استعداد األردن لتوقيع معاهدة سالم كاملة إذا قبلت إرسائيل باالنسحاب إىل خطوط الرابع من حزيران. وقد بقي موقف األردن ثابتا غري أنه مل يكن هناك رشيك إرسائييل يمكن له أن يقبل هبذه الرشوط. وكام أسلفنا يف هذا الفصل كان لالعتبارات السياسية الداخلية يف إرسائيل وتغري طبيعة املجتمع اإلرسائييل أثر يف جعل مهمة حزب العمل صعبة فقد استنتج أن من املستحيل تقديم تنازالت

79 78 من نظام أمني إىل سالم قانوين حقيقية لألردن مقابل معاهدة سالم. وعندما صعد الليكود إىل سدة احلكم عام 1977 مل يعد األردن الرشيك املفضل له وأكثر من ذلك فاحلكومات الليكودية تبنت سياسات أدت إىل إبعاد األردن أكثر وأكثر عن إرسائيل. حافظ األردن وإرسائيل عىل احلد األدنى من االتصاالت لضامن استمرار النظام األمني القائم بينهام رغم كل الظروف. لكن التغريات البنيوية عىل املستوى الدويل وانتقال النظام الدويل إىل أحادية القطبية ومع التغري يف موازين القوى عىل املستوى اإلقليمي يف الرشق األوسط يف أعقاب هزيمة العراق العسكرية يف عام 1991 بذل األردن جهودا مضنية للخروج من العزلة التي فرضت عليه بسبب مواقفه املؤيدة لنظام صدام حسني. لذلك شكل مؤمتر مدريد للسالم فرصة ذهبية لألردن ليستعيد مكانته وأمهيته. ويف الوقت ذاته أدت التغريات التي عصفت بإرسائيل املتمثلة بفوز حزب العمل بانتخابات عام 1992 إىل خلق بيئة أسهمت يف التوصل إىل اتفاقية أسلو األوىل عام وقد مهدت هذه االتفاقية الطريق أمام األردن وإرسائيل للتوصل إىل معاهدة سالم وقعها اجلانبان يف السادس والعرشين من عام أكتوبر وما من شك يف أن قيام منظمة التحرير الفلسطينية بالتوقيع عىل اتفاقية أوسلو هو الذي جعل السالم بني األردن وإرسائيل أمرا ممكنا يف ذلك الوقت.

80 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 79 بالرغم من أن األردن كان دائام بلدا متواضعا بموارده وإمكانياته القليلة إال أنه متكن من البقاء واحلفاظ عىل رأسه فوق املاء. وأحد أهم األسباب التي أدت إىل حتقيق ذلك يف هذه البيئة اإلقليمية املتقلبة هو فن القيادة لدى امللك حسني الذي متكن من إكساب بلده أمهية ومنحها دورا حموريا يف حل الرصاع بني العرب وإرسائيل. احتل األردن مكانة مركزية يف السياسة اإلقليمية ويف التفكري اإلرسائييل لعقود طويلة. ويف الفصل القادم سنتناول كيفية تطور األردن يف التفكري االسرتاتيجي اإلرسائييل عند حزب العمل والليكود وكيفية متكنه من احتالل مكان حموري بالرغم من االنكشاف االسرتاتيجي الذي عانى منه ومل يزل.

81

82 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 81 الفصل الثاني: األردن يف تفكري إسرائيل االسرتاتيجي تقديم تواجه كثري من الدول حتديات أمنية خمتلفة عليها أن تتصدى هلا غري أن األمر يف احلالة اإلرسائيلية له طابع مميز فبقاء الدولة وطبيعة التحديات األمنية التي تواجهها مرتبطة بشكل وثيق بفشلها يف اكتساب الرشعية يف اإلقليم ومرتبطة أيضا بسياساهتا التوسعية عىل حساب األرايض الفلسطينية لكن هذا الوضع ليس جديدا! فخالل مرحلة االنتداب الربيطاين عىل فلسطني أخفقت الدبلوماسية الصهيونية يف احلصول عىل مباركة العرب ملرشوعهم االستيطاين متهيدا إلقامة دولة لليهود. وفوق ذلك مل تقبل إرسائيل حتى هذه اللحظة بحق الفلسطينيني يف تقرير مصريهم وهو املتطلب السابق ألي نوع من املصاحلة التارخيية بني اإلرسائيليني والفلسطينيني هلذا ما زالت إرسائيل تعاين من تعقيدات كثرية يف مشاكلها األمنية واملقاربات املستخدمة للتصدي ملثل هذه التحديات.

83 82 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي جلأ الفلسطينيون إىل ثورهتم األوىل ضد االنتداب الربيطاين وضد اليهود خالل عقد الثالثينات من القرن املنرصم عندما وصلت العالقات الفلسطينية الصهيونية أدنى مستوى هلا وهي ثورة امتدت من عام 1936 حتى عام وقد نسفت الثورة كثريا من املسلامت ودفعت سلطات االنتداب الربيطاين لفهم جديد يقوم عىل أن فرضية إمكانية التعايش السلمي بني الفلسطينيني واليهود كانت ومها أكثر منها واقعا معيشا. ومنذ ذلك الزمن استبطن قادة احلركة الصهيونية أن احلرب مع الفلسطينيني ستكون أمرا حتميا يف املستقبل. وكان هلذا التفكري أثر كبري عىل قادة احلركة الصهيونية وبخاصة بن غوريون الذي بدأ يعد املجتمع اليهودي يف فلسطني إىل حرب حتمية. ويف املقابل كان املجتمع الفلسطيني أبعد ما يكون عن االستعداد ألي حرب قادمة يقول رشيد اخلالدي: إن الفلسطينيني سيشعرون بالعواقب السلبية لثورهتم بعد عقد من الزمان عندما سيواجه هذه املجتمع الضعيف واملمزق بسبب االحتالل جمتمعا هيوديا منظام )33( ومستعدا. )33( يف كتابه "القفص احلديدي" يرشح رشيد اخلالدي وهو )مؤرخ أمريكي من أصل فلسطيني( سبب إخفاق الفلسطينيني يف إقامة دولة مستقلة هلم قبل اندالع حرب عام 1948 والعواقب اإلسرتاتيجية املرتتبة عىل مثل هذا اإلخفاق. مع أن الكتاب يركز عىل عوامل الضعف الداخلية إال أن

84 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 83 هناك كثري من الكتابات التي ظهرت وتناولت املحاوالت الناجحة للمجتمع اليهودي يف فلسطني إبان فرتة االنتداب الربيطاين املعرف باسم فالرصاع يف فلسطني يقوم عىل "اليشوف" يف إقامة دولة هيودية يف فلسطني. )34( نفس األرض ومن غري املمكن عمليا التوفيق بني املطالب املتعارضة لكل من الصهاينة والفلسطينيني فجميع املحاوالت التي بذلت للتوصل إىل حل سلمي للنزاع باءت بالفشل. لذلك من غري املستغرب يف هذه احلالة أن ال يفيض قرار التقسيم يف عام 1947 إىل أي تغيري ملنع اندالع احلرب وهو القرار الذي كان رشيد اخلالدي ينوه إىل انه ال يغفل دور العامل اخلارجي يف حرمان الفلسطينيني من إقامة دولة هلم. ويقول أيضا أن هناك عددا من الناس سيسألون نفس السؤال املتعلق بكيف يمكن الرتكيز عىل إخفاق وعدم قدرة الفلسطينيني عىل إقامة دولة هلم يف وقت كان هناك حتالف من القوى ضدهم. وبالتايل ستسائلون ملاذا ال يتم الرتكيز عىل العامل اخلارجي القوي واملهيمن املسؤول عندما جرى يف فلسطيني ما منع الفلسطينيني من تقرير مصريهم وإقامة دولة مستقلة هلم عىل غرار اليهود وملزيد من التفاصيل حول هذه النقطة أنظر Rashid Khalidi, The Iron Cage: The Story of the Palestinian Struggle for Statehood (USA: Beacon Press, 2006). )34( حول حماولة اليهود إقامة دولة هلم يف فلسطني انظر Avi Shlaim, The Iron Wall: Israel and the Arab World (London: Allen Lane/Penguin, 2000).

85 84 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي هيدف منه تقديم حل سيايس. فاملوقف السائد بني الفلسطينيني هو أن قرار التقسيم جاء يف صال. اليهود ومل جيرؤ أي سيايس فلسطيني عىل قبوله. ويف وقت معني كان باديا للجميع أن القادة الصهاينة قد واجهوا وضعا حرجا بسبب عدم وجود رشيك عريب يمكن أن يقبل بتقسيم فلسطني لكنهم بعد أن أخفقوا يف إجياد رشيك فلسطيني يتوافق مع املرشوع الصهيوين يف إقامة دولة هيودية بدأ قادة الوكالة اليهودية بالنظر إىل مكان آخر خللق مثل هذا الرشيك. حينها كان امللك عبداهلل األول واعيا ملا جيري من أحدث غرب النهر وكان مطلعا عىل التطورات داخل "اليشوف" وداخل املجتمع الفلسطيني وقام باستغالل الوضع بطريقة مكنته من توسيع حدود مملكته يف وقت الحق. فاالتصاالت الصهيونية اهلاشمية تعود لفرتة االنتداب الربيطاين عىل فلسطني وكان امللك عبداهلل متأثرا بقيم الثورة العربية الكربى التي اندلعت عام 1916 لذلك سعى الستغالل كل الفرص املتاحة للتوسع. من هنا وعندما رفض الفلسطينيون مبدأ تقسيم بلدهم وعندما تبنوا مقاربة "الكل أو ال يشء" يف األربعينات من القرن املايض ظهر امللك عبداهلل إىل السط. بوصفه رشيكا موافقا لقرار تقسيم فلسطني. مل يغب عن الصهاينة اسرتاتيجية امللك عبداهلل فقد أدركوا أنه لن يكون بوسعهم إقامة دولة عىل كامل أرايض فلسطني التارخيية. طبعا هناك جدل واسع

86 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 85 حول طبيعة االتصاالت وكثافتها بني األمري عبداهلل والصهاينة )35( غري أن أغلبية املراقبني والباحثني يرون أن األردن أصب. ذا دور مركزي يف السلم واحلرب يف فلسطني خالل مرحلة امللك عبداهلل األول. ومن اجلدير أن عالقة األردن وإرسائيل قد تطورت بطريقة فريدة جعلتها حتدد كثريا من مستقبل الرصاع عىل الرغم من أن كال منهام كانا يف سياق سيقودمها إىل اشتباك مسل. دموي يف عام ولعل أحد أهم األسباب للعالقة الفريدة بني األردن وإرسائيل تتمحور حول مركزية األردن يف املثل األردين الفلسطيني اإلرسائييل. وكام ذكر يف الفصل األول من هذا الكتاب فإن األردن أصب. دولة حمورية ال يمكن ختيل حل للرصاع من دوهنا. لذا فإن هذا الفصل سوف يتتبع تطور األردن يف التفكري اإلسرتاتيجي إلرسائيل من عام 1948 حتى بداية التسعينات وعىل وجه خاص مواقف حزبني من األحزاب السياسية الرئيسة يف إرسائيل ومها العمل والليكود. فالقسم األول )35( هناك العديد من الكتب والدراسات التي نرشت والتي تتفحص دور األمري عبداهلل يف الرصاع هناك كتابات من أفضل ما كتب عن هذا الدور مها: Mary C. Wilson, King Abdullah, Britain and the making of Jordan (New York: Cambridge University Press, 1987) and Avi Shlaim, Collusion across thejordan: King Abdullah, The Zionist Movement, and the Partition of Palestine (Oxford: Clarendon Press, 1988).

87 86 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي يف هذا الفصل يسلط الضوء عىل النقاش الذي دار يف أروقة حزب العمل وأدى إىل سيطرة شعار اخليار األردين عىل جممل مقاربة العمل للعالقة مع األردن والفلسطينيني إىل أن فقد السلطة يف عام أما القسم الثاين فيتناول النظرة املتغرية لألردن يف حزب الليكود الذي طور مواقف خمتلفة جتاه األردن. أم القسم األخري فيناقش املعضلة التي كان عىل إرسائيل التعامل معها بعد أن فقد شعار اخليار األردين بريقه وصلته بالوقع ما دفع بحزب العمل إىل تبني اخليار الفلسطيني بدال من ذلك. حركة العمل وجذور شعار اخليار األردني غاب الرشيك الفلسطيني الذي يمكن له قبول املرشوع الصهيوين وخطة التقسيم وقد دفع ذلك القادة املؤثرين من الصهاينة البح عن رشيك عريب آخر راغب وقادر عىل التعاون معهم واعتقدوا أن امللك عبداهلل هو الشخص املناسب للقبول بخطة الوكالة اليهودية القاضية بتقسيم فلسطني بني العرب واليهود ألنه كان مدفوعا برغبة عارمة للتوسع غرب النهر )36( وعىل هذه اخللفية بدأ اجلانبان اتصاالهتم خلف الكواليس الختيار السيناريوهات املحتملة ليتوصلوا إىل حل )36( هل كان األردن جزءا من التواطؤ هذا موضع بحثه املؤرخون واختلفوا فيه.

88 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 87 مقبول. واملفارقة أهنم بالرغم من اتفاقهم عىل أن التقسيم سيكون أمرا حتميا إال أهنام حتاربا والتقيا يف ساحة املعاركة خلوض أرشس املعارك عام ومع ذلك مل تضع احلرب حدا التصاالت اجلانبني فبعد أن انقشع غبار املعركة استأنفا املحادثات للبح يف هناية سلمية للنزاع. إن املحادثات التي أعقبت احلرب مل تفض إىل معاهدة سالم بني البلدين كام أهنا مل تفض إىل معاهدة عدم اعتداء كام أمل حينها اجلانبان. فالقادة املؤثرون يف إرسائيل وحتديدا يف حزب العمل احلاكم مل يكونوا متحمسني للتوصل إىل اتفاقية هنائية مع األردن فكان من بينهم من يعتقد أن األردن بلدا غري قابل للصمود وأن العراق ربام تستويل عليها وهو التقدير الذي دفع بن غوريون ألن ال يرى أية قيمة يف تقديم تنازالت لألردن يف إطار معاهدة سالم. وكان هناك سبب آخر له نفس األمهية يتعلق بحدود اهلدنة فاإلرسائيليون مل يكونوا مقتنعني بحدود اهلدنة ويتساءل "بن غوريون" "هل لدينا مصلحة يف إلزام أنفسنا إىل مثل هذه احلدود السخيفة " )37( عادة ما يزعم اإلرسائيليون بأن السالم كان هدفا مركزيا للحركة الصهيونية وأن إرسائيل سعت له يف أعقاب احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل يف )37( اقتباس يف كتاب آيف شاليم اجلدار احلديدي ص. 67.

89 88 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي عام 1948 يف حني كان العرب مقتعنتني ورافضني للسالم. ولكن هذه املزاعم ال تصمد أمام احلقائق التارخيية الدامغة فالوثائق املوجودة يف األرشيف الصهيوين التي كشف عنها يف الثالثة عقود املاضية متيط اللثام عن قصة أخرى فكام يقول املؤرخ اإلرسائييل "آيف شاليم": إن عدم التزام بن غوريون يف التسوية السليمة مع فخالل العقد األول بعد األردن كانت سببا أساسيا لفشل املحادثات بينهام. )38( احلرب مل يكن قادة إرسائيل وبالتحديد بن غوريون مهتمني بالسالم ألن من شأن إهناء الرصاع بني العرب وإرسائيل أن يمنع إرسائيل من التوسع مستقبال وبالتايل فإن إرسائيل مارست سلوكا لتغيري األمر الواقع بدال من االكتفاء بمكتسبات حرب 1948 عىل العكس مما يقوله الصهاينة وعىل العكس من الرواية الرسمية إلرسائيل. فهي هبذا املعنى كانت دولة "Revisionist" أي دولة مل تكن راضية باألمر والوقع وعملت عىل تغيريه مما زاد يف تأجيج الرصاع. وخالل هذه احلقبة التارخيية كانت سياسة إرسائيل جتاه األردن مدفوعة بشكل كبري بالنقاش الداخيل يف حزب ماباي احلاكم )حزب العمل( إذ كان هناك معسكران متناحران ومتنافسان لكل واحد رأيه وحساباته الداخلية واخلارجية. املعسكر األول كان يركز عىل األمن ويمكن وصفة بمعسكر النشطاء الذين أولوا )38( املصدر نفسه ص. 67.

90 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 89 األمن األمهية القصوى أما املعسكر اآلخر فكان معتدال. فالنشطاء كان مسكونني بنظرة عدائية وافرتضوا أن العرب - بام فيهم األردنيون - هدفهم تدمري إرسائيل وإفنائها ويرون بأن إرسائيل ستعيش يف وسط بيئة من العداء الدائم وهي دولة ليس هلا أي خيار سوى االعتامد عىل القوة العسكرية حتى حتقق البقاء يف بيئة معادية هلا. وهذا التصور اإلرسائييل حول النوايا العربية كان جليا عندما كان اإلرسائيليون يعتقدون أن جولة ثانية من املعارك مع العرب إنام هي مسألة وقت فاألمر عندهم حتمي ال حيتمل التفكري بالسالم. فبعد انتهاء احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل بوقت قصري قال رئيس حكومة إرسائيل ديفيد بن غوريون: "لو كنت عربيا ملا قبلت بوجود إرسائيل صحي. أن اهلل وعدنا هبذه األرض لكن ماذا يعني ذلك هلم كان هناك معاداة للسامية وكان هناك النازيون وكان هناك معسكر "أوشكوفيتز" لكن هل هذا هو ذنبهم فالعرب يرون أمرا واحدا فقط هو أننا جئنا واستولينا عىل أرضهم. من املمكن أن ينسوا ذلك خالل جيل أو اثنني لكن اآلن ال يوجد خيار" )39(. )39( اقتباس يف كتاب مارك هيلر Mark Heller, Continuity and Change in Israeli Security Policy (New York and London: Oxford University Press, 2000), p. 10.

91 90 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي وهكذا حسب هذا املنطق كانت حاجة لتشييد جدار حديدي أي بمثابة جيش قوي إلحلاق هزائم متتالية بالعرب حتى يقتنعوا بأن ال قدرة هلم عىل إرسائيل وأن ما يقومون به ما هو إال أمر عبثي. من هنا كانت فكرة اجلدار احلديدي تعبريا عن إسرتاتيجية رئيسية يتفق عليها كل السياسيني من خمتلف ألوان الطيف السيايس. وكانت مقولة أن العرب ال يفهمون إال لغة القوة يف عمق تفكري معسكر النشطاء ومن ثم حتى تتمكن إرسائيل من حتقيق رشوط البقاء يتوجب عليها أن تثبت أن لدهيا القدرة العسكرية والرغبة يف توظيفها بشكل فاعل من وقت آلخر. واملنارصون هلذه املدرسة وهلذا الفكر رأوا أن السالم لن يتأتى إىل بعد أن يستوعب العرب عدم إمكانية هزيمة إرسائيل )40(. املعسكر اآلخر هو معسكر االعتدال وله موقف مغاير متاما عن معسكر النشطاء. فاملعتدلون اعتقدوا أن االعتدال سيكون أفضل من سياسات االنتقام وتوظيف القوة العسكرية. وكان موشيه شاريت )ثاين رئيس حكومة يف إرسائيل( عىل رأس املنادين برضورة أن متارس إرسائيل اعتداال يف العالقة مع العرب ووفقا هلذا التوصيف يرى أصحاب هذه املدرسة أنه ينبغي عىل إرسائيل أن متارس ضبطا )40( لتحليل عميق هلذا املوقف أنظر Benny Morris, Israel s Border Wars , Arab Infiltration, Israeli Retaliation and the Countdown to the Suez War (Oxford 1993).

92 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 91 للنفس ألن سياسات االنتقام واالعتداء عىل العرب ما كانت لتحل مشاكل إرسائيل األمنية. هنا جيب أن نشري إىل أن األمن وفقا لإلرسائيليني ليس فقط مسالة أراض لكنه أيضا يتضمن مشكلة قيام بعض الفلسطينيني بالتسلل إىل داخل حدود إرسائيل )41(. كان اعتقاد كبار قادة اجليش اإلرسائييل وبخاصة موشيه دايان بأن توجيه رضبات عسكرية قوية ألهداف أردنية سوف يدفع األردن حلراسة حدوده ومنع املتسللني من العبور جتاه إرسائيل. وعندما أخفقت سياسة االنتقام اإلرسائيلية يف منع استمرار تدفق املتسللني فيام بني عام و تم )41( أخفقت اتفاقيات اهلدنة التي وقعتها إرسائيل مع بعض الدول العربية يف إطالق عرص من اهلدوء والسالم بني العرب وإرسائيل. وعىل العكس من ذلك متاما فخالل أول سبعة سنوات التي أعقبت احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل استمر النزاع وإن كان بمستوى عنف أقل فهناك عىل سبيل املثال أكثر من عرشة آالف عملية تسلل حدثت ويف أغلب احلاالت كان املتسللون فلسطينيني أرادوا أن يستعيدوا حماصيلهم أو أن حيصدوا احلقول التي تركوها خلفهم أو لزيارة أقارهبم ويف بعض األحيان لتوجيه رضبات انتقامية ضد أهداف إرسائيلية. وملزيد من التفاصيل عن أسباب قيام الفلسطيني بالتسلل إىل داخل خطوط اهلدنة أنظر Benny Morris, Israel s Border Wars , Arab Infiltration, Israeli Retaliation and the Countdown to the Suez War (Oxford 1993), p. 14

93 92 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي 101 تكليف الرائد "أرئيل شارون" بتشكيل الوحدة لزيادة فعالية اهلجامت االنتقامية )42(. أدت سياسة االنتقام املثرية للجدل إىل غضب عريب عارم وهو األمر الذي جعل من إمكانية التوصل إىل حل سيايس أمرا مستحيال وذلك عندما كان للنشطاء اليد العليا يف النقاش الداخيل ويف صناعة القرار يف احلكومات اإلرسائيلية املتعاقبة يف تلك احلقبة الزمنية ويعتقد السري جون بجوت كلوب املعروف باألردن باسم غلوب باشا وكان قائدا عاما للجيش األردين بأن سياسة إرسائيل االنتقامية كانت "ترفع من مستوى الكراهية بشكل أسايس وترسع من وحدة العرب وتولد التطرف وجتعل من السالم أمرا غري قابل للتحقق" )43(. إن مفهوم االنتقام عند رئيس احلكومة بن غوريون هو مفهوم متجذر بمفهوم آخر وهو الردع وهبذا املعنى يستند مفهوم الردع إىل فرضية أن األردن كان قادرا عىل حراسة حدوده ملنع املتسللني من العبور جتاه إرسائيل وكانت إرسائيل تنظر إىل األردن بوصفه العبا عقالنيا سيتخذ ما بوسعه ملساعدة إرسائيل يف التعامل مع )42( انظر David Tal, Israel s Day to Day Security Conception, Its Origin and Development (Ben-Gurion University) (Hebrew), pp.1-4. )43( ملزيد من التحليل هلذا النوع من اآلراء انظر John Bagot Glubb, A Soldier with the Arabs (London 1957), p. 309.

94 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 93 حتدي املتسللني. وكان اإلرسائيليون يأملون بأن سياسة االنتقام ستجرب األردن أن يقبل برشوط التسوية السلمية للرصاع العريب اإلرسائييل. وعىل نحو الفت كانت إسرتاتيجية االنتقام ال حتقق أهدافها فكل مرة قامت هبا إرسائيل بتوجيه رضبة لألردن يشتاط الرأي العام األردين غضبا وجيعل من املستحيل عىل امللك األردين أن يتخذ أي خطوة تقربه من السالم مع إرسائيل. مل يكن االنقسام الداخيل إىل معسكرين يعني أن هناك خالفات يف األهداف اإلسرتاتيجية للحركة الصهيونية فعىل عكس ما يبدو ظاهرا مل يكن املعتدلون ضد توظيف القوة العسكرية بل كانوا يفضلون استعامال انتقائيا وحمسوبا هلا أي بعد أن تأخذ احلكومة اإلرسائيلية العواقب والتعقيدات السياسية املرتتبة عىل استخدام العنف والقوة. فهم هبذا املعنى أكثر حساسية للرأي العام ومشاعر العرب بشكل عام. ورأى أنصار هذه املقاربة أن خلق جو مناسب للمصاحلة يتطلب أن ال تعتمد إرسائيل عىل القوة العسكرية فقط ألن مم شأن ذلك أن يولد كراهية عربية إلرسائيل وبالتايل ستقوض أي جهود للمصاحلة )44(. اخلالف بني املعسكرين تكتيكي يف جوهرة وكان مصدر اخلالف الرئيس بينهام هو حول كيفية التصدي لتحدي تسلل الفلسطينيني احلدود جتاه إرسائيل. )44( آيف شاليم اجلدار احلديدي ص. 87.

95 و 94 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي وعندما يتعلق األمر هبذه النقطة عىل وجه التحديد كان ألراء بن غوريون قوة وصلت إىل حد أن شكلت هذه اآلراء جوهر املفهوم األمني اإلرسائييل. فآراؤه وافرتاضاته حول األمن هيمنت عىل املشهد السيايس اإلرسائييل حتى بعد أن أجرب عىل االستقالة عام 1963 شكلت يف جمملها ما يمكن أن يطلق عليه "عقدة بن غوريون" التي تشري إىل حماوالت غريه من القادة الصهاينة دائام إىل صنع قرارات استنادا إىل ما كانوا يعتقدون بأن ذلك ما كان "بن غوريون" سيتخذه. إن استيالء إرسائيل عىل األرايض الفلسطينية يف عام 1967 قد ولد نقاشا ساخنا وعدائيا يف إرسائيل حول سلوك إرسائيل جتاه األردن ودوره يف األرايض املحتلة بالرغم من تأثري بن غوريون الكبري. وبشكل رئيس فقد تركز النقاش العام حول إمكانية التوصل إىل سالم مع العرب وما هي حدود إرسائيل يف حال توصلت إىل سالم دائم وما هو مصري أرايض الضفة الغربية وكان من شأن هذا النقاش الواسع أن يفرز امائم وصقورا يف كل التيارات السياسية فعدم تطابق وجهات النظر الذي ارتفعت حدته بسبب التنافس داخل حكومة العمل أ ىضف إىل مجود ملحوظ يف صناعة السياسة اخلارجية. فعىل سبيل املثال ال احلرص كانت هناك معركة وتنافس حاد بني إيغال ألون وموشيه دايان وهي معركة أسهمت يف استمرار الوضع القائم فيام يتعلق باملوقف من األرايض املحتلة. فمصطل. الوضع القائم إىل يشري عدم قدرة احلكومة اإلرسائيلية عىل اختاذ قرار حيال مستقبل

96 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 95 األرايض املحتلة. وأدرك رئيس احلكومة ليفي أشكول عدم احلاجة للتوصل إىل قرار حاسم وواض. حيال هذه القضية عىل وجهة التحديد ألن من شأن مثل هذا القرار أن يفيض إىل انقسام يف األحزاب احلاكمة وبخاصة أنه ال يوجد رشيك عريب مستعد أن يقبل باإلمالءات اإلرسائيلية. واتفق مع آيف شاليم عندما يذهب بالقول إىل أن "املعادلة التي خدمت كأساس للدبلوماسية اإلرسائيلية ملدة ست سنوات ) ( تنفع ببساطة برؤية مطالب احلد األعىل للسالم التام واألمن التام إلرسائيل غري أهنا ال تؤسس لربنامج واقعي للبدء بحوار مع خصومها" )45(. نرى أنه من الرضوري أن نؤكد عىل التفاعل بني ثالثة مواقف رئيسة داخل حزب العمل اإلرسائييل وهي مواقف تبلورت يف أعقاب حرب عام 1967 لفهم سلوك إرسائيل نحو األردن. ويمكن تسمية هذه املواقف أو املعسكرات: التصاحلي والتوفيقي والوظيفي والذي يركز عىل قيمة األرض يف أمن إرسائيل وهي مواقف أو معسكرات متثل الفصائل املكونة حلزب العمل وهي ماباي" ورايف و"احدوت هعفودا عىل الرتتيب. )45( ملزيد من التفاصيل انظر Avi Shlaim and Avner Yaniv, Domestic Politics and Foreign Policy in Israel, International Affairs, vol.56 (spring 1980), p. 242.

97 96 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي فاملعسكر التصاحلي واملعتدل يف حزب العمل متثل حول شخصيتني سياسيتني مها: وزير املالية بنحاس سابري ووزير اخلارجية إيبا إيبان. وهذه املجموعة كانت ترى أن االحتفاظ باألرايض الفلسطينية املحتلة سيكون وباال عىل إرسائيل )46(. كام ترى هذه املجموعة أن الطبيعة اليهودية للمجتمع اإلرسائييل هي عىل املحك لذلك وظفوا املقولة اإلثينية والديمغرافية لتقوية موقفهم التصاحلي واملعتدل فيام يتعلق باملوقف من مستقبل األرايض الفلسطينية التي احتلتها إرسائيل عام ويف اجلوهر يعرب هذا املوقف أيضا عن قلق من نوع خمتلف فاالحتفاظ باألرايض املحتلة يعني من مجلة ما يعني أن العامل الفلسطينيني سيتدفقون عىل سوق العمل اإلرسائييل ولو بأجور متدنية مما سيؤدي إىل حتويل الدولة اليهودية إىل دولة استعامرية واألسوأ من هذا السيناريو - وفقا ألنصار هذا االجتاه - حتول العرب الفلسطينيني يف املنطقة املمتدة من هنر األردن والبحر املتوسط إىل أغلبية وذلك نظرا ملعدالت الوالدة املرتفعة عند العرب الفلسطينيني. املشكلة يف هذا السيناريو- حسب منظريه - أن إرسائيل ستصب. دولة ثنائية القومية بحكم األمر الواقع ومن ثم ستتوقف عن كوهنا دولة هيودية. ولتجنب )46( أنظر Samuel Roberts, Party and Policy in Israel: The Battle Between Hawks and Doves (Boulder CO, and London: Westview Press, 1990), p. 6.

98 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 97 مثل هذا السيناريو الكارثي ال بد من إعادة األرايض الفلسطينية املحتلة من أجل مصال. إرسائيل اإلسرتاتيجية )47(. يف مقابل ذلك هناك اجتاه يرى يف احلل الوظيفي خمرجا وهؤالء هم جمموعة من السياسيني الذي ينظر إليهم بوصفهم أكثر صقورية من غريهم ومنهم موشيه دايان وشيمعون بريس وعدد من أعضاء فصيل أحدوت هعفودا الذين تبنوا مقوالت هذا االجتاه. لقد قام موشيه دايان بتأييد أصحاب املقاربة الوظيفية وذلك بسبب نظرته التشاؤمية فيام يتعلق بأفاق السالم مع األردن إذ قلل هؤالء من أمهية النظرية الديمغرافية ورأوا إمكانية حل هذه املشكلة من خالل رفع معدالت اهلجرات اليهودية إىل إرسائيل أو بوساطة من. سكان املناطق املحتلة املواطنة األردنية. وقاموا بالرتويج ألفكار من أجل رفع مستوى املعيشة لسكان املناطق املحتلة مثل دمج الضفة الغربية باالقتصاد اإلرسائييل حتى تكون هناك قابلية لالحتالل كام قام دايان وبوصفه وزيرا للدفاع بإطالق سياسة اجلسور املفتوحة مع األردن. وكانت هذه السياسة التي كانت مصممة لتعمل صامما للتخفيف من حدة الضغوط و سم. للفلسطينيني من خالهلا يف األرايض املحتلة )47( أنظر Yehuda Lukacs, Israel, Jordan, and the Peace Process (New York: Syracuse University Press, 1997), p. 41.

99 98 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي بأن يكونوا عىل اتصال مع إخواهنم يف األردن. غري أن أنصار االجتاه التصاحلي وحتديدا سابري كانوا قد اختلفوا مع دايان ووصفوا سياسته بأهنا تعرب عن مقاربة تنتج "ضام زاحفا" لألرايض املحتلة. يأيت اجتاه آخر بني هذين االجتاهني )التصاحلي والوظيفي( هو االجتاه األريض الذي يرى أن هناك رضورة إلعادة أجزاء من األرض املحتلة لألردن يف سياق معاهدة سالم. واملتحدث األساس هلذه املجموعة هو نائب رئيس احلكومة اإلرسائييل "إيغال ألون" الذي ينتمي إىل فصيل أحدوت هعفودا وكان ألون قد عرب عن آرائه ومواقفه فيام يعرف باسم "خطة ألون" وفيها حاول املوازنة بني احتياجات إرسائيل األمنية ومتطلبات احلفاظ عىل الطبيعة اليهودية للدولة )48(. ويعتقد مؤيدو هذه املدرسة أن األرض هي مكون حاسم ومتطلب رضوري لألمن وبالتايل حددوا األرض التي جيب أن حيتفظ هبا واألرض التي جيب أن تعاد لألردن يف إطار تسوية سلمية هنائية. هلذا السبب وبعد هناية حرب عام 1967 مبارشة قام ألون بطرح تصور قائم عىل بناء مستوطنات يف غور األردن واالحتفاظ برشيط عىل طوال هنر األردن والتنازل عن األرايض ذات الكثافة )48( انظر Gershon Kieval, Party Politics in Israel and the Occupied Territories (West Port, CT: Greenwood Press, 1983), p. 10

100 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 99 السكانية الفلسطينية مقابل معاهدة سالم. مل يتب ن حزب العمل خطة ألون لكن ال يمكن التقليل من شأهنا ألهنا كانت أساسا إلقامة املستوطنات حلكومات العمل قبل عام وكان هذا التصور يبح عن التعاون مع األردن ملنع إقامة دولة فلسطينية التي أصبحت جوهر ما يطلق عليه "اخليار األردين". كان موشيه دايان - يف ذلك الوقت واملتشددون يف احلكومة قد أصبحوا أقلية داخل حركة العمل ومع ذلك فقد كانوا يتمتعون بقوة أكرب بكثري من حجم متثيلهم قياسا باملعتدلني فلو قرر دايان ومن معه ترك احلكومة فإن االئتالف احلاكم كان سينهار وسيمن. فرصة أن يقود جبهة مكونة من غاهال ورايف. من هنا فإن دايان لو قرر ترك احلكومة فسيقلل من فرص العمل يف حتقيق انتصار انتخايب بسبب سجله العسكري الباهر. ومما زاد الطني بلة أن الغالبية املعتدلة يف حزب العمل مل يكن هلا حليف عىل يسارها يف اخلارطة احلزبية اإلرسائيلية لذلك كانوا خيشون أن يقوم دايان بانشقاق عن احلزب العتبارات االنتخابية بالدرجة األوىل )49(. ظهر للجميع يف أكثر من مناسبة خضوع حزب العمل لتهديدات دايان الضمنية بأنه سينشق عن احلزب إذا مل توافق األغلبية عىل آرائه. فقبيل انتخابات )49( املصدر نفسه ص. 77.

101 100 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي عام 1969 اضطر حزب العمل عىل التنازل والتجاوب مع مطالبه حني طالب باعتبار هنر األردن احلد األمني إلرسائيل. وخالل انتخابات عام 1973 أحرز نرصا كبريا آخر عندما أجرب حزب العمل عىل قبول ما يعرف باسم "وثيقة غالييل" لتكون جزءا من الربنامج االنتخايب للحزب وكانت تلك الوثيقة تنادي بتنمية االقتصاد والبنى التحتية يف األرايض الفلسطينية املحتلة وتقوية الروابط االقتصادية بني الضفة الغربية وإرسائيل وتشجيع تنمية املناطق اليهودية القروية واالستيطان يف املناطق السكانية يف غزة ووادي األردن. ونادت الوثيقة أيضا باالستمرار بسياسة اجلسور املفتوحة وكان ذلك ضد رغبة الغالبية املعتدلة داخل احلزب التي اضطرت للتنازل أمام إرصار األقلية املتشددة. إن استمرار الرصاع واالختالفات يف الرؤى واألفكار داخل حزب العمل ما كان هلا وحدها أن ترشح عدم قدرة إرسائيل عىل اختاذ قرار بشأن مستقبل األرايض املحتلة ولكي نصل إىل فهم كامل لسبب استمرار الوضع القائم يف الضفة الغربية آنذاك ال بد لنا من األخذ باحلسبان التحول يف العالقة التارخيية بني حزب العمل واحلزب الوطني الديني فقد شارك األخري يف كل احلكومات التي أقامها ورأسها حزب العمل منذ تأسيس الدولة حتى خسارة حزب العمل النتخابات عام والالفت أن احلزب الوطني الديني كان يركز وبشكل يكاد يكون حرصيا عىل األمور الداخلية والدينية وكان يف الوقت ذاته يتبع حزب

102 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 101 العمل يف قضايا السياسة اخلارجية واألمنية حتى عام فكان هبذا املعنى يقبل بكل قرارات حزب العمل يف القضايا اخلارجية واألمنية دون نقاش حقيقي غري أن احتالل إرسائيل لألرايض الفلسطينية عام 1967 أدى إىل إحداث تغري يف احلزب الوطني الديني فقد أصب. أكثر تطرفا وتشددا مما كان عليه يف السابق وأصب. يبح عن تأثري يف السياسة اخلارجية. تعرضت الرشاكة التارخيية مع حزب العمل للخطر وذلك بسبب تغري سياسة حزب املفدال نتيجة املتغريات داخل احلزب نفسه فعنرص الشباب يف حزب املفدال وهو العنرص األكثر تشددا أصب. أكثر تأثريا وأكثر فاعلية وكان أكثر اهتامما باالحتفاظ بالضفة الغربية )50( وكان خلوف قادة حزب املفدال من أن يستويل الشباب عىل مقاليد احلزب إن فشل يف العمل عىل إحباط أي حماولة إرسائيلية لالنسحاب من الضفة الغربية أو من أجزاء منها أثر كبري عىل أداء كبار احلزب. وبالتايل قامت قيادة احلزب بربط مشاركتها باحلكومة بتعهدها باالحتفاظ باألرايض املحتلة وتزامن هذه الربط مع تأسيس حركة غوش أيمونيم )50( لقد درس عدد كبري من جيل الشباب يف مركاز هراف يف القدس عىل يد احلاخام تسفي هيودا كوك وهو أبن احلاخام افرهام اسحق كوك. وقد خلف احلاخام تسفي كوك والده وتوىل مسؤولية ادارة املدرسة الدينية التي ضمت امللتزمني بااليدولوجية امليسيانية.

103 102 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي االستيطانية عام 1974 بوصفها مجاعة ضغط داخل احلزب )51(. وتستمد حركة غوش أيمونيم أيدلوجيتها من تعامل احلاخام تسفي هيودا كوك الذي أكد عىل أن اهلدف الرئيس للشعب اليهودي هو احلصول عىل اخلالص الروحي والفيزيائي عن طريق السكن واإلقامة يف أرض إرسائيل وبنائها )52( من هنا كان جل تفكري حركة غوش أيمونيم منصبا عىل االستيطان. مل يعد بإمكان حزب العمل نظرا هلذه التطورات أن حيصل عىل دعم املفدال بعد أن كان من املسلامت وبخاصة فيام يتعلق بتسوية سلمية مع األردن وهذا يبني سبب ربط حزب املفدال مشاركته بحكومة غولدا مائري بالتزام األخرية بعدم الدخول يف مفاوضات حول الضفة الغربية بعد انتخابات كانون أول عام 1973 وبعد أن أدركت مائري مركزية املفدال لتشكيل احلكومة خضعت ملطالب )51( أسست حركة غوش ايمونيم يف شهر اذار عام 1974 يف احتامع يف كفار عتصيون بالقرب من مدنية اخلليل الفلسطينية. وقد أسست احلركة كرد فعل عىل التنازالت التي قدمها رئيس الوزراء اسحق رابيه ملرص يف اطار اتفاق سيناء األول الذي وقع يف شهر يناير ومتتعت احلركة بدعم من حزب املفدال الذي هدد احلكومة بأن أي اتفاق فيه تنازل من ارايض الضفة الغربية سيكون سببا كافيا هلم للخروج من احلكومة وبالتايل امتثل رابني هلم النه مل يقوي من قبضته بعد عىل احلكم. )52( أنظر For more details, see Israel Shahak and Norton Mezvinsky, Jewish Fundamentalism in Israel (London: Pluto Press, 1999)

104 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 103 احلزب ورشوطه وكذلك قام رابني بنفس اليشء عندما شكل حكومته األوىل عام.1974 اختار رابني أن ال يتوصل إىل اتفاقية جزئية أو انتقالية مع األردن بسبب البيئة السياسية املتقلبة التي صادفت توليه سدة احلكم عام 1974 فاملعارضة الداخلية للتسوية يف الضفة الغربية وبخاصة معارضة حزب املفدال واألعضاء املتشددين يف حزب العمل كانت قوية جدا. فأي تسوية مع األردن كان من شأهنا أن تبعد حزب املفدال. لذلك استبعد رابني أي تسوية مع األردن بعد حرب عام 1973 ألسباب تتعلق بالبقاء السيايس بالرغم من طلب هنري كيسنجر االنسحاب من أرحيا لصال. األردن يف سياق اتفاق فك االشتباك كام جرى عىل اجلبهتني املرصية والسورية. وبالطبع كان هناك خالفات شخصية بني أعضاء الوفد اإلرسائييل املفاوض ما جعل املفاوضات مع األردن تسري من دون هدف واض.. ويف الوقت ذاته رأى وزير الدفاع شيمعون بريس الذي كان يمثل وجهة النظر الوظيفية السالفة الذكر عدم رضورة التوصل التفاق دائم مع األردن ألن إرسائيل واألردن حافظتا عىل تفاهم ضمني إلدارة الضفة الغربية واحلياة اليومية فيها. من هنا أيد شيمعون بريس االستمرار يف الوضع القائم ورأى أن بإمكان األردن وإرسائيل التوصل إىل معاهدة سالم دائمة إذ مل يعد الوضع القائم قابال

105 104 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي للصمود )53(. ويف مقابل ذلك كان ألون يفضل أن تتوصل حكومة بالده إىل اتفاق مع األردن إذ يرى أن اتفاقية كهذه يمكن هلا أن تساعد يف منع اجليوش العربية من التجمع عىل طريف هنر األردن وجتنب حرب بني البلدين. وقد كان رابني يؤيد اتفاقا مع مرص ويرفض يف الوقت ذاته أن ينسحب من الضفة الغربية وكل ما قدمه لألردن آنذاك هو مسؤولية اإلدارة املدنية للضفة الغربية وألنه مسكون بالتنافس مع شيمعون بريس كان خيشى من أن أي تنازل يقدمه لألردن سيقوي من موقع شيمعون بريس ومكانته السياسية وكنتيجة لذلك فإن املفاوضات واملحادثات مع األردن وعىل نحو غري مفاجئ فشلت. كانت االعتبارات الداخلية وأولويات قيادة حزب البقاء يف العمل السيايس قد عصفت بالفرص املتاحة لصنع السالم مع األردن رغم أن األخري احتل مكانة تارخيية ومركزية يف سياسة احلزب وقد حافظ عىل شعار اخليار األردين. فاحلكومات املتعاقبة مل تقدم لألردن أي عرض جدي يمكن أن جيعل من اخليار األردين إمكانية حقيقية. كام أن امللك حسني وض. لإلرسائيليني يف جل لقاءاته الرسية معهم عدم وجود ما جيرب األردن عىل أن يوقع معاهدة سالم إال إذا وافقت إرسائيل عىل إعادة األرايض التي فقدها يف احلرب. Yehuda Lukacs, op. cit., p. 130 )53( أنظر

106 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب مع صعود اليمني "امليسياين" بعد حرب عام مل يعد ممكنا للحكومات اإلرسائيلية أن تسري بإرسائيل عىل طريق السالم مع األردن فحزب العمل بدأ يفقد هيمنته عىل السياسة يف إرسائيل وبالتايل طرأ تغيري كبري عىل مكانة األردن وأمهيته يف احلسابات اإلرسائيلية. ففي عام 1977 وصل حزب الليكود إىل احلكم يف إرسائيل مما أحدث خوفا وهواجس يف كل اإلقليم. الليكود واألردن شكلت خسارة حزب العمل موقعه املهيمن يف صناعة السياسة اخلارجية اإلرسائيلية يف النصف الثاين من السبعينات خيبة أمل لدى امللك حسني فاالنتخابات اإلرسائيلية التي جرت يف عام 1977 شكلت انقالبا سياسيا كبريا بعد أن أصب. مناحيم بيغن وللمرة األوىل رئيسا حلكومة إرسائيل من خالل تشكيل حكومة يمينية. ومن املعروف أن الليكود مل يكن ملتزما بالبقاء السيايس للنظام اهلاشمي يف عامن عىل العكس من حزب العمل. ومما زاد من الطني بلة أن بيغن شخصيا كان معروفا عنه انتامؤه لأليدولوجيا الصهيونية التنقيحية التي كانت ترى األردن جزءا ال يتجزأ من "أرض إرسائيل" وكان من أشد املؤمنني بتعاليم جابوتنسكي وكان عنده اعتقاد قوي بفكرة احلق التارخيي لليهود يف كل فلسطني ويرى أن الضفة الغربية كانت أرض هيودا والسامرة وهي هبذا املعنى تشكل قلب

107 و. 106 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي األرض التوارتية إلرسائيل ومن هنا مل يكن أمرا غري طبيعي أن يطرح جانبا خطة األمم املتحدة لتقسيم فلسطني التي أقرت عام 1947 أو اتفاقية اهلدنة مع األردن التي توصلت إليها إرسائيل يف أبريل 1949 فوق ذلك يف حرب عام 1948 كان يرى أن عىل إرسائيل حترير الضفة الغربية من األردن فبعد مرور يوم واحد فقط عىل قرار إعالن إقامة دولة إرسائيل قال ساخطا: "سوف نتذكر أن الوطن مل يتحرر بعد" )54( وأضاف قائال: "يشكل الوطن كيانا واحدا من الناحية التارخيية واجلغرافية وكل من خيفق يف االعرتاف بحقنا بكل الوطن ال يعرتف بحقنا بأي جزء منه لن نسلم أبدا بحقنا الطبيعي واألبدي وسوف نحمل رؤية التحرير الشاملة" )55 ). وانسجاما مع مقوالته بخصوص األردن واحتجاجه عىل اتفاقية اهلدنة تقدم بمرشوع حجب الثقة عن حكومة ديفيد بن غوريون )56(. )54( أنظر Ilan Peleg, Begin s Foreign Policy, : Israel s Move to the Right (New York: Greenwood, 1987), p. 27. )55( أنظر Menachem Begin, The Revolt (New York: Dell Publishing Co., Inc., 1977) (Originally published 1951), pp )56( املصدر نفسه ص. 31.

108 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 107 إن من الرضوري أن نبني كيف تطورت تصورات حزب الليكود جتاه األردن خالل القرن العرشين من أجل فهم أفضل ملوقفه جتاه األردن ففي البداية رفضت احلركة الصهيونية التنقيحية التي تشكل األساس الفكري واأليدولوجي للحزب أن تعرتف بقرار عصبة هيئة األمم لعام 1922 الذي بموجبه تم استثناء األردن من وعد بلفور. ويمكن مالحظة هذا الرفض يف شعار حريوت املكون الرئيس يف يظهر يدا إذ احلزب حتمل بندقية ممتدة عىل خارطة تضم األردن وفلسطني كام أن نشيده يقول: "لألردن ضفتان هذه لنا واألخرى أيضا" )57( ولذا فإن اتباع هذا اخلط األيدولوجيي والفكري يؤدي إىل أن األردن مكون أسايس من أرض إرسائيل التي جيب حتريرها. لقد جعل حزب حريوت هدف إقامة إرسائيل الكربى جزءا من الوثيقة التأسيسية له وهي الوثيقة التي أكدت عىل أن "الوطن العربي الذي متتد أراضيه عىل ضفتي هنر األردن هو وحدة تارخيية وجغرافية واحدة" كام أن "دور اجليل احلايل هو استعادة السيادة اليهودية عىل هذه األجزاء من الوطن التي انتزعت منه )57( أنظر Robert Bookmiller, Likud's Jordan policy, Middle East Policy - September 1, 1997, p. 91.

109 108 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي ومنحت حلكم أجنبي" )58 ) فعندما أعلنت األردن الوحدة بني الضفة الرشقية والضفة الغربية والقدس الرشقية يف بداية اخلمسينات اشتاط بيغن غضبا وعرب عن امتعاضه من القرار وأدان ردة فعل بن غوريون ألنه مل يقم بأي عمل ملنع األردن من ضم الضفة الغربية وعد صمته موافقة ضمنية عىل ما قام به األردن وهبذا املعنى رأى بيغن أن موقف إرسائيل يعكس استسالما وكأنه "ميونخ" أخرى. واستمر مع حزب حريوت يف الضغط عىل احلكومة اإلرسائيلية الحتالل األردن خالل اخلمسينات )59(. أ تد التطورات اإلقليمية واإلرسائيلية الداخلية مع مرور الوقت إىل أن يتبنى حزب حريوت مواقف أقل حدة عىل املستوى األيدولوجي وأدرك بيغن ورفاقه يف احلزب أنه ال يمكن هلم أن يكونوا مؤثرين يف صناعة السياسة اخلارجية اإلرسائيلية إال إذا ابتعدوا عن التخندق يف مواقفهم اليمينية واأليدولوجية. فاحلاجة السياسية خللق متطلبات بناء حتالف مع أحزاب سياسية أخرى دفعت )58( أنظر Herut document quoted in Sasson Sofer, Begin An Anatomy of Leadership (New York: Basil Blackwell Ltd, 1988), p )59( أنظر Mohammad Ibrahim Faddah, The Middle East in Transition; A Study of Jordan's Foreign Policy (New York: Asia Publishing House, 1974), pp

110 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 109 حزب حريوت لتبنى مواقف أقل تشددا جتاه األردن ففي عام 1965 اندمج حزب الليكود مع "الصهاينة العامة" مشكلني بذلك كتلة غاهال وهي خطوة دفعت حريوت ألن يتوقف عن إرصاره عىل احتالل األردن. لقد أدرك بيغن أن شعار "عامن جيب أن تكون لنا" مل يكن شعارا واقعيا مع أنه كان من غالة األيدولوجيني. وبالتايل أسقط حزب حريوت من تصوراته األيدولوجية فكرة أن األردن جزء من أرض إرسائيل. وانسجاما مع هذا التوجه السيايس واأليدولوجي اجلديد غري حريوت من إسرتاتيجيته وبدأ ينظر إىل األردن بوصفها جزءا من فلسطني. أحدثت حرب عام 1967 تغيريا جذريا يف مقاربة احلركة لألردن ففي أعقاب احلرب أصب. حزب حريوت قانعا بغنائم احلرب املتعلقة باحلدود ومكتسباهتا وبخاصة عندما احتلت إرسائيل القدس الرشقية والضفة الغربية. والواقع أن نتيجة احلرب أعطت حزب حريوت دفعة جعلته يؤيد السياسات التي تساعد عىل إحكام قبضة إرسائيل عىل األرايض املحتلة ومن هنا جاءت مشاركته يف حكومات الوحدة الوطنية منذ عام 1967 حتى عام 1970 من أجل حتقيق هدف واحد هو منع احلكومة من التوصل إىل أي تسوية تستلزم تنازال عن األرض الفلسطينية لصال. األردن.

111 و. 110 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي مل يكن األردن مرتاحا حتى مع التطور النوعي يف موقف حزب حريوت ثم والليكود الحقا فهناك بعض الدوائر يف حزب الليكود وبعض الشخصيات املؤثرة أمثال أرئيل شارون وإسحاق شامري وبنيامني نتنياهو متسكوا بفكرة أن األردن هو فلسطني. وعندما حدث صدام مسل. بني اجليش األردين ومنظمة التحرير الفلسطينية يف سبتمرب 1970 قال شارون الذي كان ضابطا يف اجليش اإلرسائييل: إن اإلطاحة بالنظام اهلاشمي وإقامة دولة فلسطينية يف األردن هو يف صال. إرسائيل. فمثل هذا التغيري وفقا لشارون من شأنه أن حيول الرصاع من رشعية وجود إرسائيل إىل رصاع عىل احلدود )60( مل يغري شارون من هذا املوقف عندما أصب. وزيرا للدفاع يف حكومة بيغن الثانية وعندما شن حرب لبنان عام 1982 كانت خطته العسكرية مصممة لتحقيق هدف تغيري النظام اهلاشمي واستبداله بنظام فلسطيني. فكان هناك هدف خمفي من احلرب عىل لبنان وهو خلق مشكلة الجئني بعد أن يتدفق الفلسطينيون من لبنان إىل األردن تعمل عىل إهناء النظام اهلاشمي يف عامن مرة واحدة وإىل األبد. فكان شارون يأمل أن يشكل )60( أنظر Ariel Sharon with David Chanoff, Warrior: An Autobiography (New York: Touchstone, 1989), p. 247.

112 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 111 ضغط تدفق الالجئني حتوال ديمغرافيا من شأنه أن يقوض أركان النظام اهلاشمي يف األردن وسيتحول وفق هذا السيناريو إىل وطن بديل للفلسطينيني. وما من شك يف أن إرصار شارون عىل أن األردن هو فلسطني ما هو إال لتربير ضم إرسائيل املحتمل للضفة الغربية. وحتى إسحاق شامري كان له موقف مشابه ملوقف شارون وبالفعل كتب شامري يف جملة الفورين افريز قائال: "الدولة التي تعرف اليوم باسم اململكة األردنية هي جزء ال يتجزأ مما كان يوما يعرف باسم فلسطني )وتشكل األردن %77 من فلسطني( فسكان األردن هم فلسطينيون ال خيتلفون يف لغتهم وثقافتهم وديانتهم وتركيبتهم الديمغرافية عن الفلسطينيني... وأنه ملن سخريات القدر أن تسمى هذه الدولة اململكة األردنية وليس اململكة الفلسطينية" )61(. هذا التوصيف األيدولوجي للحركة التنقيحية ممثلة بفكر الليكود لعب دورا مهام يف تشكيل تصورهم للمجتمع والسالم وهو تصور كان خمتلفا اختالفا جذريا عن تصورات حزب العمل. لقد من. حزبا العمل والليكود مسألة األمن اهتامما بالغا لكنهام نظرا إليها بشكل خمتلف مما أدى إىل تكوين اجتاهات خمتلفة يف )61( أنظر Yitzhak Shamir, Israel Role in a Changing Middle East, Foreign Affairs, vol. 60, no. 4 (Spring 1982) p. 791.

113 112 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي السياسة اخلارجية للحزبني. فحزب العمل امتاز بنوع من الربغامتية ووضع قيمة األمن قبل األرض ويف املقابل فإن الليكود كان ملتزما بأيدولوجية تعيل من قيمة األرض عىل حساب قيم أخرى مثل السالم )62(. إن حزب الليكود عند الربفسور اإلرسائييل شلومو أفنريي يمثل املدرسة التي هتتم بالتوسع واحلصول عىل مزيد من األرض. وهبذا املعنى فإن احلزب كان مدفوعا بأيدولوجيا أفضت إىل سياسة استيطانية هجومية يف األرايض الفلسطينية املحتلة )63( وهدفت هذه السياسة من مجلة ما هدفت إليه خلق واقع عىل األرض عىل شكل مستوطنات التي بدورها ستمنع أي حكومة عاملية مستقبلية من تنفيذ معادلة األرض مقابل السالم مع األردن أو حتى مع الفلسطينيني )64 ). فغالبية اإلرسائيليني تنظر إىل هذه املستوطنات عىل أهنا حقائق ال يمكن الرتاجع عنها أو )62( أنظر Avi Shlaim, Israel politics and Middle East Peace Making,Journal of Palestine Studies, Vol. 24, No. 4, (Summer 1995), pp , p. 21. )63( أنظر Shlomo Avineri, ideology and Israel s foreign policy, The Jerusalem Quarterly, Vol. 37 (1986), p. 6. )64( أنظر Valarie Yorke, Domestic Politics and Regional Security: Jordan, Syria, and Israel, the End of an Era (Aldershot: Gower, 1988), p. 189.

114 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 113 تغيريها وهذا االعتقاد الراسخ لدهيم هو أمر ورثوه عن ثقافة ما قبل قيام الدولة حي كان يعتقد قادة "اليشوف" بأن حدود الدولة ترسمها املستوطنات. ومنذ أن توىل السلطة يف إرسائيل يف عام 1977 مل يتبن الليكود موقفا رسميا علنيا يف العالقة مع األردن. ومع هذا كان هناك بعض الدوائر املؤثرة يف احلزب والسياسيني مثل إسحاق شامري عدت األردن مفتاحا حلل الرصاع. وكان أمل هذه الشخصيات أن يستويل الفلسطينيون عىل األردن وإقامة دولة هلم يف رشق األردن وقد أيدت هذه الدوائر قيام الفلسطينيني بمامرسة حقوقهم السياسية يف األردن. أيد شارون اجلهود التي كان نتنياهو يبذهلا يف الواليات املتحدة خللق انطباع بأن األردن هو فلسطني وذلك عندما كان شارون وزيرا للخارجية يف حكومة بيغن وأيضا عندما أصب. رئيسا للوزراء فخالل الثامنينات قام نتنياهو الذي كان يشغل نائب رئيس البعثة الدبلوماسية يف السفارة اإلرسائيلية بواشنطن بإنشاء شبكة من اللجان التي كانت تسمى جلان "األردن هو فلسطني" وذلك من أجل أن تقوم بتوزيع شعارات حول هذه الفكرة خارج إرسائيل )65 ). وجاء )65( أسست جلان "األردن فلسطني" يف اسرتاليا والربازيل وكندا واملانيا وفرنسا وهولندا واملكسيك ونيوزلندة وجنوب افريقيا وكوريا اجلنوبية والسويد واململكة املتحدة والواليات املتحدة. وكانت مقاالت نتنياهو حول هذا املوضوع تنرش يف منشورات هذه اللجان.

115 114 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي تأسيس هذه اللجان يف بلدان خمتلفة من أجل مواجهة اجلهود العربية التي كانت هتدف إىل متكني الفلسطينيني ومنحهم حقهم يف تقرير مصريهم. واستند عمل اللجان إىل أربع فرضيات أساسية تم توظيفها لنرش الفكرة وإقناع اآلخرين بأسطورة أن األردن هو فلسطني. وهذه الفرضيات هي: إن األردن هو جزء من فلسطني التارخيية. ثانيا ال خيتلف األردنيون عن الفلسطينيني من ناحية اللغة والدين والثقافة. ثالثا االنتداب عىل فلسطني يف نسخته األصلية كان يضم رشق األردن وفلسطني وبالتايل فإن حل الدولتني قد حتقق بقيام إرسائيل واألردن. وأخريا ركزت اللجان عىل أن قادة فلسطني واألردن يتحدثون عن الفلسطينيني واألردنيني بوصفهم شعبا واحدا )66(. قامت هذه اللجان بنرش شعارات مثل "الشعبان حيتاجان دولتني وليس ثالث" أو "اجلدران اجليدة تصنع جريانا طيبني" ومن ثم فإن هنر األردن هو اجلدار لألمن والسالم. وخالل الثامنينات والنصف األول من التسعينات كانت هذه املقولة أو لنقل الرواية هي السائدة أساسا حلل النزاع العريب اإلرسائييل. وكان كبار )66( أنظر Daniel Pipes and Adam Garfinkle, "Is Jordan Palestine?" Commentary, October 1988, pp

116 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 115 قادة الليكود أمثال شارون ونتنياهو وبني بيغن وموشيه أرنس وغريهم ناشطون يف الرتوي. لشعار "األردن هو فلسطني." قاتل حزب الليكود برضاوة خالل الثامنينات ملنع أي حل سيايس مع األردن ولذا فقد توصل األردن إىل نتيجة مفادها أن هدفه يف منع إقامة دولة فلسطينية ال يعني أنه قادر عىل منع الليكود من ضم الضفة الغربية. وكام ذكرنا سابقا فقد قام األردن بفك االرتباط اإلداري والقانوين مع الضفة الغربية ونتيجة لذلك فقد شعار اخليار األردين أمهيته ورونقه. وكان لقرار امللك حسني بفك االرتباط القانوين واإلداري أثر يف إحداث نقلة يف مواقف كل من الليكود والعمل. إذ أخذت مقولة اخليار الفلسطيني تزحف بقوة يف أوساط حزب العمل يف حني بدأ الليكود يرى يف األردن رشيكا ملنع إقامة دولة فلسطينية يف األرايض الفلسطينية. إن تعنت حزب الليكود يف املوقف من عملية السالم أضعفه يف مطلع التسعينيات وهو ما أفىض إىل خسارة احلزب انتخابات عام 1992 وفقد تأثريه يف السياسة اخلارجية. فسياسة شامري وحلفاؤه يف الليكود التي مل تقبل التنازل عن إنش واحد انتهت وحل حملها اخليار الفلسطيني الذي تبناه رابني عندما توىل احلكم عام 1992 وبعد أن أصب. الليكود يف املعارضة قام حزب العمل بتوجيه دفة السياسة اخلارجية يف اجتاه خمتلف ملا كان عليه األمر إبان حكم الليكود. ففي

117 116 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي سبتمرب عام 1993 قام رابني وعرفات بتوقيع اتفاق أوسلو وقاما باملصافحة الشهرية يف حديقة الورود أمام البيت األبيض. وكان هلذا االتفاق أثر كبري يف إرسائيل بحي اعترب كبار قادة حزب الليكود اتفاق أوسلو املوقع بني إرسائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية جريمة ضد الصهيونية. وهلذا فإن حزب الليكود عارض االتفاق وأطلق املة ضده وضد مهنديس االتفاق وهو ما الذي خلق أجواء من التحريض انتهت بمقتل رئيس الوزراء رابني. يف أعقاب أوسلو قام حزب الليكود بإعادة النظر يف سياسته اخلارجية جتاه األردن. وقام نتنياهو بالنأي بنفسه عن شعار األردن هو فلسطني ورمى بثقله داعام اتفاقية السالم األردنية اإلرسائيلية. ووفقا لنتنياهو فإن شعار األردن هو فلسطني "يمكن أن يكون موقف بعضهم يف املايض لكنه مل يكن أبدا موقفا رسميا حلزب الليكود. وهو أيضا ليس املوقف الرسمي أو غري الرسمي للحزب اليوم... أنا مؤمن بأن القضية الفلسطينية جيب أن حتل يف إطار دولتني: األردن وإرسائيل... ونحن ننظر إىل استقرار األردن وحكومته بوصفه ركنا أساسيا يف السياسة اخلارجية للحزب ويمكن أن أقول أن هذا ينطبق عىل السياسة اخلارجية اإلرسائيلية" )67(. )67( مقابلة مع صحيفة الستار االردنية متوز 1994.

118 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 117 لقد صوت الكنسيت اإلرسائييل عىل اتفاقية السالم مع األردن فمن بني 120 عضوا أيد االتفاقية 105 أعضاء ومل يصوت ضدها إال أعضاء احلزب اليميني املتطرف موليدت )68 ) لكن بعد ثالثة أيام من تصويت الكنيست عىل االتفاقية كتب شارون مقاال يف صحيفة يديعوت أحرنوت ليرشح سبب عدم قدرته عىل دعم اتفاقية السالم مع األردن إذ يرى أن املادة التاسعة من معاهدة السالم التي اعرتفت بحق األردن يف األماكن املقدسة يف القدس كانت سببا رئيسا المتناعه عن التصويت لصال. املعاهدة. ومع ذلك فقد فرح كبار املسؤولني يف األردن بعد أن علموا أن حزب "الليكود" صوت لصال. املعاهدة فذلك يعني لألردن نوعا من إضفاء الرشعية لوجودها ولذلك رحبوا هبذا التغيري يف موقف حزب الليكود. ومن نافلة القول أن نقول: كان هناك انطباع سائد يف األردن يرص عىل أن حزب الليكود كان يسعى لطرد الفلسطينيني )ترانسفري( جتاه األردن وكان ذلك كابوسا طارد امللك حسني ملدة مخسة عرش عاما أي منذ تويل الليكود احلكم عام )68( مخسة من أصل ستة اعضاء كنيست امتنعوا عن التصويت عىل املعاهدة هم من اعضاء الليكود وهم: دوف شيالنسكي ومايكل ايتان ورون نحامن وارئيل شارون وليمور ليفانت.

119 118 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي سعى بنيامني نتنياهو )الذي أصب. زعيام حلزب الليكود خلفا لشامري إىل استغالل معاهدة السالم مع األردن لتقويض عملية أوسلو. وهنا اعتقد نتنياهو أن ثمة مصلحة مشرتكة بني األردن وإرسائيل ملنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة إذ يرى أن دولة فلسطينية مستقلة ستكون واحدة ذات نزعة حتررية وستشكل خطرا عىل كل من األردن وإرسائيل. ووفقا هلذا التفكري فإن "من الواجب عىل األردن وإرسائيل أن يتعاونا لقمع املطالب التحررية لدى الفلسطينيني وللتوصل إىل اتفاق اسرتاتيجي يتعلق بيهودا والسامرة إلجياد رابط بني سكاهنام واألردن" )69( وقد استمر "نتنياهو" يف كيل املدي. لألردن بوصفه أنموذجا ملا ينبغي أن يكون عليه السالم. بالرغم من مقوالت نتنياهو فإن امللك حسني شعر باإلحباط الشديد بسبب إخفاق األول االستمرار يف نفس سياسات رابني. فكان سلوكه وترصفاته خالل فرتة حكمه األوىل موجهة كام يرى للملك حسني لذلك فشهر العسل يف العالقات بينهام كان قصري املدى. ويف وقت قيايس متكن نتنياهو من التمهيد لسالم بارد بني اجلانبني )سنتناول هذه النقطة عىل وجه التحديد يف الفصل الرابع( مما شكل هتديدا حللم امللك حسني بالسالم. Robert Bookmiller, Likud s Jordan Policy. )69( ملزيد من التفاصيل أنظر

120 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 119 خامتة: صعود اخليار الفلسطيين عند حزب العمل يتبني لنا من خالل التقديم يف هذا الفصل لكيفية تطور األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي وكيفية تطور األمر وفقا للمصال. اإلرسائيلية أن هناك مسألة واحدة ال بد من التوقف عندها وهي أن اإلرسائيليني من خمتلف أطيافهم السياسية جيمعون عىل هدف احلفاظ عىل دولة هيودية. بمعنى آخر إن سياستهم تستند إىل رضورة احلفاظ عىل حتقيق الغالبية اليهودية يف إرسائيل وهذا هو اإلطار الذي جيمع عليه الصهاينة من أقىص اليسار إىل أقىص اليمني. ومع ذلك فإن هذا اإلطار املوحد لليهود يف إرسائيل ال يفيض بالرضورة إىل اسرتاتيجية موحدة جتمع اليهود يف أحزاهبم السياسية املختلفة فيام يتعلق باألردن واألرايض الفلسطينية املحتلة. ففي كثري من املناسبات - كام بني الفصل يعمل السياسيون بشكل مضاد لبعضهم وبالفعل فالتنافس الدائم بني رابني وبريس وبني دايان وألون أحدث شلال يف عمل األحزاب مما أفىض إىل نوع من اجلمود يف سياسة إرسائيل اخلارجية جتاه األردن واألرايض الفلسطينية املحتلة. بذل األردن جهودا مضنية الستعادة األرايض التي فقدها بعد حرب عام 1967 لكن بدون فائدة فجهود امللك حسني إلقناع قادة حزب العمل برضورة صنع السالم مع األردن قبل فوات األوان ذهبت أدراج الرياح. ووضع قادة حزب العمل باللوم عىل اجلانب العريب من خالل إرصارهم عىل أنه مل يكن هناك رشيك

121 120 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي عريب راغب وقادر عىل إجراء مفاوضات سالم مع إرسائيل )70( ومع ذلك يتض. أن لعبة إلقاء اللوم عىل اجلانب العريب ما هي إال سحابة دخان ختفي خلفها عدم قدرة احلكومات اإلرسائيلية املتعاقبة عىل التوصل إىل حسم النقاش واجلدل املوروث يف احلركة الصهيونية واملتعلق بحدود الدولة. لقد تبنى حزب العمل شعار اخليار األردين بدون أن يكون لديه القدرة عىل ترمجته إىل واقع لألسباب السالفة ولذا بقي شعارا ال يمكن أخذه عىل حممل اجلد. مل يستغرق الوقت طويال حتى توصل امللك حسني إىل نتيجة دفعته إىل فك االرتباط اإلداري والقانوين مع الضفة الغربية عام 1988 وهي اخلطوة التي جعلت من شعار اخليار األردين شعارا من دون جاذبية. لذلك ذهب حزب العمل إىل انتخابات عام 1988 دون أن يكون لديه شعار للسالم أو شعار يعكس سياسته جتاه األرايض املحتلة. وحتى الثامنينات من القرن املايض سيطر عىل حزب العمل جمموعة قليلة من القادة النافذين واحلدي هنا عن بريس ورابني وهو ما جعل من احلزب تنظيام تراتيبيا ترتكز فيه السلطة بيد عدد قليل من القادة. وكان القادة يف وضع مكنهم دائام من حتديد من يصب. مرشحا النتخابات الكنيسيت )70( عن هذه النقطة أنظر Yossi Beilin, Israel: A Concise Political History (New York: St Martin s Press, 1992).

122 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 121 وذلك عن طريق أكثر املرشحني والء هلم من جلنة الرتشي.. إذ تقوم جلنة الرتشي. بإعداد قائمة املرشحني ومن ثم توافق عليها اللجنة املركزية للحزب. وهذه الطريقة كانت تضمن اختيار املرشحني الذين يتميزون بعالقة زبائنية مع كبار القادة وبذلك لن تكون ألي سيايس فرصة الرتش. بدون أن يكون منتميا هلذا املعسكر أو ذاك أو أن يكون يف عالقة زبائنية مع هذا القائد أو ذاك. مع اهنيار نظام الفصائل املكونة حلزب العمل بعد عام 1974 ظهر معسكران حول قائدين مها بريس ورابني وأصب. زعيم كل معسكر يكاف. من أجل أن يضمن أن زبائنه وأتباعه يصلون إىل أماكن متقدمة يف قائمة الرتشي. حتى يضمن نجاحهم يف االنتخابات من أجل تقوية مكانتهم بني النخب. ونتيجة هلذه العالقة الزبائنية مل يكن من املتخيل أن يقوم التابع باإلفصاح عن تفضيالته السياسية إذا كانت ختتلف مع قائد املعسكر دون املخاطرة بفقدان فرصه يف االنتخابات. ومع ذلك فبعد إدخال اإلصالحات السياسية الداخلية يف حزب العمل حترر الزبائن من سطوة قادة املعسكرات وأصب. لدهيم القدرة عىل البح عن تغيري أيدولوجي. ويف كثري من األحيان كنا نشاهد أن قائد املعسكر يقوم بتغيري موقفه ليتناسب مع املطالب املتزايدة للزبائن يف التغيري. فمثال أصب. بريس"هيتم بآراء يويس بيلني الذي كان ينظر إليه عىل أنه أهم تابعيه. وهذا التغري ساعد احلزب ألن يتبنى مقاربة معتدلة يف العالقة مع الفلسطينيني. فالشباب أمثال بيلني وافرهام

123 122 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي بورغ وحاييم رامون تبنوا اخليار الفلسطيني. ولعل هذا التطور هو الذي دفع حزب العمل ليرتك اخليار األردين لصال. اخليار الفلسطيني. يعد صعود الليكود إىل سدة احلكم عام 1977 عالمة فارقة يف تاريخ السياسة اإلرسائيلية بكل املقاييس وزاد ذلك من شأن األيدولوجيا بشكل واض. يف صناعة السياسة اإلرسائيلية. فالليكود حتت قيادة بيغن ومن بعده شامري كان مدفوعا بأيدولوجيا صهيونية يمينية ترى يف الضفة الغربية والقدس الرشقية جزءا رئيسا من أرض إرسائيل التوراتية. والرتمجة العملية ملثل هذه األيدولوجيا هو إنشاء مزيد من املستوطنات يف قلب الضفة الغربية ذات الكثافة السكانية العالية فكان الشعار هو إقامة أكرب عدد ممكن من املستوطنات أينام كان ذلك ممكنا. كام قلنا من قبل فإن اهلدف الرئيس من مشاركة الليكود يف احلكم كان ملنع حكومات العمل املستقبلية من تقديم تنازالت يف األرايض لصال. األردن حتى لو كان ذلك يف سياق إبرام معاهدة سالم شاملة. فالسالم عند الليكود كان تعبريا خمففا وملطفا لتقديم إرسائيل التنازالت يف األرض. إضافة إىل ذلك فقادة الليكود الذين تبنوا سياسة عدم التنازل حتى عن إنش واحد يمقتون الديمقراطية إذا كانت ستفيض إىل تنازالت يف األرايض مقابل السالم. حتى عرب إرسائيل مل يكن ينظر اليهم عىل أهنم مواطنون كاملو املواطنة لذلك جيب أن حيرموا من املشاركة يف صنع القرارات املتعلقة باألرض والسالم. لقد غضب حزب الليكود

124 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 123 كثريا عندما ساعد أعضاء الكنيست العرب "رابني" يف أن يكون له أغلبية برملانية بعد انتخابات عام 1992 وبالفعل عرب عن هذه املشاعر شارون عندما كتب مقاال نرش يف صحيفة يديعوت أحرنوت يف الثال من يوليو 1992 وقال فيه: "االنقالب السيايس احلقيقي يف دولة إرسائيل مل حيدث يف عام 1977 ولكن يف عام 1992 فعندما صعد الليكود كان ذلك يعني أن حزب الليكود حل حمل كتلة هيودية سياسية أخرى. لكن يف عام 1992 حدث يشء خمتلف متاما وهو أمر مقلق وخميف فألول مرة يف تاريخ دولة إرسائيل حتدد األقلية العربية وبخاصة األقلية املعادية للصهيونية من حيكم إرسائيل ومن حيدد مستقبلها" )71(. يمكن القول أن اخلالفات اجلوهرية بني العمل والليكود كانت حول قيمة األرض فحزب العمل عد أي تنازل لألردن يف األرض مقابل السالم أمرا من شأنه أن حيافظ عىل طبيعة إرسائيل الديمقراطية واليهودية لذلك فإن إرصار العمل عىل التسوية التي يتخللها تنازل يف األرايض ما هو إال اعرتاف باملخاوف الديمغرافية التي شكلت كابوسا مقلقا هلم فلم يكن أمامه إال اختيار شعار اخليار األردين. أما الليكود فلم يكن يعري املقولة الديمغرافية كثريا من االهتامم وأرص عىل أن إلرسائيل احلق التارخيي يف السيادة عىل الضفة الغربية والقدس الرشقية )71( يديعوت أحرنوت 3 متوز 1992.

125 124 األردن يف تفكري إرسائيل االسرتاتيجي وقطاع غزة. بمعنى أن الليكود من. قيمة األرض مكانة عالية سبقت كل القيم األخرى بام فيها السالم. رسمت احلكومات اإلرسائيلية املتعاقبة اجتاها يف سياستها للصدام مع األردن سواء بتخطيط أو بدونه )املزيد عن ذلك يف خامتة الكتاب(. وعىل نحو ال خيلو من املفارقة بدأ كثري من االسرتاتيجيني اإلرسائيليني يطرحون فكرة اخليار األردين من جديد بوصفه سيناريو حلل الرصاع الفلسطيني اإلرسائييل. وكام سنرى يف الفصل القادم وكذلك يف خامتة الكتاب فإن مثل هذا السيناريو سيكون كارثيا عىل مصال. األردن وغري مرغوب فيه من الغالبية الساحقة من أبناء الشعب األردين.

126

127 126 الفصل الثال : الفصل الثالث: معضلة األردن اإلسرائيلية تقديم يرى امللك عبداهلل الثاين يف كتابه "فرصتنا األخرية" أن "كل واحد يف اإلقليم خيشى بأننا سنبتىل بحرب أخرى مدمرة... والسياسة اإلرسائيلية هي السبب الرئيس هلذا الواقع القاتم" )72(. وبكل تأكيد فإن هذا الرأي يتبناه آخرون غري امللك عبداهلل فهناك غالبية ساحقة من األردنيني تتفق مع املقولة التي تفيد بأن السياسات اإلرسائيلية تشكل التهديد األكرب لألردن. فاألردنيون سواء الشعب أو الرسميون ال يثقون بإرسائيل وهناك خماوف قوية من السياسات اإلرسائيلية تعكسها الصحافة األردنية فنظرة رسيعة عىل الصحف اليومية واملواقع اإلخبارية يف األردن حتى بعد توقيع معاهدة السالم تكشف أن املخاوف من السياسات اإلرسائيلية وعواقبها هي حقيقية ومنترشة يف كل مكان. فمثال خالل السنوات )72( أنظر King Abdullah II of Jordan, Our Last Best Chance: The Pursuit of Peace in a Time of Peril (New York City: Viking Press, 2011).

128 و. األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 127 الثالث األخرية امتألت الصحافة األردنية بمقاالت حتذر من سياسات إرسائيل ومشاريعها ألهنا برأهيم يمكن أن تشكل خطرا عىل األردن. الرواية األردنية السائدة ترى أن إرسائيل هي أهم مصدر من مصادر هتديد 1948 أمن األردن واستقراره منذ احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل يف عام وهناك ثالثة مصادر تغذي مثل هذا االنطباع الواسع االنتشار بني األردنيني. أوال استمرار االحتالل اإلرسائييل لألرايض الفلسطينية ثانيا عدم االستقرار الدائم يف اإلقليم بشكل عام وأخريا ضعف االقتصاد األردين. وسوف يركز هذا الفصل عىل املصدر األول للتهديد وهو األكثر خطورة واستمرارا من وجهة نظر األردنيني. فالسياسات اإلرسائيلية جتاه القضية الفلسطينية وجتاه األردن شكلت التحدي األكرب وكان عىل األردن أن يتصدى له منذ عام 1948 من الصعب عىل املسؤولني األردنيني توقع األفعال اإلرسائيلية يف كل وقت مما خلق حالة من الشك االسرتاتيجي أقلقت صناع القرار يف عامن. وبالرغم من ذلك يمكن القول أن اجلانبني متكنا من إدارة عالقتهام بنجاح ولو بشكل نسبي فقد قام امللك حسني أكثر من أي شخصية أخرى بإدارة العالقات مع إرسائيل بطريقة مكنته من جتنب املواجهات العسكرية بعد عام واحلقيقة أن معضلة األردن اإلرسائيلية طاردت امللك حسني وسيطرت عىل تفكريه وسلوكه يف اإلقليم.

129 128 معضلة األردن اإلرسائيلية لقد كتب كثريون عن عالقة األردن مع إرسائيل أو عىل ما وصفه أحد املؤرخني اإلرسائيليني عن "أفضل األعداء" )73( غري أن جل ما كتب عن هذه العالقة ركز عىل روايتني متنافستني لتفسري تطور العالقات األردنية اإلرسائيلية وحتليل معضلة األردن اإلرسائيلية. فالرواية السائدة عند العرب هي أن األردن عمل جادا ملنع إقامة دولة فلسطينية ولذلك وجد أن مهمته تتحقق من خالل رشيك إرسائييل. ووفقا هلذه الرواية فإن االسرتاتيجية السياسية لألردن التي تتمحور حول التوصل إىل تسوية سليمة مع إرسائيل يف أعقاب حرب 1967 صممت الستعادة السيطرة عىل األرايض الفلسطينية لفرض السيادة األردنية عليها وعىل حساب منظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم فإن سياسة األردن اصطدمت مع املوقف السيايس املفضل عند غالبية العرب وهو املطالبة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة فالسياسة األردنية حسب هذا املنظور هي التي وضعت األردن يف مدار صدامي مع منظمة التحرير الفلسطينية ومؤيدهيا داخل األردن وخارجه. )73( عىل سبيل املثال انظر Uri Bar-Joseph, The Best of Enemies: Israel and Transjordan in the War of 1948 (London: Frank Cass, 1987).

130 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 129 هناك رواية أخرى مضادة تعكس املوقف الرسمي األردين مقابل الرواية العربية ترى أن منظمة التحرير والعرب بشكل عام أخفقوا يف الوفاء بالتزاماهتم أو حتمل مسؤولياهتم ويتهمون األردن بالتوسع وأحيانا بالتعاون مع إرسائيل يف وقت كان جل عمل األردن منصبا عىل استعادة األرض الفلسطينية حتى يتمكن الفلسطينيون من ممارسة حق تقرير املصري عىل أرضهم املحررة. واعتقد امللك حسني بن طالل أن بالده مهيأة أفضل وعندها فرصة أفضل الستعادة الضفة الغربية قياسا بمنظمة التحرير )الالعب األقل من دولة( وال تعرتف هبا إرسائيل أو حتى الواليات املتحدة. فوفقا هلذه الرواية ي نظر إىل الضفة الغربية والقدس الرشقية عىل أهنام أراض متكن اجليش األردن من إنقاذها عام 1948 حني كانت ستتعرض لسقوط حتمي واحتالل عىل يد اجليش اإلرسائييل. الروايتان السالفتان تقدمان أدلة لدعم فرضياهتا األساسية غري أن هذا الفصل يرى أن هناك جزءا من احلقيقة يف كل رواية فال نجد يف الروايتني تركيزا عىل معضلة األردن اإلرسائيلية لذا فإن هذا الفصل سيسعى ملعرفة كيفية تطور التفكري االسرتاتيجي األردين جتاه إرسائيل عىل مدار العقود السابقة وكيفية النظرة األردنية جتاه إرسائيل وأثر سياسات األخرية عىل املصال. االسرتاتيجية األردنية. لقد دخل األردنيون يف نقاش عام ساخن حول ما يريدون من إرسائيل.

131 130 معضلة األردن اإلرسائيلية من هنا أقول يف هذا الفصل ويف الكتاب بشكل عام: إن إرسائيل شكلت حتديا كبريا للنظام اهلاشمي وللشعب األردين عىل حد سواء. لعل دور األردن يف السلم واحلرب يشكل جوهر العالقة األردنية اإلرسائيلية املعقدة فكل الالعبني يف الرصاع العريب اإلرسائييل يرون أن ثمة دورا لألردن لكن ال يوجد اتفاق عىل نوع الدور الذي يمكن أن تلعبه األردن اليوم كام أن هناك غيابا يف هذا النقاش والكتابات ألثر استمرار الرصاع ودوره يف تفريق األردنيني بدال من توحيدهم فقد كان الرصاع مع إرسائيل واحتالف اآلراء عنه سببا يف تأجيج اخلالفات الداخلية بني األردنيني وذلك بسبب اختالفهم حول األسلوب أو املقاربة املثىل للتعامل مع إرسائيل والتحدي الناجم عن ذلك. يتألف هذا الفصل من ثالثة أقسام يعالج القسم األول البيئة االسرتاتيجية املتغرية التي يعيشها األردن ويتفاعل معها ونظرا للتغريات الدائمة يف هذا اإلقليم املتقلب فإن األردنيني لدهيم شكوك حول فرصهم يف استعادة الضفة الغربية والقدس الرشقية وكان لذلك أثر يف شكل التفكري االسرتاتيجي األردين عن فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة. أما القسم الثاين فيبح يف تطور مدرستني يف التفكري األردين حول فكرة إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة عن األردن وإرسائيل. ويسلط القسم األخري عىل اجلدل حول دور األردن يف تسوية الرصاع مع إرسائيل واجلدل الدائر حول الكونفدرالية.

132 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 131 البيئة االسرتاتيجية لألردن إن معضلة األردن االرسائيلية ابتداء - تتأتى جزئيا من انخراط األردن يف القضية الفلسطينية حتى يف املرحلة التي سبقت قيام دولة إرسائيل فقد دخل األردن احلرب يف عام 1948 للدفاع عن فلسطني من اهلجامت اليهودية كام هو احلال مع بعض الدول العربية بيد أن املشكلة تكمن يف أن األنظمة العربية التي دخلت احلرب مل تكن موحدة عىل هدف اسرتاتيجي ويف كثري من األحيان ترصفت بشكل متناقض مع بعضها مما أضعفها ووفر فرصة إلرسائيل للنيل منها واحدا تلو اآلخر. مقابل ذلك قاتل اجليش األردين بشكل مكنه من السيطرة عىل أجزاء كبرية من األرض التي كانت خمصصة للفلسطينيني وفقا خلطة التقسيم وهو ما مل تكن تتمناه األنظمة العربية وبقي األردن العبا ورشيكا مطلوبا ألغراض احلرب أو السالم يف اإلقليم بسبب مركزيته اجلغرافية. أدت مشاركة األردن يف احلرب العربية اإلرسائيلية األوىل إىل نتيجتني خمتلفتني لكنهام مرتابطتان. أوال أهنى احلرب األوىل بمكاسب عىل األرض بعد أن متكن من السيطرة عىل الضفة الغربية والقدس الرشقية. وهذه السيطرة التي تزامنت مع اهلزيمة العسكرية للقوات الفلسطينية والعربية األخرى مهدت الطريق أمام الوحدة بني الضفتني. ثانيا تغريت البنية الديمغرافية يف األردن بشكل كبري بعد أن أصب. مئات اآلالف من الفلسطينيني مواطنني أردنيني.

133 132 معضلة األردن اإلرسائيلية وكان للموقع اجليوسيايس لألردن واغتيال امللك عبداهلل عام األول 1951 أثر كبري يف تقليص هامش املناورة وعانى األردن من انكشاف اسرتاتيجي vulnerability( )Strategic واض. ليس فقط يف العالقة مع إرسائيل وإنام أيضا يف العالقة مع الدول العربية. وعليه فإن حماوالت األردن يف إنتاج نظام إقليمي يتناسب مع سياسته اخلارجية غري الصدامية تلقت رضبة قوية بسبب انتشار املد القومي العريب يف النصف الثاين من اخلمسينيات. فانتصار الرئيس مجال عبدالنارص عىل العدوان الثالثي يف عام 1956 وتصديه بنجاح للغزو األجنبي واملشاريع اإلمربيالية حوله مبارشة إىل قائد وبطل قومي ال ينازعه أحد كام أنه متكن من خلق أمل بني الفلسطينيني يف األردن بسبب قدرته عىل توظيف الدعاية املؤثرة وتوظيف خطاب معاد إلرسائيل ومعاد لالستعامر واإلمربيالية وأصب. مصدر إهلام ألعداد متزايدة من األردنيني من أصل فلسطيني الذين أخذوا يشعرون بنوع من العداء للملك حسني حني نظروا إليه بوصفه خانعا ومؤيدا للواليات املتحدة ومستجيبا للضغوطات اإلرسائيلية والغربية. حاول امللك حسني أن يتصدى للتحدي النارصي من خالل اسرتضاء اجلامهري وجتنب العواقب السلبية خلطاب عبدالنارص املعادي لألردن من خالل إظهار نفسه بأنه قائد عريب حقيقي ويف الوقت ذاته ترصف بطريقة مكنته من جتنب االعتداءات اإلرسائيلية فقد تعلم بالتجربة املرة أن استفزاز إرسائيل قد يضع

134 و األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 133 األردن يف مواجهة مسلحة مل يكن جيشه مستعدا هلا فعمل عىل إحداث توازن act( )Balancing حذر يف سياسته اخلارجية ألن العرب مل هيبوا ملساعدته يف كل املرات التي تعرض فيها العتداء إرسائييل. مل يقف التحدي الذي كان األردن يواجهه عند هذا احلد إذ متت مأسسة احلركة الوطنية الفلسطينية من خالل إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 شكل ذلك الفعلقلقا لدى صناع القرار يف عامن. فالرئيس املرصي مجال عبدالنارص هو من ساعد الفلسطينيني عىل تأسيس منظمتهم حتى حيقق مجلة من األهداف من بينها تقويض مكانة األردن وخلق قيد جديد عىل سياسته اخلارجية لذلك كانت عالقة األردن بمنظمة التحرير الفلسطينية يف الفرتة التي سبقت حرب عام 1967 عالقة يشوهبا الشك والتوتر غري أن حرب عام 1967 أحدثت تغريا يف العالقة لصال. منظمة التحرير الفلسطينية. فبعد احلرب أصب. برنامج حركة فت. يف وضع أقوى إذ حتدت احلركة النظام األردين الذي كان عليه أن يسيطر عىل ترصفاهتا ونشاطاهتا. يقول عدنان أبو عودة: "بعد احلرب املدمرة مل يعد األردن يف

135 134 معضلة األردن اإلرسائيلية موقع يمنع فيه الفلسطينيني املرشدين من تنظيم أنفسهم وامل السالح ملقاومة االحتالل اإلرسائييل" )74(. اختلف األردن مع منظمة التحرير يف تلك املرحلة عىل نقطتني: أوالمها أن اسرتاتيجية األردن تستند إىل حماولة استعادة األرايض التي فقدهتا باحلرب عن طريق توظيف الدبلوماسية وعن طريق العمل مع املجتمع الدويل لوضع هناية لالحتالل اإلرسائييل يف حني جلأت منظمة التحرير إىل تكتيكات حرب العصابات التي كان من شأهنا أن أحلقت أذى كبريا يف السياسة األردنية الرسمية ألنه كان عىل النظام أن يتحمل اهلجامت االنتقامية والعدائية اإلرسائيلية التي كانت تستخدم تكتيكات املنظمة مسوغا للهجوم عىل أهداف أردنية. فالغارات اإلرسائيلية دمرت كثريا من البنى التحتية وخلقت توترا بني منظمة التحرير والنظام يف األردن. ثانيهام كان هناك خالف بني املنظمة واألردن فيام يتعلق باهلدف النهائي إذ كان األردن مع فكرة التوصل إىل تسوية سلمية تضمن له استعادة األرايض املحتلة بحدود عام 1967 يف حني سعت منظمة التحرير الفلسطينية إىل تعبئة كل الطاقات وحشدها لتحرير كل فلسطني. ونظرا هلذا التباين )74( أنظر Adnan Abu Odeh, Jordanians, Palestinians, and Hashemite Kingdom in the Middle East Peace Process, (Washington DC: USIP Press, 1999), p. 152.

136 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 135 يف املواقف واألهداف النهائية ونظرا لوجود حالة من الشك املتبادل الكبرية يمكن القول أن الصدام العسكري والدموي بينهام كان أمرا حتميا. كان إخراج منظمة التحرير من األرايض األردنية برهانا واضحا عىل قوة األردن للتوصل إىل صفقة سياسية وسلمية مع إرسائيل. فبعد أن انترص امللك حسني عىل املنظمة شعر بأنه حترر من القيود الداخلية التي اعتقد بأهنا كانت تعيقه عن هامش املناورة جتاه التسوية السلمية مع إرسائيل. ومع ذلك مل ترتق احلكومات اإلرسائيلية )كام تم مناقشته يف الفصلني السابقني( إىل مستوى تطلعات امللك حسني ومن ثم أخفقت احلكومات اإلرسائيلية يف تقديم أي عرض يتناسب ورشوط امللك لتوقيع معاهدة سالم إذ إن عدم قدرة أو عدم رغبة حزب العمل يف االستجابة ملطالب امللك املتعلقة بالسالم أدت إىل إضعاف من مكانة األردن يف السياسة العربية فهو مل خيرس معركة التمثيل أمام منظمة التحرير يف مؤمتر الرباط للعام 1974 فقط لكن انتخابات عام 1977 أحدثت انقالبا سياسيا بإرسائيل وجلبت الليكود للسلطة ونتيجة لذلك اقتنع امللك حسني بأن إرسائيل ليست راغبة وليست قادرة عىل صنع السالم مع األردن. فا ملثل الصهيونية التنقيحية أخافت امللك حسني واألردنيني ودفعتهم للقلق عىل مستقبل الضفة الغربية والقدس الرشقية وفوق ذلك عىل األردن ووجوده.

137 136 معضلة األردن اإلرسائيلية تلقى األردن رضبة قوية وهزيمة سياسية إثر قرار مؤمتر الرباط الذي اعرتف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثال رشعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني غري يثنه عن االستمرار يف بحثه عن السالم مع إرسائيل يف السبعينات أن ذلك مل والثامنينات غري أن هذه اجلهود يف التوصل إىل سالم دائم وشامل مع إرسائيل مل تفض إىل يشء. فمنظمة التحرير أخفقت يف إحداث اعتدال عىل مواقفها جتاه إرسائيل وأعاقت حماوالت امللك حسني الرامية إىل احلصول عىل التأييد الدويل لصنع السالم يف الرشق األوسط )75(. ومما زاد من الطني بلة أن البيئة اإلقليمية كانت متقلبة بشكل متزايد فإرسائيل كانت حتت حكم الليكود الذي كان فيه دوائر متطرفة ترى باألردن فلسطني كام كانت العراق )احلليف االسرتاتيجي لألردن( متورطة يف حرب دموية وحرب غري حمسومة مع إيران. وفوق ذلك بقيت فكرة امللك حسني املتعلقة بمؤمتر دويل )يمكنه من البقاء يف سياق اإلمجاع العريب ويمنحه مظلة إلجراء حمادثات مبارشة مع إرسائيل( مقيدة بلعبة شد احلبل "شامري" بني و"بريس" فصارت فكرة بعيدة املنال. ويف منتصف الثامنينات )75( جرى خالل النصف األول من الثامنينيات جولتان للمحادثات بني منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بيارس عرفات واألردن هبدف التوصل إىل خطة عمل مشرتكة الستعادة األرض املحتلة بشكل سلمي غري أن هذه اجلهود فشلت بسبب تكتيكات عرفات ومراوغته وبسبب االختالفات الداخلية بني الفصائل املكونة ملنظمة التحرير الفلسطينية.

138 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 137 عارضت إرسائيل والواليات املتحدة فكرة انعقاد مؤمتر دويل للسالم وهو ما أضعف حماولة امللك حسني يف إقناع منظمة التحرير بفكرة السالم ثم تلقى رضبة أخرى يف حماوالته صنع السالم نتيجة خالفه مع شيمعون بريس الذي مل يكن قادرا عىل تنفيذ اتفاق لندن وإخفاقه يف دفع اسحاق شامري الدخول يف مفاوضات سلمية مثمرة )76(. مع اندالع االنتفاضة األوىل تراجع التأثري األردين يف الضفة الغربية ويف الوقت ذاته كثفت إرسائيل من نشاطها االستيطاين هبدف خلق وقائع عىل األرض للتأثري عىل نتائج أي مفاوضات مستقبلية لذلك توصل امللك حسني إىل نتيجة واضحة ترى أن جهوده ملنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة عن األردن ال يعني أن الليكود لن يضم الضفة الغربية بمعنى آخر توصل إىل أن حماوالته اجلادة املستمرة لن تفيض إىل يشء ومع انفجار األوضاع يف األرايض املحتلة واندالع االنتفاضة الفلسطينية مل تفل. جهود امللك حسني يف احلصول عىل تأييد سكان الضفة الغربية وبسبب ذلك جلأ إىل خيار آخر "كإسرتاتيجية استباقية حلامية مصاحله احليوية وفك )76( مل تفض اتفاقية لندن التي نوقشت يف الفصل املايض إىل أي نتيجة فقد اختلف عليها كل من شيمعون بريس واسحق شامري )ومها الركيزة األساسية للحكومة( وكان الختالفاهتام والتنافس بينهام أن افشل املهمة وبالتايل وضع اتفاق لندن عىل الرف.

139 138 معضلة األردن اإلرسائيلية االرتباط اإلداري والقانوين مع الضفة الغربية وبخاصة بعد أن أثبتت القيادة الفلسطينية مراوغتها فيام يتعلق بالتعاون مع األردن لتسوية الرصاع" )77(. تغريت البيئتان الدولية واإلقليمية بشكل كبري فيام بني قرار فك االرتباط مع الضفة الغربية عام 1988 وتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993 فقدم لألردن فرصا جديدة وفرض قيودا يف الوقت ذاته. فانتهاء احلرب الباردة وتفكك االحتاد السوفييتي وهزيمة العراق عام 1991 خلقت توازن قوى جديدا عزز من مكانة إرسائيل االسرتاتيجية إذ إن اخللل يف موازين القوى أصب. كبريا لصال. إرسائيل ويف الوقت نفسه هاجر ما يقارب من مليون هيودي جديد من دول االحتاد السوفييتي إىل إرسائيل فخلق ذلك خماوف يف األردن من أن حكومة الليكود قد تلجأ إىل هتجري الفلسطينيني من األرايض املحتلة إىل األردن من أجل خلق مساحة إضافية الستيعاب املهاجرين الروس انسجاما مع فكرة إرسائيل الكربى التي كان ي عتقد بأن رئيس احلكومة شامري يتبناها ويسعى إليها. وهنا برز للسط. كابوس الرتانسفري. )77( أنظر Hassan A. Barari, Jordan and Israel: Ten Years Later (Amman: Center for Strategic Studies, 2004), p. 24.

140 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 139 موقف األردن من الدولة الفلسطينية: مدرستان متكن امللك حسني عىل مر السنوات من إجياد نوع من التوازن يف سياسته يف الوقت الذي كان يتمسك بمقاليد صناعة سياسة بالده جتاه إرسائيل وقد متكن بذلك من النأي باألردن وامايته من تقلبات اإلقليم وانعكس إرصاره عىل جعل استعادة األرايض املحتلة ذروة مهنته كملك وكذلك انعكس إيامنه العميق وثقته بقدرته عىل امليض بدبلوماسية تستند إىل قدراته الشخصية عىل قدرته يف تكثيف اتصاالته مع العامل اخلارجي فال تكاد ختلو مقابلة واحدة له مع اإلعالم الغريب دون أن يردد مقولة "األرض مقابل السالم" فهو مل يكن ليحلم بأي يشء آخر ومل يكن مستعدا ألن يقدم عىل أي تسوية ال تضمن ترمجة معادلة األرض مقابل السالم إىل واقع ومع ذلك مل يكن ذلك سهال كام أسلفنا يف صفحات هذا الكتاب. لقد برزت مدرستان - وإن مل يتزامنا - لدى النخب احلاكمة يف األردن تتعلقان باملوقف من مسألة إقامة دولة فلسطينية مستقلة يف بيئة اسرتاتيجية متقلبة يصعب التيقن هبا مع ذلك فهي قد أوجدت التحديات والفرص ففي الوقت الذي زادت فيه املشكلة كان هناك أمل يف فت. الباب ملن. الفلسطينيني حق تقرير املصري كسائر الشعوب عىل هذه املعمورة. فاملدرسة األوىل عارضت فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عن األردن وكانت سائدة يف أوساط األجهزة األمنية والنخب التقليدية إذ يرى أنصار هذه املدرسة أنه ينبغي عىل األردن أن يلعب دورا

141 140 معضلة األردن اإلرسائيلية بارزا يف الضفة الغربية وأن ال يسم. بإقامة دولة فلسطينية ألهنا تشكل خطرا عىل األمن الوطني األردين فهي وستشكل هتديدا عىل األردن بحسب رأهيم - ستكون ذات طبيعة متطرفة ومن املمكن أن تنقل التطرف ملواطني الضفة الرشقية من أصل فلسطيني وتعرض األردن إىل مستوى كبري من عدم التيقن ومن عدم االستقرار. واملفارقة تكمن يف أن هذا املوقف يتطابق مع وجهة نظر اليمني اإلرسائييل الذي يرى أبرز رموزه من السياسيني واملفكرين واألكاديميني أن أي دولة فلسطينية مستقلة ستكون بالرضورة ذات نزعة حتررية وسوف تشكل خطرا عىل كل من األردن وإرسائيل )78( ومع ذلك علينا أن نتذكر أن مقولة اليمني هذه كانت ومازالت تستخدم لتربير التوسع اإلرسائييل االستيطاين عىل حساب الفلسطينيني. املدرسة الثانية - عىل النقيض من املدرسة األوىل - ترى أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة أمر إجيايب ويصب يف مصال. األردن العليا إذ إن إقامة هذه الدولة سيضع حدا لفكرة الوطن البديل التي يعارضها األردنيون بقوة ويوظف منارصو هذه املدرسة مقوالت أمنية وديمغرافية لدعم مواقفهم فهم يرون أن )78( ملزيد من التفاصيل حول هذه النقطة انظر Efraim Inbar and Shmuel Sandler, The Risks of Palestinian Statehood, Mideast Security and Policy Study (Tel Aviv: Begin and Sadat Center for Strategic Studies, 1997).

142 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 141 عدم التوصل إىل حل الدولتني يعني وحدة بني األردن والفلسطينيني وربام سيفيض إىل هجرات فلسطينية مجاعية إىل األردن وهو السيناريو األسوأ وإذا ما تم ذلك فسوف يشكل الفلسطينيون أغلبية يف األردن وسيتمكنون من إقامة دولتهم عىل أرض األردن. وهم بذلك يرون أن اإلخفاق يف ترمجة فكرة حل الدولتني إىل واقع هو نذير شؤم ومقدمة لزعزعة االستقرار يف األردن وفوق ذلك فإن إقامة دولة فلسطينية مستقلة سيثبت رسم احلدود بني األردنيني والفلسطينيني ويفيض إىل بلورة هوية وطنية أردنية مستقلة وواضحة وخمتلفة عن اهلوية الفلسطينية. كان امللك حسني لفرتة طويلة يتزعم املدرسة األوىل لذا فقد بذل ما يف وسعه الستعادة الضفة الغربية والقدس الرشقية للسيادة األردنية وأحيانا كان يلعب لعبة مزدوجة إذ خلق انطباعا بأنه مؤيد لفكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة يف حني أنه يف الوقت ذاته كان يسعى لتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية نحو متثيل الفلسطينيني. كان قادة إرسائيل يدركون جيدا أن امللك حسني لن يقبل التوقيع عىل أي أتفاق سالم ال يلبي مطالبه املعروفة وهي االنسحاب حتى حدود الرابع من حزيران مع تبادل طفيف وحمدود يف األرايض عىل الرغم أهنم يفضلون التفاهم مع األردن رشيكا يف حل الرصاع بدال من منظمة التحرير وكانت مطالب امللك

143 142 معضلة األردن اإلرسائيلية حسني تشكل ثمنا باهظا بمكن أن تدفعه أي حكومة إرسائيلية دون التعرض الهتزازات داخلية )79(. لقد فت. فشل اجلانبان اإلرسائييل واألردين يف التوصل إىل تسوية سلمية الباب عىل مرصاعيه أمام منظمة التحرير الفلسطينية لتتزعم مطالب الفلسطينيني يف حق تقرير املصري. وبعد أن وقع يارس عرفات اتفاق أوسلو مع اسحاق رابني عام 1993 بدأت النخب احلاكمة يف األردن تعدل مواقفها عن إقامة فكرة دولة فلسطينية مستقلة وبدأت املدرسة الثانية تظهر يف اخلطاب الرسمي األردين ويف اهليمنة عىل الرؤية السياسة األردنية شيئا فشيئا. تطورت دبلوماسية امللك حسني برسعة خالل النصف األول من التسعينات وقام بتوثيق عالقته مع اسحاق رابني وكان مدفوعا برغبة وحاجة إلقناع اإلرسائيليني بأخذ مصال. األردن بعني االعتبار وبخاصة عندما يتفاوض الطرفان الفلسطيني واإلرسائييل عىل قضايا احلل النهائي وما إن اطمأن إىل أن إرسائيل بقيادة رابني ستأخذ يف حساباهتا مصال. األردن يف قضايا احلل النهائي حتى رمى بثقله خلف فكرة دولة فلسطينية مستقلة. ويبدو موقفه رصحيا وواضحا )79( ملزيد من التفاصيل حول اللقاءات الرسية بني امللك حسني وقادة إرسائيل انظر اىل كتاب موشيه زاك باللغة العربية Moshe Zak, Hussein Makes Peace (Bar Ilan University: Begin and Sadat Center for Strategic Studies, 1996).

144 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 143 يف رسالة وجهها إىل رئيس احلكومة األردين عبدالسالم املجايل يقول فيها: "لقد الحظنا مؤخرا قيام بعض الدوائر اإلرسائيلية التي تزعم بأهنا تتكلم باسم األردن باالدعاء بأن أمننا سيتعرض خلطر يف حال قيام دولة فلسطينية... وهذه االدعاءات ال أساس هلا من الصحة ونحن نرفضها مجلة وتفصيال. وشعرنا برضورة توضي. هذا املوقف ليس فقط عىل املستوى الوطني ألن األردنيني واعون ملوقفنا ولكن عىل املستوى الدويل حتى ترى احلقيقة النور وحتى ال تتعرض لتشويه بأي صورة أو شكل. فاألردن ال خيشى أحدا يف هذه املنطقة" )80(. تأثر األردنيون هبذا املوقف الرسمي املتطور ففي الوقت الذي أصب. فيه امللك مؤيدا للمدرسة الثانية تكون شبه إمجاع وطني يف األردن يرى أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة يصب يف مصال. األردن االسرتاتيجية يطهر ذلك من خالل النقاش العام الذي جرى حينها يف األردن هلذا السبب أيضا رمى األردن بثقله خلف مبادرة السالم العربية التي تبنتها قمة بريوت يف مارس 2002 وتم التأكيد عليها مرة أخرى يف قمة عربية أخرى عقدت عام فاألردن هبذا املعنى سعى بشكل حثي خللق إمجاع عريب حول فكرة السالم مع إرسائيل وعمل عىل )80( رسالة من امللك حسني إىل رئيس الوزراء عبدالسالم املجايل يف الرابع من كانون أول الرسالة موجودة عىل املوقع:

145 144 معضلة األردن اإلرسائيلية تعبئة املجتمع الدويل لدعم تنفيذ حل الدولتني إلهناء الرصاع بني الفلسطينيني واإلرسائيليني. ومل يغفل األردن احلاجة إىل كسب تأييد الواليات املتحدة هلذه الفكرة وبالفعل لعب األردن دورا بارزا يف إقناع الرئيس بوش بأمهية خطة خارطة الطريق لتنفيذ رؤيته يف حل الدولتني )81 ). ومنذ ذلك الوقت بدأ األردن يركز جهوده عىل دور حمتمل للواليات املتحدة ألن األخرية يمكن هلا أن تضغط عىل إرسائيل لتستجيب لرشوط السالم التي وردت يف مبادرة السالم العربية. األحداث السالفة الذكر مهدت الطريق للجانب الفلسطيني فأصب. أقرب من أي وقت مىض إىل حتقيق حلمه بتقرير املصري بعد عقود عىل كفاحه وبعد النجاحات النسبية للحركة الوطنية الفلسطينية يف تثبيت موطئ قدم هلا يف أجزاء من الضفة العربية وقطاع غزة وبعد أن أدرك اجلانب اإلرسائييل أن املشكلة الديمغرافية املزمنة جتربه عىل االنسحاب من األرايض املحتلة. لكن مع هذه النجاحات املبرشة انقسم الفلسطينيون انقساما مل يشهدوه منذ عقود فحامس سيطرت عىل غزة عام 2007 بالقوة وطردت القوى الوطنية العلامنية األخرى )81( من نقاش جري بيني وبني مروان املعرش الذي شغل منصب نائب رئيس حكومة عندما كان باحثا يف مركز الدراسات اإلسرتاتيجية باجلامعة األردنية يف متوز 2006.

146 و( األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 145 فشكل ذلك خطوة للوراء يف مرشوع الفلسطينيني وسعيهم لتحقيق االستقالل وربام مهد الطريق لفوىض قادمة. إن حدوث أي فوىض املتوقعة يف األرايض الفلسطينية سيكون مصدرا رئيسا لقلق األردن الذي يبذل ما يف وسعه ملساعدة الفلسطينيني يف سعيهم لتحقيق األمن واالستقرار كام أن الثقته بقدرة الفلسطينيني يف استثامر اللحظة التارخيية التي جاءت بعد حرب لبنان عام 2006 لتحقيق حل الدولتني تراجعت تدرجييا. وكان هناك من يتحدث عن إمكانية التدخل األردين واآلن نظرا للجمود يف عملية السالم فهناك مطالب متزايدة أيضا بأن يلعب األردن دورا يف الضفة الغربية وفوق ذلك ويف هذه املناخات املتقلبة هناك من بدأ يفكر يف حتمية انخراط األردن يف الضفة الغربية واألردنيون قد يرون أنه من املكلف جدا اإلبقاء عىل حالة من االبتعاد بينام يفشل الفلسطينيون يف حل خالفاهتم احلزبية والفصائلية ملامرسة مسوؤلياهتم التارخيية )82 هناك نخب أردنية مؤثرة بدأت تبدي قلقها املتزايد من إخفاق الفلسطينيني يف إقامة حكومة فاعلة مما يؤجل تنفيذ حل الدولتني وهو ما سيقلل من احتاملية إقامة دولة فلسطينية يف هناية املطاف )83(. )82( )83( مقابلة مؤلف الكتاب مع عبدالسالم املجايل عامن 15 متوز املصدر نفسه.

147 146 معضلة األردن اإلرسائيلية إن العودة إىل اخليار األردين يف شكله التقليدي باتت مستبعدة اآلن فاألردن مل يعد يسعى حلكم الفلسطينيني ألن من شأن ذلك أن يظهر وكأنه دولة احتالل وال يمكن للفلسطينيني إال أن يعارضوا ذلك من أجل استقالهلم )84(. وبعبارة أخرى فإنه من غري املتخيل يف هذه اللحظة أن يقبل الفلسطينيون بأن يصبحوا أردنيني كام أن هناك تباينا يف الرأي بني األردنيني يف شكل الدور املستقبيل لدولتهم يف الضفة الغربية. فامللك عبداهلل الثاين ختىل عن أطامع األردن السابقة يف الضفة الغربية كلها وقد حترك األردن بحذر يف العالقة مع الفلسطينيني حتى ال يبدو كأنه يقوض مساعيهم يف حتقيق استقالهلم وكذلك بسبب عدم الثقة املتبادلة بني النظام األردين ومنظمة التحرير. أما املوقف الرسمي األردين فريى أنه - عىل الرغم من احلساسيات التارخيية - يستطيع أن يلعب دورا أمنيا فقط يف الضفة الغربية مع أن مثل هذا الدور قد يكون إشكاليا ولن ترتاح له كثري من اجلامعات الفلسطينية. فاألردن قد جيد أن من مصلحته االنخراط بشكل غري مبارش يف فلسطني خوفا من مآالت اندالع العنف غرب النهر وهلذا السبب قدم عرضا )84( ثمة إمجاع بني األردنيني حول هذه النقطة فخالل مقاباليت ونقاشايت مع سياسيني يف مواقع رفيعة عربوا عن معارضتهم القوية من حتى جمرد التفكري يف فكرة اخليار األردين والتي تعني هلم انتحارا سياسيا.

148 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 147 لتدريب الرشطة الفلسطينية وإرسال قوات بدر املرابطة يف األردن ملساعدة السلطة الفلسطينية يف هتدئة الوضع األمني غري أن كثريا من كبار موظفي الدولة األردنية يرون أن أي انخراط يف مثل هذا الدور جيب أن ال يأيت إال بعد أن يطلب الفلسطينيون أنفسهم ذلك وبالتنسيق التام مع السلطة الفلسطينية عىل أن يقترص مثل هذا االنخراط عىل الدور األمني فقط ويف الوقت ذاته يرى األردنيون أن هناك حاجة ماسة إلعادة تأهيل رشيك فلسطيني للمفاوضات عىل اعتبار أن هذه هي الوسيلة الوحيدة الستباق أي أعامل طائشة قد تقوم هبا إرسائيل وعىل اعتبار أن هذه هي الوسيلة الوحيدة إلعادة احلياة ملسار املفاوضات الفلسطيني اإلرسائييل. يعارض اإلسالميون واليساريون أي دور حمدود لألردن يف الضفة العربية قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة )85( ويرون أن أي تورط أردين يف األرايض الفلسطينية قبل قيام دولة فلسطينية سيكون له أثار مدمرة عىل القضية الفلسطينية غري أن هؤالء املنتقدين ملثل هذه الفكرة مل يقدموا خطة عمل بديلة ويف والواقع فإن هناك إعدادا متزايدة من األردنيني يعتقدون أن إرسائيل تسعى ) 85( مقابلة مؤلف الكتاب مع زكي بني رشيد األمني العام جلبهة العمل اإلسالمي عامن 30 حزيران 2006.

149 148 معضلة األردن اإلرسائيلية إلحياء فكرة اخليار األردين الذي يعني عمليا القضاء عىل أي فرصة إلقامة دولة فلسطينية مستقلة ويف مثل هذا املناخ فإن ردة فعل الرأي العام األردين ستكون سلبية. وقد حذرت أحزاب املعارضة األردنية من املشاركة ب "مؤامرة ضد الشعب الفلسطيني" كام أن الوطنيني األردنيني وجهوا سهام نقدهم إىل فكرة الدور األمني لألردن يف الضفة الغربية ويعتقدون أن أي عودة ملثل هذا الدور ستكون بمثابة انتحار وطني )86 ). بشكل عام فإن األردنيني من خمتلف ألوان الطيف السيايس ترى أن هناك القليل مما يكسبه األردن والكثري مما خيرسه يف حال قرر ممارسة دور أمني يف الضفة الغربية. إن رفض األردن التدخل يف الشؤون الفلسطينية مع كل الظروف- ال يمكن أن يكون قرارا هنائيا فاملوقع اجليوسرتاتيجي لألردن والتهديد املتصور الناتج عن غياب التسوية عىل املسار الفلسطيني والتدهور يف البيئة اإلقليمية هي عوامل يمكن أن جترب األردن عىل أن يامرس دورا يف األرايض الفلسطينية يف املستقبل البعيد. ففشل العملية السلمية يف أعقاب اهنيار مباحثات "كامب ديفيد" ناهض حرت "هل نواجه الكونفدرالية منفردين " عمون نيوز )86(

150 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 149 التي ظهرت بعد اندالع انتفاضة األقىص أفضت عام 2000 وأحادية شارون )87( إىل نقاش يف األردن يتعلق بالنتيجة املحتملة للرصاع الفلسطيني اإلرسائييل. وبالرغم من دعم التيار املركزي يف إرسائيل لفكرة حل الدولتني كام تظهر استطالعات الرأي فإن األردنيني غري مهتمني بذلك )88( وعندهم انطباع واسع االنتشار أن إرسائيل تؤيد الفكرة لفظيا وتستمر يف خلق احلقائق عىل أرض الواقع. ترى بعض الدوائر يف األردن أن إرسائيل جادة يف االنفصال عن الفلسطينيني للحفاظ عىل الطبيعة الديمقراطية اليهودية وهذه املقولة جاءت نتيجة للقناعة بأن إرسائيل يمكن هلا أن تساعد يف إقامة دولة فلسطينية مستقلة رشيطة أن يتوقف الفلسطينيون عن العنف لكنهم يشككون فيام إذا ستكون تبنى شارون فكرة مفادها أن يارس عرفات ليس ذا صلة وأن ال رشيك فلسطينيا يمكن أن ) 87( يفاوض االرسائيليني لذلك تبنى مقاربة تستند إىل االنسحاب من غزة بشكل أحادي ودون التنسيق مع الفلسطينيني. فقد كان يسعى إىل حتديد حدود إرسائيل من جانب واحد. )88( ملزيد من التحليل العميق لتطور موقف إرسائيل بخصوص فكرة إقامة دولة مستقلة للفلسطينيني انظر استطالعات الرأي التي أجراها مركز تامي ألبحاث السالم جامعة تل أبيب

151 150 معضلة األردن اإلرسائيلية الدولة بحدودها قابلة للحياة )89 ). وباختصار فإن النقاش يشمل ثالث قضايا حمددة تتعلق بقدرة الفلسطينيني عىل إقامة دولة مستقلة وبدور األردن وباحتامالت الكونفدرالية مع الفلسطينيني. املوقف الرسمي يف األردن يركز إىل اآلن عىل الدعم املطلق لفكرة حل الدولتني والتزام الدبلوماسية األردنية بتنفيذ هذا احلل. أما النقطة الرئيسة يف األردن فهي أن أي ترتيب مستقبيل سيايس أحادي مع الفلسطينيني ال يمكن التفكري به قبل أن حيقق الفلسطينيون حلمهم يف إقامة دولة مستقلة هلم. وبشكل عام يؤيد األردنيون حل الدولتني من أجل احلفاظ عىل مصاحلهم الوطنية احليوية وهناك كثري من األسباب الختاذ مثل هذا املوقف منها اخلوف من العواقب االسرتاتيجية املرتتبة عىل احتامل هجرة الفلسطينيني إذا فشل حل الدولتني وأصب. اليهود أقلية يف املنطقة املمتدة من البحر املتوسط إىل هنر األردن. فاألردن يعرف مقابلة مؤلف الكتاب مع فايز الطراونة عامن 20 متوز يف املقابلة أرص فايز الطراونة )89( عىل أن هناك دولة فلسطينية قائمة وكل ما حتتاجه هو فقط اإلعالن عنها. العديد من كبار الكتاب األردنيني مثل عريب الرنتاوي وفهد الفانك كتبوا عن أن إرسائيل تدعم إقامة دولة فلسطينية. ومؤلف هذا الكتاب كتب الكثري من املقاالت والكتب التي ترى أن إرسائيل تسعى إىل االنفصال عن الفلسطينيني.

152 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 151 مصاحله الوطنية بلغة حل الدولتني وبالفعل حذر امللك عبداهلل الثاين عام 2006 ويف غري مناسبة من أن فشل التوصل إىل حل الدولتني خالل عامني مقبلني يعني ضياع فرصة إقامة مثل هذا احلل املنشود أردنيا )90( ومع أن امللك عبداهلل مل ي عرف اإلطار الزمني بعامني ال بد من اإلشارة إىل مسألتني: كان هناك خطة خارطة طريق كام أن الرئيس بوش كان سيغادر البيت األبيض مع بداية عام 2009 أي خالل عامني. وعليه كان خيشى امللك أن يتشتت انتباه اإلدارة األمريكية جتاه قضايا أخرى أمهها امللف النووي اإليراين والتهديدات الناجتة عن استمرار هذا امللف وتأخري حل الدولتني ألمد غري مسمى -وفقا لفهم امللك عبداهلل الثاين-من شأنه أن يغري من الواقع يف األرايض الفلسطينية بشكل ال يمكن معه القول بأن الدولة الفلسطينية ستكون قابلة للحياة وهو بذلك يمن. أمهية لعامل الوقت يف الرصاع وهو عامل ليس لصال. الفلسطينيني وال األردنيني. إن املسؤولني األردنيني مع ذلك وبعيدا عن هذا التحذير امللكي مل يتحدثوا عن خيارات األردن إذا فشل حل الدولتني. ويبقى علينا أن ننتظر كيفية تعامل األردن مع سيناريو انزالق األرايض الفلسطينية إىل فوىض أو إذا ضاعت فرصة قيام الدولة املستقلة بشكل هنائي. هل سيتدخل ملساعدة الفلسطينيني يف )90( مقابلة امللك عبداهلل مع جملة التايم األمريكية 10 أيلول 2006.

153 152 معضلة األردن اإلرسائيلية ترتيب شؤوهنم الداخلية وكيف يمكن أن يكون شكل التدخل وهل بالفعل بإمكان األردن أن يلعب دور ا يف كل ذلك وهل سينظر الفلسطينيون إىل الدور األردين بتوجس وسلبية وهل سيحظى األردن بتأييد شعبي داخيل ملثل هذا الدور بعبارة أخرى كيف يمكن لألردن أن حيمي مصاحلة يف االستقرار واألمن يف هذه احلالة سيناريو الكونفدرالية ال توجد قضية واحدة يف املرحلة التي تلت توقيع اتفاق أوسلو وأخافت األردنيني أكثر من سيناريو الكونفدرالية. فاألردنيون بشكل عام يمقتون هذا التعبري وكثري منهم يرونه تعبريا ملطفا حلل معضلة إرسائيل الديمغرافية عىل حساب األردن كام أن التيار السائد يف األردن ما زال ينظر إىل هذا املفهوم بوصفه مرشوعا إرسائيليا إلجبار األردن عىل تبني خيار الكونفدرالية ترمجة ملصاحلهم. ومع أن هذا اخليار كان عىل أدنى سلم األولويات لثالثة عقود خلت إال أنه ظهر عىل السط. مرة أخرى عىل مدار العقد املايض وبام أن األردنيني ال يرون فائدهتم هبذا السيناريو فاملفهوم أصب. تعبريا عن اإلرضار بمصاحلهم وهلذا يرفضونه. لقد وض. امللك عبداهلل الثاين - يف أكثر من مناسبة وبشكل متكرر- أن الكونفدرالية بني األردنيني والفلسطينيني هي مسألة حيددها الطرفان بعد إقامة

154 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 153 دولة فلسطينية مستقلة وحسب رغبة الشعبني )91( بمعنى أن هذا السيناريو ممكن فقط عندما يكون هناك ترتيبات خالقة ومبتكرة يشعر الفلسطينيون فيها أن أحالمهم الوطنية قد حتققت ويشعر األردنيون أهنم لن ي قدموا كبش فداء خدمة إلرسائيل والفلسطينيني معا وان الكونفدرالية ستحوهلم إىل أقلية يف بلدهم وخالل النقاش يف هذه النقطة الذي ما زال مستمرا نجد أن هناك ال يرون مشكلة كبرية مع تعبري الكونفدرالية وأن القضية تتعلق فقط يف التوقيت إذ يرون أهنا تعبري عن ترتيب سيايس حيوي لكنهم يف املقابل حذرون من املناداة علنا بتحقيقها قبل إقامة دولة فلسطينية مستقلة فمطلب كهذا وهبذا التوقيت سيثري حفيظة غالبية األردنيني هلذا السبب يشدد املسؤولون األردنيون عىل ترتيب األحداث بمعنى ما هي اخلطوة التي ينبغي أن تأيت أوال ويتفق اجلميع عىل أهنا إقامة دولة فلسطينية ثم يأيت االتفاق عىل الكونفدرالية إذا قبلها اجلانبان. )91( أعلن امللك حسني علنيا ويف مناسبات عديدة بأن الكونفدرالية ليست يف قاموسه السيايس وبعد أسابيع قليلة من وفاة امللك حسني يف شباط 1999 طرح يارس عرفات فكرة الكونفدرالية مرة أخرى غري أن امللك عبداهلل رأي يف طرح عرفات امتحانا مبكرا له لذلك أكد عىل موقف والده يف رفض الفكرة.

155 154 معضلة األردن اإلرسائيلية تتبنى بعض النخب األردنية - عىل نحو الفت فكرة استحالة قيام الدولة الفلسطينية ومع ذلك فهم يقرتحون نوعا مبتكرا من الكونفدرالية أو االحتاد الفيدرايل بني الدولة األردنية والكيان الفلسطيني القائم حتى قبل أن يصل إىل وضع دولة )92(. ويربز من هؤالء رئيس احلكومة األردين األسبق عبدالسالم املجايل الرجل الذي وقع معاهدة سالم مع اسحاق رابني عام يقول: إن املرشوع "ليس كونفدرالية أو فيدرالية وإنام االثنان معا" ووفقا هلذا السيناريو سيقود امللك عبداهلل الثاين الدولة اهلاشمية املتحدة اجلديدة بسب النسب اهلاشمي 93( وانحداره من ساللة النبي عليه الصالة والسالم ) وهذه الدولة اجلديدة سيكون هلا سلطات ترشيعية وتنفيذية ويتناوب عىل رئاستها األردنيون والفلسطينيون بشكل دوري وهذا الرتتيب وفق للمجايل - سوف يفيض إىل التخفيف من حدة هوس الفلسطينيني بمسألة اهلوية الفلسطينية. فاهلويتان الفلسطينية واألردنية سيتم التعامل معهام وفق معادلة "الدولة اهلاشمية املتحدة- فلسطني" يف حني ستكون لألردنيني "الدولة اهلاشمية املتحدة- األردن." ويعتقد )92( مقابلة مؤلف الكتاب مع عبدالسالم املجايل عامن 15 متوز وجاءت املقابلة بعد أن فازت اماس يف االنتخابات الترشيعية الفلسطينية لكن املجايل أيضا كان قد تقدم بنفس األفكار حتى قبل انتصار اماس االنتخايب. )93( املصدر نفسه.

156 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 155 املجايل أن هذا الرتتيب هو أفضل آلية لتحقيق حل الدولتني ألن إرسائيل حتتاج األمن والفلسطينيون غري قادرين عىل طمأنة اإلرسائيليني يف هذه النقطة عىل وجه التحديد غري أن مثل هذه الدولة الكونفدرالية بوجود األردنيني ستكون بوضع يمكن من خالهلا توفري األمن إلرسائيل وستقنع إرسائيل لتقديم التنازالت املطلوبة يف األرض لتحقيق السالم" )94(. يستند املجايل هبذا الطرح إىل فهمه ملا تبح عنه إرسائيل فهي حتتاج األمن واالنفصال عن الفلسطينيني وقضيتهم كام يرى أن العنف الفلسطيني ناتج عن شعورهم بأهنم حمارصون وهو أمر ال يؤثر عىل إرسائيل فقط بل عىل األردن أيضا ويعتقد أن اماس واألخوان املسلمني سيدعمون مثل هذا اخليار وأن الواليات املتحدة هلا مصلحة يف هذه اخلطة أيضا ألهنا ستفيض إىل تسوية النزاع يف الرشق األوسط ويف هناية األمر فإن مثل هذا الرتتيب الكونفدرايل سيمن. إرسائيل الضامنة األمنية التي ترتدد بسببها يف املوافقة عىل من. الفلسطينيني دولة فلسطينية مستقلة خوفا من أن تتحول هذه الدولة إىل مصدر لإلرهاب. )94( املصدر نفسه.

157 156 معضلة األردن اإلرسائيلية يبدو املجايل واثقا من أن املوقف اإلرسائييل سيكون خمتلفا لو أصب. األردن رشيكا يف احلل ويلخص موقفه ورأيه فيقول: "هذا هو الرتتيب العميل الذي ترب. فيه كل األطراف" ثم يقرتح عىل األردن بأن ال يعلب دورا مبادرا بل عىل الفلسطينيني أن يبادروا يف طرح مثل هذا الرتتيب أوال )95(. من الظاهر للعيان أن اسرتاتيجية املجايل تستند إىل فرضية مفادها أن إرسائيل ستنسحب إىل حدود الرابع من حزيران مع إجراء تبادل أراض بنسبة طفيفة غري أن الواقع هو أكثر تعقيدا من طروحاته وفهمه السطحي للسياسة اإلرسائيلية إذ إن من الصعب أن نتخيل أن هناك أي حكومة إرسائيلية - نظرا لدينامكية اللعبة السياسية الداخلية يف إرسائيل- يمكن هلا أن تنجو من العواقب والنتائج السياسية إذا وافقت عىل االنسحاب إىل حدود الرابع من حزيران دون أن يكون هناك تبادل لألرايض بنسبة كبرية) (. 96 لو افرتضنا لغاية النقاش أن هناك رشيكا إرسائيليا قادرا وراغبا يف االنسحاب إىل اخلط األخرض فإن األردنيني أنفسهم ال يوافقون عىل مفهوم احلل )95( املصدر نفسه. )96( ملزيد من التفاصيل أنظر Hassan A. Barari, Israeli Politics and the Middle East Peace Process, (London and New York: Routledge, 2004), p. 2.

158 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 157 الكونفدرايل أو الفيدرايل أو عىل حمتوى مثل هذا الرتتيب فالغالبية األردنية التي ختتلف مع هذه الفكرة تتكون من الوطنيني يف رشق األردن الذين ال يرون أي فائدة قد تعود عىل بلدهم بالنفع من أي وحدة مع الفلسطينيني وترى هذه املجموعة أن هناك دولة فلسطينية قائمة عىل أرض الواقع نتيجة لتفامهات أوسلو فهناك سلطة فلسطينية وحكومة وبرملان وشعب وجزء من إقليم حمرر بمعنى أن املطلوب فقط أن حيقق الفلسطينيون استقالهلم عن إرسائيل ويف هذا السياق يقول رئيس احلكومة األردين األسبق فايز الطراونة أنه "خالل مفاصل مهمة من تاريخ الرصاع العريب اإلرسائييل كانت هناك قوى إرسائيلية وبعض الفلسطينيني حياولون ) 97( أن حيلوا القضية الفلسطينية عىل حساب األردن" كام يرى الوطنيون األردنيون أن جمرد الدخول يف مثل هذه الرتتيبات التي يقرتحها املجايل قبل قيام الدولة الفلسطينية وقبل ممارسة الشعب الفلسطيني حلقه يف تقرير املصري سيفرس بأنه مؤامرة ضد الفلسطينيني. واألهم من وجهة نظر الوطنيني األردنيني هو أن يتمكن الشعب الفلسطيني من حتقيق االستقالل فلو أبدى األردن رفضا قاطعا لفكرة الكونفدرالية فإن من شأن ذلك أن يدفع طريف الرصاع اإلرسائييل الفلسطيني إىل )97( مقابلة مؤلف الكتاب مع رئيس احلكومة األسبق فايز الطراونة.

159 158 معضلة األردن اإلرسائيلية التوصل التفاق تسوية يمكن له أن يلبي احلدود الدنيا من املطالب الفلسطينية ويمكنهم من إقامة دولة متواصلة جغرافيا وقابلة للحياة بحدود مشرتكة مع األردن. ويرى فايز الطراونة أن أفكار املجايل ضارة باألردن ويمكن هلا أن تلغي اململكة عىل املستوى الرسمي. وهبذا الصدد يقول الطراونة: إن "امللك حسني اقرتح مرشوع اململكة املتحدة عام 1972 وقد عارض العرب هذه الفكرة يف حينها لكن الظروف اآلن خمتلفة فامللك حسني اقرتح الفكرة يف سياق حماولته استعادة الضفة الغربية للسيادة األردنية أما اآلن فهناك دولة فلسطينية فلامذا إذن الكونفدرالية " )98( يتض. أن معارضة األردنيني لفكرة الكونفدرالية مل تأت من فراغ فهناك خماوف حقيقية يف امليزان الديمغرايف الذي سينتج بسببها وعىل وجه التحديد يرون أن تغيريا يف امليزان الديمغرايف لصال. املكون الفلسطيني من شأنه أن يمكن الفلسطينيني من السيطرة عىل األردن. وقد حذر الطراونة من أن الرئيس الفلسطيني يارس عرفات سعى للكونفدرالية بطلب من بريس ألن عرفات اعتقد أن املزيج بني الديمغرافيا والديمقراطية سيمكنه من السيطرة عىل األردن" )99( )98( املصدر نفسه. )99( املصدر نفسه.

160 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 159 وهبذا املعنى ستعمل الكونفدرالية عىل حل مشكلة الالجئني لكنها ستكون يف صال. الفلسطينيني ديمغرافيا وتؤهلهم الستالم السلطة يف األردن سلميا وبالطرق الديمقراطية وهو ما مل حيققوه عندما حاولت منظمة التحرير الفلسطينية يف عام 1979 القيام بذلك )100(. ي عد عدنان أبو عودة املستشار السيايس األسبق للملك حسني وامللك عبداهلل - يف املقابل - من أهم مؤيدي فكرة الكونفدرالية إذ يرى أهنا ستخدم مصال. الفلسطينيني واألردنيني معا لكنه حذر يف الوقت ذاته من أن إرسائيل لن تقبل هبذا احلل )101( ألنه سوف ختلق رشوطا طاردة للشعب الفلسطيني من أرضه عىل أمل أن يغادر الفلسطينيون مدهنم وبلداهتم هلذا جيب أن تقام الدولة الفلسطينية أوال وبعدها يمكن احلدي عن الكونفدرالية بني األردن وفلسطني عىل قدم املساواة )102( وهذا املنطق الذي حتدث به أبو عودة وجد صدى إجيابيا لدى رئيس حكومة أردين أسبق هو طاهر املرصي. واألخري هو سيايس بارز وسبق له أن توىل منصب وزير خارجة ورئيس حكومة ثم رئيس جملس نواب ثم )100( )101( )102( املصدر نفسه. مقابلة مؤلف الكتاب مع عدنان أبو عودة عامن 23 متوز املصدر نفسه.

161 160 معضلة األردن اإلرسائيلية رئيس جملس أعيان وهو يؤيد الكونفدرالية ويعتقد أن مثل هذا اخليار اجليد ال يمكن له أن يرى النور قبل إقامة دولة فلسطينية مستقلة ألن التفكري الصهيوين ما زال مسيطرا عىل السياسية اإلرسائيلية إذ إن إرسائيل تبح عن طريقة لطرد الفلسطينيني تدرجييا إىل األردن وهلذا السبب يرى املرصي أن األردن اآلن مهدد أكثر من أي وقت مىض بالرغم من وجود معاهدة سالم وهي معاهدة ال تقدم أي ضامنة سياسية حلامية مصال. األردن وحقوقه )103(. الالفت أن اإلسالميني يف األردن يؤيدون مفهوم الكونفدرالية لكن بعد أن حيقق الفلسطينيون االستقالل )104( وباختصار شديد يمكن القول أن مفهوم الكونفدرالية ليس جديدا عىل النقاش العام باألردن لكن وبسبب الوضع الفلسطيني احلايل الذي ما زالت فيه إرسائيل تتنكر حلق الشعب الفلسطيني يف إقامة دولته املستقلة فإن هناك خماوف مرشوعة وهي أن الفلسطينيني سيقبلون هبذا اخليار نتيجة لضنك احلياة لكنهم لن يقبلوا به إال عىل املدى القصري هلذا يمكن فهم خماوف األردنيني من أن يتحولوا إىل أقلية وهذا ربام العائق األهم ملنع التفكري جديا بسيناريو الكونفدرالية. )103( مقابلة مؤلف الكتاب مع طاهر املرصي عامن 15 متوز )104( املصدر نفسه.

162 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 161 اخلامتة نختم بالرتكيز عىل االعتبارات التارخيية واجليوسياسية التي نوقشت يف هذا الفصل ونظرا هلذه االعتبارات ما زالت السياسات اإلرسائيلية تؤثر عىل األردن سلبا وإجيابا ومن ثم يمكن فهم تأييد األردن حلل الدولتني بوصفه اآللية الوحيدة خلدمة مصال. األردن لكن حتقيق مثل هذا احلل هو أمر يف يد إرسائيل بدرجة كبرية أكثر من كونه أمرا تتحكم به األردن. لقد شكل صعود احلركة الوطنية الفلسطينية ونجاحاهتا وكذلك السياسات اإلرسائيلية يف األرايض املحتلة سببا رئيسا لكي يعيد األردن النظر يف معارضته التارخيية إلقامة دولة فلسطينية مستقلة عن األردن وبعد أن توصل الفلسطينيون واإلرسائيليون إىل اتفاقيات أوسلو أصب. املوقف الرسمي األردين مؤيدا لفكرة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة غري أن التطورات يف العقد األخري التي متيزت باالقتتال الفلسطيني وهيمنة اليمني اإلرسائييل عىل مقاليد احلكم يف تل أبيب دفعت بكثري من األردنيني إىل االعتقاد بأن حل الدولتني سيتأجل ألمد غري مسمى ويرون أن إخفاق الفلسطينيني يف إقامة دولتهم

163 162 معضلة األردن اإلرسائيلية وتكتيكات إرسائيل املعيقة )التشييد املستمر للوحدات االستيطانية( أسهم يف التقليل من فرص حتقيق حل الدولتني. نتيجة لكل هذا عرض األردن بشكل مستمر مد يد العون للفلسطينيني ملساعدهتم يف مسعاهم لتحقيق األمن واالستقرار ومع مرور الوقت تبددت آمال األردنيني بإمكانية حل الدولتني وازداد االعتقاد بأن الوقت الذي يطلب فيه من األردن لعب دور فاعل يف إهناء الرصاع قد يأيت قريبا. هناك تباين يف األفكار بني األردنيني حول طبيعة الدور األردين يف الضفة الغربية فاحلكومة األردنية حذرة ومتيقظة وامللك عبداهلل الثاين ختىل عن كل أطامع النظام السابقة يف الضفة الغربية كام تبنى األردن مقاربة حذرة حتى ال يتهم بأنه يقوض مساعي الفلسطينيني يف حتقيق االستقالل ودحر االحتالل اإلرسائييل بسبب غياب الثقة بني النظام األردين ومنظمة التحرير الفلسطينية. علينا أن ننتظر لنرى كيف سريد األردن عىل مطالب الوحدة بالكونفدرالية مع الفلسطينيني يف حال أصب. هناك مربر هلا فخوف األردنيني من املشكلة الديمغرافية املرتتبة عىل أي عالقة مع الفلسطينيني هو خوف حقيقي وواقعي ومرشوع فنصف الشعب األردين هو من أصل فلسطيني ومع أننا ال نجد أي احتكاك بني املكونني يف العقود املاضية إال أن الظروف قد تتغري ويصب. التوتر

164 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 163 أمرا حمتمال. وبالنتيجة يمكن القول أنه وبعد مرور أكثر من سبعة عقود عىل انخراط األردن يف القضية الفلسطينية ما زال يعاين من معضلته اإلرسائيلية.

165 164 الفصل الرابع: الفصل الرابع: فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد تقديم بعد عقود من املحادثات والعالقات الرسية وشبه الرسمية الرسية وسياسة جر القدم توصل اجلانبان اإلرسائييل واألردين إىل اتفاقية سالم و قعت يف السادس والعرشين من أكتوبر 1994 وهي معاهدة احتفى هبا اجلانبان الرسميان بكثري من الزهو. حينها كانت كل الظروف املحيطة تشري إىل أن إرسائيل واألردن سوف تتخذان موقفا حمسوبا لدفع عملية السالم قدما وبخاصة بعد أن وضحت احلكومتان أن امليض قدما يف عملية السالم يصب يف مصال. البلدين. فامللك حسني أوض. بأن هذا السالم مع إرسائيل هو سالم من أجل شعبه يف حني قام رابني بالرتويج للسالم مع األردن بوصفه سالما صنعه "رابني" مع طرف عريب حيظى بقبول شعبي إرسائييل فكان رابني يشعر بزهو بالغ وهو يشري إىل أن السالم مع األردن كان انجازا يعود اليه وليس لغريه من منافسيه. فرابني سعى لدخول

166 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 165 التاريخ كصانع سالم مع األردن العتقاده بأن السالم مع األردن كان سيلقى قبوال شعبيا يف إرسائيل. وسط هذه األجواء التي كانت تتسم بالتفاؤل ساد هناك أمل كبري لدى صناع القرار لدى اجلانبني بأن يعم السالم الدافئ. ويف سياق سعيه لبناء دعم شعبي للسالم مع إرسائيل كرر امللك حسني مقولة واحدة متعلقة بعوائد السالم املنتظرة. فمنذ البداية استوعب امللك حسني بأن الدعم الشعبي ملعاهدة السالم ما كان ليكون من دون أمل بتحسن الوضع االقتصادي فهناك العديد من األردنيني الذين وضعوا آماال يف أن يساهم السالم مع إرسائيل يف ختفيف العبء االقتصادي يف وقت كان األردنيون يرتنحون حتت شدة وطأة الضنك االقتصادي. وعندما حتولت الوعود بعوائد السالم إىل وهم ورساب أدار األردنيون ظهرهم للسالم إذ مل حتظى اتفاقية السالم مع إرسائيل بأي تأييد شعبي بذكر. عقدان من الزمن مرا عىل معاهدة السالم لكن ال خيفى عىل املراقب الرتاجع الكبري بالتأييد الشعبي هلذه املعاهدة ويبدو من الصعوبة بمكان أن تتطور عالقات صحية مع إرسائيل يف حني مازالت إرسائيل تتنكر حلقوق الفلسطينيني يف تقرير مصريهم يف دولة مستقلة هلم. وهلذا فإن إقامة سالم دافئ مع األردن سيكون مستحيال يف ظل استمرار اجلمود يف عملية السالم اإلرسائيلية الفلسطينية. يف الوقت ذاته ال يبدو أن اإلرسائيليني متحمسون أو متفقون مع وجهة نظر األردن

167 166 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد بأن حل الدولتني هو اللعبة الوحيدة املتاحة أمام إرسائيل فهناك درجة من االستهزاء اإلرسائييل بمثل هذا املوقف انعكست يف ترصحيات رموز اليمني اإلرسائييل استهدفت األردن يف أكثر من مناسبة. وال تتفق إرسائيل مع ما يردده األردنيون بأن للسالم الدافئ رشوط مسبقة تتعلق برضورة حل الرصاع مع الفلسطينيني. يف املقابل تبدو سياسات إرسائيل مستفزة من وجهة النظر األردنية فمثال قامت إرسائيل بمحاولة فاشلة الغتيال خالد مشعل يف عامن يف عام وخالد مشعل )وإن كان رئيسا للمكتب السيايس حلركة اماس الفلسطينية( إال أنه يف حينها كان مواطنا أردنيا شكلت املحاولة لقتله اعتداء عىل السيادة األردنية وعربت عن عدم احرتام إرسائيل للمعاهدة التي وقعتها مع األردن. ومل يتوقف األمر عند هذا احلد بل قامت احلكومة اإلرسائيلية بسلسلة من األفعال األحادية يف القدس الرشقية ما أقنع األردنيني بأن إرسائيل ال حترتم ما تعهدت به. وهنا نذكر عىل سبيل املثال ال احلرص الطريقة التي استهدفت هبا إرسائيل الفلسطينيني إبان انتفاضة األقىص وحروهبا يف لبنان 2006 ومن ثم ثالثة حروب شنتها إرسائيل ضد اماس يف قطاع غزة. كل ذلك ناهيك عن السياسة اإلرسائيلية املمنهجة والعابرة للحكومات والتي تتمحور حول إدامة دوران عجلة النشاط االستيطاين ما دمر علمية السالم كل ذلك زود القوى املعارضة للتطبيع من بني األردنيني

168 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 167 ذخرية فعالة ما جعل من التطبيع مع إرسائيل أمرا صعبا إن مل نقل مستحيال. وبالتايل وبدال من إجياد سالم دافئ بني اجلانبني يمكن القول أن السالم بني البلدين أخذ منحى النموذج املرصي يف السالم البارد. يتفحص هذا الفصل فشل نموذج السالم الدافئ ويتألف الفصل من قسمني. يعالج القسم األول فشل هذا النموذج من السالم مركزا عىل ثالثة أسباب رئيسة لذلك هي: غياب عوائد السالم صعوبة فصل العالقات األردنية اإلرسائيلية الثنائية عام جيري عىل املسار الفلسطيني اإلرسائييل وانتقال املجتمع اإلرسائييل إىل اليمني بعد مقدم نتيناهو عام 1996 وظهر ذلك بشكل أوض. عندما أصب. ارئيل شارون رئيسا للوزراء مطلقا العنان لسياسة أحادية مل تعرتف بوجود اآلخر. أما القسم الثاين فيتناول العوائق التي أضعفت من فرص التطبيع بني اإلرسائيليني واألردنيني. ويف اخلامتة يلقي الفصل الضوء عىل االنتقال يف مركز السياسة اإلرسائييل إىل اليمني وكيف أثر ذلك سلبا عىل عملية السالم بشكل خاص وعىل العالقات مع األردن. فشل منوذج السالم الدافئ يتفق أغلب املحللني بأن العالقات األردنية اإلرسائيلية كانت عىل الطريق الصحي. يف أول عام ونصف تلت توقيع املعاهدة ولكن عندما أصب. بنيامني

169 168 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد نتنياهو رئيسا للوزراء يف تل أبيب أصاب السالم فتور مل يتعا ف منه لغاية هذا اليوم. فثمة عوامل سامهت بشكل كبري يف تدهور دعم الشعب األردين لعملية السالم منها: عدم حتقق عوائد السالم وصول العالقات اإلرسائيلية الفلسطينية إىل أدنى مستوى هلا قيام إرسائيل بعملية عناقيد الغضب يف جنوب لبنان عام 1996 قيام إرسائيل بخطوات أحادية واستفزازية يف القدس الرشقية تصاعد قوة اجلامعات املناهضة للتطبيع يف األردن إضافة إىل األحداث التي تلت اندالع انتفاضة االقىص إىل هذا اليوم. فاملسؤولون الرسميون يف األردن كانوا متحمسني إلقامة سالم دافئ مع إرسائيل وكان هناك آمال كبرية معقودة عىل معاهدة السالم إذ جادل الرسميون بأهنا ختدم مصال. األردن. فام أن أنطلق مؤمتر مدريد للسالم والذي عقد يف عام 1991 حتى بدأ امللك حسني بتحضري املشهد السيايس الداخيل استعدادا لسالم حمتمل مع إرسائيل. وكانت اخلطوة األوىل املطلوبة هي ضامن أن ال حيرز اإلسالميون وحتديدا حركة اإلخوان املسلمني املمثلة بحزب جبهة العمل اإلسالمي نرصا انتخابيا كبريا يف االنتخابات التي كان مزمع عقدها يف شهر نوفمرب من العام هلذا السبب قامت احلكومة األردنية بإدخال تعديالت عىل قانون االنتخاب معتمدة نظام الصوت الواحد املصمم لتقليص فرص اإلخوان املسلمني يف احلصول عىل مقاعد نيابية كافية متنحهم قوة تصويتية تساعدهم عىل تعطيل

170 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 169 مشاريع امللك يف السالم مع إرسائيل. وفهم اإلسالميون هذه اخلطوة واحتجوا عليها إال أهنم أذعنوا بعد ذلك وشاركوا يف االنتخابات )105(. وكانت مراهنة امللك حسني صحيحة إذ أدى قانون االنتخاب اجلديد الغرض املطلوب منه وخرس اإلسالميون عددا من املقاعد النيابية يف حني حقق مرشحو العشائر واملرشحون املقربون من الدولة أو املحسوبون عيها األغلبية النيابية. فبجرة قلم واحدة نج. امللك حسني يف إزاحة أهم عائق داخيل أمام توقيع معاهدة سالم مع إرسائيل. ومل تكتف احلكومة بالتالعب باملشهد النيايب وإنام شنت املة إعالمية قبل أشهر من توقيع معاهدة السالم لتعبئة الشارع وحشد تأييد األردنيني لفكرة معاهدة سالم مع إرسائيل. ومل تكن حماولة تعبئة الشارع سهلة نظرا لغياب السالم العادل والشامل بني العرب وإرسائيل ونظرا للتخوف من من أن يكون السالم منفردا. وعالوة عىل ذلك مل يكن الشعب األردين مستعدا لقبول السالم مع إرسائيل يف وقت مازالت فيه إرسائيل حتتل األرايض الفلسطينية وتتنكر حلقوقهم. وهلذا السبب قاد امللك حسني شخصيا اجلهد حلشد الدعم وهبذا يكون امللك حسني قد أخذ عىل عاتقه حتمل مسؤولية التوصل إىل سالم مع إرسائيل وهبذه )105( ملزيد من التفاصيل أنظر Russell E. Lucas, Institutions and Regime Survival Strategies: Collective Action and Path Dependence in Jordan, Ph.D. dissertation (Georgetown University, 2000) pp

171 170 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد الطريقة بدا األمر وكأن أي معارضة ملعاهدة السالم التي كانت تلوح يف األفق وكأهنا معارضة للملك شخصيا وهو أمر ليس سهال يف ذلك الوقت. يف تلك األثناء نشط الرسميون يف الرتويج للسالم مع إرسائيل مستندين إىل مجلة من املقوالت التي تؤكد عىل أن السالم مع إرسائيل من شأنه أن يعزز من مكانة ومنعة األردن يف إقليم غري مستقر )106(. فهناك من جادل بأن توقيع معاهدة سالم مع إرسائيل من شأنه أن يسم. لألردن بأن يستعيد كافة حقوقه ومطالبه. ووفقا للموقف الرسمي فمعاهدة السالم ستفيض إىل حل كل املسائل العالقة بني اجلانبني واملسؤولة عن استمرار النزاع. ويف إطار مسعاه للحصول عىل مصادقة الربملان األردين عىل معاهدة السالم شجع رئيس الوزراء عبدالسالم املجايل أعضاء الربملان املصادقة عىل االتفاقية ألهنا ستمكن األردن من استعادة حقوقه يف املياه واألرض وستحمي األردن من األخطار واملؤامرات وستحصن حدود األردن )107(. فحسب الرواية الرسمية فإن األردن سيحصل عىل حقه وحصته يف )106( ملزيد من التفاصيل عىل احلجج الرسمية أنظر Paul Scham and Russell E. Lucas, "Normalization and Anti-normalization in Jordan: the Public Debate," Middle East Review of International Affairs, Vol. 5, No. 3 (September 2001), pp )107( اجلوردان تايمز 31 ترشين أول 1994.

172 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 171 مصادر املياه من هنر األردن وأن إرسائيل ستعيد للسيادة األردنية أراض أردنية حمتلة. وعالوة عىل ذلك أرص الرسميون بأن إرسائيل بتوقيعها عىل معاهدة سالم مع األردن إنام تعرتف بأن "األردن ليس فلسطني" وأن فكرة ومفهوم الوطن 108( البديل قد دفن مرة ولألبد.( وأبرز الرسميون يف روايتهم هذه أمهية املفاوضات متعددة األطراف والتي كان من املفرتض أن تغطي وتشمل القضايا اإلقليمية مثل الالجئني والتعاون االقتصادي واألمن اإلقليمي وهي قضايا لألردن فيها مصال. حيوية. أما احلجة الثانية واملهمة التي وظفها النظام حلشد التأييد ملعاهدة السالم فهي أن السالم مع إرسائيل هو اخليار االسرتاتيجي الوحيد فاألردن كان يعاين من عزلة إقليمية نتيجة ملوقفه الذي ف رس بأنه مؤيد للعراق خالل الغزو العراقي لدولة الكويت. وكان هلذه العزلة كلفة اقتصادية باهظة أرهقت االقتصاد األردين. فكان ال بد من انتهاز الفرصة للخروج من العزلة املفروضة عىل األردن وهنا علينا أن نتذكر أن السياسة اخلارجية األردنية كانت دائام وما زالت مصممة لكي مت كن األردن من احلصول عىل ما يسمى بالريع االسرتاتيجي rent(.)strategic ويف )108( ملزيد من التفاصيل أنظر Marc Lynch, State Interests and Public Spheres: The International Politics of Jordan s Identity (New York: Columbia University Press, 1999), pp

173 172 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد هذا السياق تم تقديم معاهدة السالم كخيار حكيم يمكن له مساعدة األردن مواجهة التحديات املستقبلية. واهتم أنصار املعاهدة منتقدهيا بأن ال بديل أفضل لدهيم يف وقت صعب بالنسبة لألردن وهو ما حدا بأحد كتاب األعمدة املشهورين يف األردن طارق مصاروه بأن يكتب قائال أن احلبل كان يلتف بشده عىل عنق األردن وكان من املمكن أن خينق البلد )109(. وكثريا ما وظف النظام عوائد السالم كجزرة لكسب التأييد ودفع األردنيني للوقوف خلف السالم مع إرسائيل ونظرا ألن االقتصاد األردين كان يمر بمرحلة حرجة اعتقد امللك بأن عوائد السالم املنتظرة كانت ستكون سببا كافيا لألردنيني لتأييد املعاهدة. ويف هذ السياق ركزت احلكومة األردنية عىل خلق انطباع يفيد بأن العوائد املتوقعة للسالم من شأهنا أن تساعد األردن عىل جذب استثامرات أجنبية مبارشة خللق فرص العمل وبخاصة يف قطاع السياحة )110(. )109( اقتباس يف دراسة )110( عن هذه النقطة بالتحديد أنظر Paul Scham and Russell E. Lucas, op. cit. Hassan A. Barari, Israel Jordan: Ten Years Later (Amman: Center for Strategic Studies, 2004).

174 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 173 يف املقابل كانت املعارضة املكونة من اإلخوان املسلمني وجناحها السيايس جبهة العمل اإلسالمي والقوميني العرب واليساريني يسوقون حججا وأسبابا لثني املجتمع األردين عن تأييد املعاهدة ولدعم موقفهم يف معارضة املعاهدة )111(. ويف هذا السياق قالوا بأن توقيع معاهدة سالم مع إرسائيل يؤرش عىل أن األردن ابتعد عن التنسيق العريب فاليساريون والقوميون العرب قالوا بأن املعاهدة نفسها هي خمالفة ملبادئ قرارات جملس األمن وبخاصة قرار رقم وكان وقرار رقم 338 إضافة إىل خمالفتها لقرار اجلمعية العامة رقم موضوع الالجئني وحقهم يف العودة هو أحد أهم أسباب معارضة االتفاقية فاملادة الثامنة من املعاهدة تنص عىل ما يأيت: أوال اعرتافا باملشاكل اإلنسانية الكبرية التي يسببها النزاع يف الرشق األوسط بالنسبة للطرفني وبام هلام من إسهام يف التخفيف من شدة املعاناة اإلنسانية فإهنام سيسعيان إىل حتقيق مزيد من التخفيف من حدة املشاكل النامجة عىل صعيد ثنائي. ثانيا اعرتافا من الطرفني بأن املشاكل البرشية املشار إليها أعاله التي يسببها النزاع يف الرشق األوسط ال يمكن تسويتها بشكل كامل عىل الصعيد Paul Scham and Russell E. Lucas, op. cit. )111( ملزيد عن هذا املوضوع انظر

175 174 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد الثنائي وسيسعى الطرفان إىل تسويتها يف املحافل واملنابر املناسبة وبمقتىض أحكام القانون الدويل بام يف ذلك ما ييل: فيام يتعلق بالنازحني ضمن جلنة رباعية باالشرتاك مع مرص والفلسطينيني. فيام يتعلق بالالجئني: ضمن إطار املجموعة املتعددة األطراف حول الالجئني. يف مفاوضات تتم يف إطار ثنائي أو غري ذلك ضمن إطار يتفق عليه وتكون مقرتنة ومتزامنة مع املفاوضات اخلاصة بالوضع الدائم للمناطق املشار إليها يف املادة 3 من هذه املعاهدة. من خالل تطبيق برامج األمم املتحدة املتفق عليها وغريها من الربامج االقتصادية الدولية املتعلقة بالالجئني والنازحني ذلك يف بام املساعدة عىل توطينهم. وبالنسبة للمعارضة فإن هذه املادة املتعلقة بالنازحني والالجئني قد حرمت الالجئ الفلسطيني من ممارسة حقه يف العودة إىل وطنه. وهنا علينا أن نتذكر أن مشكلة الالجئني متثل القضية اجلوهرية للرصاع وما كان ينبغي أن يتم التعامل معها كقضية إنسانية. وأكثر من ذلك اهتمت الكثري من مجاعات املعارضة يف

176 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 175 األردن بالقبول الضمني لتوطني الالجئني يف األردن بدال من إجياد طريقة ملساعدهتم عىل ممارسة حقهم يف العودة. ومل تقبل املعارضة األردنية بأقوال احلكومة من أن األردن بتوقيعه معاهدة سالم مع إرسائيل استعاد حقوقه يف املياه واألرض. ففي واقع احلال وافقت احلكومة األردنية عىل مبدأ تأجري األرض التي عادت إىل السيادة األردنية إىل إرسائيل وهذا تعبري عن انتقاص من السيادة األردنية عىل أرض أردنية )112 ). وأخريا شددت املعارضة عىل أن معاهدة السالم مع إرسائيل أفضت إىل تضييق جمال احلريات العامة واحلريات السياسية يف األردن. وهبذا تتهم املعارضة احلكومات األردنية املتعاقبة باالستدارة عن عملية االنفتاح واللربلة السياسية )113 ). وبالرغم من تنفيذ العديد من املظاهرات احتجاجا عىل توقيع معاهدة السالم مل متن. احلكومة األردنية إذن سامح لتنفيذ املسريات. خالل النصف األول من التسعينيات كانت عملية السالم يف تقدم ملحوظ وكان باديا للعيان أن العالقات الثنائية بني األردن وإرسائيل تسري بشكل )112( امزة منصور جوردان تايمز 6 ترشين ثاين )113( يف هذا السياق وملزيد من التفاصيل أنظر Laurie Brand, "The Effects of the Peace Process on Political Liberalization in Jordan," Journal of Palestine Studies, Vol. 28 No.2 (Winter 1999), p

177 176 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد سلس. لذلك ساد انطباع بأن األردن وإرسائيل بصدد تقديم أنموذج جديد للسالم وذلك نظرا ألن القيادتني األردنية واإلرسائيلية كانتا تضعان السالم عىل رأس أولوياهتام. فكانت العالقة الثنائية مع إرسائيل أولوية بالنسبة للملك حسني وهذا صحي. أيضا بالنسبة إىل رابني. وكان امللك حسني مؤمنا بأن رابني رجل "شجاع" وجدير بالثقة. ويف املقابل كان اإلرسائيليون باإلمجال يرون بامللك حسني رشيكا جادا وصادقا يف عملية السالم يف الرشق األوسط. وهناك الكثري من املؤرشات التي تدعم هذه املقولة فمثال أجرى استطالع رأي )114( يف إرسائيل يف متوز 1994 كشف عن أن هناك %86.8 من الوسط اليهودي يف إرسائيل يؤيد قيام امللك حسني بزيارة إىل القدس بينام بلغت نسبة الذي يؤيدون زيارة عرفات للقدس من الوسط اليهودي ما يقارب من %36.3. وأن دل هذا عىل يشء انام يدل عىل أن هناك نوعا من االرتياح لشخص امللك دون سواه من قادة العرب. طبعا يف الدول الصغرية مثل األردن وإرسائيل يلعب عامل الشخصية دورا مهام يف صناعة القرار السيايس وهبذا يمكن القول أن عامل الشخصية )وهنا احلدي عن امللك حسني واسحاق رابني( ساهم بشكل كبري يف تعزيز العالقات ) 114( ملزيد من التفاصيل عن هذا االستطالع انظر مركز تامي شتاينمتس ألبحاث السالم متوز

178 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 177 الرسمية بني البلدين. وكانت املقولة السائدة عند املسؤولني األردنيني يف ذلك الوقت تفيد بأن اسحاق رابني شخص حيرتم كلمته وما يتعهد به فرابني أخذ باالعتبار مصال. األردن عندما كان يسرب غور املسارات التفاوضية األخرى. وهبذا املعنى كانت هناك ثقة متبادلة بني احلسني ورابني وهي ما ظهرت يف غري مناسبة فمثال بعد توقيع املعاهدة قامت احلكومة اإلرسائيلية بالتصويت ملصادرة أراض يف القدس وهو األمر الذي أغضب امللك حسني كثري ما دفع به إىل إرسال رئيس الديوان امللكي آنذاك مروان القاسم إىل إرسائيل لتسليم رسالة إىل رابني احتجاجا عىل اخلطوة اإلرسائيلية األحادية يف القدس وما أن قرأ رابني الرسالة حتى سارع يف الدعوة الجتامع حكومي للرتاجع عن القرار. بالفعل خالل عهد رابني تم وضع حجر األساس للتعاون والتصال. والتعايش. وهناك العديد من املالحق يف املعاهدة التي تشجع عىل التعاون الثنائي بني البلدين. غري أن األمور شهدت انقالبا مفاجئا مع اغتيال رابني يف شهر نوفمرب من العام 1995 فكان واضحا للملك حسني أن ورثة رابني مل يتمتعوا بنفس العزم وااللتزام وبالتايل تدهورت العالقات الثنائية شيئا فشيئا. ومنذ تلك الفرتة بدا واضحا أن النموذج الدافئ كان غري واقعي وأن النموذج املتاح هو النموذج املرصي وهذا يطرح التساؤل: أين اخلطأ

179 178 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد هناك مجلة من األسباب يمكن هلا أن تفرس فشل نموذج السالم الدافئ. أوال مل تستوعب إرسائيل السياق اإلقليمي الذي كان يشكل قيدا كابحا عىل حركة األردن يف اإلقليم فاعتقدت إرسائيل بأنه يمكن فصل العالقات األردنية اإلرسائيلية الثنائية عن املسار الفلسطيني وهذا خطأ كبري. وباستمرار إرسائيل يف سياستها ضد الفلسطينيني تدهورت العالقات األردنية اإلرسائيلية تدرجييا واآلن يمكن القول أن العالقات الثنائية وصلت أدنى مستوياهتا منذ توقيع املعاهدة إذ تولدت قناعة عند العديد من األردنيني بأن إرسائيل ال تسعى بشكل جدي إىل سالم مع أهنا تتحدث عن السالم فثمة فرق كبري بني احلدي عن السالم وصنع السالم. يف البداية انتاب املسؤولون األردنيون بعض اهلواجس حيال اتفاق أوسلو فسنوات من انعدام الثقة بني منظمة التحرير الفلسطينية واألردن كان هلا تركة كبرية عىل البنية الذهنية لصناع القرار يف األردن وما كان ملنظمة التحرير الفلسطينية أن تثق بالنظام األردين الذي كانت تراه يشكل خطرا عىل مرشوعهم الوطني بالتحرر واالستقالل. هبذا املعنى عمدت منظمة التحرير التضليل وعدم اطالع األردن عىل مسار أوسلو. وبالتايل تفاجأ األردن من املفاوضات الرسية بني الفلسطينيني واإلرسائيليني يف أوسلو وشعر األردن بنوع من التضليل واخلداع من قبل منظمة التحرير إذ مل يطلع األردن عىل آية تفاصيل خالل تلك

180 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 179 املحادثات )115(. لكن بعد أن تكشفت األمور حترك امللك حسني برسعة لتوثيق عالقة شخصية مع رابني الذي تعهد بأن يأخذ مصال. األردن بعني االعتبار وهو يفاوض الفلسطينيني وغريهم. لذلك رسع األردن من التفاوض يف املسار الثنائي إىل أن تم توقيع املعاهدة. واعتقد قادة البلدين بأن السالم بني بلدهيام سيكون خمتلفا عن النموذج املرصي وكان التعبري الدارج حينها هو السالم الدافئ. واستمرت العالقات دافئة خالل اول عام ونصف العام بعد توقيع املعاهدة. وامتدح روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لدراسات الرشق األدنى املعاهدة واصفا إياها بالوثيقة الرائعة. وجيادل ساتلوف بأن التعاون هو سمة معاهدة السالم فاملعاهدة مل تؤسس لعالقات دبلوماسية رسمية فقط ولكنها احتوت عىل مشاريع مفصلة للتفاعل اإلنساين والثقايف واالجتامعي واالقتصادي والسيايس. فعىل العكس من وثيقة معاهدة السالم املرصية اإلرسائيلية التي احتوت عىل كلمة تعاون أو التبادلية أو اجلهود املشرتكة مرة واحدة فقد أشارت وثيقة معاهدة السالم األردنية Middle East Mirror, 2 September, 1993 )115( أنظر

181 180 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد اإلرسائيلية عرشين مرة إىل التعاون وإحدى عرش مرة إىل التبادلية وعرش مرات إىل اجلهود املشرتكة )116(. غري أن توقيع املعاهدة يشء وااللتزام بروحها وصنعها يشء آخر. فامللك حسني كان يبح عن رشيك إرسائييل لضامن مستقبل أفضل لألردن يف إقليم مضطرب وغري مستقر. وما أن أصب. شيمعون بريس رئيسا للوزراء خلفا لرابني حتى انتاب األردنيني شك حول نوايا بريس وخالل فرتته التي استمرت سبعة شهور أعطى شيمعون بريس األولوية للمسار السوري ورفض التنسيق مع األردن فيام يرتبط باملسار الفلسطيني. وزاد من الطني بلة شكوك األردنيني وعدم ثقتهم بشيمعون بريس وتوجس األردنيون من أن بريس قد يكون بالفعل منخرطا يف حمادثات رسية مع الفلسطينيني وهو أمر ال يمكن غض الطرف عنه وبخاصة وأن لألردن وما زال مصال. يف قضايا احلل النهائي. فبالنسبة للملك حسني فإن شيمعون بريس ليس جديرا بالثقة لذلك كان تفضيل امللك حسني لرابني ألنه كان يمكن أن يعتمد عىل رابني. ويف هذا السياق قلل امللك حسني من أمهية شيمعون بريس ودوره يف التوصل إىل سالم بني البلدين عندما أعطى الفضل )116( أنظر Robert Satloff, "The Jordan-Israel Peace Treaty: A Remarkable Document" Middle East Quarterly March 1995, Vol. II, No.1 (March 1995) pp

182 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 181 يف ذلك إىل إسحاق رابني. ويف مقابلة له مع صحيفة هآرتس اإلرسائيلية قال امللك بأنه تعامل فقط مع رابني وأنه ربام ما كان ليصل إىل نفس النتيجة لو كان هناك شخص آخر مكان رابني )117(. وال خيفى عىل املراقب أن امللك تعمد قول ذلك إليصال رسالة واضحة مفادها أن بريس مل يكن ذي صلة. يف السنوات التي تلت مقتل رابني كان من املحال أن يتم الفصل بني العالقات الثنائية مع إرسائيل وما تقوم به األخرية ضد الفلسطينيني. فتدهور األوضاع األمنية يف الفرتة التي سبقت انتخابات عام 1996 أحلقت رضرا بالغا بشيمعون بريس والذي شعر بأن عليه أن يقوم بعمل ما حتى يبدو للناخب اإلرسائييل قائدا صاحب عزيمة قوية وبخاصة وأن شعبية منافسه اليميني نتنياهو كانت يف ارتفاع مستمر لذلك أمر بريس اجليش اإلرسائييل البدء بعملية عناقيد الغضب يف جنوب لبنان والتي انتهت بإدانة دولية بعد أن استهدف اجليش اإلرسائييل مقر ا لقوات حفظ السالم تابعا لألمم املتحدة وقتلت فيه أكثر من مئة مدين اعتقادا منها بأن أفرادا من حزب اهلل كانون خمتبئني يف املقر. وشكلت العملية رضبة قاصمة لشيمعون بريس الذي أراد انتخابات مبكرة اعتقادا منه بأنه سيفوز )117( صحيفة هأرتس 5 آب 1996.

183 182 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد يف االنتخابات أمام منافسه اليميني نتنياهو غري أنه كان لتدهور األوضاع األمنية وسوء إدارة بريس للملف األمني كلفة باهظة لبريس. وبعد أن رب. نتنياهو انتخابات 1996 شكل ائتالفا حكوميا يمينيا تكون من ثامنية أحزاب منها سبعة أحزاب عارضت اتفاق أوسلو. وهبذا فإن تشكيل احلكومة كان بمثابة من. نتنياهو تفويضا لتدمري عملية أوسلو وانتهاج سياسات 118( طائشة ما أثر سلبا عىل العالقات مع األردن.( فنتنياهو كان مدفوعا باالعتبارات السياسية الداخلية وكان مقيدا بتحالفه مع األحزاب اليمينية واستوعب نتنياهو بأن بقائه يف منصبه كرئيس للحكومة والتزامه بتنفيذ اتفاقيات أوسلو مها أمران ال يمكن التوفيق بينهام وبالتايل وضع بقائه السيايس أوال وقبل السالم. وهلذا السبب مل حياول أبدا أن خيطو خطوة جدية جتاه السالم. وامللك حسني الذي علق آماال عىل نتنياهو يف السابق أصيب باإلحباط فنتنياهو اثبت بأنه غري جدير بالثقة وال يمكن التنبؤ بترصفاته وسياساته فهو مل يستوعب مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة لألردن وبالتايل أحرج امللك حسني عندما اقدمت احلكومة اإلرسائيلية عىل سلسلة من األعامل األحادية يف القدس. )118( ملزيد من التفاصيل عن االئتالف احلاكم وكيف ساهم بقوة يف تدمري عملية السالم انظر Neill Lochery, Difficult Road to Peace: Netanyahu, Israel and the Middle East Peace Process (Reading: Garnet, 1999) p.197.

184 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 183 بمعنى أن سياسات نتنياهو يف القدس صدمت امللك الذي بدأ يدرك أن نتنياهو مل يعد رشيكا للسالم ناهيك عن عدم قدرته عىل ملء الفراغ الكبري الذي تركه رابني. وعىل سبيل املثال ال احلرص أرسل نتنياهو مستشاره السيايس دوري غولد للقاء امللك حسني ثالثة أيام قبل أن تقوم احلكومة اإلرسائيلية بفت. النفق يف القدس يف سبتمرب من العام يف ذلك اللقاء مع امللك حسني مل يتطرق دوري غولد إىل موضوع النفق ومل يسترش امللك يف األمر. وعندما فتحت إرسائيل النفق شعر امللك حسني باخلديعة والطعن ألنه رأى يف ذلك اعتداء عىل دور األردن اخلاص يف القدس كام نصت معاهدة السالم عىل ذلك. ففت. النفق فقط ثالثة أيام بعد لقاء دوري غولد مع امللك حسني اعطى انطباعا خاطئا بأن األردن ال يامنع هذه اخلطوة اإلرسائيلية املستفزة. ومثال آخر لعدم حساسية نتنياهو ملصال. ووضع األردن هو عندما قررت احلكومة اإلرسائيلية البدء ببناء مستوطنة جديدة يف جبل أبو غنيم يف جنوب القدس فنتنياهو كان يسعى ألن يطمأن رشكائه من اليمني )بعدما وقع برتوكول اخلليل يف كانون ثاين 1997( بأنه وفيا لتعهداته التي قطعها عىل نفسه هلم بمعنى أن نتنياهو شعر بأن هناك حاجة لتقديم يشء باملقابل لليمني اإلرسائييل حتى حيافظ عىل متاسك االئتالف احلكومي ويبقي يف

185 184 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد وهذا القرار مرة أخرى أزعج امللك الذي استشاط غضبا من ) منصبه )119 ممارسات نتنياهو. وأكثر من ذلك مل يتعاطف نتنياهو مع رغبة امللك حسني احلقيقية يف أن يكون له رشيك إرسائييل للسالم فاحلسني حاول أن جيد أرضية مشرتكة من دون طائل ففي عام 1997 طلب امللك حسني إذنا إرسائيلية للسامح له أن ينقل بطائرته يارس عرفات إىل غزة ولدهشة امللك حسني رفض اإلرسائيليون الطلب. وهنا وبعد أن فقد احلسني ثقته بنتنياهو أرسل له رسالة يف التاسع من مارس من العام 1997 موبخا إياه بحدة عىل سياساته املستفزة والطائشة. وقد كتب امللك حسني: رئيس الوزراء إن األمل العظيم والعميق ليعترصين ملا قمتم به من أعامل مأساوية كرئيس حلكومة إرسائيل جاعلني السالم وهو أكثر األهداف قيمة يف حيايت يبدو وكأنه رساب بقيع. كان من املمكن أن أنأى بنفيس يف حال إذا مل تكن حياة كل فرد عريب وإرسائييل ومستقبلهم يتجهان رسيعا نحو اهلاوية بسبب إراقة الدماء والكواراث والتي كانت نتيجة للخوف واليأس. إننا وبرصاحة ال نستطيع قبول أعذاركم )119( املصدر نفسه.

186 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 185 املتكررة للترصف بالطريقة التي تقومون هبا حتت طائلة التهديد والضغط. وال نستطيع التصديق بان الشعب اإلرسائييل يبح عن إراقة الدماء والكوارث ويعارضون السالم. كام أننا ال نستطيع أن نصدق بان أقوى رئيس وزراء إرسائييل يف تاريخ إرسائيل دستوريا قد يترصف بام يمكن أن جيلب له املزيد من اإلدانات. والواقع األكثر حزنا والذي طلعت عليه الشمس يل هو عندما مل أجدكم إىل جانبي للعمل من اجل حتقيق إرادة اهلل للمصاحلة النهائية بني أبناء وأحفاد سيدنا إبراهيم عليه السالم. إن املسلك الذي تتبعونه يف إعاملكم سيؤدي يف هناية املطاف إىل حتطيم كل ما أمنت به وناضلنا نحن العائلة اهلاشمية من اجل حتقيقه منذ امللك فيصل األول وامللك عبد اهلل حتى الوقت احلايل. ملاذا هذه اإلهانات املتعددة للذين تسموهنم رشكائكم الفلسطينيني وهل من املمكن أن تزدهر عالقة جديرة يف غياب االحرتام والثقة املتبادلة كيف يمكن العمل معكم كرشيك وصديق حقيقي يف ظل هذا املناخ املربك واملشوش. نشعر بان هناك نية لتدمري كل ما قمنا ببنائه بني شعبينا ودولتينا. إن العناد ومن أجل العناد جتاه القضايا احلقيقية هو يشء وهو ما نتساءل عنه. وعند أي مناسبة نكتشف بان لديكم طريقة تفكري خاصة بكم ويظهر بأنكم ال حتتاجون لنصيحة من صديق ليسدهيا لكم.

187 186 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد وإننا لنشعر باألسف الشديد لكتابة هذه الرسالة الشخصية لكم ولكن شعوري باملسؤولية والقلق مها ما جعال لزاما عيل القيام بذلك ملواجهة املجهول من األيام. كانت رسالة التوبيخ هذه مفاجأة يف الطريقة التي كتبت هبا وبخاصة بعد أن رس بت لإلعالم. عىل آية حال وقعت حادثة أخرى بعد توجيه امللك الرسالة بثالثة أيام غطت عىل الرسالة ففي الثال عرش من مارس قام اجلندي األردين أامد الدقامسة بفت. نريان بندقيته وأردى سبع طالبات إرسائيليات قتىل. وكانت الفتيات السبع يف رحلة مدرسية ملنطقة الباقورة من وادي األردن وهي املنطقة التي تم إعادهتا إىل األردن بموجب االتفاقية. ما كان من املمكن أن يكون توقيت العملية أسوأ وبخاصة عندما ربط اليمني اإلرسائييل بني رسالة امللك التوبيخية لنتنياهو وترسيبها لإلعالم وقيام أامد الدقامسة بقتل الفتيات السبع. واستدرك الوضع امللك حسني وقام بزيارة ألهل القتيالت لتقديم تعازيه وهي خطوة انتقدها العرب ألهنم مل يستوعبوا اإلشارة اإلنسانية يف خطوة امللك )120( وسخروا لقد تفاجأ األردنيون بخطوة امللك فهم باملجمل غري ملمني بطقوس اليهود عندما يقدم هلم )120( أحد العزاء وكان يبدوا وكأن امللك كان خيضع لليهود بإذالل ألن نزل عىل ركبتيه عندما قدم تعازيه فبالنسبة للكثري من األردنيني والعرب قلل امللك من مكانة منصبة كزعيم دولة.

188 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 187 من اخلطوة وتساءلوا فيام لو كان نتنياهو سيقوم بنفس اخلطوة لو كان األمر معكوسا. ومع ذلك فلفتة امللك وبدلوماسيته العامة أفضت إىل اختفاء احلادثة من النقاش العام يف إرسائيل يف فرتة وجيزة. وبالرغم من هذه احلادثة التي وللمرة األوىل وضعت األردن يف موقف دفاعي فإن العالقات األردنية اإلرسائيلية كانت ستشهد حاال انتكاسة أخرى وتصل إىل نقطة متدنية ففي سبتمرب من العام 1997 حاول املوساد اإلرسائييل اغتيال رئيس املكتب السيايس حلركة اماس خالد مشعل يف عامن. وقد أفسدت هذه اخلطوة العالقات الثنائية وأوصلت العالقات بني البلدين إىل نقطة متدنية جدا. واملفارقة أن حماولة االغتيال الفاشلة ضد املواطن األردين خالد مشعل جاءت بنفس اليوم الذي اجتمع فيه وفد إرسائييل عسكري ومدين مع امللك. وهنا استشاط امللك غضبا ووضع اإلرسائيليني أمام حلني ال ثال هلام: أوال إذا ما مات خالد مشعل فإن األردن سيكشف عن هوية العمالء اإلرسائيليني وسيحاكمها علنا وسينفذ بحقهام حكم اإلعدام. ثانيا بإمكان إرسائيل أن تعرتف بجريمتها وتقدم االعتذار والدواء إلنقاذ حياة خالد مشعل. نتنياهو قرر أن خيتار اخليار الثاين وأرسل رئيس جهاز املخابرات داين يأتون إىل عامن ومعه الدواء املضاد

189 188 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد املطلوب 121( ). وبطبيعة احلال شكل اهلجوم عىل خالد مشعل خمالفة رصحية وانتهاكا صارخا ملعاهدة السالم التي يمنع فيها البند املتعلق باألمن من قيام أي دولة بأعامل عدائية ضد الدولة األخرى )122(. وبالفعل أثبتت األفعال اإلرسائيلية بأن هناك بعض الدوائر بني اليمني اإلرسائييل مل تستبطن بعد معنى أن يكون هناك معاهدة سالم مع األردن. وما أن مضت عدة أشهر أخرى حتى اندلعت أزمة أخرى بني البلدين حول املياه ومل يتم تنفيسها إال من خالل استجابة إرسائيل للمطالب والرشوط األردنية. فإرسائيل التي كانت تواجه موسميا مائيا صعبا ونقصا حادا يف املياه وهبوط يف مستوى مقياس املياه يف طربيا ترددت ومل تزود األردن باملياه كام هو منصوص عليه يف املعاهدة. ويف األردن ف رست اخلطوة اإلرسائيلية كدليل إضايف عىل أن حكومة نتنياهو غري جديرة بالثقة وال يمكن توقع ترصفاهتا وأهنا حكومة تسعى إىل إعادة التفاوض حول ملفات وقضايا حسمت يف السابق وتضمنتها معاهدة السالم. كام أن احلادثة أقنعت األردنيني أكثر فأكثر بأن إرسائيل مل تكن جادة أبدا يف التزاماهتا كام هو منصوص عليه يف معاهدة السالم. )121( اجلروسامل بوست 10 ترشين أول )122( انظر إىل املادة الرابعة من معاهدة السالم.

190 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 189 وخالل الفرتة األوىل من حكم نتنياهو أصب. األردنيون غري مرتاحني لسياسته وقيادته لذلك كان امللك عبداهلل الثاين فرحا ألن يرى هناية نتنياهو ويرى أهيود باراك حيل مكانه فباراك الذي رب. انتخابات عام 1999 وعد بالسالم وأوجدت عودة حزب العمل للسلطة بصيصا من األمل من أن تغيريا ما سيحدث غري أن املسألة أعمق بكثري من تغيري رئيس حكومة فإرسائيل تغريت بشكل جذري وموقفها من السالم مل يعد منسجام مع األولويات األردنية )التفاصيل يف الفصل القادم(. التطبيع ومنتقدوه مل يكن مفهوم التطبيع يف سياق عملية السالم جديدا إذ ظهر للمرة األوىل يف منتصف السبعينيات عندما كتب حممد سيد أامد )صحايف مرصي يساري. ويف هذا الكتاب قدم املؤلف معروف( كتابا بعنوان عندما تصمت املدافع )123( رؤيته عن التعامل مع إرسائيل بعد توقيع معاهد سالم. ونادى يف كتابه إىل التسوية السلمية مع إرسائيل ألن العامل قد تغري وأن هناك حوافز لتدعيم السالم بدال من اندالع احلروب. ويضيف بأنه ال يوجد مناص من االعرتاف الضمني بوجود )123( حممد سيد اامد بعد أن تسكت املدافع )بريوت: دار القضايا 1975(.

191 190 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد إرسائيل بحدود آمنة ومعرتف هبا بعد أن يستعيد العرب أراضيهم املحتلة وبعد أن يقوم كيان للفلسطينيني )124(. الكتاب صدر قبل أن يقوم السادات بزيارة القدس وكأن الكتاب كتب مسرية التسوية قبل أن تبدأ. غري أن مقوالته مل حتظ بقبول يف الشارع املرصي والعريب وبالتايل تعرض كتابه لنقد واسع يف العامل العريب. يف السنتني األوليتني من معاهدة السالم مع إرسائيل عجت الصحافة األردنية بمقاالت تناقش موضوع التطبيع وحينها كان هناك أقلية تدفع باجتاه التطبيع مع إرسائيل بشكل علني لكن ما أن توىل نتنياهو منصب رئيس الوزراء وبدأ بسياساته االستفزازية حتى اختفى النقاش حول التطبيع. وبالفعل املت كلمة التطبيع واملطبع إحياءات سلبية وأصبحت مثل هذا النوع من املفردات يوظفي يف سياق االزدراء. ومع ذلك فخالل أول سنتني بعد توقيع املعاهدة بدا وكأن السلوك الشعبي يف األردن متغريا وكان هناك الكثريون ممن اعتقدوا أن الرأي العام األردين كان قابال للتغري لكن وعىل الرغم من التفاؤل األويل مل تتحقق عوائد السالم فالتجارة نمت بشكل بطيء والعوائد من السياحة اإلرسائيلية كان أيضا متواضعة. فالسياح كانوا يأتون من إرسائيل لقضاء يوم أو يومني لكنهم ال يقيمون يف األردن أليام كثرية واألردنيون انتقدوا ذلك بالقول أن السياح )124( املصدر نفسه.

192 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 191 اإلرسائيليني يأتون حاملني معهم شطائر األكل وال يشرتون تذكارات. واشتكى األردنيون أيضا من قيام وكاالت السياحة اإلرسائيلية بجذب السياح من خمتلف دول العامل إىل إرسائيل )مستخدمة البرتاء يف إعالناهتا( وتضيف يوما أو يومني يف األردن بينام يقضون كل الوقت يف إرسائيل. لذلك سارع األردنيون بالقول أن هناك مؤامرة إرسائيلية لرتويج البرتاء لصال. االقتصاد اإلرسائييل وعىل حساب املصال. األردنية. واتض. رسيعا بأن "سالم امللك" خيرس الدعم الشعبي. وكان الرأي العام يف األردن وكذلك املوقف من السالم يتحدد بشكل كبري نتيجة حلقيقة أن نصف السكان يف األردن تنحدر من أصول فلسطينية بينام النصف اآلخر كان حساسا من السياسات اإلرسائيلية وعدم جدية اإلرسائيليني عندما يتعلق األمر بصنع السالم مع الفلسطينيني يف األرايض املحتلة. فالقضية الفلسطينية هي قضية داخلية يف األردن. ربام استغرق قادة إرسائيل وقتا طويال لفهم بأن انطباعات وتصورات األردنيني عن السالم خمتلفة عام هي لدهيم. ويف الواقع كان األردنيون غري مدركني للقاءات الرسية بني امللك حسني وقادة إرسائيل فقبل سنوات قليلة من املعاهدة أيد األردنيون بشكل كبري الرئيس صدام حسني عندما أطلق تسعة

193 192 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد وثالثني صاروخا عىل إرسائيل. وعالوة عىل ذلك ما زالت صورة إرسائيل يف الصحافة األردنية سلبية وكذلك األمر يف بعض الكتب املقررة يف املدارس )125(. وبقيت معاهدة السالم مع إرسائيل ولسنوات طويلة نقطة خالف رئيسة بني احلكومات األردنية من جانب واملعارضة من جانب آخر. طبعا انتقدت بعض القوى السياسية يف األردن التطبيع من منطلق أيدولوجي ويف سياق معارضتها املبدئية واأليدولوجية للسالم مع إرسائيل بشكل عام وملعاهدة السالم مع األردن بشكل خاص. فقد حارب اإلسالميون لفرتة طويلة عملية التطبيع وهناك الكثري من اخلطابات والبيانات التي أصدرهتا القوى اإلسالمية والتي ركزت عىل رضورة االلتزام بعدم التطبيع مع إرسائيل. فالتطبيع وفقا هلم هو أمر تفرسه إرسائيل بأنه أداة للهيمنة عىل املنطقة وهو يتأتى من مفهوم ديني تقليدي يشدد عىل تفوق اليهود عىل سائر األمم. بمعنى يشكل التطبيع أداة الخرتاق الثقافة العربية. وربام كانت النقطة األخرية املتعلقة بمقاومة التطبيع هي أكثر وسيلة فاعلة إلقناع الناس وإخافتهم من ممارسة أي عملية تطبيعية مع إرسائيل. فقد لعبت عىل وتر املخاوف من التأثري الغريب والصهيوين وهي خماوف مهيمنة يف العامل العريب. وركزت القوى )125( ملزيد من التفاصيل عن كيف قام العرب بدراسة إرسائيل انظر Hassan A. Barari, Israelism: Arab Scholarship on Israel, a Critical Assessment (London: Ithaca, 2009).

194 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 193 املناهضة للتطبيع يف األردن عىل أن إرسائيل لدهيا خمطط لغزو العامل العريب ثقافيا واقتصاديا من خالل بوابة األردن وغالبا ما ردد الناطقون باسم حركة مقاومة التطبيع هذه املقوالت. وعليه فإن معارضة التطبيع سبقت توقيع معاهدة السالم إذ شكلت جبهة العمل اإلسالمي مع سبعة أحزاب يسارية وقومية جلنة مقاومة التطبيع واالستسالم حتى قبل توقيع املعاهدة وعىل الرغم من اخلالفات االيدولوجية اجلذرية بني هذه القوى السياسية إال أهنا كلها بقيت متحدة يف التزاماهتا األيدولوجية يف مناهضة التطبيع مع إرسائيل. وانضمت أيضا النقابات املهنية إىل هذه اللجنة وبدأت باختاذ إجراءات عقابية ضد أي عضو من أعضائها يف حال ممارسته للتطبيع مع إرسائيل. وعىل نحو الفت مل يقترص األمر عىل املعارضة األيديولوجية وإنام بقي األردنيون بشكل عام متوجسني من التطبيع بشكل عام وكانت املقولة السائدة يف النصف الثاين من التسعينيات هي االنتظار حتى تثبت إرسائيل بأهنا تلتزم بام قطعته عىل نفسها من تعهدات. اخلالفات يف التصورات بني اإلرسائيليني واألردنيني بقيت مستمرة وواضحة فمن ناحية استعمل اإلرسائيليون املعاهدة لتعزيز مقولتهم بأنه مل تعد هناك قضية عالقة بني األردن وإرسائيل وبالنسبة للكثري منهم فإن السالم بني األردن وإرسائيل تأخر كثريا وكان من املفروض أن يتم التوصل إليه سنوات

195 194 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد طويلة قبل توقيعه رسميا. ويف املقابل سعى األردنيون للحصول عىل تطمينات من إرسائيل فبالنسبة للغالبية الساحقة من األردنيني متثل إرسائيل دولة توسعية وعنيفة. واإلرسائيليون ال يتفقون مع الرؤية األردنية وال يشعرون بأن عليهم طمأنة األردنيني )126(. ويفصل اإلرسائيليون بني األردن وفلسطني بشكل أزم من العالقات مع األردن فبينام تؤيد الغالبية الساحقة من الوسط اليهودي اإلرسائييل معاهدة السالم مع األردن لكن هذه النسبة هتبط كثريا عندما يتعلق األمر بتأييد عملية أوسلو )127 ). فهم يرون األردن كنقطة انطالق لتحقيق مصاحلة إقليمية أوسع يف العامل العريب. وكام أشري إليه سابقا أضعف انتقال املركز السيايس يف إرسائيل جتاه اليمني من معسكر السالم يف األردن وأعطى دفعة قوية ملناهيض التطبيع يف األردن. ففي شهر فرباير من العام 1996 تم تفجري حافلتني إرسائيليتني ما أدى إىل مقتل وجرح العرشات من اإلرسائيليني طبعا أدان األردن الرسمي اهلجامت الفلسطينية وعكس اإلعالم الرسمي هذا التوجه فصحيفة اجلوردان تايمز كتبت يف United Press International, 17 July )126( ملزيد من التفصيالت أنظر )127( مركز تامي شتاينمتس مصدر سابق

196 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 195 افتتاحيتها بأن القنابل استهدفت السالم )128(. توقيت اهلجامت كان ضارا بالنسبة لشيمعون بريس الذي كان خيوض معركة انتخابية كان من املفروض أن تكون سهلة فقبل أشهر قليلة من إجراء االنتخابات انطلقت اهلجامت الفلسطينية وصواريخ حزب اهلل ما أضعف بريس الذي أخذت شعبيته بالرتاجع شيئا فشيئا إىل أن خرس االنتخابات. وما إن شن بريس عملية عناقيد الغضب يف أبريل 1996 وارتكاب القوات اإلرسائيلية جمزرة قانا حتى اشتاط مناهضو التطبيع يف األردن غضبا. فاالعتداءات اإلرسائيلية أعطت هذه القوى ذخرية إضافية الستهداف التطبيع. ورسعان ما تبدل اإلعالم األردين الذي بدأ يؤكد أن السالم تم ذبحه يف لبنان. وانضم الربملان األردين إىل النقاش العام إذ اصدر بيانا مؤكدا عىل أن األفعال اإلرسائيلية إنام تكشف الوجه احلقيقي للصهيونية والدولة العربية. وقد وصل الغضب األردين لذروته عندما بدأ الكثريون يقولون أن آلة احلرب اإلرسائيلية املتقدمة تكنولوجيا كان يمكن أن تتجنب جمزرة قانا لكنها أرصت عىل قتل اللبنانيني بدماء باردة. ربام ال يوجد إال القليل من بني األردنيني من كان سيصدق أن إرسائيل رضبت مقر قانا عن طريق اخلطأ. )128( اجلوردان تايمز 4 آذار 1996.

197 196 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد لكن إرسائيل باملقابل كانت ترى األمور من منظور خمتلف فوقفا لإلرسائيليني كان عىل العرب أن يستوعبوا أن األمن هو القضية املركزية للعقل اليهودي وللنفسية اإلرسائيلية. ويف كتابه عن السياسة اخلارجية اإلرسائيلية وصناعتها يناقش مايكل بريكر املنظور اليهودي )129( ورضورة أن يتوقف العرب عن "التحريض" ضد إرسائيل. ومما ال شك فيه هناك مركزية لألمن واضحة يف إرسائيل لكن هناك أيضا من يرص عىل أن إرسائيل تستخدم األمن كذريعة لتربير اجلمود يف عملية السالم مع العرب ولتربير التوسع اإلرسائييل عىل حساب الفلسطينيني. ومع ذلك بقيت مقولة إرسائيل املركزية تدور حول عجز احلكومة اللبنانية وعدم قدرهتا عىل وقف هجامت حزب اهلل عىل إرسائيل وبالتايل ال بد من أن تدفع احلكومة اللبنانية ثمنا باهظا وحتى اإلرسائيليون الذين دعموا عملية أوسلو متفقون مع هذه املقولة. باختصار سعى األردن الرسمي إلجياد أرضية مشرتكة مع إرسائيل. فقبل تويل نتنياهو رئاسة احلكومة والبدء بسياسات استفزازية بقي مفهوم التطبيع نوعا ما حمايدا لدى الكثري من األردنيني. فلم يصل املفهوم لدرجة العيب وإنام بقي )129( أنظر إىل Michael Brecher, The Foreign Policy System of Israel: Setting, Images, Process (London: St Martin's Press, 1972).

198 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 197 موضوعا كان بإمكان األردنيني االختالف أو االتفاق معه أو دعمه أو العمل ضده. لكن بعد حماولة اغتيال خالد مشعل مل يعد لدى األردنيني إيامن بالتطبيع مع إرسائيل. ومع أن امللك حسني مل يستسلم ومل يفقد األمل بالسالم والتطبيع معا فقد بدا له قبل وفاته بفرتة وجيزة بأن معركة قبول األردن للدولة العربية قد انتهت. والسبب من وجهة نظر امللك كان السياسات اإلرسائيلية بالدرجة األوىل. والسالم وصل إىل مرحلة مجود أكثر من أي وقت مىض ومل يعد الشعب األردين يؤمن باحتاملية السالم والتعايش مع إرسائيل فصورة إرسائيل تشوهت بشكل يسء وبخاصة بعد اندالع انتفاضة األقىص واستفحال السياسات األحادية من قبل حكومات اليمني اإلرسائييل. خامتة بعد أشهر قليلة من تسلم امللك عبداهلل الثاين سلطاته الدستورية التقى رئيس الوزراء اإلرسائييل اهيود باراك والرئيس الفلسطيني يارس عرفات يف منتجع كامب ديفيد يف حماولة للتوصل إىل اتفاقية سالم شامله وهنائية. وفشل هذا اجلهد ومعه أيضا فشلت حماوالت الرئيس بيل كلينتون إلنقاذ املحادثات ما ولد إحباطا عاما. وأفىض اهنيار حمادثات كامب ديفيد إىل حدثني مرتابطني كان هلام أمهية كبرية

199 198 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد بالنسبة لعالقة األردن مع إرسائيل. أوال جلأ الفلسطينيون إىل انتفاضة األقىص وثانيا انتقل املجتمع اإلرسائييل أكثر فأكثر جتاه اليمني. وباملجمل انتاب األردنيني شكوك بأن إرسائيل كانت تعمل بنية سيئة فبالنسبة لغالبية من األردنيني فإن اجلانب اإلرسائييل كان مهتام فقط يف إدارة الرصاع بدال من حله. فبالنسبة هلم إرسائيل مصممة عىل التوسع عىل حساب الفلسطينيني. وبعد أن استبطن األردنيون بأن إرسائيل ليست جادة يف مفاوضات السالم وبخاصة بعد إن اعتىل شارون سدة السلطة يف إرسائيل متاهى األردنيون مع القضية الفلسطينية بشكل كامل. وإذا كان هناك بريق أمل بأن إرسائيل واألردن يمكن هلام أن يصال إىل سالم دافئ فإن االنتفاضة وردة فعل اإلرسائيليني عليها بددا ذلك األمل الضعيف أصال. مل يكن هناك نقص يف مبادرات السالم فامللك عبداهلل عىل سبيل املثال بذل جهدا مضنيا إلهناء النزاع وإحقاق السالم ويف مارس من العام 2007 ألقى امللك عبداهلل الثاين خطابا أمام جلسة مشرتكة بني أعضاء جمليس الشيوخ والنواب بالكونغرس خصصه بالكامل للقضية الفلسطينية يف حماولة إلقناع األمريكان برضورة تبني وتأييد حل الدولتني. فمن وجهة نظر األردنيني فإن األحداث التي وقعت يف أعقاب اندالع انتفاضة األقىص قد أثبتت بام ال يدع جمال للشك بأن السالم غري ممكن مع اإلرسائيليني. ويف الوقت احلارض فإن القوى املعارضة

200 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 199 للتطبيع مع إرسائيل تسيدت املوقف ألن اجلميع تقريبا يف األردن يرون أن إرسائيل هي بلد معاد للسالم. واآلن يمكن القوى أن املعسكر املعارض للتطبيع امتلك قضية قوية. وجيادل هذا املعسكر بأن إرسائيل استمرت يف بناء املستوطنات بشكل متواصل وقدمت هذه املستوطنات كأمر واقع. وحتى احلكومة األردنية قامت بانتقاد إرسائيل بشكل منتظم وممنهج بسبب السياسة االستيطانية وبسبب جدار الفصل الذي هدد عملية السالم وقوضها. ويف أكثر من مناسبة خاطب امللك الرأي العام اإلرسائييل ملامرسة الضغط عىل حكومته لصنع السالم. الالفت أن مقولة أن املجتمع اإلرسائييل انتقل إىل اليمني أصبحت مقولة رائجة يف األردين سواء بني النخب أو املواطنني العاديني. فاألردنيون من خمتلف ألوان الطيف السيايس توصلوا إىل نتيجة مفادها أنه مل يعد هناك يف إرسائيل ما يمكن أن يطلق عليه اسم اليسار أو حتى معسكر السالم فقد تغريت اخلريطة السياسية يف إرسائيل يف آخر عقدين بحي مل تعد قادرة عىل إنتاج أي حتالف للسالم وال يمكن أن تقدم دفعة إلحالل السالم. وبأثر رجعي يمكن القول أن الطريقة الوحيدة التي كان من املمكن أن تأخذ السالم بني األردن وإرسائيل إىل مرحلة أفضل هي لو أن املسار الفلسطيني اإلرسائييل انتهى بسالم مقبول وعادل. وكان هذا األمر واضحا لألردنيني ولكنه ليس كذلك بدرجة كافية بالنسبة للحكومات اإلرسائيلية والرأي العام اإلرسائييل. وهذه النتيجة تقودنا إىل السؤال

201 200 فشل النموذج: من سالم دافئ إىل سالم بارد التايل: ماذا خيبئ املستقبل لألردنيني واإلرسائيليني يف هذا العامل املتغري هذا هو موضوع الفصل القادم.

202 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 201 الفصل اخلتامي عىل الرغم من أن معاهدة السالم بني األردن وإرسائيل قد جتاوزت التقلبات التي عصفت باإلقليم منذ توقيعها إال أن العالقة الثنائية بني البلدين هي أبعد عام يمكن وصفه بعالقات دافئة. فاألردنيون وعىل كافة املستويات ينتقدون السياسات اإلرسائيلية ويرون يف إرسائيل دولة خطرة وتوسعية. ويف كتابه املعنون ب "فرصتنا األخرية: السعي نحو السالم يف زمن اخلطر" يقول امللك عبداهلل الثاين بأن كل واحد يف هذا اإلقليم "خيشى بأننا سنبتىل عام قريب بحرب جديدة أخرى... والسياسات اإلرسائيلية هي السبب الرئيس هلذا الواقع القاتم" )130(. ومع أن امللك عبداهلل انتقد إرسائيل يف أكثر من مناسبة إال أنه يبدو أن ال خيار لعامن سوى احلفاظ عىل العالقات مع إرسائيل بغض النظر عن حقيقة أن جممل التطورات تفيد بأن البلدين قد جيدا نفسيهام يف حالة من الصدام يف املستقبل. ثامنية وعرشون عاما مرت عىل بدء عملية السالم يف مدريد ومع ذلك ال يبدو أن التوصل إىل اتفاقية سالم هنائية بني الفلسطينيني واإلرسائيليني أمرا يف )130( أنظر King Abdullah II of Jordan, Our Last Best Chance: A Story of War and Peace (New York: Penguin Group, 2011).

203 202 الفصل اخلتامي متناول اليد. فالواقع القاتم )الذي متيز بانعدام الثقة وعدم التيقن والعداء( ال يقدم الكثري من األمل. صحي. أن كل أطراف الرصاع تتحدث عن مركزية السالم ملستقبل مستقر ومزدهر إال أن هناك أربعة عوامل ما زالت تشكل عائقا أمام انتقال حقيقي للسالم. أوال ال تؤمن القيادة اإلرسائيلية بأنه من املمكن أو حتى من الرضوري التوصل إىل اتفاقية سالم مع اجلانب الفلسطيني فواقع احلال يشري إىل أن قادة إرسائيل ال يمتلكون احلس برضورة إهناء الرصاع. وهلذا السبب نجد أن كبار قادة إرسائيل ال يعريون حل القضية أولوية ويركزون عوضا من ذلك عىل إيران كمصدر للتهديد ألمن إرسائيل. والبداية كانت مع بنيامني نتنياهو عندما توىل رئاسة حكومة إرسائيل للمرة األوىل يف منتصف عام 1996 وكان شغله الشاغل آنذاك هو إفشال عملية أوسلو. واآلن ومع تكثيف النشاط االستيطاين يف األرايض املحتلة يرى الكثريون بأن حل الدولتني مل يعد خيارا عمليا فعدد املستوطنني يف الضفة الغربية والقدس الرشقية جتاوز حاجز النصف مليون منذ سنوات وهو األمر الذي حد من قدرة أي رئيس حكومة عىل اختاذ أي إجراء رادع للنشاط االستيطاين ألن البقاء السيايس يف هذه احلالة هو عىل املحك. وبعبارة أخرى فإن دينامية القوة داخل املجتمع اإلرسائييل تشكل عائقا حقيقيا أمام حتقيق السالم.

204 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 203 ثانيا ال يتمتع الرئيس الفلسطيني احلايل حممود عباس بنفس مكانة سلفه الراحل يارس عرفات فخالل حكم عرفات مل يكن من املمكن عمليا ألي فصيل فلسطيني أن يزايد عليه بنجاح فكان ي نظر للرئيس عرفات عىل نطاق واسع بأنه جي سد احلركة الوطنية الفلسطينية. غري أن الوضع تغري مع الرئيس احلايل فاالنقسام الفلسطيني بني اماس يف غزة وفت. يف الضفة الغربية جعل من الرئيس عباس بطة عرجاء. ويعتقد قادة إرسائيل بأن الرئيس حممود عباس ليس يف موقع يمكن له من خالله التوصل إىل معاهدة سالم مع اإلرسائيليني ناهيك عن تنفيذ مثل هذه االتفاقية يف حال التوصل إليها. فحركة اماس قد وصلت إىل مكانة إقليمية عالية ومتتلك القدرة عىل ختريب أي تسوية سليمة ال توافق عليها لذلك فاالنقسام بني الفلسطينيني وتنافسهم الدائم دفع الكثري من املراقبني يف اإلقليم إىل التشكيك بقدرة عباس عىل أن تنازالت متبادلة. يكون رشيكا قادرا يف أي عملية سالم حقيقية تستلزم تقديم ثالثا هناك ما يشري إىل أن الواليات املتحدة راعي السالم والالعب األهم بالنسبة لطريف الرصاع مهتمة أكثر بعملية إدارة الرصاع بدال من حله. فعىل العكس من الرئيس بيل كلينتون الذي خاطر عندما انخرط شخصيا بتفاصيل التسوية السياسية فإن خلفه الرئيس جورج بوش والذي جاء إىل السلطة يف عام 2001 اتبع سياسة رفع اليد عن ملف التسوية برمته. من هنا كان الرئيس بوش

205 204 الفصل اخلتامي وإدارته وملدة سبع سنوات متتالية جزءا من املشكلة بدال من أن يكونوا جزءا من احلل. فتأييد الرئيس بوش للحكومات اليمينية يف إرسائيل رفع الضغط عن إرسائيل وشجع احلكومات اإلرسائيلية عىل تبني سياسات أقنعت خمتلف الالعبني يف اإلقليم بأن الواليات املتحدة ليست وسيطا نزهيا يف عملية السالم. وسواء عن وعي أو غري ذلك فقد نظر الرئيس بوش إىل سياسات وإجراءات شارون املعادية للسالم وكأهنا تصب يف سياق احلرب ضد اإلرهاب. لذلك شعر شارون بأنه متحرر من كل الضغوط وعندها طرح جانبا عملية السالم واتبع سياسة أحادية يف العالقة مع الفلسطينيني وقضيتهم. وحتى عندما تعامل الرئيس بوش مع خليفة شارون األقل تطرفا أهيود أوملرت يف مؤمتر أنابوليس الذي عقد يف هناية عام 2007 فقد جاءت خطوة بوش متأخرة جدا وقليلة جد ا )131 ). وعندما أصب. )131( أنظر Hassan A. Barari, The Annapolis Meeting: Too Little Too Late! CSS Papers, November تسلط هذ الدراسة عىل الديناميكيات التي حتدد النجاحات أو االخفاقات يف مؤمتر انابوليس املتعلق بحل الرصاع الفلسطيني اإلرسائييل. فتاريخ عملية السالم بني إرسائيل والفلسطينيني تفيد بأن العوامل الداخلية هي املفتاح لفهم قدرة أو عجز طريف الرصاع عىل تنفيذ االتفاقيات. وهلذا السبب فإن مؤلف الدراسة يستنتج فهم هذه الديناميكيات الداخلية هو من الرضورة بمكان لنجاح عملية السالم.

206 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 205 باراك أوباما رئيسا للواليات املتحدة يف شهر يناير من العام 2009 حاول كل ما يف وسعه ملساعدة طريف الرصاع من أجل التوصل إىل اتفاق سالم خالل فرتة رئاسته األوىل لكنه أخفق. أما يف فرتة رئاسته الثانية فقد أصب. الرئيس أوباما مشغوال أكثر بقضايا أكثر أمهية منعته من أن يستثمر رئاسيا يف علمية السالم. وأخريا هناك فجوة ثقة متنامية بني الفلسطينيني واإلرسائيليني وهي فجوة أحلقت رضرا بالغا بعملية السالم بشكل عام. فمنذ اندالع انتفاضة األقىص يف سبتمرب 2000 وصعود اماس يف السياسة الفلسطينية مل يتخذ اجلانبان أية خماطرة سياسية أو أمنية رضورية لتحقيق السالم. طبعا صحي. أن هناك قوى سياسية إرسائيلية توظف انعدام الثقة بني اجلانبني إلحداث تغيريات عىل أرض الواقع لصال. املستوطنني لكن من الصحي. أيضا القول بأن هناك غالبية ساحقة من بني اليهود اإلرسائيليني مل تعد تثق بالفلسطينيني والعكس صحي. أيضا. ويرى الفلسطينيون بأن إرسائيل ليست جادة يف عملية السالم وأهنا تستخدم عامل الوقت لدفع الفلسطينيني إىل حافة االستسالم. عمليا هناك مفارقة يف الواقع السيايس احلايل عند اجلانبني. فمن ناحية يعد حل الرصاع أمرا رضوريا للجانبني لكن ومن جانب آخر فإن احلد األعىل ملا يمكن أن تقدمه أي حكومة إرسائيلية لصنع السالم مع الفلسطينيني وبقائها سياسيا هو أقل بكثري من احلد األدنى الذي يمكن أن تقبل به أي حكومة فلسطينية

207 206 الفصل اخلتامي وحتافظ عىل بقائها السيايس. وهذه القراءة دفعت بالعديد من املراقبني إىل تقدم اقرتاحات ومقاربات ختتلف عن مقاربة حل الدولتني )سنناقش هذه املقولة يف باقي هذا الفصل(. تصورات التهديد عند األردنيني دفع اإلخفاق يف عملية السالم العديد من املحللني والسياسيني إىل التفكري يف الدور )إذا ما كان هناك دور( الذي يمكن أن يلعبه األردن يف الضفة الغربية. وهناك أيضا العديد من الذين تساءلوا فيام إذا كان ينبغي عىل األردن أن يتدخل وإذا كانت اإلجابة نعم فتحت أي رشوط عندها بطبيعة احلال فإن مثل هذه األسئلة تربط بشكل غري مبارش بني حتركات األردن يف اإلقليم والدينامية املتغرية يف الساحة السياسية الفلسطينية. فنسبة لعدد من اإلرسائيليني فإن إخفاق الفلسطينيني يف التوحد خلف اسرتاتيجية موحدة سيفيض من مجلة ما سيفيض إليه إىل انخراط أردين غري مبارش يف الضفة الغربية. هذه الرؤية االسترشاقية تفتقد لفهم التفكري االسرتاتيجي األردين الذي تطور خالل العقدين املاضيني فتقديم األردن وكأنه يرتبص لفشل الفلسطينيني يف مرشوع بناء دولتهم حتى ينتهز الفرصة فيه الكثري من انعدام الرؤية يف التقاط التعقيدات التي حتيط بالتصورات التي يراها األردنيون لألخطار التي هتدد بلدهم.

208 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 207 فالكثري من األردنيني يقولون بشكل علني ودائم بأن حل الدولتني هو احلل األمثل بالنسبة هلم فعىل مدار السنوات تشكل أمجاع وطني أردين يفيد بأن اإلخفاق يف ترمجة مقاربة حل الدولتني إىل واقع ينطوي عىل هتديد لألمن الوطني األردين. غري أن املفارقة تكمن يف أن األردنيني مل حيددوا بعد ماذا بوسع بلدهم أن يقوم به حلامية األمن الوطني يف حال فشل إقامة حل الدولتني. بمعنى آخر ال يوجد هناك خطة بديلة للتعامل مع الضفة العربية إذا ما اهنارت السلطة الفلسطينية وعمت الفوىض أو حتى إذا ما متكنت اماس من السيطرة عىل الضفة الغربية أو يف حال استمرار األمر القائم لسنوات قادمة. وعىل آية حال فقد قدم العديد من املراقبني األجانب إجابات عىل ذلك. ونتيجة لذلك هناك فكرتان إشكاليتان أصبحتا موضعا للنقاش يتناوهلام املحللون والسياسيون بني الفينة واألخرى عىل مدرا العقود الثالث املاضية: الكونفدرالية بني األردن والفلسطينيني واخليار األردين الذي ينص عىل ضم أجزاء من الضفة الغربية لألردن لتكون حتت السيادة األردنية. ويمكن القول إن األردنيني ال يرتاحون لطرح مثل هذه األفكار التي غالبا ما يرددها املحللني والسياسيني اإلرسائيليني. من هنا من الطبيعي يكرر أن األردنيون مقولة واحدة جتمعهم وهي أن األردن يواجه خطرا واحدا مصدره السياسات اإلرسائيلية جتاه عملية السالم. وهناك العديد من املقاالت التي نرشت

209 208 الفصل اخلتامي يف الصحافة األردنية تؤكد عىل هذه النقطة عىل وجه التحديد. وال بد هنا من التوضي. كيف يبني األردنيون تصوراهتم للتهديدات التي مصدرها استعصاء حل الرصاع بني الفلسطينيني واإلرسائيليني أو التي مصدرها أي حل بديل عن حل الدولتني. فكام هو احلال مع معظم اإلرسائيليني الذين يؤيدون إقامة دولة فلسطينية مستقلة كوسيلة لضامن هيودية وديمقراطية إرسائيل وكوسيلة لتجنب سيناريو حل الدولة الواحدة ثنائية القومية فإن األردنيني يدعمون خيار وسيناريو حل الدولتني لتجنب إمكانية الوحدة بني األردن وما تبقى من فلسطني. واملقولة الشائعة يف األردن تفيد بأن الوحدة مع ما تبقى من فلسطني ما هو إال سيناريو قاتم ألن إرسائيل حتل كل مشاكلها الديمغرافية عىل حساب األردن أوال والفلسطينيني ثانيا. فهناك قناعة تامة عند أعداد متزايدة من األردنيني تفيد بأن إرسائيل تسعى لتجنب الكابوس الديمغرايف عىل حساب األردن. لقد طرح األردن جانبا كل "أطامع" اهلاشميني السابقة املتمثلة برضورة إخضاع الضفة الغربية للحكم اهلاشمي ومع هنايات الثامنينيات توصل امللك حسني إىل قناعة جديدة تفيد بأنه ال يمكن له أن يمنع إقامة دولة فلسطينية دون أن تقوم حكومة الليكود بضم الضفة الغربية. بمعنى أن اهلدفني األردنيني املتمثلني بمنع إقامة دولة فلسطينية ومنع إرسائيل من ضم الضفة الغربية مها هدفان متضاربان. عندها برزت مدرسة سياسية أخرى يف األردن تفيد بأن األردن

210 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 209 سيكون يف حال أفضل من دون أي وحدة مع الفلسطينيني. وقد دفع هذا التفكري اجلديد امللك حسني الختاذ قرار فك االرتباط مع الضفة الغربية. وقد تناول نائب رئيس الوزراء األردين األسبق مروان املعرش والذي خدم أول سفري أردين يف إرسائيل هذه القضية يف كتابه عن املركز العريب. ويف كتابه تناول املعرش صعود فكرة حل الدولتني عىل حساب فكرة إعادة الضفة الغربية إىل السيادة األردنية. ويقول املعرش إن املدرسة التقليدية )التي كانت تعترب إقامة دولة فلسطينية خطرا عىل األردن ألهنا ستكون دولة ذات نزعة حتررية قد تستهدف األردن( تراجعت لصال. مدرسة أخرى ترى يف إقامة دولة فلسطينية مستقلة مصلحة عليا لألردن. )132( وهناك العديد من األسباب التي تقف خلف التحول يف موقف األردن ويكفي هنا أن نذكر القلق الديمغرايف حمفزا رئيسا لربوز مدرسة حل الدولتني إذ أثارت هذه االعتبارات الديمغرافية قلقا أردنيا مع هناية الثامنينيات وبداية التسعينيات عندما بدأ الكثري من األردنيني يرون أن شعار الليكود بأن "األردن هو فلسطني" هو شعار خطر ويشكل قلقا وجوديا. )132( أنظر Marwan Muasher, The Arab Center: The Promise of Moderation (New Haven, Conn.: Yale University Press, 2008), pp

211 210 الفصل اخلتامي بناء عىل هذا املنطق حاول امللك عبداهلل الثاين الرتكيز عىل رضورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا. لعب األردن دورا بارزا وعىل مسارين خمتلفني. أوال أسهم األردن بشكل فاعل يف بلورة مبادرة السالم العربية التي جاءت كمحاولة حلل الرصاع مع إرسائيل وبالفعل قام امللك بالرتويج هلذه املبادرة وبقوة. وقد نادت املبادرة بانسحاب إرسائيل إىل خطوط الرابع من حزيران يف إطار معاهدة سالم بني العرب وإرسائيل ونادت أيضا بحل يتوافق عليه الطرفان ملشكلة الالجئني. غري أن إرسائيل مل تقم وزنا هلذه املبادرة واستمرت يف سياساهتا األحادية. ثانيا عمل األردن بشكل وثيق مع إدارة الرئيس بوش لتطوير خطة خارطة الطريق التي استندت إىل رؤية واشنطن يف حل الدولتني. ومن أجل إبقاء الضغط عىل اإلدارة األمريكية قام امللك حسني بإلقاء خطاب أمام جلسة مشرتكة يف الكونغرس األمريكي بشهر مارس 2007 إلرسال رسالة واضحة لإلدارة حيال هذه النقطة عىل وجه اخلصوص. وناشد امللك أعضاء الكونغرس مساعدته عىل تنفيذ حل الدولتني وفقا ملبادرة السالم العربية وخطة خارطة الطريق. وعىل الرغم من اجلهود األردنية املتمثلة بخلق الزخم املنشود لتحيق حل الدولتني إال أن مقاربة حل الدولتني بدأت تفقد زمخها عىل مدار العقد األخري. وهنا نشري إىل االسرتاتيجي اإلرسائييل غيورا ايالند )الرئيس األسبق ملجلس

212 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 211 األمن القومي اإلرسائييل( الذي قام بنرش دراسة أكد فيها عىل رضورة إعادة التفكري بنموذج حل الدولتني كام أن هناك عددا آخرا من الباحثني بدأ يطرح أسئلة حول جدوى احلدي عن حل الدولتني )133(. نشري هنا إىل أن جمرد احلدي عن مثل هذه األفكار يف واشنطن يثري حنق وقلق األردنيني وهو أمر خضع لنقاش عام يف األردن عام وقد أبرز النقاش العام واملتجدد يف األردن حقيقة أن الغالبية الساحقة من األردنيني تعارض فكرة الوحدة مع الفلسطينيني قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة. وكان هناك عدد حمسوب ومعزول من الكتاب األردنيني من أصول فلسطينية نادوا برضورة إعادة التفكري يف موقف األردن حيال قضية الوحدة مع الفلسطينيني وكانت النقطة الرئيسة التي وظفوها تتعلق بالتاريخ والتي تفيد بأن الضفة الغربية كانت جزءا من األردن وبالتايل فإن الوحدة ليست فقط أمرا حتميا وإنام يف صال. األردن. غري أن الغالبية من الكتاب األردنيني واملسؤولني انتقدوا هذه اآلراء )133( ملزيد من التفاصيل أنظر Giora Eiland, Rethinking the Two-State Solution (Policy Focus no. 88) (Washington, D.C.: Washington Institute for Near East Policy, September 2008); available online ( See also Nathan Brown, Sunset for the Two-State Solution? (Policy Brief no. 58) (Washington, D.C.: Carnegie Endowment for International Peace, May 2008).

213 212 الفصل اخلتامي واهتموا مطلقيها بأنه يطلقوا أفكارا يمكن هلا أن تكون فقط مقدمة لسيناريو الوطن البديل )وهو السيناريو الذي يكرهه األردنيون( وتقدم خدمة لليمني اإلرسائييل. ونتيجة لذلك خرست القوى الصغرية واهلامشية املؤيدة للوحدة النقاش العام وأصب. جزءا منها اعتذاريا. أثبت النقاش العام الذي دار فقط لفرتة قصرية بأنه ليس من السهل عىل األردنيني أن يعربوا عالنية عن األفكار التي تربط بلدهم بفلسطني والفلسطينيني. وقد تابع امللك عبداهلل الثاين النقاش العام يف األردن وحاول أن يضع هناية هلذا النقاش من خالل إرسال التطمينات إىل الشعب تؤكد أن حل الدولتني هو احلل الوحيد الذي من شأنه أن خيدم مصال. األردن والفلسطينيني معا. ويف مناسبات خمتلفة عىل مدار األعوام السابقة كرر امللك عبداهلل الثاين اسطوانة أن األردن هي األردن وفلسطني هي فلسطني. وعىل آية حال أبرز النقاش العام مسألة فيام إذا كان عىل األردن أن يتبع سياسة نشطة ملساعدة الفلسطينيني يف تنظيم شؤوهنم. وبكل تأكيد فإن إقامة دولة فلسطينية تتطلب رشيكا فلسطينيا يمكن الوثوق هبا. ولسوء احلظ فقد أخفق الفلسطينيون يف التوحد خلف إسرتاتيجية أو هدف اسرتاتيجي هنائي واحد. فاخلالف بني املعتدلني يف الضفة الغربية )ينظر إليهم كضعفاء( والرافضون )اماس( يف غزة والذي يتلقون الدعم من إيران وسوريا

214 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 213 أسهم يف الورطة الفلسطينية واليأس الذي بدأ خييم عىل إعداد متزايدة من الشعب الفلسطيني الساخط. من هذه الزاوية يشعر املراقب بأنه مضطر إلعادة النظر فيام إذا كان األردن حمقا باملراهنة عىل رئيس السلطة الفلسطينية حممود عباس يف املقام األول. فكيف لألردن أن يضغط باجتاه حتقيق حل الدولتني عندما تكون القوة املستفيدة عىل أرض الواقع )اماس( تستمر بتقويض مثل هذا احلل وأيضا إذا مل يتحقق حل الدولتني )وهو السيناريو املرض بالنسبة لألمن الوطني األردين( ما هي مقاربة األردن البديلة يف هذه احلالة ولتجنب العواقب اإلسرتاتيجية ملثل هذا السيناريو قامت األردن بشن املة ارتكزت عىل ثالثة حماور وهي املة استلزمت إحداث توازن. أوال قام األردن باالشتباك التدرجيي مع اماس مع أنه اشتباك مل يستمر إال لفرتة وجيزة ونظرا للخالف العميق بني اماس واألردن فإن هذه االشتباك يبدو حمريا فكيف يمكن للعمل مع اماس التي مل ترتدد يف تقويض أي عملية سلمية أن يساعد األردن عىل حتيق هدفه النهائي يف إقامة دولة فلسطينية مستقلة عىل حدود عىل 1967 واجلواب هو أن األردن حياول أن يساعد املعتدلني أو عىل األقل احتواء اماس عىل فرضية أن اماس هي تنظيم أقوى من أن يتم جتاهله. وبالتايل فإن التحالف مع الرئيس الفلسطيني حممود عباس كان مصمام لكي ال يتم معاقبة اماس ولكن إلحداث تغيري يف موقفها من عملية السالم ورشوط اللجنة

215 214 الفصل اخلتامي الرباعية. فبخصوص بعض األنظمة العربية املعتدلة والضعيفة نسبيا )كام هو احلال مع األردن( فإن احلصار املرضوب حول اماس وغزة من الصعب تربيره وبخاصة عندما يرى الرأي العام األردين أن الواليات املتحدة تنسحب من املنطقة وأن عملية السالم أصبحت فاقدة لزمخها وقوهتا. وبالتايل فإن انفتاح األردن عىل اماس ال يعرب عن تغيري يف اإلسرتاتيجية بقدر ما هو تغيري يف التكتيك. وهبذا املعنى فالتغيري يعكس حسابات عامن قريبة املدى بأن اماس يمكن أن تكون الالعب املهيمن يف السياسة الفلسطينية. ويف الوقت ذاته يبدو أن األردن بدأ بالتشكيك فيام إذا كان الرئيس عباس قائدا فاعال. وكام ذكرنا سابقا هناك العديد من األردنيني بدأوا يقتنعون بأن حممود عباس هو رئيس ضعيف ومرتدد وبالتايل يشكل رهانا خارسا. والنتيجة املنطقية هي أن الضفة الغربية قد تنزلق نحو الفوىض أو أن تسقط يف يد حركة اماس. والفرضية السائدة يف عامن هي أن الرئيس حممود عباس سيواجه حتديا بعد أن تنتهي فرتة واليته يف شهر يناير 2009 وبالتايل ما كان يمكن لألردن أن يبقى عن بعيدا االشتباك مع اماس التي كان من املحتمل أن تسيطر عىل األرايض الفلسطينية. هلذا سعت عامن خالل السنوات القليلة املاضية احلصول عىل التطمينات وااللتزامات بأن اماس لن تتدخل يف السياسة الداخلية األردنية يف

216 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 215 حال وصوهلا إىل السلطة يف الضفة الغربية. لكن مع قدوم الربيع العريب استدار األردن نحو الداخل خوفا من أن تعاين البلد من حالة من عدم االستقرار. خالل فرتة حكم الرئيس املرصي حممد حسني مبارك كان األردن يرى بجهود مرص يف التوسط بني فت. واماس أمرا حمببا. وكان يعتقد أن املصاحلة الفلسطينية ستكون يف صال. عامن يف حال استجابة اماس للرشوط الثالث للرباعية الدولية. وهذا حسب التقديرات األردنية سيفيض إىل إعادة تأهيل الرشيك الفلسطيني وسيقود أيضا إىل هجوم دبلومايس للتوصل إىل صفقة مع إرسائيل قبل فوات األوان. ومع ذلك كان هناك سلبية تتمثل يف أن األردن مل يلعب دورا حيويا بالتناغم مع مرص وهلذا السبب فإن تأثري األردن عىل دوائر صنع السياسة الفلسطينية كان قليال والواقع يشري إىل أنه ينبغي عىل األردن أن يلعب دورا أكثر حزما إذا ما كان بالفعل يسعى للتأثري عىل دينامية املشهد الفلسطيني املتغرية. أما الركيزة الثانية يف املقاربة األردنية فهي احلفاظ عىل دعم الرئيس حممود عباس أمال يف حتقيق حل الدولتني. وعىل الرغم أن مثل هذا احلل ال يلوح يف األفق إال أنه ليس بوسع األردن أن حيتمل الوقوف يف اخلندق املضاد ملا يريده عىل مدار السنوات. وهنا يبقى السؤال فيام إذا بإمكان األردن أن يلعب دورا فاعال يف الضفة الغربية. وال نذيع رسا أن قلنا أن األردن قدم املساعدة للسلطة الفلسطينية يف حماولة

217 216 الفصل اخلتامي األخرية تويل مسؤولياهتا األمنية يف األرايض الفلسطينية. وعىل وجه التحديد اقرتحت األردن أن تقوم القوات األردنية بتدريب قوات الرشطة الفلسطينية وأن ترسل األردن قوات بدر )القوات الفلسطينية املوالية لعباس واملقيمة يف األردن( إىل أرايض الضفة الغربية. وأكثر من هذا االنخراط املحدود من الصعب أن نتخيل أي دور سيايس مستقبيل لألردن يف الضفة العربية بسبب خوف عامن من ردة فعل الفلسطينيني أو انعكاس ذلك عىل الداخل األردين. وعىل سبيل املثال عكس استطالع للرأي أجراه مركز استطالعات الرأي واملسوحات بجامعة النجاح بأن %66.8 من الفلسطينيني ترفض فكرة الوحدة مع األردن )134(. كام أن األردنيني يرفضون أي دور لبلدهم يف الضفة الغربية. وباإلضافة إىل ذلك هناك ارث تارخيي من انعدام الثقة بني منظمة التحرير الفلسطينية والنظام األردين. ومع ذلك ربام يعيد بعض األردنيني النظر يف حال قيام دولة فلسطينية وهو األمر الذي كتبت عنه يف موقع آخر وفيه جادلت قائال: "عربت املعارضة اإلسالمية واليسارية عن رفضها املطلق ألي دور أردين حمدود يف الضفة الغربية قبل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة )134( اجلوردان تايمز 25 أيلول 2008.

218 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 217 ومستقلة وترى أن أي انخراط أردين يف الضفة الغربية قبل قيام الدولة الفلسطينية سيكون كارثيا عىل القضية الفلسطينية" )135(. هناك أعداد متزايدة من األردنيني تعتقد أن إرسائيل تسعى إلحياء مفهوم اخليار األردين وهو خيار يف حال حتققه سيقوض أي فرصة ملامرسة الفلسطينيني حقهم يف تقرير املصري وهلذا السبب فإن الركيزة الثالثة يف املقاربة األردنية تستند إىل احلفاظ عىل دعمها للجهود الدبلوماسية الدولية لتحقيق حل الدولتني. لكن هنا ال بد من اإلشارة إىل املعضلة التي يعاين منها األردن وإرسائيل وإن كانت ألسباب خمتلفة أال وهو القنبلة الديمغرافية املوقوتة غرب النهر. فانعدام احلل الذي يفصل بني اليهود والفلسطينيني سيفيض إىل واقع ديمغرايف يكون فيه الفلسطينيون أغلبية يف املنطقة املمتدة من البحر املتوسط إىل هنر األردن. وهبذا املعنى ستتحول إرسائيل إىل دولة ثنائية القومية هلذا ربام تتخذ إرسائيل خطوات راديكالية قد تصل إىل إحداث ترانسفري للفلسطينيني إىل رشق النهر من أجل أن تضمن تفوق اليهود الكمي غرب النهر. وإذا ما حدث ذلك فإن من شأنه أن يلقب موازين القوى الديمغرافية يف األردن ومثل هذا السيناريو املتشائم )مع )135( ملزيد من التحليل أنظر Hassan Barari, Can Jordan Play a Role in Palestine? BitterLemons- International.org, vol. 3, edition 40 (November 10, 2005),

219 218 الفصل اخلتامي أنه يبدو منطقيا من وجهة نظر املصال. اإلرسائيلية( يمكن جتنبه فقط عن طريق إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود عام هذا هو االعتبار األهم الذي دفع األردن لبذل جهدا مضنيا يف الغرب وعىل املستوى الدويل لدفع اجلميع العمل عىل حتقيق حل الدولتني كوصفة وحيدة الستقرار وأمن األردن يف عامل متغري. تصورات التهديد عند اإلسرائيليني كام هو احلال مع أي دولة أخرى هناك ارتباط وثيق بني املصال. واالسرتاتيجيات وبالتايل ال يمكن التوصل إىل حتليل منطقي ملستقبل العالقات األردنية اإلرسائيلية دون تفحص التصورات املهيمنة عند اإلرسائيليني ملصادر التهديد. ففي عام 2000 اجتمعت النخب اإلرسائيلية وأطلقت سلسلة من املؤمترات السنوية أطلق عليها اسم مؤمترات هرتسليا وذلك من أجل مناقشة التهديدات التي ستواجهها إرسائيل يف مطلع القرن احلايل. وجاءت النخب اإلرسائيلية من خمتلف مناحي احلياة العسكرية والسياسية واالقتصادية واألمنية ورجال األعامل وذلك إلعادة تعريف إرسائيل كدولة هيودية لليهود) (. 136 ويف املؤمتر األول الذي خصص ملناقشة املنعة الوطنية اجتمع أكثر من مخسني من أبرز )136( ملزيد من التفاصيل أنظر يف وثيقة هرتسليا الصادرة عن مركز هرتسليا آذار 2001.

220 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 219 رموز إرسائيل واتفقوا عىل أن إرسائيل تواجهه حتديات مصريية وتارخيية) (. 137 وقد توصل املؤمترون إىل ما أطلق علية "إمجاع هرتسليا" وهو يعرب عن توافق بني الصهاينة يتعلق باألخطار الديمغرافية التي حتيط بإرسائيل واملتمثلة باحتامل أن يكون الفلسطينيون أكثرية يف املنطقة املمتدة بني البحر املتوسط وهنر األردن. ولعب الربفسور ارنون سوفري من جامعة حيفا دورا بارزا يف تقديم الصورة الديمغرافية وكانت نظريته الرئيسة هي أن اليهود وبحلول عام 2020 سيشكلون من السكان يف فلسطني التارخيية وسيكون عدد السكان 15.2 مليون %42 نسمة )138(. وحتى يتسنى احلفاظ عىل هيودية إرسائيل أوىص سوفري احلكومات اإلرسائيلية بأن تضع حدود الدولة بطريقة تضمن أن تكون إرسائيل دولة بغالبية هيودية. وهذا يعني أن موافقة إرسائيل عىل من. الفلسطينيني دولة فلسطينية جاءت نتيجة للواقع الديمغرايف وليس ألن اإلرسائيليني يؤمنون بحق الفلسطينيني يف تقرير مصريهم. وقد حذر الربفسور أرنون سوفري بأنه من غري االنفصال عن الفلسطينيني فإن إرسائيل التي نعرفها اليوم ستتالشى يف غضون عقدين من )137( املصدر نفسه )138( للتفاصيل انظر Arnon Soffer, Israel, Demography : Dangers and Opportunities (Haifa University: Center for National Security Studies, 2001) (in Hebrew).

221 220 الفصل اخلتامي الزمان. وقدم سوفري ملخصا لدراسته أمام أعضاء جلنة األمن والدفاع يف الكنيست اإلرسائييل والتي كان يرأسها دان مريدور )139(. ونظرا لرفض إرسائيل املطلق لفكرة دولة ثنائية القومية التي طرحها بعض األكاديميني واملثقفني الفلسطينيني فإن إرسائيل قد تتخذ خطوات الستباق مثل هذا التطور املخيف لليهود. وباملجمل يرى اإلرسائيليون سيناريو ثنائية القومية ومعضلة األمن األمن كأبرز حتديني ضاغطني تواجهام إرسائيل. والفرضية السائدة بني اإلرسائيليني هي أن االحتفاظ بالسيطرة اإلرسائيلية عىل األرايض الفلسطينية يف غياب حل الدولتني سيفيض يف هناية األمر إىل واقع دولة ثنائية القومية سيكون فيها اليهود أقلية. ويف حني يقول %67 من اإلرسائيليني اليهود بأهنم خيشون مثل هذا السيناريو الذي ال يؤيد سوى %6 هناك %78 يؤيدون حل الدولتني )140(. وعىل آية حال فإن عىل إرسائيل أن تأخذ اخلطوات الرضورية لتسهيل إقامة دولة فلسطينية لكن ما دامت السياسات اإلرسائيلية جتاه عملية السالم أسرية ملطالب املستوطنني فإن فرص قيام إرسائيل هبذه اخلطوات تبقى متدنية. )139( هآرتس 19 آب )140( ملتابعة تطور الرأي العام اإلرسائييل أنظر The Tami Steinmetz Center for Peace Research, Tel Aviv University, Peace Index, October 2003.

222 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 221 مصدر التهديد الثاين بالنسبة لإلرسائيليني يرتبط باألخطار األمنية فمقاربة إرسائيل لألمن مرتبطة بقوة باستمرار النزاع العريب اإلرسائييل. فخالل عقد التسعينيات رأى اإلرسائيليون أن إحساسهم االجيايب باألمن جاء نتيجة لربوز بيئة أمنية هادئة نتجت عن انتهاء احلرب الباردة وهزيمة العراق يف حرب اخلليج عام وهذان التطوران معا دفعا الكثري من اإلرسائيليني للتفكري بأن "اجلبهة الرشقية" )وهنا نشري إىل سيناريو قيام القوات العراقية بدخول األردن ملهامجة إرسائيل( مل تعد احتامال واقعيا فالرشوط والتفامهات األمنية التي وردت يف معاهدة السالم مع األردن وما ترتب عليها من التزامات أمنية متبادلة طمأنت إرسائيل بأن فكرة اجلبهة الرشقية تم دفنها وإىل األبد. عىل أن الوقع تغري يف العقد األخري فاالنسحاب األحادي من غزة والذي جرى عام 2005 مل جيلب إلرسائيل السالم كام مل جيلب هلا األمن فإرسائيل تنازلت عن ممر أو كريدور فيالدليفيا والذي يفصل بني مرص وقطاع غزة ما مكن اماس من هتريب أسلحة إىل داخل قطاع غزة. وبعد سيطرة اماس عىل قطاع غزة بعد عام 2006 قامت إرسائيل بمهامجة القطاع ثالث مرات. هلذا السبب يرى اإلسرتاتيجيون اإلرسائيليون بأن أي انسحاب آخر من الضفة الغربية سيكون حتت تأثري التجربة اإلرسائيلية مع غزة بعد االنسحاب األحادي. وعليه فإن فكرة ضم غور األردن إلرسائيل بدأت تكتسب زمخا إرسائيليا يف السنوات القليلة

223 222 الفصل اخلتامي املاضية. وإذا ما حصل هذا األمر فإنه لن يكون هناك تواصل جغرايف بني الدولة الفلسطينية املنتظرة يف حال قيامها واألردن. يف السنوات األخرية اقرتح بعض اإلرسائيليني مقاربات مزعجة حلل الرصاع بني الفلسطينيني واإلرسائيليني. واملقولة الرئيسة هذه األيام والشائعة يف إرسائيل هي أن التطورات عىل مدار اخلمسة عرش عاما األخرية قللت من فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وانسجاما مع هذا التفكري نرش غيورا إيالند دراسة اسامها احلل اإلقليمي )141(. ووفقا هلذه الرؤية الواردة يف دراسة غيورا إيالند فإن الضفة الغربية ستكون حتت حكم األردن. ويقول أنه ويف حال قيام إرسائيل باالنسحاب من الضفة الغربية فإن اماس سوف تستويل عىل احلكم ويمكن هلا أن تشكل هتديدا وحتديا أمنيا ال يطاق إلرسائيل. ويف معرض تأييده لدور أردين يف الضفة الغربية استند غيورا إيالند يف هذه الدراسة إىل انطباعه بأن العلامنيني الفلسطينيني سيختارون األردن عىل اماس إذا كان اخليار بني اماس واألردن. )141( أنظر Giora Eiland, Regional Alternatives to the Two-State Solution. (Bar-Ilan University: The Begin-Sadat Center for Strategic Studies, 2010).

224 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 223 وما من شك أن غيورا إيالند يقدم منطقا إرسائيليا للبديل اإلقليمي حلل الدولتني فمن وجهة نظر إرسائيلية هناك أربعة فوائد يذكرها غيورا إيالند )142(. أوال سيتحول الرصاع إىل رصاع بني دولتني هي األردن وإرسائيل بدال من كونه رصاعا مع الشعب الفلسطيني وحمتليه. وعليه فإن املجتمع الدويل سيقلل من ضغوطه عىل إرسائيل لدفعها لتقديم تنازالت يف كل ملف وقضية. ثانيا عىل العكس من الفلسطينيني يمكن لألردن أن يقدم تنازالت يف األرايض فإرسائيل ستطلب العمل عىل حتويل الضفة الغربية منطقة منزوعة السالح وهو مطلب سيكون منطقيا يف حال تم التوصل إىل اتفاق بني األردن وإرسائيل. ثالثا إرسائيل تثق أكثر باألردن قياسا بالفلسطينيني ففي إطار حل الدولتني سيطلب من إرسائيل التنازل عن الكثري مقابل وعود فلسطينية باألمن. وهنا خماطرة كبرية جدا يف مثل هذه االتفاقية لكن يف حال كان األردن هو الطرف املقابل يف االتفاقية فإن بإمكان إرسائيل اختاذ مثل هذه املخاطرة. وأخريا تشكك إرسائيل يف مستقبل الدولة الفلسطينية فهي ستكون دولة ضعيفة وهبذا ستكون عبئا عىل إرسائيل. ووفقا لغيورا إيالند "ليس واضحا فيام إذا كانت البقعة اجلغرافية بني هنر األردن والبحر املتوسط هي كافية لدولتني قابلتني للحياة. ومشاكل الدولة املستقبلية )142( املصدر نفسه ص ص

225 224 الفصل اخلتامي )نقص البنى التحتية وعدم توفر الوظائف إضافة إىل االنقسام بني الضفة الغربية وقطاع غزة وغريها( ستكون عبئا عىل إرسائيل. وعالوة عىل ذلك سيقول املجتمع الدويل أن هناك التزاما أخالقيا عىل إرسائيل ملساعدة الدولة اجلديدة بعد االحتالل اإلرسائييل الذي استمر لسنوات طويلة واحلقيقة أن قيام دولة فلسطينية ال تعاين من فقدان األمل والفقر واإلحباط يصب يف صال. إرسائيل وهذا الوضع املرتدي لن يتحقق يف حال أصبحت فيه الضفة الغربية جزءا من اململكة األردنية الكربى" )143(. وعىل العكس مما يذهب إليه غيورا إيالند ومن يطرح أطروحات مشاهبة فإنه من الصعب أن نجد فائدة مبارشة أو غري مبارشة للفلسطينيني أو لألردنيني من جراء العمل وفقا هلذا احلل اإلقليمي املطروح ففي وقت يرى فيه غيورا إيالند أن هذا الطرح هو أفضل بديل حلل الدولتني غري القابل للتحقق فإنه ال يبدو قادرا عىل استيعاب احلساسيات األردنية الداخلية ملثل هذا السيناريو. فدور أردين ناشط يف األرايض الفلسطينية سيكون له عىل األرج. عواقب وخيمة عىل االستقرار والتوازن الداخليني يف األردن. والنقطة اجلوهرية هنا هي أن األردنيني لن يقبلوا )143( املصدر نفسه ص. 27.

226 األردن وإرسائيل: عالقة مضطربة يف إقليم ملتهب 225 أي حل غري حل الدولتني ولن يقبلوا أي حل آخر يمكن له أن يشكل هتديدا اسرتاتيجيا إضافيا الزدهار واستقرار األردن. واخلالصة هي أنه من الصعب جدا أال نصل إىل النتيجة التي تفيد بأن األردن وإرسائيل )بالرغم من معاهدة السالم( يقودمها وجهتا نظر خمتلفتني حيال احلل األمثل الذي يعود باالستقرار عىل اإلقليم. فاألردنيون يرون يف التعنت اإلرسائييل وعدم رغبة احلكومات اإلرسائيلية يف امليض يف عملية سالم تقود إىل حل الدولتني وجلوء إرسائيل إىل تكتيكات إلفشال املفاوضات وسياسة التوسع كتهديد لألمن القومي األردين يف قادم األيام السنوات. والواقع يشري إىل أنه إذا ما استمرت إرسائيل يف سياساهتا دون رادع فإهنا بذلك تقوض فرص حل الدولتني. لذلك فإن إدامة الوضع الراهن والواقع الديمغرايف املتغري واالستمرار يف النشاط االستيطاين سيعني من مجلة ما يعني أن أي مقرتح غري حل الدولتني سيكون يف جوهره معاديا لألردن. فإبقاء االتصال بني كبار املسؤولني من اجلانبني واستمرار التنسيق األمني بني البلدين وكلامت اإلطراء التي نسمعها يف العادة ما هي إال سحابة دخان ختفي خلفها خالفات عميقة وغياب كبري للثقة لذلك ربام عىل الباحثني واملهتمني أن يفكروا يف سيناريو الصدام بني األردن وإرسائيل يف قادم األيام.

227 226 الفصل اخلتامي

228 الكتب واملقاالت العربية واألجنبية: قائمة املراجع Abu Nuwar, Ma'an, The Jordanian-Israeli War : A History of the Hashemite Kingdom of Jordan (Great Britain: Ithaca Press, 2002). Abu-Odeh, Adnan, Jordanians, Palestinians, and Hashemite Kingdom in the Middle East Peace Process, (Washington DC: USIP Press, 1999). Al-Tell, Abdullah, Karithat Filasti: Midhakkirat Abdullah al-tell, Qa'id Ma'rakat al-quds [The Palestinian Catastrophe: The Memories of Abdullah al-tell, the Leader of the Battle for Jerusalem (Cairo: 1959). Allon, Yigal, "Israel: The Case for Defensible Borders," Foreign Affairs, Vol. 55 (1976), pp Avineri, Shlomo, ideology and Israel s foreign policy, The Jerusalem Quarterly, Vol. 37 (1986), pp.3-13.

229 Barari, Hassan, Israelism: Arab Scholarship on Israel, a Critical Assessment (London: Ithaca, 2009). Barari, Hassan, The Annapolis Meeting: Too Little Too Late! CSS Papers, November Barari, Hassan, Can Jordan Play a Role in Palestine? BitterLemons-International.org, vol. 3, edition 40 (November 10, 2005), 2. Barari, Hassan Barari, Israel and Jordan: Ten Years Later (Amman: Center for Strategic Studies, 2004). Barari, Hassan, Israeli Politics and the Middle East Peace Process, (London and New York: Routledge, 2004). Bar-Joseph, Uri, The Best of Enemies: Israel and Transjordan in the War of 1948 (London: Frank Cass, 1987). Beilin, Yossi, Israel: A Concise Political History (New York: St Martin s Press, 1992).

230 Beilin, Yossi, Touching Peace: From the Oslo Accord to a Final Agreement (London: Weidenfeld &Nicolson, 1999). Begin, Menachem,The Revolt (New York: Dell Publishing Co., Inc., 1977) (Originally published 1951). Brand, Laurie, "The Effects of the Peace Process on Political Liberalization in Jordan," Journal of Palestine Studies, Vol. 28 No. 2 (Winter1999), pp Brecher, Michael, The Foreign Policy System of Israel: Setting, Images, Process (London: St Martin's Press, 1972). Brown, Nathan, Sunset for the Two-State Solution? (Policy Brief no. 58) (Washington, D.C: Carnegie Endowment for International Peace (May 2008). Ehteshami, Anoushiravan, "The Arab States and the Middle East Balance of Power," in Games Gow (ed.), Iraq, the Gulf Conflict and the World Community (London, Brassey's, 1992).

231 Eiland, Giora, Regional Alternatives to the Two-State Solution (Bar-Ilan University: The Begin-Sadat Center for Strategic Studies, 2010). Eiland, Giora, Rethinking the Two-State Solution (Policy Focus no. 88) (Washington, D.C.: Washington Institute for Near East Policy, September 2008); available online ( CID=299). Faddah, Mohammad Ibrahim, The Middle East in Transition; A Study of Jordan's Foreign Policy (New York: Asia Publishing House, 1974). Glubb, John Bagot, A Soldier with the Arabs (London 1957), p Halevy, Efraim, Man in the Shadows: Inside the Middle East Crisis with a Man Who Led the Mossad (New York: St. Martin's Griffin, 2006). Hattar, Nahid, Shall we Face Confederation on our Own, Ammonnews, a Jordanian Electronic website, online at (Accessed on June 7, 2014).

232 Heller, Mark, Continuity and Change in Israeli Security Policy (New York and London: Oxford University Press, 2000). Inbar, Efraim and Shmuel Sandler, The Risks of Palestinian Statehood, Mideast Security and Policy Study (Tel Aviv: Begin and Sadat Center for Strategic Studies, 1997). Kerr, Malcolm, The Arab Cold War: Gamal 'Abd al-nasir and His Rivals, (New York: Oxford, 1971). Khalidi, Rashid, The Iron Cage: The Story of the Palestinian Struggle for Statehood (Boston: Beacon Press, 2006). Kieval, Gershon, Party Politics in Israel and the Occupied Territories (West Port, CT: Greenwood Press, 1983). King Abdullah II of Jordan, Our Last Best Chance: A Story of War and Peace (USA: Penguin Group, 2011). Lochery, Neill, Difficult Road to Peace: Netanyahu, Israel and the Middle East Peace Process (Reading: Garnet, 1999).

233 Lucas, Russell, "Institutions and Regime Survival Strategies: Collective Action and Path Dependence in Jordan," Ph.D. dissertation, Georgetown University, 2000). Lukacs, Yehuda, Israel, Jordan, and the Peace Process (New York: Syracuse University Press, 1997). Lynch, Marc, State Interests and Public Spheres: The International Politics of Jordan s Identity (New York: Columbia University Press, 1999). Morris, Benny, Israel's Border Wars, : Arab Infiltration, Israeli Retaliation, and the Countdown to the Suez War (New York: Oxford University Press, 1993). Morris, Benny, The Birth of the Palestinian Refugee Problem, (Cambridge: Cambridge University Press, 1987). Muasher, Marwan, The Arab Center: The Promise of Moderation (New Haven, Conn.: Yale University Press, 2008). Mutawi, Samir, Jordan in the 1967 War, (Great Britain: Cambridge University Press, 1987).

234 Peleg, Ilan, Begin s Foreign Policy, : Israel s Move to the Right (New York: Greenwood, 1987). Pipes, Daniel and Adam Garfinkle, "Is Jordan Palestine?" Commentary, October 1988, pp Roberts, Samuel, Party and Policy in Israel: The Battle Between Hawks and Doves (Boulder CO, and London: Westview Press, 1990). Satloff, Robert, "The Jordan-Israel Peace Treaty: A Remarkable Document" Middle East Quarterly March 1995, Vol. II, No.1 (March 1995), pp Scham, Paul and Russell E. Lucas, "Normalization and Anti-normalization in Jordan: the Public Debate," Middle East Review of International Affairs, Vol. 5, No. 3 (September 2001), pp Sela, Avraham, "Transjordan, Israel, and 1948 War: Myth, Historiography, an Reality," Middle Eastern Studies, Vol. 28, No. 4 (October 1992). Shahak, Israel and Norton Mezvinsky, Jewish Fundamentalism in Israel (London: Pluto Press, 1999).

235 Shalom Zaki, The Superpowers, Israel and the Future of Jordan, : The Perils of the Pro-Nasser Policy (Great Britain: Sussex Academic Press, 1999). Shamir, Yitzhak, "Israel at 40: Looking Back, Looking Ahead," Foreign Affairs, Vol.66, No. 3 (1988), pp Shamir, Yitzhak Israel Role in a Changing Middle East, Foreign Affairs, Vol. 60, No. 4 (Spring 1982), pp Sharon, Ariel with David Chanoff, Warrior: An Autobiography (New York: Touchstone, 1989). Shlaim, Avi, Collusion Across the Jordan: King Abdullah, the Zionist Movement, and the Partition of Palestine (New York: Columbia University Press, 1988). Shlaim, Avi and Avner Yaniv, Domestic Politics and Foreign Policy in Israel, International Affairs, Vol. 56 (Spring 1980), pp Shlaim, Avi, Israel politics and Middle East Peace Making, Journal of Palestine Studies, Vol. 24, No. 4, (Summer 1995), pp , p. 21.

236 Shlaim, Avi, The Iron Wall: Israel and the Arab World (London: Allen Lane/Penguin, 2000). Sid-Ahmed, Mohammed, After the Guns Fall Silent (London, 1976). Soffer, Arnon, Israel, Demography : Dangers and Opportunities (Haifa University: Center for National Security Studies, 2001), (in Hebrew). Sofer, Sasson, Begin An Anatomy of Leadership (New York: Basil Blackwell Ltd, 1988). Susser, Asher, "Jordan: Preserving Domestic Order in a Setting of Regional Turmoil," Middle East Brief, No.27, March Tal, David, Israel s Day to Day Security Conception, Its Origin and Development (Ben-Gurion University) (Hebrew). Wilson, Mary C., King Abdullah, Britain and the making of Jordan (New York: Cambridge University Press, 1987). Yorke, Valarie, Domestic Politics and Regional Security: Jordan, Syria, and Israel, the End of an Era (Aldershot: Gower, 1988).

237 Zak, Moshe, Hussein Makes Peace (Bar-Ilan University: BESA Center for Strategic Studies, 1996), (in Hebrew). املقابالت: الدكتور عبدالسالم املجايل رئيس حكومة أسبق عامن 15 متوز 2006 زكي بن رشيد عامن أمني عام حزب جبهة العلم االسالمي 30 حزيران الدكتور فايز الطراونة رئيس حكومة أسبق 20 متوز عدنان أبو عودة رئيس ديوان ملكي أسبق 23 متوز طاهر املرصي رئيس حكومة أسبق 15 متوز 2006.

238