من ا هم القضايا الدلالية التي تناولها علماء الا لسنية والدلالة مسا لة الدال والمدلول والعلاقة بينهما كانت القضية في بداية طرحها في الدرس اللغوي تقتصر على اللفظ والمعنى وباتساع مجال علم الدلالة ا ضحت المسا لة تتعلق بالدال والمدلول سواء ا كان الدال لفظا ا و غير لفظ واللغة في الا خير ما هي ا لا علاقات تربط دالا بمدلوله ضمن شبكة تنظيمية ذلك ا ن الدال لا يحمل دلالته في ذاته ا نما منبع الدلالة هي تلك التقابلات الثناي ية التي تتم على مستوى الرصيد اللغوي يقول في ذلك د. عبد السلام المسدي: "اللغة هي مجموعة من العلاقات الثناي ية القاي مة بين جملة العلامات المكونة لرصيد اللغة ذاتها وعندي ذ نستسيغ ا يضا ما دا ب عليه اللسانيون من تعريف العلامة با نها تشكل لا يستمد قيمته ولا دلالته من ذاته وا نما يستمدهما من طبيعة العلاقات القاي مة بينه وبين ساي ر العلامات (١) الا خرى". وقد خصص سوسير حيزا واسعا لدراسة مسا لة الدال والمدلول وا طلق مصطلح الدليل اللساني على وجهي العملية الدلالية (الدال والمدلول) فالدال هو القيمة الصوتية ا و الصورة الا كوستيكية ا ما (٢) المدلول فهو المحتوى الذهني ا و الفكري. ا ن علم الدلالة يقوم على ا ساس تحديد العلاقة بين الدال والمدلول وهي علاقة لا يمكن ضبطها ا لا ا ذا تعرفنا على طبيعة كل من الدال والمدلول وخواصهما وفي هذا الا طار فا ن الدال اللغوي لا يمكن بحال من الا حوال ا ن يحيلنا على الشيء الذي يعنيه في العالم الخارجي مباشرة وا نما مرورا بالمدلول ا و المحتوى الذهني الذي يرجعنا ا لى الشيء الذي تشير ا ليه العلامة اللسانية فالعلامات اللسانية حسب النموذج السوسيري تقتضي توفر ثلاثة شروط: ا -ا ن تكون العلامة اللسانية دالة على المعنى. ب-ا ن تكون مستعملة في مجتمع لساني يفهمها. ج-ا ن تنتمي ا لى نظام من العلامات اللغوية. ويمكن تقديم علاقة العلامة اللسانية بالمدلول والموجود في الا عيان على النحو التالي: Signfieالمدلول Signe (الرمز) الدليل Referent (المرجع) (١) (٢) عبد السلام المسدي: اللسانيات وا سسها المعرفية ص ٣٠. cours de linguistiques generale f. de saussure p. 99
فالمرجع يعني الشيء الخارجي الذي يحيلنا عليه الدليل اللساني وهو عالم غير لغوي وهو لا يحدد فقط بالا شياء المادية المحسوسة فكثير من المراجع لا توجد ا لا في ا طار الخطاب اللغوي فمثلا "حب" ا و "صداقة" تسجل في الخطاب اللساني ولكن لا نجد قيمتها الدلالية الحقيقية ا لا داخل المجتمع اللغوي. وهذا المثلث الذي يوضح العلاقات التي يقيمها الرمز اللغوي مع الدال والمدلول والمرجع يبرز ا ن العلاقة بين الدال والمرجع هي منقطه وذلك للدلالة على ا ن استحضار المرجع يمر غالبا عبر المدلول وتترك حالات قليلة يمكن ا ن يستحضر فيها المرجع بواسطة الدال وذلك مثلا في (٣) الا سماء الا علام. واتخذ منحى دراسة الدليل اللساني في المباحث الدلالية عدة ا بعاد ترمي ا لى تعميق الدراسة لرصد العلاقة التي تجمع الدال بالمدلول وا خذ علم الدلالة بالمبادي اللسانية التي كتب لها النجاح في علم الا صوات الوظيفي ورسم العلماء منهجا لدراسة طرفي الفعل الدلالي ا و الدليل اللساني بمصطلح سوسير وحددوا جانبين ري يسيين لهذه الدراسة: ١ -التحليل الداخلي للدليل الدلالية. وذلك بتحليل المدلول با ساليب مختلفة برده واختزاله ا لى صفاته (٤) ٢ -التحليل الخارجي للدليل ا ي تحليل علاقات الدليل ببقية المعجم في ا طار الحقول الدلالية وتفرعت المباحث الدلالية في العصر الحديث لتشمل عناصر الدلالة الثلاث: الدال والمدلول والمرجع وحرص العلماء على التا كيد ا ن علم الدلالة يختص بدراسة المدلول محددا في سبيل ذلك معايير علمية "فالمدلول يتحدد بواسطة الوحدات المجاورة له وكل تغير يصيب وحدة ما من وحدات النظام يمكن ا ن ينعكس على مجموع ا و جزء من هذا النظام( ) فقيمة وحدة ما هي ذات طبيعية علاي قية (relationnel) وهذا لا ينفي على كل حال الوجود (٥) الا يجابي للمدلول كوحدة معجمية". ويمكن ا ن تجمع عناصر الدلالة في دراسة متكاملة تدخل ضمن مباحث الحقول الدلالية التي تنتظم وفقا للمنهج التصنيفي التنظيمي في دراسة الا دلة ومحتوياتها لا ن الدراسة التي تناولها الدال تنسحب بالضرورة لتتناول المدلول ومن ثم المرجع. فتقسيم الدراسة العلمية لمو لفات الدلالة الثلاثة ليس سوى تيسير منهجي يعتمد في تفكيك البنية الواحدة ذات المكونات المتحدة ليعيد تركيبها مرة ا خرى لتكون الدراسة ذات طابع شمولي متكامل. ا ذا كانت اللسانيات تركز اهتمامها على دراسة "الدال" من جوانبه المختلفة فا ن علم الدلالة- كما ا سلفنا- يعني بالا خص بالجانب المفهومي "للدال" فيتناول ضمن مباحثه العلاقة التي يقيمها "المدلول" مع الا شياء وعلاقته ببقية المدلولات داخل السياق اللغوي يوضح موريس ا بو ناضر ذلك بقوله: "يعرف علم المعاني ا و علم الدلالة با نه العلم الذي يعنى بدراسة الدلالات الا لسنية وعلى الا خص الجانب المعنوي من هذه الدلالات ا ي المدلول والمدلول يدرس على ضوء هذا العلم من عدة جوانب: ا -الجانب الا ول: يتمثل في العلاقات التي يقيمها المدلول مع الا شياء التي يومي ا ليها ا و يعبر عنها (المفاهيم العواطف- معطيات العالم الخارجي). linguistique francaises, intiation a la problematique structurale tomel j. L. (٣) chiss. J. filliolet, d p. 118-119 maigueneau (٤) سالم شاكر ترجمة محمد يحياتين مدخل ا لىعلم الدلالة ص ٢١ (٥) المرجع السابق ص ١٨.
ب-الجانب الثاني: يتمثل في العلاقات التي يقيمها المدلول مع غيره من المدلولات. ج-الجانب الثالث: (٦) المدلولات يتمثل في العلاقات التي تنشا بين السمات الا ساسية التي تتكون منها فقد يكون للدال ا كثر من مدلول يتحدد وفق السياق اللغوي ومن ثم قد يكون المعنى ا ساسيا ا و ثانويا تصريحيا ا و ا يماي يا وقد يحمل الدال قيما دلالية تسمى القيم التعبيرية ا و الا سلوبية يذهب بيار جيرو ا لى التا كيد ا ن للكلمة ا كثر من معنى تصريحي وا خر ا يماي ي نظرا للتداعيات التي يمكن ا ن تحدثها ا ثناء الاستعمال فا ي كلمة قد تستدعي قيما اجتماعية ا و ثقافية ا و حتى قيما انفعالية تعكس (٧) صورة قاي لها وتحدد بعض ملامح الجانب النفسي فيه. وتوصل علماء الدلالة في العصر الحديث ا لى تصنيف للمدلولات بالاعتماد على عدة طرق حددها الدكتور موريس ا بو ناضر منها. ١ -الطريقة الشكلية: وهي تعني تصنيف المدلولات وفقا للشكل الذي يجمعها في بنية واحدة بتفرعها عن ا صل واحد يبرز القرابة بينها مثل: علم- يعلم- تعليم- معلم.. ٢ -الطريقة السياقية: وتفيد ا ن المدلولات تصنف باعتبار المعنى الذي ترد من خلاله في السياقات المختلفة. ٣ -الطريقة الموضعية: فيهما المتكلم. وهي تعني ا ن المدلول يتحدد من خلال الموضع والموقف الذي يكون ٤ -الحقول الدلالية: وهي تكشف عن القرابة المعنوية بين المدلولات. ٥ -التحليل المو لفاتي: وهو يفيد ا ن المدلول يعي ن انطلاقا من مو لفات الكلمة الا ساسية ا و ما (٨) يطلق عليه باللكسيم "مثل لكسيم" امرا ة يحوي المو لفات التالية: ا نثى +بالغ +بشر. ا ما دراسة (المرجع) عند علماء الدلالة فا نها لم تحسم ذلك الجدل الداي ر حول تحديد الموجودات في عالم الا عيان بحيث ا ن المرجع الذي يحد د في السياق اللغوي ا و في الصيغة المعجمية لا يمكنه ا ن يحيل ا لى الشيء المعين في العالم الخارجي ا حالة دقيقة ذلك ا ن الموجودات في العالم الخارجي تتميز بالتصنيف المتعدد والمتداخل حتى داخل الحقل الواحد الذي يضم موجودات متماثلة ذلك " نا التحديد المرجعي يقع في الخطا اعتبار علاقة: دال- مدلول علاقة تسمية ( ) في حين يتعين علينا ا ولا عند ا قدامنا على وصف المدلول استنباط الصفات المشتركة التي تلازم (المراجع) التي قد ينطبق عليها (دليل) ما فكوننا قد شاهدنا كرسيا واحدا لا يخبرنا بالخصاي ص (الفيزياي ية والوظيفية) (٩) اللصيقة بمجموعة لا متناهية من الا شياء التي تكو ن جنس الكرسي" وا لى الفكرة ذاتها يشير كولردج كولردج بقوله: "ولا يتضمن" معنى "اللفظة في را يي مجرد الموضوع الذي يقابلها بل يشمل ا يضا (٦) (٧) (٨) (٩) انظر مقال: مدخل ا لى علم الدلالة الا لسني د. موريس ا بو ناضر مجلة الفكر العربي المعاصر العدد ١٨-١٩ السنة ١٩٨٢ ص ٣٤. بيار جيرو انظر علم الدلالة ترجمة د. منذر عياشي ص ٦٣-٦٢-٦١. مقال: مدخل ا لى علم الدلالة الا نسي. موريس ا و ناضر: مجلة الفكر العربي المعاصر العدد ١٩/١٨ السنة ١٩٨٢ ص ٣٤-٣٥. سالم شاكر: ترجمة محمد جباني مدخل ا لى علم الدلالة ص ٢٣. يحياتين.
(١٠) جميع الارتباطات التي تبعثها اللفظة في ا ذهاننا". ويبقى تحديد الشيء الخارجي في عالم الموجودات بكيفية لا تعيق عملية الا بلاغ والتواصل من المساي ل التي ما زالت تشغل اهتمام علماء الدلالة في العصر الحديث خاصة وا نهم توصلوا ا لى تنظيم دلالي في هذا المجال مفاده ا ن معرفة شيء من الا شياء ينبغي فيه اعتباره جميع مستلزمات هذا الشيء بحيث يتميز عن غيره ولا يلتبس في تحديده ا و تعيينه. ا ما المسا لة الا خرى في المبحث الدلالي والتي كانت مدار الدارس اللغوي في التراث المعرفي ا حدى ا سس الدرس اللساني الحديث فهي العلاقة بين الدال والمدلول ا هي عرفية اصطلاحية ا م اعتباطية لا تخضع لا ية معيارية قسرية تخلو من العلل وا ثارت قضية اعتباطية الدليل اللساني ا و عرفيته منذ سوسير كثيرا من الجدل وكان دوسوسير ا ول من وضع نظرية لسانية تنم عن فهم عميق لطبيعة العلاقة بين العلامة اللسانية ومدلولها حيث يقول توليودومورو mauro) (tullio de وهو يعاين هذه المسا لة في كتاب سوسير "محاضرات في اللسانيات العامة": "ا ن سوسير وجد في مبدا اعتباطية العلامة اللساني ما كان يصبو ا ليه من ا جل ا رساء نظرية لسانية ا ضافة ا لى ا ن سوسير في سياق حديثه عن اعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول في بدء ا لقاء دروسه على تلاميذه- لم ينته سوى من الخطوة الا ولى في طريق الفهم العميق لمبدا الاعتباطية. هذا يعني ا ن المفهوم العميق لهذا المبدا عند سوسير لا ينبغي تحديده انطلاقا من الصفحتين ١٠١-١٠٢ من الكتاب لكن من قراءته (١١) كله". ا ن الاعتباطية في الاقتران العرضي بين الدال والمدلول تعتبر الخلية الحيوية التي تشرف على عملية التوالد الداخلي في اللغة ا ذ يتم استحداث تراكيب وصيغ لغوية جديدة في صلب اللغة وابتكار مدلولات لها ذلك ا ن الا لفاظ تمتلك من المرونة ما يمكنها من عبور المجالات الدلالية باعتماد معيار النقل الدلالي ا و تغيير مجال الاستعمال وا ن المدلولات تستطيع كذلك ا ن تجتاز سلسلة من الا دلة مرتدية بعضها مكان البعض الا خر وذلك ا ذا اعتمدت في سياقات معينة يحددها الموقف المعين. يشرح ذلك الدكتور عبد السلام المسدي بقوله: "ا ن التوالد المستمر في رصيد اللغة سببه سمة العرضية في حصول الا لفاظ دوال على المعاني وبهذا يتسنى الجرم بطواعية الا لفاظ على عبور المجالات الدلالية واحدا بعد ا خر وبطواعية المدلولات على ارتداء الا لفاظ بعضها مكان بعض كما تسنى البت- بحكم علاقة الا نسان باللغة وموقعه الفاعل منها في ا مر استحداث المركبات الدلالية ا صلا بابتكار المدلول الذي لم يكن ثم صناعة دال له فيلتحمان ومن التحامهما يتكون مثلث دلالي (١٢) جديد". ولا تتوفر للغة هذه الحركية المتجددة في بنيتها ا ذا لم تخضع علاقة الدال بالمدلول ا لى (معيار) الاعتباطية الذي لا يقيد دالا بمدلوله وا نما يكسب اللغة مرونة وقدرة على تجديدها كلها بابتكار مكونات ا خرى. وتعميق البحث اللغوي في مسا لة العلاقة بين طرفي الفعل الدلالي ا دى ا لى الاعتقاد با ن اتصال الدال بمدلوله لم يبن على(معيار) الاعتباطية ا نما الذي يوحي بوجود هذا المبدا هو قدم العلة التي ربطت الدال بمدلوله حتى ليخال ا لينا ا نه لا وجود لعلة تجمع بينهما. يوضح بيار جيرو ذلك بقوله: "ا ن كل الكلمات تحتوي على العلة في البداية وتحتفظ غالبيتها بها زمنا طويلا ا لى حد ما. (١٠) (١١) (١٢) محمد مضطفى: بدوي كولردج ص ٩٧ notes bio graphiques et critiques de cours de hnguistique generale p. 343 اللسانيات وا سسها المعرفية ص ٩٥.
(١٣) وعلى هذا فا ن العلة تكون ا ذن ا حدى السمات الري يسية للا شارة اللسانية". ا ن (معيار) الاعتباطية في العلاقة الدلالية المعتمد في النظام اللغوي تتحدد على ا ساسه العملية الا بلاغية والتواصلية ذلك ا نه كلما تحققت العلاقة الاعتباطية بكثافة في لغة الخطاب كلما بلغ النظام التواصلي مداه وانتهى الجهاز الا بلاغي ا لى حده الا وفى. ويدل ذلك على الطاقة التعبيرية الكبيرة التي تتوفر عليها اللغة المبينة علاقتها الدلالية على ا ساس الاقتران العرضي ا و التعسفي يبي ن المسدي ذلك بقوله: "ا ن مقبولية العلاقة بين الدال والمدلول في كل نظام تواصلي على ا ساس الاقتران المنطقي تتناسب تناسبا عكسيا مع طاقة ذلك النظام المعتمد في الا بلاغ( ) فكلما ثقلت كثافة التعسف الاقتراني في ا ي نظام ا خباري نزع نسقه الدلالي ا لى طاقته القصوى. فالشحنة الاعتباطية في كل واقعة (١٤) تواصلية هي المولد الداي م لسعة القدرة الا بلاغية التي تلتي م فيها". فالدلالة تكون قابلة للاتساع كلما كانت العلة مختفية غير معروفة ذلك ا ن الارتباط القسري الذي جمع الدال بمدلوله كان في البدء عن طريق علة جوهرية هي التي ا عطت لهذا الارتباط مرونته بحيث يحدث امتداد في المجال الدلالي للفظ "فيجب على العلة ا ن تختفي ا ذن لمصلحة المعنى ا ما ا ذا (١٥) حدث العكس فا نها ستقلص المعنى وتهدمه". هذه مجملة- هي المباحث الدلالية التي تناولت في مجالها الدراسي مسا لة الدال والمدلول وما تفرع عنها من مساي ل ا خرى ا ضحت مواد الدرس الدلالي الحديث الذي اعتمد منهج التحليل والتفكيك لبنية النظام اللغوي وا ظهار مكوناته الا ساسية قصد بحثها وا يجاد العلاي ق التي تجمع بينها. (١٣) (١٤) (١٥) بيار جيرو علم الدلالة ترجمة د. منذر عياشي ص ٤٦. اللسانيات وا سسها المعرفية: ص ٧٤ بيار جيرو علم الدلالة ترجمة د. منذر عياشي ص ٥٠