محمد الطاهر املنصوري Mansuri *Mohamed Tahar Al صورة البيزنطيني يف الحضارة العربية من خالل اللغة The Image of the Byzantines in Arabic Culture as Expressed in Language لقد كانت لبيزنطة التي تحمل إرث اإلمباطورية الرومانية عالقات ع د ة مع العامل العريب - اإلسالمي مل تنحرص فقط يف تاريخ الكراهية والرصاع. فإن كانت التصورات امل تبادلة قد أ نتجت يف اليوم األول من الحرب فإن العالقات فيام بعد سيطبعها جانب مهم من التبادالت الرسمية والتعايش والتي تجد طريقها من خالل املراسالت بن امللوك واألمراء وما يطبع مناطق التخوم من احتكاك مستمر كافتداء األرسى واالنتقال بن الجانبن إضافة إىل السفر والتجارة. لقد تناول عدد كبر من الدارسن جوانب مختلفة من صورة البيزنطين وصورة العرب والتبادل بن الطرفن بيد أن "اللغة" ظلت م غي بة عن البحث والتقيص وهو ما سنحاول التطرق إليه يف هذا املقال الذي ميكن عد ه بحثا يف تاريخ الذهنيات إذ يسمح بفهم آليات التوظيف اللغوي العريب عند الحديث عن اآلخر وأثر امل تخيل يف ذلك. تتحد د إذ ا اإلشكالية التي سنتناولها يف هذه الدراسة يف السؤالن التالين: كيف عب العرب من خالل اللغة عن اآلخر البيزنطي وما هي الكلامت واملصطلحات التي استعملها العرب للحديث عن البيزنطين كلامت مفتاحية: بيزنطة آخرية لغة صورة حضارة عربية. The history of diverse relations between Byzantium, the heir to the Roman Empire, and the Arab-Islamic world went beyond war and conflict. While war did shape the initial contacts between the two sides, an important part of subsequent relations was characterized by official exchanges and coexistence. There was correspondence between kings and emirs and on-going contacts in border regions involving the ransom of prisoners, travel, and trade. Many studies have dealt with the Arabs and Byzantines respective perception of each other. This paper, however, will concentrate on the relatively neglected topic of language. This contribution can be viewed as research into the history of mentalities, which allows us to understand the linguistic mechanisms of Arabic involved in talking about the "other" and the effect of the imaginaire on that other. The paper seeks to address two questions: How did the Arabs represent the Byzantine "other" linguistically, and what words and terms did the Arabs use to talk about the Byzantines? Keywords: Byzantium, Otherness, Language, Image, Arab Civilization. * أستاذ التاريخ يف معهد الدوحة للدراسات العليا سابق ا )ت. 2016( متخصص يف التاريخ البيزنطي والعالقات املتوسطية يف العرص الوسيط. Professor of History at the Doha Institute for Graduate Studies(d. 2016), his scholarship was focused on Byzantine history and relations across the Mediterranean world during the medieval period. 23
متوز / / زومتزومت ددعلاا مقدمة تندرج الصورة التي شك لها العرب عن البيزنطيني ضمن صورة اآلخر والطريقة التي تنظر من خاللها الشعوب بعضها إىل بعض. إن هذه الصورة ليست مطلقة وموضوعية وإن ما هي صورة نسبية وذاتية. فهي نسبي ة كونها ال تقدم إال جزء ا بسيط ا من "اللوحة" وهي ذاتية ألن ها دائم ا تنطلق من األنا لتصل إىل اآلخر إذ يتم تشكيل هذه الصورة انطالق ا من الذات فما تعد ه الذات خري ا تبحث عنه يف اآلخر فإن و جد صار اآلخر ملتحم ا مع الذات وإن لم يوجد حدث التمايز الغريي. كما يضاف إىل جانب النسبية والذاتية التي تتحكم يف تشكيل اآلخر عامل ثالث هو الزمن فصورة اآلخر متحركة ومتطورة تبقى محفوفة باألوضاع التي نشأت فيها الصورة وبتطور العالقات التي يمكن أن توجد بني هذه الشعوب. وهذا التطور يف العالقة أدى يف الوقت نفسه إىل تطور يف نظرة اآلخر فاملتتبع للتطور الذي وسم عالقة العرب بالبيزنطيني يلحظ انتقاال للصورة من العدو املطلق إىل العدو الحميم ))) ففي اللحظة نفسها التي شهدت اقتتاال بني العرب والبيزنطيني عرفت أيض ا تبادال عىل مستويات عدة وفيها يف بعض األحيان حتى توادد بني الطرفني. إن هذه الصورة املتطورة للعالقة بني األنا واآلخر العرب والروم عرب عنها بجالء من الجانب العريب اإلسالمي أبو حيان التوحيدي )ت. 414 ه - 1023 م( فقال: "لكل أم ة فضائل ورذائل ولكل قوم محاسن ومساوئ ولكل طائفة من الناس يف صناعتها وحلها وعقدها كمال وتقصري وهذا يقيض بأن الخريات والفضائل والرشور والنقائص مفاضة عىل جميع الخلق مفضوضة بني كلهم" ))). لم يكن مثل هذا االعرتاف بأن للعرب بعض الرذائل موجود ا قبل أيب حيان التوحيدي فهم يف املتخي ل خري أم ة أخرجت للناس. غري أن القرن العارش عرف تحوال وتغري ا يف النظرة إىل الكون. ويبقى ما ذكره التوحيدي إقرار ا بأن األنا واآلخر فيهما محاسن ومساوئ وهو ما يشري إىل نسبية صورة اآلخر. كما نالحظ أيض ا أن هذه الفرتة نفسها القرن العارش عرفت تحوال يف نظرة البيزنطيني إىل اآلخر العريب املسلم وهذا التحول يف العالقة سيكون له التأثري يف النظرة ويف صورة اآلخر. ويمكن يف هذا الصدد استحضار الرسالة التي بعثها بطريرك القسطنطينية نيكوالس ميستيكوس Nicholas Mystikos )ت. 312 ه - 925 م( إىل الخليفة العبايس وقد كان حينها البطريرك وصي ا عىل اإلمرباطور قسطنطني السابع ))). وجاء يف الرسالة: "ال يوجد يف الكون سوى سلطة الروم وسلطة الرساكنة ))) وهما مختلفان من حيث اللغة والدين والعادات وألنهما مختلفان يجب أن ال يتحاربا" ))). يتضح من خالل هذا االقتباس التبادل الذي طبع العالقة بني الطرفني ومن غري شك أن لهذه الجوانب تأثري ا يف صورة اآلخر ويف صورة األنا. 1 ترجع عبارة العدو الحميم l'ennemie intime إىل ملؤرخ الفرنيس جيلبري داكرون )ت. 2015 م( انظر: Gilbert Dagron, "Apprivoiser la guerre, Byzantins et Arabes ennemis intimes," in: Byzantium at War (9th-12th c.), The National Hellenic Research Foundation, Institute for Byzantine Research, International Symposium 4, Athènes, 1997, pp. 37-49. 2 أبو حيان التوحيدي اإلمتاع واملؤانسة تحقيق عبد الرحمن املصطاوي )بريوت: دار إحياء الرتاث العريب 2010( ص - 57 58. 3 ت ويف ليون العاقل السادس وترك قسطنطني السابع وعمره سبع سنوات فكان البطريرك نيكوالس وصي ا عليه إىل أن استوىل والد زوجة قسطنطني وهو يف فرتة الوصاية عىل الحكم سنة 309 ه - 922 م. 4 الرساكنة هي عبارة أطلقتها املصادر البيزنطية واملصادر الالتينية عىل العرب. 5 Nicolas Mystichos, Patriarche de Constantinople, "Première lettre à l'émir de Crète, Patrologie Grecque, t.111, col. 28, trad. Anglaise," in: R. J. H. Jenkins & L.G. Westerink (eds., trans.), Nicholas I, Patriarch of Constantinople: Letters (Washington, Dumbarton Oaks, 1973), p. 3; انظر أيض ا: A. Ducellier, L'église byzantine entre pouvoir et esprit (313-1204) (Paris: desclée, 1990), p. 230; Mohamed Tahar Mansouri, "L'œil du grand rival, la ville vue par les Musulmans," Autrement, vol. 40 (Janvier 1996), pp. 154-170. 24
صورة البيزنطيني يف الحضارة العربية من خالل اللغة تاسارد لقد صادف أن كتبت عدد ا من املقاالت تهم جوانب مختلفة من صورة البيزنطيني وصورة العرب والتبادل بني الطرفني ))) ولكن جانب ا بقي يف رأيي مغي ب ا إىل حد ما يمكن عرضه يف السؤالني التاليني: كيف عرب العرب عن البيزنطيني باللغة وما هي الكلمات واملصطلحات التي استعملها العرب للحديث عن البيزنطيني اللغة بصفتها وسيط ا يف بناء صورة اآلخر البيزنطي يمكن القول إن اللغة ساهمت إىل حد كبري يف بناء صورة الروم بصفته آخر له مميزات وخصائص فيها ما هو خري ومحمود وفيها ما هو رش ومذموم وتم ذلك أساس ا من منطلقات دينية. إذ كان لإلسالم دور مركزي ومرجعي يف تكوين هذه الصورة فالروم هم أعداء مرشكون وهم أيض ا أجوار لم تنقطع معهم جسور االتصال يف أي ام الحرب كما يف أي ام السلم. ومن صور التواصل زمن الحرب يمكن الحديث عن عملية فدية األرسى التي تقع بني املسلمني والبيزنطيني وأثناء هذه العملية تقع جمل من املبادالت األخرى يمكن تسميتها باملبادالت الثقافية ))). وهذا بال شك خلق اطالع ا عىل اللغة والعادات والثقافة الخاصة باآلخر. إذ ا أدى هذا االحتكاك وهذا التعايش زمن الحرب والسلم إىل اطالع العرب عىل اللغة الرومية أو اللغة اليونانية وساهم ذلك يف انتقال العديد من الكلمات من لغة اآلخر إىل القاموس العريب. يكفي بأن نعود إىل قواميس اللغة لنجد الكثري من الكلمات ذات أصول يونانية دخلت إىل اللغة العربية ويمكن يف هذا الصدد رصد نموذجني شائعني للتمثيل ال الحرص. األول هو كلمة منديل والتي تعود إىل األصل اليوناين منديل الرها Le mandylion d'edesse وهو عبارة عن قطعة قماش فيها صورة وجه يعتقد املسيحيون أنها تعود إىل املسيح. أم ا املثال الثاين فهو كلمة قرميد منبج الذي يعتقد أن عليها أثر قدم املسيح وحدثت بشأنها مفاوضات لالنتقال إىل القسطنطينية بعد أن أصبحت يف حوزة املسلمني. يتضح من النموذجني أن دخول املصطلحات والتسميات اليونانية أو اقتحامها مجال اللغة العربية سمح للعرب بأن يعرب وا عن البيزنطيني يف كثري من األحيان باستعمال اللغة اليونانية نفسها وليس بتعريب لهذه املصطلحات. تسمية العرب للبيزنطيني أطلق العرب عىل البيزنطيني ))) كلمة الروم. ومن أقدم النصوص يف فرتة اإلسالم التي استعملت كلمة الروم - بغض النظر عن شعر ما قبل اإلسالم - نجد النص القرآين الذي خصص للبيزنطيني سورة كاملة وهي سورة الروم التي تبدأ ب: الم غ ل ب ت الر وم يف أ د ن 6 Cf: Mohamed Tahar Mansouri, Eudes médiévales I: De Byzance et de l'islam (Mannouba: Publication de la FLAHM, 2009); Mohamed Tahar Mansouri, Eudes médiévales II : De l'islam et de l'occident latin (Mannouba: Publication de la FLAHM, 2009). 7 ومن ذلك عىل سبيل املثال االنتقال من اإلسالم إىل املسيحية. وي مكن يف هذا الصدد الرجوع إىل الجزء الثالث من تاريخ الطربي حيث يتطرق إىل بعض األحداث التي تصف كيفية انتقال بعض األرسى املسلمني إىل املسيحية ولكن هذا يتم يف إطار حوار ونقاش يكون مرسحه الجرس الفاصل بني الطرفني فيما ي شري إىل وجود عملية ذهاب وإياب بني الطرفني. ي نظر عىل سبيل املثال نموذج فتح قيسارية وعمليات تبادل األرسى: محمد بن جرير الطربي تاريخ الرسل وامللوك تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ج 3 ط 2 )القاهرة: دار املعارف 1976( ص - 603 604. 8 لم تكن كلمة "بيزنطيون" موجودة يف العرص الوسيط سواء يف القاموس الغريب أو القاموس العريب إذ تم استحداث هذه الكلمة يف القرن السابع عرش يف إطار الرصاع بني اإلمرباطورية العثمانية واإلمرباطورية اإلسبانية فقد كتب املؤرخ الفرنيس شارل دو كانج )1610-1688( Cange Charles Du أن البيزنطيني - نسبة إىل سكان منطقة بيزنتيوم Byzantium والتي سيتحول اسمها إىل القسطنطينية بعد أن أعاد بناءها اإلمرباطور قسطنطني األول متخذ ا إي اها عاصمة اإلمرباطورية الرومانية يف القرن الرابع امليالدي - عوض أن يدافعوا عن القسطنطينية واإلمرباطورية الرومانية من الحمالت العثمانية كانوا يتجادلون يف شأن جنس املالئكة هل هم من اإلناث أم من الذكور ومن هنا أصبحت كلمة بيزنتس أو بيزنطة كلمة سلبية يف القاموس اللغوي. يف حني كان البيزنطيون ي طلقون عىل أنفسهم رومايس ومعناها الرومان أي ورثة اإلمرباطورية الرومانية. أم ا أوروبا الغربية فكانت ت طلق عليهم كلمة غريكيا وهي كلمة سلبية إذ تحمل يف طياتها انتقاص ا للبيزنطيني واتهام ا لهم بالجنب والتشبه بالنساء. 25
متوز / / زومتزومت ددعلاا األ ر ض و ه م م ن ب ع د غ ل ب ه م س ي غ ل ب ون )الروم: -3(. 1 إن هذا النص إضافة إىل استعماله التسمية نفسها التي يطلقها البيزنطيون عىل أنفسهم يقر لهم بإمكانية االنبعاث من جديد أو بإمكانية االنتصار بعد الهزيمة. ينظر مفرسو القرآن إىل املسألة عىل أن الرصاع بني بيزنطة وفارس يتداول بني االنتصار والهزيمة لكن املؤرخ بإمكانه أن ينظر إليها يف مجال واسع يتجىل يف إقرار النص القرآين بانبعاث الروم من جديد هذه الصورة نفسها عن الروم نجدها أيض ا يف العديد من نصوص الحديث النبوي ))) ومن ذلك ما نجده لدى القزويني يف كتابه آثار البالد وأخبار العباد فهو يتحدث عن الرصاع بني العرب والفرس والروم مستحرض ا حديث ا وضع بطريقة ما بعدية - أي بعد انتصار العرب عىل الفرس وال يمكن أن يكون قد قاله الرسول - وقد جاء فيه: "أم ا فارس فنطحة أو نطحتان وال فارس بعدها وأم ا الروم فإنها ذات قرون كلما مر قرن يخلفه قرن" )1)) أي إن االنتصار عىل فارس أمر حتمي وأم ا الروم فمع كل قرن - وهو الزمن - تظهر لها أداة الدفاع. فيتضح أن القرآن والحديث كل منهما يطلق عىل البيزنطيني هذه التسمية الرسمية وهي الروم ثم يف الوقت نفسه هذا اإلقرار بإمكانية االنبعاث وإمكانية االنتصار من جديد. وقد نتساءل: ما قيمة أن يطلق العرب عىل البيزنطيني تسمية الروم لقد كان البيزنطيون يف حاجة إىل من يعرتف بهم بصفتهم روم ا وليسوا بيزنطيني أو يونانيني خاصة أن بداية القرن التاسع شهدت رصاع ا عنيف ا حول السلطة واإلمرباطورية بني الكارولينجيني يف الغرب والبيزنطيني يف الرشق. ولم تعرتف بيزنطة بلقب اإلمرباطور الذي أطلقه شارملان عىل نفسه بل عد ته نصف إمرباطور أو إمرباطور ا مشارك ا. ويف املقابل كانت تربط بني الكارولينجيني والعباسيني عالقة جد ية ومن ثم سيكون لذلك دور مؤث ر يف مستوى العالقات الدولية يف ذلك الوقت تسمح للبيزنطيني باالستفادة من العالقة بني العباسيني والكارولينجيني عىل مستوى التسمية فتمر هكذا تسمية الروم من العباسيني إىل الكارولينجيني ويقبلوا بها ال سيما أن تسمية الروم كانت لها قيمة كبرية جد ا بالنسبة إىل البيزنطيني يف تلك الفرتة. وكان العرب من الذين يطلقون هذه التسمية من دون تعقيب ألنها وردت يف نص القرآن ثم لكونها العبارة التي يأخذونها من البيزنطيني أنفسهم. أم ا بخصوص تسمية البيزنطيني للعرب سواء يف اللغة اليونانية أو الالتينية فنالحظ أن الكلمة األقدم التي تعود إىل فرتة القرن الرابع هي عبارة رساكنة أو ساراكينوس أو ساراسني وهي كلمة ذات حموالت سلبية. ويذهب املسعودي إىل أن هذه التسمية الواردة من البيزنطيني إن ما القصد منها "عبيد سارة" طعن ا منهم عىل هاجر أمة سارة وابنها إسماعيل فأنكر املسعودي ذلك وقال إن تسميتهم عبيد سارة كذب )1)). وقد كان املقصود من مزج التسمية بهذه الحمولة القدحية هو تذكري العرب بأنهم عبيد لسارة زوجة إبراهيم عىل أساس أن هاجر التي ولدت إسماعيل من إبراهيم كانت خادمة وأمة عند سارة واألمة ال تلد إال عبد ا. 9 ال يزال البحث التاريخي العريب م رتدد ا يف دراسة الحديث النبوي بصفته مصدر ا تاريخي ا مع أن العديد من األحاديث ي مكن أن تكشف عن تاريخ العالقات بني الروم والعرب. 10 زكريا بن محمد القزويني آثار البالد وأخبار العباد )بريوت: دار صادر 1969( ص 530 الحديث أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه باللفظ التايل: "ف ار س ن ط ح ة أ و ن ط ح ت ان ث م ال ف ار س ب ع د ه ا أ ب د ا و الر وم ذ ات ال ق ر ون أ ص ح اب ب ح ر و ص خ ر ك ل م ا ذ ه ب ق ر ن خ ل ف ق ر ن م ك ان ه ه ي ه ات إ ىل آخر الد ه ر ه م أ ص ح اب ك م م ا ك ان يف ال ع ي ش خ ري ". انظر: عبد الله بن أيب شيبة املصنف يف األحاديث واآلثار تحقيق كمال يوسف الحوت ج 4 )الرياض: مكتبة الراشد 1989( ص 206. 11 إن علماء الفيلولوجيا األملان خاصة يف أواخر القرن التاسع عرش تناقشوا م طوال يف التسميات التي ن عت بها العرب من قبيل: املحمدون واملسلمون والعرب والرساكنة واملهاجرون إىل غريها. وقد أ و لت كلمة رساكنة تأويالت عديدة إذ وجد فيها بعضهم جذور ا لكمة "رشق" و"الرشقيني" ووجد آخرون أنها ترجع إىل "رسق" يف حني أو لت أيض ا نعت ا للعرب بصفتهم ساكني الخيام ذلك أن الخيمة باليونانية ت نطق "سكيني". لالطالع عىل الطريقة التي تم من خاللها املزج بني الرساكنة واملسلمني يف املتخيل األورويب خالل فرتة العرص الوسيط انظر: John Victor Tolan, Saracens: Islam in the medieval European imagination (New York: Columbia University Press, 2002), pp. 105-134. 26
صورة البيزنطيني يف الحضارة العربية من خالل اللغة تاسارد نظرة العرب إىل املؤسسات البيزنطية أسامء اإلمرباطور واملؤسسة السياسية ي عد اإلمرباطور البيزنطي بصفته مؤسسة سياسية من أهم ما اسرتعى اهتمام العرب عند حديثهم عن البيزنطيني. جاء الحديث عنهم يف العديد من املصادر من خالل ذكر نسبهم عىل الطريقة العربية نفسها فالن بن فالن ويف بعض األحيان هذه السلسة من األسماء ليست دائم ا صحيحة. ويبقى كتاب تاريخ اليعقويب من أبرز املصادر التي نقلت قائمة عن األباطرة الرومان قبل املسيحية وبعدها إذ يضيف اليعقويب نعت أباطرة الروم املتنرصة لدى الحديث عن فرتة ما بعد املسيحية )1)). وإضافة إىل استعمال كلمة "إمرباطور الروم" ترد يف املصادر أيض ا عبارة قيرص وأغسطس وأغسطة )1)) بالنسبة إىل املرأة )1)) والطاغية وهي التي تعود يف األصل إىل ترجمة عن اليونانية لعبارة "دي سبوت" وهي صفة حميدة بالنسبة إىل اإلمرباطور الذي يرى نفسه ظل الله عىل األرض ومن ثم ال يشاركه أحد يف الحكم. وقد كان العرب مطلعني عىل شؤون الحكم وعىل مسار هذه الوظيفة السامية. ومن ذلك ما ذكر ابن خرداذبة )1)) عن الحكم يف كتابه املسالك واملمالك إذ يقول: "امللك أكرب الروم يف أنفسهم وأعز ه عليهم وليس امللك فيهم وراثة وال كتاب ا مت بع ا إن ما هو غلبة وقد ملكهم رجال ونساء وملكهم يدعى باسيىل ولباسه الفرفري صنف من الحرير فيه ملع إىل السواد قليال ال يلبس الفرفري والخف األحمر إال امللك ومن تعر ض لذلك قتل" )1)). ويذكر أيض ا: "وأكرب البطارقة خليفة امللك ووزيره ثم الل غثيط Logo-tête صاحب ديوان الخراج وصاحب عرض الكتب والحاجب وصاحب ديوان الربيد ثم القايض ثم صاحب الحرس ثم املرق ب" )1)). يتضح إذ ا من هذين االقتباسني مدى اطالع ابن خرداذبة عىل الواقع السيايس يف اإلمرباطورية البيزنطية فتحدث عن امل لك وكيف يتم تداوله كما تطرق أيض ا إىل أهم الشخصيات بعد اإلمرباطور ومن ذلك خليفة امللك ووزيره اللوغسيط وهو الرجل الثاين يف الدولة الذي ي عطى قيادة الجيش واستقبال السفراء والرسائل. وقد اهتم العرب بهذه املؤسسات نظر ا لالحتكاك املستمر يف إطار عملية تبادل األرسى إذ يتحتم عليهم معرفة من هو اللوغسيط ومكانته بني باقي الشخصيات من أجل التفاوض ال سيما عندما يقع أحد اللغاسيط يف األرس فقد كان الجيش املسلم يبادله مقابل 12 أحمد اليعقويب تاريخ اليعقويب تحقيق عبد األمري مهنا ج 1 )بريوت: رشكة األعلمي للمطبوعات 2010( ص - 186 198. 13 يقول الطربي: "وسار هارون حتى بلغ خليج البحر الذي عىل القسطنطينية وصاحب الروم يومئذ أغ س طه امرأة أليون وذلك أن ابنها كان صغري ا قد هلك أبوه وهو يف حجرها" انظر: الطربي ج 8 ص 152. 14 ت عد اإلمرباطورية البيزنطية يف العرص الوسيط الوحيدة التي بوأت املرأة مكانة اإلمرباطور وأهم هن اإلمرباطورة ريني التي تسميها النصوص إيرين حكمت من غري شك بصفتها إمرباطورة غري أنها كان يعوزها أمران األمر األول أنها ال تستطيع أن تكون رئيسة للكنيسة ألن الكنيسة ال تقبل بأن تكون امرأة عىل رأسها واملعو ق الثاين أنها ال يحق لها حمل السالح ومن ثم ال تستطيع أن تكون قائد ا أعىل للجيش البيزنطي وهذه نقطة من نقاط الضعف التي ساهمت يف العصف بها. 15 اشتهر ابن خرداذبة بكتاباته يف الجغرافيا والبلدان غري أن ه قبل أن يكون جغرافي ا كان مسؤوال عن ديوان الربيد الذي ي عد مؤسسة متعددة الوظائف تضطلع بأمور امل راسالت لكن أيض ا هي مؤسسة استخباراتية. وقد تحدث ابن خرداذبة عن الجواسيس وعما يسميهم الفواتري وهم طائفة من الجواسيس م نبثني وراء حدود الدولة البيزنطية ومن ثم كان عىل اطالع دقيق عىل الشؤون الداخلية للدولة البيزنطية حتى أن املؤرخني املعارصين من األوروبيني سواء كانوا فرنسيني أو إنكليز أو غريهم يعرتفون بأن املعلومات الواردة لدى ابن خرداذبة يف كثري من األحيان أدق من املعلومات التي وردت يف بعض املصادر البيزنطية امل عارصة له من قبيل كتاب الواليات لإلمرباطور قسطنطني السابع فنجد ما قدمه اإلمرباطور عن بالده منقوص ا وضعيف ا خالف ا ملا قدمه ابن خرداذبة. 16 عبيد الله ابن خرداذبة املسالك واملمالك )بريوت: دار صادر أفست ليدن 1889( ص 109. 17 املرجع نفسه ص 112. 27
متوز / / زومتزومت ددعلاا ترسيح ألف أسري مسلم وهو ما يشري إىل قيمة الرجل )1)). إن هذا املثال يشري إىل أن العرب اعتمدوا يف تسمية هذه الوظائف عىل املصطلحات البيزنطية ما يؤكد أنهم لم يستنكفوا من إدماج الكلمات البيزنطية يف القاموس العريب. كما نجد يف بعض املصادر تعداد ا للمصطلحات الرسمية البيزنطية الوافدة عىل القاموس العريب ومن ذلك ما ذكره ابن فضل الله العمري رئيس ديوان اإلنشاء يف الدولة اململوكية بداية القرن الرابع عرش امليالدي يف كتابه التعريف للمصطلح الرشيف )1)) ثم جاء من بعده القلقشندي )2)) وغريهما من الذين كتبوا يف املجال نفسه. غري أن ابن فضل الله العمري يبقى األب املؤسس لعلم الوثائق الدبلوماسية وما تضمنته كتاباته من رسائل تعليمية للطريقة التي يتم بها مراسلة اإلمرباطور البيزنطي إذ يقول عىل سبيل املثال: "ورسم املكاتبة إليه - أي اإلمرباطور البيزنطي- ضاعف الله بهجة الحرضة العالية املكرمة حرضة امللك الجليل الخطري الهمام األسد الغضنفر الباسل الرضغام املعرق األصيل املمجد األثري األثيل البالالوس الريدراغون ضابط املمالك الرومية جامع البالد الساحلية وارث القيارصة القدماء محيي طرق الفالسفة والحكماء العالم بأمور دينه العادل يف ملكه معز النرصانية مؤيد املسيحية أوحد ملوك العيسوية مخول التخوت والتيجان حامي البحار والخلجان آخر ملوك اليونان ملك ملوك الرسيان عماد بني املعمودية ريض الباب بابا رومية ثقة األصدقاء صديق املسلمني أسوة امللوك والسالطني" )2)). يكشف هذا النموذج يف املراسلة جملة الصفات التي تطلق عىل اإلمرباطور البيزنطي وبالنتيجة يكشف عن الواقع الذهني لفئة معي نة من املحيطني به. كما تؤكد أوصاف التبجيل التي أصبغت عىل اإلمرباطور البيزنطي يف عرص املماليك حالة السلم بني الطرفني وحسن العالقة بينهما. ولنا أن نقارنها برسالة هارون الرشيد عندما خاطب اإلمرباطور البيزنطي املعارص له قائال : "إىل كلب الروم الخرب ما ترى وليس ما تسمع" يف إشارة إىل توتر العالقة التي انتهت باندالع الحرب بني الجيشني. يبقى إذ ا تطور ديوان اإلنشاء املكلف باملراسالت الدبلوماسية ونموذج ابن فضل الله العمري دليال عىل حسن العالقات كما ينم أيض ا عن معرفة عميقة بتاريخ الدولة البيزنطية وجدورها اليونانية وأقدمية امللك فيها وأسبقية اإلمرباطور عىل معارصيه يف هذا املجال. كما أن جانب األقدمية واألسبقية نجده أيض ا عند ابن صعد األندليس يف كتابه طبقات األمم فقد جعل الخلفاء املسلمني يف آخر الرتتيب ذلك أن قضية األقدمية مرتبطة يف الذهنية اإلسالمية بقضية أخرى وهي قضية السابقة يف اإلسالم والسابقة يف الفتوحات. كما نجد يف بعض األحيان أن املؤرخني استعملوا االسم الشخيص لإلمرباطور ألقاب ا رسمية ومن ذلك عبارة "باسل" التي تعود أصولها يف اللغة اليونانية إىل االسم الشخيص لإلمرباطور باسيليوس املقدوين أو باسيليوس األول ولكن صادف أن كلمة باسل يف اللغة العربية تعني الشجاع فتم اعتمادها صفة مرتبطة باألباطرة البيزنطيني. والنموذج الثاين: عبارة األشك ري أو األشك ري )2)) وهو اسم عائلة حكمت يف منطقة نيقية بعد دخول الصليبيني إىل القسنطينة سنة 600 ه - 1204 م إذ انقسمت اإلمرباطورية البيزنطية إىل أربعة كيانات: إمرباطورية نيقية وإمرباطورية طرابيزون وإمرباطورية ديسبتا أو إبريوس وإمرباطورية الالتينية يف القدس. وكانت إمرباطورية كما أن مثل هذه األحداث قد ت قرأ بصفتها دليال عىل سعي الدولة اإلسالمية لتحرير أكرث ما يمكن من األرسى يف العالم البيزنطي األمر الذي يؤكد العدد الكبري 18 لألرسى املسلمني مقابل األرسى البيزنطيني حتى أن بعض النصوص تتحدث عن اضطرار العباسيني إىل جمع كل من هو من أصول رومية لخلق نوع من التوازن يف فدية األرسى فجمعوا العجائز والجواري وغريهن من األفراد املندمجني يف املجتمع االسالمي غري أن األوضاع اقتضت م بادلتهم باألرسى املسلمني من أجل تعديل الكفة. أحمد بن فضل الله العمري التعريف باملصطلح الرشيف تحقيق محمد حسني شمس الدين )بريوت: دار الكتب العلمية 1988(. 19 أحمد بن عيل بن أحمد الفزاري القلقشندي صبح األعىش يف صناعة اإلنشاء )بريوت: دار الكتب العلمية 1987(. 20 العمري ص 77. 21 تقي الدين املقريزي السلوك ملعرفة دول امللوك تحقيق محمد عبد القادر عطا ج 3 )بريوت: دار الكتب العلمية 1997( ص 79. 22 28
صورة البيزنطيني يف الحضارة العربية من خالل اللغة تاسارد نيقية أكرب الدويالت التي أنشأها البيزنطيون عىل إثر سقوط القسطنطينية بعد أن حكمتها عائلة األشكري ]السكرياس[. فبقي هذا االسم صفة لإلمرباطور البيزنطي إىل السقوط النهايئ للقسطنطينية ولإلمرباطورية البيزنطية. أسامء املؤسسات العسكرية لم يكن اهتمام العرب باملؤسسات العسكرية يف العرص الوسيط من باب الصدفة وإنما كان يف إطار االطالع عىل العدو. ومن ثم فال بد من معرفة الرتب العسكرية وعدد العسكر تحت هذه الرتبة فعىل سبيل املثال داقرخ أو الديكارك هو قائد العرشة وعندما تتم اإلحاطة بعدد داقرخ وباقي الرتب العسكرية يف الجيش يمكن معرفة تعداد جيش العدو وبالنتيجة نجد يف املصادر العربية اهتمام ا كبري ا بمعرفة هذا الجانب من وظائف الجند )2)). ويبقى أعىل الرتب العسكرية هو الدمستق )2)) والذي تراه النصوص العربية صاحب املسالح )2)) وقد تم الخلط أحيان ا بني الدمستق واإلمرباطور خاصة يف الفرتة املتأخرة من العرص الوسيط أي بعد منتصف القرن الثاين عرش وذلك راجع لالستعمال املستحدث لهذه الوظائف الجديدة. تبدو شخصية الدمستق مؤثرة يف العالقات البيزنطية حتى أن وفاة بعض من اشتغل هذه الوظيفة ترس له النفوس من املسلمني. فحينما تويف يوحنا قرقواس )2)) طلب الخليفة العبايس من أئمة املساجد أن يخطبوا يوم الجمعة عىل منابر املساجد ويخربوا الناس بأن عدوهم قرقواس قد مات وهو ما يشري إىل متابعة واهتمام بهذه الشخصيات واملناصب التي تعتليها. كذلك يف إطار اهتمام العرب بمعرفة اآللة العسكرية البيزنطية ومعرفة مقاييس املبادالت عند فدية األرسى ركزوا عىل معرفة مختلف الرتب العسكرية يف الجهة املقابلة نجد تعداد ا لهذه الوظائف وعدد الجند الخاضعني لكل رتبة وكيفية توزعهم داخل املجال البيزنطي حتى أن ابن خرداذبة يقول: "فأم ا عد ة جيوشهم فمنها بقسطنطينية وهي حرضة امللك أربعة وعرشون ألف ا منهم الفرسان ستة عرش ألف ا والرج الة ثمانية آالف" )2)). كما أن يف الجهة الغربية لإلمرباطورية البيزنطية أي غرب يقدر عدد الجند بأربع وعرشين ألف ا ما بني فارس وراجل يف حني يقدر عددهم يف الواليات اآلسيوية املقابلة للعالم اإلسالمي بنحو سبعني ألف ا سوى املطوعة )2)) يقول: "فجميع جيش األحد عرش عمال الواليات اآلسيوية - التي مقابلتنا سوى من ال معو ل عليه وإنما هو ممن يجي ش فارس ا وراجال سبعون ألف رجل" )2)). 23 أبرز مثال عىل ذلك ما ذكره ابن خرداذبة يف النص التايل: "فال بأس أن نذكر من أحوال الروم ما ينتفع بعلمها فأو ل ذلك برتتيب جيوشهم وهو أن البطريق يكون رئيس ا عىل عرشة آالف مع كل بطريق طومرخان وكل طومرخ عىل خمسة آالف ومع كل طومرخ خمسة طرنجارين كل طرنجار عىل ألف ومع كل طرنجار خمسة قمامسة كل قومس عىل مائتني ومع كل قومس خمسة قمطرخني كل قمطرخ عىل أربعني ومع كل قمطرخ أربعة داقرخني كل داقرخ عىل عرشة" انظر: ابن خرداذبة ص - 255 256. 24 ومن ذلك ما ذكره الواقدي يف فتوح الشام: "وبلغ الخرب هرقل فتمكن الخوف من قلبه وأمر بطارقته بالتأهب للقتال ونصب رسادقاته مما ييل جرس الحديد ورضبت امللوك خيامها وفتح امللك هرقل خزائن السالح وفرقها عىل رجاله وأبطاله وخلع عىل يوقنا وقال له: أيها الدمستق قد وليتك عىل جيش هذا كله فكن أنت مدبره" انظر: محمد بن عمر الواقدي فتوح الشام ج 1 )بريوت: دار الكتب العلمية 1997( ص 284. 25 ومن ذلك ما ذكره الطربي: "وسار إىل الدمستق - أي هارون بن املهدي - بنقمودية وهو صاحب املسالح" انظر: الطربي ج 8 ص 152. 26 وهو قائد من القواد دمر منطقة الثغور وقف ز سكان الثغور الذين هربوا إىل بغداد ودخلوا إىل املساجد وكرسوا املساجد وثاروا عىل الخليفة. 27 ابن خرداذبة ص 256. 28 املطوعة ليسوا متطوعني باملعنى الذي نتصوره وإنما املقصود بهم الجند الفالحني ألن الدولة البيزنطية منذ القرن السابع اعتمدت مبدأ توزيع األرض مقابل الخدمة العسكرية وهو ما نسميه باالقتطاع العسكري. كما تجدر اإلشارة إىل أن الدولة البيزنطية وأوروبا الرشقية املكونة من بلغاريا ورصبيا ورومانيا وغريها لم تعرف الفيودالية عىل النموذج الغريب وكثري من الناس يخلطون بني اإلقطاعية والفيودالية. فالدولة املركزية ظلت دوم ا قوية يف الدولة البيزنطية والدولة املركزية هي التي تقطع األرايض وهي التي تسرتد األرايض. أم ا يف الغرب فالنظام الفيودايل مبني عىل العالقة بني الفرد والفرد وليس العالقة بني الفرد والدولة. 29 ابن خرداذبة ص - 258.259 29
متوز / / زومتزومت ددعلاا إذ ا يشري هذا الضبط للرتب العسكرية وعدد الجند إىل معرفة دقيقة بجيش العدو ومكوناته وتنظيمه العسكري بل حتى الطريقة التي يتم من خاللها استنفار الجند إذ يقول ابن خرداذبة يف نص آخر: "وليس للروم يف عساكرهم أسواق إن ما يحمل الرجل من منزله كعكه وزيته وخمره وجبنه" )3)) أي إنه يستنفر يف حالة الحرب وهو مطالب بأن يكون معوال عىل ذاته وليس عىل الدولة. وهذا األسلوب يف جمع الجند جعل العرب يعيبون عىل البيزنطيني عدم دربتهم عىل الخدمة العسكرية وهو أمر فيه نصيب من الصحة بالنظر إىل أن اإلمرباطورية البيزنطية أعطت أفضلية لالنتصار من غري حرب ذلك أن األيديولوجية العسكرية البيزنطية تقدم املفاوضات وتقبل يف كثري من األحيان بدفع اإلتاوة العسكرية أو بدفع رضيبة عسكرية من دون اقتتال. أسامء األعالم اهتمت النصوص العربية بنقل أسماء األعالم ومنها ما يمكننا التعرف إىل مقابله البيزنطي لكن الكثري منها بقي مبهم ا ال نعرفه. ومثال ذلك "ح باح بة" وهو شخص من إفريقية قام بدور مهم عند انتقاله إىل دمشق لطلب املساعدة من معاوية بن أيب سفيان الذي أرسل حملة يقودها معاوية ابن حديج. ومن املرجح أن ح باح بة هو تحريف يف املصادر واملخطوطات السم علم بيزنطي يرادفه يف اللغة اليونانية "جنادوس". وهناك شخص آخر واله األفارقة عليهم ويدعى األطربيون لكن ال تسمح النصوص العربية بتحديد من هو. األسامء الحضارية والدينية كثرية هي املصطلحات ذات الطابع الحضاري أو الديني التي انتقلت من القاموس البيزنطي إىل القاموس العريب. وال يسمح املجال يف هذه الورقة بذكرها جميع ا لذلك سيتم االقتصار فقط عىل بعض النماذج. فمن األسماء ذات الطابع الديني يمكن الحديث عن السنهودس والدبتخة والجفاريق. فاألول - أي السنهودس - هو املجمع الديني التي تدعو إليه الكنيسة الرشقية أم ا الدبتخة فهي عبارة عن لوحة مزدوجة تذكر فيها أسماء القديسني أو أشخاص ذوي مكانة عالية تقام الصالة باسمهم أو من أجلهم وأم ا الجفاليق فهو أعىل رتبة يف الكنيسة األرمينية وكنائس الشام معروف ويستعمله العرب أداة كذلك للضغط. ومن األسماء الحضارية يمكن أن ندرج اسم "القسطنطينية" بصفتها مركز ا يف الديانة املسيحية. ويعود الفضل إىل العمري ومن قبل مؤرخني آخرين يف التذكري بأن كلمة إسطنبول - يعتقد الناس أنها عثمانية - ذات أصول يونانية قديمة إذ يقول العمري: "وتنتهي متشاملة إىل القسطنطينية وتسمى إسطنبول: وهي قاعدة ملوك الروم ومنها تعقد راياتهم وتقوم" )3)). ومن ذلك أيض ا ما ذكر املقريزي يف كتابه السلوك ملعرفة دول امللوك إذ يقول: "قدم رسول صاحب إسطنبول وهي القسطنطينية" )3)) ما يشري إىل أن مدينة القسطنطينية عرفت أيض ا باسم إسطنبول قبل دخول العثمانيني إليها. ويبقى أبرز مثال لدخول أسماء حضارية بيزنطية إىل القاموس العريب هو أسماء العمالت املالية فجل األسماء املتداولة إىل يومنا الحارض هي باألساس موروثة عن اإلمرباطورية البيزنطية وذلك من قبيل الدينار والدرهم والفلس واملليم. وكان للعرب نوع من اإلعجاب بالنقود البيزنطية يتجىل ذلك يف رضبهم األمثال بقيمة الدينار البيزنطي وجمالية الصورة املنقوشة عليه ومن ذلك ما قاله النابغة الجعدي يف شعره: املرجع نفسه ص 112. 30 العمري ص - 60.61 31 املقريزي السلوك ج 7 ص 135. 32 30
صورة البيزنطيني يف الحضارة العربية من خالل اللغة تاسارد ((3( ك ه وال وش ب ان ا كأ ن وجوه ه م د ن انري مم ا ش يف يف أرض ق ي رص ا وكلمة "شيف" هي النقش املرتفع عن سطح العملة أي املشوف من العملة الجزء البارز منها ومنه قول عنرتة بن شداد: ((3( و ل ق د رش ب ت م ن امل د ام ة ب ع د م ا ر ك د اله واج ر ب امل ش وف امل ع ل م كذلك توجد بعض العبارات الجبائية مثل البقط والتي وردت يف بعض النصوص العربية )3)). والبقط هي رضيبة يدفعها الناس بصورة جماعية سواء كان داخل املجال البيزنطي أو خارجه وأصلها باللغة اليونانية هو "باكتون". كما يمكن اإلشارة أيض ا إىل مصطلح حضاري آخر وهو كلمة كورة والتي ترد مضافة إىل مدن إسالمية من قبيل كورة دمشق )3)) وهي كلمة يونانية تعني القرية ومحيطها. خالصة إن دراسة صورة البيزنطيني يف الحضارة العربية من خالل اللغة تسمح بالقول إن العرب يف العرص الوسيط كانت لهم رغبة يف االطالع عىل اآلخر البيزنطي تحركها مشاعر دينية وسياسية. وكان هذا السعي ملعرفة اآلخر عن طريق االحتكاك املبارش به. وعىل الرغم من أن اإلمرباطورية البيزنطية كانت عدو ا فإن ذلك لم يحل دون إقرار النصوص الدينية بإمكانية انبعاثها من جديد. وهو ما ت رجم عىل مستوى األدبيات العربية التي ال نجد فيها رغبة يف إلغاء اإلمرباطورية البيزنطية بل إقرار ا بالتعايش ولو يف ظل االختالف وهذا ما جعل نيكوالس ميستيكوس يقول "مختلفني يف اللغة مختلفني يف الدين ولذلك ال يجب أن يتحاربا" )3)). وقد كان للعرب اهتمام كبري بالتعرف إىل هذا اآلخر املختلف يف الدين فهو اآلخر املسيحي ويف الجنس فهو اآلخر الرومي ويف اللون فالروم ينعتون ببني األصفر. والتعرف إىل هذا اآلخر لم يكن جزئي ا بل فيه نظرة شاملة إىل الجانب الديني والسيايس والعادات والسلوك والحياة اليومية واللغة عمال بالقول بأن من تعلم لغة قوم أمن رشهم حتى وإن لم يكن اآلخر رش ا مطلق ا. 33 أبو زيد القريش جمهرة أشعار العرب تحقيق عيل محمد البجادي )القاهرة: نهضة مرص للطابعة والنرش والتوزيع 1967( ص 619. 34 املرجع نفسه ص 361. 35 تحدثت بعد النصوص العربية عىل أن البقط رضيبة ف رضت عىل أهل النوبة ي نظر: أحمد بن يحيى الب ال ذ ري فتوح البلدان )بريوت: دار ومكتبة الهالل 1988 ( ومن ذلك أيض ا ما ذكره املقريزي عند حديثه عن البقط انظر: تقي الدين املقريزي املواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار ج 1 )بريوت: دار الكتب العلمية 1997( ص - 369 373. 36 الخطيب البغدادي تاريخ بغداد تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف ج 11 )بريوت: دار الغرب اإلسالمي 2002( ص 79 تقي الدين املقريزي السلوك ج 7 ص 80 ابن خرداذبة ص 77. 37 Mystichos, p. 3. 31
متوز / / زومتزومت ددعلاا املراجع العربية ابن أيب شيبة عبد الله )ت. 235 ه(. املصنف يف األحاديث واآلثار. تحقيق كمال يوسف الحوت. الرياض: مكتبة الراشد 1989. ابن خرداذبة عبيد الله )ت. 280 ه(. املسالك واملمالك. بريوت: دار صادر أفست ليدن 1889. البغدادي الخطيب )ت. 463 ه(. تاريخ بغداد. تحقيق بشار عواد معروف. بريوت: دار الغرب اإلسالمي 2002. الب ال ذ ري أحمد بن يحيى )ت. 279 ه(. فتوح البلدان. بريوت: دار ومكتبة الهالل 1988. التوحيدي أبو حيان )ت. 414 ه(. اإلمتاع واملؤانسة. تحقيق عبد الرحمن املصطاوي. بريوت: دار إحياء الرتاث العريب 2010. الطربي محمد بن جرير )ت. 310 ه(. تاريخ الرسل وامللوك. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. ط 2. القاهرة: دار املعارف 1976. العمري أحمد بن فضل الله )ت. 749 ه(. التعريف باملصطلح الرشيف. تحقيق محمد حسني شمس الدين. بريوت: دار الكتب العلمية 1988. القريش أبو زيد )ت. 170 ه(. جمهرة أشعار العرب. تحقيق عيل محمد البجادي. القاهرة: نهضة مرص للطابعة والنرش والتوزيع 1967. القزويني زكريا بن محمد )ت. 682 ه(. آثار البالد وأخبار العباد. بريوت: دار صادر 1969. القلقشندي أحمد بن عيل بن أحمد الفزاري )ت. 821 ه(. صبح األعىش يف صناعة اإلنشاء. تحقيق محمد حسني شمس الدين. بريوت: دار الكتب العلمية 1987. املقريزي تقي الدين )ت. 845 ه(. السلوك ملعرفة دول امللوك. تحقيق محمد عبد القادر عطا. بريوت: دار الكتب العلمية 1997.. املواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار. بريوت: دار الكتب العلمية 1997. الواقدي محمد بن عمر )ت. 207 ه(. فتوح الشام. بريوت: دار الكتب العلمية 1997. اليعقويب أحمد )ت. 284 ه(. تاريخ اليعقويب. تحقيق عبد األمري مهنا. بريوت: رشكة األعلمي للمطبوعات 2010. األجنبية Byzantium at War (9th-12th c.). The National Hellenic Research Foundation. Institute for Byzantine Research. International Symposium 4. Athènes, 1997. Ducellier, Alain. L'église byzantine entre pouvoir et esprit (313-1204). Paris: desclée, 1990. Jenkins, R. J. H. & L.G. Westerink, (eds., trans.). Nicholas I, Patriarch of Constantinople: Letters. Washington: Dumbarton Oaks, 1973. Mansouri, Mohamed Tahar. "L'oeil du grand rival, la ville vue par les Musulmans." Autrement. 40 (Janvier 1996).. Eudes médiévales I: De Byzance et de l'islam. Mannouba: Publication de la FLAHM, 2009.. Eudes médiévales II: De l'islam et de l'occident latin. Mannouba: Publication de la FLAHM, 2009. Tolan, John Victor. Saracens: Islam in the medieval European imagination. New York: Columbia University Press, 2002. 32