مقالة بحثية نرجسية الريادة ول جام اإلسلام: صورتان متضاد تان عن الك ر د والسودان واألمازيغ في التراث العربي محمد املختار الشنقيطي أستاذ الفكر السيا سي المشارك جامعة قطر m.shinqiti@gmail.com ملخص تتناول هذه الدراسة صورة كل من الكرد والسودان واألمازيغ في التراث العربي وهي شعوب تشترك مع العرب في تجربة حضارية واحدة وترتبط بهم بوشائج الدين والتاريخ والجغرافيا. تحلل الدراسة نماذج مما ورد عن هذه الشعوب الثالثة في كتب املؤرخين والجغرافيين والرحالة واألدباء العرب وتذهب إلى أن صورة هذه الشعوب في التراث العربي ا ز ليست صورة واحدة بل هما صورتان متضاد تان تتضم ن إحداهما مدح ا وتفه م ا وتعاطفا واألخرى قدح ا وتحي يادة التي نمت في نفوس وتحام ال. وتفس ر الدراسة هذا التضاد بالصراع بين عاملين متناقضين: أولهما نرجسية الر العرب حين تصد روا الحضارة اإلسالمية عسكري ا وسياسي ا عدة قرون وهذه النرجسية ظاهرة شائعة في كل األمم التي تصد رت مسرح التاريخ البشري. وثانيهما ل جام اإلسالم الذي ألجم العرب وألزمهم بقيم العدل واملساواة بين البشر ونهاهم عن االستعالء العرقي والتمييز العنصري. كما تشير الدراسة إلى بقايا من املواريث العربية والفارسية واليهودية- املسيحية السابقة على اإلسالم وما كان لها من أثر في رؤية العرب املسلمين لهذه األقوام الثالثة. الكلمات املفتاحية: العرب الكرد السودان األمازيغ التحيز الهوية الصور النمطية. OPEN ACCESS Submitted: 15 May 2020 Accepted: 11 October 2020 لالقتباس: الشنقيطي»نرجسية الريادة ول جام اإلسالم: صورتان متضاد تان عن الك ر د والسودان واألمازيغ في التراث العربي«مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 https://doi.org/10.29117/tis.2020.0041 2020 الشنقيطي الجهة املرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه املقالة البحثية وفق ا لشروط Attribution- Creative Commons (4.0.NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC تسمح هذه الرخصة باالستخدام غير التجاري وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه مع بيان أي تعديالت عليه. كما تتيح حرية نسخ وتوزيع ونقل العمل بأي شكل من األشكال أو بأية وسيلة ومزجه وتحويله والبناء عليه طاملا ي نسب العمل األصلي إلى املؤلف. مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر 9
OPEN ACCESS Submitted: 15 May 2020 Accepted: 11 October 2020 Research article Narcissism of Leadership and Islam s Constraint: Two contradictory Images of the Kurds, Black Africans and Amazighs in the Arab Culture Mohamed El-moctar El-shinqiti Associate Professor of Political Thought, Qatar University m.shinqiti@gmail.com Abstract This is a study on the image of Kurds, the Black Africans, and the Amazighs (Berbers) in the Arab culture. These three nations have had a common civilizational experience with the Arabs, and they share with them a common religion, history, and geography. The study analyses samples of how these nations were represented by Arab historians, geographers, travelers, and men of letters, and argues there is no one single image of these three nations in the Arabic intellectual legacy; rather there are two contradictory images: one of them laudatory, complimentary, and sympathetic; the other one bigoted, prejudiced, and unfair. The study explains this contradiction by the clash of two factors: first, the narcissism of leadership that developed in the psyche of the Arabs when they become the leaders of Islamic civilization, militarily and politically, for centuries. This narcissism is a common phenomenon in the culture of all nations that once occupied the center stage of human history. Second, the Islamic moral constraint that put restrictions on the Arabs, imposed on them to adhere to the values of equity and equality between human beings, and prohibited them from racial supremacism and discrimination. The study also alludes to the pre-islamic Arab, Persian, and Judeo-Christian legacy, and its impacts on the way Muslim Arabs perceived these three nations. Keywords: Arabs; Kurds; Africans; Amazigh; Bias; Identity; Stereotypes Cite this article as: El-shinqiti, Narcissism of Leadership and Islam s Constraint: Two contradictory Images of the Kurds, Black Africans and Amazighs in the Arab Culture, Tajseer, Volume 2, Issue 2, 2020 https://doi.org/10.29117/tis.2020.0041 2020, El-shinqiti, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.. 10 مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر
بين يدي البحث الحظ أحد عظماء املؤرخين في العالم املعاصر وهو أرنولد توينبي )1975-1889( أن»تال ش ي الوعي العرقي بين املسلمين كان من أعظم منجزات اإلسالم ويبدو أن ثمة حاجة ماس ة في العالم املعاصر إلى نشر هذه الفضيلة اإلسالمية«. 1 وقارن املؤرخ اإلنكليزي بين الفاتحين املسلمين والفاتحين من بني قومه اإلنكليز الذين أبادوا الشعوب األصلية في أميركا الشمالية خالل استيالئهم عليها. 2 وكان توينبي دارس ا متفهم ا لتاريخ املسلمين متذوق ا للحضارة اإلسالمية. كما كان متعاطفا مع القضية الفلسطينية في مواقفه السياسية. لكن املستشرق اليهودي األميركي برنارد لويس )2018-1916( - الذي اتخذ من الحرب األيديولوجية على اإلسالم والعرب رسالة في الحياة - تصدى لتوينبي واعتبر رأيه مجرد»خرافة«3 ورفض فكرة»االنسجام العرقي الكامل في العالم اإلسالمي«4 فجمع لويس من تراث املسلمين األدبي والتاريخي والجغرافي ما استدل به على وجود تناقضات عرقية في أحشاء املجتمعات اإلسالمية. لم يكن توينبي - على تعاطفه املعروف مع العرب - مصيب ا تمام ا وال كان لويس - على تحيزه املعروف ضد العرب - مخطئ ا تمام ا. لكن بنظرة أكثر تجر دا يمكن اعتبار توينبي مقارب ا للحقيقة إلى حد بعيد فقد امتزجت األعراق في تاريخ الحضارة اإلسالمية أكثر من أي حضارة كالسيكية أخرى. ومع ذلك فإن شيئ ا من التحيز العرقي والثقافي - الذي بالغ لويس في تصويره - ظل موجودا بين الشعوب اإلسالمية وظلت الصور النمطية املتوارثة مؤث رة في رؤية هذه الشعوب بعضها بعضا حتى اليوم. تتناول هذه الدراسة جوانب محدودة من هذه الصور النمطية اإليجابية والسلبية في التراث العربي لثالثة من أقرب الشعوب اإلسالمية إلى العرب وأكثرهم امتزاج ا بهم وهم الكرد والسودان واألمازيغ آملين تعميقها وتوسيعها مستقبال لتشمل الترك والفرس وغيرهم من األقوام املسلمة. وتعتمد الدراسة منهج التحليل الكيفي لبعض ما ورد من نصوص تراثية عربية عن هذه األمم الثالث خصوص ا في كتب التاريخ والجغرافيا والرحالت مع اهتمام خاص بالنصوص األدبية إذ هي غالب ا ما تكون تعبيرا عفوي ا عن دفقات الوجدان ومكنون األنفس من دون مجاملة أو مواربة. وإذا ركز باحثون آخرون على عالقات املسلمين بغيرهم وما أثمرته من صور نمطية فإن هذه الدراسة تركز على العالقات الداخلية بين األقوام اإلسالمية ذاتها من خالل استنطاق التراث العربي وما يحمله من صور إيجابية وسلبية عن ثالثة من األقوام اإلسالمية. والتراث العربي مقصود في هذه الدراسة بمعناه الثقافي ال اللغوي فقط فهو يشمل الكتابات املسطورة باللسان العربي السابقة على العصر الحديث التي كتبها مؤلفون عرب أو مؤلفون مندرجون ضمن السياق الثقافي العربي وم ت م اهون معه حتى إن لم يكونوا عرب ا في نسبهم. فابن قتيبة الدينوري مثال وهو مؤلف كتاب فضل العرب ح بأنه ليس عربي النسب 5 وأمثال الدينوري كثر في التاريخ اإلسالمي. أما املؤلفون باللسان العربي والتنبيه على علومها يصر املعروفون بتمسكهم بهويتهم غير العربية أو املشهورون بتحاملهم على العرب وإشهار م ثالبهم - من املعروفين تاريخي ا بالش عوبي ين - فال يدخل ما كتبوه ضمن التراث العربي املقصود عندنا هنا. وتتمثل األطروحة الرئيسية للدراسة في وجود صورتين متضادتين عن الكرد والسودان واألمازيغ في التراث العربي وأن مرد هذا التناقض يرجع إلى حد بعيد إلى صراع ق يم اإلسالم املؤكدة على أخو ة املسلمين ومساواتهم مع نوازع التحيز العرقي 1 - Arnold J. Toynbee, Civilization on Trial (London: Oxford University Press, 1957), p. 205. 2 - Ibid. 3 - Bernard Lewis, Race and Slavery in the Middle East: An Historical Enquiry (New York: Oxford University Press, 1990), p. 99. 4 - Ibid., p. 101. 5 5 عبد هللا بن قتيبة الدينوري فضل العرب والتنبيه على علومها )أبو ظبي: املجمع الثقافي 1998( ص 55. مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر 11
والثقافي الناتج من نرجسية الريادة وعصبية الجماعة ومواريث ما قبل اإلسالم. وتجادل الدراسة بأن ل جام اإلسالم هو مة وجع ل نظ رتهم إلى الشعوب التي الذي منع العرب من التمادي بعيدا في نرجسية الريادة والتمحور حول الذات املتضخ شاركتهم الحضارة اإلسالمية أكثر تواضع ا وأقل تبج ح ا. أول : نرجسية الريادة لم ت خ ل أي من األمم التي تصد رت في تاريخ البشرية من نرجسية ثقافية وتمحو ر حول الذات. ولم يكن العرب استثناء من ذلك فقد عاشوا بعد ظهور اإلسالم قرون ا من الفتح والعزة والسياسة والتصدر»فالذات العربية في هذا السياق هي الفاتحة واملتسي دة واملرتحلة عبر اآلفاق والعابرة لحدود اآلخر شرق ا وغرب ا جنوب ا وشماال» 6. وفي ظروف كهذه من املعتاد أن تنمو نرجسية الريادة وتتجسد في رؤية الذات واآلخر. وتعب ر هذه النرجسية الج م عية عن ذاتها أحيانا في شكل إيجابي مثل االعتزاز بالذات والتاريخ وأحيان ا بصورة سلبية في شكل تعال على األمم األخرى وتشكيل صور نمطية عنها. لقد كان لكل من الشعوب الثالثة التي نعرض صورتها في التراث العربي إسهام عظيم في الحضارة اإلسالمية فهم أشقاء العرب في الدين وشركاؤهم في الثقافة والتاريخ والجغرافيا. وقد أدرك أبو حيان التوحيدي )ت. بعد 400 ه/ 1010 م( بحس ه اإلنساني أن لكل أمة إسهامها في الحضارة وأن اعتماد نسبية األحكام في هذا املضمار أدق وأحوط فكتب:»لكل ها وعق دها كمال وتقصير وهذا أمة فضائل ورذائل ولكل قوم محاسن وم ساو ولكل طائفة من الناس في صناعتها وح ل هم ]...[ فقد بان بهذا يق ضي بأن الخيرات والفضائل والشرور والنقائص م فاضة على جميع الخلق مفضوضة بين كل الكشف أن األمم كلها تقاسمت الفضائل والنقائص باضطرار الفطرة واختيار الفكرة«. 7 لكن هذه الروح الرحبة التي تحد ث بها أبو حيان لم تس د دائم ا في الثقافة العربية حتى عند أبي حيان نفسه كما سنبينه فيما بعد. لم يكن العرب استثناء من األمم القديمة التي سادت فبنت لنفسها صورة ذاتية ترفعها فوق سائر األمم. وحتى الدين ر عن الذي كان ي فترض أن يكون قاعدة للمساواة بين الطرفين اتخذه العرب أحيان ا حجة على التفاضل لصالحهم. وقد عب هذا اإلحساس شهاب الدين العمري )ت. 749 ه( بقوله:»وشتان بين العجم والعرب وقد شر ف هللا العرب إذ بعث فيهم محمد ا صلى هللا عليه وسلم نبي ه وأنزل فيهم كتابه وجعل فيهم الخالفة وامللك وابتز بهم ملك فارس والروم وقر ع بأسنتهم تاج كسرى وقيصر وكفى بهذا شرف ا ال ي طاول وفخرا ال ي قاول«. 8 وكان من مفارقات هذا التمحور حول الذات أن نسب ابن القيم إلى بعض الفقهاء تحريم العمائم على غير املسلمين ها على سائر وعللوا ذلك بحجة غريبة ال صلة لها بتعليل األحكام الشرعية اإلسالمية وهي أن»العمائم تيجان العرب وعز األمم من سواها«. 9 وربما يكون أحسن تعبير عن عجز بعض العرب عن استيعاب مقتضيات الرسالة اإلسالمية في مجال املساواة اإلنسانية هو تعبير حلمي شعراوي الذي وصفه بأنه»تلك ؤ الحضارة التي ال تريد أن تتجاوز ذاتها بالثقافة الجديدة حتى اآلن«. 10 لقد سم ى العرب الشعوب األخرى عج م ا منذ ما قبل اإلسالم إذ رأوا أنفسهم أفصح البشر وأب ي نهم لسانا. ولفظ العجم في اللسان واملعنى الثاني فيها أبين وأظهر. قال ابن جني: في اللغة العربية يتراوح في معناه االشتقاقي بين معنى الحيوانية والع ي نادر كاظم تمثيالت اآلخر: صورة السود في املتخي ل العربي الوسيط )بيروت: املؤسسة العربية للدراسات والنشر 2004( ص 15. 6 6 أبو حيان التوحيدي اإلمتاع واملؤانسة )بيروت: املكتبة العصرية 1424 ه( ص 72-71. 7 7 أحمد بن يحيى العمري مسالك األبصارفي ممالك األمصار )أبو ظبي: املجمع الثقافي 1423 ه( ج 4 ص 308. 8 8 محمد بن أبي بكر بن القيم أحكام أهل الذمة )الدمام: رمادي للنشر 1997( ج 3 ص 1267. 9 9 1010 حلمي شعراوي»صورة األفريقي لدى املثقف العربي: محاولة تخطيطية لدراسة ثنائية قبول/استبعاد«في: الطاهر لبيب )محرر( صورة اآلخر: العربي ناظرا ومنظورا إليه )بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية/الجمعية العربية لعلم االجتماع 1999( ص 247. 12 مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر
»اعلم أن )ع ج م( إنما وقعت في كالم العرب لإلبهام واإلخفاء وضد البيان واإلفصاح. من ذلك قولهم: رجل أعجم وامرأة عجماء: إذا كانا ال ي فصحان وال يبينان كالمهما ]...[ ومنه قولهم: استعجمت الدار: إذا ص م ت فلم ت جب سائلها. قال امرؤ القيس: 11 واستعجمت عن منطق السائل«ص م صداها وعفا رسم ها وقال الخليل بن أحمد:»العجماء: كل دابة أو بهيمة ]...[ والعجماء كل صالة ال ي ق رأ فيها واألعجم: كل كالم ليس بلغة عربية إذا لم ترد بها النسبة. قال أبو النجم العجلي )ت. 120 ه(: صوتا م وفا عندها مليح ا أعجم يف آذاهنا فصيح ا يصف حمار الوحش«. 12 لكن ليست كل ع جمة في لغة العرب»صوتا م خ وفا«كصوت حمار الوحش على نحو ما نجد في بيت أبي النجم. بل أضفى بعض شعراء العرب ملسة رومانسية عذبة على صفة الع جمة أحيان ا مثل قول قائلهم: وقول آخر: أال قاتل اهلل احلاممة غد وة تغنت بصوت أعجمي فهيجت حبذا و ر ق احل امم إ ذا أعجميات إ ذا نطقت عىل الغصن ماذا هيجت حني غنت من الوجد ما كانت ضلوعي أجنت 13 رن حت ها م ن ه أ غ صا ن 14 ل ي س إ ال الشوق تبيان لكن باستثناء عجمة الحمامة املثيرة ل ل واعج الشوق عند شعراء العرب فإن الغالب على نظرة العرب إلى العجم والع ج مة أنها نظرة سلبية. وقد صر ح بذلك ح ميد بن ثور الهاللي )ت. 30 ه/ 650 م( وهو من شعراء الصحابة فقال: وما هاج هذا الشوق إال محامة فلم أر مثلي شاقه صوت مثلها دع ت س اق ح ر تر ح ة وترن ام 15 وال عربي ا ش اقه ص وت أعج ام ويمكن القول مع ذلك إن العرب قبل اإلسالم لم يروا ألنفسهم ميزة على األمم األخرى باستثناء فصاحة اللسان التي اعتبروا أنفسهم فوق العاملين فيها وهذا هو مقت ضى وصمة العجمة التي وصموا بها غيرهم. وقد عبر ابن قتيبة الدينوري عن اعتزاز العرب بالبيان فقال:»والعرب أخطب األمم ارتجاال وأذ ل قها ألسنة وأحسنها بيانا وأشدها اختصارا حين االختصار«. 16 وإنما تضخ م تمحو ر الذات العربية حول ذاتها بعد ما وف ره اإلسالم للعرب من فرص التصدر في نشره وفي فتح العالم تحت رايته وما فتحه لهم ذلك من أبواب القيادة والريادة وتلك مفارقة أخالقية كبرى حيث إن اإلسالم هو الذي لق ن العرب بوضوح ال لبس فيه أن ال فضل لعربي على عجمي إال بالتقوى. ومهما يكن فقد سم ى العرب غيرهم في صدر اإلسالم»موالي«وهي لفظة محم لة بمعاني اإللحاق االجتماعي وتستعمل 1111 عثمان بن جني املوصلي سر صناعة اإلعراب )بيروت: دار الكتب العلمية 2000( ج 1 ص 50-49. 1212 الخليل بن أحمد الفراهيدي كتاب العين )القاهرة: دار ومكتبة الهالل ]د. ت.[( ج 1 ص 238-237. 1313 ياقوت بن عبد هللا الحموي معجم األدباء ]إرشاد األريب إلى معرفة األديب[ )بيروت: دار الغرب اإلسالمي 1993( ج 2 ص 609. 1414 عبد الرحمن بن الجوزي املدهش )بيروت: دار الكتب العلمية 1985( ص 320. 1515 أحمد بن محمد بن عبد ربه العقد الفريد )بيروت: دار الكتب العلمية 1424 ه( ج 6 ص 261. 1616 الدينوري فضل العرب ص 146. مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر 13
في العربية أيض ا لألرقاء السابقين. وكانت النظرة الدونية إلى املوالي سائدة بين النخبة السياسية العربية في العصر العبا سي حتى»كانوا يقولون ال يقطع الصالة إال ثالثة: حمار أو كلب أو مولى«. 17 وكان العرب يتحفظون على زواج املولى من املرأة العربية ولذلك نحتوا لفظا ثقيال للتعبير عن مواليد هذا الزواج غير املرغوب فيه عندهم وهو لفظ»الف ل ن ق س» ومعناه»الذي أم ه عربية وأبوه ليس بعربي«. 18 ومن الطريف أن بعض األعراب لم يكتف برفض زواج العج م بالعربيات في الحياة الدنيا بل مد استعالءه بنسبه إلى الحياة األخرى فقد ورد أن أعرابي ا قال لصاحبه:»أترى هذه العجم تنك ح نساءنا في الجنة فقال اآلخر: نعم أرى ذلك بأعمالهم الصالحة فقال: ت وط ؤ رقاب نا وهللا قبل ذلك«. 19 وازدحمت كتب األدب واألخبار العربية بالقصص التي تحمل صورا نمطية سلبية عن العجم واملوالي ونظرة استعالئية د طرائف من ذلك فقال:»كان نافع بن جبير أحد بني نوفل بن عبد مناف إذا م ر عليه بالجنازة سأل تجاههم. وقد حكى املبر عنها فإن قيل: قر شي قال: واقوماه! وإن قيل: عربي قال: واماد تاه! وإن قيل: مولى أو عجمي قال: اللهم هم عبادك تأخذ منهم من شئت وتدع من شئت! وي روى أن ناسكا من بني الهجيم بن عمرو بن تميم كان يقول في قصصه: اللهم اغفر للعرب ]...[ فأما العجم فهم عبيدك واألمر إليك«. 20 واملالحظ في هذا املقام أن الحدود التي بناها العرب بينهم وبين األمم األخرى لم تكن في غالب األحوال حدود ا عرقية بل كانت ثقافية ولغوية في جوهرها كما أنها لم تكن بالوضوح الذي كانت به لدى أمم أخرى بنت أسوارا عالية بينها وبين بقية البشرية بالحكم على سائر البشر خارج حدودها العرقية بأنهم برابرة. صحيح أن العرب قس موا أمم األرض قسمين: عرب ا وعجم ا أو عرب ا وموالي لكن ذلك التقسيم لم يكن جامدا وال حد ي ا بل كانت الذات العربية - بفضل اإلسالم - ذات ا ثقافية مفتوحة ال ذات ا عرقية مغلقة. وربما كانت هذه الهوية العربية املفتوحة هي التي جعلت البحاثة الفلسطيني في تاريخ األديان إسماعيل الفاروقي )1925-1986( يتحدث عن»سيولة الكينونة العربية«21 وجعلت البحاثة املوريتاني في الشأن األفريقي الخليل النحوي يتحدث عن العروبة بوصفها ظاهرة ثقافية ال ساللية 22 ألن اإلسالم زو دها بالحاسة اإلنسانية واألفق العالمي. وهذه الذات العربية املفتوحة جعلت بعض النسابة واملؤرخين العرب يصنعون للكرد واألمازيغ نسب ا عربي ا كما جعلت الكثير من األمم التي اعتنقت اإلسالم أو عاشت في ظالل حضارته تنتسب إلى العرب كما الحظ البكري في قوله:»وأكثر أجناس العجم يزعمون أنهم عرب: فرقة من الروم تزعم أنها من غس ان ]...[ وقوم منهم يزعمون أنهم من إياد ]...[ وقوم منهم يزعمون أنهم من ولد قضاعة ]...[ ونصارى الجزيرة يزعمون أنهم من العرب ]...[ والديلم تزعم أنها من بني قيلة ]...[ والحدلجي ة خاصة يزعمون أنهم من ح م ير وغيرهم من أجناس الترك يد عي العرب ويسم ون أوالدهم بأسماء العرب العاربة. واألكراد يزعمون أنهم من قيس ثم من هوازن وهم مقيمون على هذه الدعوة إلى هذه الغاية. والخزر يزعمون أنهم من قريش ومن بني أمي ة ]...[ والبربر كلهم يزعمون أنهم من العرب ]...[ وقبط مصر من أهل الصعيد يزعمون أنهم من ربيعة ثم من تغلب ]...[ والحبشة الذين ببالد النجا شي يزعمون أنهم من اليمن«. 23 وانتساب أو نسبة بعض هذه األقوام إلى العرب أكبر من مجرد»الزعم«الذي تحد ث عنه البكري كما سنناقشه 1717 ابن عبد ربه ج 3 ص 361. 1818 الفراهيدي ج 5 ص 267. 1919 أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب األصفهاني محاضرات األدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء )بيروت: دار األرقم 1420 ه( ج 1 ص 424. 2020 محمد بن يزيد املبرد الكامل في اللغة واألدب )القاهرة: دار الفكر العربي 1997( ج 4 ص 13. 21 - Ismail Ragi Al-Faruqi, Urubah and Religion: A Study of the Fundamentals Ideas of Arabism and Islam as its Highest Moment of Consciousness (Amsterdam: Djambatan, 1962), p. 198. 2222 الخليل النحوي أفريقيا املسلمة: الهوية الضائعة )بيروت: دار الغرب اإلسالمي 1993( ص 22. 2323 أبو عبيد عبد هللا بن عبد العزيز البكري املسالك واملمالك )بيروت: دار الغرب اإلسالمي 1992( ج 1 ص 91-90. 14 مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر
بتفصيل الحق ا فالتالقي بين العرب وبعض هذه الشعوب - خصوص ا الكرد واألمازيغ وسودان الشرق والغرب األفريقي - يرجع إلى آالف السنين وهو تالق كان من ثماره تداخل عرقي عميق منذ التاريخ السحيق ثم حو له اإلسالم أخو ة إيمانية وإنسانية تتجاوز العصبيات والعرقيات. وقد برهنت الدراسات الغربية املعاصرة في تكوين اإلثنيات - ethnogenesis خصوص ا ما طرحه بينيديكت أندرسون من أن القوميات مجرد»صنائع ثقافية cultural artifacts من نوع خاص«- 24 أن القضية العرقية ليست هوية ثابتة بل مجرد بناء تاريخي متراكم نسجت ه القرون. وكان ابن خلدون - بنفاذ بصيرته املعهود - سبق املنظ رين الغربيين إلى أن»النسب أمر وهمي ال حقيقة له ونفع ه إنما هو في هذه الو ص لة وااللتحام«. 25 ورغم التحيز الكامن واملنطوق في التراث العربي فقد اعترف العرب في فترة ريادتهم التاريخية بأن من بين أمم األرض من كان متحضرا مثلهم. وقد عبر الجاحظ ) 255-163 ه/ 869-780 م( عن هذا املنحى االنتقائي بقوله:»إنما األمم املذكورون من جميع الناس أربع : العرب وفارس والهند والروم. والباقون هم ج وأشباه الهمج«. 26 ومن الواضح من تمييز الجاحظ بين األمم أن التحيز العربي ضد األمم األخرى ليس منشؤه اللون والعرق بل منشؤه اختالف الثقافة واللغة ونمط الحياة كما أن تفاوت األمم في رؤيتهم آنذاك كان تفاوت ا في الدرجة ال في النوع. فال ننس أن الجاحظ - صاحب نظرية األمم األربع»املذكورة«- هو مؤلف رسالة»فخر السودان على البيضان«التي سنعود إليها الحق ا رغم أن السودان ليسوا من األمم األربع التي وضعها في قلب الحضارة. وفيما يلي نستعرض صورة الكرد والسودان واألمازيغ في التراث العربي. ثانيا: صورة الكرد الكرد من األمم التي تعيش في قلب العالم اإلسالمي وقد دخل أغلبهم اإلسالم منذ عهد مبكر وكان منهم صحابي للنبي صلى هللا عليه وسلم هو جابان الكردي وقد ذكره املؤلفون عن حياة الصحابة مثل ابن منده وابن حجر 27 لكن معلوماتهم عنه جاءت شحيحة فهو لم يشتهر كثيرا كما اشتهر بالل الحب شي وصهيب الرومي وسلمان الفار سي. وقد كان للكرد إسهام عظيم في الحضارة اإلسالمية والذود عن حياض اإلسالم خصوص ا في حروب استرداد القدس الشريف من الصليبيين على أيدي القائد الكردي العظيم صالح الدين األيوبي ) 589-532 ه/ 1193-1137 م( الذي وصف ابن كثير عشيرته بأنهم»هم أشرف شعوب األكراد«. 28 وكما الحظ باحث كردي معاصر فإن»الشعب الكردي لم يكن قط خارج التاريخ اإلسالمي وال خارج الجغرافيا اإلسالمية بل كان على الدوام في صميم كل منهما«. 29 وتبدو صورة الكرد في التراث العربي صورة مرك بة من السمات اإليجابية والسلبية. فمن الصفات اإليجابية التي وردت في التراث العربي عن الكرد: الشجاعة والكرم واملروءة وإباء الضيم وحماية املستجير. قال ياقوت الحموي في حديثه عن إحدى القالع الكردية هي قلعة»ف ن ك«:»قلعة حصينة منيعة لألكراد البشنوية قرب جزيرة ابن عمر ]...[ وفيهم مرو ة وعصبية ويحمون من يلتجئ إليهم ويحسنون إليه«. 30 أما السيوطي فقد روى بعض اآلثار التي تمتدح الكرد بالغيرة وأن هللا»جعل الغيرة عشرة أجزاء فتسعة منها في األكراد 24 - Benedict R. Anderson, Imagined Communities: Reflections on the Origin and Spread of Nationalism (London: Verso, 2006), p. 4. 2525 عبد الرحمن بن خلدون مقدمة ابن خلدون ]وهي الجزء األول من كتابه: كتاب العبر وديوان املبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر[ )بيروت: دار الفكر 1988( ص 162. 2626 عمرو بن بحر الجاحظ البيان والتبيين )بيروت: دار ومكتبة الهالل 1423 ه( ج 1 ص 130. 2727 انظر: عبد الرحمن بن منده املستخرج من كتب الناس للتذكرة واملستطرف من أحوال الرجال للمعرفة )املنامة: وزارة العدل والشؤون اإلسالمية واألوقاف ]د. ت.[( ج 2 ص 99 أحمد بن علي بن حجر العسقالني اإلصابة في تمييز الصحابة )بيروت: دار الكتب العلمية 1415 ه( ج 2 ص 111. 2828 إسماعيل بن عمر بن كثير البداية والنهاية )بيروت: دار إحياء التراث العربي 1988( ج 12 ص 322. 2929 أحمد محمود الخليل صورة الكرد في مصادر التراث اإلسالمي )أربيل: دار أراس للطباعة والنشر 2012( ص 103. 3030 ياقوت بن عبد هللا الحموي معجم البلدان )بيروت: دار صادر 1993( ج 4 ص 278. مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر 15
وواحد في سائر الناس«. 31 وذكر ابن بطوطة مروره على سنجار بالعراق في رحلته فقال:»وأهل سنجار أكراد ولهم شجاعة وكرم» 32 وامتدح الشاعر ابن طاهر شجاعة الكرد وشد ة بأسهم فشب ه الفهود واألسود بالكرد قائال : وليس للط راد إال فهد من خل قها أو ولدت ه األ س د وأجمل األفط سي الحكم إيجاب ا فوصف الكرد بأنهم»فيهم خير كثير«. 34 كأنام ألقت عليه الكر د 33 وهو كفيل النج ح حني يعد و وقد امتألت كتب األدب العربي بالثناء على شجاعة أمراء األكراد وفرسانهم خصوص ا في حقبة الحروب الصليبية التي تصد ر فيها الكرد والترك حركة الجهاد وقادوا الشعوب اإلسالمية في شرق البحر املتوسط السترداد القدس وغيرها من بالد اإلسالم من أيدي الصليبيين حيث كانت الدولة التي أسسها صالح الدين األيوبي من أهم وأقوى الدول اإلسالمية آنذاك وقد وصفها املقريزي بأنها»دولة األكراد بمصر والشام«. 35 لكنها شملت بسلطانها إلى جانب الشام ومصر الحجاز وغرب العراق وجنوب األناضول وجنوب اليمن وشرق بالد املغرب. ومن أبلغ الثناء على شجاعة الكرد في الشعر العربي ما ورد في قصيدة عماد الدين األصفهاني ) 597-519 ه/ 1125-1201 م( التي يمدح فيها نور الدين زنكي ) 569-511 ه/ 1174-1118 م( سلطان الشام والجزيرة ومصر وقد حضر الشاعر وقعة بين نور الدين والصليبيين في حوران من بالد الشام فأثنى على األقوام املسلمة املنضوية في جيش نور الدين الذي واجه به الصليبيين من كرد وترك وعرب وغيرهم فشب ههم بالصحابة الكرام في غزوة بدر الكبرى وشب ه نفسه بحس ان بن ثابت شاعر النبي صلى هللا عليه وسلم فمما ورد في هذه القصيدة الطويلة: اإليامن وبدت لعرك آية اإلحسان ع قدت بنرك راية حمم ود املحم ود م ا ب ني ال ورى يف كل إقليم بكل لسان كم وقعة لك يف الفرن ج حديث ها ي ا خيب ة اإلفرن ج ح ني جتم ع وا ]...[ وكأنام األكراد فوق جيادها ولطاملا مهرت عىل نر اهلدى فلم أر مثلي شاقه صوت مثلها ]...[ للروم واإلفرنج م ن ك مصائب هم كالصحابة يوم بدر حاولوا قد سار يف اآلفاق والبلدان ان يف حرة وأتوا إىل ح ور قبان ملحمة عىل ع قبان ع ران أنصارك األبطال من م ه وال عربيا شاقه صوت أعجام ب الر ك واألكراد والع ر بان ن ر النب ي ون ب ت ع ن حس ان 36 3131 جالل الدين السيوطي حسن املحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة )القاهرة: دار إحياء الكتب العربية 1967( ج 2 ص 337. 3232 محمد بن عبد هللا بن بطوطة تحفة النظار في غرائب األمصار وعجائب األسفار ]رحلة ابن بطوطة[ )الرباط: أكاديمية اململكة املغربية 1997( ج 2 ص 85. 3333 محمد بن الحسن بن حمدون التذكرة الحمدونية )بيروت: دار صادر 1417 ه( ج 5 ص 274. 3434 محمد بن هبة هللا األفط سي املجموع اللفيف )بيروت: دار الغرب اإلسالمي 2005( ص 326. 3535 أحمد بن علي املقريزي رسائل املقريزي )القاهرة: دار الحديث 1419 ه( ص 173. 3636 العماد األصفهاني الكاتب خريدة القصر وجريدة العصر ]بداية قسم شعراء الشام[ )دمشق: املطبعة الهاشمية 1959( ص 58. 55 و»مهران«الواردة في البيت السادس هي إحدى العشائر الكردية. أما البيت السابع فهو زيادة في رواية أبي شامة للقصيدة. انظر: عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصالحية )بيروت: مؤسسة الرسالة 1997( ج 2 ص 244. 16 مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر
وربما تكون هذه الخصال من بين عوامل أخرى هي التي جعلت عدد ا من املؤرخين والنسابة العرب يحرصون على نسبة الكرد إلى العرب ويرفضون نسبتهم إلى الفرس على نحو ما عب ر عنه شاعر عربي في هذا البيت السائر الذي تردد في مصادر اللغة واألدب العربي ين من دون نسبة إلى شخص بعينه: لعم رك م ا األك راد أبن اء ف ارس ولكنه كرد بن عم رو بن عامر 37 بل تنافس العرب العدنانيون والقحطانيون في نسبة الكرد إلى فريقهم من العرب وتنافس في ذلك النس ابة العدنانيون رض يكون الكرد فقدوا هويتهم العربية على مر العصور لكثافة ما أحاط بهم من فيما بينهم. 38 وبناء على هذا النسب املفت أمم غير عربية. وقد أضاف إليهم األفط سي الديلم في هذا املضمار فقال:»وضب ة من أشجع الناس بأس ا وأحسنهم شعرا. وهم من القبائل التي خلجت نفوسها بالكلية من العربية إلى األعجمية أعني الديلم. وكذلك الكرد فإنهم انسل وا من خرشاء اللغة العربية وصاروا عج م ا قحاح ا ]...[ وحالت لغتهم وصاروا شعوب ا وقبائل«. 39 وهذا السعي العربي إلى إيجاد رابطة نسب مع الكرد ليس عملية إلحاقية سلبية كما قد يظن البعض بل يدل على نظرة إيجابية إلى الكرد وتقدير عميق لهم في الثقافة العربية. وقد الحظ ذلك الباحث الكردي أحمد محمود الخليل بكل تجر د فكتب:»ليس في نسبة الكرد للعرب ما ي شين بل فيه ما ي ع د تكريم ا للكرد من وجهة النظر العربية خصوص ا في القرنين األول والثاني الهجريين«. 40 وربما كان ذلك يعود إلى التشابه في القيم االجتماعية بين الشعبين كما الحظ الخليل ومنها:»الكرم األنفة الحمي ة الشجاعة الشهامة وغيرها«. 41 والالفت للنظر أن بعض العلماء واألدباء الكرد في التاريخ اإلسالمي تبن وا هذه الروايات عن عروبة الكرد ومنهم الشاعر الكردي الحسين بن داود البشنوي الذي قال فيه العماد األصفهاني:»ومن األكراد الفضالء الحسين بن داود البشنوي ابن عم صاحب ]قلعة[ ف نك عصره قديم وبيته كريم ]...[ وله ديوان كبير وشعر كثير«. 42 وهذا الشاعر الكردي هو القائل في إحدى قصائده: لكنن ي واهل وى يف حكم ه حك م إن يعرف الناس رسم الذل يف جهة نحن الذؤابة من كرد بن صعصعة جاري عزيز ومن ي الب ر مأمو ل فالذل عند بني مهران جمهو ل 43 من نسل قيس لنا يف املحتد الطول وفي قصيدة أخرى يقول البشنوي: إ ن مل أجر د هل ا حسامي مفاخر الكرد يف جدودي فلست من قيس يف الل ب ا ب 44 ون خوة ال ع ر ب يف انتسايب وبغض النظر عن الدالئل التاريخية فإن مما له مغزاه أن العرب لم يد عوا هذا النسب العربي ألي من األقوام املسلمة 3737 انظر مثال : محمد بن الحسن بن دريد األزدي جمهرة اللغة )بيروت: دار العلم للماليين 1987( ج 2 ص 638 مرت ضى الزبيدي تاج العروس من جواهرالقاموس )بيروت: دار الفكر 1414 ه( ج 5 ص 222. 3838 انظر: الخليل صورة الكرد ص 135. 133 129 3939 األفط سي ص 326. 4040 أحمد محمود الخليل تاريخ الكرد في العهود اإلسالمية )بيروت: دار الساقي 2013( ص 34. 4141 املرجع نفسه ص 28. 4242 األصفهاني الكاتب خريدة القصر ]قسم شعراء الشام[ ج 2 ص 541. 4343 املرجع نفسه ج 2 ص 542. 4444 املرجع نفسه. مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر 17
بتواتر وتأكيد كما فعلوا مع الكرد واألمازيغ. وال يدل هذا على أن أي ا من العرب والكرد واألمازيغ يرجع نسبه إلى اآلخر لكنه يؤشر إلى احتمال وجود وشائج نسب عميقة وعتيقة بين هذه األقوام الثالثة خصوص ا إذا انتبهنا إلى ظاهرة التواصل الجغرافي والبشري منذ فجر التاريخ بين غرب آسيا وشمال أفريقيا. وقد توصل البحاثة الكردي أحمد محمود الخليل إلى أن العالقة اإلثنية بين العرب والكرد»أكبر من أن تكون مجرد فرضية«45 داعي ا إلى مزيد من البحث واالستقصاء التاريخي الجدي في هذا املضمار. وإلى جانب هذا الشق اإليجابي من صورة الكرد في التراث العربي وحرص املؤلفين العرب على نسبة الكرد إلى العرب يوجد شق سلبي تتزاحم فيه الخرافة والتحيز. وقد جمع صاحب منظومة»الفراسة«التي أوردها املؤرخ سبط ابن العجمي في كتابه كنوز الذهب في تاريخ حلب من دون تحديد مؤلفها أمهات الصور النمطية السلبية واإليجابية عن الكرد في بضعة أبيات من منظومته. فامتدحهم بالجالدة في الحرب والصبر في الشدائد لكنه اتهمهم ب»الشر كل الشر«وهي عبارة جامعة للصفات السلبية: السداد والر كل الر يف األكراد لب عدهم عن منهج وفيهم للحرب والقتال جادة والطعن بالعوايل لكن مجيل اخللق والص باحه ليست هلم كا وال السامح ه ونسل هم ي ص ل ح للج اد ولألمور الصعبة الش داد 46 والغريب أن هذا الناظم يصف سنجار بأنها»شر أرض«وهي التي أثنى على أهلها ابن بطوطة في نصه الوارد سابق ا. واتهم الشاعر أبو دالمة )ت. 161 ه/ 778 م( الكرد بالغدر في هجائه أبا مسلم الخراساني الذي نسبه إلى الكرد فقال: أبا جمرم ما غر اهلل نعمة أيف دولة املهدي حاولت غد رة ع ىل عب ده حت ى يغي ه ا العب د أال إن أهل الغدر آباؤك الك ر د 47 على أن نسبة أبي مسلم إلى الكرد في شعر أبي دالمة ال تبدو لنا دقيقة ويبدو أن املراد بالكرد هنا البدو من أي قوم كانوا: كرد ا أو عرب ا أو غيرهم. وقد ترادف لفظ الكرد ولفظ البدو أحيانا في التراث الفار سي وانتقل أثر من ذلك إلى اللغة واآلداب العربية. ففي نص معب ر عن ذلك للمؤرخ الفار سي حمزة األصفهاني نجد التالي:»وكانت الفرس ت سم ي الديلم أكراد طبرستان كما كانت ت سم ي العرب أكراد سورستان«. 48 وسورستان هي العراق. 49 تحديد ا وهو ال يختلف عن وكذا الحال في التراث العربي فالتحامل على األكراد يكون أحيان ا تحامال على بدوهم تحامل العرب الحضريين على البدو من األعراب رغم أنهم يشتركون معهم في النسب واللسان. وقد ربط ابن اإلفليلي األندل سي )ت. 441 ه( بين األكراد واألعراب في نمط الحياة فقال:»واألكراد صنف من العجم في أطراف بالد فارس يذهبون مذاهب األعراب في مداومة الرحل واتخاذ بيوت الشعر واإلبل«. 50 وقسم الكرمي كل األمم إلى بادية وحاضرة:»فبادية العرب األعراب وبادية الروم األرمن وبادية الترك التركمان وبادية الفرس األكراد«. 51 فليس كل تحامل على الكرد في التراث 4545 الخليل صورة الكرد ص 146. 4646 أحمد بن إبراهيم سبط ابن العجمي كنوز الذهب في تاريخ حلب )حلب: دار القلم 1417 ه( ج 2 ص 384. 4747 عبد هللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري املعارف )القاهرة: الهيئة املصرية العامة للكتاب 1992( ص 420. 4848 حمزة بن حسن األصفهاني تاريخ سني ملوك األرض واألنبياء عليهم الصالة والسالم )بيروت: دار مكتبة الحياة 1961( ص 180. 4949 انظر: الحموي معجم البلدان ج 3 ص 279. 5050 إبراهيم بن محمد بن اإلفليلي شرح شعر املتنبي )بيروت: مؤسسة الرسالة 1998( ج 2 ص 216. 5151 مرعي بن يوسف الكرمي مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب )الرياض: مكتبة الرشد 1990( ص 34. 18 مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر
غمز في ب دوهم الرح ل وهو ال يختلف تحامل عرب الحضر على إخوتهم من بدو العربي تحامال عليهم أجمعين وإنما هو األعراب وتحامل ت رك الحضر على إخوتهم من بدو التركمان. لكن ياقوت الحموي أوغل في التحامل على الكرد فقال:»األكراد في جبال تلك النواحي ]إربيل[ على عادتهم في إخافة أبناء السبيل وأخذ األموال والسرقة وال ينهاهم عن ذلك زجر وال يصد هم عنه قتل وال أسر وهي طبيعة لألكراد معلومة وسجي ة ج باههم بها موسومة«. 52 لكنه سرعان ما رجع إلى االعتراف بإسهامهم في الحضارة اإلسالمية فقال:»وقد خرج من هذه الناحية من األج ل ة والكبراء واألئمة والعلماء وأعيان القضاة والفقهاء ما يفوت الحصر ع د ه ويعجز عن إحصائه النف س وم د ه» 53. وهذا يشبه اعترافه بالفضل لعلماء البربر بعد أن أوسع البربر جميع ا شتيمة وتشهيرا كما سنرى الحقا وهو مثال آخر على الصورتين املتضادتين اللتين نتحدث عنهما في هذه الدراسة. ا موسوعي ا من علماء اإلسالم هو ابن الجوزي الذي ألف كتاب ا في فضائل السودان والحبش كما سنرى بل إن عامل وأبدى فيه منزع ا إنساني ا واضح ا تحامل على األكراد واتهمهم بالجهل والبالدة فقال متحدثا عن الشيعة اإلسماعيلية وعقائدهم:»فإن قال قائل : مثل هذه االعتقادات الركيكة والحديث الفارغ كيف ي خ فى على من يتبع هم ونحن نرى أتباعهم خلق ا كثيرا فالجواب أن أتباعهم أصناف: فمنهم قوم ضع فت عقولهم وقل ت بصائرهم وغلبت عليهم البالدة والبله ولم يعرفوا شيئ ا من العلوم كأهل السواد واألكراد وجفاة األعاجم وسفهاء األحداث«. 54 ومن طرائف التحامل على الكرد ما ذكره الزمخشري إذ قال:»س مع رجل يقرأ: )األكراد أشد كفرا ونفاق ا( فقيل له: قل ويحك: )األعراب( فقال: كلهم يقطعون الطريق«. 55 ووردت هذه النكتة في مصادر أخرى بصيغة مختلفة منها أنه»ملا دخل األكراد مدينة السالم مع أبي الهيجاء واجتازوا بباب الطاق قال بعض املشايخ من التجار: هؤالء الذين قال هللا تعالى في ع علينا كتابه: )األكراد أشد كفرا ونفاق ا( فقال له إنسان: يا هذا إنما قال هللا: )األعراب( قال الشيخ: يا سبحان هللا! ي قط األكراد ]الطريق[ ونك ذ ب على األعراب «. 56 وتشبه هذه النكتة ما أورده ابن الجوزي في كتابه أخبار الحمقى واملغفلين إذ قال:»مر رجل بإمام يصلي بقوم فقرأ: )الم غ ل بت الترك( فلما فرغ قلت: يا هذا إنما هو )غ ل بت الروم( فقال: كلهم أعداء ال نبالي من ذ كر منهم«. 57 وتظهر الصورتان املتضادتان عن الكرد في قضايا نسبهم وأصلهم فبينما اختلق لهم عدد من النسابة العرب نسب ا عربي ا تداول آخرون أساطير غريبة حول أصل الكرد ال تخلو من الطرافة واإليغال في الخيال. فو جد من قال إنهم صنف من الجن ال من اإلنس ومن قال إنهم مزيج من العرب والجن! ويبدو أن خرافة األصل الجني للكرد تجد جذورها في الحياة كان الجبلية والشراسة العسكرية التي امتازوا بها طوال تاريخهم. ومن هذه الخرافة اقتبست الباحثة األميركية مارغريت عنوان كتابها أبناء الجن: مذكرات عن األكراد ووطنهم. 58 وقد لخص الز بيدي في مادة )كرد( من كتابه تاج العروس بعضا مما قاله النسابون في األكراد فقال:»منهم من رأى أ نهم من ربيع ة بن نزار بن بكر بن وائ ل انفردوا ف ي الجب ال ق د يم ا لحال دعتهم إ لى ذلك فجاوروا الف ر س فحالت لغتهم إ لى الع ج مة وولد كل نوع منهم لغة لهم كردية. ومنهم من رأى أنهم من ولد مضر بن نزار وأنهم من ولد ك رد بن مرد بن صعصعة بن هو ازن انفردوا قديم ا لدماء كانت بينهم وبين غس ان. ومنهم من رأى أنهم من ولد ربيع ة بن م ضر اعتصموا بالجبال طلبا 5252 الحموي معجم البلدان ج 3 ص 376. 5353 املرجع نفسه. 5454 عبد الرحمن بن الجوزي املنتظم في تاريخ األمم وامللوك )بيروت: دار الكتب العلمية 1992( ج 12 ص 297. 5555 جار هللا الزمخشري ربيع األبرار ونصوص األخيار )بيروت: مؤسسة األعلمي 1412 ه( ج 2 ص 34. 5656 أبو سعد منصور بن الحسين اآلبي نثر الدر في املحاضرات )بيروت: دار الكتب العلمية 2004( ج 7 ص 200. 5757 عبد الرحمن بن الجوزي أخبار الحمقى واملغف لين )بيروت: دار الفكر اللبناني 1990( ص 119. 5858 مارغريت كان أبناء الجن: مذكرات عن األكراد ووطنهم ترجمة نورا شيخ بكر )دمشق: مطبعة الخلود 1979( ص 9. مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر 19
للمياه واملرعى ]...[ ومنهم من ألحقهم بإماء سليمان عليه السالم ح ين وقع الشيطان املعروف بالجسد على املنافقات فع لقن رض يكون ر بعه ج ني ا وذلك على وجه األ ]=حمل ن[ منه وع ص م منه املؤمنات ]...[ وقيل أصل الكرد من الجن وكل كردي ألنهم من نسل بلقيس وبلقيس باالتفاق أمها ج ني ة وقيل: ع صى قوم من العرب سليمان عليه السالم وهربوا إ لى ال عجم فوقعوا ف ي ج وار كان اشتراها رجل لسليمان عليه السالم فتناسلت منها األكراد«. 59 وكما جرت العادة في تأصيل التحيز بين األقوام املسلمة بأصل إسالمي اختلق الزاعمون أن أصل الكرد من الجن أحاديث ركيكة نسبوها إلى النبي صلى هللا عليه وسلم زورا وبهتانا ومن ذلك ما ر وي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال:»األكراد جيل الجن ك شف عنهم الغطاء«. 60 ويدخل في سياق هذه الشيطنة الدينية للكرد ما أورده أبو بكر الخوارزمي ) 383-323 ه/ 993-935 م( ضمن باب»مناظرة إبليس لعنه هللا«من كتابه مفيد العلوم ومبيد الهموم قال:»في الخبر أنه جاء إبليس إلى النبي صلى هللا عليه وسلم وهو شيخ أعور كوسج ليس في وجهه غير تسع شعرات مشقوق طوال بخالف اآلدمي وله نابان خارجان فقال النبي صلى هللا عليه وسلم: م ن أبغض الناس إليك قال: أنت يا محمد ]...[ قال: فأي الناس أشقى عندك قال: األسخياء والقد رية إخواني واألكراد واألعجام يعملون ما أحب من غير تعب والعلماء والفقهاء يغلبونا مرة ونغلبهم أخرى«. 61 وقد انتبه البحاثة الكردي أحمد محمود الخليل إلى أن النسابة املسلمين من أصل فار سي هم الذين نشروا خرافة األصل الجني للكرد وأن النسابة العرب رفضوا هذه الخرافة كما الحظ أن الجانب السلبي من صورة األكراد في التراث العربي موروث جزئي ا على األقل عن التراث الفار سي ما قبل اإلسالم. 62 وأرجع ذلك إلى صراع عتيق بين أجداد األكراد من امليديين وأبناء عمومتهم اآلريين من الفرس. وقد ذكر الطبري ما يزك ي هذا الطرح وهو مراسلة بين امللك أردوان البهلوي وامللك أردشير مؤسس الدولة الساسانية - وقد عاشا قبل اإلسالم بثالثة قرون - ورد فيها قول أردوان معي را أردشير:»إنك قد عدو ت طورك واجتلبت حتفك أيها الكردي امل ربى في خيام األكراد«. 63 وإن كان معنى الكرد ي حتمل أن يكون املراد به البدو عموم ا كما الحظنا من قبل في حديث حمزة األصفهاني. ومع ذلك فهو يدل على بذور فارسية ملا شاب صورة الكرد في التراث العربي من غبش وتشو ه. ولعل البذور الفارسية للصورة السلبية عن الكرد تفس ر أيض ا وفرة املخت لقات الحديثية واآلراء الفقهية السلبية تجاه الكرد في املصادر الشيعية. ومن ذلك ما أورده الفقيه الشيعي أبو جعفر الك ل ي ني )ت. 329 ه/ 939 م( امللقب بثقة اإلسالم في»باب من تكره معاملته ومخالطته«من كتابه الكافي:»عن أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد هللا ]جعفر الصادق[ عليه السالم فقلت : إن عندنا قوم ا من األكراد وإنهم ال يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم فقال: يا أبا الربيع! ال تخالطوهم فإن األكراد حي من أحياء الجن كشف هللا عنهم الغطاء فال تخالطوهم«. 64 وجعل الكليني باب ا آخر من كتابه بعنوان:»باب من ك ر ه مناكحته من األكراد والسودان وغيرهم«أورد فيه رواية أخرى لهذا الخبر تقول:»ال تنكحوا من األكراد أحد ا فإنهم جنس من الجن كشف عنهم الغطاء«. 65 وبناء على هذه املخت لقات الغريبة نصح الفقيه الشيعي محمد بن الحسن الطو سي ) 460-385 ه/ 1067-995 م( - امللقب بشيخ الطائفة - التاجر املسلم»أن يتجن ب مخالطة الس فلة من الناس واألدني ن منهم وال يعامل إال من نشأ في خير 5959 الزبيدي ج 5 ص 223. 6060 الراغب األصفهاني ص 426. 6161 أبو بكر الخوارزمي مفيد العلوم ومبيد الهموم )بيروت: املكتبة العصرية 1418 ه( ص 190. 6262 انظر: الخليل صورة الكرد ص 259. 6363 محمد بن جرير الطبري تاريخ الرسل وامللوك )بيروت: دار التراث 1387 ه( ج 2 ص 39. 6464 محمد بن يعقوب الكليني الكافي )قم : دار الحديث 1392 شمسية ]بالتقويم اإليراني[( ج 10 ص 37-36. 6565 املرجع نفسه ج 10 ص 646. 20 مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر
ويجتنب معاملة ذوي العاهات واملحارفين. وال ينبغي أن يخالط أحد ا من األكراد ويتجنب مبايعتهم ومشاراتهم ومناكحتهم«. 66 واستمرت بقايا من مواريث هذا الفقه العليل إلى العصر الحديث حيث نجد املرجع الشيعي املعاصر أبا الحسن األصفهاني )ت. 1367 ه/ 1946 م( يفتي بأنه»ال ينبغي للمرأة أن تختار زوج ا سي ئ الخلق واملخن ث والفاسق وشارب الخمر ومن كان من الزنج أو األكراد أو الخوزي أو الخزر«. 67 والخوزي هو العربي من إقليم خوزستان اإليراني. ولم يكن تشبث الغالبية من الكرد باملنهج السن ي وتمن عهم من التشيع - رغم أنهم يحيط بهم كم بشري كثيف من الشيعة في إيران والعراق - بالذي سي عينهم على تجاوز هذه اآلراء السلبية في املصادر الشيعية. وقد أورد ابن العماد الحنبلي حوارا طريف ا بين مسؤول كردي شيعي وفقيه حنبلي هو نور الدين بن عمر البصري )ت. 684 ه( يشير إلى التمنع من التشيع في تاريخ الكرد يقول فيه:»كان شيخ ا من العلماء املجتهدين والفقهاء املنفردين وكان له فطنة عظيمة ونادرة عجيبة ]...[ ع ق د مجلس باملستنصرية مرة للمظالم وحضره األعيان فاتفق جلوس الشيخ إلى جانب بهاء الدين بن الفخر عي سى كاتب ديوان اإلنشاء وتكل م الجماعة فبرز الشيخ نور الدين عليهم بالبحث ور جع إلى قوله. فقال له ابن الفخر عي سى: من أين الشيخ قال: من البصرة. قال: واملذهب قال: حنبلي. قال: عجب! بصري حنبلي فقال الشيخ: هنا أعجب من هذا كردي راف ضي. فخجل ابن الفخر وكان كردي ا رافضي ا والرفض من األكراد معدوم أو نادر«. 68 ومهما يكن فإن صورة الكرد في التراث العربي ظلت صورة مرك بة دائم ا فقد ورد في الشعر العربي إلى جانب املدائح التي أوردنا نماذج منها من قبل تعريض بأداء الكرد في الحرب على نحو ما نجد في قول الشاعر البحتري ) 284-206 ه/ 821-898 م( أحد أهم شعراء العربية في الدولة العباسية: وملا رأى األكراد برق س نان ه تول و ا ف ه ام بالفرار معر تث ج دما منهم فوب ل ور ي ق 69 دهور ا وه ام بالسيوف م ف ل ق وكذلك اتهامهم بعدم الثبات في القتال أمام العرب كما نجده لدى الشاعر ابن نباتة السعدي ) 405-327 ه/ 938-1015 م( وهو من شعراء الدولتين البويهية في العراق والحمدانية في الشام يهجو أحد أمراء األكراد الثائرين على البويهيين: فقوال له ال وف ق اهلل رأيه: 70 متى صربت ك ر د األعاجم للع ر ب! ومن املهم هنا أن ندرك مغزى الفرق بين اتهام الشاعرين البحتري وابن نباتة لألكراد بعدم الصبر على القتال في وجه العرب حين كان العرب والكرد يقتتلون فيما بينهم وثناء الشاعر العماد األصفهاني على شجاعة الكرد وبسالتهم حين كانوا هم والعرب والترك في جيش واحد تحت قيادة نور الدين محمود يواجهون عدو ا خارجي ا صائال ويقاتلون صفا كأنهم بنيان مرصوص لتحرير األرض اإلسالمية املقد سة. فهنا نجد تال شي الحساسيات العرقية واألنانية السياسية أمام تحدي القوى الخارجية الباغية وهناك نجد تقطيع األرحام في صراع بين إخوة الدين والتاريخ والجغرافيا. وقد بالغ بعض الباحثين الكرد القوميين في تأويل التاريخ بأثر رجعي يخدم منحى انعزالي ا في العالقة بالسياق الحضاري اإلسالمي حتى لقد تحد ث أحد أكثر الباحثين الكرد ج دا علمي ا وهو أحمد محمود الخليل عن»الغزو الثقافي الجديد املتمثل في الدين اإلسالمي ذلك الغزو الذي شك ل تهديدا واضح ا للثقافة الز ر دشتية التي كانت سائدة طوال قرون في 6666 محمد بن الحسن الطو سي النهاية في مجرد الفتاوى واألحكام )بيروت: دار الكتاب العربي 1980( ص 373. 6767 أبو الحسن األصفهاني وسيلة النجاة بتعليق اإلمام الخميني )طهران: مؤسسة تنظيم ونشر آثار اإلمام الخميني 1422 ه( ص 693. 6868 ابن العماد الحنبلي شذرات الذهب في أخبارمن ذهب )دمشق: دار ابن كثير 1986( ج 5 ص 675. 6969 الوليد بن عبيد البحتري ديوان البحتري )القاهرة: دار املعارف 1963( ص 1497. 7070 عبد العزيز بن عمر بن ن باتة ديوان ابن نباتة السعدي )بغداد: دار الحرية 1977( ج 2 ص 92. مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر 21
املجتمع الكردي«. 71 كما أخذ الباحث نفسه على امللوك األيوبيين - صالح الدين وأسرته - أنهم»كانوا مسلمين أكثر مما كانوا كرد ا«72 بينما تحدث بنبرة إيجابية عن مروان بن محمد ) 132-72 ه/ 750-692 م( آخر ملوك بني أمية امللقب بمروان 73 الحمار في مصادر التاريخ اإلسالمي وقال إن»هذا الخليفة كان كردي األم و ر ث عنها عينيه الزرقاوين وشكله الوسيم«! وهذه نماذج كاشفة لض يق العصبيات القومية عن القراءة الرحبة للتجربة الحضارية املشتركة بين هذه األقوام وفي القلب منها الكرد الذين يقع موطنهم في قلب العالم اإلسالمي وفي مركز تداخ له العرقي والثقافي. ثالثا: صورة السودان كان السودان من األقوام التي ظهرت على مسرح التاريخ اإلسالمي منذ ظهور اإلسالم. ونحن نستعمل لفظ»السودان«ا لنعت األمم ذات البشرة السوداء واألصول األفريقية كافة وال عالقة للمصطلح هنا باسم دولتي السودان وجنوب هنا تجو ز السودان املعاصرتين. وقد آثرنا مصطلح»السودان«على لفظ ي»الزنج«و«الزنوج«اللذين أصبحا يحمالن دالالت سلبية في اللغة العربية املعاصرة. علم ا أن تسميات الزنج والحبشة والسودان ترد أحيان ا مترادفة في االصطالح التراثي كما الحظ ابن خلدون في قوله:»وي سم ى سكان الجنوب من اإلقليمين األول والثاني باسم الحبشة والزنج والسودان ]وهي[ أسماء مترادفة على األمم املتغي رة بالس واد وإن كان اسم الحبشة مختص ا منهم بمن تجاه مكة واليمن والزنج بمن تجاه بحر الهند«. 74 لقد كان الصحابي بالل الحب شي ر ضي هللا عنه من أوائل السابقين إلى اإلسالم وانتشر اإلسالم بين شعوب شرق أفريقيا في وقت مبكر ثم في غربها بعد ذلك وأسست دوال إسالمية قوية وحواضر إسالمية مزدهرة في شرق أفريقيا وغربها وأسهمت إسهام ا عظيم ا في الحضارة اإلسالمية. كما امتزجت الشعوب السودانية بالعرب على مدى التاريخ اإلسالمي حتى إنه ليوجد اليوم ماليين العرب ذوي األصول السودانية األفريقية وماليين السودان األفارقة ذوي األصول العربية وقد عب ر عن ذلك الحاج محمد نياس وهو من فقهاء السنغال وشعراء العربية بقوله:»نحن عرب سو دت نا األمهات«. 75 وقد وردت نصوص كثيرة عن السودان في اآلداب العربية وكانت ثقافة الجزيرة العربية قبل اإلسالم تشتمل على الكثير من التحيز ضد السودان كما تدل عليه أشعار العرب وأخبارهم في الجاهلية ولعل قصة عنترة بن شداد وتبرؤ أبيه وقومه منه بسبب سواد لونه الذي ورثه من أمه من أبلغ هذه األمثلة. قال ابن قتيبة:»وإن ما ادعاه أبوه بعد الكبر وذلك أنه كان ألم ة سوداء يقال لها زبيبة وكانت العرب في الجاهلي ة إذا كان للرجل منهم ولد من أم ة استعبده«. 76 ولم يستطع عنترة أن يتخلص من هذه الوصمة إال ببسالته الحربية ودفعه عن قومه في يوم مشهود»فاد عاه أبوه بعد ذلك وألحق به نسبه«. 77 وقد عبر عنترة عن مفارقة احتقار لونه واحترام شجاعته في أكثر من موضع في شعره ومن ذلك قوله: خدمت أناس ا واختذت أقاربا لع و ين ولكن أصبحوا كالعقار ب ينادونن ي يف الس لم ي ا اب ن زبيب ة وعند ص دام اخليل يا ابن األطاي ب ستذكرين قومي إذا اخليل أصبحت جتول هبا الفرسان بني امل ضارب 7171 الخليل تاريخ الكرد ص 157. 7272 املرجع نفسه ص 260. 7373 الخليل تاريخ الكرد ص 161. 7474 ابن خلدون مقدمة ابن خلدون ص 106. 7575 النحوي ص 24. 7676 عبد هللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري الشعر والشعراء )القاهرة: دار الحديث 1423 ه( ج 1 ص 243. 7777 املرجع نفسه ج 1 ص 244. 22 مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر
فإن هم نسو ين فالصوارم والق ن ا 78 تذك رهم ف ع ي ووقع م ضاريب لقد اهتم النص اإلسالمي بمسألة النظرة الدونية والحيف االجتماعي املسلط على السود فأكد النبي صلى هللا عليه وسلم مبدأ املساواة بين األسود وغيره بصراحة ال لبس فيها في خ طبة ح ج ة الوداع التي تضمنت قيم ا اجتماعية تأسيسية حيث ورد فيها:»يا أيها الناس أال إن ربكم واحد وإن أباكم واحد. أال ال فض ل لعربي على عجمي وال لعجمي على عربي وال أحمر على أس ود وال أس ود على أحمر إال بالتقوى«. 79 ونظرا إلى التحيز االجتماعي والعرقي الذي كان سائد ا لدى أهل الجزيرة العربية يومها ضد السود وأن ف ة العرب من الخضوع لسلطة هؤالء جاءت أحاديث الطاعة السياسية م ه د رة ألي تفاضل اجتماعي إال على أساس العمل الصالح والكسب الشخ صي بعيد ا عن االعتبارات الع رقية. ومن األحاديث النبوية الواردة في ذلك قول النبي صلى هللا عليه وسلم:»اسمعوا وأطيعوا وإن است ع م ل حب شي كأن رأسه زبيبة«. 80 وعن أبي ذر ر ضي هللا عنه:»إن خليلي ]صلى هللا عليه وسلم[ أوصاني أن أسمع وأ طيع وإن كان عبدا م جدع األطراف«. 81 وفي رواية:»عبد ا حبشي ا مجدع األطراف«. 82 واستمر هذا املنحى امل ه د ر للتفاضل العرقي مط ردا في السنة السياسية إلى ختام الحقبة النبوية حيث كان م ن وصايا النبي صلى هللا عليه وسلم في ح ج ة الوداع ما ورد»عن يحيى بن حصين عن جدته أم الحصين قال: سمعت ها تقول: حججت مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ح ج ة الوداع ]...[ قالت: ر عليكم عبد مجد ع - حسبتها قالت أسود - يقودكم فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قوال كثيرا ثم سمعت ه يقول: إن أ م بكتاب هللا تعالى فاسمعوا له وأطيعوا«. 83 بيد أن هذا املثال اإلسالمي لم يصمد دائم ا أمام ثقل املوروث السابق على اإلسالم في الجزيرة العربية وغيرها. فقد انحسرت م ث ل اإلسالم أمام ثقافة األقوام أحيانا وهكذا»مع تعاظم سردية االستبعاد واالسترقاق كانت السردية املهيمنة في عصر بعثة الرسول صلى هللا عليه وسلم تتوارى شيئ ا فشيئا«. 84 وبسبب الصراع بين سردية املساواة اإلسالمية وسردية التفاوت املتوارثة عن عصور الجاهلية جاءت النصوص العربية الواصفة للسودان أو الحاكمة عليهم مزيج ا من السلب واإليجاب بحسب اقترابها وابتعادها من القيم اإلسالمية في مجال األخو ة اإليمانية والرابطة اإلنسانية. فمن الصفات اإليجابية التي و صف بها السودان في التراث العربي: الشجاعة والقوة والسخاء والبهجة وح س ن الخل ق وط يب النفس. وقد عدد الجاحظ في رسالته فخر السودان على البيضان العديد من»مفاخر السودان والزنج والحبش«85 وأشاد بمآثرهم ونو ه بأعالم املسلمين ذوي البشرة السوداء وتوصل إلى أنه»ليس في األرض أمة السخاء فيها وعليها أغلب من الزنج ]...[ وهم شجعان أش د اء األبدان ]...[ والزنجي مع ح س ن الخل ق وقلة األذى ال تراه أبد ا إال طي ب أعم لون النفس ضاحك الس ن حس ن الظن«. 86 ولم يكتف الجاحظ بذلك بل تجاوزه إلى مدح سواد اللون بإطالق:»فليس أرسخ في جوهره وأثبت في حسنه من سواد«. 87 وعلى خطى الجاحظ سار ابن الجوزي في كتابه تنوير الغبش في فضل السودان والحبش فدل أيض ا على أن االستعالء 7878 الخطيب التبريزي شرح ديوان عنترة )بيروت: دار الكتاب العربي 1992( ص 35. 7979 أحمد بن حنبل مسند اإلمام أحمد بن حنبل )بيروت: مؤسسة الرسالة 2001( ج 38 ص 474. وقال محققوه شعيب األرنؤوط وآخرون:»إسناده صحيح«. 8080 محمد بن إسماعيل البخاري الجامع الصحيح امل ختصر ]صحيح البخاري[ )اليمامة: دار ابن كثير 1987( ج 1 ص 246. 8181 مسلم بن الحجاج النيسابوري املسن د الصحيح امل ختصربنقل العدل عن العدل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ]صحيح مسلم[ )بيروت: دار إحياء التراث العربي ]د. ت.[( ج 3 ص 1467. 8282 املرجع نفسه ج 3 ص 1468. 8383 املرجع نفسه ج 2 ص 944. 8484 كاظم ص 87. 8585 عمرو بن بحر الجاحظ»فخر السودان على البيضان«في: رسائل الجاحظ )القاهرة: مكتبة الخانجي 1964( ج 1 ص 190. 8686 املرجع نفسه ص 196-195. 8787 املرجع نفسه ص 206. مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر 23
العرقي ليس مقبوال في ذلك الشق من التراث العربي الذي هذ بته قيم اإلسالم وشذبته. وقد جمع ابن الجوزي في كتابه كل ما يجول بالخاطر من فضائل الزنج. فافتتح الكتاب بالحديث عن مكاتبة النبي صلى هللا عليه وسلم للنجا شي وهجرة املسلمين األوائل إلى الحبشة ثم أطنب في اإلشادة بعلماء الزنج وشعرائهم وأذكيائهم وفطنائهم وكرمائهم وزهادهم وع ب ادهم من الرجال والنساء فخصص فصال لكل هذه األصناف. بل توسع ابن الجوزي في الحديث عن فضائل السودان حتى جعل الفصل الرابع والعشرين من الكتاب»في ذكر من كان ي ؤثر الجواري السود على الب يض ومن كان يعشقهن ومن مات من عشقهن«. 88 وقد لخ ص ابن الجوزي»فضائل اجتمعت في طباع السودان منها: قوة البدن وقوة القلب وذلك يثمر الشجاعة ويذكر الحبشة بالكرم الوافر وحسن الخلق وقلة األذى وضحك السن وطيب األفواه وسهولة العبارة وعذوبة الكالم«. 89 ونقل السيوطي في رفع شأن الحبشان الصفات ذاتها عن ابن الجوزي مقرا له عليها. 90 واستدرك السيوطي على ابن الجوزي ورأى أن كتابه ال يستوعب مكارم السودان وفضائلهم وأعيانهم فكان كتابه رفع شأن الحبشان استكماال لكتاب ابن الجوزي ألن ابن الجوزي»لم يستوف وال قارب«91 استيفاء فضائلهم حسب وصفه. وفي حديث ابن الجوزي والسيوطي عن فضائل السودان صدى ملا ذكره الجاحظ من قبل مما يدل على أن هذه الصفات تحولت إلى صور نمطية إيجابية عنهم متأصلة في الذهن العربي. فليس من الصواب قول نادر كاظم إن النصوص العربية الرافعة من شأن السود مجرد»محاولة يائسة وملتبسة إلنصاف السودان«. 92 فاستمرار التأليف في فضائل السودان إلى فترة متأخرة من تاريخ الحضارة اإلسالمية كما هو حال رسالت ي السيوطي في املوضوع دليل على أن قيم املساواة اإلسالمية لم تنهزم أمام التحيزات العرقية وإنما ظلت الحرب بين الطرفين سجاال وهي ال تزال كذلك إلى اليوم. أما الرحالة ابن بطوطة فقد امتدح الشعوب الس ودانية في غرب أفريقيا بعدد من القيم والخصال فكتب:»فمن أفعالهم الحسنة قلة الظلم فهم أبعد الناس عنه وسلطانهم ال يسامح أحدا في شيء منه ومنها شمول األمن في بالدهم فال يخاف املسافر فيها وال املقيم من سارق وال غاصب ]...[ ومنها مواظبتهم للصلوات والتزامهم لها في الجماعات ]...[ وإذا كان يوم الجمعة ولم يبكر اإلنسان إلى املسجد لم يجد أين يصلي لكثرة الزحام ]...[ ومنها لباس هم الثياب البيض الحسان فه وشه د به الجمعة ومنها عنايتهم بحفظ القرآن العظيم«. 93 يوم الجمعة ولو لم يكن ألحدهم إال قميص خ ل ق غس له ونظ ومع هذه الخصال الحميدة ظهر تحيز عرقي لدى ابن بطوطة ضد السودان سنعود إليه في حينه. تلكم هي الصفات الحميدة التي تواترت في التراث العربي عن الشعوب السودانية أما الصفات السلبية التي ظهرت في هذا التراث عن السودان فهي: الشهوانية والبهيمية والبالدة واإلذعان للعبودية والدمامة الجسدية على نحو ما نجد في قول اإلدري سي:»وهذا األمر الذي جئنا به من سرقة قوم أبناء قوم في بالد السودان طبع موجود فيهم ال يرون به بأس ا. وهم أكثر الناس فساد ا ونكاح ا وأغزرهم أبناء وبنات. وقلما توجد منهم املرأة إال ويتبعها أربعة أوالد وخمسة. وهم في ذاتهم كالبهائم ال يبالون ب شيء من أمور الدنيا إال بما كان من لقمة أو نكحة وغير ذلك ال يخطر لهم ذكره على بال«. 94 وحتى الجاحظ لم يس لم من نقل بعض التر هات عن السودان في رسالة فخر السودان على البيضان التي ي فترض أنها مفاخرة منهم على غيرهم. فهو يذكر مثال أن»الزنجية تل د نحو ا من خمسين بطن ا في نحو خمسين عام ا في كل بطن اثنين 8888 عبد الرحمن بن الجوزي تنوير الغبش في فضل السودان والحبش )الرياض: دار الشريف 1998( ص 233. 8989 املرجع نفسه ص 40. 9090 جالل الدين السيوطي رفع شأن الحبشان )جدة: دار القبلة 1416 ه( ص 365. 9191 املرجع نفسه ص 31. 9292 كاظم ص 89. 9393 ابن بطوطة ج 4 ص 265. 9494 محمد بن محمد بن عبد هللا الشريف اإلدري سي نزهة املشتاق في اختراق اآلفاق )بيروت: عالم الكتب 1409 ه( ج 1 ص 110. 24 مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر
فيكون ذلك أكثر من تسعين«. 95 كما زعم الجاحظ في كتابه الحيوان أن»الزنج نوعان: أحدهما يفخر بالعدد وهم ي سم ون النمل واآلخر يفخر بالصبر وع ظ م األبدان وهم يسم ون الكالب«! 96 وتحدث املقد سي عن»خ ب ل الزنوج«. 97 وردد صاحب ه هذه التر هات فزعم أنهم بهيميون وبلداء وأن هللا خلقهم لخدمة منظومة»الفراسة«الذي يبدو االسترقاق أكبر هم غيرهم من البشر! فقال: ويف الزنوج غ ل ظ الطباع ما فيهم لناكحيهم م ن ية إال ألهل الريف والرستاق براهم لذاك رب الناس وفيهم ميل إىل البضا ع وال لقانيهم غد ا من ب غ ية وكل ذي أمر شديد شا ق 98 فا تكن عليهم باآليس وكما أن التحيز العربي تجاه الكرد ترجع بعض بذوره إلى الثقافة الفارسية العتيقة كما برهن على ذلك الباحث الكردي أحمد محمود خليل فإن التحيز العربي تجاه السودان يرجع جزء منه إلى التقليد البليد لخرافات توراتية أو نظريات عرقية يونانية تتناول أصل الزنج وصفاتهم. وهذا ال ي عفي العرب من مسؤوليتهم عن تحيزهم الخاص وال من تساهلهم في تبني بعض هذه التر هات. فنجد مثال أن القصة املمجوجة الواردة في العهد القديم التي تزعم شرب نوح عليه يه في خيمته قد ات خذها اليهود واملسيحيون في املا ضي تفسيرا لسواد السودان ودليال على أنهم أوالد السالم للخمر وت ع ر حام بن نوح وأن استرقاقهم قد ر إلهي ال اعتراض عليه! ثم تسربت هذه الخرافة إلى التراث العربي وظهر صداها فيه كما نرى في البيت األخير من أرجوزة»الفراسة«التي أوردناها منذ قليل رغم أن أي تمحيص لداللة القصة وملناقضتها للعقائد اإلسالمية في األنبياء يكفي لرفضها بداهة. فقد ورد في العهد القديم:»وكان نوح أو ل فالح غرس كرم ا. وشر ب نوح من الخمر فس ك ر وتعر ى في خيمته فرأى حام أبو كنعان عورة أبيه فأخبر أخوي ه وه م ا خارج ا فأخذ سام ويافث ثوب ا وألقي اه على أكتافهما. ومش ي ا إلى الوراء ليسترا عورة أبيهما. وكان وج هاهما إلى الخلف فما أبصرا عورة أبيهما. فلما أفاق نوح من س ك ره ع ل م بما فعل به ابن ه الصغير. فقال: ملعون كنعان! عبد ا ذليال يكون إلخوته«. 99 وقد نقض ابن خلدون و ه م املتوه مين وجود عالقة بين سواد الشعوب السودانية وهذه القصة التوراتية واتهمهم بالجهل»بطبائع الكائنات«ثم أوضح أن سواد البشرة نتيجة طبيعية لحرارة الشمس في األقاليم التي عاشت فيها تلك الشعوب تاريخي ا وأن ال فرق بينها وبين بياض الشعوب البيضاء في األقاليم الشمالية من األرض. فيقول:»وقد توه م بعض النس ابين ممن ال علم لديه بطبائع الكائنات أن السودان هم ولد حام بن نوح اختص وا بلون السواد لدعوة كانت عليه من أبيه ظهر أثرها في لونه ]...[ وينقلون في ذلك حكاية من خرافات القصاص ]...[ وفي القول بنسبة السواد إلى حام غفلة عن طبيعة الحر والبرد وأثرهما في الهواء ]...[ وذلك أن هذا اللون شمل أهل اإلقليم األول والثاني من مزاج هوائهم للحرارة املتضاعفة بالجنوب. فإن الشمس ت سام ت رؤوسهم مرتين في كل سنة قريبة إحداهما من األخرى فتطول املسامتة عام ة الفصول فيكثر الضوء ألجلها ويلح القيظ الش ديد عليهم وتسود جلودهم إلفراط الحر. ونظير هذين اإلقليمين مم ا يقابلهما من الش مال اإلقليم الس ابع والس ادس شمل سكانهما أيضا البياض من مزاج هوائهم للبرد املفرط بالشمال ]...[ فتبي ض ألوان أهلها وتنتهي إلى الز عورة ويتبع ذلك ما يقتضيه مزاج البرد املفرط من زرقة العيون وبرش الجلود وصهوبة 9595 الجاحظ»فخر السودان«ص 213. 9696 عمرو بن بحر الجاحظ الحيوان )بيروت: دار الكتب العلمية 1424 ه( ج 4 ص 277. 9797 املطهر بن طاهر املقد سي البدء والتاريخ )بورسعيد: مكتبة الثقافة الدينية ]د. ت.[( ج 4 ص 98. 9898 سبط ابن العجمي ج 2 ص 351. 9999 الكتاب املقدس الترجمة العربية املشتركة )بيروت: جمعية الكتاب املقدس في لبنان 1993( سفر التكوين 25-9:20. مجلة تجسير املجلد الثاني العدد 2020 2 تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر 25