العدد - 16 مايو/ أيار 2016
|
|
- بارعة شرف
- منذ 5 سنوات سابقة
- المشاهدات:
النسخ
1 العدد - 16 مايو/ أيار 2016
2 aljadeedmagazine.com في العدد هذا في الجديد النص إلى الوصول في مغامرتها الجديد تواصل العدد هذا وحتى اليمن ومن المغرب وحتى العراق من الممتدة العربية جغرافياته عن تتقاعس لم ف»الجديد«النائية بمدنها وانتهاء الثقافة بعواصم مرورا فلسطين خالله من المجلة عب رت الذي التأسيسي ببيانها التزامها مدى على آخر بعد شهرا البرهان واألفكار الجديدة بالكتابة المؤمنين العرب والقراء الكتاب من متنام عدد تطلعات عن عالقة له ما كل يطال نقدي مشروع إطالق إلى العربية الثقافة وبحاجة الجديدة األفراد ت هز عاصفة مجتمعية تحوالت يشهد قلق عربي عالم في واإلبداع بالتفكير العالقات عليها تنهض التي األسس حتى وطالت واألفكار والوجدان والجماعات التفكير. ألسس خلخلتها عن ناهيك العربية للثقافة العميقة والوشائج األول وأدبي فكري وحواران ونقد رأي ومقاالت وقصص قصائد العدد هذا في مع والثاني جديدة بقصائد مصحوبا بغدادي شوقي السوري واألديب الشاعر مع واإلسالموفوبيا. والغرب العرب حول راوتر دي ياب يان الهولندي المستشرق العراق سوريا من لكتاب مقاالت ويضم الهوية لمسألة الشهر هذا س كر العدد ملف ومن متباينة عربية وجغرافيات أوضاع من انطالقا كتبت الجزائر تونس فلسطين يكسر أن يحاول تطل ع عن يصدر لكونه اته ومرجعي مشاربه اختالف على مشترك وعي ليمكن المختلفة األفكار إلى الواحد والفكر المتعددة األصوات إلى الواحد الصوت ثقافة وخالق. منتج فكري حوار عبر ويستقبله بالتعدد يلم أن له الجباعي جادالكريم الجبين إبراهيم برقاوي أحمد من: لكل نقرأ الملف مقاالت في البشير ربوح عمر أزراج كيلة سالمة دلباني أحمد السعدي إبراهيم التريكي فتحي فرات.. باسم إشكالية األكثر القضايا في والسجال والنقاش الحوار أفق من الجديد توسع الملف بهذا واالجتماع الثقافة في الراهنة العربية اللحظة روح عن وتعبيرا المحرر ونارشها مؤسسها 2014 الزبيدي الثاني نوفمبر/تشرين هيثم التحرير رئيس الجراح نوري التحرير مستشارو برقاوي أحمد عمر أزراج الشمعة خلدون بسيسو الرحمن عبد العيادي بكر أبو دياب أبو خطار الخيون رشيد الجبين ابراهيم نجم مفيد الخطيب تحسين والتنفيذ التصميم لندن "العرب" مؤسسة - الفني القسم العدد: رسامو ريشب أمل جمعان حسين لعيبي فيصل أتاسي عدي داؤود عادل جعفر إياس تجهب نور الوفا أبو محمد األحمد حليم الحرم أبو ياسر بهجت نور النحاس عمار الباقي عبد رشوان النصار أسامة الترك نهاد الرسول عبد محمد نبعة نذير المفتي محمد اللغوي: التدقيق الرحيلي محمد عمارة اإلنرتنت: عىل املوقع لها خصيصا تكتب»الجديد«إىل ترسل التي الكتابات نرشه. عن تعتذر ما حول مراسالت يف املجلة تدخل ال أصحابها آراء عن تعرب الكتابات عن تصدر Al Arab Publishing Centre )لندن( الرئيسي المكتب Kensington Centre Hammersmith Road 66 London W14 8UD, UK Tel: (+44) Fax: (+44) لالعالن Advertising Department Tel: ads@alarab.co.uk بهجت نور املفتي محمد التحرير لمراسلة editor@aljadeedmagazine.com السنوي االشتراك يعادلها ما أو 120 للمؤسسات: دوالرا. 60 لالفراد: البريد. أجور إليها تضاف ISSN أيار مايو/ - 16 العدد 2
3 فكر حر وإبداع جديد ثقافية عربية جامعة المحتويات العدد - 16 مايو/ أيار 2016 كلمة بيئة حاضنة و حماية أقليات و خالفة و ستندمون أهو حقا صراع سرديات أم عبث بالهويات! نوري الجراح غالف العدد الماضي أبريل/ نيسان مقاالت بعيدا عن نزوة الطاووس الفيلسوف الحق والعنف اإلسالموي رسول محمد رسول مسارات الثقافة العربي ة ومآالتها في عصر الربيع العربي مازن أكثم سليمان عالم الرواية لطفي ة الدليمي الكتابة الجديدة وفكرة االنتهاك عم ار المأمون أصوات العقالنية طريقة حياة حميد زناز المثقف جاهال المثقف قاتال محمد الناصر المولهي أزرق الفنان وقيثارة الشاعر نصيرة تختوخ فنون ك تاب في العدد أحمد برقاوي أكاديمي ومفكر من فلسطين مقيم حاليا في اإلمارات له العديد من المؤلفات في الفلسفة واالجتماع. رأس قسم الفلسفة في جامعة دمشق. ابراهيم الجبين كاتب وشاعر من سوريا مقيم في ألمانيا. له دواوين شعرية وروايات وكتب في التأريخ لنشاة الدولة العربية الحديثة. عمل في اإلعالم التلفزيوني ويعمل حاليا في الصحافة المهاجرة. إبراهيم سعدي كاتب جزائري له العديد من الروايات والمؤلفات النقدية والفكرية منها «المرفوضون ««فتاوى زمن الموت بوح الرجل القادم من الظالم ««مقاالت ودراسات في المجتمع العربي ««مقاالت في الرواية «. مقيم في الجزائر. سالمة كيلة أكاديمي ومفكر من فلسطين مقيم حاليا في اإلمارات له العديد من المؤلفات في الفلسفة واالجتماع. رأس قسم الفلسفة في جامعة دمشق. باسم فرات شاعر وكاتب من العراق من مواليد عام 1967 كربالء. يعيش متنقال في غير بلد آسيوي وأفريقي. من أعماله الشعرية»أشد الهديل «1999 «خريف المآذن. 2001»أنا ثانية «2006. له اصدارات شعرية باللغة االنكليزية واالسبانية نور بهجت صورة المرأة بعدسة الفوتوغرافية ليلى العلوي إكرام عبدي لوحة الغالف للفنان بهرام حاجو العدد - 16 مايو/ أيار
4 ملف/ انفجار الهويات 50 الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب تأمالت في مسألة العرب والهوية أحمد برقاوي العرب يحررون يوم الجمعة اختبار الهوية وعرب النكبة الكبرى من»عروبة«كعب بن لؤي إلى»ج م ع«الثورات إبراهيم الجبين صراع الهويات وتجلياته في الفكر والثقافة واالجتماع جادالكريم الجباعي المعقولية العربية واالنغالق فتحي التريكي من التحرير إلى الصراع الهوية والسياسة في العالم العربي إبراهيم سعدي بيت الخائب االنغالق الهوي اتي في دنيا العرب أحمد دلباني العرب ومسألة الهوية سالمة كيلة الصراع الهوياتي هل نحن في حاجة إلى كل هذا أزراج عمر الهوية الطفولية والنزعة االرتكاسية ربوح البشير القومية واإلثنية والعرق محاولة في فك االشتباك باسم فرات شعر جسد أبدي من الضوء زهير أبو شايب الم ح ر ق ة وليد تليلي إقليدس مغرم بقميصه الشف اف عاشور الطويبي أندلس القاطرات حسام الدين محمد ث ر ث ار ة الو ح يد ات خلود الفالح حوار شوقي بغدادي ما لم يفعله تيمورلنك يان ياب دو راوتر االستشراق واإلسالموفوبيا قص بقي ة الحكاية أحمد سعيد نجم حكاية الروح التائهة في أوروبا مصطفى تاج الدين الموسى سيارة جدي الملقب بشريف روما فيصل عبدالحسن التوأم سهير شكري سجال الكاتب الضائع في لحظة الدم مفيد نجم كتب مقدمة في األديان والمذاهب بالعراق رشيد الخي ون الربيع العربي- وجهة نظر أوروبية جردة حساب للثورات العربية إبراهيم قعدوني المختصر تحسين الخطيب رسالة باريس التطرف من منظور العلوم اإلنسانية أبو بكر العيادي األخيرة الهوية المستبدلة تعريف الغرائز هيثم الزبيدي العدد - 16 مايو/ أيار
5 كلمة بيئة حاضنة و حماية أقليات و خالفة و ستندمون أهو حقا صراع سرديات أم عبث بالهويات! حقا صراع سرديات هذا الذي انفجر في المشرق العربي أم هو عبث بالهوي ات يغذ ي صراعا شرسا على السلطة والمال والنفوذ أهو في شرق لم يتوقف الغرب طوال القرن العشرين عن التفكر في خرائطه وشعوبه ومآالته منذ أن حسم صراعه مع اإلمبراطورية العثمانية بهزيمتها وآلت إليه تركة الرجل المريض. هذا كان قبل مئة عام تبدلت خاللها أحوال ونهضت من دودة اإلمبراطورية المتفسخة فراشة تركيا الحديثة وقد انفصلت عنها ونهضت شعوب وكيانات عربية وغيرها على قوس جغرافي احتشدت فيه أمم وهوي ات وأديان كانت قد تصارعت في ما بينها وتحاورت وتالقت وتزاوجت لقرون قسرا ورضى ثم تفككت مع تفكك الكيان العثماني وأخذت تفتش عن ذواتها. هذا كالم في التاريخ. لكن ظالله المديدة تمأل الحاضر بعمرانه وأنقاضه أيضا وتخي م على النفوس أفرادا وجماعات في شرق رجعت تتدفق فيه إلى جانب أنهار جن اته أنهار من الدم. *** ليست قصة خرافية ولكنها وقائع معاصرة وإن كانت تكشف عن وجه خرافي للعالم وجه يعيد إلى أذهان أبناء عصرنا صورا تحاكي أبشع ما أنتجت المخيلة اإلنسانية في أساطير األولين عراقيين ومصريين وأغارقة وسوريين وعربا وف رسا وم غ ال وغيرهم يتحد رون من أمم الشمال وجميعهم مقبل على الشرق بالقوارب والسفن والشعالت وعلى ظهور األفراس والبغال المدججة باألسلحة والصلبان. هي أيضا قصة قديمة تجد د نفسها بأن تمأل العالم بخرافات جديدة. *** ولكن لماذا تريد نخبنا الممارية من شعوبنا المطو قة بالنيران اليوم أن تهمل العالقة بين األسباب والنتائج لماذا ترغب هذه النخب في الق ط ع بين اليوم واألمس وديدنها النظر في الحاضر كما لو أنه ولد من قصة غامضة ال سياق لها في الماضي. ولربما رأى بعضنا في حاضرنا قصة وردي ة مع أن القرن العشرين كان األكثر دموية في التاريخ وقعت فيه حربان عظميان ق د م على مذبحهما أكثر من مئة مليون أضحية بشرية عدا عن ضحايا الحروب والثورات األخرى. واب ت كرت في هذا القرن واست عملت أسلحة فتاكة ال قبل للبشر بها جرثومي ة وغازي ة ونووي ة. ولم تكن حصة العرب من األضاحي البشرية بقليلة فقد قاتل العرب وق تلوا في كل المواقع التي حاربت فيها اإلمبراطورية العثمانية في ثالث قارات وعلى رقعة امتدت من حدود روسيا إلى شرق أفريقيا وشمالها. كيف يمكن لعرب اليوم أن يتجاهلوا أن جزءا كبيرا من الصراع في العالم قام على جسدهم الحي وأنهم عندما أوهمهم العالم أنه قبل بهم أمة في شعوب وكيانات ولها كيان رمزي جامع عاد ي عمل فيهم تفكيكا مستغال تلك التناقضات الثقافية والسياسية والعرقية بين العرب وجوارهم الحضاري. *** ال يجدر بنا أن نهمل حقيقة أن ما حدث ويحدث من وقائع وتحو الت في ما يخص المشرق العربي أو حتى أبعد في الشرق األدنى إنما جرى في إقليم نهض فيه كيان سياسي جديد ألم ة تطلب من العرب ثأرا هي األم ة الفارسية وهؤالء قوم لم يخمد فيهم لهب الماضي انضووا لقرون تحت راية اإلسالم ومازالوا لكن قلقهم الهوي اتي ظل ينازعهم في هوي تهم المكتسبة على أنفسهم وحقيقتهم الحضارية القديمة وقد أورثتهم هزيمتهم العسكرية والدينية أمام العرب وخضوعهم للد ين العربي جرحا نرجسيا لم تشفهم منه إقامت هم المديدة في اإلسالم وها قد شبت فيهم اليوم من جهة أخرى نار صراع مرير متجد د بينهم وبين القوميات األخرى المتساكنة معهم في الهوية اإليرانية تحت علمين أوال: علم الشاهنشاهية الفارسية وقد أخضعتهم سياسيا وثقافيا وثانيا : علم الثورة الخمينية التي أسست إلمبراطورية إسالمية هجينة تقوم على عنصرين متعاديين قومي وديني واصلت إخضاع األقوام غير الفارسية وحرمتهم من حقوقهم الثقافية تماما تحت ضغط هيمنة لغوية مقص بة بقشرة الدين البراقة. وهذه لوحدها قصة غريبة لكيان يقوم على نوازع متصارعة يهيمن من خاللها على العناصر القومية األخرى المكو نة للنسيج المجتمعي من عرب وآذريين وكرد ولوريين وبلوش وغيرهم عنصر مكبوح فيصل لعيبي كبحا عنيفا ومحتقن تاريخيا هو العنصر الفارسي بوصفه -كما برهنت العقود الثالثة الماضية- كيانا ال قبل له بالتعايش مع جواره الحضاري من عرب وترك وغيرهم إال بالت نافس العميق وبطلب الصراع. *** أما وقد استيقظ على هذه الخلفية المعقدة الرجل التركي المريض وقد برأ من جروح الماضي اللهم إال من جرحه النرجسي النائم يبحث عن دور له في الشرق يعزز حضوره في مواجهة الغرب من باب انتزاع موقع في العالم يكافئ ما بات يرى أنه وجود مستحق بين األمم القوية فإن ذلك يعني أن القفل الذي ضرب على صندوق الشرور قبل مئة عام وخلخله العواء الكتيم للغريزة الفارسية الطالبة ثأرا قوميا من العرب مقنعا ب الشيعية الحديثة قد سقط وأن عصرا جديدا من العجائب المصحوبة بالفظائع سوف يطل برأسه في شرق لن يبقى فيه شيء على حاله. *** والسؤال اآلن أين هم العرب من كل هذه العالمات واإلشارات المشؤومة أين هم أصحاب اللغة العربية بناة اإلمبراطورية التي مشت الخيول والجمال تحت سحابتها وعلى متونها وصهواتها مخطوطات العلوم وثمرات الحضارة من دمشق إلى بغداد ومن دمشق إلى األندلس أين هم سراة العرب أين هو النسل المتحد ر من صلب بناة المشروع الحضاري العربي هل هم موجودون في غير تلك المواقع التي مر ت فيها سكاكين الثأر على أعناق أحفاد األمويين في دمشق وأريافها وحلب وأريافها وحمص وأريافها وكذلك في حوران وسهولها التي هلكت فيها منذ ما قبل اإلسالم جيوش الغزاة أين هم العرب من أصوات الرعاع من لبابنة إيران وعراقيي فارس وأفغانهم وفيلييهم وهزارتهم واللور وكل من أمكن تجنيده من الدهماء بمال قليل ليعيثوا في حواضر الشام فسادا ويعملوا القتل في أهل البالد الثائرين على االستبداد وقد رفعوا عقيرتهم بالشتم والسباب واللعن لفاتحي الشام والعراق وقادتهما عمر وخالد وصالح الدين مصحوبين بمسلحين قرويين نزلوا من كهوف الساحل السوري وقد العدد - 16 مايو/ أيار
6 كلمة لعب الطاغية بعقولهم الصغيرة وجعلهم أدال ء للغزاة. أين هم العرب هل هم موجودون في ظالل أخرى غير تلك الظالل الراشحة دما للمآذن المكسورة تحت صرخات: يا حسين و لن تسبى زينب مرتين من مئذنة الجامع األموي في حلب إلى مئذنة الجامع العمري في درعا التي لم تعد موجودة اليوم أين هم العرب وهل إن ما نشهده اليوم من محاوالت لكبح شهوة الغزاة من فرس وغيرهم انطلقت من جزيرة العرب يمكن أن تفضي إلى تعريف جديد للهوية ي خرج العرب من كهف الدم والظالم إلى دنيا النور ومن أوهام الماضي إلى دروب المستقبل. في ضوء ما سلف من عجائب الحاضر نقرأ الوعيد الذي أطلقه عباس عراقجي باسم السيد روحاني ضد شركائه االفتراضيين في العقيدة اإلسالمية إثر الهزيمة المذل ة التي م ني بها حضوره في المؤتمر اإلسالمي: ستندمون على فعلتكم!. ولكن أهو شيء آخر غير صوت النزق القومي الجريح لإلمبراطورية المهانة في استعالئيته وعدوانيته مرة أخرى من عرب طفح بهم الكيل وشرعوا في الرد على العبث القومي الفارسي ببالدهم وكياناتهم ومصيرهم الوجودي هو ما نسمعه اليوم من صلف بلسان فارسي *** إنما السؤال اآلن هو في جوهر المسألة: الترك والفرس ومعهما شريكهما اإلسرائيلي يعرفون ماذا يريدون ولكل منهم مشروعه الحاضر ورؤيته للمستقبل وعالقاته مع هاتين الهوي تين ولديه تعريفات لهوي ته تتأسس على سردي ته وداخل تلك السردي ة يوجد العرب ولهم صورة وأحيانا صور. وغرفة المرايا بأضالعها الثالثة تتبارى فيها الصور في تهشيم وتغييب وجه العرب. ولكن ماذا يريد األخيرون وكيف يريدون ما يريدون هذا هو السؤال. وبإزاء هذا السؤال تنهض األسئلة األخرى ومعها سؤال الهوية الذي يطرح اليوم بطريقة يستجاب معها للتعريفات التي طالما طفت على سطح األدبيات الكولونيالية مع رواج مشروعات شركة الهند الشرقية ومعها مصطلحات مفكريها االستعماريين ومفاهيمهم اإلثنوغرافية عن شعوب الشرق. وبالتالي فإن تقعيد تعريف الهوي ة في إطار مفهوم األقلية واألكثرية االستعماري إنما القصد منه في النهاية خلق تشويش في األذهان ال نهاية لتداعياته االنشطارية. فضال عن أن كل استعمال لهذا المفهوم إنما يكشف بالضرورة عن ضرب من االنصياع للمفهومات الموروثة من عهود الصراع على الشرق وما حفل به هذا الصراع من عناوين منها بطبيعة الحال ما سم ي ب المسألة الشرقية و تركة الرجل المريض وغيرهما. والتاريخ كتب لنا أدوار القناصل الغربيين في الشرق وصوال إلى تأسيس دول الطوائف ونموذجها األكمل لبنان البلد المريض بطوائفه مرضا ال شفاء منه. في هذا السياق أانتج مفهوم األقلية الخائفة من أكثرية مخيفة و حماية األقليات وغيره. وال ينطبق هذا المفهوم في نظرنا على التجارب المجتمعية األكثر وزنا في العالم العربي العراق سوريا مصر. بل على العكس من ذلك ففي النصف الثاني من القرن العشرين أمكن لنخبة عسكرية تنتمي غالبا إلى طائفة قليلة العدد في سوريا أن تحكم األم ة السورية كلها تحت شعار أيديولوجي قومي مراوغ يتحدث عن أم ة عربية واحدة ذات رسالة خالدة سرعان ما فر غته ممارساتها القمعية من محتواه تماما وعلى مدار نصف قرن أمكنها أن تطحن األكثرية المجتمعية طحنا حتى لم يعد لهذه األكثرية من كيان تلوذ به سوى الماضي المتوه م ولم يتبق من المشهد السوري خالل نصف قرن سوى مشهد: العسكر والحظيرة والرعاع واأليديولوجيا القاتلة. أما الناس ففي ظالم الكهف. *** ال خالص للعرب من حلقة الضباع التي أحاطت بهم وراحت أنيابها تعمل النهش بجسدهم وال خروج لهم من الجحيم الذي رماهم التاريخ في أتونه إال بعروة عربية جديدة بعيدة عن أيديولوجيا األوهام ي مك نهم منها مشروع جديد يتيح للعقل العربي تحرير نفسه من أوهام الماضي وآالم الحاضر ويجعلهم أقرب من أنفسهم في سجيتها الطبيعية وأكثر استعدادا بالتالي للخوض في شراكات عقالنية تقوم على المصالح المشتركة في إطار مشروعات واقعية خالقة تتيح لهم اللقاء على أرض الفكرة المشتركة واألفكار المختلفة لتحقيق تطلعات تستجيب لتحديات حضارية ال يمكن تحقيقها دون القطع مع أحالم اليقظة الماضوية ولكن ال سبيل إليها أيضا دون الحلم بالمستقبل. نوري الجراح لندننيسان/أبريل 2016 حسني جمعان العدد - 16 مايو/ أيار
7 مقال بعيدا عن نزوة الطاووس الفيلسوف الحق والعنف اإلسالموي أمل بشري رسول محمد رسول خالل قرون مضت وفي بعض مراحلها المؤرخة بوصفها األكثر سوءا ظل ت عالقة الفيلسوف بالمعرفة عالقة ذاتية مغلقة إال أن ذلك فقط ال يمث ل سببا لوجود الفيلسوف في العالم فهو ليس ذلك الطاووس) 2 ( الذي يسعد بذاته وجسده الجميل مفتونا بهما على نحو نرجسي ماتع وال يحيا الفيلسوف فقط من أجل وطن معرفي يعزله عن العالم من حوله كمحيط أنطولوجي وانشغال وجودي حتى يرد د نشيد وجوده الذاتي على نحو ببغاوي تكراري ال داللة موضوعية له. قد يعيش الفيلسوف بالمعرفة نعم الفلسفية ويحيا بها ويتيق ظ يالقيه على نحو غير مفارق وال متعال على صيرورات العالم هنا بوصفه مأخوذا بعين ومن ثم حرب )تنظيم الدولة اإلسالمية- داعش( البشعة على الوطن العراقي الذي أسوارها صائنا لها لكن تلك المعرفة/الوطن االنشغال كعالم محيط كوسط محيط ) 3 ( بات منتهك األوصال جهويا دون استثناء. تبقى غير بالغة إن لم يجعلها الفيلسوف خصوصا تلك الصيرورات المأساوية منها في كل تلك الحروب الد موية القذرة كان طريقا مثمرة لغاية سامية بحيث يراها الصيرورات التي تتأر ب بقدر ما تكتنز نزعة اإلنسان العراقي بوصفه موجودا بشريا ونراها معه تترج ل لتمشي بين الناس حتى عدمية كلية أو شاملة nihilism( )Universal وقد الضحية األولى واألساسية في تدمير تالم س واقعهم في نمائه وصيرورته اليومية أمسى صراخها الد موي عالمة هائجة األثر موجوديته الذاتية الخاص ة به وتدمير بكل ما فيهما من تحو الت عرضية وتبد الت في مجمل حياة اإلنسان المعاصر. مقد راته الموضوعية من حوله وبالتالي جوهرية مالمسة ومفك ر فيها للعالم واألشياء قد نتفق بأن الشر هو خاص ة أساسية في إهدار دمه وقتله بطرق شيطانية يندى لها واإلنسان والمجتمع. الموجود البشري وهذا ما تخبرنا به األديان الجبين البشري. ما يعني أن هذا اإلنسان وكل ذلك ي لقي على وزر الفيلسوف وعاتقه السماوية بل حتى البشرية وفقا لتجارب أصبح الكائن المبتلى بين فكي عنف جذروي م همة فتح منظورات معرفية جديدة تسأل التأريخ. لكن ه )الشر( وإذ أخذ يتحو ل إلى فادح التطر ف violence)(5( )Ex- Radical ذلك بحكم التربية اليومية وعنف آخر جماعي فكرية تستند هي األخرى على تأويلية 2003 وتاليا في تونس وسوريا وليبيا الواقع اليومي الذي يعيشه مع مجتمع ما رؤية منظ مة تفتك بالنوع البشري رؤية العنف الذي بات يندفع برؤية عدمية شاملة منظ م هو خاص ة لمجموعة بشرية تتسل ح الهوتية إسالموية مارقة هي أكثر مفارقة ومصر واليمن. مجتمع شاء الفيلسوف أم أبى نراه يمكث فيه سرعان ما تتحو ل إلى مؤس سة فإن الشر رؤية تقضي على الوجود البشري المتكش ف برؤية عدمية شاملة رؤية غير مألوفة رؤية وتعال على قيم األرض والسماء كما يتبد ى منذ مطلع القرن العشرين أدرك الزهاوي وال مهرب وجودي للفرار منه ويتعاضد معه وجوديا وأنطولوجيا بالضرورة كونه منشغال به ليس على نحو تأم لي مجر د فحسب بل البشري لحظتها سي مسي ظاهرة غير معتادة ويصبح غاية عدمية كلية م طلقة فوق العادة غاية تمثل تحديا كارثيا يهد د مصائر البشر. كيانه هنا أو هناك قضاء مبرما حد العدم المطلق. نحن إذن بإزاء عنف يمكن وصفه بأنه فوق يمكن تصنيفها بأنها فوق العادة فوق عادة العنف اليومي الفردي الشخصي رؤية ينبغي على الفيلسوف المعاصر أن يتصد ى لنظامها خطابها فعال وممارسة في الراهن اليومي الذي نعيشه. لقد كان الفيلسوف العراقي الحديث سب اقا وبحس ه الفلسفي العميق فداحة تلك التأويلية التدميرية الجذروية القاتلة حتى جاء إلى تفكيك خطابها وهي مهمة محايث خالق منظورات معرفية تسأل في القرن العشرين وهو تأريخ قريب عاش العادة مقارنة بصور العنف األخرى األقل المعرفي بأن يخترق مقوالتها ومسائلها إلى تفكيك بينة هذا الالهوت اإلسالموي الفيلسوف العراقي والعربي المعاصر الذي مسارات الواقع اليومي غير االستهالكي تسال منحنياته وتحو الته وتقل باته كواقع إنساني خصوصا أن وجود اإلنسان في اإلنسان العراقي ويالت حروب منظ مة فكان احتالل البريطانيين للعراق مطالع ذلك القرن بداية مرحلية سوداء) 4 ( تبعتها حروب فداحة رغم أن العنف وفي كل صوره يمث ل حالة ممقوتة لدى البشر. إن عنفا جذرويا من هذا النوع ال بد له أن يدخل إلى باحة ونظرياتها وبالمرة خطابها بغية تفكيكه وتقويضه للحد من تأثيره السلبي المجحف في عمران الفكر البشري الروحي والمادي الزائف كان ذلك في مطلع القرن العشرين عندما تصد ى الشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي ) ( وتحديدا ال بد أن يستند على تلك التجربة الن قدية الفلسفية الباكرة في ظل ما يجري حوله خصوصا أن التأويلية الس لفية الراهنة هذا العالم يعد عالمة نيرة دالة على هيبة أخرى مع جمهورية إيران اإلسالمية ومن التساؤل الفلسفي الخالق يدخل إلى مقام في حاضره وماضيه ضمانا لمستقبل مأمول في كتابه الفجر الصادق الصادر في )القاعدة+ داعش( تستعيد مجدها العدواني وقيمة هذا العالم الم عاش بكل كيانه المادي ثم دولة الكويت وبالتالي الحرب العالمية التساؤل لكي يستوطن حضرة تساؤالت تترب ع عرشه أولويات الص حبة الكونية أليس إسطنبول عام 1905 إلى تعرية التأويلية مر ة أخرى مدفوعة بشتى الس بل غير والروحي التاريخي والمعرفي. فالفيلسوف القذرة التي تحالفت على قتل اإلنسان الفيلسوف له تساؤالت الفيلسوف الحق اإلنسان هو بنيان الله في األرض الس لفية بوصفها تأويلية تكفيرية ال تراعي الشرعية وال األخالقية دينيا وعرفيا في نفسه وبالمعرفة الفلسفية غير المنفصلة عن العراقي وتدمير وطنه عام 1991 وبالتالي باعتباره راعيا للوجود تساؤالته عن حالة يستند خطاب العنف التدميري الشامل في جوهر اإلنسان كإنسان تلك التأويلية التي عنفها وتدميرها للوجود اإلنساني المعاصر حراك الوجود اليومي المعرفة المحكومة احتالل العراق وتدميره المضاعف على نحو هذا العنف في بطانته الجذروية وتمظهراته ثوبه اإلسالموي التكفيري الجذروي Anti( يرجع إليها دعاة الالهوت التدميري المعاصر تحت سطوة ضعف الدولة الوطنية العربية بل الواجب أن تكون محكومة بمالقاة ما هو يومي يبقى الفيلسوف ذلك اإلنسان األقدر سافر في عام 2003 رغم إزالة نظامه الدكتاتوري سيء الصيت وتداعيات ذلك الفادحة وكل تشك الت حضوره غير المرغوب بها فنحن يجب أن نفر ق بين عنف Islami)(6 ( الذي يواجه اإلنسان العراقي والعربي والعالمي المعاصر يستند على بكل بشاعته لقتل الناس على نحو منهجي منظ م ومنها تجربتهم في أفغانستان القاتم بل هزيمتها هذه الدولة الطرية أمام مخط طات كونية باتت تمسخ اإلنسان على فتح أفق يطل على عالمنا الذي يجب أن التغيير اإلجرامية كحرب تنظيم القاعدة فردي هو خاص ة بشرية ألفراد يمارسونه عقل أداتي تدميري وينطلق بدوره من رؤية والجزائر سابقا وفي العراق منذ أغسطس العربي وتحط من كرامته وتنهب مقدراته العدد - 16 مايو/ أيار
8 مقال وتشو ه تأريخه الثقافي والديني وتقضي على منجزه الحضاري المادي والعمراني فضال على نحره بطرق سفاحة دميمة ال هوادة لها. إن حالة العنف الد موي الجذروي في ثوبه اإلسالموي الرقيع ال تستمد طاقة كيانها التعبوي الراهن من مداد التأويلية الس لفية الحديثة وال المعاصرة في أنموذجها الماضوي فقط بوصفها نحلة جهوية Secte)(7( )Sect/ إنما من اتجاهات تأويلية أخرى حبلى بما هو عدمي مطلق يمكن وصفها بالبشاعة نفسها التي وصفنا بها الالهوت اإلسالموي الجذروي فر عاة العنف الد موي اإلفنائي تراهم يلونون خطابهم وظهورهم اليومي بحسب مصالح الشر الثاوية في عقر غرائزهم الخبيثة وبحسب منافع نظرائهم غير اإلسالمويين وكذلك بحسب تنو ع مرجعياتهم الروحية والمادية وكل ذلك ينعكس على فعلهم اليومي الدميم. إن سياسات الغرب الصهيوني التدميرية غالبا ما تلجأ إلى جذب نظائر متشابهة لمشروعاتها العدوانية على الشعوب واألمم فحركة داعش اإلسالموية التدميرية هي ليست بناء عربيا أو إسالمويا خالص التكوين بل هي بنية هجينة من حيث اإلنشاء والدعم المالي واللوجستي إنها أداة تنفيذ لمخط طات تقسيم البلدان العربية وتفتيت بنية المجتمعات اإلسالمية بتفكيك صميمها وكيانها المحلي والوطني والقومي والكوني إلى مجر د جهويات فرعية متناحرة جهوي ات مناطقية ومذهبية دينية وعرقية وثقافية وحضارية متصادمة متقاتلة متحاربة. وتلك دعوة شر ع بالتنظير لها صموئيل هنتنغتون ) ( منذ عام 1993)8( وتاليا في كتابه صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي الصادر عام 1996 إلضرام ذبالة االشتباك الد موي الجحود بين الشعوب واألمم في العالم وهو ما جرى بالفعل منذ حادث الحادي عشر من سبتمبر 2011 بل قبله وحتى اآلن حيث شهدنا سلسة من االختالالت الكونية المتصادمة على أساس جهوي باهظ التفك ك. وكل ذلك يمث ل اليوم االستثناء التدميري الذي ال بد من مداهمة حصونه الفكرية وتلك م همة الفيلسوف والقضاء على بنيته المادية وتلك هي مأمورية الدولة الوطنية العربية الجديدة دولة التحديات الكونية الكبرى. وهنا وهنا فقط ال بد للعالقة بين الفيلسوف والدولة أن تعمل في حقل واحد يتم فيه تقويض الوجود الملموس غير العادي للعنف البشري الجسيم وجود العنف اإلسالموي التدميري الجذروي المتطر ف الذي يمثل شكال من أشكال النزعة التدميرية الجديدة في راهن الحال العالمي. لهذا نعتقد بأن على الفيلسوف الحق أن يوج ه طاقته المعرفية صوب تفكيك كيان هذا العنف بكل تأويالت خطابه المتطر فة وعلى الدولة أن تفك ك القدرة المادية لهذا العنف في كل أشكال ظهورها. إال أن الم همة الكونية األولى م همة الفيلسوف الراهن تبقى ذات شأن بارز كونها الممر الحقيقي المؤد ي إلى فتح الموالج أمام م ساءلة خطابات هذه الن زعة التهديمية في أكثر صورها بشاعة وقتال للحياة ونحرا حيا للمستقبل فبقدر ما تكون هذه النزعة فكرية الهوتية نراها تتمأسس عسكريا )تتحو ل إلى مؤسسة عسكرية( كبنيان مادي ملموس يعبر الجغرافيات المحلية والوطنية والقومية كما يروم ويشتهي ليبقى األهم في تقويض كيانها الكلي الفكري والتداولي لى الفيلسوف الحق أن يوج ه طاقته المعرفية صوب تفكيك كيان هذا العنف بكل تأويالت خطابه المتطر فة وعلى الدولة أن تفك ك القدرة المادية لهذا العنف ومن حيث األولوية هو مساءلتها الجذرية بكشف تناقضاتها وتعرية طروحاتها وفضح مسارات تفكيرها أليس اإلنسان هو الكائن التساؤلي الوحيد بين الخلق قد تكون م همة من هذا النوع ذات طابع أيديولوجي لكن ها تبقى ممارسة فكرية وفلسفية إنسانية ال يمتلك ناصيتها إال الفيلسوف الحق الفيلسوف غير الطاووسي وال الببغاوي فيلسوف التنوير الجديد الذي ال يمل من فتح آفاق السؤال على ما يجري من حوله وما يحدث في عالمه المعيش خصوصا عندما ينبثق في اليومي حدث استثنائي كما يقول الشاعر الفرنسي برنار نويل) 9 ( ويتحو ل هذا االستثنائي العدمي إلى ظاهرة تدميرية مقيتة ت خرج اليومي المسالم من زمانيته المعتادة إلى زمانية استثنائية مميتة للحياة والوجود فال ينبغي للفيلسوف أن يدع كل ذلك يمر دون مساءلة معرفية تأريخية أصيلة تنقذه وقومه اإلنساني من االستسالم لنرجسية الذات المتعالية ضارة األثر. لهذا ال بد للفيلسوف من تجديد دوره على نحو مزدوج ومتزامن تجديد دوره المعرفي الخالق وتجديد دوره الوجودي اليقظ معا ومعاودة ذلك الدور بأصالة خالقة فائقة في انهماكها التاريخاني وذلك عب ر تبديد عزلته -عزلة الفيلسوف الصامتة عم ا يجري حوله في الواقع الم عاش- بل استعجال م ساءلة ذلك )الما- يجري ويحدث( في الواقع على نحو مترو. وبذلك يتحو ل الفيلسوف المأمول من مجر د كائن طاووسي مفتون بذاته وبمعرفته الفلسفية التي له دون غيره من باب االحتكار النرجسي ال غير إلى م تفلسف تاريخاني أصيل ينفتح على الوجود اليومي غير االستهالكي ليضيء دروبه بحيث يجعل من نظامه المعرفي الذي ال بد أن يكونه الفيلسوف وهو يالقي العالم من حوله نظام معرفي م وط د العالقة مع حراك التأريخ الجاري ومع حركيته التاريخانية المعيشة فعال على نحو تعاضدي م تزامن في حضوره وانشغاله بما يحدث ويجري حوله. كاتب من العراق مقيم في اإلمارات أمل بشري العدد - 16 مايو/ أيار
9 مقال مسارات الثقافة العربية ومآالت ها في عصر الربيع العربي إياس جعفر الثقافي العربي الراهن. وبحكم اختصاصي بوصفي شاعرا وناقدا أستطيع الحديث عن ازدهار شعري عربي كبير يحصل في هذه الحقبة غير أن الرؤية النقدية المسؤولة ينبغي أن تتصف بالحذر مازن أكثم سليمان تشك ل م عاصرة المثقفين للتحوالت التاريخية الكبرى وفي مقدمتها الثورات والحروب فرصة استثنائية نادرة كي ي جذ روا وجودهم الفكري واإلبداعي في قلب حركية التاريخ وأن يسعوا إلى م حاولة اإلحاطة باألحداث العظيمة التي تحدث ال من ناحية االلتحاق بها ومواكبتها فحسب إنما من ناحية م جاو زتها واالنفتاح -ك ل في حقله الثقافي - على آفاق التغيير والم ستقب ل الموعود المعرفي الشديد وعدم التسر ع أو االنفعال مع الميل إلى االعتقاد أن هذا )الحراك- المخاض( الفن ي -الج مالي الم تول د عن الربيع العربي وتداعياته الهائلة ال بد أن ي ضيف إضافات نوعية على حركة الشعر العربي إن استند ت في هذا الر أي على فلسفة )االختالف( مثال. ويكفي أن أذك ر في هذا كش ف الربيع العربي حجم االحتقان التاريخي الم ختز ن طوال عقود والذي كان يتنامى يوما بعد يوم في المجتمع العربي إلى أن تشظ ى تشظيا غير صدر الشعوب العربية وإلى فتح بوابات التغيير الجذري الشامل مهما طال الزمن وهي مسألة تعني على مستوى الثقافة أيضا أن صيرورة تغييري ة ما قد بدأت تأخذ ه وي تها وجاه زة بقدر ما تتول د عن الحركة والتطو ر والت راك مات الفردي ة والت اريخي ة لذلك يصعب في هذه الحقبة العربي ة الم تسار عة أن نتحد ث عن قراءة )تزامني ة( ناجزة الس ياق -كي أوضح من حيث المبدأ حجم المنتج الجديد- أنني قد نشرت دراسة نقدي ة منذ فترة عن شعر الثورة والحرب في سوريا قارب ت فيها نصوص أربعين شاعرا وشاعرة و أاحض ر دراسة ثانية في هذا المنحى أيضا مسبوق وفج ر معه جميع األسئلة السياسية الم ختلفة وذلك في ضوء حضور عريض تتناول الث قافة العربي ة فضال عن أن طبيعة عن أكثر من ثالثين شاعرا وشاعرة. والكيانية والحضارية التي كانت م عل قة أو منسية أو مسكوتا عنها وهي المسألة التي لألسئلة العربية الثقافية والحضارية األصيلة التي تحاول بدورها تمزيق الجمود القديم العصر العولمي الحالي تكاد تمحو الكثير من الح دود الفاص لة بين الثقافات المحل ي ة خاص ووعائها الذي هو الر بيع العربي في الحال أدب ضعيف فاتر ألن األحداث الماد ي ة إن مسألة الكالم عن والدة حساسية شعرية جديدة بالمعنى التحقيبي الفن ي هي مسألة فتح ت الطريق عريضا أمام مواجهة شاملة البالي واالنفتاح على العصر. وثقافات اآلخ رين وال سيما إذا نظ رنا في هذه المرحلة على نحو عام. الواقعة أقوى منه وأظهر أث را. يراها الناس مفهومية م رك بة كما أظن ذلك أن هذه وغير قابلة لإلرجاء مع االستحقاقات لهذا ي مك ن القول بمعنى آخ ر إن الصراع م ستوى ثان بتعم ق إلى الت شاب كات الجيو- وفي المنحى نفس ه ال أجد مناصا من ويحس ون آثار ها في نفوسهم وفيما حوله م الحساسية الجديدة ال تتول د بمجر د حضور الوجودية الفردية والجمعية الم فك ر فيها وغير الم فك ر فيها على حد سواء. إن العالقة الجدلية بين المستوى الوقائعي القائم والمستويات الثقافية والمعرفية االجتماعي السياسي القائم بين سدنة العالم االستبدادي القديم -والذين يظنون أنهم يستطيعون إيقاف حركي ة التاريخ- ودعاة التغيير والتعددية والديمقراطية والحرية الس ياسي ة العربي ة والعال مي ة التي كشف عنها الر بيع العربي بجالء وهي القضية التي ت عق د المسألة م نهجي ا في حال تطل ع نا إلى قراءة )م حاي ثة( للث قافة العربي ة الر اه نة. التساؤل مثال عن مدى تكو ن )جهاز مفاهيمي معرفي ) م نبثق عن الر بيع العربي صحيح أن كثيرا من مفاهيم الر بيع العربي قد ن ظ ر لها طوال العقود الماضية على الم ستوى من الحياة واألحياء. إن ني إذ أثم ن ما تنطوي عليه هذه الفقرة من جانب صحيح إلى حد ما لكن ني أرى أن لك ل عصر ولك ل تجر بة خ صوصي ة قد تختلف عن غيرها حيث ال مفردات الثورة والحرب وتراكيبها ومجازاتها وسردي اتها في عوالم النصوص كما قد يذهب البعض إنما في مدى قدرة هذه العوالم الشعرية على م جاو زة الم طاب قات أد ت إلى ظهور ديناميات جديدة شديدة الحساسي ة والت سار ع في المشهد الثقافي هو في أوج ه اآلن في المشهدين السياسي والثقافي العربي ويبدو لي أن هذا الصراع على أي حال نستطيع للوهلة األولى أن نستنطق الث قافة العربي ة في هذه الحقبة من الفكري وأن نموذجا تطبيقي ا قد نجد ه بجالء فيما ع ر ف ب )ربيع دمشق( وما نت ج عنه من ي مك ن نا م صاد رة الت اريخ م س ب قا أو إسقاط مرحلة إسقاطا متطاب قا على مرحلة أاخرى الم س ب قة الم تمرك زة على األحداث الوقائعية الطاغية وهي المسألة التي تتم بفتح العربي لينعكس المخاض االجتماعي- المفتوح لم يع د على التغيير بحد ذاته بعد أن أكثر من زاوية كأن نتساءل بادئ ذي بدء أدبي ات سياسي ة وثقافي ة على سبيل المثال دائما فأنا أعتقد بناء على نظرة بانورامية عوالم شعرية م غاي رة تحقق تناصات فن ي ة السياسي الم تشظي على هذا المشهد بعمق وضراوة وي ول د في الم قابل مخاضا ثقافيا م تشظيا على نحو بالغ. فإذا كان الربيع العربي لم يعط أكله وفق قراءة السطح بات أمرا حتميا ال مناص منه إنما على شكل التغيير ومضمونه وحجمه ومدى جذريته! لعل الث قافة في تفسيرها األو لي تتعل ق بالخ صوصي ة ذلك أن ها ت عب ر عن خصائص وبل غة )فرويدي ة( مثال عن مدى تمك ن األنا الث قافي ة العربي ة من خيانة تمترسات وكوابح األنا الع ليا المركزي ة االستبدادي ة إن بداللتها الفردي ة أو بداللتها الجمعي ة هل ثم ة ما ي شير ال الحصر لكن ذلك ال يمنع من البحث كذلك عن مدى تمك ن )اإلنسان الث قافي العربي ) إذا صح الت عبير -من دون فص ل هذا اإلنسان بالت أكيد عن م حيطه الجمعي - من تحقيق أو لي ة إلى المشهد الثقافي العربي بوجود ازدهار غير مسبوق في إنتاج األجناس اإلبداعي ة والفكري ة كافة وهو غير م نفص ل حد ي ا عن نتاج العقود الس ابقة لكن ه يحمل نوعي ة لها انزياحاتها الجديدة التي ت غن ي الحدث وتضيف إليه فائضا وجوديا -جماليا خاصا وال تكون عبئا عليه. وهو األمر الذي يحتاج إلى تأم الت نقدية م عم قة تحتفي بك ل البصري الظاهري لألحداث فإن قراءة السطح البصري العميق تؤك د على نحو ما أن حضاري ة وفكري ة ووجودي ة م حد دة وهي إذا كان ت في داللتها المعجمي ة العربي ة ثقافي ا إلى اندفاع ح ر ي مارس ه )الل يبيدو( ال بوصفه داف عا جنسي ا فحسب إن ما بوصفه حاجاته بوصفها ترتبط -حسب تنظير )إريك فروم( للحاجات- باالنتماء والت عالي بطبيعة الحال ذخيرة وجودي ة هائلة تنبع من تجارب الر بيع العربي الغني ة والقاسية اختالف وم جاو زة مازلنا ننتظر هما بشغف أو رب ما قد بدأنا بخلقهما نحن العرب ذلك أن ما يحدث ي شبه تماما بل غة )الب نيوي ة( ما ينجم تعني ص ق ل الن ف س والمنطق والفطانة وكان داف عا وجودي ا ك ل ي ا بالمعنى الكياني للث قافة والت جاو ز واالرتباط بالجذور واله و ي ة واإلطار فضال عن ضرورة اإلشارة إلى وجود تكاثر قضي ة والدة )بروميثيوسات( جديدة وكثيرة عن خل خلة عنصر ما أو عدد كبير من العناصر داخل ب ني ة ما وهو األمر الذي سيؤدي عاج ال أم آج ال إلى تغيير في هذه الب نية إن لم نق ل إلى انهيارها بالكامل وحلول ب نية م غاي رة مكان ها. ويبدو أن هذه الخل خلة قد بد أات أو ال الم ثق ف يعني في هذا اإلطار القل م المبري فإن الخ صوصي ة تفتت ح أسئلة م رك بة تبدأ من قضية أن الث قافة ليس ت مجموع أفكار يتم إنتاج ها فحسب إن ما هي مجموعة العقائد والقي م واالت جاهات الم شتر كة والم مار سات بالت أكيد ال أريد ه نا أن أختزل مفهوم الث قافة وم مارساتها العربي ة بالمعنى الفرويدي لتنفيس المكبوتات إن ما أتطل ع إلى البحث عن مالم ح أو لي ة لتول د ثقافة عربي ة جديدة البد أن تبدأ بتمزيق التابوهات ليس على الت وجيهي وهذا األخير يستحق وحده قراءة عميقة وم تأنية يرى الدكتور طه حسين في كتابه خصام ونقد أن األدب الذي ينشأ أثناء الث ورة إم ا أن يجري على طبيعته األولى فيكون ات صاال هائل في المنابر الورقية واإللكترونية يقترب من حدود الفوضى التي أجدها موضوعي ة وضرورية لفتح كافة المسارات على تجربة التعددية والتعبير عن الرأي والحوار وهي التجربة الكفيلة وحدها بالغربلة بفعل في الث قافة العربي ة ليس ت قضي ة م ستحيلة ما دام الر بيع العربي قد فت ح لنا األبواب عريضة لنسرق الش علة الم تمر دة من اآللهة- الس لطة على أم ل أن يحملها ك ل فرد بعد ذلك في عالمنا العربي المكلوم والحال م باالنتماء بتوجيه ضربة قاصمة أنه ت كما أعتقد ذلك التي ت مي ز جماعة ما وهي المسألة التي الم ستوى الفوقي فحسب لك ن على الم ستوى لألدب القديم وإم ا أن ي حاول م جاراة الث ورة المسافة الزمنية التراكمي ة التي تبي ن األصيل األصيل إلى العصر. االستعصاء التاريخي الذي كان يربض على تدل على أن الث قافة ال تكون عناص ر م نج زة الت حتي ما دمنا نربط بين الثقافة على نحو فيكون دعوة لها وإغراء بها. وهو في هذه من العابر وتكشف مالمح الج د ة في المشهد شاعر وناقد من سوريا العدد - 16 مايو/ أيار
10 مقال عالم الرواية عادل داؤود لطفي ة الدليمي يكاد الفن الروائي يكون االشتغال المعرفي الوحيد -بين اإلشتغاالت األدبي ة- الذي طاله االرتقاء المتواصل بال انقطاع إلى جانب فن السيرة الذاتي ة الذي يمكن عد ه رواية ذات سمات خاص ة ورب ما كان الفن السينمائي وبعض مجاالت الفنون الجميلة هي المجاالت الوحيدة التي نافست الفن الروائي في التطو ر الجامح غير أن الفن الروائي يبقى األكثر تحقيقا لشروط األصالة واألكثر إيفاء ب متطل بات الشغف البشري. لكن ل م صار األمر كذلك ثم ة أسباب كثيرة تدفع بالر واية )سواء الحديثة أم غيرها( إلى االرتقاء المستدام على كامل رقعة عالمنا وبين كل الجغرافيات البشري ة حت ى بات األمر يشك ل عالمة ممي زة لها وسأسرد بعضا من األسباب -غير تلك التقليدي ة المتداولة- الكامنة وراء هذا األمر: الرواية نوعا من الذاكرة الجمعي ة تمثل الممي زة لكل جغرافية بشري ة: الميتافيزيقي ) الذي يلجأ إليه األفراد للحصول على فسحة من )فك االرتباط( مع خوارزمي ات )Algorithms( محد دة بطريقة قبلي ة )apriori( وعلى نحو صارم ويغدو الرواية في هذا اإلطار تصبح بمثابة )خزانة الواقع الصلب واشتراطاته القاسية واإلبحار األمر أكثر خطورة مع عصر التقني ات الرقمي ة الحكايات( التي تحفظ المزايا المجتمعي ة واألنثروبولوجي ة لكل جغرافية بشري ة في عوالم متخي لة لذيذة تشبه حلم يقظة ممتد ا ويستوي في ذلك مبدعو األعمال التي تأس ست أصال على مفهوم النظم المحد دة )Discrete) Systems المحكومة وتمكن من خاللها اإلطاللة على العادات الروائي ة وقارؤوها. يمكن عد الر واية في بخوارزميات فائقة التحديد والصالبة والتقاليد وأنماط العيش وفنون الطبخ هذا المجال وفي عصر العقالني ة العلمي ة بحيث بات األمر يهد د النزعة التحليلي ة الساذجة والتلفيقي ة التي ال ترقى إلى )Prozac الذي بات الخصيصة التي تس م الكشوف العرفاني ة والفيوض التصو فية واألزياء والمالبس السائدة في كل عصر إلى الص ارمة البديل األكثر جدارة وقدرة عن التي تعد ميزة فريدة للعقل البشري. تمكن مهارة وجمال وحبكة حكايات )الجد ات( الثقافة المعاصرة إلى حد صارت تدعى معه المقترنة بها والتي حكى عنها عرفاني ونا جانب كل التفاصيل الحياتي ة األخرى األسطورة التي ساهمت -مع فنون الس حر اإلشارة أيضا إلى خفوت المؤثرات الحسي ة و)األم هات( الشائعة. ثقافة البروزاك Culture(.)The Prozac األكابر والمعتزلة األجال ء ورب ما يدعم هذا الخاص ة بالحب والزواج والصداقة والرفقة والسفر.. ومن المثير هنا اإلشارة إلى حقيقة أن معظم المتعل مين والخريجين الذين غادروا الدراسة الثانوية والجامعي ة منذ البدائي ة- في تعزيز الصالبة الداخلي ة للفرد البدائي وترصين بنيانه الذهني والسيكولوجي وتمكينه من مواصلة العيش بطريقة مشر فة بعيدا عن التخاذل واالنكفاء وتبل د الخيال البشري وانكفاء شعلة الشغف واإلحساس بالمغامرة )الذهني ة والواقعي ة( وهنا صارت الرواية تخدم كنوع من ترياق مضاد لهذا الخنوع واالنكفاء الذي أصاب استجالب البصيرة الر واية يمكن أن تكون عالجا في حاالت خاص ة: ثم ة جانب براغماتي مرتبط بالفن ذهب بعض األطب اء السيكولوجي ين إلى إمكاني ة اعتماد الكتابة الروائي ة كوصفة عالجي ة -في حاالت محد دة بعينها- ورب ما يكمن السبب وراء قدرة الكتابة الروائي ة الرأي كون أغلب الك ت اب -وبخاص ة الروائي ات والروائي ين- الم جيدين والممي زين ذوي تجارب مفارقة للوعي البشري العادي وأقرب إلى استجالب البصيرة بطرق غير مألوفة عقود بعيدة قد نسوا تقريبا كل ما سبق لهم دراسته باستثناء األعمال الروائي ة التي مر ت أمام المصاعب واألهوال التي كانت شائعة مذ وج د اإلنسان على األرض ومن الطبيعي الخيال البشري وعط ل توه ج الحواس واندفاعتها البدائي ة الباعثة على أعلى أشكال الر وائي الذي يمكن أن يوف ر في حاالت خاص ة عالجا وافيا لبعض االضطرابات على اجتراح عالج لبعض االضطرابات الذهاني ة في الطقوس الحتمي ة المقترنة ويمكن تعداد الكثير من األسماء الروائي ة في هذا الميدان: هيرمان هس ه دوريس ليسنغ عليهم أثناء دراستهم مثل روبنسون كروزو للغاية القول إن الرواية خليقة على النهوض اللذ ة التي باتت اليوم م فتقد ة على نحو الذهاني ة وبخاص ة لتلك الحالة اإلكلينيكي ة بتلك الفعالي ة المدعمة باالنضباط والصرامة نيكوس كازانتزاكيس. ولم يغفل هؤالء عن بلد العميان حرب العوالم جزيرة الكنز..الخ. بكل المهام التي نهضت بها األسطورة من م حزن للغاية. المسم اة الذهان الهوسي- االكتئابي Manic( المعهودة في كل جهد روائي وقد يعمل توثيق تجاربهم الكاشفة القريبة من الفيوض وغالبا ما يستذكرونها بنوع من النشوة قبل. الرواية لعبة ذهني ة Game( )Intellectual )-Depressive Psychosis التي تعر ف بين هذا األمر على كبح التشويش الخارجي مع العرفاني ة في بعض الحاالت. العميقة كمن طاف في عالم ساحر ال نظير له. يظن الكثيرون أن األعمال الروائي ة لعصرنا ترياق مضاد في المقام األو ل: يعمل الفن الروائي على إشاعة نوع منعش من الحيوي ة الذهني ة العام ة باالكتئاب ثنائي القطب Bipolar( :)Disorder تلك الحالة كثيرة الشيوع الضوضاء البشعة المقترنة به ودفع األفراد نحو التركيز المجر د على سماع أصواتهم كتابة الرواية ستنهض في األلفي ات القادمة بذات الدور الر واية عمل تخييلي يبدأ بالمخي لة ويتطو ر والعبقري ة اإلنساني ة الممي زة إذا ما نظرنا والمدم رة لحياة األفراد وبخاص ة األفراد الداخلي ة الثري ة والمدفونة تحت غبار الرواية معلم حضاري وثقافي تنهض به الذي نهضت به الر قم الطيني ة والسجال ت اآلثاري ة التي أمد تنا بكنز ال ينضب من داخل فضائها: يعد الخيال المجال الحيوي الخصب الذي تعمل داخله -وفي إطاره- إليه كنوع من ألعاب ذهني ة ترتقي بالفعالي ات العقلي ة المعروفة وال غرابة أن تقترن الذين يتوف رون على قدر عال من الذ كاء واأللمعي ة والذين تتسب ب هذه الحالة في اإلهمال والتجاهل األمر الذي قد يتسب ب في تنشيط النواقل العصبي ة الدماغي ة )مثل العقول الراقية في مختلف االشتغاالت المعرفي ة: من المؤك د ثم ة روائي ون محترفون المعلومات حول الحضارات القديمة. فضاء ميتافيزيقي الر واية في عالم اليوم تؤد ي الوظيفة العناصر الروائي ة على تشكيل العمل الروائي بغ ض النظر عن تجنيس الرواية وبهذا ينظ ر إلى الرواية كوسيلة ترتقي بالخيال البشري وتمنع انزالقه في مهاوي الركود وبخاص ة األعمال الروائي ة العظيمة بالمجتمعات التي حق قت أعلى درجات اإلنجاز العلمي والتقني واالقتصادي والسياسي وفي الوقت ذاته نلمح تراجع الفن الروائي في المجتمعات تعويق قدراتهم بطريقة خطيرة للغاية. ثم ة حاالت موث قة حكى فيها بعض كت اب الرواية عن تجاربهم الخاص ة وكيف ساهم انغماسهم في العمل الروائي على تخط ي األطوار السيروتونين والدوبامين( التي تتحك م في الكيمياء الدماغي ة المكي فة للمزاج البشري وتقل باته وتدفع به نحو آفاق النشوة واإلحساس الغامر بالسعادة غير المرتبطة يكتبون الرواية ويحق قون أعلى المبيعات ولكن الغالب أن أفضل الروايات ليست تلك التي تحقق أعلى المبيعات لمجر د معرفتها بشروط السوق وألعابها التجاري ة بل يمكن التي نهضت بها األسطورة من قبل : غدت بعد طغيان اإلنجازات العلمي ة والتقني ة التي التي تعاني نكوصا ثقافي ا وحضاري ا واقتصار الصعبة من اضطراباتهم الذ هاني ة المدم رة بمؤث رات فيزيائي ة خارجي ة وقد تتماهى -على العكس- مالحظة أن كل العقول الرواية على الص عيد الفردي بمثابة )الفضاء تعمل على تنميط الحياة وتحويلها إلى سل ة ذلك الفن على بعض التوثيقات التسجيلي ة وبشكل عجز عن إنجازه عقار )بروزاك تجربة الكتابة الر وائي ة في هذا اإلطار مع الراقية التي أسهمت مساهمات ثوري ة العدد - 16 مايو/ أيار
11 مقال في الحقل العلمي أو التقني أو المعرفي بعام ة ساهمت بكتابة عمل روائي أو أكثر شفرة الحرب األلماني ة في الحرب العالمي ة الثانية وأظن ه كان موف قا غاية التوفيق في توصف ب )الرواية اإلمبراطورية( تنسيبا لها إلى فضاء الثقافة اإلمبراطورية البريطانية القوانين اإلحصائي ة واالحتمالية. عملت هذه الثورات الفيزيائي ة على تغيير نظرتنا بواكيرها منذ عصر الثورة الصناعي ة )التي تعد المكائن البخاري ة والقطار أهم معالمها مع منتصف الخمسينات في القرن العشرين بعد تطوير المحر كات النف اثة. لكل منها ورب ما كان األمر يعود إلى حالة البهجة والنشوة المفارقتين للحاالت العابرة وصفه هذا فالرواية باتت اليوم مصنعا يعج بالخبرات التي يتعامل معها الروائي ليخرج فقد بتنا نرى اليوم اتجاها روائيا معاكسا يميل إلى عولمة األفكار والثقافات واالتجاهات إلى الواقع وتغيير طريقتنا في التعامل معه وكيفي ة تناوله األمر الذي ترت ب عليه الممي زة( وتبلورت مع بدايات القرن العشرين مع بعض الشواهد التقني ة التي رب ما تكون الثورة الثالثة والمقترنتي ن بكتابة العمل الروائي الذي يمتلك خوارزمياته الساحرة والجاذبة لكل عقل شغوف خبر الكتابة الروائي ة ولذ تها في النهاية بعمل يصب في هدف فتح آفاق جديدة أمام الوعي البشري وتوصيف خارطة التضاريس التي تواجه الجنس البشري بكل الروائية بدال من مركزتها في شكل استقطاب أحادي اللون والنكهة الثقافية. ال تخفى بالتأكيد الجوانب اإليجابية للعولمة التي حتما تغيير طبيعة االشتغاالت الروائي ة ألن الطبيعة المفاهيمي ة للواقع تعد نقطة الشروع الفلسفي ة التي تخدم كأرضي ة )أو خلفي ة( الط ائرة ووسائل االتصال والسي ارات العاملة بمحر كات االحتراق الداخلي أهم ها إلى جانب التقني ات العسكري ة القاتلة التي أم ا الثورة الثالثة التي كان لها أبلغ األثر في تثوير المشروع الروائي وتحديثه فهي الثورة السيكولوجي ة التي أعادت الفردوسي ة. أذكر في هذا المقام مثال عالم الرياضي ات العبقري األمريكي نوربرت معوقاتها بل ذهب البعض إلى أن الرواية الجي دة المصنوعة بشغف يمكن عد ها فرعا تفوق سلبياتها المد عاة بكثير -على خالف العولمات االقتصادية والتجارية المتغو لة- يقيم عليها الروائي ون هياكلهم الروائي ة في كل العصور منذ بدء الفن الروائي وحتى شهدنا نتائجها المهل كة مع الحرب العالمي ة األولى. أبانت الثورة التقني ة أمام اإلنسان تشكيل مفاهيم العقل )Mind( والحتمي ة ( )Determinism واإلرادة الحر ة ( )Motivations ( والدوافع )Free Will من الدراسات الخاص ة بالتنب ؤ بالمستقبل كما ال تخفى القدرة الفائقة للعولمة الثقافية أي امنا هذه. إن المفهوم السائد عن الواقع القدرات الهائلة التي يجترحها في فعل واينر (1894( Wiener) -Norbert 1964( واضع أسس علم السيطرة اآللي ة )علم المستقبلي ات )Futurology وبات ينظر في نزع فتيل التأزم الروحي والعقلي )بل في أي عصر هو بالتأكيد العنصر األساس الخير والشر معا ورب ما كانت قصيدة األرض والحاجات ( )Needs ورب ما تكون Cybernetics الذي كتب رواية ( الم غوي إلى الروائي المتمك ن كفرد موسوعي المعرفة حتى الذهاني( الناجم عن الشعور بالدونية الذي يحد د طبيعة الرواية وكيفي ة اشتغالها الخراب ( Land )Waste إلليوت تصف السيكولوجيا الماسلوي ة )نسبة إلى عالم تمتلئ خزائنه بالكثير من العناصر المعرفي ة الثقافية وعدم نيل الفرص المشروعة باعتبارها فن ا يتأس س على رؤية فلسفي ة بطريقة رائعة المشهد اإلنساني والخراب النفس المعروف أبراهام ماسلوAbraham )The Tempter المنشورة عام 1959 وكذلك أذكر الفيلسوف البريطاني األشهر برتراند راسل الذي نشر رواية له حت ى غدا يمتلك بصيرة رائية ترى تضاريس المستقبل في الوقت الذي يحكي فيه عن وبخاصة أمام جيل الكت اب المنتمين لفضاء الثقافات الهامشية طبقا لنظرية المركز- حول المظهر والواقع واألفراد وطبيعة عالقاتهم وكيفي ة التعامل مع الزمان الذي رافقه بعد نهاية الحرب العالمي ة األولى. أعادت الثورة التقني ة على وجه التحديد ) Maslow هي اإلنجاز األكثر أهمية في الميدان السيكولوجي في القرن العشرين بعنوان الشيطان في الض واحي in( Satan ( the Suburbs كما أذكر البروفسور مارفين مينسكي Minsky( )Marvin أستاذ الحاضر. عولمة الرواية األطراف الثقافية ومن الواضح للغاية أن الرواية تشكل القاطرة الثقافية القادرة على جر عربة الثقافة العالمية بسبب النزوع والمكان والصور الذهني ة التي يكو نها األفراد عن العالم المحيط بهم وتلك موضوعات تجعلنا نديم التساؤل حول الموضوعات تشكيل صورة اإلنسان عن المكان والزمان -ال على المستوى المفاهيمي مثلما فعلت الثورة الفيزيائي ة بل على مستوى اإلحساس -من وجهة نظر تأثير السيكولوجيا في الرواية- بعد أن جاء ماسلو بمفهوم التدر جية الهرمي ة للحاجات اإلنساني ة Pyramidal( ) Heirarchy of Human Needs وكذلك الذكاء االصطناعي والروبوتات في معهد الرواية أداة ناعمة من أدوات العولمة العولمي الطبيعي للرواية في تناول مسرات الفلسفي ة الممتد ة منذ نشأة الفلسفة الفردي والتعامل اليومي - بعد أن انتشرت ماساتشوستس MIT األميركي ذائع الثقافية: ثمة مالحظة في تاريخ الرواية اإلنسان ومكابداته. اإلغريقي ة وحتى هذا اليوم. رب ما يكون من سكك الحديد بخاص ة ومن هنا صار ي نظر بمفهوم الطبيعة الروبوتي ة الشبيهة -بوضعي ة الشهرة وجون كينيث غالبريث ( John )Kenneth Galbraith عالم االقتصاد العالمية تدعو إلى إعمال فكر ونظر كبيرين إذ في الوقت الذي خدمت فيه الرواية II الر واية وثورات عصر الحداثة المثير أن أذكر في هذا المقام أن بعضا من أفضل الروائي ين كانوا فيزيائيين متمر سين إلى القطار )إلى جانب السكك الحديدي ة( على أن ه واحد من أهم وجوه الحداثة التي الطي ار اآللي- التي يعيش معظم البشر حيواتهم فيها وهم يعانون من أقصى درجات واألستاذ الجامعي المرموق والذي عمل سفيرا كذلك: هؤالء كلهم وآخرون كثيرون الوعي القومي وت ش ك ل ما يسمى )الضمير الجمعي لألمة( وبخاصة إبان نشوء مفهوم ي نظ ر إلى الرواية على أن ها إحدى المنتجات األكثر تمي زا التي جاء بها عصر الحداثة مع ذوي باع وخبرة في حقلهم الفيزيائي وأذكر من هؤالء: اللورد سي. بي. سنو ).P.C ساهمت في إعادة ترتيب المشهد الروائي بسبب انتشارها ورخص كلفتها التي باتت الضجر والالمباالة ومن الطبيعي أن تكون مفردات مثل الحاجات اإلنساني ة والضجر نشروا أعماال روائي ة مرموقة إلى جانب اشتغاالتهم المعرفي ة الرائعة ولن أنسى بالتأكيد الكثير من الفيزيائي ين الذين نشروا أعماال روائي ة وسأذكر بعضا منهم في الجزء الثاني من هذا التقديم. هنا ال ينبغي الظن في هذا الموضع بأن هؤالء كتبوا الرواية األمة- الدولة Nation State وبزوغ عصر الدول القومية في القرن التاسع عشر وفي الوقت الذي كانت الرواية الناطقة باإلنكليزية بدايات القرن العشرين القرن الذي شهد ثورات عظيمة ساهمت في إعادة رسم المشهد الروائي بالكامل. الثورةاألولى أولى هذه الثورات هي الثورة في ميدان )Snow المعروف بكتابه األشهر الحضارتان العلمي ة واألدبي ة: نظرة ثانية وأرنستو ساباتو صاحب الروايات الشهيرة ومن الفيزيائيين-الروائيين المحدثين أذكر آالن اليتمان Lightman( )Alan أستاذ الفيزياء في معهد ماساشوستس التقني MIT في متناول الجميع بعكس الطائرة التي انحصر استخدامها بين بعض الطبقات الثري ة ولم تصبح وسيلة متاحة أمام الكثيرين إال والالمباالة موضوعات دسمة أمام الر وائي المنشغل بالحياة ومعضالتها السائدة. الثورةالرابعة ثم ة ثورة رابعة على المستوى الفلسفي طالت االشتغاالت الفلسفي ة التقليدي ة في إطار رواية )الخيال العلمي ) القريبة من اشتغاالتهم المعرفية بل هم كتبوا روايات في كل األجناس الروائي ة المعروفة وما كانت أعمالهم مفتقدة إلى الصنعة الفني ة والحرفنة المهني ة التي تتطل بها الكتابة الروائي ة الخال قة. التنبؤبالمستقبل الرواية جهد خال ق يرمي إلى فتح آفاق جديدة أمام الوعي البشري والخيال اإلنساني : وصف أحد الروائي ين مر ة الرواية الرصينة بأن ها مثل آلة إينيغما )Enigma( التي استخدمها الحلفاء في فك ال غرابة أن تقترن األعمال الروائي ة العظيمة بالمجتمعات التي حق قت أعلى درجات اإلنجاز العلمي والتقني واالقتصادي والسياسي وفي الوقت ذاته نلمح تراجع الفن الروائي في المجتمعات التي تعاني نكوصا ثقافي ا الفيزياء النيوتني ة التقليدي ة والتي قدحت زنادها النظري ة النسبي ة) Relativity )Theory التي أعادت تشكيل صورتنا المفاهيمي ة وبشكل خاص عن طبيعة الزمان والمكان وأبانت العالقة المتالزمة بينهما. أم ا النظري ة الثانية التي ساهمت في الثورة الفيزيائي ة فكانت النظري ة الكم ية) Theory )Quantum التي نسفت مفاهيمنا السائدة بخصوص التزامن )Causality( والسببي ة )Simultaneity( وطبيعة المادة والضوء وعملت بشكل أساسي في تهشيم مواضعاتنا الراسخة حول الحتمي ة الفيزيائي ة وأحل ت محل ها ومؤل ف رواية أحالم آينشتاين Einstein s Dreams ذائعة الصيت وكذلك ريبيكا نيوبرغر غولدشتاين Rebecca( )Newberger Goldstein التي بدأت فيزيائي ة وانتهت فيلسوفة وأستاذة جامعي ة وأذكر من رواياتها خواص الضوء: رواية عن الحب والخيانة والفيزياء الكمي ة Properties of Light A Novel of Love(.), Betrayal and Quantum Physics الثورةالثانية ثم ة ثورة ثانية كان لها أبلغ األثر في تحديث شكل الر واية: الثورة التقني ة التي بدأت من المؤك د ثم ة روائي ون محترفون يكتبون الرواية ويحق قون أعلى المبيعات ولكن الغالب أن أفضل الروايات ليست تلك التي تحقق أعلى المبيعات لمجر د معرفتها بشروط السوق وألعابها التجاري ة وأثمرت كشوفات فلسفي ة جديدة لعل حركة التحليل اللغوي ( Analysis )Linguistic والنزعة التحليلي ة )Analiticity( في الفلسفة بعام ة تعد أهم معالمها وقد ساهم فالسفة مثل برتراند راسل ( Bertrand Ludwig ( ولودفيغ فيتغنشتاين ) Russell )Wittgenstein في قيادة ركب الفلسفة التحليلي ة إلى جانب جمهرة مميزة من أساتذة كمبردج وأكسفورد وال يخفى حتما التأثيرات التي جاء بها هذا االتجاه التحليلي الفلسفي -اللغوي إلى اللغة الروائي ة التي نزعت عنها ثوب الر طانات اللغوي ة المفخ مة واالستعارات البالغي ة المحتشدة التي كانت العدد - 16 مايو/ أيار
12 مقال سمة الرواية الفكتوري ة وحل ت محل هذا لغة مقتصدة تحتكم إلى معايير االنضباط له وتدعيم فضائه الذهني ونوازعه العقلية العليا بعيدا عن المكابدات اليومية المرتبطة III ماذا بعد الرواية الحديثة لم تزل الرواية الحديثة بسماتها المعهودة الطبيعية مثل التسونامي والكوارث النووية. اختصت المعالجة الروائية ما بعد الحداثية رواية التعددية الثقافية )Multicultural Novel( يعانيها المهاجرون بين جغرافيات ثقافية مختلفة وقد نشط هذا اللون الروائي كثيرا ومقاربة األهداف بال وسائل التفافية على بتأمين الحاجات البيولوجية البدائية. أما في سائدة في المشهد الروائي العالمي ولها على مقطع زمني ومكاني صغير ولمعضلة نشط هذا اللون الروائي في العقود األخيرة بعد طغيان العولمة الثقافية وتزايد موجات صعيد اللغة. ينبغي التنويه هنا إلى العالقة ميدان الثقافة فقد فتحت الثورة الليبرالية حضورها المميز فيه ولكن الرواية الحديثة محددة ولم تعد تتناول الحالة المرجعية التي شهدت إعالء فكرة التسامح والتعددية الهجرة -حتى بين المراكز الكولونيالية الوثيقة بين الفلسفة واألدب بعام ة -والفلسفة آفاقا واسعة أمام أنماط تجريبية مستحدثة ذاتها ساهمت وبقوة في تخليق أنماط روائية بأكملها )مثل التقنية على اختالف أشكالها الثقافية والحفاظ على موروثات الشعوب السابقة ذاتها- وما توفره تلك الهجرات من والرواية بخاص ة- ويمكن إيراد قائمة طويلة من األفكار والفلسفات وما عادت األطر جديدة يمكن عد ها امتدادات طبيعية لها أو الكوارث الطبيعية كل ها( مثلما كانت تفعل -بما فيها البدائية- وطقوسها الفلكلورية انفتاح على خبرات ثقافية جديدة وإن كانت بالفالسفة الروائي ين لعل أيريس مردوك ( والمؤسسات القديمة مم ا يمكن -أو ينبغي- وليست تطو رات منقطعة الجذور عنها. يمكن الرواية الحديثة. لما تحمله من خبرات وثقافة ثرية ال تخلو من مكابدات سيكولوجية وجسدية )Iris Murdoch تقف في طليعتهم والزالت رواياتها تلقى صدى طي با حتى يومنا هذا رغم أن بعضها وضعت ه الكاتبة في مطلع الخمسينات من القرن الفائت. ال ينبغي في هذا الميدان إغفال الثورة الليبرالية التي تعاظم مد ها في القرن العمل في ظل ها وهنا تمكن مالحظة الحقيقة الواضحة في أن بدايات القرن العشرين التي شهدت نشوء الرواية الحديثة هي ذاتها التي شهدت والدة وانطالق الحركات الثقافية ذات الطبيعة التثويرية مثل السريالية كما شهدت ظهور المدارس الحديثة في الرسم في هذا الشأن معاينة األشكال الروائية التالية التي تعتبر والدات طبيعية للرواية الحديثة باستثناء الرواية الرقمية: الرواية ما بعد الحداثية )Postmodern Novel( الروايةمابعدالكولونيالية )Postcolonial Novel ( نشأت هذه الرواية في الجغرافيات التي كانت ت عتبر تقليديا جزءا من المستعمرات الكولونيالية المهيم نة ويالحظ فيها ومكتنزة. يمكن تمييز أنواع ثالثة في هذا الشكل الروائي: أ- الرواية التي تعتمد على الموروثات الشفاهيةالبدائية يمثل هذا اللون الروائي صوتا ناطقا للثقافة واقتصادية. ج- روايةجماعاتاألقلية )Minority Groups Novel( تعتبر األقليات في عالم اليوم بمثابة صوت ثقافي ضمن األصوات الثقافية السائدة في العشرين بعد وضع قواعدها التأسيسية مثل التكعيبية. ساهم الحس الفرداني تطورت الرواية الحديثة إلى أنماط ما بعد -وبخاصة في بواكيرها- غلبة االشتغاالت الشفاهية Culture( )Oral لبعض الجماعات فضاء أية ثقافة رئيسية وما عادت مفردة األولى في القرن التاسع عشر على يد بتهشيم القيود الثقيلة التي كانت تكب ل الفرد حداثية في الجغرافيات التي كانت توصف السياسية عليها إلى جانب النزعة التطهيرية التي الزالت محافظة على ثقافاتها البدائية الثقافة المهيمنة محبذة في هذا اإلطار بعد آبائها المؤسسين وفي طليعتهم الفيلسوف من جهة والتي عملت في الوقت ذاته على في العادة باإلمبراطوريات أو الكولونياليات المتطرفة التواقة إلحداث فصام كامل مع وترى فيها ترياقا ناجعا للكثير من األمراض أن صارت تشي بميل إلى تهميش الثقافات التنويري جون ستوارت ميل) John Stewart تشظية فضائه العقلي والنفسي وأطاحت المهيمنة أو ما بات ي عر ف بالمراكز الثقافية تراث الماضي الكولونيالي بطريقة غاية في التي تعانيها الحضارة الحديثة نتيجة األخرى. انتعشت هذه الرواية بخاصة في بحس الطمأنينة والسكينة واالنتماء التي طبقا لنموذج المركز-الهوامش الثقافي وتعد التطرف إلى حد بات معه بعض أقطاب هذا انقطاع جذورها باألرض التي تعد ها هذه الفضاء األوروبي كداللة على قيم التسامح )Individuality ( تعد الفردانية.)Mill التمظهر األجلى المقترن بالليبرالية والميزة األساسية لها وبات في عداد الحقائق اعتادها في أحضان عائلته أو التشكيالت المؤسساتية التقليدية )مدرسة جيش الثقافتان األنكلوساكسونية والفرانكوفونية -إلى جانب الثقافة الجرمانية- الميدان اللون الروائي يدعون إلى قطيعة مع لغة المستعمر السابق وإحالل لغات محلية بدال األقوام )أم نا المقدسة( أم نا التي أساء لها اإلنسان المعاصر إلى أبعد حدود اإلساءة. والتعايش بين الثقافات وللتأكيد على أحقية األقليات في توكيد صوتها الروائي المتفرد. الرواية الرقمية )Digital Novel( الواضحة التي ترقى إلى مستوى البديهيات أن الفرد مسؤول مسؤولية تامة عن صناعة حياته وتشكيل مستقبله وأن كل النظم مزرعة مصنع كنيسة ( وهو األمر الذي انعكس في طبيعة االشتغاالت الروائية التي تحت م على الرواية الحديثة أن تتعامل معها األرحب الذي نشأ فيه هذا الفن الروائي. ليس ثمة سمة مشتركة خالصة تجمع بين األنواع الروائية ما بعد الحداثية سوى عنها ولكن هذه النبرة المتطرفة خفتت كثيرا في العقود الالحقة لالستقالل عن المراكز الكولونيالية السابقة بعد تسارع ب- الرواية المهاجرة )Immigrant Novel( الحكومية ينبغي أن تساعده في تحقيق بجدية فائقة. مخالفتها الصريحة للرواية الحديثة في وتيرة التالقح الثقافي وخفوت حد ة يرمي هذا اللون الروائي -على وجه تمثل النصوص التشعبي ة الفائقة افتراقا فردانيته المميزة والثمينة وظهر تأثير تلك جانب وتناغمها معها في جوانب كثيرة النزعة الثورية الراديكالية العالمية ونضوب التحديد- إلى استكشاف المعضالت التي صارخا عن كل األشكال الروائية المتداولة الميزة في أوجه عدة: في الحقل السياسي أخرى: حافظت الرواية ما بعد الحداثية خزين )المأزومي ة( في أرواح ك ت اب ما بعد وانغماسا فائقا في عصر التقنية الرقمية قادت الليبرالية إلى توسيع المشاركة على سمات التشظي الزماني والمكاني الكولونيالية وبخاصة األفارقة منهم. ونشهد في هذه النصوص موت المؤلف الفردية في الحياة السياسية وتحجيم والسيكولوجي وأوغلت فيه كثيرا لكنها من ثمة في هذا المجال ما ينبغي إيالؤه أو األدق نشوء مؤلفين كثيرين للعمل ذاته الفكر الشمولي والطغياني )وبخاصة الفكر الديني العقائدي( والمشاركة الواسعة للنساء في المشهد السياسي وتخفيف غلواء البيروقراطية الحكومية والتأكيد على حقوق الطفل والتركيز على حقوق اإلنسان. على الصعيد االقتصادي قادت الليبرالية إلى اإلرتقاء بنوعية الحياة وظهر إلى العلن مفهوم دولة الوفرة State( )Welfare كما تم تحديد ساعات العمل اليومية والحد األدنى لألجور وطب قت برامج الحماية االجتماعية وبرامج التأمين الصحي )في القارة األوربية بخاصة( األمر الذي ساهم في تعزيز قدرة الفرد اقتصاديا وتعزيز حافظت الرواية ما بعد الحداثية على سمات التشظي الزماني والمكاني والسيكولوجي وأوغلت فيه كثيرا لكنها من جانب آخر باتت ترك ز في معالجاتها الروائية على ثيمات أصغر بكثير من الثيمات الكبرى جانب آخر باتت ترك ز في معالجاتها الروائية على ثيمات أصغر بكثير من الثيمات الكبرى أو-ذات الطبيعة الملحمية أحيانا - تلك التي تعه دتها الرواية الحديثة برعايتها القصوى من قبل وقد تنو عت موضوعات الرواية ما بعد الحداثية وبلغت تخوما تبعث على اإلدهاش مثلما نرى مثال - في مقاربة عالقة اإلنسان بالبيئة وموضوعة التلوث البيئي الطاغي بعامة والتي استحالت لونا روائيا متفردا يمكن وصفه بالرواية البيئية ونلمح في جانب آخر -كمثال أخر أيضا - التأثير الذي جاءت به إلى الفن الروائي حلقة تقنية محددة )مثل التقنية الصاروخية أو تقنية اهتماما مضاعفا : سمحت هجرة بعض األفراد من جغرافيات الهوامش إلى المراكز الكولونيالية بنشوء أطفالهم في بيئة ثقافية هجينة )Hybrid( تحوز سمات كل من ثقافة المركز والهامش معا فتطو ر بعض هؤالء واستحالوا ك ت ابا أبدعوا في كتابة الروايات التي باتت ت عر ف بالرواية ما بعد الحديثة ما بعد الكولونيالية ونضج هذا اللون الروائي كثيرا حتى أن الغربيين أنفسهم باتوا يرون فيه شكال روائيا باعثا على أعلى درجات االهتمام لميله إلى إعالء شأن قيم التسامح والتعدد الثقافي ولركونه إلى تجارب وخبرات بشرية لم يختبرها العقل تمثل النصوص التشعبي ة الفائقة افتراقا صارخا عن كل األشكال الروائية المتداولة وانغماسا فائقا في عصر التقنية الرقمية ونشهد في هذه النصوص موت المؤلف ونعني بذلك القر اء أنفسهم- واالرتقاء بدور القارئ إلى مستوى تحديد المسار الروائي بسبب الطبيعة التفاعلية )interactivity( لهذا النوع من النصوص وغياب الحبكات الثابتة وتالشي النهايات الم حكمة المغلقة وحتى المفتوحة بسبب الخيارات الهائلة -غير المحددة عمليا - لإلمكانيات التي يمكن أن يسلكها النص بحسب خيارات القارئ وطريقة استخدامه للروابط الفائقة. يشكل هذا اللون الروائي تطورا ثوريا سنلمس -حتما - تبعاته الهائلة وتطوره إلى أشكال ال تخطر لنا ببال في يومنا هذا. شعوره باألمان الذاتي تجاه المجاعة والفاقة الرقائق اإللكترونية الم دمجة( أو المعضالت الغربي و ال يمكن له إغفالها أو نكرانها. كاتبة من العراق مقيمة في عمان وتمكينه من االستمتاع بوقت الفراغ المتاح اإلنسانية التي تنشأ في أعقاب الكوارث العدد - 16 مايو/ أيار
13 قص بقي ة الحكاية حسني جمعان أحمد سعيد نجم ظل الصديق ال يفارقه ال في نومه وال في يقظته. كان يمي ز رأسه من I تردد طويال قبل أن يحزم أمره. فالطالبات اللواتي عرفهن لم يرغبن بين رؤوس الجميع ولو كان في الطرف اآلخر من باحة المدرسة. بالمضي إلى أبعد من المشاوير. الطريق من المدرسة وإليها. فما الذي ح ص له من ذلك غير سالم عابر وغمزة عين وبالكثير الكثير احتكاك في الصعود إلى الباص وفي النزول منه. وهرب من عذاب خفيف إلى عذاب أقسى. وصار األمر أشبه بامتحان فقر ر أن ال يتخل ف عن الركب. لن يترك ألصدقائه أن يقولوا عنه بأنه ج و ب ن في اللحظة األخيرة. إشاراتهم وكان الصديق مطواعا كما لو أن ه خاتم بين يديه وهو في األصل III وكان ذلك قد أشعل النيران داخله ولم يطفئها. فصارت الرغبة تنهشه كأفعى. تقض عليه نومه وأحالم يقظته. أصابع طري ة اشتبكت بين وتعليقاتهم كانت ستأخذ األشياء إلى مكان أبعد. وهو ما لن يسمح به. لن يترك لهم أن يشككوا به وبرجولته. أهم ما يمتلكه. ألم يحلم واآلن بلغ النقطة التي ما عاد فيها لألسئلة أي نفع فقد صار داخل البيت في قلب الصالون فهل تخي ل شيئا آخر غير الذي شاهده ليس أكثر من خاتم في يد من يريده من المريدين! ومن جانبها فاجأته المرأة بشكلها. وفاجأته بعمرها. كان يتخي ل أصابع يديه وطارت به إلى النجوم. فكيف لو مضى األمر أبعد من طويال بذلك المشوار. هناك سيجر بها سيجر ب رجولته في المكان هنا سيتركه الصديق ويمضيان كل إلى غايته. أمثالها عجائز يزحفن إلى الفراش زحفا وقد امتألت وجوههن ذلك كيف لو عانق الجسد بكامله. األنثى كما هي! الصحيح. الجسد األنثوي حقيقة ال خياالت! لقد صار محت ما أن يقفا - ك ن يقظا. عليك أن ت رك ز جيدا. إن أخفقت اآلن فقد ال تنجح ثانية! بأصباغ قبيحة. غير أن هذه كانت من الجمال والشباب بحيث لو وفي البداية ل ع ن الفكرة بمجملها وأحس ها إهانة له ولصديقه الذي لم ذكرا وأنثى وجها لوجه. سيأخذ الفكرة المجنونة إلى عالم التجسيد هكذا قال الصديق فأيقظه من شرود ه. حدجه بنظرة قاسية. كان فك ر بالزواج لما اختار غيرها. لكأن ما هي نسخة كربونية عن صاحبته يكن قد مضى على ابتداء تعر فه به زمن طويل. وأو ل أمرهما صن فه المخيف! يحس بأن ه يقترب اآلن من شأن شخصي وكمن ي شك ك بشيء. وكان ابتسام. ابتسام التي لم تعطه أكثر من أصابع تشابكت مع أصابعه. كشيطان وندم على اللحظة التي تعارفا فيها. وقر ر جديا أن يضع حد ا لعالقتهما. ولن يحدث ذلك إال إن ترك اللقاءات بينهما تتراخى. يعرف أنها نزوة متعبة. لكنه امتلك من الشجاعة ما يكفي ليقول لنفسه: قد اشترط عليه منذ البداية أن يوصله هناك وينصرف. وفي بادئ األمر رفض الصديق ذلك الطلب الالعقالني. غير ه من شل ة فلماذا هي عنيدة هناك ومطواعة هنا وأجلستهما في الصالون ومضت كي ت ع د لهما القهوة. قهوة أهال تباع د ها كان أحسن له. أحسن لهما. وماذا يضر ماذا يضر. كله كذب بكذب. األصدقاء أذعنوا لكل ما ط ل ب منهم. كان يطلب ح ق ه كم تسل ط بأن وسهال! وسعى الصديق ليخرج من الصورة تماما : فهو لم يشأ أن ينخرط في الفكرة المجنونة التي انجدلت صداقتهما وقال لهم الصديق: يكون األو ل في الليلة األولى وإال فإنهم لن يعرفوا طريقهم إلى تلك - طي ب. سأترككما.. من حولها. وتعج ب أصال من وجود نساء كتلك التي حكى عنها. بيع - هناك ستعرفون أنفسكم على حقيقتها. ليس المهم من هو األوسم المرأة-الحلم! قال بخفوت. فش د ه من ك م قميصه: وشراء. هكذا رأى األمر. وإن كان هناك م ن ارتضى أن يبيع فلن يكون بل م ن األجرأ. وجميعهم رغبوا بشكل محموم بأن يعيشوا تلك اللحظة التي ألهبت اجلس اجلس حتى نشرب القهوة. II هو م ن يشتري. ولتذهب بقية الشلة أينما تشاء. وكانت الفكرة في البداية مقرفة ومخيفة. لن يمضي بها أبعد مم ا مخيالتهم بأي ثمن. وم ن جانبه رأى مسألة أن يسبقه الصديق إلى جسد تلك المرأة أمرا يبعث على الغثيان. فقد أرادها له وحده حتى - ولكن القهوة لك. ثم اقترب موشوشا : مضى حتى اآلن. وصار كلما ف ت حت تلك السيرة ي غ ل ق ها بقسوة. وآلمه كان بيتا ككل البيوت. وهي هنا معروفة من جميع سكان الحي. من قبل أن يراها عيانا. اللحظة التي أرادها أرادها لنفسه فحسب. - هذا طلبك. أنت بنفسك طلبت ذلك. لقد طردتني من قبل أن تبدأ. أن يرى بقية األصدقاء يستسيغونها. يرونها خال بة. أو ل الرغبات فالناس اله م لهم سوى التجسس على بعضهم البعض. كل داخل إلى الماضي والمستقبل في تاريخ المرأة-الحلم لم يسأل عنهما. ولم أال تتذكر V وآخرها. وكان يراها اختالقا باختالق. لقد اخترعها ذلك الصديق الحربوق البيت كان م ح ط أنظارهم. وأكثر من مرة سأل صديقه وهو يرتجف من أعماقه: يردهما! وكان الو د بينه وبين صديقه أكبر من أن يقف في وجهه مثل ذلك ليتسي د عليهم. وليمشي بينهم كالطاووس. وأث ر التفكير في تحقيق - أحق ا.. أح ق ا ما من خوف علينا في هذا المكان التفصيل العابر رغم أنه كان مهم ا لكليهما. كان في وضع ال ي حس د عليه. في المكان الذي تاقت نفس ه الملتهبة رغبته تلك على دراسته. عليه أوال أن يحصل على البكالوريا. وماذا كان يخشى الفضيحة بأكثر مم ا يخشى التهديد البدني. غير أن طي ب. كما تريد.. ولكن.. كثيرا لمعانقته. وفيما مضى لم يترك صغيرة أو كبيرة إال وسأل عنها بعد البكالوريا دراسة الجامعة. أينتظر أيضا إلى ما بعد ذلك حتى إصراره على المجيء كان أقوى من أي خوف. وأولئك الذين رأوه وحتى هذه اللكن لم يستلطفها م ن صديقه. لقد سبق وأن أملى فهل كان في مكان رسمته مخي لته أم في المكان الذي لم يحلم بغيره يتزو ج مثال وكيف سي خ ر س النبع المتدفق في داخله يدخل مشوا في طرقاتهم. كانوا أقرب إلى العميان. لكأن من واجبهم اشتراطاته. لقد أراده أن يأخذه إلى هناك يتركه عند الباب ويغادر فلماذا فلماذا امتأل إذن بخوف عارم ويرتجف من رأسه إلى أسفل وحاول في البداية أن يتحاشاه ما أمكنه التحاشي. وذلك الصديق هو أن ال يروا شيئا! فلماذا اللكن تلك قدميه IV في األصل طالب مشاغب. وال يعرف كيف صادقه هو وزمالؤه. كيف أفسحوا له مكانا داخل ش ل ت هم الضي قة. هو الذي لم يره أحد يفتح ورغم ذلك فقد عاد يسأل: - أشكال الناس هنا مريبة. أحق ا ال خوف منهم فها هو اآلن وبدال من أن يدع صديقه يمضي في حال سبيله طلب منه أن يتريث. أكانت معركة وقد أخذ يحشد لها وإن كانت معركة كتابا أو يجيب عن سؤال من األسئلة! وأتته اإلجابة: ولكن أفليست معركته وحده دون سواه على أن الهروب منه ما لبث أن انقلب إلى ما يشبه اله و س. فلكي - س ب ق وأن قلت لك: هنا ال خوف من أحد. هنا يخافون منك. أنت من لكن ما بال ه اآلن وم م هو خائف ولماذا قال لصديقه: كان أكثر ما أخافه أنها وبعد أن وضعت صينية القهوة على الطاولة يهرب من األمر برم ته كان عليه أن ي بقيه في دائرة االهتمام. فصار يخيف اآلخرين. فتعال وال تخف! - تعال. أدخل كي ت ع ر فنا على بعضنا البعض. ذهبت إلى الستارة وأغلقت الشق الصغير الذي كان يأتي منه بعض العدد - 16 مايو/ أيار
14 قص الضوء فصارت الغرفة كهفا وصار ابن العتمة والغرائز. المكان األمثل لث ل ة المجانين التي كان واحدا منها! وكان صديقه ما يزال موجودا. فالقهوة لكليهما. يعرف أنه سيكون وحيدا بعد لحظات. وستكون قد سبقته إلى الغرفة. سأل صديقه بخفوت: - أين أين أراد أن يرى ساحة النزال قبل أن يتقد م. فأشار الصديق إلى غرفة جانبي ة. كانت معتمة هي األخرى. وكان قد فهم أن عليه أن يميت جميع حواس ه ماعدا حاس ة اللمس. وكان صديقه قد ألمح إلى مثل ذلك حينما قال له محذ را : لن ترى أي شيء. أاحذ رك من اآلن. لن ترى ما تريد. وهو الذي لم يشأ أن يستمع إال إلى ما تقوله له أفكار ه الجامحة كان يتوق ألن يرى الجسد األنثوي بكامل ع ري ه. أراد أن يتمال ه طويال قبل أن يمضي هو اآلخر في طريقه. كان يريدها أن تقف وسط الغرفة مثل تمثال وهو يدور من حولها حتى يدوخ. يدور ويدوخ! وأراد في األصل أن يرى ما يختبئ تحت المالبس المذهلة للبنات. كانت الثياب تخلب ل ب ه الف ت ي وترسم نهايات ال ابتداء لها. رؤيتها عارية كانت ستدفع به إلى االنفجار. وكان يريد االنفجار بحضورها ووسط غرفتها في بؤرة الضوء الباهر ال في غرفته الباردة والمعتمة. وذلك الكهف يراه كل يوم. يدخله دون وجل. وكل يوم يثبت رجولته فيه أو في شيء يشبهه. وقال الصديق بعد أن كرع فنجان قهوته سريعا. - ط ي ب. أنا سأذهب. سأترككما. فذلك أحسن.. وحاول أن ينهض. VI وصديق ه لن يتركهما في مواجهة بعضهما البعض ال اآلن وال الحقا. وهو لن يدعه يفعل به ذلك. فالكالم الوحيد الذي سمعه من المرأة- الحلم أرعبه بأكثر مما كان مرعوبا : ماذا أخائف أأخيف إلى هذا الحد تعال. تعال وال تخف. مم تخاف ال تخف من شيء. هنا أمان والناس نيام. لم يرك أحد وأنت تدخل. ولن يراك أحد وأنت تخرج! هنا في الكهف الذي ص ن ع ت ه كي يتسع للجميع ال زمان وال مكان وال أحد يرى أحدا. VII وكانت حكاية. ولم يتذكر غير خات متها. وحتى هذه تبخ رت بعد ثوان. وخشي أن يكون ذلك اختالقا منه. وأنه لم يسمع أي شيء. وأن ال يكون لها أي وجود في األصل. وتكون مجرد وهم بوهم. فسأل صديقه بشيء من الخ ج ل: - أحكيت لي شيئا فقال الصديق : - نعم. لقد حكيت لك أشياء كثيرة!.. أشياء وأشياء. - غريب! أصحيح كأنني لم أسمع شيئا. كأنني ال أتذكر شيئا. أذكر فقط كلمات أخيرة ص و را ممز قة علقت في رأسي. وحتى هذه تبخ رت تماما وال أذكر منها اآلن شيئا! وكان يكل مه. وهذا يعني أنه موجود معه في الغرفة ولم يكن في أي لحظة من اللحظات واحدا من خياالته. وكان مما أخجله أنه وبدال من أن يكون آذانا صاغية أمام صديقه المخلص والم غ وي كان عيونا نائمة. وصديق ه لم يكذب على أحد من قبل كي يكذب عليه! ولم يكن الخجل قد بارح ه تماما حينما أضاف بلهجة المترج ي: - أرجوك. أرجوك أن تعيد علي ما سبق أن مررت به. أريده حرفا حرفا. وهذه المرة أعدك بأن استمع جيدا.. سأحفظ عن ظهر قلب كل ما ستقوله لي. لن أكون ال مباليا بعد اآلن! وبينما كان يقول ذلك ويضع نفسه في موقف المتسو ل من غريب كان الغريب المخلص والم غوي ينظر في اللحظة عينها إلى ساعة يده. وكانت تعابير وجهه توحي بأنه تأخ ر كثيرا. عليه أن يمضي في طريقه منذ وقت. كثيرون يريدون روح ه المصنوعة من سراب فت ان وهم اآلن يقفون في طابور االنتظار! وكان في األصل قد تري ث من أجله ومن أجل ما بينهما من و د! - اسمع. - قال وهو يحاول أن يهرب منه: - أنا اآلن في عجلة من أمري. أنسيت بقية الشل ة هم أيضا يريدون من ي ما أردته أنت. سأزورك ثانية. سأزورك بكل تأكيد. أما اآلن فأرجوك أن تبتعد عن طريقي كي أخرج. أال ترى أنك تحجز الباب وانتبه إلى أنه كان قد صار عند عتبة الباب. كالهما كانا على وشك الخروج. صاحبه يريد أن يعود من حيث أتى وهو إلى أين إلى فراشه المخيف ثانية وحاول أن يستبقيه. أن يستبقي صديق السراب الفت ان. فقد كان خائفا من البقاء وحيدا مع أحالمه أو بشكل أدق مع كوابيسه. سأله: - ولكن متى متى ستأتي ثانية ثم سأله من جديد: - أأكيد أأكيد.. هنالك مرة ثانية وأجابه الصديق: - هنالك مر ات وم ر ات. ولكن ليس في أي وقت. حينما تغفو ستراني فوق رأسك. ثم تابع كما لو أنه غير متيق ن من أن صديقه الم س ت جد هذا سيفي بالوعد: عندما سآتيك ثانية اعمل جهدك أن تظل صاحيا. إن لم تكن صاحيا أثناء نومك فلن تتذكرني. لن تتذكر حرفا مما أقوله لك فأنا أقول الكثير! وأضاف وقد أصبح خارج الباب: - ن م وابق صاحيا. في المرة القادمة ابق صاحيا وأنت نائم. م ن أجلي وم ن أجل ك ومن أجل بقي ة الحكاية. أال تريد بقية الحكاية كاتب من فلسطين مقيم في اإلمارات نذير نبعة العدد - 16 مايو/ أيار
15 شعر جسد أبدي من الضوء زهير أبو شايب مس ني وتغي ر فنسيت القيامة والمشي فوق الصراط وت هت مع التائهين لئال أكون أنا أم ا أنا فاشت قت أم ا أنا فاشت قت أعني: اشت قت حت ى آخ ري وح ل مت أن ك ت نزلين وأنت عارية تمام ا في مياه الح ل م أعني: اشت قت ال ت د عي ظالال أو ستائر فوق ع ري ك بل د عي قم ر ا ي لج ف في السماء الليلكي ة وحد ه ل ي رى وي سم ع رشق ماء عند باب الليل أعني: اشت قت حت ى لم أع د أشتاق وانتهت القصيدة بانتهاء الشاعر. ماذا سأفعل عند ما أشتاق هل أمضي إلى ليل أقل لكي أظل مبل ال بالح ل م حت ى آخ ري متى فم ك المت شه ي متى فم ك المت شه ي الم طل على كل أودية األرض ما ع دت أذك ر شيئ ا سوى الب رق ي لم ع كالن صل فيك وفي وما عاد ي جف ل من ا الم كان. متى الليل أبحث في الالمكان ال ذي أنت فيه عن الليل ها حل م ت بي سماء كما ت حل م امرأة بابن ها الب كر أو بأبيها ل ت عب د ه أو ل ت قت ل ه وصح وت على مط ر وعلى خ ط وات سماء ت ه رول بين البيوت ولم أنتظ ر جس دي ألم ر من الليل بل ألش م ك كل ك في لحظ تي ن وأشهق من ك ث ر ما أنا حي وس كران ثم أشم ك ثانية وأموت أموووووت. ك م أض أت ك! ك م أض أت ك في عتمة ال مكان لها ولم م ت عليك النخيل كأن ك أرض س واد كأن ك ت خ فين نهري ن في م نح نى *** ك م سم حت لض و ئ ك أن ي توح ش في وي سو د حت ى غ ياب الح ديقة في ظل ها حيث ع ري ك م لق ى كص بح على الليل دون تفاصيل حيث الشتاء تأج ل من أجل نا. ال شتاء وال أنت وحدي هنا. فيصل لعيبي ال شتاء وال أنت إال أنا كنت في الليل كنت في الليل ال ذي سال من غابت ها الع ذراء كنت أ زيح األرض عن كم أت ها كي ت راني. فج أة في الح ل م مر ت كما م ر نبي من صالة وأيق ظت البراكين من النوم أيق ظت ال ذي لف عت ه بالد خان. كنت بين الليل والليل أ خفي جس دي ن الت ب سا بالمكان جس دي ن ان ش ب كا الروح مع الروح واللحم على الل حم بان ك بك با الض و ء على كل شي ء في زمان كان فوق الز مان لم أك ن في األرض مر ت سماء ورم ت لي وردة كالد هان أنا ما أبق ت ه لي من جنون أنا ما لم ت بق لي من أمان. مط ر مس ني يا سماء وغي ر ني مط ر مس ني وأنا مط ر ليس أكث ر وأنا أنت لكن ني لم أع د أتذك ر. أنت أعلى بلح ا أنت أعلى بل ح ا يا جس د النخلة في الواحات يا أعلى من األحالم ما مس ك ض و ء شارد في الف جر إال صار خ مر ا ما عوى ذئب على مائ ك إال سقط ت صورت ه في الر مل ما ناو لت ج م ار ك في العتمة إال لي أنا وحدي أنا يتكس ر ظل ي من الب رد ي تكس ر ظ ل ي من الب رد والريح ت جم ع ني وت فر ق ني العدد - 16 مايو/ أيار
16 شعر وت سابق ني ن حو ك الريح ت بحث عن ز رقة عن مسافة ليل وعن قل ق ي جع ل اثني ن ظل ي ن مرتعشي ن على الدرب من شد ة الح ب أو شد ة الحرب والريح ت عب ث بالشج ر الم تعالي على ظ ل ه في كس ر ني الب رد لكن ني أسب ق الريح ن حو ك يا امرأتي وأسابق نفسي إليك فت سبق ني أي ها الليل يا بل د ا كل سك ان ه غائبون ات س ع خارج األرض واتر ك مكان ك الثني ن لم ي سر قا أي شي ء سوى النار ظ ل ي ت كس ر يا ليل والشج ر الم ت عالي على ظ ل ه ت ت قم ص ه الريح ظل ي تكس ر وه و على حال ه يت عالى. ال نهاية المرأة ال نهاية المرأة وضع ت قطرت ي ن من الع طر شف افت ي ن على أذ نيها وم ر ت على م ه ل فأطاح ت بكل ابن أنثى ال نهاية المرأة ت منح الورد أجنحة حين تلم س ه وهواء ت ع ف ر ه الشه وات وي حف ن منه الف راش وي حثى النهاية المرأة تتنز ل في األشه ر القمري ة مثل كتاب مقد س وتفت ح أزرار وردت ها في المساء لكي تتنف س ليلي ي م ر بال نبيذ ك أنت أين ل يلي ي م ر بال نبيذ ك أنا طويل الليل أسه ر ألف عام كي أرى ح ل م ا أضيئي لحظت ي ن لكي أرى في أي ح ل م أنت واقتر حي لنا ليال بعيد ا في الج بال ل ن سك ر اقتر حي لنا نار ا ل ن جع ل كل زاوية ت ئن إلى الص باح وكل ظل يم حي. أنا ماء الس ماء أنا ماء السماء أحل م أن أهط ل تحت الثياب أن أضع الق طرة في الكأس كي ت فيض وت بقى النار في ج رن ها ت فور وط عم النار كالض و ء صافي ا ولذيذا. أنا ماء السماء واألرض أروي ظمأ الك م أة الدفين وأسقي ب رع مي ك الم ع ط شي ن نبيذا. أو ال أو ال : أنط ر فوق الليل ض و ء ا خافت ا ي رش ح من بين السموات كو ح ي ثاني ا: ال ت كذب الع تمة لو أرف ع ها من ط ر في النكش ف ت في الط ر ف اآلخ ر ع ي نا امرأة ت حترفان الح ل م واللذ ة مثلي ثالث ا: أحتاج شي ئ ا واحد ا أنت فقط فيصل لعيبي فك ري بج ناح ي ك فك ري بجناح ي ك يا امرأة بج ناح ين من ور ق الورد واح في وسيري على الورد كامرأة تأمر الورد أن يتفت ح حت ى ي ج ن وتأمر ه أن ي د ل ك كل مسامات ها. فك ري بج ناح ي ك يا امرأة بج ناح ي ن ح ر ي ن مكت ملي ن ي ذوبان حين ت م س هما النار واحترقي واصع دي من رماد الكالم وطيري لكي ت ر ثي حل م الورد بالطي ران وبالل ه طيري وصيري سماء لها جس د أبدي من الض و ء ي فه ق ي فه ق ي فه ق - أين الف راشة - في النار ت بحث عن نفس ها لت صير هي النار - أين الف راشة - في حل م الوردة المتباع د بين الفصول تطير ت طير ت طير إلى أن ي حر ر ها الض و ء من نفس ها. ت ستطيعين أن تأخ ذي كل شي ء ت ستطيعين أن تأخ ذي كل شي ء : سماء القصيدة والعر ق المتصب ب منها ورائحة الع ش ب المتوح ش خ ل ف الكالم وما لم ت ق ل ه القصيدة عنك وما في الهوامش من ه مه مات وص مت وب رق نوايا. ت ستطيعين أن ت قت لي كاإللهة كي ت عب دي. ت ستطيعين أن ت قت لي وت لومي الضحايا. ت ستطيعين أن ت قت لي عل ن ا وت م ر ي كأن ك لم ت قت لي. واع دت ليال في سماء ما واع دت ليال في سماء ما ذهبت ولم أجد ليال ه ناك وال مالئكة ي ح ط ون السماء على الجبال ولم أج د ن فسي وع دت كأن ني ليل إلى امرأة ق ر طت ش فاه ها ق ر ط ا وص حت بها: أضيعيني ف صاح ت بي: أض ع ني فيك وابح ث فيك عن ي وخ ذ ما شئت أن ى شئت من ي. كنت في الليل منذ الص باح كنت في الليل منذ الص باح وفت شت عنك كثير ا ألحل م كانت سماء بال هد ف تتسك ع ف و ق وكنت أقل د ها وأخب ئ نفسي وراء عيون ك. أنت حقيقي ة أم أنا المتخي ل أم نحن ظال ن أين أنا أين ص در ك أفغ م ه ألكون أنا هذه اللح ظات مالئمة للذ هاب إلى الب حر من أجل إقناع ه أن يكون لنا. شاعر من فلسطين مقيم في عمان العدد - 16 مايو/ أيار
17 قص حكاية الروح التائهة في أوروبا عدي أتايس مصطفى تاج الدين الموسى لثالث أو أربع سجائر تقريبا وأنا أرمق ببالهة وصمت من بين الدخان المتصاعد مرتابا ثيابي المعلقة بشكل عشوائي هناك على المشجب جانب باب غرفتي ال أتذكر أن ني قد علقتها ظهرا بهذا الشكل المرتب! أظن أن أحدهم يعبث بثيابي المعلقة أتكون أمي يجوز. زفرت بال مباالة ثم سمعتها تناديني من المطبخ ألشاركها طعام العشاء يئست معدتي من الحساء الفقير ألمي كل مساء شكرتها على دعوتها الكريمة بصوت عال. نهضت عن سريري ألمشي بملل حتى الكرسي ثم جلست خلف طاولتي التي تتناثر فوقها روايات كثيرة دخنت سيجارة أخرى.. حتى هذه السجائر فقدت طعمها هذا الملل يفتك بروحي منذ أشهر أكاد أختنق.. يبدو أن روحي هي الوجبة المفضلة لدى كل الملل في هذا الكون. تخرجت منذ سنتين من كلية اآلداب قسم اللغة اإلنكليزي ة ولم أعثر حتى اآلن على فرصة عمل لوال الراتب التقاعدي للمرحوم أبي لكن ا أنا وأمي قد متنا جوعا في بيتنا الكئيب هذا. أخجل دائما من أمي لو أن ني أستطيع مساعدتها في تحسين أوضاع بيتنا وحياتنا ولو قليال عل ها تفرح قليال وترتاح هذه العجوز وتنسى ألسبوع واحد أن تجر ني من أذني إلى الحمام.. كم أكره الماء لماذا ال أعرف أكرهه وفقط. مر ت سنتان في الصباح أتجو ل مستعينا بدراجتي الهوائية- في المدينة بين الشركات والمؤسسات والمدارس الخاص ة بحثا عن فرصة عمل ولو كمستخدم ال مشكلة.. وفي المساءات أتسل ى بقراءة الروايات. تذكرت.. لماذا ال أكتب رواية ثم ة فكرة جميلة تجول في عقلي منذ زمن وأعتقد أنها قد نضجت أشعر بأنها سوف تكون رواية مميزة خصوصا أن ه ال يوجد فيها ماء ولنفترض أنها قد تكون عادية على األقل أثناء كتابتها أحمي روحي من هذا التشرد في مساءات الملل والحساء الفقير. لم أتريث حتى لدقيقة التقطت قلمي وبدأت بالكتابة على دفتر متواضع.. كنت متحمسا للغاية حتى أنا شخصيا استغربت جدا من هذا الحماس الذي ال أعرف من أين جاءني. بعد ثالثة أشهر ونصف أنهيت كتابتها كل يوم وبعد قيلولة الظهر مستعينا بفناجين القهوة والسجائر أبدأ بالكتابة حتى ساعة متأخرة من الليل بينما أمي طوال هذه األسابيع كانت تراقبني عن كثب بخوف استمتعت كثيرا بكتابتها.. متعة حقيقية تمنيت لو أنها لم تنته معي رسم كلماتها على األوراق منحني سعادة ال توصف. في المساء الذي أنهيت فيه كتابتها لم أصدق بداية أامعقول أن فاشال مثلي كتب رواية! يا إلهي. سرعان ما طار عقلي من الفرح قفزت لمنتصف غرفتي وبدأت أغن ي وأرقص وأصفق بفرح مثل مجنون مخمور صحيح أن ني فشلت في العثور على عمل لكنني كتبت رواية يبدو أن ني منذور فقط لألشياء العظيمة. هذه مناسبة تاريخي ة ويجب أن نحتفل بها أين أنت يا أمي ابنك الوحيد كتب رواية يجب أن تزغردي عاليا.. أسرعت إليها في المطبخ كانت واقفة أمام الغاز تقوم بطهي هذا الحساء البائس التقطت يدها ورحت أراقصها وكأننا عاشقان في فيلم فرنسي كالسيكي أخذت عن الطاولة كأسا ساخنا لشراب غريب تعد ه أمي لنفسها من نباتات منوعة يفيدها بتحمل آالم أمراض شيخوختها رفعته إلى األعلى وأنا أصرخ أمامها: )نخبك يا أمي.. نخب الروايات الجميلة( وأخذت رشفة منه يا إلهي كم هو مر طعمه لو حت بكفي مودعا أمي وأنا أضع يدي على بطني ورجعت إلى غرفتي. خلف طاولتي بدأت بتوضيب صفحات روايتي بعناية وكأنها أنثى جميلة مفاتنها هي هذه الصفحات أداعبها بمالمسة الزوايا برقة و.. فجأة ارتطمت بتفكيري حقيقة مر ة دهست على إثرها مالمح وجهي. أنا أعرف جيدا كت اب هذه البالد التعيسة ونق ادها وصحفييها لن يكون لديهم أي وقت لالهتمام برواية لشاب مغمور مهما كانت مهمة كل اهتمامهم ينصب على الكاتبات والشاعرات الناشئات وكل ما ق ص ر ت تنو رة إحداهن ازدادت في الجرائد والمجالت عدد الدراسات النقدي ة التي تتناول أهمية إبداعاتها. تنهدت وهذا الحزن في صدري يشتهي سيجارة فأشعلت واحدة عندئذ خطرت في بالي فكرة جميلة يمكن أن تنقذ روايتي من الموت.. أتذكر أن ني قد قرأت منذ سنوات في قصة قصيرة من األدب الروسي عن مبدع يكتب روايات لكن ال أحد يكترث بها وبجنون غريب بدأ بطباعة رواياته تحت اسم أجنبي على أنها من األدب األجنبي لتلقى رواجا غير طبيعي. سأفعل مثله.. جنوني ليس بأقل من جنونه المهم أن تعيش روايتي.. نويت في سري أن أقدمها إلى إحدى دور النشر على أنها رواية مترجمة عن األدب اإلنكليزي لروائي اسمه )باتريك جيمبسون( وقد قمت أنا )عيسى زكريا( بترجمتها.. راقت لي كثيرا هذه الفكرة عندئذ ات صلت بدار معروفة للنشر لتحد د لي السكرتيرة موعدا مع مدير الدار. في ظهر اليوم التالي ارتديت ثيابي وتأب طت ظرفا كبيرا أصفر اللون فيه مخطوط الرواية ثم ركبت دراجتي الهوائي ة ألقودها عبر الشوارع إلى دار النشر. أخبرت السكرتيرة أن ني المترجم عيسى زكريا وذك رتها بموعدي مع األستاذ باسم عالء الناقد المعروف وصاحب هذه الدار. عندما دخلت مكتبه كدت أنفجر ضاحكا بدا لي من خلف مكتبه أشبه بالفقمة ابتلعت ضحكتي ثم جلست أمامه ألحدثه عن هذه الرواية التي ترجمتها بأمانة عن األدب اإلنكليزي. سألني عن اسم كاتبها فأجبته: )باتريك جيمبسون( مط شفته السفلى وهو يمسح بكفه على صلعته ثم قال مستغربا : لم يسبق لي أن سمعت باسم هذا الروائي!!.. ومثلما خط طت سابقا شرحت له بثقة المثقفين: هذا الروائي عاش في إنكلترا أواسط القرن الثامن عشر.. لكن أصوله تعود أليرلندا الشمالي ة.. وهو من أنصار الجيش الجمهوري األيرلندي لهذا.. هناك في إنكلترا يحاولون دائما تجاهل تجربته الروائي ة ألسباب قومي ة وديني ة و.. هل الجيش الجمهوري األيرلندي موجود منذ القرن الثامن عشر!.. سألني متعج با فأردفت له: موجود منذ القرن الرابع عشر.. وآنذاك كانت هناك مراسالت مشهورة بينه وبين جماعة )إخوان الصفا( في منطقتنا وهذه المراسالت محفوظة كمخطوط أثري حتى اآلن كوثيقة تاريخي ة مهمة في مكتبة الكونغرس بواشنطن تحت اسم )مراسالت إخوان الصفا(.. عبث قليال بربطة عنقه وهو يهز برأسه ليوحي لي أن ه يعرف هذه المعلومات ثم طلب مخطوط الرواية فناولته إياه. تأمل عنوانها قل ب صفحاتها قرأ هنا سطرا وهناك سطرين.. ابتسم يبدو أنها قد تنال إعجابه.. وضعها على مكتبه بين مخطوطات كثيرة أخرى وقال لي: بعد شهر نتصل بك لنخبرك إن كن ا سنطبعها أم ال.. يجب أن تط لع عليها لجنة الدار.. أتمن ى لك يوما جميال أخ عيسى.. فهمت من تمنيه لي يوما جميال أن أنصرف وقفت ألصافحه بحرارة ثم خرجت. كتبت السكرتيرة رقم هاتفي وأنا أختلس النظر إلى نهديها الممتلئين والمسجونين بقسوة خلف هذه البلوزة الضيقة جدا. عندما رجعت إلى البيت رميت دراجتي الهوائي ة خلف الباب ثم رميت جسدي على السرير زفرت بانزعاج شعرت بأن لجنة الدار لن العدد - 16 مايو/ أيار
18 قص تعجبها الرواية لهذا لن تطبعها وأيضا سوف يكتشفون أن باتريك جيمبسون ليس حقيقيا وإن ما هو من اختراعات خيالي.. ويمكن أن ي صدر الجيش الجمهوري األيرلندي بيانا يدين فيه تصريحاتي هذه بعد وقت. مر ت األيام وهذه المخاوف وحساء أم ي يعبثان بروحي ومعدتي. في اليوم السابع رن جرس الهاتف إن ه باسم عالء.. قال لي بحرارة على السماعة: مساء الخير أستاذ عيسى.. لجنة الدار وافقت على طباعة الرواية التي ترجمتها األساتذة وصفوها بأن ها من أجمل الروايات في األدب الغربي.. إذا سمحت تفض ل اآلن إلى مكتبي لنوقع العقد و.. اآلن! أعتذر صديقي لدي هذا المساء بعض المواعيد.. غدا ظهرا سوف أمر بمكتبك.. طبعا ال مواعيد عندي كذبت عليه ألشبع رغبتي بالشعور بأن ني إنسان مهم. لم أنم ليلتها إنما -على عشرات األوراق البيضاء- رحت أتدرب على التوقيع وكتابة اإلهداءات. قبل الدار بشارعين وضعت دراجتي الهوائي ة خفت أن يراها أحد من العاملين في الدار.. إن ها ال تليق بمترجم كبير مثلي قلت للسكرتيرة الجميلة وأنا أدخل مكتب باسم عالء: قهوتي دون سكر.. أعتذر على التأخر.. ظللت طويال حتى عثرت على مكان أضع فيه سيارتي أف من الشوارع الضيقة لسوق هذه المدينة. قلت لباسم عالء وأنا أجلس بنزق ألشعل سيجارة ابتلعت ضحكاتي بعد دخولي وأنا أصافح عدة رجال حول مكتب السيد عالء يبدو أن هم اللجنة االستشارية للدار.. كلهم يشبهون الفقمات إال واحدا.. يشبه بطريقا. شربت القهوة وأنا أضع ساقا على أخرى ثم وقعنا العقد ألقبض فورا مبلغا جيدا واتفقنا على نسبة األرباح. خالل أسبوعين كانت الرواية قد طبعت ووزعت على كل المكتبات مع بعض اإلعالنات عنها في المجالت والجرائد. مبيعاتها خالل شهرين جعلتنا نشهق مندهشين كانت أعلى مما خمن ا وثم ة العديد من المقاالت والدراسات كتبت عنها ونشرت في عدة مجالت وجرائد. بعد أشهر قليلة طبعت الرواية للمرة الثانية مع عقد جديد ينص على أرباح أعلى وأول كل أسبوع كان السيد باسم عالء يرسل لي المال مع سائقه الخاص. هذا المال الوفير جعلني سعيدا للغاية اشتريت ألمي كل ما تحتاجه وكل ما حلمت به واشتريت لنفسي ثيابا جديدة وأحذية وقبعات وغليونا وزينة حلوة لدراجتي الهوائي ة وصورا جميلة لعارضات أزياء ونجمات هوليوود ثم علقتها على جدران غرفتي. في أكثر من مناسبة استطعت بذكاء التهرب من صحفيين ومذيعين أرادوا إجراء مقابالت معي حول الرواية خفت أن تنكشف كذبتي بخصوص )باتريك جيمبسون( في زحمة األسئلة واألجوبة. ذات مساء ارتديت بيجامتي الفخمة الجديدة ثم جلست على األريكة أمام التلفاز ألتسل ى بتناول المكس رات وشرب العصير وتدخين الغليون بمتعة هذه المكسرات لذيذة جدا. ثم ة نشوة روحية داهمت كياني وأنا أمضغها عندئذ قررت: يجب أن أترجم رواية ثانية لباتريك جيمبسون.. صارت معدتي ترقص داخل جسدي فجأة رن جرس الهاتف وضعت السماعة بال مباالة على أذني خاطبني صوت غامض: ألو.. هل أستطيع التحد ث مع عيسى.. هذه أو ل مر ة منذ أن ط بعت الرواية يخاطبني شخص غريب بعيسى دون أستاذ قبلها! عيسى معك.. لكن ني أعتذر عن أي لقاء صحفي أو إذاعي أو تلفزيوني و من الضروري أن نقابل بعضنا عزيزي عيسى.. هذه الثقة المزعجة في صوته طردت عن لساني نكهة المكسرات قلت له بصوت جاف: ولماذا تريد أن تقابلني أنا.. أنا باتريك جيمبسون مؤل ف الرواية التي ترجمتها.. وأريد اآلن حصتي من األرباح.. شهقت غير مصدق هذه الكلمات التي ثقبت أذني ألركل عن غير قصد الطاولة صرخت به: أنت كاذب.. أنت غير حقيقي أنا اخترعتك إنها روايتي يا وغد.. أنا قادم إليك أي ها الحقير.. إن كنت رجال انتظرني أريد حصتي من األرباح غصبا عنك.. أنت مجر د مترجم.. وأغلق الخط كل جسدي كان يرتجف اللعنة على هذا المساء أامعقول أن يكون هذا الباتريك حقيقيا! مستحيل إن ه كذبة.. ثم ة شيطان صرخ داخل رأسي: )إن ه قادم إليك مع كل الجيش الجمهوري األيرلندي( انتبهت للزجاج المكسور على األرض للصحن والكأس والغليون خي ل لي أن حياتي هي التي سقطت عن الطاولة لتتحطم فوق البالط نويت أن أشعل سيجارة على نية الهدوء لكن سيجارتي وقلبي سقطا معا مني عندما بدأت خبطات لئيمة تنهمر على باب بيتنا مع صراخ حاد. أسرعت إلى النافذة ألختلس النظر منها إلى الزقاق فلمحته بصعوبة في عتمة الليل يركل الباب بعنف ويزعق: اخرج أي ها الغبي.. أين أنت يا محتال أعطني حصتي من األرباح أنا صاحب هذه الرواية وأنت مجر د مترجم.. ثم ة أضواء بدأت ت نار من داخل عدة نوافذ في الزقاق هنالك فضيحة كبيرة تقترب وهي تنوي أن تفترس بيتنا الشاحب أمام كل بيوت زقاقنا صعدت إلى السطح وأنا أتعثر برجلي قفزت عبر أسطح بيوت الجيران حتى زقاق بعيد ألركض فيه مبتعدا عن الحارة وعن هذا الكابوس من حسن حظ ي أن أمي في زيارة لبيت خالتي. التجأت إلى بيت صديقي أدهم قال لي مستغربا بعد أن فتح بابه: أهم مترجم في البلد يزور أصدقاءه ليال وهو حاف! غريب.. اللعنة على أدهم أنا لست مترجما.. اتصلت من هاتفه بالبيت قالت عدي أتايس لي أمي: أين أنت يا بني.. صديقك باتريك هنا في بيتنا.. إن ه ينتظرك ويريد أن يراك ليعطيك روايته الثاني ة حتى تترجمها إن ه لطيف جدا ومعجب بك.. يحبك كثيرا لقد أعطيته غرفتك.. حتى أنت يا أمي تظنين أن ابنك مجر د مترجم! شعرت أن الله ذاته سوف يحاسبني يوم القيامة بوصفي مترجما ال روائي ا. أخبرت ها أن ني سأسافر ألسابيع قليلة ووعدتها أن أرسل لها كل شهر ما تحتاجه من أموال ثم أغلقت الهاتف قبل أن تناقشني بأي شيء. لم أخرج من بيت أدهم خالل هذه األسابيع إال بضع مر ات خاللها أرهق روحي باتريك بمطاردته لي من شارع إلى آخر ومن زقاق إلى ثان في دمشق يا إلهي من أين طلع لي هذا الكائن صار كشبح بين الشوارع ي ع د لي الكمائن ويلحقني.. هذا الشبح حول حياتي لكابوس ال يحتمل. ذات ليلة وبعد تفكير طويل ومتعب ابتسمت بخبث وأخيرا عثرت على طريقة تخل صني من باتريك نهائيا همست في سري: )سوف أسجن باتريك في هذه البالد إلى األبد(. ليلتها شربت نبيذا للمرة األولى بعد هروبي من بيتي وأنا أتنفس الصعداء. استطعت بمساعدة خال أدهم المقيم في أوروبا الشرقي ة أن أحصل على جواز سفر مزور بإتقان خال أدهم على تواصل مع هذه العصابات الدولي ة.. كلفني هذا الجواز ماال كثيرا جواز سفر غربي على صفحته األولى صورتي الجميلة بابتسامتي الساحرة لكن ه لم يكن باسمي.. كنت قد طلبت سابقا أن يكون باسم باتريك جيمبسون فكرة جهنمي ة.. لم أشرح شيئا ألدهم كنت طوال السهرة أتأمل الجواز وأضحك بجنون.. لقد هزمته. حجزت ليلتها في طائرة ذاهبة إلى لندن صباحا ذهبت إلى المطار.. خالل الشوارع تمنيت لو أعثر على باتريك وهو يعد لي كمينا حتى أودعه بشماتة لكن ني لم أشاهده من نافذة الطائرة لوحت بكفي مو دعا البالد ومو دعا بحزن طيف أمي ومو دعا بابتسامة خبيثة طيف باتريك وأنا أتمتم بثقة: وداعا يا باتريك الحقير.. سوف تظل سجين هذه البالد إلى األبد أنت ال تستطيع أن تغادرها مر تين.. وضحكت من بين المسافرين في الطائرة وهو يلتفتون مستغربين العدد - 16 مايو/ أيار
19 قص نحوي وأنا أهذي منتشيا : لن تستطيع أن تغادرها مر تين.. لن تستطيع أن تغادرها مر تين.. في طائرة منتصف سماء ال متناهي ة قررت أن أنسى نهائي ا عيسى زكريا وبدأت أتدرب خالل هذه السماء بين الغيوم كيف أكون باتريك جيمبسون. يا إلهي كم هو رائع ضباب لندن يثير شهية الخيال يجعله عاليا ليحلق بحرية إلى عوالم أخرى. مر ت سنتان وإعجابي بضباب لندن ال ينتهي الضباب روحي. عندما وصلت إلى لندن عثرت على عمل مقبول إتقاني للغة اإلنكليزي ة ساعدني كثيرا وهكذا.. لسنتين هادئتين وأنا أغسل األطباق في هذا المطعم المتواضع ومساء أتسلى على سريري في غرفة صغيرة فوق المطعم بقراءة الروايات اإلنكليزي ة بلغتها األم وفي أيام العطل أتمشى سعيدا مع خياالتي التي ال تنتهي في ضباب لندن وكأن ني ألعب لعبة الغميضة مع شخص من اختراع خيالي وأيضا أطعم اإلوزات في الحدائق اللندني ة كأي إنكليزي عادي. مر ة رب ت السيد هنري صاحب المطعم بلطف على كتفي متأمال لمعان األطباق وهو يقول لي فرحا : أنت إنسان جيد يا باتريك.. إنكلترا فخورة بك.. لي: ذات مساء جميل لوحت معه ومع بشر كثر للملكة إليزابيث وهي تمر من أمامنا بعربة فاخرة تجرها الخيول يومها قرصني من ساعدي الجميل مايكل زميلي في غسل األطباق- غمزني بخبث وهو يقول صاحبة الجاللة نظرت إليك طويال يا باتريك.. يبدو أن ك تروق لها.. وضحكنا كأطفال صغار أن ا والسيد هنري ومايكل الجميل والفتى جاك.. الضابط مارك آخر الحراس في موكب الملكة سمعنا هو اآلخر لم يعتقل أحد من ا إن ما ابتسم بصمت. الصيف الماضي عشت قصة حب ملتهبة كانت مرهقة جدا لسريري مع الحلوة مارغريت لكن والدها اللورد تشارلز رفض فكرة الخطوبة بيننا ألن ني بحسب مزاجه الغريب- لست مثلهم من السالالت النبيلة ومالمحي تدل على أن ني من أصول أيرلندي ة وال أجيد شيئا في هذه الحياة سوى غسل األطباق. قال بغضب البنته: عزيزتي مارغريت.. أنت لست طبقا.. يا إلهي كم كان كالمه هذا مهينا لذاتي عندما وصلني هذا الكالم المؤلم جعلني سجين غرفتي أليام عديدة أفكر بأرق كيف أثبت للورد تشارلز أن ني لست بقليل كما يظن. عندئذ خطرت في بالي فكرة رائعة جعلت كل خاليا جسدي تقشعر قلت في سري: لماذا ال أطبع هنا في لندن تلك الرواي ة الجميلة التي كتبتها عندما كنت عيسى في دمشق فكرت طوال الليل ثم قررت فجرا.. سوف أعيد كتابة روايتي تلك لكن هذه المر ة باللغة اإلنكليزي ة وبما أن النقاد هنا أذكياء جدا لن أكتب على غالفها أنها من تأليفي أنا باتريك جيمبسون فيحاولون اكتشافي ثم يعرفون أن ني لست إنكليزي األصل فأجلب بهذا لنفسي المتاعب.. سأدعي أن ني مترجمها وأن هذه الرواية لروائي شاب مات منتحرا في دمشق واسمه عيسى زكريا. خالل ليالي شهرين ونصف كتبتها مجددا باللغة اإلنكليزي ة انتبه السيد هنري لتراجع درجة لمعان األطباق التي أغسلها فصار ينزعج من ي. انتهيت من كتابتها جمعت أوراقها بسعادة أخذت روحي ألعلى سماء ثم ذهبت إلى دار مشهورة بطباعة الكتب األدبي ة في وسط لندن رح ب بي اللورد جيمس صاحب الدار في مكتبه جلست أمامه وأنا أناوله األوراق.. شرحت له: لقد ترجمت هذه الرواية وهي لروائي دمشقي شاب انتحر شابا في القرن الثامن عشر و هل كان العرب يعرفون فن الرواية في القرن الثامن عشر! قاطعني اللورد جيمس مندهشا فأردفت له: نعم سيدي.. هنالك بعض التجارب المهم ة لكن ها أهملت ألسباب دينية وسياسية تخص الشرق وطبيعة عقله ومزاجه.. ال مشكلة عزيزي باتريك.. خالل شهر سوف أطلع على هذه الرواية ثم أتصل بك وأعلمك بقراري النهائي حولها. لم يستطع مزاجي تحمل المالمح الغليظة لكلب اللورد جيمس خالل كالمي كان يرمقني بشكل غريب شعرت وكأن ه يعرف أن كل كالمي كذب اكتشاف جديد: يبدو أن هذه الحيوانات وكما تعرف الزالزل قبل حدوثها تعرف أيضا األكاذيب بعد وقوعها. حظ ي جيد أن هذا الكلب الغليظ ال يجيد اإلنكليزي ة وإال كان قد فضحني عندما عانقني اللورد مودعا ومن فوق كتفه مددت لساني لهذا الكلب حتى أغيظه. مر ت أربعة أيام السيد هنري لم يعد يحتمل تراجع درجة لمعان األطباق التي أغسلها في اليوم الرابع وقبل أن يوبخني السيد هنري بدقيقة واحدة ات صل بي اللورد جيمس على هاتف المكتب في المطعم: عزيزي باتريك.. الرواية رائعة جدا قد أذهلتني فعال.. رواية عظيمة ال يمكن أن تبدعها سوى روح شابة تنوي االنتحار بعيدا عن هذا العالم.. هل من الممكن أن تأتي اآلن إلى مكتبي حتى نوقع العقد أعتذر صديقي.. اآلن ال أستطيع لدي بعض األطباق ويجب أن.. عفوا لدي بعض المواعيد نلتقي صباح الغد. تجاهلت دهشة السيد هنري أمامي على مكتبه لم أرجع إلى األطباق صعدت إلى غرفتي.. مايكل شرح له مشروع ترجمتي لرواية من الشرق. بعد أن وق عنا العقد بأسبوع صدرت الرواية ووزعت على كل المكتبات في المدن اإلنكليزي ة المرابيح كانت خيالي ة والرواية حققت نسبة مبيعات عالية لتتصدر قائمة الروايات األكثر مبيعا ضمن قوائم خاصة بالفن الروائي سرعان ما صدرت طبعة ثانية وثالثة لها خالل أشهر قليلة وصارت توزع أيضا في البلدان الناطقة باإلنكليزي ة. أحد المخرجين السينمائيين المهمين من ويلز ات صل بي وحدثني حول رغبته لتحويل هذه الرواية إلى فيلم سينمائي عالمي. الصحفيون هنا مزعجون للغاية رغم هذا كنت بارعا في التهرب منهم أسئلتهم الذكية مخيفة قد تفضح إجاباتي كذبتي. أهديت السيد هنري نسخة من الرواية وأنا أعانقه بحرارة كان بمثابة أب حقيقي لي ألكثر من سنتين مايكل بكى وهو يودعني.. قال من بين دموعه: أطباقنا البيضاء سوف تشتاق ليديك كثيرا يا صاحبي باتريك.. تركت العمل في المطعم ألسكن في شقة جميلة استأجرتها في ضاحية فخمة من الضواحي الراقي ة شمال لندن.. شرفتها تطل على ضباب ساحر الضباب روحي التي أعشقها ثم اشتريت سيارة حديثة كنت أتمنى لو أن لدي مدير أعمال ليرد هو على اتصال مارغريت اضطررت ألن أرد أنا على مكالمتها.. طلبت من ي بإلحاح أن نرجع لبعضنا أكيد أن أخبار الشهرة لحبيبها السابق قد وصلتها اعتذرت منها ورفضت حتى طلبها أن أزورها وقبل أن أنهي المكالمة وعدتها أن ني سأزورها يوما ما ألعزيها بموت والدها اللورد تشارلز. ذات مساء جميل أشعلت سيجارا كوبيا فاخرا بعد أن تناولت طبق معكرونة شهيا ألعب منه وأنا أشرب من هذا النبيذ الباريسي وأتابع على شاشة التلفاز تقريرا مصورا في القناة اإلنكليزي ة األولى عن ي وعن الرواي ة التي ترجمتها ثم ة صور لي التقطها خلسة الصحفيون المشاغبون وأنا أمشي في الشوارع أو أتجول في المتاجر وواحدة وأنا على شرفة بيتي ثم حوار سريع مع اللورد جيمس ومداخلة مقتضبة للسيد هنري بوصفه صديقي أعجبتني مداخلته ألنه لم يذكر فيها سيرة األطباق. رشفت من النبيذ مع نفس عميق من هذا السيجار همست بزهو لنفسي منتشيا وأنا أغوص في هذه األريكة: يجب أن أترجم رواية ثاني ة لعيسى زكريا.. رن جرس الهاتف اللعنة على الصحفيين المشاغبين.. أنا اآلن بحالة نشوة روحي ة يا أغبياء أخذت السماعة إلى أذني: مرحبا.. هل األخ باتريك موجود.. نعم.. باترك معك.. كيفك أبا البواتريك.. أنا عيسى زكريا مؤل ف الرواية التي ترجمتها أريد حصتي من األرباح حاال وأيضا أم ي تسلم عليك يا أحلى أزعر.. قفزت بخوف هز كل كياني عن األريكة لتسقط زجاجة النبيذ والكأس والسيجار على األرض. ال يوجد أحد اسمه عيسى زكريا.. إن ه كذبة من أكاذيبي أي ها المحتال.. أنت الكاذب.. انتظرني أنا قادم إليك يا باتريك الحقير.. وأقفل الخط هذا الخوف العظيم صرخ عاليا داخل قلبي: عيسى قادم. ارتديت ثيابي على عجل وخرجت دون ربطة عنق وأن ا أتعثر برجلي ألركب في سيارتي. في مرآتها األمامي ة العلوي ة لمحت شابا قادما من بعيد على دراجة هوائي ة وثم ة عصا غليظة يلو ح بها مهددا بصراخ عال نصفه شتائم ال ثياب فيها وقبل أن يصل إلى سيارتي شغلتها وهربت مبتعدا عن ه. كان يجب أن أدهسه فأقتله تحت العجالت ألخلص منه نهائيا خفت من تهمة قتل مواطن أجنبي يمكن أن أظل بسببها خلف القضبان عشرين عاما. مضت ليال موحشة وأنا أعيش هاربا متنقال بين فنادق لندن وكل غرفة أحجزها بمجرد أن أدخلها يأتيني اتصال من عيسى فيه ألف شتيمة بذيئة وتهديد بالقتل وكيفما قدت سيارتي يطلع لي من شارع فرعي على دراجته التافهة وهو يلوح لي بعصاه.. ليال كلها كوابيس بال نوم أقود سيارتي ويقودن ي الخوف.. كوابيس مرعبة فيها ألف عيسى وعيسى يهوون على رأسي بعصي هم الغليظة ألنزف أنهارا من الخوف. في هذه الليالي التعيسة كبرت ألف عام كنت أموت ببطء.. ما عادت روحي قادرة على تحم ل هذه الكوابيس التي تكفي كل البشر من دمشق حتى لندن. يا إلهي ساعدني.. أتوسل إليك أنقذني من هذه الورطة الفظيعة التي تورطت بها أنا ابنك البار باتريك الوفي ألجل كل غيومك وسمائك ارحمني من هذا العذاب وخلصني من هذه الفضيحة السوداء التي تهم بافتراسي. البشر المتناثرون في شوارع التيه اللندني لروحي مالت أعناقهم حزنا ألجل مالمحي التي تحتضر ببطء دون ربطة عنق كنت أهيم على وجهي كل ليلة بين حانات لندن. لم يستجب الله لدعائي بين الغرف الشاحبة لهذه الفنادق صار الخمر هو إلهي. هذه الليلة شربت كثيرا بينما تعاسة مؤلمة تشربني وكأن ني نبيذها المفضل كنت مخمورا للغاية عندما همس لي النادل بأن شخصا اسمه عيسى زكريا يريدني على الهاتف ألمر ضروري. لم أهرب هذه المر ة شيء ما داخلي استسلم نهائيا. ساعدني النادل اللطيف ألصل إلى سماعة الهاتف وأنا أترنح لو أن ني ظللت أغسل األطباق. قال لي عيسى بثقة عبر سماعة الهاتف: ال يوجد لديك شخصي ة ثالثة لتهرب إليها.. ال مفر أمامك يا باتريك أنصحك أن تقابلني لنتفاوض ونحصل معا على تسوية عادلة.. ما رأيك.. تعبي وتعاستي وحزني قالوا له معا : موافق.. أين ومتى تريدنا أن نلتقي يا عيسى بعد ثالث ساعات.. عند منتصف الليل تحت جسر لندن.. ال تجلب سالحا.. حتى ولو جلبت مسدسا عصاي ستقتلك.. وقهقه بوحشي ة النادل اللطيف ذاته ساعدني ألصل إلى غرفتي في الطابق الثاني كان يتأمل مالمح وجهي لم يقل شيئا كان في عينيه رثاء صامت لروحي. شعرت وكأن ه يود عني كل األشياء كانت تدور في رأسي كعواصف عاتية وروحي تتأرجح كبندول ساعة قديمة بين آالم رهيبة. رميت بجسدي على السرير لم أعرف المدة التي نمتها.. شعوري بالزمن تالشى كليا. لم يكن نوما كامال كنت أغرق خالله في جحيم من العذابات ثم ة مخالب لكائن غريب افترست فجأة روحي. استيقظت فاختفت في اللحظة ذاتها كل آالمي تأملت الغرفة حولي.. العدد - 16 مايو/ أيار
20 قص إن ها صامتة جدا حتى أثاثها بات بغير ألوان. ثم ة سكون رهيب يلف المكان. انتبهت لعقارب الساعة إن ها تشير لمنتصف الليل تذكرت الموعد.. خرجت مسرعا وعندما أعطيت مفتاح غرفتي لموظف االستقبال لم ينتبه لي يبدو أن ه مخمور. حاولت أن أقود سيارتي ثم ة عطل غريب أصابها.. هي األخرى أظن أن ها مخمورة لو حت بساعدي لسائقي سيارات األجرة وال واحد منهم توقف.. أكيد أن هم جميعا مخمورون بدا لي الكون منتصف هذه الليلة كل ه مخمورا. ال حل أمامي سوى أن أمشي حتى جسر لندن رغم ازدحام الشوارع بالناس والسيارات لكن ني لم أكن أسمع أي شيء. مشيت بهدوء.. بال خوف دون سيارة أو حتى دراجة هوائي ة. وصلت الجسر متأخرا عن موعدنا بنصف ساعة نزلت أسفله بهدوئي الذي استغربته كثيرا. تحت الجسر ورغم الضباب لمحت عن كثب شبحين بجانب ضفة النهر انحنيت ألختبئ بين الشجيرات وأنا أراقبهما وأقترب منهما خلسة. شهقت شهقة عظيمة أمامي كان عيسى وباتريك واقفين وجها لوجه. لم أصدق في الثاني ة األولى أمعنت نظري فيهما.. إنهما بكل مالمحي عيسى وباتريك أنا أعرفهما جيدا.. أكثر من أي كائن آخر لطالما تأملتهما في المرايا الدمشقي ة واللندني ة. يا إلهي كم يشبهان بعضهما يصعب للوهلة األولى التمييز بينما. فجأة عال صوتهما وأطرافهما تتشنج وثم ة غضب مكبوت يستبيح مالمحهما على حين غرة بدآ بتوجيه اللكمات القوي ة والركالت القاسي ة لبعضهما كطفلين بتربية سيئة انخرطا في مشاجرة رهيبة ال لغة فيها سوى لغة الشتائم بعد دقائق قليلة كانت مالمح وجهيهما قد ضاعت تحت دماء غزيرة. في زحمة صراعهما الوحشي والدامي صرخ عيسى: هذه الرواية لي.. أنا من أبدعها أنت مجرد مترجم أي ها الحقير.. رماه باتريك أرضا وهو يبصق عليه ثم رد بغضب : إن ها روايتي.. واحد حقير مثلك هو المترجم أي ها الوغد.. كان باتريك أقوى قليال من عيسى انتبهت لهذا.. لكن عيسى أيضا لم يكن قليال.. يا إلهي.. سيقتالن بعضهما يجب أن أساعدهما وأن هي هذه المشاجرة الدامي ة حاولت لكن ني فشلت وكأن ني تمثال. سقطا فوق بعضهما ليتدحرجا مع دمائهما جانب ضفة النهر ازداد صراعهما وحشية.. لم ينتبها لي أبدا وأنا أراقبهما عن قرب بحيادي ة وببالهة. أيضا لم ينتبها للماء وهو يجر هما بهدوء حتى منتصف النهر وكأنهما قاربان اصطدما ببعضهما بسبب الضباب. ركضت بلهفة إلى الضفة وأنا أصرخ بهما حاولت أن أخلصهما من بعضهما وأنهي صراعهما القاسي لكنني لألسف ال أجيد السباحة.. أخاف من الماء لدي عقد نفسي ة قديمة منه عمرها قرون كل األشياء في هذا الكون تحب ني وأحب ها إال الماء.. ال نحب بعضنا. عندما انتبها إلى أنهما صارا في منتصف النهر نسيا صراعهما الدامي وصارا يخبطان الماء ويصرخان كطفلين تائهين. ماء النهر غسل دماءهما عن وجهيهما وبدأ يبتلعهما كوحش جائع غير مكترث لصراخهما.. جدتي قالت لي ذات حكاية: )ليس لألنهار لغة.. إن ها ال تجيد اللغات التي اخترعها البشر( تذكرت حكاية جدتي لكن لم أتذكر أين حكتها لي.. في دمشق أم في لندن اآلن فقط وهما يغرقان انتبها لي وبرعب ورغبة غرائزي ة للبقاء مد ا ساعديهما إلي. ترج اني عيسى بخوف: أرجوك يا سيدي أنقذني.. أنا أنت.. توسل لي باتريك بهلع: يا سيدي أتوسل لك أنقذني ليس هو أنت أنا.. تمنيت بحسرة أن أنقذهما على األقل أن أنقذ أحدهما.. لألسف أنا ال أجيد السباحة في الماء يبدو أن ني منذ منتصف هذه الليلة لن أجيد أي شيء سوى المراقبة. بكيت بمرارة وأنا أسقط ألجثو جانب الضفة كراهب هزمه اإليمان باآلخرين كان صراعهما مع الماء فظيعا.. وكأن صراعهما مع الماء هو صراع كل الكون مع هذا النهر خالل الضباب سرعان ما هزمهما. لوحت لهما بين دمعتين موحشتين وأنا أستسلم بهدوء لمشيئة موتهما: وداعا عيسى.. وداعا باتريك.. كنت سعيدا يوم ارتديتك أنت وكنت سعيدا أيضا يوم ارتديتك أنت أيضا.. ودعتهما وهما يختفيان تحت الماء ودعت خالل غرقهما كل شيء في كانت هذه أو ل مر ة أبكي فيها وأيضا المر ة األخيرة غرقا معا لتستقر جثتاهما بعد أن تشابكت أصابعها في قاع نهر لندن معدة النهر متخمة اآلن بجثتين أنيقتين. لم يتبق شيء من ي سوى دراجة هوائي ة في دمشق وسيارة حديثة في لندن.. ليحط عليهما منذ الليلة الغبار العابر للقارات وأيضا.. رواية لها كاتبان ومترجمان في بلدين مختلفين. ومر علي زمن طويل لم يكن لدي خالله أي وسيلة لقياسه وأنا أتجول في فضاء كوني من الصمت والسكون كروح تائهة بال بشري يستر وحشتها بال هدف كروح ال ترى.. تعبر المدن األوروبي ة مع نسائم الهواء. أحيانا كنت أشتم عيسى وأحيانا أخرى كنت أشتم باتريك وأتسل ى بكآبة دائمة أثناء ال زمني هذا في محطات القطارات ومكاتب الشركات في المقاهي والحانات والمطاعم في المدارس والبيوت.. أتسلى بال مباالة بأن أقترب من المشاجب وأتأمل بسخرية ما قد عل ق البشر عليها من ثيابهم أللهو وأنا أعبث بها متحسرا خالل ضياعي الالنهائي هذا.. متحاشيا كأي الشيء عدم االقتراب من الماء. كاتب من سوريا مقيم في الريحانية-تركيا العقالنية طريقة حياة حميد زناز أصوات يمكن أن يقول المرء في العقالنية ما يشاء ويبدع من المفاهيم ما لذ وطاب ويبحر في محيطات الكتب ويذكر من أسماء األعالم ما قرأ وما لم يقرأ. كما يمكن أن يتفلسف ويختار عقالنية ما لبلده أو للوطن العربي برم ته ويمكن حتى إقناعنا لفظيا بأن هناك عقالنيات متعد دة ال عقالنية واحدة. هل ذاك ينفع الناس ويؤس س لشيء ما هل يقطع ولكن التنظير وكثرة الكالم مع الالعقالنية التي تنخر حياة الناس وتعط ل حياتهم وتقف حجر عثرة أمام دخولهم في العصر ولئن وجدنا تمجيدا نظريا معي نا للعقالنية في الوطن العربي فإننا ال نجد لذلك ترجمة سلوكية على أرض الواقع. فهل تكفي دروس في العقالنية ما لم تعز ز بسلوك عقالني حاسم ما هو أخطر هو محاولة عقلنة الالمعقول إذ كثيرا ما يعك ر ذلك صفو العقل ويحو ل اإلنسان إلى كائن مستلب ممز ق تتنازع في داخله العلوم العقلية التي تلقى منهجيا والعقائد التي ورثها من اآلباء تلقائيا. فال هو يعيش وفقا للموروث كليا وال هو تبن ى منطق الحداثة العقالنية. وهكذا يبقى الفرد المسلم في منزلة بين منزلتين إذ لم يحسم الصراع بين العقل والنقل بل ال يريد أن يحسمه أصال مستنجدا بابن رشد الفيلسوف. ألم يوف ق جد ه أبو الوليد بينهما ولكن ينسى المسلم األخير أن هذه المحاولة اليائسة هي التي حرمت العرب من الخروج من أسر األيديولوجية اإلسالمية وأغلقت باب الحداثة في وجوههم. فمحنة العقالنية العربية جاءت من ذلك الوهم القائل بإمكانية الجمع بين العقالنية والالعقالنية. ما موقف اإلنسان البسيط حينما يرى مهندسين وأطباء وأساتذة فلسفة يرتادون المساجد ويسب حون ويحمدلون ويقب لون حجرا أسود هل يقدم المتعل م العربي المثال الذي يحتذى به كيف ال يتشب ث البسطاء من الناس بالغيب حينما يرون النخبة تؤمن بالدعاء وترفع األيدي متضر عة للسماء بتعبير شوبنهاور أليسوا كهؤالء العمالقة الذين ينتعلون أحذية أقزام ألم يحن الوقت لالعتراف أن العقالنية لم تكن سوى شطحات عابرة في الفكر اإلسالمي قديمه وحديثه وأن الالعقالنية هي جوهره ومنهجه ومبتغاه ستصبح الدعوة للعقالنية مجر د ثرثرة إن لم تقرن بتصر فات يومية ملموسة تعطي مع الوقت تراكما عقالنيا قد ينتج وثبة نوعية يمكن أن تغي ر ذهنية الفرد والمجتمع بشكل عام. العقالنية هي ما بعد الالهوت هي أو ال وقبل كل شيء تحر ر من قبضة الفقه وهيمنة التقليد وسلطة المقد س. تكمن معضلة العقالنية العربية في المعادلة المفقودة التالية: ال يعيش العقالنيون كما يفك رون. فكأنهم يفرضون على أنفسهم العيش في سري ة أبدية وكان األحرى بهم أن يعيشوا كما يفك رون ولو فعلوا لكانوا قد خرجوا من حالة الفصام المزمنة ودخلوا مملكة العقالنية ولكانوا جر وا معهم الكثير من مواطنيهم. هل يبقى عقالنيا من يمارس همجية الختان على ابنه إرضاء لوالديه ومحيطه وهو يعرف أنها عادة بدائية مشينة وهل من العقالنية في شيء أن تصب أغلبية حاملي األقالم جام نقدها على ختان البنات بينما ال تنبس ضد ختان األوالد ببنت شفة هل هي أنتلجنسيا تلك النخبة المتمس كة تمس كا مرضيا بتقاليد ونصوص فاق عمرها ال 15 قرنا ما عالقة العقالنية بتلك الزوائد الدودية في خطاب القوم المتعقلنين: إن شاء الله بقدرة الله بنصر الله باسم الله.. هل هو عقالني بيطري يشرف على ذبح بربري للحيوانات هل هو عقالني من يقبل أن تذبح دون تخدير وال يتأث ر بألمها والخنجر يسري في أعناقها وهي حي ة تتعذ ب بدعوى أن اإلسالم يأمر بذلك وربما نفس الشخص يتحفك بخطبة عصماء حول دين الرحمة والعقل! هل يمت إلى العقالنية بصلة ذلك االمتناع الذي ال مبر ر له عن األكل والشرب نهارا مد ة شهر كامل وهل يبقى طبيبا من ال يجد في ذلك ضررا وال يرى في ذلك العنف الممارس على الجسد والنفس ابتعادا عن العلم والعقل هل من العقل أن تفرض جماعة دينية حدادا على أفرادها كل عام وتمارس الجلد الذاتي العنيف دون أدنى اعتبار لبراءة األطفال الذين يشاهدون كيف يمكن الجمع بين عقالنية متبج ح بها ومعتقدات مستحيلة رياضيا ومقززة أخالقيا مثلها مثل الحرية والديمقراطية للعقالنية ثمن أيضا.. إذ من الواضح أنه من األريح لإلنسان أن يكون ال عقالنيا في البلدان العربية الحالية بل من األسهل أن يكون حتى أصوليا متزمتا. وحده العقالني يقاوم أفقيا وعموديا. يتصارع مع السلطة القائمة والثقافة الالعقالنية السائدة وأسسها الرمزية ومرجعي اتها المقدسة. وعليه أن يدفع الثمن. وربما ذلك هو الطريق الوحيد الكفيل ببناء أمن عقالني عربي يخرجنا من عصر إبطال الفلسفة وفساد منتحليها. كاتب من الجزائر مقيم في باريس العدد - 16 مايو/ أيار
21 حوار شوقي بغدادي جمهورية الخوف ما لم يفعله تيمورلنك القدر رجل عابس في بال الكثيرين هو كذلك حتى في خيال أسعد الناس إال أنه يبتسم ساعات ويمنحنا امتيازات تحفر في روحنا عميقا لسنين طويلة وتترك الفرح يمضي هناك نهر ال يعرف النضوب طريقه معرفتي بالشاعر )لن أضيف ألفاظا من قبيل عظيم كبير رائع وما إلى ذلك فلفظ شاعر مكتمل وحده دون إضافات( شوقي بغدادي كانت ابتسامة عريضة من القدر كيف ال وهو رجل من الزمن الجميل تعبق مسماته برائحة الشعر يعيشه مع تفاصيل يومه كيف ال وقد قضيت معه أوقات طويلة وسمعت منه قصصا كثيرة عن شعره الذي صنع حياته وعن حياته التي كتبت شعره هنا قليل من كثير الشاعر صور منج مة ما بين بداياته وشبابه وبين أيام الشيخوخة التي يقضيها في الحرب متربعا وسط هذه الكلمة ويحاول تحطيم حروفها بقصائده ال شيء يخيفه سأقول ما أريد وليفعلوا ما يفعلون. قال ذلك وهو يحد ثني عن طباعة ديوانه الجديد جمهورية الخوف. هنا مرآة صغيرة تعكس جانبا من تجربة الشاعر شوقي بغدادي سترون وجوهكم فيها. الجديد: قصائدك األخيرة التي ستصدر في ديوان تحت عنوان جمهورية الخوف تتمحور حول الوطن وما يحدث فيه هل تعتبر الكتابة خارج هذا اإلطار خيانة كما يرى كثر أم أن عين الشاعر لم تعد تبصر إال ذاك بغدادي: دعونا من لفظ الخيانة في هذا السؤال مهما نظم الشاعر فهو حر في اختيار موضوعه وهو غير مطالب إال بأن تكون قصيدته الجديدة جميلة بحق. ولكن ماذا يصنع الشاعر حين يجد بلده يحترق بأكمله كما يحدث اآلن لوطن كان ي سم ى سوريا وقد بدأت تتفتت إلى كانتونات ال بد لهذا الشاعر -إذا كان شاعرا بحق ال مجر د نظ ام كلمات- من أن يصرخ أو يتأوه متوجعا أو يخرس إذا ما ضي قوا عليه الخناق. هذا ما رأيت نفسي غارقا فيه ليس سوى الخوف ما يحكم حياتنا اآلن من أي مصير يهدد البلد وما من مصير كما يبدو إال حكم االستبداد أو الحرب األهلية. عن أي موضوع إذن أجد نفسي مدفوعا للتعبير عنه شعرا أو نثرا خذوا مثال على ذلك عشقنا للطبيعة الجميلة أو المرأة الحلوة ثم ة مثال شجرة توت ضخمة كانت تغط ي ذات يوم جانبا من حديقة ألحد األصدقاء في حي»القصاع«من الجانب القريب من حي جوبر هذه الشجرة الرائعة التي طالما أكلنا أطيب التوت من أغصانها القريبة من أيدينا أو من صحاف الضيافة وجدتها في زيارة نادرة إلى المنطقة قد قصفت جذعها القنابل واختفى الورق األخضر والثمر العسلي األسمر هل أكتب عن الشجرة أم عن البيت الذي تهد م نصفه وتلك الفتاة التي سحرتني بجمالها وكتاباتها هل أتغزل بها أم أرثي أخاها الذي مات في المعتقل هذه هي مشكلتنا اآلن نحن الشعراء يجب أن نموت كما تموت بالدنا وإن ال فمن نحن في جمهورية الخوف هذه! الشعراء يرحلون رفاق الشعر يرحلون واحدا تلو اآلخر هل تود عهم كأصدقاء أم تود ع زمانا للشعر لن يعود بغدادي: ليسوا كل هم أصدقاء بالتأكيد وهل بقي أصدقاء بحق في هذا الزمن الوحشي الحق الحق أن زمان الشعر ول ى ولن تبقى منه سوى الذكريات المدرسية. نزلت بي هذه الصفعة الفكرية منذ سنين منذ بدأ ديوان العرب يغدو ملعبا للمهارات المجازي ة واللعب اللغوي والهذر الصحفي. حدث هذا منذ سنين وعلى األخص حين فاجأني أحد أصحاب دور النشر الفرنسية في حوار بيننا منذ أكثر من ربع قرن -كما أذكر- بقوله حول حالة الشعر في بالده: لم تعد دور النشر الفرنسية تنشر الشعر وإذا فعلت فهي تنشر أشعار فيكتور هوغو والمارتين وألفرد ده موسيه وأمثالهم كل عام بآالف النسخ إنما الشعر الجديد فال تغامر بإصداره إال نادرا ويكاد ال يصدر في العام الواحد أكثر من ثالث مجموعات شعرية لشعراء ج دد يجب أن يكر سوا جدارتهم من قبل في المجالت رفيعة المستوى وبعدد محدود ال يتجاوز األلفي نسخة أو الثالثة وال تباع كلها إال بعد جهد جاهد. العدد - 16 مايو/ أيار
22 حوار متى حدث ذلك ولماذا حدث الحكاية مريرة وطويلة معق دة موجعة أحاول اختصارها بقولي إنه كان للشعر زمان حين كان البشر مسكونين بالشعر في أي مكان وزمان سواء أنظروا إلى للسماء أم إلى األرض إلى النجوم أم إلى العشب الطازج أو لعابري السبيل زمن لم يكن فن أهم من الشعر والموسيقى في فتح النوافذ المغلقة على الروح والجمال. ال أريد أن أتشاءم كثيرا أريد أن أتناول كإنسان أوال وكشاعر ثانيا. وتصديقا لمن رحل من أصدقاء الشعر أن الحضارة الحديثة بما اخترعته من أجهزة للتواصل والتسلية قد خلقت مناخا لفنون مستحدثة أكثر جاذبية من اإلبداعات اللغوية وقد يظفر الشعر ببعض الفسحات الروحية فيجد البشر وسيلة لالحتفاظ به كما يصنعون اآلن في نضالهم إلنقاذ الكوكب الذي نعيش عليه من ويالت التصحر وارتفاع درجات الحرارة وبالتالي في ابتكار حضارة عادلة ال تتعارض مع الشعر والبيئة الشعرية. كوفية الشاعر أخبرتني مر ة أنك تحتفظ بكوفي ة أهداك إياها سميح القاسم رحمه الله ما تعني لك وهل من ذكريات تحمل قصصا مع بعض الراحلين الذين كانوا يعتبرون من أصدقائك السي اب القاسم سليمان العيسى بغدادي: احتفظت فعال طويال بهذه الكوفي ة إلى أن زار سميح القاسم -رحمه الله- دمشق وفاجأنا بقصيدة مديح س ب ق بها المتنبي -رحمه الله- في مدحه لكافور فتخل يت عن الكوفي ة وظل ت ذكراي عن القاسم بالرغم من حب ي الشخصي لسميح كشاعر وصاحب تاريخ وطني نظيف ظل ت مصابة بسوأة ال تليق بسمعته. أما السي اب فلم ي تح لي أن أتعرف عليه شخصيا ولهذا ظل حب ي له ولشعره خاليا من المتاعب. أما سليمان العيسى فقد كنا دائما زميلين متقاربين غير أن زوجته الدكتورة ملك أبيض -مد الله في عمرها- رفضت مشاركتي في تأبين زوجها بعد أن أخبروني بوساطة الدكتور محمود السي د هذا الصديق العزيز الذي ال أنساه أبدا أن اللجنة موافقة على اشتراكي والظاهر أن هناك سوء تفاهم حصل بين اللجنة المكل فة بتنظيم احتفال التأبين والدكتور السي د وهكذا أفسدت الزوجة -الوفي ة لزوجها- نوعا ما عالقة صافية لي بالمرحوم الذي كان شاعر القومية العربية واألطفال العرب طوال حياته. وظل ما كتبت في رثائه حاضرا أذكر منه: كنت أسرجت للر حيل حصاني/ من ز م ان ف م ا الذ ي أب ق اني! الث مان ون جزتها وزهير /بات خل ف ي فمن رآه رآني أألن الع ن ف اس تح ال اعتيادا /في ج ن ون األ خ ب ار والح ر م ان أم ألن الك ر ه اس ت وى ف و ق ع رش /من ر م اد و ل ظى ود خ ان أم ألن الر ؤ ي ا س و ى م ا ن ر اه / والز م ان الج د يد غ ي ر ز م ان ي ق ط ر ة الح ب م ا ت ز ال ت ر د ال /ق ي ظ ع ن ه ا ب م س ح ة م ن ح ن ان غ ي ر أ ن الر م ال ت ط غ ى ع ل ى الو ا/ ح ات ح ت ى ال ب ئ ر ف ي الب س ت ان أ ج فاف الر م ال ه ذ ا أ م اإل ن / س ان و ح ش ف ي س ح ن ة اإل ن س ان ف ه ن يئا ل م ن م ض ى ي ا أ ب ا م ع / ن و أ ن ت السب اق ف ي األ ح ز ان ك ن ت ن س را ح ين ان ق ض ض ت ع ل ى الب ا/غ ي ف ز ع ز ع ت د و ر ة الط غ ي ان ص ر ت ط ف ال ح ين الك ب ار ت وار و ا/ خ ل ف ز ي ف الض ج يج و الم ه ر ج ان. وراء دمشق من بين ما قرأت من دواوينك كان البحث عن دمشق أكثرها ألما هل كنت تتوقع ما سيحدث هنا وأنت اليساري الذي زار سجون دمشق وهل ما زلت تبحث عن دمشق حتى اليوم بغدادي: ال لم أكن أتوقع إطالقا ما حدث ويحدث لدمشق وأنا اليساري دوما الذي زرت أفخم سجون دمشق وما أكثرها وأفخمها! أما بخصوص بحثي عن دمشق فالظاهر أنني يجب أن أكف عن هذا البحث إذ لم يبق من دمشق إال الجامع األموي والقصر الرئاسي الرابض فوق هضبة تطل على دمشق منذ خمسين عاما وإلى األبد! تلك الرحلة هل أكتب عن الشجرة أم عن البيت الذي تهد م نصفه وتلك الفتاة التي سحرتني بجمالها وكتاباتها هل أتغزل بها أم أرثي أخاها الذي مات في المعتقل جلت أوربا في الستينات بسيارتك ماذا أكسبتك شعري ا وإنسانيا هل تعتبر الحياة التي عشتها أطول من تلك الرحلة بغدادي: حياتي أطول من تلك الرحلة بالتأكيد ليس زمني ا فحسب بل غنى في الشكل والمضمون وتحتاج إلى مجل دات من الطرائف والتجارب قد أعترف بها ذات يوم في مذكرات ما أزال أتردد في كتابتها ولكن دعونا من هذا الحديث اآلن.. لنتحدث عن تلك الرحلة فقط يا لها من رحلة! لكم أكسبتني شعري ا وإنسانيا! أكسبتني مثال قصيدة من أعمق ما نظمت في حياتي وهذه هي بأكملها تحت عنوانها الهروب من اللعنة : )كل األقبي ة المخفي ة/ وجميع الغرف السري ة/ كل األغوار الحجرية/ وجميع الحفر المنسي ة/ كل األكواخ المرمي ة/ في اقصى أقصى البري ة/ هذي األشياء الصغرى المألى حيوي ة/ قد رف بها عصفور القلب كما في القصص السحري ة/ واجتاز األعتاب البو اب/ وانكشفت أسرار األبواب/ وتحو ل عشق العذريين/ إلى الرغبات الجسدي ة/ فامتص وا بالفم والكفين/جميع المتع الروحي ة ( هل أتابع إنشاد هذه القصيدة ال بأس سأتابع: )ماذا في المائدة الكبرى إن ي متخوم/ ماذا خلف المدن األخرى ع قدي منظوم/ تتالحق باستمرار فيه شموس ونجوم/ لكن ي اآلن أحس بأن الجوع عاد معي/ وبأني لم آكل إال ألجوع / واآلن أحاول أن أنكر حرمان المحروم/ فأفتش كالمحموم/ أتخي ل أن الشعر اجتاز معي األبعاد/ لم يوغل إال كي يرجع أحفل/ ينثر من جعبته األطيب واألفضل/ لكني اآلن أرى األشياء بشكل آخر/ أسوأ أم أفضل/ ال أدري فالدنيا ليست كالشعر/ والدنيا ال يمكن أن يدركها اإلنسان/ لكنا نجهد أن نرسم باأللوان/ نهرا أو جبال أو بعض األغصان/ ونرى من بعد بأن المنظر كان/ ال يشبه ذاك الماء/ وال تلك األحجار/ وال ذاك البستان/ فلماذا نجهد أن نعرف أكثر/ ما دام المنظر ال يمكن أن يتكر ر/ سأمر غدا بالوجه المظلم للقمر/ ولكأني مطرود في الكون/ وملعون أتهرب من قدري ( هذه هي القصيدة انتهت كال لن تنتهي فأنا أالحظ حتى اليوم أن هذه القصيدة كانت نموذجا للشعر-كما يجب أن يكون- استيحاء من الواقع الحي واالرتفاع به إلى مستوى كوني سوف يتكرر فيما بعد بأشكال متنو عة لتجربتي الشعرية ماذا نأخذ من الواقع وماذا نأخذ من الخيال وكيف نمزج هذه الصياغة بوساطة اللغة في هذه القصيدة توجد كل البحيرات الساحرة التي توق فت على شاطئها مع رح الة آخرين وكل الغابات وكل القرى وكل القرويات بثيابهن الملو نة الفضفاضة وضيافتهن الكريمة كل األمسيات الحافلة بالرقص والحب والشراب مع أناس ال أعرفهم وال يعرفونني ولكننا نغدو كالعشاق في صعود هذا اللقاء إلى مناخ احتفالي أكاد أقول سماوي على الطريق مثال استوقفتني وأنا مندفع بسيارتي الفولسفاكن بإشارة السماح للسو اح على طريقة stop( )auto فال أبالي بهم أو أتوقف أحيانا إذا أعجبتني وجوههم وأراحتني كالفتاتين اللتين من إيرلندا الشمالية حين حملتهما معي إلى حدود اليونان في حين كنت راغبا في زيارة بلغاريا على هذا الطريق توقفنا في أكثر من قرية أنا والفتاتان وقضينا الليل في تلك القرى بعد سهرة عامرة وكيف في إحدى الليالي زحفت مع إحداهما -وكانت األطول واألجمل- إلى غابة قريبة حيث ما أروع وأفظع الفارق بين مشاعر من يرى القصف الوحشي على الشاشة الصغيرة ومن تثقب قلبه وأذنيه االنفجارات والدوس الذي يصاحبها والخوف الذي يكتسح تمتعنا بسهرة خارقة ذك رتني تفاصيلها بمشهد غرامي لل قاء الجسدي على العشب في رواية عشيق الليدي تشاترلي للكاتب البريطاني ديفيد لورانس حين تعر ى العاشقان وراح الرجل يجمع األزهار حول جسد عشيقته العارية قبل أن يلتحم بها. وفي بلغاريا حيث هربت معي بالسيارة فتاة بلغارية من صاحبها الذي تشاجرت معه وكيف أرجعتها إليه في اليوم التالي إلى الفندق الذي كنا فيه أمس. ماذا أروي عن تلك الرحلة وعن أنظمة السير مثال في البلدان التي مررت بها وعن أنظمة الحكم ورجال الشرطة وعن الكنائس والكاتدرائيات التي تعشق أبراج ها صعودا إلى السماء كمن يريد أن يقترب دون جدوى من الله وعن الصلوات في بعض المساجد وعن عالم آخر غير عالمنا المتخل ف يا لها من رحلة! لم تغادر دمشق كما فعل كثيرون وال هي غادرتك. فماذا منحك بقاؤك هنا كإنسان وكشاعر بغدادي: لقد منحني الكثير كإنسان وكشاعر فأنا كإنسان يواجه المحنة غير المسبوقة بهولها ودمارها ويتعر ض ليال ونهارا للرعب واأللم العميق وهو يرى الدمار المريع يوشك أن يسقط على رأسه هو وأسرته ويبقى مع ذلك على قيد الحياة كي تعصف به مشاعر ال يمكن أن تأخذه إذا تحو ل إلى مهاجر وما أروع وأفظع الفارق بين مشاعر من يرى القصف الوحشي على الشاشة الصغيرة ومن تثقب قلبه وأذنيه االنفجارات والدوس الذي يصاحبها والخوف الذي يكتسح المواطن وهو يرتعش معها هنا فقط بدأت أفهم أكثر من أي وقت مضى ماذا يعنيه هوس االحتفاظ بالسلطة أو انتزاعها من المستولي عليها إن كتب التاريخ واألفالم كما قال جان جنيه ذات يوم حين زار في بيروت مخي م صبرا و شاتيال بعد المجزرة التي أودت بحياة المئات بل اآلالف من الفلسطينيين فرق كبير بين أن تقفز فوق الجثث المطروحة أمامك كي تتابع سيرك وبين أن تراها بالتلفزيون. أما ماذا منحني بقائي هذا كشاعر فقد غدوت أكثر قدرة على اقتناص التعبير الشعري المناسب للتجربة القاسية تماما كما يصنع القن اص الذي يطلق النار من مخبئه ويردي من يشاء من المارة هو يطلق النار وأنا أطلق الجملة الشعرية ولكن ال أقتل أحدا أو أحر ض على قتل أحد بل ألمنع القاتل من أن يقتل وأغريه أن يسامح. قلب الشاعر بين ديوانك األول أكثر من قلب واحد وديوانك األخير جمهورية الخوف أين قلب شوقي بغدادي العدد - 16 مايو/ أيار
23 حوار بغدادي: سؤال لطيف وخطير معا! كان قلبي ذات يوم على األرض ومع الناس أما اآلن فقد صار مع الكون مع خالق الكون كي أسأله: ماذا صنعت بقلبي وفيم ينبض حتى اآلن مع أن عمري تجاوز الثمانين يا إلهي يا حبيبي أرجوك خذ أمانتك وأرحني أو أنقذ قلب وطني قبل أن نخسره إلى األبد. انحدار أخالقي كتبت شعرا لألطفال في أكثر من مجموعة لم توقفت عن الكتابة للطفل في ظل هذا االنحدار الثقافي بغدادي: صحيح هو انحدار ثقافي بل هو انحدار أخالقي أو إنساني إنه انحدار عن الطفل نفسه وكأن كل محاولة لمخاطبة األطفال باتت مستحيلة بعد أن خابت كل محاولة لمخاطبة الكبار. أي طفل سيقرأ هذا الشعر وهو يركض وراء أبيه وأم ه وخالته وعم ته على طرقات أوروبا المذعورة من تدفق الالجئين السوريين وغير السوريين عليها. إنه الهزل أين تجد الشعر بعد أن تكاثرت عليه األقالم وتنازعه الغرباء بغدادي: أين أجد الشعر يا له من سؤال! ال أجد جوابا عليه في مثل هذه المنافسة غير الشرعية إال بما يشبه ما قاله الشاعر الفلسطيني الملهم إبراهيم طوقان في رسالة ب عث بها إلى صديقه الكاتب اللبناني الظريف قسطنطين زريق أكثر ما يأتيني اإللهام في هذه األيام حين أكون في المرحاض مسترخيا مستسلما لمتعتي.. إلخ. أما أنا فأراني أكثر تهذيبا وإن كنت ضمنا موافقا طوقان على سخريته بأن أقول أكثر ما يأتيني اإللهام في هذه األيام وأنا في التواليت أدخل منطقة الحالل والحرام على إيقاع صواريخ السالم!. حكاية المتنبي المتنبي ما زال متربعا عرش ذاكرتك أم أن السنوات ثارت عليه وغي رت هذا األمر بغدادي: ال لم تتغير مكانة المتنبي عندي حتى اآلن ذلك أن المتنبي هو الشاعر الوحيد الذي استطاع أن يقنعني أنه من المستحيل على الشاعر الحقيقي أن يمدح حاكما غير جدير بالمديح اقرؤوا مدائحه في كافور تجدوا الجواب واضحا على ما أقول. قال المتنبي يذكر خروج شبيب العقيلي على األستاذ كافور وقتله بدمشق سنة ثمان وأربعين وثالثمئة: عدو ك مذموم بكل لسان / ولو كان من أعدائك القمران ولل ه سر في عالك وإن ما/ كالم العدا ضرب من الهذيان وقد قال ابن جني في البيت األول هذا المدح ينعكس هجاء فأنت -يا كافور- ر ذل ساقط والساقط ال يضاهيه إال مثله وإذا كان معاديك مثلك فهو مذموم بكل لسان كما أنك كذلك ولو عاداك القمران. وبشرح آخر لهذا الكالم ننب ه إلى استخدام مصطلح القمرين أي الشمس والقمر أنهما مذمومان في عرف المقارنة بين عدو كافور والقمرين والحق أن الشمس والقمر ال يمكن أن تذم ا فال بد إذن أن يكون عدو القمرين هو المذموم أي كافور بالطبع. وفي البيت الثاني يقول الواحدي وهذا إلى الهجاء أقرب ألنه نسب علو كافور على الناس إلى قدر جرى به من غير استحقاق والقدر قد يوافق بعض الناس فيعلو ويرتفع على األقران وإن كان ساقطا باتفاق من القضاء. وفي قصيدته التي مدح بها كافور ال بد أن نالحظ أن مطلع هذه القصيدة يتعارض نفسيا وفنيا مع المديح إذ يندفع في اثني عشر بيتا يمكن أن تفسر بأنها نوع من المرارة في التعبير حين يجعل الموت مثال شافيا من الداء والمقصود بالداء هو القطيعة التي شج ع عليها سيف الدولة خصوم المتنبي أن يهاجموه حتى ضاق به المكان وقر ر الهجرة إلى مصر وكأن هذه الهجرة شبيهة بالموت المعنوي لشاعر كبير يضطر إلى اللجوء لحاكم ال يحب ه أصال إذ يراه دون مرتبته كشاعر كما في هذه األبيات: كفى بك داء أن ترى الموت شافيا / وحسب المنايا أن يكن أمانيا تمني تها لما تمني ت أن ترى/ صديقا فأعيا أو عدو ا مداجيا فكيف ينسجم هذا القول في أن المتنبي صار يتمنى الموت حين لم يجد صديقا وال عدو ا مداجيا في حين أنه سيمدح كافورا بعد هذه األبيات مباشرة وكأنه خير صديق يلجأ إليه ويغرقه بالتكريم والهبات المالي ة! حين بدأ المديح بهذا البيت الذي ال ي صد ق بسبب مبالغته: ولكن بالفسطاط بحرا أزرت ه/ حياتي ونصحي والهوى والقوافيا قد ال ي رضي هذا القلق في المديح بعض النق اد وهم محق ون بذلك حسب معاييرهم التقليدية ولكنني أفهم من هذا القلق أو المراوغة أو المبالغة نوعا من الصدق مع النفس والوفاء لصداقته مع سيف الدولة وخاصة حين يقول قبل هذا البيت في المديح مباشرة : خ لقت ألوفا لو رحلت إلى الص با/ لفارقت شيبي موجع القلب باكيا هذا ما أعجبني في المتنبي وأعني صفاته الشخصية كإنسان كبير ال يتخلى عن صديقه لكن هذا اإلعجاب لم ينحصر في الصفات الشخصية كإعجاب أخالقي فقط بل ألن المتنبي استطاع أن يكون نزيها دائما وأن يعب ر عن سمو ه األخالقي في كل ما قاله من الشعر وبهذا المعنى فإن حكمة المتنبي جعلت المعر ي وهو الحكيم األكبر في التراث العربي يدافع عن المتنبي كشاعر ال مثيل له حين عارض في زيارة له لبغداد وهو يستمع من أحد خطباء المساجد كالما ينتقد فيه المتنبي بعد وفاته بأسلوب كريه فاعترض المعر ي كالمه بقوله: يكفي المتنبي عظمة قوله: وإذا أتتك مذم تي من ناقص / فهي الشهادة لي بأن ي كامل هذا المستوى الرفيق للفن الشعري والرفعة الشخصي ة في وحدة متكاملة أخذت بألباب الناس في عصره وبعد ذلك حتى اآلن. وإن ال فمن هو الشاعر العربي الذي بلغ هذا الشأو الرفيع الخالد باستمرار غير المتنبي أو أفضل من المتنبي بلى نحن ما زلنا حتى بحاجة إلى متنب ي آخر لم يظهر حتى اآلن مع األسف الشديد. لست راضيا هل ينظر شوقي بغدادي بعين الرضا لتجربته الشعرية هل أنت نادم على شيء وفي الحياة أيضا بغدادي: أنا غير راض على اإلطالق ليس على تجربتي الشعرية فقط بل على الحياة التي عشتها عموما كمعل م في المدارس الثانوي ة! ليتني كنت رجل أعمال في صناعة األقمار الصناعي ة إذن الخترت منها قمرا وسكنت فيه إلى األبد بعيدا عن الفلسفة الماركسية أو الوجودية ألن ه ا د م ش ق انظر إلى دمشق عند الفجر ال تخف انظر إلى الض ب اب ي س ت ب يح ها واش ه د ص ق يع الص م ت ي س ت ك ين ف ي ض ل وع ه ا واغ ر ق ك م ا س ف ينة ض ائ عة في ل ج ة الظ ال م. ت خ ال ه ا *** أو الرأسمالية أو الفلسفة المرتدية عباءة مذهبية طائفية. ما لم يفعله تيمورلنك بعد كل ما جرى ويجري ماذا تنتظر هل ثمة أمنيات شخصية وعلى الصعيد الشعري بغدادي: آخ آخ يا أعزائي يا قر ائي يا من تطرحون علي سؤاال موجعنا كهذا السؤال! ما هي أمنياتي بعد كل هذه البشاعات بعد كل هذا الهالك والويالت التي لم يقترفها حتى تيمورلنك الذي لم يبق في دمشق سوى أربعين يوما! ثم رحل! وهكذا تكاتف سكان الغوطتين: الشرقية والغربية على إعادة إعمار دمشق ونجحوا في ذلك في أمد قصير نسبيا. اآلن لم يبق من الغوطتين سوى شجرتين وأربعة فالحين مقعدين وخمسة عجائز وتسعة أطفال ال تضحكوا على هذه األرقام قد تكون أكثر ولكن الخراب مستمر حتى بعد وقف إطالق النار. ب وق الق ي ام ة قصائد غير منشورة م اذ ا ت خ ال ه ا م ات ت.. ت ر ى.. أم أن ه ا ت م وت أم لع ل ه ا س ل ط ن ة الم ن ام ه ذ ي إذ ن د م ش ق! أم أن ه ا م د ين ة األ ح ال م ال.. ال.. د م ش ق ال ت ن ام أ ن ص ت إ ل ى د و ي ه م وان ش ق د خ ان ن ار ه م واس م ع و ال و يل الن س اء ي س ت غ ث ن باإل له والر س ول حاورته في دمشق بسمة شيخو والم س يح ي ن د ب اإلس ال م اس م ع ت ه ال يل الذ ين ي ؤ م ن ون باله د ى و ب الس ال م واس م ع ع و اء الذ ئ ب والن واح في ت خ ش يب ة الح م ام م اذ ا س م ع ت اآلن ق ل ل ي.. ه ل س و ى الب وق الذ ي ي ن ف خ للق ي ام ة الت ي ف ي آخر الز م ان ت ف ص ل م ا ب ي ن الح ال ل والح ر ام. *** العدد - 16 مايو/ أيار
24 حوار ه ا أ ن ت ف ي ك اب وس ك الش ع ر ي ف ي م ق ب ر ة الف ج ور والق ت ام ه ا أ ن ت ت ط ل ق الر ص اص ن ح و م ش ر ق الش م س ل عل الش م س ت س ت ق يل م ن ح ي اد ها ف ت ن ع ش الط ر او ة الخ ض ر اء ف ي الر ب يع ث م ت ح ر ق الي ب اس ف ي ر ك اك ة الن اظ م والنظ ام والن ظام ه ا أ ن ت إ ذ ت س د د الش ع ر ع ل ى الس ح اب ع اب ر ا و الع ه د ج ائ ر ا والج وع ك افر ا والخ و ف م اكر ا وف ج أ ة ي ك ت ش ف الج م يع أن م ا أ ط ل ق ت ه ع ل ي ه م ل ي س س و ى نش ار ة الك ال م اذ ه ب إ ل ى الم و ت إ ذ ن اذ ه ب إ ل ي ه و ح د ه د ق ع ل ي ه الب اب ق ل لل م و ت أ ن ق ذ ن ي م ن الع ج ز ع ن الف ع ل و خ ذ أ م ان ة ض ي اع ه ا ح ر ام. *** ان ظ ر إل ى د م ش ق ع ن د ما ت ر ى أن الم د ين ة ان ت ه ت ان ظ ر إل ي ه ا اآلن ع ن د م ا ت ه ب ط للش ار ع والز ح ام ت س ت ق ب ل الخ ر اب واله ب اب والث ق وب في الج دار ي س ن د ونه ب م ن ي ص اد ف ون في الط ر يق ث م ي ط ل ق ون ف ي الع ي ن ي ن أ و ع ل ى الج ب ين ك ي ت ن م س خ الو ج وه ع ن د ف ح ص ها فال ترى ضراعة الشيخ و ال ب ر اءة الغ الم ق ف ث ابتا وان ظ ر إ ل ى م س د د الب ار ودة الخ ر قاء ه ل ت ب ص ر ف ي ع ي ن يه غي ر ر ع ب ه م ن آمر اإلع د ام. *** ه ذ ي د م ش ق ف اس ت ف ق ك م ا اس ت ف اق ت د ف ع ة و احدة ومر ة أخيرة كي ال ت ن ام ب ع د ها ألن ه ا د م ش ق ب د اي ة الت ار يخ.. والخ ت ام. ف ي ي و م الج م ع ة ف ي ي و م الج م ع ة يوم الغ وط ة يوم ع ن اق األش ج ار ع ر بات الخ ي ل و سي ار ات الخ د مة وتر اموي القصاع و د وما في أح ل ى م ش وار ف ي يوم الج م عة يوم د م ش ق و ق د خ ر جت في ع رس الغ وط ة كي ت ت ز و ج من آذ ار كي ت ل عب أو ل ت ص ل ي إلله ي ع ش ق ز ه ر الل و ز و ه س ه س ة الم اء الث ر ث ار لكن ج د ار الخ و ف ط غ ا م ن خ م س س نين على الز و ار صد الع ش اق عن الم ع ش وق وسرب الن ح ل عن األز ه ار صد وا ب ح واج ز ع س ك ر ه م وب م ن ط ق ط اغ وت م ه ذار ال ج م ع ة بع د اآلن ك م ا ز ع م وا ال ف ص ل ر ب يع بع د الي و م وال ن و ار وال ث و ار لم ي ب ق س وى الش ج ر الم ح ر وق وم ن د وم ا و ح ر ستا إال األ ح ج ار. م اذ ا س أ ج يب إ ذ ن ف ي ي و م ح س اب ي ل و ق يل : ل م اذ ا ص ار ر ب يع ك م صي فا ن ار ي ا ه ل أ ن ت م م ن ع ب اد الن ار ول م اذ ا لم ت ص ل ح ب ي د ك الم يز ان الم خ تل ولم ت ص ر خ كي ت س م ع ك الد ن ي ا ك ل الد ن ي ا ولي ن ف ذ ص و ت ك حت ى أق ص ى ن ج م ف ي الك و ن الس ي ار *** ي ا ر ب الك و ن أ ح ق ا ل م ي س م ع ص وت ي الم ب ح وح من الت ك ر ار في يو م الج م ع ة هذ ا ص ار أم أن الغ وط ة ماز ال ت م ه د الح ر ي ة واأل ح ر ار! أي ن أن ا اآلن 2015/9/19 أي ن أن ا اآلن ع ل ى أي الخ و از يق اس ت و ت ق ص يد ت ي ل ي س ع ذ اب ه ا ف ي الح ب س أو ف ي الس ح ل أو ف ي الش ن ق ل ي س الم و ت م ا ي خ يف ه ا الخ و ف ك ل الخ و ف أن ت ح ي ا ع ل ى الش ف ا وأن ت ظ ل ح ف ر ت ي ف ي ك ل م ت ي. *** ك ل الك ال م اآلن ال م ع ن ى ل ه إال ل م ا ي ق ول ه الق ن اص والذب اح والج ال د واأل ع ز ل إ ذ ي ط ل ق ص ر خ ة ه ي ه ات أ ن ي ط ال ه ا الش ع ر أو الن ث ر ف و او ي ال ه أي ن ص ر خ ت ي! لعل م ا أق ول ه اآلن ان ت ه ى أو س و ف ي ن ت ه ي ع ل ى م خ د ت ي أي ن الف ت ى الم وغ ل ف ي م غ ار ة الر ح م ن أو ال ثم إل ى م غ ار ة الش ي ط ان ث ان يا ثم ار ت ق ى ق اسي ون كي ي ط ل م ن ع ل ع ل ى م د ين ت ي ك ل ع ي وب ي اآلن من خ ل ف ي ت ش د ت اب عا م ر اوغا و ك ن ت من ق ب ل أن ا الذ ي ي ش د ه ا ك أن ه ا ح ق يق ت ي. *** ت غ ي ر الم ش ه د بالت أ ك يد لم ت ع د أ ح ص ن ت ي أ ح ص ن ت ي وال الص ب اح ن ف س ه وال الج ن ون ذ ات ه ح و ل ي و خ ل ف ي وأ م ام ي وأن ا الق ي ص ر إذ أ ط ير ف ي م ر ك ب ت ي ت غ ي ر ت ر وم ا ك م ا ت ب د ل ت د م ش ق والم ح ار ب ون س ر ح وا ق اد ت ه م فاح ت ف ل الق اد ة باله ز يم ة الت ي ت ل ت في غ ر ف ت ي. ال.. ل م ي ص د ق أ ح د أن الذ ي ج ر ى ي ج ر ي وأن م ن ي ح ب ح قا ق د ي خ ون ح ب ه ف ك ي ف ل و آم ن بالخ ال ق والرز اق والر س ول واأل ص ول والج ح يم والن ع يم ه ل ف ي ع س ل األن ه ار أم ف ي و ق يد الن ار ي ع يش م ر ت د أم أن أص ف اد ي ح ت ى اآلن ال ت ق ن ع ن ي بأن ن ي ع ب د! *** *** فيصل لعيبي أي ن أن ا اآلن وم ا ه ذ ا الذ ي أ خ ف يه ف ي ح ق يب ت ي ه ا أن ذ ا أ ل ه ث خ ل ف ص ور ت ي كي أ ل ح ق الف ت ى الذ ي ي ر او غ الو ح ش وي ك س ر الج د ار ثم ي خ ت ف ي و ر اء م ح ن ت ي هل ك ن ت م ث ل ه أم واهم أن ا أم ه ذ ه الغ اب ة غي ر غ ابت ي *** ت غ ي ر الم ش ه د ح قا أم أن ا أ ب ص ر م ا أ ر يد أم ك أن ن ي لم أ ت غ ي ر إيه.. م ا أس ع د ن ي! أن الذ ي أ ح ب ه م ا ز ال ح ت ى الم ن ت ه ى ي ح ب ن ي وأن م ن أ ك ر ه ه لم ا ي ز ل ي ك ر ه ن ي وأن أو ر اق ي الت ي أ س ل م ت ها للر يح ال ت خ ص ن ي! *** العدد - 16 مايو/ أيار
25 سجال قراءة في ملف»الحرائق تكتب والروائيون يتساءلون«المنشور في»الجديد«العدد 15 آذار/مارس 2016 حليم األحمد الكاتب الضائع في لحظة الدم مفيد نجم يغلب على إجابات العدد الوافر من الكاتبات/الكتاب الشعور بالصدمة المروعة بسبب حجم الكارثة التي كان يصعب عليه تخيلها نتيجة حجم اإلجرام الذي ترتكبه سلطات القتل واإلجرام من أجل بقائها ولو على حساب دمار أوطانها وتشظيها األمر الذي يجعلهم عاجزين عن الكتابة في هذه اللحظة إما بسبب العجز عن استحالة الخروج من حالة الصدمة المرو عة التي ما زالوا تحت تأثيرها أو بانتظار أن تنضج لحظة الكتابة خوفا من الوقوع في المباشرة والمقاربة العاطفية للحدث بسبب ما يكتنفه من تعقيد وتسارع في وقائعه المرعبة. شكل الملف الواسع الذي نشرته مجلة الجديد تحت عنوان الحرائق تكتب والروائيون يتساءلون وشارك فيه أكثر من مائة روائي وروائية مناسبة هامة للوقوف على ما يفكر به الكتاب والكاتبات العرب في لحظة الدم العربي المستباح وما تنطوي عليه مواقفهم عن الكتابة عنها من دالالت تكشف في الغالب عن حالة الضياع والعجز التي ما زال المثقفون/المثقفات العرب يواجهون به هذا الواقع أو ينسحبون منه للعيش على هامشه أو يخلطون فيه بين السياسي واإلنساني واألخالقي للتهرب من مسؤولياتهم أو إلعفاء أنفسهم من هذه المسؤولية في وقت لم تتوقف فيه تداعيات هذا الزلزال ولم يتوقف سيل الدم المهدور بسبب استمرار الطغاة المستبدين في معركتهم ضد إرادة شعوبهم في الحرية والكرامة. قبل في مقاربة ما يحدث حيث ال يزال البعض ال يفارق خطاب أن أبدأ قراءة هذه الشهادات كنت أتوقع أن أجد المؤامرة )آمال مختار( والتعالي على المتحاربين )إبراهيم شبه توافق في الرأي حول معنى وأهمية الكتابة في هذه اللحظة العاصفة من تاريخنا المعاصر بين أغلب القاضي( أو مساواة الضحية والجالد باعتبارهما شركاء في الكتاب والكتابات ألن استمرار فصول هذه المذبحة بعد خمس القتل )شكري المبخوت( والبحث في الهامش عن يقين ضاع سنوات من عمر االنتفاضات العربية كفيل بأن يجلو الكثير من في زحمة المشهد )إبراهيم فرغلي( أو االعتراف بالهزيمة الحقائق إن كان أصال في انتفاضة شباب هذه البالد على العاطفية أمام ما يحدث )أحالم بشارات( أو رعب الكتابة االستعباد والظلم والفساد ثمة شبهة أو في هتاف الحرية إزاء رعب ما يحدث من فظاعات يجعل من الكتابة عنها رعبا والعدالة الذي كانت تطلقه حناجرها ما يشي بمؤامرة كما آخر )هيفاء بيطار( وضياع يقين الكتابة وتأثيرها فيما يحدث زعمت كاتبة من بلد الشرارة األولى لهذه االنتفاضات. )روزا ياسين( وتجاوز ما يحدث على أرض الحرائق والموت مع انطالق هذه االنتفاضات/الثورات كنا نعتقد أن المثقف لقدرة الكتابة حتى على التخيل )مكاوي سعيد(. العربي قد وجد اللحظة التاريخية التي كان ينتظرها الستعادة في هذا البعض من الشهادات ال تجد قاسما مشتركا بين دوره الطليعي بعد أن غي بته أو أسكتته بالقوة أنظمة القمع هؤالء الكاتبات والكتاب والسؤال أين يكمن السبب في ذلك واالستبداد أو شو هته أحزاب األيديولوجيات المفلسة لكن قد يكون الخوف من الكتابة أو الضعف أمام أهوال المشهد تعبير عن حالة الثقافة العربية التي اختلط األيديولوجي فيها بالجمالي عند كثير من المبدعين أو تحو ل الجمالي معها إلى تابع لأليديولوجي والسياسي ألن الماليين التي مألت شوارع عواصم بلدان الثورات لم تخرج ألن مؤامرة اإلنترنت أو األصابع الخفية هي من قادتها للتمرد على سلطة االستبداد والفساد بل ألن تراكما ثقيال ومديدا من القمع واالستعباد وتغييب إرادة الناس هو الذي أشعل شرارة هذا االنفجار الذي يتحالف الداخل والخارج على وأده أو إغراقه في صراع دموي طائفي ودولي ال ينتهي لكي ال تنتصر الثورات على سارقي أوطانها وتنتهي وظائفهم كوكالء ألسيادهم. وعلى النقيض من هذه اإلجابات هناك إجابات أخرى من بين أكثر من عشرين إجابة توقفت عندها في هذا الملف الطويل عب رت عن شعور عميق بالمسؤولية تجاه ما يحدث وعما هكذا تصبح الكتابة مطالبة بأن تأخذ في اعتبارها األسباب الموضوعية التي قادت إلى هذه االنتفاضات )وجدي األهدل( وفي هذا إدراك واضح لطبيعة ما يحدث وتوصيف للطبيعة اإلجرامية لقوى االستبداد والتأبيد المسؤولة عن هذه المذبحة التي لم تتورع أن تستخدم فيها كل أنواع القتل مستعينة في ذلك بكل القوى الطائفية والقبيلة والدولية من أجل الحفاظ على بقائها وهزيمة صوت الحرية والكرامة. وبينما ال تختلف )مايا أبو الحيات( في تأكيدها على ضرورة أن يكون الكاتب مبدعا في هذه اللحظة فثمة من يرى ضرورة أن يعمل الكاتب على تأمل جوانبها ومواكبة أحداثها والتقاط الجوهري فيها للكتابة )ربعي المدهون( أو أن تتحول الكتابة بفعل تجربة الواقع المعيشة تحت االحتالل إلى فعل حياة ال يتوقف لمجابهة ما يحدث )أسامة العيسة(. هذا االعتقاد بدا نوعا من الوهم ونحن نشهد حالة العجز أو الدامي وهو ما يتعلق بطبيعة الشخصية العاطفية أو رعب تتطل به الكتابة الروائية في هذه اللحظة الفارقة وهو اعتراف ويبرز السؤال عند البعض ماذا تكتب وما هي المسؤولية تجاه استمرار االنحياز عند البعض لتلك األنظمة بحج ة أو بأخرى الكتابة الموازي لرعب الواقع الدامي وصور الموت المرعبة بمسؤولية الكاتب األخالقية والجمالية تجاه ما يحدث حتى ما نكتب تعبيرا عن وعي بمسؤولية الكتابة وقيمتها الجمالية وكأن الشعب الذي لم يعد لديه ما يخسره في انتفاضاته قد وهذا يمكن تبريره أو قد يكون الموقف مفهوما للمرء كتعبير في أشد حاالت الكتابة رغبة في االنفصال عن الواقع )منصورة )شهال العجيلي( لكن هذا اليقين ببقاء ما نكتب من أين يأتي ارتكب معصية يستحق العقاب عليها. البعض عن الشعور بعجز الكتابة عن تمثل ما يحدث واستيعابه عزالدين( بينما هناك من لم يعد يحتاج النكشاف المسؤول عن أو من أين تستمده الكتابة عندما ال نجد في ما يحدث إال حلبة يغلب على إجابات العدد الوافر من الكاتبات/الكتاب الشعور لكن ما ليس مفهوما أن نتذرع بالزهد من الكتابة وهي فعل فظاعة هذا المشهد الدموي ورعبه ما دامت سلطة االستبداد صراع بين مجموعة من المتصارعين على السلطة بدايات بالصدمة المروعة بسبب حجم الكارثة التي كان يصعب عليه غير آني ليس مطلوبا منه أن يوقف الموت أو ينهي نزيف الدم والقمع الجاثم على صدور أوطاننا المخطوفة ال تحتاج إلى األشياء فهل ما زال الوعي الروائي بعد كل هذا ال يجد في تخيلها نتيجة حجم اإلجرام الذي ترتكبه سلطات القتل واإلجرام ألن الكتابة تجسيد لموقف وحالة إنسانية تنتصر لقيم الحرية دليل لكي ندرك من هو القاتل ومن هو الضحية )فواز حداد( هذه االنتفاضات إال صراعا على سلطة. من أجل بقائها ولو على حساب دمار أوطانها وتشظيها األمر والعدالة كما أنها قيمة مضافة إلى رصيد اإلبداع اإلنساني في األمر الذي يضاعف من مسؤولية الكتابة والكاتب كما يقول. نعرف أن هذه الحروب ومن أشعلوها ألجل بقائهم سوف الذي يجعلهم عاجزين عن الكتابة في هذه اللحظة إما بسبب تعبيره عن قيم الحرية والجمال والعدالة في الحياة. شهادة الروائي حداد تجاوزت اإلجابة الشخصية إلى الرد على يزولون كما زال من قبلهم طغاة كثيرون لكن ما زالت حية العجز عن استحالة الخروج من حالة الصدمة المرو عة التي ما الذين يتذر عون بالحديث عن الجوانب الرمادية فيما يحدث ما سبق من أطروحات وأقوال تخص وضع الكتابة والكاتب وخالدة تلك األعمال العظيمة التي انحازت إلى جانب اإلنسان زالوا تحت تأثيرها أو بانتظار أن تنضج لحظة الكتابة خوفا على أرض الدم المستباح يخلطون بين السياسي واإلنساني ألن عوامل قيام هذه الثورات ثابت ومعروف وليست بحاجة في كفاحه من أجل الحرية والكرامة والعدالة على مدى التاريخ من الوقوع في المباشرة والمقاربة العاطفية للحدث بسبب ما في الكتابة عم ا يحدث من موت يومي يفوق الوصف تحت إلى اكتشاف بعد أن عايشناه عقودا طويلة وكنا ضحاياه فهل اإلنساني باعتبارها تجسيدا حيا وعظيما لقيم الجمال والحرية يكتنفه من تعقيد وتسارع في وقائعه المرعبة. األنقاض أو في عراء الضمير الكوني وبذلك يمنحون أنفسهم يحتاج الم عر ف إلى تعريف لكي نصو ب بوصلة الكتابة وندرك واإلبداع في الضمير الجمعي لإلنسانية حافظ وما زال على أول ما يفاجئ القارئ في هذه الشهادات هو هذا االلتباس الغفران ألن الضحية لم تعلن عن هوي تها بعد وألن القاتل لم ما هو مطلوب منها لكي ال يخسر الكاتبة/الكاتب ضميره أو رسالة الكاتب وجوهر الكتابة ورسالتها في الحياة. بين الجمالي والسياسي والسياسي واألخالقي-اإلنساني يعترف بجريمته بعد. هذه اإلجابات المخي بة أو الصادمة هي تشهر الكتابة عجزها في لحظة تاريخية فاصلة. ناقد من سوريا مقيم في ألمانيا العدد - 16 مايو/ أيار
26 شعر محمد أبو الوفا س أاص د ق ذ ل ك اض ح ك ي ل ي ي ا أ م ي ع ن د م ا أ ع ود إ ل ي ك م ن الح ر ب ك ي أ ت أ ك د أ ن ه ذ ا الع ال م م از ال ب خ ي ر ت ع ر ف ين أ ن ن ي غ ب ي و س أ ص د ق ذ ل ك. و إ ن ت أ خ ر ت ع ن ك ب س ب ب ز ح م ة الم و ت ى ع ل ى الط ر يق و أ ر د ت أ ن ت ن ام ي أ ن ت أ ي ض ا ع ل ق ي ض ح ك تك ع ل ى ش ج ر ة الت ين الت ي ز ر ع ه ا ج د ي و ظ ل ت خ ض ر اء إ ل ى اآلن. أ ن ا غ ب ي ك م ا ت ع ر ف ين و س أ ص د ق ح ت م ا أن ش ج رة الت ين ه ي أ ن ت م ث ل م ا ص د ق ت أ ن الع ال م م از ال ب خ ي ر. ال ش ي ء ي د ل أان ن ي ك ن ت م ن ه ن ا ه ا أ ن ا ف ي ت ون س الع اص م ة م ن ج د يد أ م ر م ن ت ح ت أ ق و اس ه ا و أ ص ع د ش و ار ع ه ا الم غ م ور ة ب الغ ب ار و الق م ام ة أ ب ح ث ع ن ذ ن وب ي الق د يم ة الم ت ر وك ة ع ل ى األ ر ص ف ة و الم ح ط ات ح ي ث ك ان ت ي د ك الص غ ير ة ت ت ع ر ق ب ي ن أ ص اب ع ي و ت ن ز ل ق ف ي ه د وء ك ل م ا ح او ل ت ت ق ب يل ك. الظ ال ل الب اه ت ة ت ت ك س ر ع ل ى الع ت ب ات و ح و اف الض و ء الم ح ر ق ة وليد تليلي و ر و ائ ح الق ن ب اله ن د ي ت ه ج م ع ل ى اله و اء ف ي ر ت خ ي ع ل ى األ ش ج ار و ع ل ى و ج وه الب اع ة الم ن ه ك ين ت م ام ا ك م ا ر أ ي ت ه م م ن ق ب ل ب ي ن م ا ال ش ي ء آخ ر ي د ل ع ل ى أ ن ن ي ك ن ت ه ن ا ك أ ن ي د ك الر ط ب ة ظ ل ت ت ال ح ق ن ي ط و ال الو ق ت و ت م س ح أ ي أ ث ر ل ي. أ ن ت كل ما دق ت الر يح الباب أجري سعيد ا كي أفتحه م تخي ال أن ك أنت الذي أت ي ت. الر يح نفسها كل ما حر كت مزالج الباب ترقص سعيدة في الخارج م تخي لة أن ك أنت الذي ست ف ت ح. في الل يل ا أالش ج ار س ت ن ق ذ الع ال م اآلن أ ع ر ف أ ن ن ي ك ن ت ر ج ال غ ب ي ا ع ن د م ا ل م أ ذ ه ب م ع أ ه ل ي إ ل ى الح ر ب و اش ت غ ل ت م ز ار ع ا أ ح ف ر األ ر ض ف ي ك ل ي و م م ع ت ق د ا أ ن األ ش ج ار س ت ن ق ذ الع ال م م ن الم ح ر ق ة. ل ق د ف ع ل ت م ا ب و س ع ي ل ك ن األ ع د اء ج اؤ وا م ن ك ل م ك ان و أ ف س د وا ك ل ش ي ء و ح ت ى الب ئ ر الت ي ح ف ر ت ه ا ب أ ظ اف ر ي الم ش ق ق ة ط م ر وه ا ب ج ث ث إ خ و ت ي و ع اد وا ض اح ك ين إ ل ى الح ر ب ت ار ك ين الغ اب ة خ ل ف ه م ت م وت م ن الع ط ش. و ه ا أ ن ا الي و م م ت ك ئ ا ع ل ى غ ص ن ي اب س أ ط ل ع ل ى الخ ر اب و أ ن ظ ر إ ل ى الم ح ر ق ة و ه ي ت أ ك ل الع ال م ح ز ين ا ح ز ين ا ج د ا أل ن ن ي و ف ر ت ل ها م ز يد ا م ن الح ط ب. م ن اد يل و ر ق ي ة أ د ع ى ك ح ل ة و أ ن ا م ن ح ي خ ط ير و م ظ ل م أ م ي ت م ض ي ك ل الل ي ل ف ي الب ك اء و أ ب ي خ ل ع الح ز ن م ث ل ح ذ اء ق د يم و خ ر ج ح اف ي ا و ل م ي ع د. ك ن ت ج ائ ع ا و ب ال إ خ و ة ل ذ ل ك ك ان ع ل ي أ ن أ ت ر ك الم د ر س ة و أ ن أ ب يع م ن اد يل الو ر ق ف ي الم ق اه ي و الم ح ط ات م ن أ ج ل ت و ف ير ر غ يف ي ن م ن الخ ب ز و ع ل ب ة س ج ائ ر و ب ع ض الق م ح ل ل ح م ائ م الت ي أ ر ب يه ا ع ل ى س ط ح ب ي ت ن ا الم ح ر وق. و إ ل ى اآلن م از ل ت أ ت س ك ع ف ي ت ل ك الش و ار ع أ د خ ن الق ن ب اله ن د ي و أ ط ي ر ح م ام ة ف ي ك ل ي و م ك ي ت ب ح ث ع ن و ال د ي ث م أ ظ ل أ ن اد يه ا: ط ير ي ي ا ص د يق ت ي الب ي ض اء ط ير ي ب ع يد ا ل ق د ب ع ت م ن أ ج ل ك ك ل م ا أ م ل ك د ون أ ن أ ت ر ك م ن د يال و اح د ا و ل و و اح د ا ف ق ط ك ي أ م س ح ب ه د م وع أ م ي.. ع ل ى األ ق ل! م ن ف ض ة س ج ائ ر ع ن د م ا ت ت ع ل م الت د خ ين ال ت س ت ع م ل م ن ف ض ة الس ج ائ ر.. ا ح م ل ع ل ب ة الت ب غ إ ل ى ش ر ف ة ب اال ص ع ال ي ة و ت س ل ى ب ذ ر الر م اد ف ي ع ي ون الع ال م أل ن ه ي ح ب ذ ل ك.. ف ي ح ي اة س اب ق ة ك ن ت ط ف ال ف ق ير ا م ث ل ك أ قض ي الو ق ت م خ ت ب ئ ا خ ل ف الح ق ول الب ع يد ة أ د خ ن أ ح ال م ي و أ ف ك ار ي الغ ب ي ة ع ن الله و ك ل ت ل ك األ ش ي اء الت ي ك ان ت ت ن م و د اخ ل ح ي ات ي الب ي ض اء ح ت ى ع ن د م ا ل م ي ب ق ف يه ا ش ي ء ع ن د ه ا ح ف ظ ت الط ر يق إ ل ى ك ش ك الس ج ائ ر. و ك م ا ت ر ى اآلن ه ا ق د ص ر ت ر ج ال م د م ن ا أ ل ه ث م ن أ ج ل ت و ف ير الت ب غ و أ ص اب ع الق ن ب اله ن د ي و أ د خ ن ف ي ك ل ي و م ف ق ط م ن أ ج ل أ ن أ ن س ى أ ن ح ي ات ي ق د ت ح و ل ت إ ل ى م ن ف ض ة س ج ائ ر! شاعر من تونس العدد - 16 مايو/ أيار
27 ملف انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب يضم هذا الملف مقاالت لكت اب من سوريا العراق فلسطين تونس الجزائر وهي بمثابة عتبة لمباشرة حوار فكري مختلف حول مسألة الهوية في وقت تثار فيه هذه المسألة انطالقا من أولويات بعيدة عن الفكر في ضوء صراع سياسي حاد وسجال بصوت واحد يلب ي حاجات سياسية تؤثر لغة الحرب واإلخضاع وثقافة الغلبة ال الحوار وبالتالي فهي ال تفتح للقارئ نافذة على هواء مختلف ولكنها تمكنه من مباشرة مونولوج عصبي ودموي. المقاالت المنشورة هنا تنطلق من وعي مختلف ومن تطل ع مغاير يحاول أن يكسر ثقافة الصوت الواحد إلى األصوات المتعددة والفكر الواحد إلى األفكار المختلفة ليمكننا أن نلم بالتعدد ونستقبله عبر حوار فكري منتج وخالق. في مقاالت الملف نقرأ لكل من: أحمد برقاوي إبراهيم الجبين جادالكريم الجباعي فتحي التريكي إبراهيم السعدي أحمد دلباني سالمة كيلة أزراج عمر ربوح البشير باسم فرات. بهذا الملف توس ع الجديد من أفق الحوار والنقاش والسجال في القضايا األكثر إشكالية وتعبيرا عن روح اللحظة العربية الراهنة في الثقافة واالجتماع. قلم التحرير عامر النحاس العدد - 16 مايو/ أيار
28 ملف انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب تأمالت في مسألة العرب والهوية عامر النحاس أحمد برقاوي يندر أن تجد قوما أو شعبا أو أم ة قد انشغلت نخبتها المفكرة بمسألة الهوي ة كما انشغلت العرب ونخبتها وآية ذلك أن أهداف النهضة التي طرحها مفكرو عصر النهضة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مازالت حاضرة بوصفها أهدافنا الراهنة ولم يتحقق منها أمر من األمور. ومنذ انشغلت بقضايا العرب بوصفها هم ا شخصيا منذ خمسة وثالثين عاما وحتى اآلن جعلت من مشكلة الهوية واحدة من أهم المشكالت التي تناولتها. وما هذه التأمالت إال ثمرة هذا االنشغال. ما الهوية العربية سؤال الهوية المطروح علينا ليس سؤاال مجردا عن مفهوم الهوية منطقيا إنه سؤال ثقافي سياسي أيديولوجي بامتياز. غير أننا ال نستطيع أن نحلل تلك العالقات التي ينطوي عليها سؤال الهوية دون التحديد النظري لهذا المفهوم. والبحث في تعدد دالالته ومعانيه وتعيين وظائفه. الهوية مفهوما : ما يتقوم به الشيء من صفة ماهوية أو صفات أساسية ثابتة ال يكون الشيء المتعين شيئا إال بها. إنها الصفات الجوهرية الثابتة التي تقوم بعامل التميز. الهوية إذن بقدر ما هي تعبير عن الثابت هي في الوقت نفسه تعبير عن االختالف ألنها حقل تمييز والتمييز هو تحديد االختالف. ولسنا واجدين أي مشكلة ذات شأن عندما يتعلق األمر بهوية األشياء والحيوان فمهما اختلف حول هوياتها يظل االتفاق هو السائد. فمن ذا الذي ينكر أن النهر مجرى من الماء ينبع من مكان أو أمكنة ثم يصب في مكان آخر إن صفات ثانوية للنهر قد تميز نهرا عن نهر دون فقدان ماهية النهر كالطول والعرض واتجاه المصب.. الخ. بل حتى لو حددنا اإلنسان المجرد دون أصل وفصل من حيث هويته الكلية ال يكون هناك اختالف حتى لو اغتنى بصفات متعددة. فالغنى ال ينفي االتفاق على تحديد هوية اإلنسان المجردة كالنطق والتفكير والضحك واإلبداع والشعور بالجمال.. الخ. تتعقد أمامنا الهوية وتغدو مشكلة بسبب ارتباطاتها بالوعي. فتتحول الهوية اإلنسانية أقصد هوية اإلنسان إلى مشكلة بسبب وعي اإلنسان لتعي نه ووعي تعي نه ذاتي بامتياز. ها هي الذات تحدد هويتها بوعيها لذاتها على نحو محدد. الذات هنا ليست مجرد فرد إنها جماعة جماعة تنطوي بالضرورة على أفراد يعون ذاتهم بانتمائهم للجماعة. وهكذا تغدو أشكال الوعي الذاتي أشكاال لوعي الهوية. ليس مهما أن نسأل عن األساس الموضوعي للوعي الذاتي. فقد يكون الوعي الذاتي وهما من األوهام. غير أن هذا الوعي الواهم قادر على أن يصنع هوية ووعيا بالهوية. المهم هو أن هناك دائما أساسا إلنتاج الوعي الذاتي بالهوية. فإذا كانت الهوية ثمرة وعي ذاتي فإن الوعي الذاتي وعي بذات تنطوي على جملة من األبعاد. فحتى الوهم الذاتي ال يستطيع أن يظهر إال بوجود ما يصدر عنه هذا الوهم. يحو ل الوعي الذاتي بالذات الهوية إلى مشكلة حين يصل وعي جماعة من الناس إلى أشكال متعددة من الوعي بالهوية ويكون هناك اختالف ونفي متبادل بين الهويات الموعي بها وقد تتحول إلى أساس لتناقضات عميقة تؤدي إلى صراع أيديولوجي سياسي عنفي.. الخ. وتزداد المشكلة أقصد مشكلة الهوية- تعقيدا إذا انطوت الجماعة على عدة هويات في آن وإذا انطوت على هويات مستيقظة وهويات نائمة قابلة للتيقظ في شروط محددة كما سنرى. وإذا انطوت على هويات سالبة لبعضها البعض. وإذا كان الوعي بالهوية وعيا»جوهريا «ثابتا. ولما كان الوعي بالهوية يتكون تاريخيا ثم يلبس لبوسا ال تاريخيا عند بعض الجماعات فإن أي تناقض بين التاريخ والهوية الهوية التي صارت ال تاريخية هو إيذان بظهور التعصب )الهوياتي( والذي يجعل من كل هوية متعي نة بجماعة عرضة لحشد ما ال حصر له من القيل األيديولوجي وغير األيديولوجي والتعامل معه على أنه حقيقة مطلقة بامتياز. وهذا هو األصل في تحول الوعي بالهوية إلى وعي مقيد. ويغدو أكثر عنادا إذا ما كان الحشد األيديولوجي اقتطاع فترة من التاريخي واعتبارها تاريخ الجماعة الحق. إن تاريخية الهوية البشرية هوية الجماعة الواحدة تحدد الهوية من حيث الثابت والمتحول فيها. فالمكان واللغة بالنسبة إلى بعض الجماعات ثابت والمتحول قيم وعادات ونمط حياة. غير أن شروطا تاريخية اجتماعية وسياسية وحضارية كما سأبين قادرة على أن تجعل المتحول ثابتا )هوياتيا ( والثابت متحوال. ولعبة الوعي بالهوية ال حدود لها سواء لدى الجماعات أو لدى األفراد أو لدى األجيال بل ولدى جيل واحد. وحقل اللعبة هنا مليء بالخيارات وبخاصة إذا كان الحقل مزروعا بالهويات الجاهزة المتعايشة دون أن تحقق هوية واحدة ما انتصارا ساحقا على الهويات األخرى دون أن تلغيها بل تحولها إلى حالة من الضعف قابلة للنسيان. وظاهرة النكوص )الهوياتي( ال تفهم إال انطالقا من فهمنا لحقل الهويات الذي تحدثت عنه فحتى لو كانت هوية متوارية تحت التراب فإن البشر لحاجات عملية مصلحية قادرون على بعثها وإنمائها حتى لتغدو أحيانا وحشا )هوياتيا (. وإذا ما انتقلنا من هذا التحديد النظري المجرد للهوية كما نرى إلى مشكلة الهوية في الوطن العربي لنطبق عليها ما كنا قد جردناه فإننا لواجدون التعين األكثر وضوحا لما ذهبنا إليه. وعندي أن الهوية لم تتحول إلى مشكلة في هذه المنطقة مترامية األطراف إال بسبب التاريخ الحديث والمعاصر الذي حال دون تكوين )األمة الدولة(. ماذانعنيبمشكلةالهوية المشكلة بالتعريف: تعدد إجابات تنطوي على اختالف قد يصل حد التناقض عن سؤال واحد. والهوية مشكلة في الوطن العربي تعني تعايش عدة هويات وتناقضها معا دون أن تنتصر هوية ما انتصارا كليا تجعل من الهويات األخرى منتحية أو نائمة أو غير مشعور بها. فمن المعلوم أن المنطقة العربية تحتوي على أقوام )عرب وكرد أمازيغ أرمن وشركس(. والعرب هم األكثرية. من المنطقي والتاريخي أن تكون العروبة بما هي هوية دالة على التميز هي الهوية المنتصرة والسائدة على ما سواها من الهويات دون إلغاء الشعور بالهوية اإلثنية لدى األقوام األخرى. لكن الواقع ال يدل على انتصار كهذا وفق معيار الممارسة فإلى جانب هذه اإلثنيات كمصدر أساسي من مصادر الوعي العدد - 16 مايو/ أيار
29 ملف انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب بالهوية فإن هناك الدين فاإلسالم والمسيحية منبعان للوعي بالهوية بوصفها هوية دينية. وداخل اإلسالم فإن الطوائف الدينية اإلسالمية تعيد إنتاج الهوية الدينية بوصفها هوية طائفية. كما تعيد الطوائف الدينية المسيحية إنتاج هويات مسيحية طائفية. إلى جانب هذين النوعين من الهوية فإن سكان شبه الجزيرة العربية والعراق وجزء من بالد الشام ما زالت الهوية لهم الناتجة عن وعي األصل القبلي حاضرة بجالء حتى لتكاد تتحول إلى الهوية األكثر حضورا وبروزا. فضال عن ذلك فإن الس لط الحاكمة في المناطق العربية المتنوعة تسعى جاهدة عبر الرموز والجنسية والحدود إلى تكوين هوية مناطقية باسم الدولة. فاإلثنية والدين والطائفة والعائلة والمنطقة والسلطة المسورة بحدود سياسية أشكال من الهويات السائدة والمتناقضة والتي تحمل خطابا أيديولوجيا مبررا لكل هوية. تضمن كل هوية من هذه الهويات موقعها من تشكل الوعي األيديولوجي بها. ونحن أمام وقائع ال مجال لنكران وجودها ثم نحن أمام وعي هذه الوقائع وبخاصة الوعي األيديولوجي. العرب. البربر الكرد إثنيات ألقوام موجودة تاريخيا. دعك عن وعي كل إثنية عند أصحابها الذي يصل حد القول إن كل إثنية تشكل أم ة. يتحدد الوعي باإلثنية في المنطقة العربية بوصفه وعيا باألصل أوال. يقود الوعي باألصل إلى تصور عرقي للهوية ال يعني أن يتأتى عن ذلك التصور عنصرية ما لكن وعي الهوية بوصفها أصال إثنيا يحول األصل إلى طريقة في الوعي )الهوياتي( يأتي على مفهوم األمة بوصفها هوية تقوم على الشعور المشترك. فضال عن ذلك فإن بعض األقليات اإلثنية تعو ل على فكرة األصل التاريخي القديم لتأكيد تمايزها التام عن األكثرية. بل ويصل بها الحد إلى تنامي الشعور الشوفيني لديها تجاه األكثرية التي تراها طارئة على مكان سكناها. وليس هذا فحسب فهناك أشكال من الوعي بالهوية تأسيسا على تاريخ قديم. فنصادف مهاجرا من حوران إلى جبل لبنان ليعلن أنه ليس عربيا بل فينيقي ومصري أصله من اليونان ليؤسس وعيه )الهوياتي( بانتمائه إلى أجداده الفراعنة ويعلن مصر فرعونية. وهكذا صحيح أن هذا الوعي )الهوياتي( يظل محصورا في ثلة من النخب التي ينمو لديها المتخيل العرقي الزائف لكنه قابل ألن يتحول في ظل األزمات مسدودة الحلول إلى أيديولوجيا عنفية. والحق أن كل هذه الهويات المتيقظة بدرجات متفاوتة هي التي تجعل من الهوية مشكلة في انتقال الهوية من حالة أنثربولوجية إنسانية إلى حالة أيديولوجية معلم هام من معالم أزمة واقع وأزمة وعي بامتياز. والعرب من األقوام القليلة التي تشعر بأن هويتها معرضة للخطر عالمنا العربي. وتزاد المشكلة تعقيدا حين تتحو ل هذه الهويات إلى أيديولوجيات تعصبية أو عنفية أو شوفينية بامتياز. والهوية األيديولوجية الشوفينية»المتعصبة أو العنفية«هي التي ترفع من شأنها بشكل مرضي وتستصغر شأن الهويات األخرى وتتعالى عليها فتتحول الهوية الشوفينية إلى هوية نافية لآلخر وسالبة لحقه. وفي هذا األمر تستوي هوية األكثرية مع هوية األقلية. بل إن هوية األقليات أكثر شوفينية لهويتها من هوية األكثرية ذلك أن تأكيد وجودها الصغير والضعيف يستدعي منها تعصبا مرضيا. فدعوة بعض مثقفي األمازيغ في المغرب إلى رحيل العرب من حيث جاؤوا شاهدا على تلك الصورة الشوفينية لهوية بعض نخبة األقلية. وحديث بعض المنتسبين إلى أحزاب طائفية في لبنان عن القيمة الكيفية للطائفة مقابل قيمة عددية ألخرى هو اآلخر تعبير عن شوفينية مرضية. وقس على ذلك شوفينية الهوية القومية العربية عند بعض القوميين من حيث اإلعالء المطلق للعرب على باقي األمم.. والهوية اإلسالمية السياسية التي تعود بنا إلى الماضي لتحقق في الحاضر. والحق أن انتقال الهوية من حالة أنثربولوجية إنسانية إلى حالة أيديولوجية معلم هام من معالم أزمة واقع وأزمة وعي بامتياز. والعرب من األقوام القليلة التي تشعر بأن هويتها معرضة للخطر من قبل غزو دائم للغرب فتحو ل الغرب من دول ذات طبيعة استعمارية توسعية مسيطرة إلى دول تعادي هوية مع غض الطرف عن السمة األساسية للغرب. وهكذا يتحول الواقع االستعماري الجديد إلى غزو ثقافي. الهوية واالختالفوالثقافةالعربية ما الذي يجعل من الهوية واالختالف في الثقافة العربية المعاصرة مشكلة للبحث والدرس أطرح قوال كهذا في الوقت الذي تتصف فيه كل ثقافات العالم بمثل هذه الظاهرة. وال تبرز فيها جميعها هذه المشكلة. إني ألعتقد أن هذه المشكلة ما كانت لتبرز على هذا النحو الظاهر لوال اإلحساس المتنامي للعرب بأن وحدتهم القومية التي تبدو كمشروع معو ق ال تكتمل في صيغتها السياسية إال بإنجاز وحدة ثقافية تأتي على تنوع هو في الظن عامل سلب لها. فتوزع العرب إلى دول قطرية وما ينتج عنه من اختالف سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي ووجود أقليات إثنية يبرز وعيها الذاتي في لحظات ترهل الكفاح السياسي العربي وانشطار بعض المجتمعات العربية إلى ملل دينية تأخذ صيغة البنى المعادة ذات تعبيرات أيديولوجية والعالقة مع الغرب المتقدم التي تواجه بتحص ن بالهوية الثقافية بدواع أن هناك غزوا ثقافيا ينال من الثقافة القومية. والتناقض بين ثقافة تقليدية وثقافة حديثة. كل ذلك يقف وراء تحول الثقافة إلى مشكلة أنتجت جملة من المفاهيم المتقابلة: الثقافة القطرية والثقافة القومية الثقافة األصلية والثقافة المعاصرة الثقافة القديمة والثقافة الجديدة اإلسالم والغرب التراث والتجديد االستشراق واالستغراب.. إلخ. أما نحن فسندخل مدخال آخر في بحث هذه المشكلة. مدخلنا يقوم على نقطة انطالق أولى مفادها: أن وجود الثقافة سابق على هويتها أو ماهيتها. ولما كان وجود الثقافة أمرا تاريخيا فهوية الثقافة هي األخرى تاريخية. إذا الهوية سيرورة ال تكف عن التعين والنظر إلى الهوية الثقافية باقتالعها من تاريخيتها فعل متناقض كلية مع منطق الثقافة ذاتها. وال شك أن الثقافة في لحظة ما هي هوية بوصفها بنية ولكن إن هي إال لحظة.. حتى تلك المجتمعات الراكدة تاريخيا ال تستطيع اإلفالت من عملية تفتيت بنيتها الثقافية. واألمر أكثر سطوعا من حيث التغير في المجتمعات الحيوية التي ال تنفك تعيش تناقضا متعدد األوجه يعي ن على نحو مستمر حالها الثقافي. إن ذلك ال ينفي إطالقا استمرار صالح مفهوم الثقافة القومية معرفيا للتعبير عن خصائص ثقافة أم ة محددة في زمن محدد من تطورها. وذلك: أن الثقافة القومية هي جملة من السمات النفسية الروحية والقيمية واللغوية واألدبية يحضنها شعور مشترك باالنتماء يخلق الوعي بالتمايز يتكون تاريخيا. تعريف كهذا ال يشير إطالقا إلى هوية مطلقة نشأت لمرة واحدة وإلى األبد. ولكن الثابت في هذه السمات أمران: اللغة والشعور المشترك باالنتماء كعنصرين ال ينفصالن ويعطيان للهوية ديمومتها على الرغم من اغتنائها الدائم. فاللغة دون شعور مشترك باالنتماء ليست عنصرا أساسيا في الهوية والشعور باالنتماء يضعف أو يزول دون اللغة مع أنه عنصر أقوى من عنصر اللغة ألنه مرتبط بإرث طويل من الذكريات واإلحساس باألصل تعززه بعض العادات والتقاليد. استنادا إلى ما سبق: كيف ننظر إلى وجود الثقافة العربية من حيث هويتها واختالفها. ال شك أن الثقافة في لحظة ما هي هوية بوصفها بنية ولكن إن هي إال لحظة.. حتى تلك المجتمعات الراكدة تاريخيا ال تستطيع اإلفالت من عملية تفتيت بنيتها الثقافي كأي ثقافة حيوية ذات جانبين متداخلين نسبيا : جانب موضوعي يتكون من مجموعة القيم والعادات والتقاليد والمعتقدات الدينية تحدد على نحو عفوي أنماط السلوك وتنتقل من جيل إلى آخر بشكل عفوي إنها ثقافة غير موعي بها وتشكل طبيعة ثانية لإلنسان. وجانب ذاتي أي صادر عن ذات واعية مبدعة يتلقاه المجتمع عبر وسائل االتصال المتعددة كاألدب والفن واأليديولوجيا والعلم.. إلخ. ويحدث تأثيرا في الوعي وهذا ما نطلق عليه الثقافة الموعي بها. تتعرض الثقافة العربية في جانبها الموضوعي منذ عصر النهضة وحتى اآلن لتغير عميق بدأ بطيئا وصار متسارعا وهو تغير ال عالقة لإلرادة الواعية فيه مباشرة وذلك بفعل عاملين اثنين: -1 التطور الهائل في أسلوب اإلنتاج وما ينشأ عنه من طبقات وفئات اجتماعية وخصوصا بدخول التقنية الحديثة في اإلنتاج طبقات فئات تعينت مصالحها كقوى حديثة أسهمت وتسهم في تفتيت البنى االجتماعية التقليدية كما في تفتيت عالم القيم والنظرة إلى العالم وعالقات البشر ببعضهم بعضا وهذا بدوره ألقى بظله على الثقافة الذاتية المبدعة في مجاالت األدب والفلسفة واأليديولوجيا أي عالم الفكر بشكل عام. -2 االختراق المستمر للثقافة األوروبية التي تحولت بفعل عالمية الرأسمالية سواء أخذت الرأسمالية صيغة اإلمبريالية أو صيغة العولمة إلى ثقافة سائدة قادرة على االنتقال العفوي إلى األطراف. وهذا االختراق ما كان ليتم إال ألن العالقات الرأسمالية ذاتها قد شرعت باالنتصار في أغلب أقطار الوطن العربي. لكن هذه العملية تمت وتتم على أنحاء مختلفة في كل قطر من أقطار الوطن العربي وفي تعين هذه العملية وفق شروط كل قطر يبرز االختالف بما فيه االختالف الثقافي. فبلد كتونس مثال خضع بشكل مبكر لالستعمار الفرنسي ونشأت فيه عالقات رأسمالية بفضل توظيف الرأسمال االحتكاري في مرحلة مبكرة من القرن العشرين وهذا ما ساعد على نشوء طبقة برجوازية تونسية متجانسة مع الرأسمالية الفرنسية. وشهدت تونس كفاحا وطنيا قادته النخبة من الفئات الوسطى وأنجزته العدد - 16 مايو/ أيار
30 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف عام 1956 م. ثم عملت هذه النخبة على تأسيس دولة حديثة ذات عالقات رأسمالية وتحديث على غرار أوروبي. عملية كهذه شرعت في تحطيم مؤسسات المجتمع التقليدي وال سيما الثقافية القيمية فيها. وهذا ما ول د أشكاال من الوعي األيديولوجي الجديد نمت في إطاره مؤسسات حديثة: الحزب الثقافة الجامعة المدرسة. واآلن يعيش 50 بالمئة من سكان تونس في المدينة ولم يتجاوز عدد البدو الرحل حتى عام 1983 م ال 300 ألف شخص. وظلت الروابط الثقافية واالقتصادية بين تونس وفرنسا قوية فهناك اآلالف من التونسيين الذين يعملون في فرنسا ومازالوا مرتبطين بالوطن األم واللغة الفرنسية لغة منتشرة تصدر بها صحف يقرؤها السكان األصوليون. وهذا ما يعزز من اختراق الثقافة الفرنسية للثقافة العربية التونسية. وهذا ال ينفي أن الثقافة التقليدية والثقافة الحديثة كعالمين مختلفين تجدان حضورا لهما في علمنا الثقافي كله. وهذا ما يدعونا إلى القول: إن عملية رأسمالية المجتمعات العربية تسمح لنا بالحديث عن ثقافة مجتمع رأسمالي ال عن ثقافة رأسمالية سائدة. وهذا يعني أننا في ثقافة المجتمع الرأسمالي العربي نجد ثقافات ما قبل رأسمالية تفعل فعلها إلى جانب الثقافة الرأسمالية مع تفاوت في هذه الظاهرة بين هذا القطر أو ذاك. أي لم تصل المجتمعات العربية حتى اآلن إلى انتصار الثقافة الرأسمالية غير أن الميل هو نحو انتصار الثقافة الرأسمالية. وإن طرح مسألة الهوية واالختالف في الثقافة العربية المعاصرة في إطار تحليل كهذا يجن بنا النظرة السكونية للمسألة. فانطالقا من أطروحتنا أن العالقات الرأسمالية هي التي تحدد مصير المنطقة فإن االختالف يقل وعامل الهوية يزداد بوصفها هوية مصير. ولكن المسألة في تحديد الهوية ال تعود إلى رأسمالية المجتمعات العربية فحسب وإنما إلى رأسمالية بالد تحوز على ثقافة مشتركة وشعور مشترك باالنتماء يتنامى أكثر فأكثر في الشروط الجديدة. وإذا كان صحيحا أن الرأسمالية في شروط العولمة الجديدة توح د العالم على نحو أكثر وخصوصا في مجاالت االقتصاد على نحو كبير وفي مجال الثقافة على نحو أقل لكنها أي العولمة لم تلغ التمايز بين األمم والشعور باالنتماء. بل قل إن العرب في ظل العولمة يحصلون على شروط أفضل لوحدتهم الثقافية. وقد يعترض البعض قائال إنها لمفارقة حقا. فالعولمة تنتج اآلن ثقافة ما فوق قومية. ولماذا هي في حال العرب أحد عوامل إنتاج ثقافة قومية كلما ازداد التواصل بأشكاله المتعددة اكتسبت الثقافة العربية شخصية وساهمت في بلورة الهوية المشتركة وخصوصا عبر الثقافة الواعية التي ال تنفك اآلن تجعل من مبدعيها رموزا ما فوق قطرية الحق أن العرب يتوافرون باألصل على مشترك ثقافي وعوامل نبذ عديدة لهذا المشترك أهمها حالة التجزئة السياسية وما يترتب عليها من أشكال تجزئة اقتصادية وثقافية ومنع التواصل. والعولمة التي وفرت شروط التواصل العالمي أسهمت بدورها بكسر حالة االنفصال السائدة وخصوصا على مستوى االنفصال الثقافي. فالتلفاز عربي اليوم والكتاب عربي واالنتقال أفضل بما ال يقاس والهاتف دخل أداة يومية لالتصال ناهيك عن عشرات الصحف والمجالت التي يتم تبادلها وعشرات المؤتمرات المشتركة التي فضال عن توفير سبل االلتقاء والحوار توفر أيضا شعورا مشتركا بالمشكالت. وكلما ازداد التواصل بأشكاله المتعددة اكتسبت الثقافة العربية شخصية وساهمت في بلورة الهوية المشتركة وخصوصا عبر الثقافة الواعية التي ال تنفك اآلن تجعل من مبدعيها رموزا ما فوق قطرية. غير أننا نواجه في عالقة الثقافة الموضوعية والثقافة كفعل واع ظاهرة طريفة أال وهي: تحول عناصر من الثقافة غير الموعي بها إلى ثقافة موعي بها وخصوصا على صعيد القيم والدين. كيف تتم هذه العملية قلنا إن الثقافة غير الموعي بها تتعرض ألسباب موضوعية داخلية وخارجية لعملية تغير حقيقية. فالتقنية تخلق ال محالة ثقافة تنحو نحو تغيير العالقة بين اإلنسان والطبيعة وتتطل ب حدا أدنى من التفكير العلمي الذي يتنامى في إطار عالقة اإلنسان باآللة ودرجة تعقدها الحاصل اآلن وإنجازات العلم قد أودت بأساطير ورؤى قديمة فإجابات العلم االختباري على أسئلة قديمة في علم الحياة أو الفيزياء أو الفلك.. إلخ تحر ر التفكير من األوهام السابقة ونكران صحتها أمر يدعو إلى السخرية. وازدهار المدينة وتوسعها وانتصار الفردية في العمل وتغير مرجعية الوالء يأتي على قيم لم تعد صالحة كمحددة للسلوك الفردي فتشيع قيم مجتمع رأسمالي يقوم على المنفعة والفردية وتلبية الحاجات كما تشيع فيه قيم االحتجاج اإلنساني. والتعرف على منجزات الثقافة الغربية وخصوصا المبدعة منها العلوم اإلنسانية والعلوم الطبيعية وأشكال اإلبداع الفني واألدبي يغني تجربة الوعي بالعالم. ولما كان المجتمع أي مجتمع ينطوي دائما على قوى محافظة وعلى فئات ذات مصالح ال تتحقق إال باستمرار القديم فإن التغي ر الموضوعي يضعها وجها لوجه أمام مواجهة مباشرة أو غير مباشرة للجديد. وليس أمام قوى كهذه إال أن تنقل جزءا من الثقافة من حقلها الموضوعي وهي في عالمنا الثقافة الدينية إلى حقل الثقافة عامر النحاس الذاتية الموعي بها وتعيد صياغتها في قالب أيديولوجي خالص أساسه فكرة الحفاظ على الهوية التي تتعرض لمؤامرة االبتالع من ثقافة وافدة وهي في حالنا الثقافة الغربية وممث لوها في الثقافة العربية كما يظن. وهكذا تنتقل حركة التغير من حالة موضوعية إلى حقل الصراع األيديولوجي. أي تنتقل آلية التناقض بين ثقافة قديمة وثقافة جديدة من حقل العفوية إلى حقل تناقض فكري أيديولوجي سياسي بين أصحاب الهوية المغلقة ودعاة الهوية المفتوحة. وليست القضية هنا بثقافية بحتة إنما الثقافة هي التعبير الظاهر واللباس المبرقع الذي تلبسه التناقضات الواقعية. من هذه الزاوية يجب أال ننظر إلى التناقض الثقافي الحاصل اآلن بين دعاة الهوية المغلقة وأصحاب الهوية المفتوحة على أن ه مظهر سلبي أو أنه نكوص فقط بل هو تعبير عن حيوية المجتمع وركوده معا وإن أخذ أشكاال من العنف لدى بعض الجماعات المتطرفة. الهويةوالطائفة والطائفية تشكل آسيا العربية مكانا فريدا في التنوع الطائفي اإلسالمي. ففيها يعيش السنة والشيعة والعلويون والدروز واإلسماعيليون والبهائيون واإلباضيون. وبالرغم من أن السنة هم األغلبية فإنهم تعايشوا مع األقليات األخرى ودون صراع طائفي. ولم يلحظ المرء منذ عصر النهضة وحتى وقت قريب من نهاية القرن العشرين تعي ن التنوع الطائفي في حركات وأحزاب سياسية ما خال اإلخوان المسلمين وحزب التحرير العدد - 16 مايو/ أيار
31 ملف انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب اإلسالمي واألحزاب الطائفية المحلية في لبنان في بلد يقوم نظامه السياسي أصال على التقاسم الطائفي. ثم نشأت بعد ذلك األحزاب الشيعية في العراق كحزب الدعوة وما شابه ذلك. والحق أن الطوائف اإلسالمية وقائع تاريخية وواقع موضوعي والناس يتوارثون االنتماءات الطائفية دون خيار منهم. فيما بلدان مصر وليبيا والمغرب العربي فإنها بلدان ال طوائف فيها سوى اإلسالم السني ولهذا فإن األحزاب اإلسالمية ال تواجه معارضة إال الشعبية السنية أيضا. أما مسيحيو سوريا والعراق ومصر فليس لهم أحزاب معلنة تمثلهم. والخطر الذي أحدق بالمنطقة العربية اآلسيوية هو االنتقال من الطائفة إلى الطائفية واألكثر خطرا انتقال الطائفية إلى عصبية حاكمة. وإذا كان أمر الطائفة معروفا من حيث أصلها وفصلها ومعتقداتها ونمط عيشها وأخالقها وقيمها فإن أمر الطائفية هو الذي يحتاج إلى نظر. الطائفية بالتعريف هي هوية ذات نزعة تعصبية للطائفة. وكل نزعة تعصبية هي نزعة إقصائية لآلخر سرا أو علنا. بل قل الطائفية انتقال العصبية الجامعة بوصفها هوية أنثروبولوجية إلى هوية تعصبية إلى تعص ب.. وفي حال انتقال التعصب الطائفي كهوية إقصائية إلى النظام السياسي الحاكم فإن تحطيم العقل والمجتمع يحفر مجراه ببطء داخل جسد المجتمع ليصل إلى مرحلة التدمير الشامل للحياة والهويات الوطنية. وتشهد بالد الشام والعراق ومصر وهي البلدان األبكر في الحداثة حركة نكوصية تعصبية غريبة وغير معقولة ألنها غير متوقعة في اإلطار التاريخي لهذه البلدان. فلقد انتشرت اإلخوانيات على نحو واسع: اإلخوان المسلمون واإلخوان الشيعة وغيرها من اإلخوانيات المتعددة هذه عبر العصبية الدينية التي تحولت إلى عصبية سياسية ومن ثم نقلت الطائفة إلى طائفية دمرت مجرى التاريخ الطبيعي آلسيا العربية عموما وألكثر بلدانها تقدما. فلقد بدأ التاريخ الطبيعي لبالد الشام والعراق عصر النهضة العربية بالفكرة القومية الجامعة أي فكرة العروبة أو الفكرة السورية القومية. والحق أن الجسد الثقافي الشامي والعراقي كان في الغالب جسدا قوميا و ذ ا هوية قومية عربية مع وجود أيديولوجيات أخرى. وحتى حركات االستقالل والتحرر اتكأت على األيديولوجية القومية. فازدهرت في الطائفية بالتعريف هي هوية ذات نزعة تعصبية للطائفة. وكل نزعة تعصبية هي نزعة إقصائية لآلخر سرا أو علنا. بل قل الطائفية انتقال العصبية الجامعة بوصفها هوية أنثروبولوجية إلى هوية تعصبية الخمسينات الفكرة القومية العربية على يد حركات البعث والقومين العرب ومن ثم فيما بعد الناصريين. وبدا أن مجرى للتاريخ ينمو نحو هوية قومية عربية. ولم يخطر على بال أحد أن تنهزم الحركة القومية في بالد الشام و العراق على هذا النحو الفاجع. بل ولم تنتصر الهوية السورية أو الهوية العراقية باستثناء الهوية الفلسطينية التي بسبب القضية والكفاح السياسي والمسلح برزت واقعا واضحا قبل أن تلوثها باألخونة. حين حكم البعث سوريا كان من الطبيعي أن تنتصر الفكرة القومية هوية جامعة للسكان فمنذ 1963 عام استيالء البعث عن طريق العسكر على السلطة ظل الخطاب اإلعالمي والتربوي والتعليمي مطبوع بطابع الهوية القومية. ولكن الخطاب سرعان ما فقد تأثيره عبر الممارسة في احتكار السلطة والقضاء على حال الدولة. ففي الوقت الذي تنتصر فيه السلطة على الدولة وتدمر الدولة تبحث السلطة عن عصبية تسمح باستمرارها. فماتت العصبية األيديولوجية البعثية القومية وانتصرت العصبية الطائفية التي بعثت العصبيات الطائفية األخرى. وهكذا انهزمت عصبية الدولة وعصبية األمة. أما في العراق التي حكمها البعث أيضا حيث كانت عصبية السلطة منقسمة إلى عصبية حزبية وعصبية عائلية انتصرت عصبية السلطة على هوية الدولة الهوية العراقية أوال وعلى الهوية القومية ثانيا ولكن لم تكن للنظام هوية طائفية بل نشأت الهوية الطائفية الشيعية بوصفها معارضة للنظام وبدعم من الحالة اإليرانية حيث إيران اآلن هي الدولة الدينية الطائفية الوحيدة في العالم. أما في فلسطين حيث حركة المقاومة و م.ت.ف هي حركة وطنية علمانية نشأت فيها النزعة الطائفية المتدينة بفعل هزيمة المشروع الوطني الحداثوي فكانت التي حولتها السلطة إلى حركة سلطة فقط عبر شعار مستتر غزة تكفيني. وإذا كان انتصار السلطة على الدولة في كل من سوريا والعراق قد نقل الطائفة إلى طائفية وأد ى إلى وجود سلطة طائفية ألول مرة في العراق الحديث وسلطة شيعية متدينة وتعيش الهوية اآلن في هذين البلدين أزمة وجودية خطيرة فالطائفية هي نظام السلطة السياسي وهي أساس الهويات في مناطق منعزلة وهي مناطق جرى تجميعها بشكل عشوائي من قبل الفرنسيين. فالطائفية في لبنان طائفية مقاتلة ومسلحة ولهذا لم ينتصر االندماج االجتماعي ليشكل هوية لبنانية. فإذا كانت السلطتان في سوريا والعراق قد حطمتا مشروع الدولة الذي بدأ في أربعينات القرن الماضي وتشهدان اآلن تحطم التعايش واالندماج بفعل العصبية الطائفية فإن لبنان باألساس لم يشهد مشروع الدولة بل تأسس على مبدأ التقاسم الطائفي للسلطة فقط. وإذا كان األمر كذلك وهو كذلك فإن البديل الوحيد للخروج من حال تحول الطائفة إلى طائفية هو إنجاز الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية ومنع أي حزب يتخذ من الطائفية مبدأ له وإن مبدأ الديمقراطية العلمانية ال يستقيم مع وجود أحزاب ذات أيديولوحيات طائفية دينية. ولعمري أن وجود أحزاب شيعية متعصبة وحاقدة في العراق يعني أكبر كارثة في تاريخ العراق الحديث إذ عمل على تحطيم الهويتين العراقية والعربية معا. كما أن وجود سلطة طائفية في سوريا قد حطم أهم مشروع قومي عربي في تاريخ العرب المعاصر كما حطم المجتمع السوري نفسه. ليس هناك سوى خيار واحد وحيد الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية. أجل يجب لقيام الدولة فصل الدين عن الدولة في دولة ديمقراطية ال وجود فيها للحق في قيام األحزاب الدينية أو األحقاد الطائفية. الطائفية سواء كانت حزبا أو سلطة أو خطابا جريمة تاريخية كبرى هي قتل للحياة وتدمير إلمكانية قيام الدولة وأساس للحروب الداخلية ومدخل للوالءات الخارجية وتحطيم للسيادة الوطنية. الهويةالنائمةوالهويةالمتخفية الهوية النائمة هي في األصل هوية ضعيفة نوعا ما وإال لما غفت أصال وما كانت لتغفو إال ألن هناك هوية أقوى قد احتلت المكانة األرأس في الذات. ففي لحظة من لحظات الوعي األيديولوجي السياسي بالعالم تنتصر الهوية األيديولوجية والفكرية فإما أن تصبح هوية دائمة قابلة للتجديد ويعبر عنها قوال وفعال فتنتصر على سواها من الهويات التي ورثتها الذات كالهوية اليسارية أو الهوية القومية العربية أو الهوية القومية السورية أو الهوية العلمانية أو الهوية الفلسفية وإذا ما نظرنا إلى هذه الهوية عن طريق السلب فإننا نتحدث هنا عن هوية تنفي ما يتناقض معها داخل الذات نفسها. فإذا كنت قوميا مثال فإنك وال شك تنفي هوية طائفية وإقليمية إذ من المستحيل أن تجتمع هاتان الهويتان معا. وإذا إجتمعت هويتان غير متناقضتين كالهوية القومية والهوية إن الهوية المنتصرة أيديولوجيا وفكريا وفلسفيا هي منتصرة في حدود تراجع الهوية األضيق إلى الخلف وعندها تغط بالنوم وال تستيقظ إال إذا جاءت ظروف حملتها على االستيقاظ الوطنية فإن إحداهما )أحدهما( يجب أن تتفوق على أخرى سلوكا على األقل. أو إن الهوية المنتصرة أيديولوجيا وفكريا وفلسفيا هي منتصرة في حدود تراجع الهوية األضيق إلى الخلف وعندها تغط بالنوم وال تستيقظ إال إذا جاءت ظروف حملتها على االستيقاظ. وعليه فاستيقاظها من حيث درجة نشاطها متوقف على الموقف نفسه وطبيعته وهناك اختالف بين استيقاظها لدى الفرد واستيقاظها لدى الجماعات. فلقد مضى زمن طويل قبل أن تستيقظ الهوية الطائفية في المجتمعين السوري والعراقي وقبل أن تنتقل من عفويتها الطبيعية إلى قصدي تها السياسية كما نرى اآلن. فاأليديولوجيا البعثية والناصرية والسورية القومية والشيوعية تقاسمت هوية السنة والعلويين والدروز واإلسماعليين والمسيحيين في سوريا كما تقاسمت األيديولوجيات القومية والعراقية والشيوعية والءات العراقيين ولم تستطع حركة اإلخوان المسلمين أو حزب التحرير أن تحتل المكانة التي إحتلتها الناصرية مثال في كال البلدين. وظلت الهوية السنية هوية بسيطة خارج حدود الممارسة السياسية والوعي الذاتي. وهذا حال هوية األكثرية بعامة. وقس على ذلك باقي الهويات باستثناء الهوية الكردية التي لم تسمح لها ممارسات األنظمة أن تتحول إلى هوية نائمة أصال. غير أن شدة وعي األقليات بهويتها أكثر من شدة وعي األكثرية عموما. وهذا يعود إلى بنية الجماعة النفسية. فالشعور برغبة الحضور لدى األقليات يول د لديها تضامنا قويا من جهة ونزوعا نحو تبني هوية جامعة والدعوة لها لتحقيق المساواة مع األكثرية. وفي كال الحالين ال تحملها هويتها من حيث المبدأ على نزوع طائفي ولكن هويتها متيقظة أكثر بسبب إحساسها باالختالف. وهذا أمر طبيعي. ويجب االعتراف أن الهوية السنية النائمة في سوريا والعراق لم تستيقظ إال بعد زمن طويل من شعورها بالغبن التاريخي وعدم المساواة أمام السلطتين الحاكمتين اللتين احتكرتا بشكل شبه كامل عنصر قوة الدولة: الجيش واألمن وما جر ذلك من توسع سلطتي الجيش واألمن ليشمل حياة المؤسسات جميعها. و اإلشارة إلى هاتين الهويتين كان يتم سرا وعالنية أحيانا غير أن استيقاظ العدد - 16 مايو/ أيار
32 ملف انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب الهوية السنية وضع النظامين في ورطة تاريخية لم يفكرا بالخروج منها أبدا على المستوى السياسي والمجتمعي. في مقابل الهوية السنية والهويات األخرى النائمة التي استيقظت على نحو نشط كانت تعمل على األرض هوية متخفية لدى المثقفين باألساس. والفرق بين الهوية النائمة التي استيقظت والهوية المتخفية أن األولى نامت بفعل غير إرادي واستيقظت بوصفها رد فعل فيما الثانية حاضرة في الوعي ومتخفية بفعل إرادي عبر قول غير طائفي وهنا تكمن الخطورة. كانت الهوية المتخفية تمارس التقية عن عمد ولكنها في الوقت نفسه كانت سعيدة بانتمائها الطائفي. ما إن قامت الثورة وصار لزاما على جميع المثقفين بعامة أن يتخذوا الموقف سرا أو عالنية ما عادت الهوية المتخفية قادرة على التخفي فأعلنت حقيقتها بوصفها جزءا من النظام المقاتل وذلك بحجة مواجهة المد اإلسالمي األصولي. والحق أن لعنة السلطة لم تسمح للهوية المتخفية إال أن تعلن عن موقفها على نحو يدعو إلى القرف وبدل أن تقدم البديل السياسي العلماني الديمقراطي البديل الوحيد الذي ينقذ البالد تاريخيا راحت تكيل االتهامات للعلمانيين واليساريين والديمقراطيين الذين يدافعون عن المستقبل الديمقراطي العلماني لسوريا بأنهم عادوا إلى سنيتهم أو مالوا إلى الحركات اإلسالمية أو عب روا عن أحقاد خفية. وكان سالحهم في ذلك الشتيمة. مع أن جميع اليساريين والقوميين والعلمانيين بمن فيهم من دخل السجون بذلوا جهودا هائلة مع النظام إلخراجه من ورطته التاريخية ومساعدته على إتخاذ مشروع جديد لإلنقاذ وما من مثقف يساري ديمقراطي إال وكان يدرك الخطر المحدق بسوريا المستقبل. وهؤالء لم يكن لديهم أصال هوية نائمة فيما كانت الهوية المتخفية تمارس نوعا من اإللهاء والشطارة الزائفة والغباء التاريخي. هل هناك من خطر الحق ليقظة الهوية النائمة وانكشاف الهوية المتخفية نعم هناك خطر وخطر كبير. فالهوية المتخفية والمستيقظة بعد أن تحولتا إلى هويتين مقاتلتين فإن فكرة التسامح لديهما ستضعف لزمن ليس قصيرا الهوية المنكشفة بعد الخفاء عزلت نفسها عن أن تكون جزءا من قوى المستقبل. والحق أن الهوية المستيقظة بوصفها هوية ضعيفة ستعود إلى حالها النائمة وقد تنتصر لديها مرة أخرى الهوية الكلية وهي وحدها أي الهوية الكلية المواطنة الدولة الديمقراطية العلمانية ستحرر الهوية ما إن قامت الثورة وصار لزاما على جميع المثقفين بعامة أن يتخذوا الموقف سرا أو عالنية ما عادت الهوية المتخفية قادرة على التخفي فأعلنت حقيقتها بوصفها جزءا من النظام المقاتل وذلك بحجة مواجهة المد اإلسالمي األصولي المتخفية من إرثها السيئ وستحول دون يقظة الهوية النائمة. إن أخطر ما يواجهه المجتمع أي مجتمع هو صراع الهويات وال سيما صراع الهويات الدامي وليس هناك إال حل واحد وحيد أال وهو قيام الدولة الديمقراطية المدنية العلمانية التي تحو ل جميع الهويات إلى هوية وطنية وتجعل من ثقافاتها ثراء يغني الحياة كما أشرنا. الهويةوالدولة اعتقد أن العرب يعيشون حالتين متناقضتين بل قل حركتين متناقضتين: األولى: حركة موضوعية تنحو نحو التوحيد وتحقيق الوعي الذاتي باالنتماء. وهذا شرط ضروري غير كاف لتكون األمة الدولة. تتم هذه الحركة في جميع المجتمعات العربية تقريبا دون قصد. تتجلى أكثر ما تتجلى هذه الحركة في الثقافة كما أشرنا على نحو واضح وجلي وقوي سواء نظرنا إلى الثقافة بالمعنى األنثروبولوجي أو بالمعنى اإلبداعي للكلمة. بل إن الثقافة بالمعنى اإلبداعي تقوم بتعويض شديد لما تخرجه سياسات الدويالت. وعندي أن النخبة العربية المبدعة في مجاالت الفكر واألدب والصحافة المكتوبة واإلعالم التلفزيوني والسينمائي قامت وتقوم بدور لم يحصل لنخبة في العالم أن قامت به على مستوى خلق الوعي بالهوية في شروطنا. وال شك أن هذه النخبة قد استفادت كثيرا من واقع موضوعي هو واقع االتصال اليوم حيث زالت حدود المنع التي مارستها الدويالت سابقا وآنفا من هذه الدويالت. وإن كان الكتاب ما زال عرضة لالعتقال فإن وسائل انتشاره الشعبية عن الطرق الحديثة جعلت من الكتاب الممنوع أكثر انتشارا من الكتاب المسموح. وكل ذلك يتم بانهيار شبه مطلق للجهاز اإلعالمي األيديولوجي للدويلة العربية وعزوف البشر عن تصديق األكاذيب غير المعقولة التي يبثها هذا الجهاز األيديولوجي.. وهناك مظهر آخر من مظاهر هذه الحركة الموضوعية أال وهو الموقف من الصهيونية وإسرائيل. ففي الوقت الذي نشهد فيه ميال نحو ثبات الدول التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وتأكيد الهوية كجنسية للدولة تشهد المنطقة وعيا شعبيا يميل إلى هويته العربية. فضال عن الميل المتعاظم لوعي الهوية الدينية. إن المجتمعات العربية التي كانت مستعمرة والتي سارت شوطا في طريق التقدم الموضوعي وأهمه تفكك البنى القديمة أصبحت تقع في تناقضات من حيث نظامها السياسي وصورتها وجوهرها. وبالتالي تقع في تناقض مزدوج: تناقض مع حركة العرب الموضوعية نحو الوعي بالهوية القومية عامر النحاس وتناقض مع المجتمعات التي تحكمها والتي أصبحت أكثر تقدما من بنية هذه السلطة ولم تستطع الدولة أن تتحول إلى كابح للحركة إال بفضل أقصى درجات القمع والتخريب ولهذا تراها: تقدم خطابا زائفا حول السيادة وخطابا زائفا حول تاريخها. فالسيادة بالمعنى الذي تقدمه الدويلة العربية ال تعني سوى البقاء كما هي دون أي ارتباط بالكل العربي وظاهر الخطاب هو عدم التدخل في شؤون الدويالت األخرى. وكلما أحس ت هذه الدويالت بمأزقها التاريخي زادت من آلية االنكفاء على ذاتها اقتصاديا وسياسيا وبالغت من إجراءات السيادة الشكلية. والسبب األقوى لتقوقعها يكمن في أن كل تكامل على مستوى الدويالت يؤدي بالضرورة إلى إضعاف سيادتها. هنا بالذات يكتمل مأزق الدويلة القطرية من حيث ال شرعيتها كدويلة وال شرعية سلطتها بالذات. من هنا يكون الجواب على السؤال التالي هو من قبيل تحصيل الحاصل: لماذا يصبح 300 مليون عربي يسكنون بقعة تمتد من المحيط األطلسي إلى الخليج العربي تجمعا هامشيا على مستوى العالم وغير قادر على حل مشكلته األساسية إزالة إسرائيل من الوجود. هل هناك حل ومخرج من هذا المأزق في اعتقادي أننا نعيش حالة األجوبة الجاهزة غير المقنعة والتي ال تمتلك آلية تحققها. كأن نقول مثال : إن مواجهة النذر السياسي تكمن في تحقيق الوحدة القومية أو مواجهة الوضع االقتصادي للدويالت غير ممكن إال في إطار الوحدة االقتصادية أو أن تحرير فلسطين لن يكون إال ثمرة اشتراك العرب جميعا في الصراع. إن أجوبة كهذه هي بحث من النقيض البديل الذي أثبتت األيام أنه ال يمتلك شروط تحققه. وعندي أنه من المستحيل تحقيق أي هدف من أهداف العرب دون المدخل السياسي لفهم الدول وسلطتها. أشرت فيما سبق إلى تناقض حركتين: حركة موضوعية جاذبة وحركة ذاتية نابذة.. أعتقد أن التناقض األولي هو بين مجتمع الدولة وسلطتها وهو الذي أنتج الربيع العربي وال شك أنها مسألة في غاية التعقيد كما تبدو اآلن في إطار النزعات المنتشرة للتغيير دون أن نلمس أثرا يذكر اللهم سوى بعض التكيف هنا وهناك أقصد تكيف السلطة وهو تكيف لم يصل إلى تغيير ماهيتها. ما يجب أن يكون نظريا هو إنتاج سلطة مطابقة في العموم مع خيارات المجتمع أي مع الحرية في التعاقد السياسي والتعاقد الوطني والتعاقد االجتماعي.»هذا الذي يجب أن يكون«أمامه عوائق تراكمت في أغلب المجتمعات العربية أهمها عائق إفراغ المجتمعات العربية من حياتها السياسية أو الحيلولة دون قيام شخصية سياسية في مجتمعات لم تعرف باألصل الحياة السياسية. فاستمرار القمع مدة طويلة أنتج ضعفا شديدا في فاعلية المجتمع بكل طبقاته وفئاته وبخاصة الفئات الوسطى التي هي قلب المجتمع الحي. الهويةوالخصوصية ينتمي مفهوم الخصوصية إلى حقل الثقافة واالجتماع والسياسية والقيم إنه مفهوم يشير إلى االختالف الواقعي لتعي نات كل ما سبق يشير إلى اختالف التطور التاريخي العدد - 16 مايو/ أيار
33 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف للتجمعات البشرية. وليس ألحد أن ينكر خصوصية اإلقطاع الشرقي ينتمي إلى الهوية التي يدافع عنها وإلى الخصوصية التي يتوهمها موضوعية هي العرب وبين ظاهرة أيديولوجية هي والتحية والزواج والقرابة والقيم المعشرية رغم ما أصابها العثماني عن خصوصية اإلقطاع األوروبي في القرنين الخامس عشر كل ما هناك نوع من التفكير المنبت. األيديولوجيا القومية. وهذا التوحيد الزائف يخلق لدى من تزعزع مازالت مشتركة. والسادس عشر كما ال أحد بقادر على نفي اختالف تطور المجتمع وهكذا يتحول االختالف والتنوع من ثراء واقعي للحياة وللفكر إلى بعض األقوام غير العربية نزعة تعصبية ضد العرب بل ويبرر أما إذا ما تحدثنا عن الثقافة المبدعة فإننا نحصل على أقوى الروسي في القرن التاسع عشر عن المجتمع االنكليزي.. وقس على أيديولوجيا ضد الحياة والفكر ومصالح األكثرية. ظهور الهويات الطائفية المتعصبة والتأخرية ويساعد الوعي برهان على العامل الجاذب للهوية العربية والتعبير األصدق ذلك اختالف قيم أوروبا عن قيم جنوب شرق آسيا.. إلخ. ولعمري: إن الخصوصية هي أكثر المفاهيم التي تحولت إلى مفهوم الديني المتطرف على التوسع. العرب هم واقعة بشرية إثنية- على المتحد الثقافي. عند هذا الحد يظل مفهوم الخصوصية أداة معرفية لفهم المجتمعات تآمري سالب للحرية والتقدم. ثقافية. هناك قوم على هذه األرض يسمون بالعرب. تماما كما فالشعر والرواية والقصة والمسرح والفكر والفلسفة والفن واختالفها. الهوية والتاريخ: الهوية والوعي التاريخي هناك أقوام تسمى: الكرد واألرمن واأللمان.. الخ. فضال عن التشكيلي والسينما والدراما وهذا المكتوب كله باللغة غير أن هذا المفهوم ما إن ينتقل إلى حقل األيديولوجيا للتعبير لماذا نحن مثقلون بالتاريخ إلى الحد الذي لشدة ثقله على ظهورنا ذلك هناك وعي ذاتي باالنتماء إلى هذه اإلثنية- العرب. العربية والمسموع بها جعل من النخبة العربية مصدر وعي عن الهوية حتى يفقد هذه الوظيفة أي المعرفية ويتحول إلى أداة نعجز عن السير بل وال نستطيع أن نحبو! العرب- إثنية ووعيا - واقعة موضوعية وليسوا واقعة باالنتماء العربي. اللغة هنا ليست مجرد أداة استعمال كما تزييف للواقع ومبرر ألهداف ومصالح متعددة. وأسطع حالة من دعوني بداية أتوقف عند نحن وعند التاريخ فمن نحن وما التاريخ أيديولوجية. بل ما كان يمكن لأليديولوجيا القومية أن تظهر اإلنكليزية بالنسبة لألفريقي أو الهندي بل هي هوية تفكير حاالت تحول مفهوم الخصوصية من مفهوم علمي اجتماعي إلى يشير ضمير الرفع المنفصل هذا إلى قوم من الناس هم العرب والذين إلى الوجود لوال وجود العرب بوصفهم واقعة موضوعية. وإبداع ألنها لغة إثنية وثقافة أمة تبحث عن معادل لهويتها مبرر أيديولوجي هو تحوله عندنا في بالد العرب. وباستطاعتنا أن نرصد الحاالت اآلنية لمثل هذا التحول الذي أطلقنا عليه: أيديولوجيا يعيشون في عصر الثورة التقنية واإللكترونية والمعرفية عموما ثورة غيرت من عالقة اإلنسان بالحياة والطبيعة عبر تقدم عاصف جدا. واأليديولوجيا القومية ثمرة رغبة في شكل وجود العرب المأمول وليس في خلق هذا الوجود. اإلثنية والثقافية. وكل الثقافات المبدعة مهمومة أصال بما يماثل الهم الخصوصية. ولكنهم في العموم مازال وعيهم بالحياة ينتمي إلى عالم ما قبل هذه العرب والحال هذه هوية دون النظر إلى درجة فاعليتها العربي وتعبر عن حياة الناس بمعزل عن مستويات التعبير أوال : الخصوصية في أيديولوجيا السلطة: فلقد بات من المتفق الثورة العاصفة. أما التاريخ فيفهم منه األحداث والوقائع التي تمت في الحياة هوية موضوعية ال هوية رغبوية أو فكرية وموضوعاته. وال يقلل أحد من دور النخبة ووظيفتها في عليه أن السلطة في الوطن تسعى عبر الخصوصيات إلى التحلل في الماضي بكل ما تنطوي عليه من صراعات وإيجابيات وسلبيات أو أيديولوجية ولهذا فهي من نمط الهوية الثابتة. بل إن وعي الهوية المتجددة عبر الثقافة المبدعة. من األهداف المشتركة للعرب. غير أن السلطة في بلدان العرب وشخوص أساسية أو ثانوية وال تخلو أمة من األمم وال شعب من االحتجاج على هذه الهوية ينبع من قبل المنتمين إليها.. الخ. إن غياب الجوهر الحقيقي للدولة المعاصرة والتي تقوم على تحتج دائما بمفهوم الخصوصية لتأكيد هوية أبدية غير قابلة للتغير الشعوب وال جماعة من الجماعات من تاريخ خاص. لكن التاريخ من تكمن مشكلة العرب في أنهم قوم متعددو الدول كما أشرنا. أساس المواطنة والمساواة واالكتفاء بسلطة تؤكد التمايز فتتحدث عن اختالف التطور بيننا وبين أوروبا واختالف القيم جهة ثانية سيرورة وتغير وتجديد. وهذا يخلق وعيا ذاتيا ملتبسا ولكن ال ينفي الوعي الذاتي )الهوياتي( وتحول الهوية إلى عصبيات متعصبة هو الذي والعادات.. إلخ. إذ ذاك يصبح التخلف حالة طبيعية ناتجة بالضرورة عندي أن عالقتنا نحن بتاريخنا عالقة تنسينا الجانب اآلخر من األقوامي. يفسر لنا عدم انتصار الهوية الجامعة )هوية الدولة(. عن هذه الخصوصية. التاريخ أال وهو السيرورة والتغير. ويبدو لي أن هناك أسبابا أساسية ولهذا فإن غياب الدولة األمة الهدف المؤسس لأليديولوجيا إن فكرة )الدولة األمة( على ما فيها اآلن من طوباوية هي يضاف إلى هذا القيل األيديولوجي قيل آخر يسوقه مثقفو التجزئة حالت دون تحررنا من أسر التاريخ واستمراره عامل صراع وعامل القومية ال يعني غياب العرب. بل يعني غياب العرب الدولة- الحل األمثل لمشكلة الهوية في الوطن العربي. وحراس الطائفية مفاده أن هناك خصوصيات لكل قطر عربي تمنع تأخر. األمة ويبقي على الوعي بهذا الغياب بوصفه سلبا لإلرادة. فكما أن فكرة الدولة تخلق فكرة المواطنة والمساواة فإن قيام الوحدة أو أي شكل من أشكال الدولة األمة. أوال إن الحنين للماضي الذي لم نعيشه حالة غريبة لكنه نوع من وبالتالي يجب أن نميز بين األيديولوجيا القومية ومنطلقاتها مفهوم األمة يحقق حال االنتساب إلى األمة لكل المتعدد ولو تأمل أيديولوجيو الخصوصية هؤالء للخصوصية داخل أوطانهم النكوص المرضي بسبب وجود عوائق بنيوية موضوعية وذاتية النظرية والتي بدأت من النصف الثاني من القرن التاسع الهوياتي. إذ أن األمة ال تنفي تعدد اإلثنيات داخلها والهويات بالذات لكفوا عن هذا المقيل ألنهم سيتوصلون حتما إلى استحالة تحول دون تحقيق الحد األدنى في كثير من الدول العربية من عشر في بالد الشام والعراق من جهة والحس القومي المستندة إلى اإلثنية بل إن )األمة الدولة( أو )الدولة وجود القطر الواحد نفسه. الرضا بالحياة المعيشية وال يجدون في عالمهم ما يغريهم بالفرح به. العفوي الذي راح ينمو بوصفه نمطا من الثقافة المستندة إلى األمة( تغتني أكثر بحضور الهويات بالمعنى األنثروبولوجي فالمتأمل لخصوصية طرابلس الشام واختالفها عن خصوصية بيروت فيولون وجوههم شطر ماض تلقنوه عبر عملية انتقائية ولم يشهدوه. الشعور باالنتماء إلى العرب. اإلنساني للكلمة وتقضي على شروط تحول الهوية إلى الشرقية لدعا إلى االنفصال وإقامة اتحاد بين حمص وطرابلس إذ تختزن ذاكرتهم عالما جميال قد تحقق بفضل رسالة سماوية صالحة بل وقد دلل الربيع العربي على أمر في غاية الوضوح أال أيديولوجيا. الشام وإلى الوحدة بين جبل لبنان ووادي النصارى في سوريا. وقس لكل زمان ومكان. وبالتالي فإن األمل معقود لديهم في إعادة استعادة وهو أن العوامل النابذة -الدولة القطرية- لم تستطع أن تلغي وقائل يقول: إن األمة الدولة حالة قديمة تعود إلى ما قبل على ذلك خصوصيات شرق األردن المتماثل مع حوران وجبل العرب.. التاريخ واقعيا أي جعله هدفا مستقبليا وهنا تكمن المفارقة العجيبة العوامل الجاذبة بين العرب. العولمة ثم إنها عودة إلى خطاب قومي عفا عليه الزمن. وتشابه شمال شرق سوريا مع شمال غرب العراق.. مفارقة أن المستقبل موجود في الماضي وليس في عالم اليوم في غير أن العامل األساسي وإن كان قادرا على خلق أن تكون العولمة قد تجاوزت فكرة األمة الدولة فهذا قيل ولمن ال يعلم فإن شمال روسيا يمتلك من الخصوصية المميزة عن التاريخ الذي كان وليس في اآلتي. االصطفافات العربية- العربية المعبرة عن الهموم المشتركة أيديولوجي بامتياز فالعالم كل العالم مازال في حالة األمة جنوبها أكثر بكثير مما يمتلك المغرب من خصوصية تميزه عن فلسطين بل إن لهجة القلمون صعب فهمها على الحوراني من لهجة يحيلنا الركود التاريخي إلى االحتفاظ بصراعات األمس السحيق وجعلها حاضرة كصراعات حدثت للتو. فيصبح ابن الحاضر مسؤوال حتى لدى األنظمة ليس هو العامل الرئيس في عملية الجذب هذه. بل العامل الرئيسي هو العامل الثقافي بمعنييه: الدولة من أميركا إلى الصين. ويجب أن ال ننظر إلى األمة الدولة عربيا من زاوية الدولة أهل تونس.. عن تاريخ جرى. األنثروبولوجي واإلبداعي. المركزية الواحدة بل من زاوية اتحاد دول ال تلغي الدولة ثانيا الخصوصية في األيديولوجيا اإلسالمية ما إن يطرح مثقف عودة إلى السؤال: لقد طرحت على صفحات جريدة العرب وإذا كان صحيحا أن التحديث والحداثة قد زعزعا من القطرية من جهة ومن زاوية النظر إليها على أنها سيرورة عربي ضرورة التنوير والحداثة والديمقراطية والعلمانية وتحرر يوما السؤال اآلتي: من هم العرب العرب بوصفهم يتوافرون على وحدة المشترك الثقافي األنثروبولوجي فإنه لم يلغ السمات تنتج ذاتها على نحو دائم فليس من المعقول التاريخي المرأة والتجديد والدخول في روح العصر حتى ينبري األيديولوجي هوية المشتركة لهذه الثقافة بل وأفضى إلى تشابه في عملية أن يكون العرب واقعة موضوعية جدا دون أن يكون لهذه اإلسالمي إلى القول: وماذا نفعل بخصوصيتنا وقيمنا وديننا وهويتنا وفي العودة إلى اإلجابة التي كانت قبل عامين تقريبا أجدني اآلن التحديث والحداثة والتغريب فالحدود السياسية لم تستطع الواقعة الموضوعية معادل سياسي أجل فالهوية تحتاج إلى ثم يروح متهما خصمه بالتغريب والعدمية وما شابه ذلك من أوصاف أكثر اعتقادا بوجود العرب بوصفهم هوية. أن تلغي المتحد الثقافي لفلسطين واألردن وسوريا ولبنان. وال صورة والماهية تحتاج إلى وجود. وكأن الهوية قد ق د ت مرة واحدة وإلى األبد. وكما أشرنا فإنه من الوعي الزائف والخاطئ أن نساوي بين المتحد الثقافي بين بالد الشام والعراق فالثقافة الموضوعية أبو الخصوصية الدينية هذا إذا ما غربلته فلن تجد في نمط حياته ما العرب واأليديولوجيا القومية. ألن مساواة كهذه توحد بين ظاهرة في هذه البلدان: عادات األفراح واألتراح وطقوس الوالئم كاتب من فلسطين مقيم في اإلمارات العدد - 16 مايو/ أيار
34 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف العرب يحررون يوم الجمعة اختبار الهوية وعرب النكبة الكبرى من»عروبة«كعب بن لؤي إلى»ج م ع«الثورات إبراهيم الجبين من الجور اختزال الهوية العربية وتمظهرها الفكري والسياسي والثقافي في حيثيات القرن العشرين وما ظهر فيه من تي ارات وأحزاب قومية عربية ومنظرين. أي في زمن ما عرف بالثورة العربية الكبرى ثم زمن المد القومي وما تالهما من تداعيات درامية. حتى بوادر التفكير القومي المتأثرة بالفلسفة الغربية األلمانية منها باألخص والتي أعلنت عن ذاتها أواسط القرن التاسع عشر وأواخره لم تكن هي اإلعالن الحقيقي والوحيد الذي يمكن من خالله اقتفاء األثر وصوال إلى ما يمكن أن نسميه محنة الهوية العربية اليوم. واألجدر من وجهة نظري هو الشغل على مفهوم العروبة والبحث في ظالله التي اتسعت منذ القدم وأخذت أبعادا أكثر من مجر د هوية عرقية أو سياسية وتم استثمارها من قبل األحزاب السياسية التي استثمرت معها غيرها من المفاهيم إلعطاء ذاتها شرعية بين العرب ومن يساكنهم من الشعوب تلك البالد الممتدة من المحيط إلى الخليج. فقد كانت لحظة إطالق كعب بن لؤي كلمة الجمعة على يوم كان يسم ى العروبة كانت تجتمع العرب فيه من هنا وهناك لحظة فارقة تعب ر عم ا أراده الرجل وتصل القديم بالجديد حين تعود لتظهر من جديد بدءا من العام 2011 في خروج العرب في مظاهرات احتجاجية ليس مصادفة أن تكون كل جمعة وتحمل أسماء جمعة الحرب جمعة الكرامة.. الخ. ويذهب الزبير بن بكار في كتاب النسب إلى أن أول من جم ع وأطلق اسم الجمعة على هذا اليوم هو كعب بن لؤي بن غالب وهو أحد أجداد النبي محمد. فقد جم ع بالناس وكان يعظهم ويذك رهم ويخبرهم أن الله سيبعث نبيا في العرب وأنه سيكون من نسله ويأمرهم بمتابعته وطاعته. وقبل ذلك فالجمعة لم تكن تسم ى الجمعة وإنما كانت تسم ى يوم عروبة أو يوم العروبة. ويذكر علماء اللغة أن أيام األسبوع )السبت واألحد واالثنين والثالثاء واألربعاء والخميس والجمعة( لم تكن أسماؤها عند العرب القدماء هكذا. وإنما كانت لها أسماء أخرى. كانت كاآلتي أول أهون وج بار ودبار ومؤنس وعروبة و ش يار. ويسشتهدون على ذلك بقول الشاعر الجاهلي أؤمل أن أعيش وأن يومي/ ألول أو ألهون أو جبار/ أو التالي دبار فإن أفته/ فمؤنس أو عروبة أو شيار. هناك كانت الهوية التي انتبه إليها أصحاب المشاريع الجديدة فأسبغوا عليها الطابع الديني المقدس ألول مرة قبل أن يفعل هذا في أيامنا هذه من أراد صبغ الحراك المجتمعي الثائر بصبغة دينية سواء كان معه أو ضد ه ولذلك ظهر من قال ها هي المظاهرات تخرج يوم الجمعة فالربيع إسالمي إذن بينما قال اآلخر ما دامت المظاهرات تخرج يوم الجمعة فهي إذن ثورات متطرفين ولم يكن هذا في الواقع سوى تعبير منسجم مع سياقه التاريخي يؤكد من جديد على أن الربيع الديمقراطي عربي. بدت العروبة تيارا ثقافيا جامعا لألعراق واألديان وقبة معرفية على حد وصف الراهب المسيحي اإليطالي األب باولو دالوليو الذي دافع عن هذه الفكرة مرات ومرات في أبحاثه ومحاضراته وحواراته واصفا إي اها بأنها تجاوزت فكرة المتوسط جامع الحضارات على ضفافه الشمالية والشرقية والجنوبية. إلى كونها مظلة واسعة للجميع. عبر اللغة العربية من جهة وعبر االنفتاح الكبير للعرب على بقية الثقافات فباتت مالذا لهم وحاضنا لتفاعلهم المشترك. فلم يذكر التاريخ مر ة واحدة اندلع فيها نزاع عرقي من قبل العرب ضد غيرهم في البالد التي حكموها طيلة أربعة عشر قرنا. يثير هذا التصور بالطبع حفيظة من تضرروا من حكم البعثيين في العراق وسوريا ال سيما األكراد واإلسالميون سنة وشيعة. إذ يرون في ممارسات الحزب في البلدين تمظهرا عنيفا للشوفينية والعنصرية تجاه بقية األعراق من غير العرب. بعد أن طبق النظامان البعثيان مبادئ تنادي بالوحدة العربية ورفع القيم العربية فوق كل شيء بينما كانا يستثمران فيها مثلما استثمرا في االشتراكية والحرية والديمقراطية والعدالة. اختصارالعرببالمسلمين العروبة كثقافة مسألة ال يمكن الخالص منها موجودة في العادات والتقاليد واللغة والتاريخ والذاكرة الجمعية والتواصل اإلنساني اليومي بين العرب. وهي حالة متجذ رة تتجاوز الغالف األيديولوجي للفكرة القومية. وكان من أول مظالم تلك المسألة القول بأن التاريخ العربي يبدأ باإلسالم وهي واحدة من مشاكل تفسير النص ظاهرا وباطنا. في سورة يوسف يقول القرآن إان ا أان ز ل ن اه ق ر آ نا ع ر ب ي ا ل ع ل ك م ت ع ق ل ون ولكن في موضع آخر يقول ه و ال ذ ي ب ع ث ف ي اال أم ي ين ر س وال م ن ه م ي ت ل و ع ل ي ه م آ ي ات ه و ي ز ك يه م و ي ع ل م ه م ال ك ت اب و ال ح ك م ة و إان ك ان وا م ن ق ب ل ل ف ي ض ال ل م ب ين وليس مصادفة أن يكون موضع هذه اآلية هو سورة الجمعة بالتحديد. لكن المفسرين سارعوا إلى فهم األميين على أنهم من جهلة األعراب البدو وأن اإلسالم هنا جاء ليخرجهم من رعاعيتهم وانحطاطهم إلى التحضر مختصرين العرب كلهم في كلمة األميين التي قال عنها ببساطة مفسرو القرآن بتسر ع وربما بنية مسبقة الكلمات التالية: قال ابن عطية األميين : يراد بهم العرب واألمي في اللغة الذي ال يكتب وال يقرأ كتابا قيل هو منسوب إلى األم أي: هو على الخلقة األولى في بطن أمه وقيل هو منسوب إلى األم ة أي على سليقة البشر دون تعل م وقيل منسوب إلى أم القرى وهي مكة وهذا ضعيف ألن الوصف ب األميين على هذا يقف على قريش وإنما المراد جميع العرب. بينما قال القرطبي قال ابن عباس: األمي ون العرب كلهم من كتب منهم ومن لم يكتب ألنهم لم يكونوا أهل كتاب. وهكذا فعل أهل اللغة قال الراغب األصفهاني: وا أالم ي هو الذي ال يكتب وال يقرأ من كتاب وعليه حمل: )ه و ال ذ ي ب ع ث ف ي اال أم ي ين ر س وال م ن ه م ) قال قطرب: ا أالم ي ة: الغفلة والجهالة فاألمي منه وذلك هو قلة المعرفة ومنه قوله تعالى و م ن ه م أام ي ون ال ي ع ل م ون ال ك تاب إاال أامان ي. وقال الفر اء: هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب والن ب ي اال أم ي ال ذ ي ي ج د ون ه م ك ت وبا ع ن د ه م ف ي الت و راة و اال إ ن ج يل قيل: منسوب إلى األم ة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم كقولك: عام ي لكونه على عادة العام ة وقيل: سم ي بذلك ألنه لم يكن يكتب وال يقرأ من كتاب وقيل: سم ي بذلك لنسبته إلى أم القرى. وهكذا أصبح العرب ما قبل اإلسالم تاريخا ممحو ا في التراث والوعي الجمعي. ولوال جهود كبار الباحثين النادرين مثل المؤر خ العراقي العمالق جواد علي لم ا أطلع العالم على تاريخ العرب قبل اإلسالم كما هو اسم مؤلفه العظيم. بعدها بدأ البحث في الممالك المتحض رة التي سبقت ظهور الدين الجديد في مدينة من تلك المدن العربية القديمة )مكة(. الهوية التي تناوب أهل المشرق والمغرب على تكريسها وشرحها والحديث عنها. لم تكن بمعزل عن عواصف تهب من هنا وهناك حاولت التقليل من شأن العرب وتقزيم مكانتهم التاريخية والحضارية. وما كان يقال في لحظة تحر ك جيوش قادسية سعد بن أبي وقاص لهدم عرش كسرى من أن العرب هم شاربو بول البعير يقال اليوم عن العرب من شعوب وأقوام لوال تحض ر العرب معهم لتمت إبادتهم خالل القرون الماضية ومن دون ذلك ما استمر وجودهم حتى عصرنا هذا. بينما كان صانعو الحضارة العربية عربا وكردا وتركا وأمازيغ وزنجا مسلمين ومسيحيين ويهودا علماء ووزراء وفالسفة وأطباء وشعراء وغيرهم. يتبادر إلى الذهن سؤال في لحظة اختبار الهوية هذا الذي يمر به العرب. فبعد أن انقلبوا على مفهوم العروبة ظنا منهم أنه من صناعة االستبداد الذي انتفضوا ضده ما هو مصير ماليين المنتجات الفكرية والثقافية العربية التي تم تصديرها من قبل العرب خالل الزمن الماضي والقريب فيما لو انهارت قبة العرب الحضارية الجديد من أجل األصيل تختبر الهوية العربية كل لحظة في البحث عن مشروع مختلف ال يتشابه مع ما كفر به الناس وال يستنسخ التجربة الناصرية أو تجربة البعث. قدر هذا المشروع أن يحمل على الثقافة والتنمية ال على األيديولوجيا. هذان العنصران اللذان كابدا الكثير تحت قبضة االستبداد. تختبر الهوية العربية في طرح جديدها نحو اآلخر هذه المرة. اآلخر الذي عانى مم ا طبقه عليه االستبداد من تعريب قسري لحياته وقراه وأسماء أطفاله وتعليمه وذاكرته. تختبر الهوية العربية اليوم في التخلص من عقدة جلد الذات وازدراء الثقافة واإلمكانات الخاصة بالعرب أنفسهم. تختبر الهوية العربية في مواجهة استحقاق الوجود بين األمم. فلم يعد الماضي المجيد قادرا على تغطية عورة الحاضر المنحط. تختبر الهوية العربية في تقديمها لذاتها عبر الثقافة التي تجري صناعتها وعبر منظومات أخالقية جديدة مقترحة على المجتمعات. لم تتوقف أسئلة الغرب عن أسباب اندالع االنتفاضات العربية ولم تهدأ مراكز األبحاث عن مناقشة المقدمات التي أدت إليها. بينما اعتبرتها أنظمة الحكم مؤامرة عليها. لكن الضرورة الحتمية لتحوالت الهوية باعتقادي هي المسبب األكبر والعامل الرئيس في تفجير األوضاع في العالم العربي. فما كان ممكنا التأقلم معه خالل القرن العشرين صار مستحيال في زمن العولمة وانفجار المعلومات وثورة االتصاالت. عهد انتهى علميا ال شعاراتيا وال أيديولوجيا. بحث الهوية اليوم عليه أن ينتقل من حقل التأصيل النظري إلى ميادين الحياة. فكما أن ثورة العلم الحديث وفائق الحداثة تدفع الشعوب إلى التطل ب فهي في الوقت ذاته تفرض على المفكرين تغيير أدوات العمل واستعمال الجديد إلنقاذ األصيل. يتطلب األمر اليوم إعمال البحث العلمي في المناطق المستقرة من العالم العربي بالتوازي مع إنقاذ الهوية اإلنسانية والثقافية للعرب في البالد التي تدور فيها رحى الحرب والتي عر ضت العرب لنكبتهم الكبرى ال نكبة التدمير والقصف والتهجير وحسب بل نكبة تآكل الشخصية وصعود الشراذم وهجمة األعداء القدامى )اإليرانيون الذين يغذون الخراب ويمو لونه(. لكن هذا كل ه هو بالتحديد ما يشعل أوار الهوية من جديد. ما بين عروبة العرب القدامى وعروبة اللحظة كان يوم الجمعة عالمة فارقة كما أسلفت لجمع العرب وإعادة صهر الفكرة وخلقها من جديد. كاتبمنسوريامقيمفي ألمانيا العدد - 16 مايو/ أيار
35 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف صراع الهويات وتجلياته في الفكر والثقافة واالجتماع عامر النحاس جادالكريم الجباعي الهوية التي يشير إليها عنوان هذه المقاربة منظومة ثقافية بالمعنى الواسع للثقافة بما هي نظام عالقات متكامل من العادات والتقاليد والممارسات والمهارات والمعارف والقواعد والمعايير والمحرمات واالستراتيجيات والمعتقدات واألفكار والقيم واألساطير تستمر من جيل إلى جيل ويستعيدها كل فرد من أفراد الجماعة المعنية أو المجتمع المعني )ويمكن أن يخرج عليها أو يتجاوزها كليا أو جزئيا ( وتول د التعقيد االجتماعي وتجد ده. وتجمع في داخلها ما هو محفوظ ومنقول ومكتوب وتتضمن مبادئ االكتساب ومناهج الفعل ]1[. وهي نظام مت سق داخليا بنحوه الخاص الشبيه بنحو )قواعد( اللغة التي تتكل مها الجماعة. هذا التعريف الواسع للثقافة الهوية ينطبق على الجماعات أو المجتمعات الصغيرة )COMMUNITIES( في كل مجتمع انطباقه على المجتمع الكبير أو المجتمع الكلي.)SOCIETY( فحيثما توجهنا في أي مجتمع نجد مجتمعات صغيرة لكل منها منظومتها الثقافية التي تحرص على الحفاظ عليها وإعادة إنتاجها ما لم تندمج في المجتمع الكلي فتتفكك المنظومة بفعل الكيمياء االجتماعية ويندمج جزء منها في ثقافة المجتمع الكبير ويتحول الجزء اآلخر إلى فولكلور وتراث يربطان حاضرها بماضيها ويعي نان الفرق بين الفردي والنوعي أو بين الخاص والعام في حياتها وثقافتها. لكن االندماج االجتماعي مرهون بتحوالت عميقة في الهيكل األساسي للمجتمع تفضي إلى مجتمع مدني هو فضاء من والعنيف والمهزوز ]3[. ولما كانت السياسة ممارسة فحسب وال تكون إال كما يكون من الحرية ودولة سياسية تكفل الحريات الخاصة والعامة وتصون يمارسونها سواء كانوا في السلطة أو في المعارضة فإنه ال يمكن الحقوق المدنية والسياسية لجميع مواطناتها ومواطنيها بالتساوي. فهم سياسات الهوية ونزاعاتها إال بالكشف عن المبادئ التي تؤسس قبل هذه العتبة المدنية تظل الهويات المختلفة فضاءات خاصة مغلقة على ذاتها إلى هذا الحد أو ذاك بحسب ما يكون النظام السياسة. في هذا السياق ثمة مقاربتان نميل إلى أخذهما في الحسبان معا : المقاربة البطركية التي قدم فيها هشام شرابي إسهاما االجتماعي والسلطة السياسية. نالحظ هنا أن النظام االجتماعي مميزا ومقاربة الشيخ والمريد التي بلورها عبد الله حمودي البطركي أو البطركي المحدث والسلطة المستبدة يتصاديان مع إضافة إلى مفهوم العصبية الخلدوني الذي طوره محمد عابد المنظومات الثقافية المغلقة. بل إن السلطة المستبدة إذ تستثمر في الجابري ومصطفى حجازي من موقعين مختلفين. هذه كلها تشير اختالف المنظومات الثقافية فتسي سها: تقر ب بعضها وتقصي بعضها إلى عالقة تاريخية بين العقيدة والسياسة كشف كمال عبداللطيف لدى هؤالء إم ا إلى طاعة غير مشروطة وإم ا إلى مقاومة غير كانوا وال يزالون بالء ونقمة على المبدعين ودعاة اإلصالح اآلخر وتمنح بعضها امتيازات على حساب غيرها )وفقا لمبدأ: فر ق عن جذورها في كتابه في تشريح أصول االستبداد ويمكن أن مشروطة سواء باسم الهوية ذاتها أو باسم هوية وهويات ]4[. وبهذا تكون السلطة هي العامل الرئيس في التوترات تسد( تحو ل الجماعات اإلثنية والمذهبية إلى عصبيات على صورتها تساعد في اكتشاف جذور النزاعات اإلثنية والمذهبية على اختالف أخرى منافسة والالمشروطية في المبادئ واألهداف هي ما اإلثنية والمذهبية وتطورها إلى نزاعات وحروب. والحالة ومثالها بما هي سلطة عائلة ممتدة أو عشيرة ونواة عصبية موس عة صورها في الماضي والحاضر. يول د التطرف والعنف. السورية نموذج شديد الوضوح. فما كان للمجتمع السوري أن إثنية مذهبية أو حزب عقائدي. وذلكم هو جذر سياسات الهوية فما يجعل الهويات مغلقة وثابتة خالفا لطبيعة من ينتجونها هو إذن تكمن جذور المشكلة الهووية في العالقة التداخلية/ يظل جماعات هووية لو لم تكن السلطة كذلك خاصة بعد وصراع الهويات وأساسهما. فال يزال مفهوم العصبية الخلدوني أداة ترجمة رأس المال المادي )الناتج من العمل( ورأس المال االجتماعي التخارجية ال الجدلية بين الثقافة والسلطة ألن صراع أن احتكرت المجال العام وجعلت من الدولة دولة البعث ناجعة لتحليل النظم االجتماعية السياسية في العالم العربي ]2[. )الناتج من الفاعلية/االنفعالية( إلى سلطة فظة وطاعة غير مشروطة الهويات يلغي الجدل )الديالكتيك( والعقل الجدلي ويستبدل ومن سوريا سوريا األسد. فال يقوم استبداد من دون عقيدة المناخ العصبوي حيثما تتجابه العصبيات ينطوي على جملة من وترجمة رأس المال الثقافي إلى سلطة ناعمة وات باع طوعي غير بهما المساجلة والجدال فال يعود الواقع مرجعا للفكر وضمانة تسو غه وتعق له. اإلشكاليات من أهمها إشكالية الهوية والذات وإشكالية والتراث مشروط أيضا ومنح هاتين السلطتين مقبولية عقلية وأخالقية. يمكن للحقيقة وبهذا تتشابه األيديولوجيات. فما من سلطة ثمة إذن تضامن تاريخي بين العصبية والعقيدة يجعل مصير والمعاصرة والعالقة باآلخر المختلف محليا وعالميا وخاصة إجمال هذه العمليات بترجمة الثقافة الهووية إلى سياسة هووية. مستبدة إال كان همها الرئيس أن تحتكر الحقيقة وتسيطر العقيدة أو المذهب مرتبطا بمصير العصبية وبالعكس بهذا العالقة بالغرب )إشكالية االعتراف المتبادل والثقة والتعاون( عالوة ومن طبيعة السلطة أنها تحو ل شروط إمكانها أي عالقات القوة على المجال الثقافي وعمليات إنتاج الثقافة وإعادة إنتاجها يمكن تفسير االنشقاقات المتتالية في اإلسالم وتراخي على إشكاليات المساواة والحرية والعدالة وعالقة الفرد بالمجتمع المبثوثة في فضاء الجماعة أو المجتمع إلى قوة مرك زة ومركزية وكان مصيرها يتوقف على مدى نجاحها أو إخفاقها في ذلك. منظومات االنتماء والوالء أو تفك كها وتشك ل عصبيات جديدة والدولة وعالقة المجتمع بالدولة. وقبلها جميعا إشكالية االنتماء وتحو ل منتجيها إلى موضوع لهذه القوة وأنها تبسط نفوذها على فالمستبدون ال يقبلون أن يكون هناك من هم أكثر غيرة منهم وظهور ملل ونحل جديدة. كما يمكن تفسير ما آلت إليه الجذري إلى النوع اإلنساني بدال من االنتماء الهووي الصاخب الثقافة تمهيدا لبسطه على األشخاص فتتحول المقبولية التأسيسية على الثقافة بوجه عام وعلى الدين بوجه خاص ولذلك العقيدة الشيوعية بعد سقوط االتحاد السوفييتي وعقيدة العدد - 16 مايو/ أيار
36 ملف انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب البعث بعد سقوط نظام البعث في العراق وترن حه في سوريا واألمثلة األخرى أكثر من أن تحصى. فالمناخ العصبوي الذي وصفناه يول د استقطابا اجتماعيا سياسيا يتظاهر في صيغة صراع أيديولوجي ال ينجو منه المثقفون إال نادرا وينتج شقوقا وفراغات في الهيكل االجتماعي تتسرب منها األطماع الخارجية فيتعزز االستقطاب الداخلي وينجدل على استقطابات إقليمية ودولية تشو ه وعي المثقفين ونظرتهم إلى العالم ومن ثم إلى المجتمع واإلنسان وإلى المرأة خاصة. وثمة تالزم ال يخطئه النظر العقلي بين صراع الهويات والتحاجز االجتماعي وتعثر بناء الدولة الوطنية وبين االنغالق الثقافي واالنحطاط األخالقي. نعني باالنغالق الثقافي احتباس المثقفات والمثقفين في األطر األيديولوجية أو العقائدية: اإلسالمية والقومية واالشتراكية وقد غدت هويات قاتلة كالهويات المذهبية ونعني باالنحطاط األخالقي شيطنة اآلخر المختلف وتكفيره أو تخوينه والتنكر إلنسانيته وهدر كرامته والالمباالة بحقوقه بما فيها حق الحياة. الهووية بما هي انغالق ثقافي وانحطاط أخالقي جعلت من الثقافة العربية المعاصرة ثقافة سلفية وأصولية وكانت وال تزال العقبة الكأداء في طريق ارتقائها إلى الكونية والمعاصرة. السلفية واألصولية وهما سمتان للعقائد القومية واإلسالمية واالشتراكية عند العرب تنتجان التعصب والعنف تدالن على عدم تقب ل العرب المعاصرين ألنفسهم وعدم تقبلهم للعالم. هذان العدمان يثويان في أساس عدم تقبل اآلخر المختلف كما هو وتمثيله استيهاميا وفقا لهذه العدمية. فما الذي يحجب عنا حقيقة اآلخر المختلف سوى العدمية الموقف من الغرب ومن الحداثة والديمقراطية والعلمانية رائز ومعيار. الشرق شبه اختراع أوروبي ]5[ أي أن صورة الشرق في أذهان الغربيين المعاصرين كانت قد رسمت أو نقشت في الثقافة الغربية من خالل وصف الرح الة وقادة الحمالت العسكرية ومرافقيهم وأبحاث المستشرقين والمستكشفين والفالسفة واألدباء والفنانين فضال عن والحج اج والزائرين.. وهذه الصورة ليست نمطية كليا بل يمكن الحديث عن تصورات مختلفة للشرق تتقاطع كل منها من هذا الجانب أو ذاك مع صورة نمطية أنتجتها ثقافة الغزو واالستعمار أو ثقافة السلطة المركزية سياسية كانت هذه أم الهوتية. ألننا ال نستطيع أن نتحدث عن صورة الشرق في أذهان الغربيين إال إذا كانت هذه الصورة من إنتاج الثقافة الغربية وإال إذا نعني باالنغالق الثقافي احتباس المثقفات والمثقفين في األطر األيديولوجية أو العقائدية: اإلسالمية والقومية واالشتراكية وقد غدت هويات قاتلة كالهويات المذهبية ونعني باالنحطاط األخالقي شيطنة اآلخر المختلف وتكفيره كانت هذه الثقافة ثقافة السلطة المركزية التي تملك وسائل التعليم والنشر والتعميم وسلطة التفسير والتأويل واصطفاء الدالالت وإدماج التصورات الفردية المختلفة في تصور مركزي تكسبه السلطة طابع الشمول والحقيقة. بالمقابل الغرب شبه اختراع شرقي. وفي ما يخصنا هو شبه اختراع عربي إسالمي. مع فارق جوهري يتلخ ص في أن صورة الغرب في أذهان العرب المسلمين هي صورة المستعم ر في ذهن المستعم ر أو صورة القوي في ذهن الضعيف والمتبوع في ذهن التابع وانعكاس ثقافة المركز على المحيط ومعنى المتن على الهامش والتقدم على التأخر. وهو كنقيضه اختراع سلطة مركزية سياسية أو الهوتية وإن كانت هامشية أو خاضعة. لذلك يمكن إدراج معارف العرب والمسلمين عن الغرب في باب المعارف الخاضعة التي قدم فيها ميشيل فوكو إسهاما مميزا ]6[. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا لم تتغير صورة الغرب في الثقافة العربية اإلسالمية المعاصرة بعد جالء المستعمرين وانقضاء عصر االستعمار التقليدي المباشر قد ال نجد جوابا معقوال إال في الثقافة فالثقافة في الحالين هي العامل الرئيس في عملية/عمليات إعادة اإلنتاج ]7[ وإعادة إنتاج هوية جوهرية أو ماهوية )essentialism( للذات ولآلخر وإعادة إنتاج تمث ل )representation( صورة اآلخر أو استحضارها لدى كل محاولة لتحديد الذات أو تعريفها. إذن نحن إزاء تحديد متبادل بين الشرق والغرب قائم على جذر أسطوري مشترك هو المركزية اإلثنية centralism( )ego بما هي صورة جمعية عن نرجسية الذات ومركزي تها في الكون وإزاء خطابين متقابلين يمتحان من الجذر نفسه تدعم كال منهما تمثالت وصور ومؤسسات ومذاهب فكرية وسلطات مركزية. ذلك مما يجعل منهج االستشراق أو ذهنية االستشراق والمنهج المقابل أو الذهنية المقابلة يتعدى أو تتعدى التقاليد األكاديمية إلى تفريق وجودي ومعرفي بين الشرق والغرب باعتبارهما هوي تين جوهريتين متعاليتين على التاريخ وسنن التطور. ذلكم أحد جذور األصولية والعنصرية على اختالف أشكالها اإلثنية والدينية في الشرق والغرب وأحد عوامل التوتر بينهما بعد انحسار الظاهرة االستعمارية. ما يهمنا بصورة أساسية هو نقد ثقافة ما بعد االستعمار أي الثقافة المتسي دة في العالم العربي وفي كل بلد على حدة. إذ الثقافة العربية و الثقافة العربية اإلسالمية مفهومان شامالن شموال مضلال ال يقصي الثقافات غير العربية في العالم العربي فقط بل الثقافات الفرعية التي تنسب عامر النحاس كل منها نفسها إلى العروبة أو إلى اإلسالم. نتحدث هنا عن تخل ع ثقافي يقبع في أساس التخلع االجتماعي واالستبداد السياسي أي عن هويات جوهرية أو ماهوية أصلية وأصولية تحمل كل منها جرثومة التطرف والعنف واإلرهاب. فالمدخل الثقافي إلى االندماج االجتماعي والوحدة الوطنية مدخل أساسي إن لم يكن المدخل األساسي. ونفترض إلى ذلك أن ثمة خافية ثقافية عميقة مالزمة للوعي ومؤثرة فيه تعززها التربية والمؤسسات التعليمية وال سيما في المراحل األولى من حياة الفرد هي أي الخافية الثقافية التي تغذي الخطابات األيديولوجية وقد تفسر التفارق الملحوظ عندنا بين القول والفعل ]8[. ننطلق في هذا من أولية الثقافة بصفتها أول رأسمال إنساني ]9[ وقدرتها على ترجمة ذاتها أفعاال وأقواال وعالقات أي من كونها المعلومات الالزمة إلنتاج الحياة االجتماعية المادية والالمادية كالمعلومات الالزمة إلنتاج الحياة البيولوجية أي الشفرة الجينية المرقونة أو المنقوشة في جينات الفرد والتي تترجم نفسها إلى بروتين يمد الجسم بالطاقة وينظم جميع وظائفه بما في ذلك وظائف الدماغ وبقية الجملة العصبية. الثقافة هي التي تنظم حياتنا االجتماعية وتعيد إنتاجها. فللمعرفة أساسها في الطبيعة البشرية في صيغة استعدادات وملكات يمتاز بها اإلنسان من سائر الكائنات الحية. نشير هنا إلى العالقة التفاعلية بين رأس المال الثقافي وكل من رأس المال االجتماعي ورأس المال المادي أو االقتصادي ورأس المال الرمزي كما تتجلى في ثنوية العلمانية والدين والرؤية التي تعتبر الدين و/أو القومية ضمانة وحيدة للوجود. الثقافة إنتاج بشري لها جذورها في الطبيعة اإلنسانية وفق الحدس الكانطي الذي أكدته منجزات البيولوجيا األحدث وال سيما اكتشاف الشفرة الجينية والعمل على قراءتها ]10[. تتعين عالقة الثقافة بالدين وفقا إلحدى رؤيتين: الهوتية تقول بأن الثقافة حالة تحول في الفكر الديني ]11[ وعلمانية ترى في العدد - 16 مايو/ أيار
37 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف الدين عنصرا من عناصر الثقافة فتدرجه صراحة أو ضمنا في مدرج اإلنتاج البشري والفضاء القومي ثم الفضاء اإلنساني. واالتجاهان كالهما ينطلقان من افتراض أن نقد الدين لم ينته بعد بخالف رؤية ماركس الذي رأى أن نقد الدين قد أنجز في ألمانيا ]12[.. ولكن الالهوتيين ال يقبلون فكرة أن الدين ثقافة أسطورية متحولة لتبرير العبودية وهدر اإلنسانية كما ند عي. في جميع األحوال فإن عالقة الدين بالثقافة تطرح مسألة العلمانية باعتبارها مسألة مفتوحة ما دام الدين قائما وله آثاره الواضحة في الحياة االجتماعية والسياسية واألخالقية وفي الحياة الثقافية خاصة حيثما يمكن للدين أن يعود متنكرا بإهاب علماني صنمي كما في الفكر القومي عموما والعقيدة القومية خصوصا إذ تحل القومية العنصرية محل الدين وتخترع مقدساتها ومدن ساتها وفي الفكر االشتراكي الدوغمائي أيضا. العلمانية والدين ظاهرتان متالزمتان ومتشارطتان في الوجود وهما ظاهرتان ثقافيتان تترجم كل منهما نفسها إلى ممارسة اجتماعية وسياسية تعي ن موقف الذات الفردية والجمعية من اآلخر المختلف واألخرى المختلفة. ليست العلمانية )على الصعيد الفردي( نوعا من الحياد والالمباالة في العالقة المحددة بالدين بل على النقيض من ذلك ]13[. في ضوء االنهيار األخالقي الذي نعيش تبدو الثقافة الحديثة والمتجددة طموحا نبيال لجعل العالم أفضل مم ا هو عليه. خصصنا االنهيار األخالقي ألن األخالق في نظرنا ذروة العقل وماهيته اإلنسانية في مقابل جميع أشكال الالعقل واالنحطاط األخالقي وإال كان العقل أداة وضيعة الكتساب المنافع للذ ات والتسبب بالخسائر والفواجع لألخريات واآلخرين أو لتحقيق النجاح الشخصي والغايات الشخصية على حسابهم أو حسابهن كما هي الحال. فليس بوسع الثقافة الحديثة أن تكون ال مبالية أو حيادية إزاء الثقافة السائدة والمتسي دة واألخالق البطركية والسلطانية الرثة بل هي رؤية نقدية وموقف نقدي في الفكر والسلوك والقول والعمل. لذلك يتعين على النقد العلماني أن ينفصل عن آلهة القومية وعبادة الدولة عن طريق قطع العالقة بين الوعي النقدي وسياسية الهوية. ليس من السهل إطالقا فرز الممارسات الدينية بعمقها األسطوري من الممارسات االجتماعية والثقافية والتقاليد السياسية أو تقاليد السلطة. فما من عقيدة دينية لم تؤثر في الممارسة االجتماعية والثقافية والسياسة لمعتنقيها ولم تدخل في نسيج منظومتهم األخالقية منذ تشكلت الجماعات البشرية حتى يومنا. وما من عقيدة دينية لم تتحول إلى ثقافة عندما فقدت إمكان استمرارها أو عندما انبثقت منها عقيدة جديدة. ربما كان هذا سر انسرابها في األدب العلمانية والدين ظاهرتان متالزمتان ومتشارطتان في الوجود وهما ظاهرتان ثقافيتان تترجم كل منهما نفسها إلى ممارسة اجتماعية وسياسية تعي ن موقف الذات الفردية والجمعية من اآلخر المختلف واألخرى المختلفة والفن وال سيما الرقص والشعر والغناء والموسيقى. فهل الدين هو المبدأ الدافع والروح السر ية للهويات اإلثنية أم هذه األخيرة هي مبدأ الدين في التاريخ المعروف ال نجد جماعة إثنية )عرقية أو نسلية( عشيرة أو قبيلة ليس لها عقيدة وطقوس دينية معجونة بأعرافها وعاداتها وتقاليدها وعالقاتها الداخلية والخارجية ]14[ وال نجد سلطة اجتماعية أو سياسية ال تسندها عقيدة دينية أو مذهب ديني.]15[ نعتقد أن األسطورة والدين والخرافة والسحر من أقدم أشكال الثقافة بمعناها الواسع. وأنها ال تزال مالزمة للثقافة الحديثة والمعاصرة بأشكال شت ى شرقية كانت الثقافة أم غربية وذلك بحكم األبعاد التي أشرنا إليها: المعرفة التي تنشد اليقين واإليمان الذي ينشد الخلود والسعادة والتجربة الروحية أو الوجودية بما هي عالقة الفرد اإلنساني بأشكال وجوده ومصيره. لنر كيف تبدو المسألة في الواقع: فلسطين على سبيل المثال أرض مقدسة عند اليهود والمسيحيين والمسلمين األماكن المقدسة تستنفد فلسطين بل تلتهمها أو تكل لها بهالة القداسة فال تعرف فلسطين وال ترى إال من منظور القداسة العلمانيون والالهوتيون يتشاركون هذا التقديس. وقضية فلسطين من جانب آخر هي قضبة العرب المركزية والقضية المركزية لألمة اإلسالمية )واألمتين اليهودية والمسيحية( فهي أي فلسطين أرض وقف إسالمي وأرض وقف قومي كل مسلم وكل قومي عربي معني شخصيا بتحرير القدس إذن القداسة والمركزية هما قوام القضية الفلسطينية. الشعب الفلسطيني ال وجود له إال بإحدى صفتين: عربي أو مسلم حسب المتكلمة أو المتكلم. العروبة في هذا السياق هوية بال ذات وكذلك اإلسالم إسالم المتكلمة أو المتكلم أما الفلسطينيون فذوات بال هوية والشعب الفلسطيني من ثم ذات بال هوية أو هوية عربية أو إسالمية بال ذات فلسطينية. فإذا كانت القداسة دينية بامتياز فإن المركزية إثنية أو قومية بامتياز هذا شأنها منذ أقدم العصور. ولكن القداسة الالهوتية )البادئة بالطوطمية وعبادة األسالف( ال تقوم لها قائمة دون المركزية اإلثنية أو القومية. والمركزية اإلثنية أو القومية تفقد إمكان براءتها من دون القداسة فتبدو على صورتها الحقيقية عنصرية وعدوانية. هذا االعتماد المتبادل بين الدين والقومية يتمخ ض عن فضاء رمزي مشترك يتكثف في القداسة والهداية والرحمة والتقوى والحق والعدل واالستقالل والسيادة أو الحاكمية والشرعية.. بفضل كيمياء السلطة. ليس ثمة اختالط فيزيائي بين الدين والقومية بل اتحاد كيميائي إذا جاز التعبير. فما هو ديني من وجه هو قومي من الوجه اآلخر فالمسألة مسألة منظور. هذا يعني من وجهة نظر علمانية أن العلمانية مشروع بل أفق بعيد ال للعرب والمسلمين فقط بل للمجتمعات والدول الحديثة أيضا. تتعلق هذه المسألة بالدولة القومية تحديدا. كل األديان )نفضل المذاهب( تنبع من تقديس اإلنسان لقومي ته ]16[ سواء بالمعنى العرقي قديما أو بمعنى االنتماء إلى دولة قومية حديثا أو إلى عقيدة قومية كما هي الحال عندنا. وقد عالجنا هذه المسألة من قبل ]17[. الفكرة القومية والفكرة الدينية متشابهتان تسييس األولى في نظرنا مثل تسييس الثانية يتمخضان عن النتائج ذاتها فالبعثية والنازية مجر د مثالين. يالحظ أن لدى الكثيرين استعداد ألن يقدموا حياتهم من أجل القومية. فمن أين يأتي هذا الحماس التبشيري هذا الحب المستنز ف الذي تلهمة القومية الجواب هو الكثافة العاطفية التي يولدها ويبثها الحس الديني األساسي لدى اإلنسان ]18[. فالدين ميزة كونية للطبيعة اإلنسانية تتجاوز االستيعاب العقالني )كانط( وال يمكن معالجتها أو تعريفها إال باإلشارة إليها هي نفسها. الروحاني الذي يتضمن مشاعر عميقة من الرغبة الطاغية والنداء الملح والرعب واالفتتان الباعث على تقليب النظر والتأمل )هنا هناك( هو جوهر الدين. لكن هذا ال يجيب عن عالقة الدين بالقومية إذا لم نربطه بفكرة أن كل عبادة هي عبادة اإلنسان لقومي ته. ولكن السؤال المهم: لم هذا االهتمام المتواتر واالنشغال الدائم بتأويل الشعور الديني وتحيين النص الديني على مر التاريخ ال نجد إجابة شافية ولو إلى حين إال في المركزية اإلثنية المستمرة منذ العصور البدائية والتي هي مركزية ذكورية من جهة ومذهبية دينية من الجهة المقابلة. هذه األركان الثالثة للمركزية: اإلثنية والذكورية والمذهبية متالزمة ومتضامنة أشد ما يكون التالزم والتضامن فال سبيل إلى االستقالل الذاتي للفرد المرأة والرجل على السواء إال بتفكيكها. ونظن أن تفكيك أي منها هو تفكيك لها جميعا. النقد الثقافي ال يفترض وجود مذاهب دينية خالصية منتجة ألخالق الطاعة ومولدة للعنف.. فقط بل يتجه إلى نقد الثقافة القومية بما هي نسخة حديثة متحولة من المذهبية. للقومية صفة تبشيرية وشعائرية مدنية والهوت سياسي. واألمة شأنها شأن الدولة أنشئت لتكون خالدة إنها تتغذى على والء أعضائها الذين يزيدونها شهرة ومجدا بموتهم ]19[. من لديه استعداد ألن يموت في سبيل عقيدته أو أمته لديه االستعداد نفسه ألن ي قت ل من أجلهما بل إن االستعداد للقتل يتقدم على االستعداد للموت. الطابع التبشيري للديانات التوحيدية واحتكار الحقيقة مشفوعان بالمركزية اإلثنية والجهاد هو ما يول د العنف واإلرغام ويفضي إلى تفكيك المجتمعات وانهيار الدول. كاتب من سوريا إشارات: ]1[ أدغار موران النهج إنسانية البشرية الهوية البشرية ترجمة هناء صبحي هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث كلمة أبوظبي 2009 ص ص ]2[ للتوسع في هذا الموضوع راجع/ي محمد عابد الجابري العصبية والدولة معالم نظرية خلدونية في التاريخ اإلسالمي مركز دراسات الوحدة العربية بيروت ط ومصطفى حجازي اإلنسان المهدور دراسة تحليلية نفسية اجتماعية المركز الثقافي العربي الدار البيضاء وبيروت ]3[ فتحي المسكيني الهوية والحرية نحو أنوار جديدة جداول للنشر والتوزيع بيروت ]4[ راجع/ي في ذلك كمال عبداللطيف تشريح أصول االستبداد دار الطليعة بيروت 1999 وعبدالله حمودي الشيخ والمريد ترجمة عبدالحميد جحفة دار توبقال للنشر الدار البيضاء ]5[ إدوارد سعيد االستشراق المفاهيم الغربية للشرق ترجمة محمد عناني دار رؤية للنشر والتوزيع القاهرة 2006 ص 42. وسنشير إلى االقتباسات الالحقة من هذا الكتاب بإدراج رقم الصفحة في المتن محصورة بين هاللين )..(. ]6[ راجع/ي ميشيل فوكو يجب الدفاع عن المجتمع المدني ]7[ راجع/ي بيير بورديو وجان كلود باسرون إعادة اإلنتاج في سبيل نظرية عامة لنسق التعليم ترجمة ماهر تريمش المنظمة العربية للترجمة توزيع مركز دراسات الوحدة العربية بيروت.2007 ]8[ كان الصديق الراحل المفكر والباحث إلياس شوفاني يقول نحن نقول ما نريد ونفعل ما تريده إسرائيل وما يريده الغرب. إسرائيل أو الغرب هنا ليس شيطانا يوسوس في صدورنا فيملي علينا أفعالنا بل ثقافتنا الفصامية هي ما تملي علينا ما نقول وما نفعل وال)نا( الدالة على الجماعة مصنوعة بالتضاد المطلق مع الغرب أي هي صورة سلبية للغرب وبالتضاد المطلق مع العالم ومع العصر الحديث. فلكي نغي ر تصورنا عن أنفسنا يجب أن نغي ر تصورنا عن العالم. ]9[ أدغار موران النهج إنسانية البشرية الهوية البشرية ترجمة هناء صبحي هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث كلمة أبوظبي 2009 ص ص ]10[ راجع/ي مات ريدلي الجينوم ترجمة مصطفى إبراهيم فهمي سلسلة عالم المعرفة العدد 275 نوفمبر ]11[ وليم. د. هارت إدوارد سعيد والمؤثرات الدينية للثقافة ترجمة قصي أنور الذبيان هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث كلمة 2011 ص.33 ]12[ راجع/ي كارل ماركس في األيديولوجيا األلمانية وفي المسألة اليهودية. وقراءتنا للمسألة اليهودية على الرابط: ]13[ هارت المصدر السابق ص 29. ]14[ راجع/ي مرسيا إلياد تاريخ المعتقدات الدينية ترجمة عبد الهادي عباس دار دمشق دمشق.. ]15[ راجع/ي غسان سالمة تعدد األديان وأنظمة الحكم دار النهار بيروت. ]16[ موليفي كيتي أساتي المركزية اإلفريقية عن هارت المصدر السابق ص 65. ]17[ راجع/ي جادالكريم الجباعي وردة في صليب الحاضر نحو عقد اجتماعي جديد وعروبة ديمقراطية منشورات رابطة العقالنيين العرب دار الفرات بيروت ودار بترا دمشق ]18[ هارت المصدر السابق ص 70. ]19[ هارت مصدر سابق ص 79. العدد - 16 مايو/ أيار
38 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف المعقولية العربية واالنغالق عامر النحاس فتحي التريكي أليس الوضع مناسب ا اآلن بعد ما يسم ى بالربيع العربي وفي هذا الظ رف العالمي الجديد حيث الحروب والدمار والغلبة والقهر أصبحت معايير العمل الدبلوماسي ليقابلها أعمال تخريبية أخرى تعتمد اإلرهاب األعمى الذي ال يعرف لإلنسان معنى أليس الوضع مناسب ا لكي نعيد الن ظر في هوي تنا بل في مفهوم الهوية في حد ذاته من خالل خصائص اإلنسان العربي واإلسالمي أليس من الض روري لنا أن نت خذ موقف ا من هذا الوضع الكارثي حت ى نتفادى في الوقت نفسه كل أحادية في الوجود وكل تشابه في الكائن وبعبارة أخرى من نكون نحن في الحقيقة فإن هذه المجموعة من األسئلة يمكن أن تعب ر عن اهتمام األيديولوجي ين الذين يبحثون عن تجديد م ثلهم من تفكيك ما نسميه بالمعقولية العربية الحالية ونقدها نقدا جذريا. فالمتصف ح في معطيات المعقولية العربية كما تم توظيفها اليوم الموح دة من خالل مساءلة الش عوب مساءلة تجمعهم في نحن سياسيا وإعالميا وثقافيا في المجاالت الحياتية العامة يالحظ وتعر ف في اآلن نفسه بمكو ناته. ت وجد إجابة فوري ة يمكن أن ترضي نا من أول وهلة الشرخ العميق الذي يسكنها. فمن ناحية تتقبل هذه ونص ها»نحن عرب«أو»نحن مسلمون«. يتحو ل الس ؤال إذن إلى المعقولية كل ما يرد عليها من تكنولوجيات متطورة ولكنها وفي الن ظر في معنى أن يكون الواحد من ا عربي ا ومسلما وما معنى أن اآلن ترفض كل ما يجعل هذه التكنولوجيات ممكنة ونعني الحداثة يكون اإلنسان في الكون محددا بأمور عرقية أو ثقافية أو دينية أو ومستتبعاتها. فمثلها مثل من يمتطي كل يوم سيارته ويستعمل أعصر غير ذلك الوسائل لقيادتها ويلعن في اآلن نفسه الحداثة ومن كان سببا فيها سأنطلق من المالحظة التي وردت عند هشام شرابي في مبحثه والغرب وأهله وهلم جرا من هذه المستهترات. النقد الحضاري للمجتمع في نهاية القرن العشرين والتي اعتبرت وقد يزداد هذا الشرخ عمقا عندما نعرف أن مرجعية هذه المعقولية أننا في تلك الفترة قد دخلنا منعطفا جديدا على المستوى الثقافي تبقى دائما متأصلة في السلف بينما هي تحاول استيعاب نتائج العلوم العام وقد ظهر جلي ا أن الفكر الذي صاحب المراحل السابقة يحتاج والتكنولوجيا فتكون بذلك مستهلكة غير مبدعة في هذا الشأن بل اليوم إلى إعادة نظر وإلى صياغة جديدة إن لم نقل تفكيكا كليا على غير قادرة على الحضور في العالم. المنوال الذي قام به الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا لبعض مظاهر فكيف تتمظهر هذه المعقولية العربية بشرخها العميق الحضارة األوروبية والغربية. ألن الخطر األكبر يتمث ل في عدم القدرة -1 أول أمر يلفت انتباهنا هو أن هذه المعقولية مازالت في طور على النقد الجذري ألوضاعنا وفكرنا وثقافتنا ومالمح هويتنا كما التجميع والتفتيش والتأريخ والنقل والتنقيل والشرح والتفسير. بواسطة الغضب واالنفعال وأحيانا بالعنف العشوائي دون ترو والتسامح ولكنها قد تبعث شحنات عدوانية وتسبب الكراهية يتمث ل في التمس ك باأليديولوجيات الماضية وباالتجاهات الفكرية ولم تصل بعد إلى طور التأليف واالبتكار واإلبداع واإلنتاج الحقيقي ودون نقد وتنظير واستشراف. فمعقوليتنا ليست معقولية والتقتيل وتصل إلى الالمعقول والالمقبول كتدمير العالم التقليدية وكأنها هي الوحيدة التي تبني هوياتنا. لألفكار والمفاهيم والتصورات إال ما ندر. فهي إذن معقولية نقلية في التحليل والبحث والدرس والتحقيق والنقد وبالتالي فهي العربي حاليا من قبل االستعمار الجديد ومن الجماعات لذلك أعتقد أن الحديث عن إشكالية الهوية في الثقافة العربية حاليا األساس لم تستطع إلى يومنا هذا أن تقفز قفزة نوعية نحو مرحلة ليست معقولية اإلبداع واالبتكارات العلمية واالكتشافات المتطرفة واإلرهابية التي تعمل لصالح هذا االستعمار عن وعي يستوجب إعادة صياغة بعض المفاهيم والتصورات الالزمة لفهم النقد العلمي والجذري الحقيقي ألنها مازالت تحت وطأة المحرمات التكنولوجية. مازلنا تحت وطأة التكفير والتحريم كما قلنا أو عن غير وعي تلك أمور ال يصوغها عقل وال يقبلها ضمير. انفجارات الهويات داخل الوطن العربي من ناحية وإعادة صياغة والممنوعات والمحج رات بأنواعها المختلفة على الصعيد السياسي سابقا. فلسنا نريد لمعقوليتنا أن تنحو هذا المنحى في الوجدانية. معالم جديدة لنهضة عربية تقوم على تحاور كل الهويات دون إقصاء وعلى الصعيد الديني واالجتماعي. ورغم أن بعض الثورات العربية على أننا عندما نتحدث عن الوجدان هنا فلسنا نريد التقليل أما الوجدانية المنشودة فهي التي تفجر الطاقات اإلبداعية ودون هيمنة. إنها فلسفة جديدة وجذرية تقوم على االعتراف الفعلي قد حررت األقالم واألفواه واإلبداع مثلما يحصل اآلن بتونس إال أن من أهميت ه وال االستغناء عنه في معامالتنا. فالوجدانية لسعادتنا وسعادة البشر وهي التي تعطي للروحانيات قيمتها والحقيقي بالتنوع الخالق في الثقافات والهويات المكو نة للعالم كابوس المحر م والممنوع ما زال مهيمنا ومعيقا للتحديث والتقدم ضرورية في حياتنا اليومية. ونعني بها قبل كل شيء الدخول العظيمة في الحياة وهي التي تحر ر الغرائز ليكون اإلنسان العربي. وكنت قد بينت مالمحها في كتابي قراءات في فلسفة واإلبداع. في عالقة مباشرة ودون واسطة مع األشياء ومع الحياة حي ا يتمتع بحياته وبإنسانيته. فاإلنسان لن يكون عقال فقط التنوع الصادر بتونس عن الدار العربية للنشر أوائل الثمانينات من 2 إن المعقولية العربية اآلن ما تزال في مرحلة هيمنة الوجداني بصفة عامة كما ذهب إلى ذلك جون جاك روسو. لقد توصل ولن يكون أداة وآلة. ألنه يعيش ويشعر لذة اختياراته وعقائده القرن الماضي ودعوت فيه إلى التخل ي عن فكرة توحيد العالم العربي واالنفعالي والغريزي. وقد شد د الفالسفة منذ أفالطون على حيوانية اإلنسان بعقله وإحساسه إلى معرفة ذاته واالعتراف بالغير من وروحانياته. ولكن الشرط األكبر في ذلك هو أن يكون دائما بوسائل العنف واإلقصاء وبناء مرتكزات تنو عية النتماءاتنا الحضارية هذه المرحلة واعتبروا أن اإلنسان يكتسب إنسانيته متى استنجد حيث هو آخر له الحق بأن يعيش ويفك ر ويختار ويبدع حسب العقل سيد الموقف بحيث إذا ما ارتبط الوجدان بالعقل أصبح وتجذير ملتزمات تحديث أنماط حياتنا وتأقلمها مع مستجدات العالم بالعقل ومتى أصبح يتعامل مع حياته اليومية بالعقل والتعقل وال إرادته وانطالقا من ثقافته وعقائده وطموحاته وال من حيث الوجدان حياة وأصبح العقل رحمة وهذا ما يفيد مفهوم في حاضره. بالعواطف والغضبية والوجدان. هو نتيجة إلرادتي وتطبيقا الختياراتي. فالوجدانية قد تحر ر التعقل الذي استلهمناه من فلسفة الفارابي. وقبل الخوض في إشكالية الهوية وأسباب انغالقها وانفجارها ال بد فقد بينت في دراساتي السابقة كيف أننا مازلنا نتعامل مع قضايانا العواطف وتكسر القيود للتقارب والتحابب والتآنس واالحترام 3 واستتباعا للنقطة الثانية فإن المعقولية العربية اآلن ما العدد - 16 مايو/ أيار
39 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف تزال في مرحلة الشعارات واألحكام السريعة والمواقف األيديولوجية. يرى د. شاكر النابلسي أنها أشبه بالثقافة العربية في العهد العثماني. هي ثقافة تعتمد السحر والشعوذة والخرافة والتقديس واالنفعالية والغريزية والشعارات واألحكام الم سبقة. زد على ذلك أنها لم تتعلم فعالية السؤال في حد ذاته.. فهي تبقى معقولية األجوبة الجاهزة كالتي تأتيك بالتأكيد من فضائيات هيمن عليها أصحاب القلنسوة حسب تعبير المقدسي. 4 وأخيرا ال بد أن نالحظ أن المعقولية العربية اآلن ما تزال خاضعة إلى منهجية المحاكاة في تعاملها مع قضايانا اليومية. مازالت تبحث عن أقوال السلف وأعمالهم لفهم الحاضر واالستعداد للمستقبل. فلحل مشاكلنا االجتماعية والشخصية نعود إلى الكتب الصفراء الواهية لنجد الحلول أحيانا عند المشعوذين والدجالين كما نعود إلى شيوخ الماضي وكأن لديهم مفاتيح القدر. فالوعي السلفي الذي يسود اليوم في المعقولية العربية هو وعي مغلق ومتحجر يقوم على عبادة األسالف ويرفض كل إبداع وكل تفكير عقلي مشفوع ببرهان بما أن برهانه الوحيد هو ما أتى به السلف وبما أن ثقافته ثقافة تكفير وليست ثقافة تفكير. وخالصة القول فيما يخص المعقولية العربية أن الفكر الالهوتي قد سيطر على هذه المعقولية العربية وأغلق زمانيته إغالقا محكما بحيث سيضحى الغير بعيدا عنها. أما إذا اقترب منها فوجب الجهاد ووجب القتال. الهوية في محيط التحديث ليس ثمة شك أن التحديث الذي تعيشه معظم المجتمعات العربية دون تبن يه صراحة يقوم في مستوى الفكر على مبدأين أساسيين: بروز اإلنسان الفرد واختيار الحرية. طبعا لم يكن مفهوم اإلنسان غائبا في الدراسات الفلسفية القديمة. بل نكاد نقول إن ه كان اإلشكالي ة القصوى في فلسفة أفالطون مثال والش غل الشاغل ألرسطو وما الفكر السياسي األفالطوني والفكر األخالقي األرسطي إال محاولتين لربط النظر بالعمل ربط الفضائل النظري ة ب الفضائل العملي ة حسب تعبير الفارابي ليكون أفالطون كما هو الشأن بالنسبة إلى أرسطو الفيلسوف الكامل على اإلطالق. إال أن تناول اإلنسان األنثربولوجي الفلسفي الذي يقوم على الفرد قد أخذ وجهة جديدة في الحداثة إذ ارتكز أساسا على مفهوم الحر ية الذي قد ات خذ هو أيضا توج ها جديدا مع ارتباطه بمفهوم الحق. عندما نقول حر ية العمل والنظر فإننا نعني ال محالة الحر ية في كل شيء يهم اإلنسان تلك الحر ية التي ال تصد ها إال حر ية الغير فتقف عند ذلك الحد. إال أن هذا التحديد يبقى في حد ذاته خالصة القول فيما يخص المعقولية العربية أن الفكر الالهوتي قد سيطر على هذه المعقولية العربية وأغلق زمانيته إغالقا محكما بحيث سيضحى الغير بعيدا عنها. أما إذا اقترب منها فوجب الجهاد ووجب القتال ناقصا باعتبار أن الذي سيسط ر الخط الفاصل بين حر يتي وحر ية اآلخر غير معروف وغير محد د بدق ة بل يمكن أن يتحو ل إلى سلطة قاهرة تتحك م باسم هذا الحد في حر يتي وحر ية غيري وتنظ م هذا التحك م في قوانين تبدو عادلة في ظاهرها ولكن ها تكر س هذا القهر وهذا التسل ط لذلك ال بد من إعادة تحديد الحر ية الخارجي ة تلك التي تربطني باآلخر داخل المجموعة البشري ة من حيث هي كما بي ن ذلك باإللحاح كانط احترام القوانين التي وافقت عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فال حر ية دون قانون وال قانون دون مناقشات عمومي ة وموافقة علني ة )باإلجماع أو باألغلبي ة( وال موافقة علني ة دون احترام الفرد في آرائه ومواقفه المختلفة والمتنو عة. في واقع األمر يعني التحديث في كنهه مجموعة من العملي ات التراكمية التي تهدف إلى تطوير اإلنتاج وتعبئة الموارد والثروات وتنمية إنتاج العمل وتنظيم الس لط المختلفة داخل أجهزة محكمة تقوم على قاعدة المشاركة في الشؤون العامة محررة بذلك تقاليد الممارسة السياسية. وال بد هنا تعم قا في اإلشكاالت التي قد يحدثها مفهوم التحديث من االنتباه إلى العملية الشائكة لتحويل المعطيات الثقافية والمرجعيات القديمة من االرتكاز على ذاتية الذات إلى االهتمام بالتواصل والت ذاوت ]1[ حيث أن الت ذاوت هو إطار كل أنواع االتصال بين األنا واآلخر. الفيلسوف األلماني هبرماس مثال يعتبر أن العقل المكو ن للمفهوم معر ض دائما للنقد حسب قاعدة كانط القائلة بأن نقد العقل هو من عمل العقل نفسه بحيث سيكون هذا العقل النقدي المنفتح مرتبطا دائما بالنقاش العمومي وبأخالقي اته وبالحوار الذي سيتحو ل إلى طاقة تواصلية هائلة قد تحق ق االتفاق بين البشر. وبذلك يتم إرساء عالقات حوار واتفاق بين الناس تفاديا للعنف والتخاصم والتحارب. فالمجال هنا هو مجال الحوار والتسامح واالحترام مجال الفضاء العمومي حيث يتواصل الناس بأفكارهم ونقاشهم وبحر يتهم وتعابيرهم المختلفة وحيث تتحد د هوي تهم فيحصل الت ذاوت والتواصل بالمحبة الت سالمية أو بالمواجهة التنافسية. لقد دأب بعض المفكرين من الذين يقر ون نظري ة وجوب التحديث الجذري في مجتمعاتنا على تكريس القطيعة النهائية مع معطيات الماضي باعتبارها عائقا أمام التقدم وتحطيما لمؤهالت العقل العلمية والتكنولوجية حتى تلعب هذه القطيعة دورها كامال في تحديث المجتمع. ال أعتقد أن هذه األطروحة مجدية حقيقة في مجال تكريس عملية التحديث في مجتمعاتنا. إن ي أوافق بطبيعة الحال على كون الحداثة أصال هي اختالف عن الجدود وتجديد للهموم الفكرية والحياتية مهما كان نوع هذا االختالف ونسبته وقيمته. فال يمكننا الحديث عن التحديث إذا لم يكن هناك تجاوز خالق للماضي بمعطياته الشاكة وتعقيداته وتوت راته. ولكنني ومع ذلك أؤكد أن عملي ات التحديث ال يمكن أن تكون فقط تجاوزا للمرجعيات القديمة فهي أيضا إدراك فاعل لكل جوانبها ومستتبعاتها وعودة خالقة لما كان يؤس سها. ولعل بذلك يجد التحديث مساره الحقيقي الذي يكون دائما متأص ال في الذات ومتجاوزا للجذور. فالتوغل في أعماق الجذور قد يصبح ظاهرة اجتماعية وفكرية هامة تحت عوامل التغيير ال سيما إذا برز التحديث انقطاعا كامال عن التراث فتترعرع سياسيا وثقافيا ردة فعل انتكاسية وتراجعية تحاول بأساليب مختلفة واستراتيجيات متنوعة االنسالخ عن حركة التحديث وتعويضها بحركة تجديد السلف الصالح ومحاكاة أنماط تنظيماته االجتماعية والسياسية. ولعل ما تعيشه مجتمعات العالم العربي من اضطرابات وثورات وتحوالت وحروب أهلية يبي ن بما ال شك فيه أن الهوية القاتلة تلك التي تعيق التحوالت التحديثية الضرورية قد تؤدي إلى الهاوية. وفي واقع األمر إذا دل ت عودة الفكر الماضوي بقوة في مجتمعاتنا الحالية على شيء فإنها تدل على التوت ر بين نقط االستهراب التي تميز كل عملية تحديث وبين نقط التجذ ر التي تشد القول والفعل إلى سمات الماضي واألصل. هكذا إذن ال بد من التأكيد على الذاكرة التي تبقى ركيزة الحاضر والتقاليد ال ألنها حضور الماضي بعد تنقيته وصقله وإلعادة تأسيسه فقط بل وأيضا ألن الذاكرة هي استمرار حيوي ومتجد د للوظائف الثقافية واالجتماعية والحياتية. وقناعتي أن الحداثة لم تكن يوما تقويضا للذاكرة وال تحطيما للتقاليد هي باألساس استخراج اإلحداثيات وإعادة صياغتها لتتأقلم مع القسم الني ر والمفتوح من التقاليد والذاكرة حتى تتجاوز ما كان يعوق تطورها ويشد ها إلى التدحرج. وسيلعب الفكر هنا دورا استراتيجيا في حبك الروابط بين نقط االستهراب ونقط التجذر. ولعل إعادة تأسيس مهم تها في وضعنا الحالي يتطلب صياغة تصو رات جديدة لتلك الروابط ومن ثم للتحديث من حيث هو عملية ضرورية تقوم على جدلية العودة والتجاوز وتحد د التقدم اعتمادا على استراتيجية الربط بين االستهراب والتجذر. ال بد من التأكيد على الذاكرة التي تبقى ركيزة الحاضر والتقاليد ال ألنها حضور الماضي بعد تنقيته وصقله وإلعادة تأسيسه فقط بل وأيضا ألن الذاكرة هي استمرار حيوي ومتجد د للوظائف الثقافية واالجتماعية والحياتية فالعمليات اإلرهابية لم تكن مجرد إرهاب تقوم به فئة ضالة إذ يجب أن نفهم األسباب الكامنة وراءها مهما كان القائم بهذه العمليات ومهما كانت أهدافه المعلنة وغير المعلنة. فليست هي تضاد بين الخير والشر وال هي حرب دينية جديدة أو حرب صليبية أخرى ولم تنتج عن صدام للحضارات. هي حسب رأينا- من ناحية ردة فعل قوية ضد الالعدل الذي يريد الغرب أن يظهره للعالم وكأنه هو العدل اإلنساني الوحيد الممكن. ولكن ومن ناحية أخرى هي نتيجة حتمية للتصادم بين نقط التجذر ونقط االستهراب بين االنغالق في الهويات القاتلة والهروب نحو التحديث والمعاصرة دون التمكن من إيجاد سبل التوازن بينها. مقاصد الهوية إذا كان األمر كما بين ا فإن ما ذهب إليه أرسطو من تحليل عميق لمعاني الهوية واالختالف والتماثل والصراع والذات واآلخر ما زال فاعال إلى اليوم في هذا العصر الذي جعل من هذه القضايا هموما يومية وقضايا راهنة ثقافة واجتماعا وسياسة. ولعلنا لو تعمقنا نوعا ما في الكتابات والتآليف المعاصرة غربا وشرقا لوجدنا أنها تعاني من قلق السؤال عن الهوية واالختالف والكلي واآلخر. ومهما يكن من أمر فبعض هذه الكتابات إما مغالية في الخصوصية تعبر في معظمها عن ذات متألمة وقلقة تعيش آالم الغربة والتهميش وإما مغالية في الكونية والتحديث ناسية تكو ناتها المحلية ومعطياتها التراثية وصبغتها الخصوصية. فالذات العربية التي نحن بصدد دراستها واتخاذها نموذجا لتأمالتنا تحمل في الوقت نفسه ألم التهميش والغلبة رغم ثرواتها المادية والمعنوية الضخمة وبهجة روح تاريخها الذي يسكنها بوصفها قد حملت يوما ما السلطة المادية والحضارية ومع ذلك ما زالت تؤمن بأنها تحمل شروط نهضة جديدة وفع الة شروط يقظة وجدتها في أوائل قرن العشرين في العلوم والتكنولوجيا وتجدها اليوم في العودة إلى السلف الصالح في نص الدين الذي تؤمن به وتحلم بانبعاثه من جديد. أما في العالم الغربي فالكل يتحدث بلسان مختلف عن الكلي المعرفي واألنطولوجي والكوني السياسي واألخالقي يتحدث عن قيمة التنوع واالختالف والتثاقف واالعتراف. ولكن عندما يكتشف واقع الغيرية مثل الهجرة الضخمة التي أصابت الغرب نتيجة الحرب األهلية بسوريا العدد - 16 مايو/ أيار
40 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف والتي كان الغرب سببا من أسباب اندالعها فالكل سيتحدث عن أزمة تواصل واعتراف ويعم ق الحرب والصراع مبتعدا كل البعد عن الكوني اإلنساني نحو العنف المتزايد الذي يصل إلى حد العنصرية وقد تصبح السياسات الرسمية في بعض بلدان الغرب عنصرية.. زد على ذلك أن سلطان المال والمؤسسة العسكرية والسلطان الدولي الذي تضخ م بال رقيب أضحى سرطانا خبيثا يسري في جسد اإلنسانية ويهدد بقاءها. بذلك تصبح مسألة الهوية مسألة استراتيجية كما بينت ذلك في كتابي باللسان الفرنسي الهوية اإلستراتيجية والذي ترجم إلى العربية تحت عنوان الهوية ورهاناتها. فكيف للثقافات المتعد دة أن تدافع عن بقائها أمام هيمنة ثقافة واحدة تريد عبثا أن تكون هي الوحيدة كونية من خالل نحت منظومة سياسية واقتصادية وعسكرية متكاملة منسقة بقوانين دولية وضع لها اسم العولمة رد ة فعل هووية شائكة ومعقدة نشأ عنها صدام حضارات وتمزق أواصر اإلنسانية. فعادت للظهور مسألة االنتماء الهووي وأحيانا القبلي والعائلي وحتى العنصري كما ظهرت أيضا مواقف معادية لالنتماء سعيا نحو التجر د من كل التزام لمقو مات الهوي ة وانسالخا وتنص ال من المسؤولية التاريخية على غرار ما تعب ر عنه بعض المواقف المغتربة بموجب إيمانها المطلق في ثقافة الغرب وفي التنوير الغربي معتقدة أن الحداثة غربية أو ال تكون. وبهذا ترتبك صورة الهوية بل تنفجر لتترك المجال واسعا للموقف القائم على المد السلفي فخطاب الهوي ة بطبعه خطاب حصري وإقصائي ألن ه يعي ن اآلخر بصفته خصما وينظر إليه عدو ا أو عدو ا مرتقبا ]2[ عبر رسم الد ائرة الجمعي ة. لذلك ستكمن وظيفة هذا الخطاب األولى بما هي أيديولوجيا»في ضرورة الت عارف بين أصدقاء -أي كل الذين يشاركون من الجانب نفسه في معركة سياسي ة- وتعيين العدو وكل معسكر يحتاج إلى عالمات ورموز وشعارات لخطاب يجمع أنصاره ويستبعد اآلخرين بالط ريقة نفسها«]3[. إذا أرنا أن نتجن ب هذا االستبعاد حت ى نبلغ الكوني فهل ينبغي التخل ي عن سؤال»من نكون «وتعويضه بسؤال»ماذا نكون «]4[. وفعال فإن هذا الس ؤال»ماذا نكون«يستدعي سؤاال آخر»ما يكون الش يء«ويتعل ق األمر عندئذ بماهية األشياء وجوهرها. ت عر ف»نحن«في الس ؤال»ماذا نكون«بالمقارنة مع األجناس األخرى من خالل إبراز ما يكو ن ماهية اإلنسان. هناك إذن عودة إلى الس ؤال الكانطي»ما اإلنسان «بعيدا عن األيديولوجي والس ياسي وفي هذه الحالة فإن نطاق الهوي ة يترك المكان للمجال اإلنسانوي وتأخذ الغيري ة مظهرا إثبات الذ ات إذن هو شرط ضروري في كل كونية وفي كل عولمة ودون إثبات هذه الذ ات تتقو ض األمم العمالقة واألمم الص غيرة واألمم المريضة على حد سواء ولهذا فإن هذا اإلثبات ليس طريقة ال لتفادي العبر أممية وال لمعارضة العولمة ميتافيزيقي ا. إن سؤال»ماذا نكون «]5[ يستتبع تفكيرا ميتافيزيقي ا وإيتيقي ا حول منزلة اإلنسان ويت جه صوب وحدة كل الن اس وهو ما يسم يه كانط ]6[»كونية أخالقي ة جميلة في ذروة اكتمالها«] 7 [ في حين أن هذا المجموع ال يكتمل إال إذا و جد بين الن اس -فضال عن االحترام المراقب لحقوق اإلنسان- توزيع عادل للث روات بمقتضى نظام متماسك وات فاق حول العدل والمساواة. وحت ى يكون المرء عضوا في هذا المجموع عليه االنخراط في أخالق عادلة تكون ظهيرا للمساواة وتهدف إلى إنشاء سلم دائم ونهائي. ولكن الواقعي ة الس ياسي ة كما في ذهن فيخته- تعل منا أن الحرب ما زالت هي إطار العالقات بين الن اس والد ول وأن هذا المجموع الذي نتحدث عنه هو من طبيعة طوباوي ة ولذلك فإن سؤال»ماذا نكون «يتضم ن بداهة سؤال»من نكون «] 8 [. ومع كل ذلك فقناعتي أن تعريف الهوي ة واالعتراف بوحدة االنتماء يكو نان شرطا أو ليا لكل كوني ة ولكل عالمي ة في أنماط الحياة. ولكن لماذا نطرح مشكل الهوي ة إذا كن ا نعرف أن عولمة االقتصاد والث قافة وأنماط الحياة أفضت إلى ميالد حركة أممية تنشئ أكثر فأكثر مؤس سات جغراسياسي ة للعديد من األمم ألم ينتج أحيانا عن قضي ة الهوي ة انكماشا حول الذ ات وشوفيني ة خ ط رة وممارسات إقصائي ة دامية وحتى ندافع عن هذه النظرية التوازنية والتعقلية بين مقتضيات الهوية واالنفتاح على الكونية والتحديث من الض روري إعادة النظر في مصطلح الهوي ة في عالقته بالغيري ة وفي نهاية المطاف علينا رصد انتماءات هويتنا الت عددية. ينبغي القول إن هذا المعطى الجديد لتضافر الثقافات ال يمنع الفرد من إثبات انتسابه الواقعي والر مزي إلى مجموعة قيم وإلى وحدة ترابي ة أنشأت ماضيا واضح المعالم هو في الحقيقة تاريخ قومي وإطار اجتماعي وثقافي وسياسي وتمث ل كل هذه األطر نقاط مرجعي ة للهوي ة. إن إثبات الذ ات إذن هو شرط ضروري في كل كونية وفي كل عولمة ودون إثبات هذه الذ ات تتقو ض األمم العمالقة واألمم الص غيرة واألمم المريضة على حد سواء ولهذا فإن هذا اإلثبات ليس طريقة ال لتفادي العبر أممية وال لمعارضة العولمة إن ما هو على العكس من ذلك بحث من أجل أن تتموقع هذه األمم بفعالي ة ومن غير أن تدم ر ذاتها في هذا المشهد الجغراسياسي الجديد للعالم الذي يظل مقس ما ومتنافسا بل وفي الغالب ال يكون إال متصارعا. ولكي ندرس هذا المصطلح )الهوي ة( إذن من الض روري أن نوض ح مختلف هذه المستويات الد اللية الفلسفي ة وتشابكها في مسار الحداثة ]9[ والكوكبي ة الموسومة حالي ا بالت حريك المتجد د دائما للث روات وبتطوير القوى المنتجة عبر إحداث سلطة سياسي ة مركزي ة لكن ها موج هة داخل شبكات فوق أممي ة وال إقليمي ة من خالل تشكيل هوي ات وطني ة متكي فة مع تدويل شبكات تنق ل األفكار والن اس وعبر علمنة القيم والمعايير وانتشار حقوق المشاركة السياسي ة. دالالت الهوية لكل ذلك أعتقد أن تشخيص مختلف دالالت مصطلح الهوي ة في عالقته بالحداثة المتحق قة اآلن عبر عولمة أنماط الحياة يمكن أن يدفعنا نحو الت فكير بصورة أفضل في منزلة حاضرنا وارتباك وجودنا المحكوم بتناوب مرهق بين طرفين: طرف أول يقوم على انكماش حول الذ ات يسو غه نظام خطاب ارتكاسي سلفي قد يصب أحيانا في ممارسة اإلرهاب وطرف ثان هو تدمير للذ ات مطبوع بنزوع نحو التغرب وفي أفضل الحاالت نحو كوني ة مجر دة وعولمة تيس ر أكثر فأكثر ال مساواة جديدة بين الن اس وبين الش عوب. على أننا إذا ما رمنا التعمق فكريا في هذه الدالالت لتصور الهوية ال بد من التمييز بين أربعة أبعاد في مختلف طرائق مقاربة الهوي ة: البعد المنطقي والميتافيزيقي حيث تكون الهوي ة فيه هي هوي ة مماثلة ومساواة. البعد التاريخي وفيه تتجل ى الهوي ة هوي ة تجانس وإمكاني ة استقبالي ة. البعد الس يكولوجي حيث تكون الهوي ة فيه هوي ة شخصي ة وديناميكي ة االستقالل الذ اتي للفرد. البعد الس ياسي وفيه تكون الهوي ة في اآلن نفسه هوي ة تكاملي ة وذاتي ة. ولكنها تتحدد أيضا باإلبعاد والغلبة والقهر. ودون أن ندخل في معطيات فلسفية دقيقة ومعقدة نؤكد بشيء من التبسيط أن الهوي ة هي قبل كل شيء»وحدة الكائن المطلقة مع ذاته«فهي تعب ر بهذا المعنى عن استحالة الفصل منطقي ا وميتافيزيقي ا بين الوجود والماهية: الكائن هو الوجود. بحيث سيكون هناك اندماج كلي بين الكون والوجود مع العلم أن هذا االمتياز لم ي ع ط في الواقع إال للوجود بما هو وجود أي بمنظور ديني لإلله الخالق للكون والوجود والذي ال يمكن أن ي تصو ر إال بما هو وحدة ال تكون قابلة لالنقسام إلى ماهية ووجود. أما على الصعيد المنطقي فيمكن أن نقر ر أن مبدأ الهوي ة )أ=أ( يفيد أصال المساواة والمماثل للهو عينه فهو في المنطق الهوي ة هي قبل كل شيء»وحدة الكائن المطلقة مع ذاته«فهي تعب ر بهذا المعنى عن استحالة الفصل منطقي ا وميتافيزيقي ا بين الوجود والماهية: الكائن هو الوجود الكالسيكي مبدأ أساسي ينبثق منه باإلضافة إلى ذلك المبدآن اآلخران وهما مبدأ عدم الت ناقض ومبدأ الث الث المرفوع. وال بد أن نالحظ هنا أن مبدأ الهوي ة هذا على الص عيد المنطقي والميتافيزيقي يتست ر إذن على االختالفات التي تصنع وجودي بما هو وجود. ونحن نعلم أن ذلك كان القضية المعضلة في الفلسفة التي أدت بأفالطون إلى قتل األب إلى التنكر لبرمنيدس. بل هناك من ذهب إلى أن حل هذه المعضلة بواسطة االعتراف بالغيرية ضمن إشكالية الهوية هو البدء الحقيقي للفكر وللتفلسف. وفي هذا المعنى فإن مفهوم الهوي ة ال ينبغي امتحانه فقط من ناحية القضي ة المنطقي ة والت فكير الميتافيزيقي. فمن أجل أن أمي ز بصورة أفضل ما يعر فني كوحدة خالصة ينبغي تأكيد وحدة الوجود األصلي ة والوظيفي ة ولكن أيضا يتعي ن أن نبرز الموقع الذي تنبسط فيه هذه الوحدة أي الت اريخ بما هو إنجاز للهوي ة وصيرورة. يمك نني البعد التاريخي للهوي ة من تدقيق ما إذا كان هذا المفهوم ي بقيني في وجود أحادي الجانب مم ا يجعل من انتمائي وحضوري ثابتين على هذا الن حو دائما أو على العكس أن الهوي ة ليست ثبوتي ة وإن ما هي طاقة تغيير دون فساد. تكف الهوي ة في هذا المستوى عن إفادتها بواسطة الت ماثل المطلق وبواسطة المساواة المنطقي ة من نوع )أ=أ( فتصبح الهوي ة في األصل والط بيعة تجانس ا وتشابه ا في العالقات. يجعل سارتر في كتابه الوجود والعدم ]10[ من مبدأ الهوي ة ليس فقط خصيصة مقولي ة»لما هو لذات«بصفته حضورا للذ ات بل إن الهوي ة أنطولوجي ا ما هي إال انسجام مطلق ال أثر للتنو ع فيه وما هي إال وحدة تأتلف فيها الكثرة. هذا الت وازن غير المستقر باستمرار بين الذ ات واآلخر وبين الواحد والكثير هو عالمة الت جانس التي تعطي الوجود إن يته في حين أن هذه الهوي ة تاريخي ة في عمقها أو ال وأصالة»وجود كل - واحد«ثانيا وفق العبارات الهيدغيرية وال يمكن أن ت درك كلية الوجود إال بواسطة الت حليل الوجودي أو ما أسم يه بالبعد األنطولوجي- التاريخي للهوي ة. وينبغي الت ذكير بكون الهوي ة تاريخي ة وفق داللة معينة فالهوي ة هي وعي الوجود في كماله ومركزي ته في العالم. وعندما نستأنف الن ظر في الهوي ة بما هي تمث ل نعثر لدى لوك على عبارة»حضور للذ ات«بصفتها مفتاح الهوي ة. يعر ف لوك بعيدا عن الجوهر المفك ر العدد - 16 مايو/ أيار
41 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف الذي نجده عند ديكارت هوي ة الش خص كما يلي»يستطيع شخص وفي مواجهة انهيار الر ابط االجتماعي ومشاعر الخوف والعجز يهدي وأعني به اكتشاف الذ ات وابتداعها وإعادة بنائها من حيث هي ذات خارجة عن االنتماءات التقليدي ة الكالسيكي ة كالعائلة والمجتمع والوطن والدولة. فتكون الذ ات نتيجة فعل التعبير والت شك ل الذي تقوم به الذ ات لذاتها بواسطة التقني ات التواصلي ة المتاحة عبر الكمبيوتر واإلنترنت. فهي نتيجة ترميم شظايا متعد دة من الهوي ة قد يتم جمعها من المواقع المختلفة والمتعد دة ومن تقني ات البلوغ وال التاغ و الماشوب زيادة عن تقني ات الفيديو واألغاني والصور وكل المعطي ات سواء كانت نص ية أو مرئي ة أو سمعي ة. وكل ذلك يأخذ صبغة المبادلة واإلبداع وتكوين الشبكات والجمعي ات والتدخ الت الجمالي ة والسياسي ة واألخالقي ة ومزج الصور بطرق مختلفة بحيث ستصبح الذ ات مقولبة داخل جهاز معق د من التصو رات واالنتماءات. لكل ذلك يمكن القول إننا بصدد تحو الت كبيرة في نمط تصو ر الهوي ة. هناك انهيار للهويات المنغلقة التي وجدت نفسها مجبرة على التقتيل والتخريب واإلرهاب إلثبات ذاتها دون الوصول إلى غاياتها. فمستقبال لم يعد االنتماء االجتماعي والتاريخي هو محد د الذ ات الوحيد والر ئيسي ولن يكون أبدا عماد التذاوت. بل أكثر من ذلك لم تعد الس لطة في مستوياتها المختلفة )العائلة المدرسة الدولة( هي التي تحد د لنا مجاالت تفكيرنا وحقول انتماءاتنا ألن اإلنترنت قد فتحت إمكاني ة المشافهة اليومي ة مع اآلخر بالصورة والصوت من خالل تقني ات البلوغ الفردي ة والجماعي ة. بل أصبحت هذه التقني ة كالجذري ات تنبت دون انتظام بحيث يصعب احتواؤها وتنسيقها. هناك إذن إعادة امتالك القول والتعبير واالستحواذ على المعلومة التي لم تعد ملك السلطة وذلك ليتم نشرها وتوزيعها حسب غايات أيديولوجية وتجارية. وخالصة القول فإن انفجار الهويات بمخاطره الكبرى سيكون حتما عماد الفكر السياسي المقبل في المعقولية العربية ألن ما سيبرز مستقبال يتمثل في تكوينات من ذوات مشت تة تربط بينها روابط مختلفة غير مركزة وكثيرا ما تكون خيالية عن طريق اإلنترنت مثال قد تأخذ هذه الر وابط أشكاال متعد دة : كنشر األفكار واآلراء والتحاليل والنتائج العملي ة والمعلومات االقتصادي ة عن طريق اإلنترنت وغيرها. فمع تحو ل الذ ات من الهوي ة الس ردي ة إلى الهوي ة السيبرني ة يتحو ل االرتباط واالنتماء من المجتمع العادي إلى المجتمع السيبرني. لكل ذلك ال بد من مقاومة الهويات السردية القاتلة وتحرير المعقولية العربية من قيود نظرتها الماضوية واقتراح هوية بديلة متحركة تأخذ بعين االعتبار تحوالت العالم اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا بجانب تجذ رها في معطيات حضارتها الغنية والمتنوعة. لعلنا بذلك نضمن لألجيال العربية المقبلة حياة متوازنة غير منفصمة تتجذر في حضارتها كما يتجذر اآلن الفرد الغربي في معطيات حضارته ولكنها في اآلن تبني عمادها األساسي في مشاريعها وأعمالها المستقبلية وإبداعاتها في كل الميادين فتكون هذه الحياة المتوازنة مدخال للكونية ومرتعا لإلنسانية. أن يعتبر ذاته عينها ذاتا والش يء المفك ر هو نفسه في أزمنة وأمكنة الخطاب اإلسالموي رفاهي ة اليقيني ات والحلول الت بسيطية ل العودة مختلفة وهو أمر ال يتحق ق إال بفضل الوعي الذي ال ينفصل عن الفكر إلى الهوي ة متناسيا أن ها تتكو ن من أخالط وامتزاج متحق قة في وهو عندي حاج ي )ضروري ) للوعي وبقدر ما يمتد هذا الوعي بعيدا مجرى التاريخ«]11[. إلى الخلف بات جاه فعل أو فكر ماض تتبعه هوي ة الش خص أيضا إلى أبرز هذا البعد التاريخي خصوصية الهوي ة الد يناميكية وتمث ل هذه كاتب وأكاديمي من تونس إشارات: ]1[ نعني بالت ذاوت عالقات التبادل بين ذات وذات أخرى وهي ترجمة للكلمة الفرنسية: Intersubjectivité Clausewitz, De la guerre, éd. Minuit, Paris 1954, p.70, cf. Fathi ]2[ Triki, Les philosophes et la guerre, Burini, Sfax 1994 (2 édition),.p.135 Jean Baechler, Qu est-ce que l idéologie?, coll. «Idées», éd. ]3[ Gallimard, Paris 1976,p.64 Richard Rotry, op, cit ]4[ Richard Rotry. «Universalisme moral et tri économique», ]5[.in Diogène.n 173, janvier-mars 1996, p.3 Emmanuel Kant, Idée pour une histoire universelle, éd, Vrin, p ]6[.229 Emmanuel Kant, Idée pour une histoire universelle, éd, Vrin, p -]7[.229 Qui sommes-nous? Les rencontres philosophiques de l UNESCO. ]8[.Ed. Gallimard /Unesco.Paris 1996 Jurgen Habermas, «Le discours philosophique de la ]9[.modernité», p 3 J.Paul Sartre, L être et le néant, Ed, Gallimard, ΙΙ partie, ]10[ p.119 Abderrahim Lamchichi, «Malaise social, islamisme et replis ]11[ identitaires dans le monde arabe», revus confluences, n 6, Paris, printemps 1993, p.41 Identité personnelle : Un champ de recherche en voie «]12[ d organisation», in Adolescence et identité, op. cit, p26 à 44 هذا البعد.. الذ ات هي هذا الش يء المفك ر والواعي أي ا كان الجوهر الذي ق د ت منه روحي ا أو ماد يا بسيطا أو مرك با«. ألجل ذلك ينبغي االحتكام إلى العبارة الهيدغيري ة التي اشتغل عليها ريكور بمهارة في كتابه»الز من المحكي«أال وهي عبارة الت اريخوي ة. إن الهوي ة على مستوى الت اريخوي ة مكو نة من ثالث أفكار مركزي ة تتمث ل في: امتداد الوجود بين الحياة والموت. الث بات للذ ات. الت حو ل. ولئن كانت عبارة الث بات للذ ات رغم كونها غير ثبوتي ة ت بني عالقة تواصل -وفق طريقة ما- الكائن بماضيه وحاضره فإن عبارة التحو ل تربطه بالمستقبلي ة. إن الهوي ة بهذا المعنى ليست فقط ما يسمح بحيوي ة اإلحاالت إلى الماضي بطريقة ما إذ أن ها يمكن أن تتكو ن أيضا بواسطة الممارسات اليومية للحاضر وبواسطة المستقبل أيضا بما هو تحو ل. ينبغي أن نالحظ أن ه في هذا المعنى الد قيق يمث ل الت حو ل سياقا بيولوجي ا وظاهرة اختالف وانحراف في عالقته باألصل إن ه اختالف كيفي ووراثي وسط الن وع. هناك إذن في الت حو ل قطع ووصل في آن واحد وتفت ح وتغي ر في الوقت نفسه مع المحافظة على الط بيعة ذاتها والحال أن ه يتعي ن في الهوي ة األخذ بعين االعتبار هذا االنحراف بالن سبة إلى األصل وبالن ظر إلى الد ينامية مكسبا واقعي ا لكل انتماء. فالهوية الت ونسية مثال بما هي عنصر لتفكيرنا ال يمكن أن تعر ف فقط بوحدة الهوي ة الوظيفي ة واألصلي ة بل هي أيضا نتيجة الت اريخ وصنيعة الوعي بوحدته وبتكامله من ناحية وبقدرته على التحو ل والتكي ف والت غي ر من ناحية ثانية. فالغريب أننا أصبحنا في حلبة التواصل اإللكتروني في الفايسبوك بعد الثورة نتحدث عن األصول البيولوجية للتونسي بنسب تبدو وكأنها علمية موثقة من قبيل أن 52 بالمئة من التونسيين من أصل بربري وأن ما يقارب العشرين بالمئة من أصل أوروبي وأن 14 بالمئة فقط من أصل عربي. ال محالة ال بد من أخذ الت اريخ في االعتبار بصفته سيرورة فهو العنصر الر ئيس لكل صورة عن الهوي ة سواء كانت فردي ة أو جماعي ة ولكننا نقرأ التاريخ بأحداثه الماضية حسب نظرتنا الحالية وبتقنيات معاصرة لم تكن متاحة بحيث أن ما سنفهمه من الحدث التاريخي ليس هو بالضرورة ما فهمه أجدادنا ألن نظرتنا تغي رت وأساليب النفاذ إلى األحداث الماضية تنوعت وتطورت تقنيا ومفهوميا. هوية التونسي تتمثل أيضا فيما هو بصدد القيام به اآلن. فهو معروف اآلن في العالم من خالل ثورته ومن خالل مضمونها المتمثل في إرادة الحياة بالكرامة والحرية. وفي كل الحاالت فإن الهوي ة دون انفتاح على المختلف أخالقي ا ومن غير فعل مشارك في سيرورة الت اريخ وبال نهضة دائمة لألفكار وألنماط الحياة وللغيري ة بصفة عام ة تصبح مرضي ة وعصابي ة ألن ها تكون قد انكمشت حول ذاتها ورفضت العالم وما يحيط به. ولعل ب عد الهوي ة الس يكولوجي على الص عيد الفردي يمكن له في هذه الحالة أن يوض ح لنا بصورة أفضل هذا االنفتاح على اآلخر. إن الهوي ة نتاج تطو ر الفرد في مسار وجوده ألن ها تأخذ في الحسبان منذ الط فولة نسق ا منتظما ومتدر جا لمجموعة من الث وابت المعرفي ة والعاطفي ة وهذا الن سق الخاص بالهوي ة يعطي للفرد إمكان تكو نه في وحدة تقييمي ة بالن سبة إلى ذاته أو ال وفي صورة صراع مع األشياء التي تحيط به ثانيا وفي عالقته باآلخر الذ ي يشاركه الوجود ثالثا. ويمي ز جون ماس ونا ] 12 [ وظائف يضمنها هذا الن سق الخاص بالهوي ة. ومنها باألساس»وظيفة تنموي ة ودفاعي ة للش خص«فهي استراتيجيا تقويم داخل الفردي ة من ناحية ومقاومة لكل اختالل يأتي على توازن الش خص من ناحية ثانية. وإذا أضفنا لهذه التحوالت في نمط نظرتنا إلى الهوية قدرة التكنولوجي ات المعاصرة والخاص ة باإلعالم والتواصل كاإلنترنت مثال على إعادة بناء هوي ة الفرد في المجتمع فسنالحظ في الحين أ نها هوي ة متجذ رة في األنانة قد تحاذي في بعض أشكالها األناني ة. فالر صد الد قيق لتقني ات التواصل تبي ن دون لبس مقو م الهوي ة الجديدة الثابت والتي يتم بناؤها بواسطة المخيال التكنولوجي:.Michel Faucault, Le souci de soi, éd, Gallimard, 1984, p.308 ]13[ مرجعي ة الماضي وإلى وحدة الوجود األصلي ة. وهذا ما يدفعنا إلى تأكيد خصيصة الهوي ة الد يناميكي ة التي هي انبساط وحركة ت بقي الكائن في وضعي ة تجد د دائم بين قلق حدث الموت من ناحية وبهجة الحياة وكمالها من ناحية ثانية. هذا إذن تعريف جديد للهوي ة بما هي في اآلن نفسه انبساط وثبات للذ ات وتحو ل يعطي لالختالف وللغيري ة وظائفهما الت كوينية في األنا. عندها فقط نستطيع أن نجعل من الهوية أمرا فع اال إذ لم تعد الهوي ة انكماشا حول الذ ات وإن ما هي باألحرى انفتاح وفهم وتواصل وفعل. بل قد يصبح تواصل اإلنسان في هذه الحالة سواء مع الط بيعة أو مع شبيهه عنصر هوي ته المركزي. فالكائن هنا كما يالحظ ريكور ال يكون إال مع الغير فتصبح الهوي ة خارج هذا االنفتاح خطرا اجتماعي ا وسياسي ا ألن ها تصبح بابا مفتوحا لكل إقصاء ولكل انغالق وليس المماثل سوى هذا التحك م المفرط في عبارة الهوي ة بانتزاع خصيصة التحو ل والحركة منها. وحت ى على الص عيد الفردي تكون الهوي ة دون تفت ح مريضة وعصابي ة ألن ها تصبح منكمشة حول ذاتها ورافضة للعالم. وألجل ذلك لم تقع اإلشارة مطلقا بشكل كاف إلى الر واسب الخطرة المترت بة عن انكماشات الهوي ة وقد كتب لمشيشي في هذا الص دد»في مواجهة صعوبات التكي ف مع إبداعات الحياة الحديثة العدد - 16 مايو/ أيار
42 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف من التحرير إلى الصراع عامر النحاس الهوية والسياسة في العالم العربي إبراهيم سعدي يفرض موضوع الهوية نفسه بمجرد أن نطرح على أنفسنا سؤال من نكون أو من نحن. وقد تم طرح هذه المسألة دائما في صيغة التساؤل مما يفسر انتشار عبارة إشكالية الهوية الشيء الذي جعل زغموند بومان.Z Bauman يؤكد في كتابه La vie en miettes )(Expérience postmoderne et moralité بأنه وال مرة أصبحت الهوية مشكلة ذلك أنه ال يمكن أن توجد أصال إال كمشكلة فقد كانت مشكلة منذ ظهورها وبرزت منذ البدء بوصفها مشكلة. وهذا الوجود كمشكلة هو بالذات ما يمي ز اليوم مسألة الهوية في العالم العربي حيث تسيل أنهار من الدماء تحت غطاء الهوية إن ضمنا أو علنا وتتعرض أوطان لمخاطر التقسيم والزوال نتيجة لذلك فالهوية بمعناها الجماعي هي ظاهرة تدميرية وتأسيسية في ذات الوقت. تدمر أوطانا ودوال وتبني أوطانا ودوال. لقد شاهدنا ذلك في ما كان يسمى سابقا االتحاد السوفييتي الذي كان يشمل داخله عدة هويات جماعية استقلت بعد ذلك كل واحدة بنفسها مؤسسة دوال ومفككة في ذات الوقت الدولة التي كانت جزءا منها. يمكن أيضا للهوية أن تكون أداة تحرير في مرحلة تاريخية معينة وأداة إقصاء وهيمنة في مرحلة أخرى. لقد تحررت الجزائر مثال من السيطرة االستعمارية باسم ثنائية العروبة واإلسالم لكي يتم تحويلها فيما بعد يعني بعد االستقالل إلى أداة إقصاء للهوية األمازيغية. أما بالنسبة إلى المكون الثاني يعني الديني لهذه الهوية والتركيب والتداخل فيها عناصر التماثل كما فيها عناصر إذن وطيدة بين الهوية كظاهرة جماعية والوجود العالقةالسياسي واأليديولوجي للجماعات البشرية. إنها وذلك تحت تأثير مسألة إدماج المهاجرين المنتمين إلى ثقافات أخرى والوافدين إلى هذا البلد. ومع ذلك يمكن اعتبار عبدالرحمن سواء نظرنا إليها من حيث األصل )اإلسالم( أو الفرع )الطوائف( ال يمكن بدورها فصلها عن التاريخ العام للمنطقة. االختالف. وهذا يعني وجود أكثر من هوية داخل الهوية الواحدة فالهوية اإلسالمية تشمل مثال الشيعي ولكن هذا ركن أساس في الوجود كشعب أو كدولة أو كحزب أيضا تبعا لسياقات ابن خلدون رائدا في هذا المجال إذ وإن لم يستعمل مفهوم الهوية إنه لمن المعروف مثال إذا ما أردنا أن تقتصر إشارتنا فقط األخير يختلف عن غيره من المسلمين في ذات الوقت كما يدل معينة مثلما لها دور في عقد التحالفات واالرتباطات وفي الديناميكية إال أنه يمكن تماما أن نرى في مفهوم العصبية التي فسر بها آلية على ثنائية سن ة/شيعة بالنظر إلى كونها أبرز تجل اليوم على ذلك امتالكه السم تعريفي جماعي ديني خاص به يجعله التاريخية ككل. لكن ولئن كانت الهوية الجماعية ليس لها تجسد وديناميكية التغيرات السياسية في مجتمعات شمال أفريقيا نمطا لمعضلة الهوية في المنطقة العربية أن هذه الثنائية اإلشكالية مماثال ومختلفا في ذات الوقت عن بقية شركائه في الدين. سياسي بالضرورة إال أن كل هوية جماعية تحمل في طياتها قابلية مهيمنا للهوية كفعالية ومحرك سياسي في عصره. هي نتاج لحظة تاريخية تحيل إلى الصراع حول السلطة لكن هذا ال يعني أن طابع التعقيد والتركيب والتداخل للهوية التعبير السياسي عن وجودها في ظل ظروف وعوامل معينة ال يسعنا المجال هنا للتطرق إليها. ويبدو البعد السياسي في الهوية التاريخ والهوية في العالم العربي بعد موت الرسول لكنه تم التسامي بها لتصبح بذلك لحظة تأسيسية لهوية أصبحت اليوم أداة للتوظيف السياسي الذي ال يتجل ى إال على هذا النحو بل هو يستمر على مستويات أخرى متجليا أيضا في العشائرية والقبلية التي جعل منها ابن الجماعية identité collective هو ما يميزها باألساس عن الهوية الفردية في العالم العربي حيث ارتبطت الهوية على الدوام بالتوظيف كثيرا ما تنتهي إليه الهوية بشكل عام لما تحمله هذه األخيرة خلدون كما سبق القول العامل المفسر لديناميكية التغيرات الموجودة كذلك ضرورة في أي هوية بالمعنى العابر لألفراد ذلك أن السياسي واأليديولوجي توجد صلة وثيقة بين الهوية والتاريخ من قابلية للتجييش والتعبئة وتوظيف الجماهير ومراقبتها السياسية الكبرى في مجتمعات شمال أفريقيا في عصره هذه األخيرة على الصعيد الفردي ال تقضي على االختالف الذي هو فتعقد المسألة الهوي اتية في هذه المنطقة وطابعها اإلشكالي مرتبط ذلك أن الهوية حالة وجدانية عاطفية باألساس. والتي ال تزال تفعل فعلها في الدولة العربية إلى اليوم في قوام الهوية مما يجعل الهوية الجماعية ال تعني حالة انسجام مطلق بشكل أساس بتاريخ هذه المنطقة فسواء تطرقنا إلى مكو نها اللغوي وال تشذ عن هذه العالقة بالتاريخ الهوية العربية في بعدها الواقع وذلك جنبا إلى جنب مع عوامل الهوية األخرى الدينية أو تطابقا تاما بين مختلف مكوناتها. وعلى العموم يمكن القول بأن العربية أو الديني اإلسالم وهما من بين المكونات الكبيرة لهذه الجغرافي المتمثل في تجسدها في الدول الوطنية أي في وغير الدينية. الهوية الجماعية ذات طابع مزدوج فهي من جهة جامعة على أساس أن أعضاءها يملكون أو يعتقدون بأنهم يملكون مقومات ذاتية خاصة الهوية قوميا وقطريا مع اختالفات ال يستهان بها من بلد إلى أخر كان للعامل التاريخي في كل مرة دور هام في الطابع اإلشكالي للهوية الهويات القطرية التي تتشكل منها جامعة الدول العربية اليوم فقد كانت بدورها نتاجا تاريخيا يحيل إلى ما يعرف الهوية القومية بهم لغوية دينية عرقية أو غيرها ومن جهة أخرى م ؤسسة المؤسسة على هذين المعطيين. فبالنسبة إلى العامل األول نعرف بتقسيم سايكس- بيكو وإلى إفرازات الظاهرة االستعمارية ويمكن القول بصورة عامة إن المكونات الهوي اتية السابقة لم لالختالف االختالف عن اآلخر وعليه فهي تؤسس الذات واآلخر بأن بعض شعوب المنطقة التي ت نسب لها العروبة مثل بلدان شمال بشكل عام مرحلة يمكن تسميتها بمرحلة خروج العرب من يكن لها دائما في الخطاب والممارسة السياسيين العربيين معا. أفريقيا وكذلك مصر والسودان والعراق وسوريا لم تكن في األصل التاريخ بالرغم من أن البعض يدرج أيضا الفترة العثمانية في القرن الماضي والحاضر نفس الدور وال نفس األهمية أو وبالرغم من أن عامل الهوية بمختلف تجلياته وأنماطه كان دائما بالدا ذات هوية عربية فقد دخلت إليها اللغة العربية تاريخيا عن كجزء من مرحلة خروج العرب هذا عن الفاعلية التاريخية الحضور وال نفس كيفية التوظيف والتأثير وال اشتغلت دائما فاعال في التاريخ وفي عالقات الجماعات البشرية بعضها ببعض إال طريق الفتح اإلسالمي لكن دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى ام حاء ليتحولوا بعد ذلك إلى هامش. يمكن القول إذن بأن الهوية في انسجام وتناغم فيما بينها. ففي مرحلة ما بعد التحرر من أنه لم يصبح موضوع دراسة واهتمام ولم يتبلور كمفهوم نظري إال الهوية األصلية الشيء الذي يفسر التوترات التي صاحبت على هذا العربية نتاج تاريخي شأنها في ذلك في الحقيقة شأن كل االستعمار مرحلة جمال عبدالناصر وحزب البعث تم التركيز في العصر الحديث وبالذات في خمسينات القرن الماضي في سياق الصعيد قيام الدولة الوطنية بعد االستقالل وما اقتضاه ذلك من هوية جماعية. باألساس على المكون القومي أي العربي لهذه الهوية وذلك األبحاث التي دارت في إطار علم النفس االجتماعي في أميركا تعريف للهوية وتبعا لذلك للغة الوطنية والرسمية للبالد. ومما سبق نستنتج أيضا بأن هذه الهوية تتميز بالتعقيد على حساب المكون الديني المتمثل في اإلسالم. وقد كان العدد - 16 مايو/ أيار
43 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف لطابع المرحلة المتميز آنذاك عالميا بسيادة أيديولوجيتين كبيرتين تتمثل إحداهما في الماركسية أو االشتراكية أن أسهم في هذا التوجه الذي كان من نتائجه تهميش الحضور الهوي اتي والسياسي لإلسالم مم ا يفسر عدم بروز الظاهرة الطائفية الدينية بشكل عام في تلك الفترة. كما أد ى تمركز الهوية حول مبدأ العروبة إلى حدوث أزمة هوية في بعض البلدان كالعراق حيث تعيش أقلية كردية راحت تطالب بحقوقها الثقافية كمكو ن هوياتي جماعي متميز داخل الهوية الجماعية العراقية ككل. بينما أدى ذلك في الجزائر إلى نزاع هوياتي داخلي عرف تطورات دموية أحيانا استمر سنوات طويلة. ذلك أن التركيز على البعد القومي للهوية العربية على صعيد تعريف الهوية الوطنية قد استتبع ليس فقط تكريس اللغة العربية كمكو ن لغوي وطني ورسمي وحيد بل إقصاء البعد األمازيغي في الجزائر كمكو ن كامل الحقوق في إطار هذه الهوية. وكان ال بد من تضحيات كبيرة وسنوات طويلة من االضطرابات لالعتراف رسميا بالبعد األمازيغي لهوية الشعب الجزائري وباللغة األمازيغية كلغة وطنية ورسمية. بينما أدى األمر أخيرا في العراق بعد مآس دموية طويلة إلى تأسيس ما يشبه دولة داخل الدولة بعد قيام كردستان العراق على إثر الغزو األميركي كإقليم يتمتع بالعديد من صالحيات الدولة مثل امتالك لغة وطنية ورسمية وعلم خاص وقوات مسلحة وتمثيل دبلوماسي.. إلخ. وفي هذه المرحلة يعني مرحلة هيمنة الهوية القومية القائمة على أحادية هوي اتية متمثلة في العروبة كان اآلخر يظهر باألساس كوجود أيديولوجي وسياسي يتمثل في ما كان يسمى باإلمبريالية األميركية وحليفتها الصهيونية فيما األنظمة العربية ذات النظام الوراثي التي كانت معارضة للقومية العربية بوصفها أيديولوجية تسعى إلى توظيف الهوية العروبية كمشروع وحدوي كانت تبلور خطابا سياسيا يرتكز على خلفية دينية سلفية قائما بالتالي على الهوية الدينية يظهر فيها اآلخر متمثال في الشيوعية باعتبارها ظاهرة إلحادية. على أن هزيمة 1967 أمام إسرائيل وقيام ثورة الخميني في إيران سنة 1979 سيؤديان إلى أفول نجم األيديولوجية القومية ومن خاللها العروبة كمقو م هوياتي مهيمن ليحل محله تدريجيا المقوم الهوي اتي الديني أي اإلسالم. لكن مثلما أن أيديولوجية العروبة بوصفها مقوما هوي اتيا قام على األحادية وبالتالي على اإلقصاء قد تمخض عن نتائج وخيمة كما تجل ى ذلك فيما جرى في العراق وأيضا في الجزائر فإن اتخاذ اإلسالم كمقوم هوياتي مهيمن ومتسلط داخليا وبالتالي عدم اإلقرار بدوره بمبدأ االختالف مؤكدا على المماثلة فقط قد أفضى بدوره إلى عواقب سلبية صار اآلخر إذن شيطانا أكبر أو غربا صليبيا بعدما كان في المرحلة السابقة إمبرياليا أو شيوعيا. ذلك أن التغير الذي يحدث على صعيد إدراك األنا كهوية جماعية ال يمكن أن يتم دون أن يرافقه تغير على صعيد إدراك اآلخر لعل انفصال الجنوب )المسيحي( عن السودان ذي األغلبية المسلمة وتحو له إلى دولة مستقلة يمثل النتيجة األكثر درامية. كما أن عودة الهوية في بعدها الديني اإلسالمي خصوصا في إيران وتحولها إلى المرجع األساس سيعدل صورة اآلخر ليبدو على ضوء منظور هذا األنا القديم الجديد المتمثل في الهوية اإلسالمية بدوره في صورة دينية تعبر عنه مثال مفردات من قبيل الشيطان األكبر أو الغرب الصليبي. لقد صار اآلخر إذن شيطانا أكبر أو غربا صليبيا بعدما كان في المرحلة السابقة إمبرياليا أو شيوعيا. ذلك أن التغير الذي يحدث على صعيد إدراك األنا كهوية جماعية ال يمكن أن يتم دون أن يرافقه تغير على صعيد إدراك اآلخر وكذلك على صعيد الخطاب اللغوي المتداول بشأنه. علما أن هذا االنتقال من مرجع هوي اتي إلى آخر يعني من العامل الهوياتي العروبي إلى العامل الهوياتي الديني الذي ظل مهيمنا في الشارع أساسا لم يتم بمعزل عن ديناميكية عالقة اآلخر ب األنا تلك العالقة المتميزة بالهيمنة والسيطرة. وإلى جانب هذا فإن هذا االنتقال من المرجع الهوي اتي العروبي إلى المرجع الهوي اتي الديني وذلك على صعيد الوعي الجماهيري يعني في الشارع كما سبق القول ألن هذا التحول لم يتشكل كخطاب رسمي باألساس إال في إيران هو في بعد من األبعاد نتاج إخفاق الخطاب العروبي القومي في مواجهة التحدي الذي فرضه اآلخر وربما األصح نتاج نهاية دوره التاريخي باعتبار أنه كان قد ساهم في التحرر من االستعمار في مرحلة من المراحل. وينبغي التوضيح بأن صحوة الهوية الدينية لم تقم مباشرة على أنقاض الهوية القومية التي أصيبت في الصميم بعد هزيمة 1967 أمام إسرائيل ولم تحل محلها فور وقوع هذه النكسة. ذلك أن تراجع األيديولوجية القومية قد حل ت محل ها األيديولوجية القطرية التي جاءت مع السادات الرئيس الذي قتل فيما بعد برصاصات إسالمية. فمجيء الرئيس السادات على إثر الوفاة المباغتة للرئيس عبدالناصر كان بداية االنكفاء على الهوية بمعناها القطري ذلك االنكفاء الذي جسدته اتفاقية كامب ديفيد التي أدت إلى تهميش القضية الفلسطينية صاحبة األولوية في الخطاب القومي العربي حتى أنه يمكن القول بأن كامب ديفيد كانت نكسة جديدة للهوية القائمة على االنتماء القومي العروبي وعلى قضيتها المركزية فلسطين بعد تلك التي مثلتها نكسة 1967 العسكرية. وهما نكستان مترابطتان بالتأكيد. فقد ساد في مصر التي كانت القلب النابض للخطاب القومي العربي بعد هذه االتفاقية خطاب هوي اتي قطري يمكن وصفه باالنعزالي يركز على اختالف وتمي ز هوي ة مصر ويدعو إلى خالص هذا البلد األكبر في المنطقة بمعزل عن مصير العالم العربي وعن مصير قضيته المركزية المتمثلة في القضية الفلسطينية. وقد أدى هذا الخطاب االنعزالي إلى تقزيم مصر في النهاية بعدما أفقدها تأثيرها العربي التقليدي وحو لها خصوصا في عهد حسني مبارك إلى أداة طيعة بين أيدي الواليات المتحدة األميركية العدو رقم واحد تقليديا في الخطاب الهوي اتي القومي العربي. وقد بلغ انحطاط التوجه الهوي اتي القطري المصري أوج سقوطه بارتباطه باالستبداد والفساد والتوريث ولعل مباراة كرة القدم مؤلمة الذكر بين الجزائر ومصر تمثل أبلغ تعبير ليس فقط عن دخول القومية العروبية التقليدية في سجل الماضي ولكن أكثر عن تهافت خليفته الساقط في وحل قطرية شعبوية وشوفينية تلهث وراء أمجاد وأحالم صغيرة ومشبوهة بعد سقوط األحالم الكبيرة واإلخفاق في بلوغ األمجاد العظيمة التي كانت تحدو الخطاب القومي العربي: وحدة العرب وتحرير فلسطين. وما تبق ى من الهوي ة القومية العروبية بعد كامب ديفيد مع حزبي البعث العراقي والسوري في خطابهما الرسمي على األقل جاء الغزو األميركي ليضع حدا له في العراق فيما هو يعيش ربما أيامه األخيرة في سوريا حيث تجري حرب طاحنة بين آخر نظام بعثي ومعارضين تحت عباءة الهوية الدينية الجهادية وغير الدينية حرب تبدو في بعد من أبعادها كآخر معركة يخوضها القوميون العرب فيما هي في نظر كثيرين ليست في الحقيقة غير حرب انتهت إلى استخدام أسلحة الهوية أسلحة الطائفة هاهنا مم ا يعني إن صح ت هذه القراءة بأن الحكم العربي لم يكف عن االستناد إلى مبدأ العصبية الذي فسر به عبدالرحمن بن خلدون نشأة وسقوط الدول اإلسالمية في عصره. إعادة صياغة نظرة اآلخر إخفاقات وانحرافات األيديولوجية الهوياتية القومية والقطرية اللتين اشتركتا في االستبداد فيما تميزت هذه األخيرة إلى جانب ذلك بالفساد والتوريث خصوصا بعد المرحلة التي أعقبت كامب ديفيد هي التي ساهمت في صحوة الهوية اإلسالمية وصعودها. وقد أدت عودة هذه الهوية إلى الواجهة وذلك في مختلف تجلياتها على الصعيد الديني المحض كما يظهر ذلك في السلوك االجتماعي لألفراد أو على الصعيد السياسي والجهادي في شكل حركات ساعية إلى تغيير األنظمة باسم اإلسالم ( الفيس في إذا كانت عودة الهوية اإلسالمية إلى واجهة األحداث وذلك بوصفها هوية كبرى وجامعة قد جلبت معها إعادة صياغة رؤية كل من األنا واآلخر لبعضهما البعض فقد جلبت معها أيضا إعادة إحياء معطيات هوي اتية ليست مشتركة بالضرورة الجزائر وحركات اإلخوان المسلمين في بلدان العالم العربي األخرى( أو في شكل مقاومة مسلحة لالحتالل الصهيوني ( حزب الله حماس.. إلخ( أو في إطار ما صار يعرف باإلرهاب سواء على الصعيد المحلي أو الدولي ( الهجوم على برجي نيويورك في 11 سبتمبر 2001 باألساس( إلى تغيير نظرة اآلخر تجاه العرب الذين صاروا يبدون للعالم بالدرجة األولى كوجود قائم على هوية دينية باألساس علما أن عصرنا يتميز عموما بتراجع الهويات ذات الطابع الديني. كل ذلك أفضى في األخير إلى ما صار يعرف ب فوبيا اإلسالم الذي يمثل المظهر األبرز للصراع األيديولوجي الذي عو ض الفراغ الذي أحدثته نهاية الحرب الباردة والذي تمثل صور الكاريكاتور المسيئة للرسول أحد أوضح تجلياته. انبعاثالهويةاإلسالمية لكن إذا كانت عودة الهوية اإلسالمية إلى واجهة األحداث وذلك بوصفها هوية كبرى وجامعة قد جلبت معها إعادة صياغة رؤية كل من األنا واآلخر لبعضهما البعض فقد جلبت معها أيضا إعادة إحياء معطيات هوي اتية ليست مشتركة بالضرورة بين جميع المسلمين بالرغم من طابعها الديني وانتمائها إلى اإلسالم ونعني هنا الطائفية. وهكذا فإن الهوية اإلسالمية العائدة بقوة لم تستطع لم شمل كل العرب ناهيك بلم شمل كل المسلمين إال إزاء اآلخر وليس أبدا جمع شمل العرب أنفسهم. ذلك أن االنقسام الطائفي الشيعي السن ي ما كان في يوم من األيام إذا ما استثنيا المرحلة التاريخية المؤسسة له بمثل هذه الحدة التي صار عليها منذ أن طفت وطغت على الساحة العربية الهوية اإلسالمية في مختلف تجلياتها. فهذه الهوية الدينية الطائفية )الشيعية أو السنية( صارت أكثر تأثيرا وذلك على مختلف المستويات ال سيما السياسي منها في عالقات المسلمين والعرب بعضهم ببعض من الهوية العابرة للطوائف المتمثلة في اإلسالم ذاته. وربما يمكن القول بأن الهوية الطائفية في مرحلة هيمنة الهوية الدينية التي يمر بها العالم العربي اليوم هي أقوى من تأثير الهوية المؤسسة للدولة الوطنية أي الجغرافية إذا ما صدقنا االتهامات التي توجه أحيانا إلى هذه الطائفة أو تلك بشأن والء أفرادها إلى دولة أجنبية تقاسمها الروابط الطائفية نفسها. لقد قيل ذلك في العراق وفي البحرين وفي سوريا وفي لبنان وفي العدد - 16 مايو/ أيار
44 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف غيرها من بلدان العالم العربي. وتشكل اليوم هذه الهويات المؤسسة لالختالف داخل الهوية العابرة للطوائف الوطنية منها واإلسالمية كذلك ليس فقط أحد المعوقات الكبرى لقيام المواطنة بل تهديد لوحدة الدولة الوطنية نفسها )في العراق وسوريا خصوصا( فضال عن إفراغها الديمقراطية من أي محتوى بعد أن صبغتها بطابع الطائفية. الطائفيةوالثورة ويمكن القول بأن الطائفية جاءت كإحدى النتائج غير المتوقعة وغير المباشرة للثورة اإليرانية ذلك أن هذه األخيرة إذا كانت قد لقيت ترحيبا جماهيريا في مختلف بلدان العالم اإلسالمي فإن األمر ليس كذلك بالضرورة على مستوى األنظمة. كان ال بد في الحقيقة لهذه الثورة كأي ثورة كبرى أن تثير من المخاوف قدر ما تثيره من الترحاب. فكل ثورة تحمل معها خطر العدوى وبالتالي الخشية من أن يتجاوز لهيبها حدودها الوطنية خاصة إذا ما أخذنا بعين االعتبار فيما يعني الثورة اإليرانية وجود الطائفة الشيعية في عدة بلدان عربية كالعراق والبحرين ولبنان واليمن وغيرها يمكن أن تشكل وقودا أو جسرا للنظام اإلسالمي الجديد علما أن القائمين على الثورة اإليرانية أنفسهم كانوا ال يخفون عزمهم على تصديرها. كل ذلك انجر عنه إحياء الصراعات السياسية الدينية القديمة العائدة إلى زمن الفتنة بين علي ومعاوية فكانت الحرب المدمرة بين العراق وإيران التي تم أثناءها استنزاف قدرات النظامين ثم المواجهات القائمة اليوم في سوريا والعراق واليمن. وغني عن البيان أن االنتماء الطائفي ذاته ليس هو المشكلة بالضرورة فهو على أي حال نتاج تراكم تاريخي يجد الفرد نفسه متأثرا به يصيغ وجدانه بهذه الدرجة أو تلك رغما عنه. وعلى هذا األساس فهو إرث يرثه الفرد من ماضي مجتمعه كما يرث اللغة مثال. ولكنه يصبح مشكلة حقيقية عندما يتم تسييسه. وهذا ما حدث في العالم العربي وفي إيران أيضا خصوصا وأن الطائفية كانت منذ البدء مشكلة سياسية في الجوهر. ومما ساهم في جعل العودة القوية للهوية اإلسالمية تفرز الحالة الطائفية السائدة اليوم ما حدث في إيران بعد التحول من الثورة إلى الدولة وما صاحب ذلك من ظهور مصالح ذات طابع قومي استدعت استخدام الهوية الطائفية بوصفها أداة من أدوات النفوذ الخارجي يعني كسالح سياسي قبل أن تستخدم كما يجري اليوم كسالح عسكري. ويمكن القول بأن تسييس الهوية الطائفية هو وجه من أوجه تسييس اإلسالم كدين فالظاهرة الطائفية لم تكن موجودة مثال أيام هيمنة الخطاب الهوي اتي القومي. لكن الطائفية جاءت كإحدى النتائج غير المتوقعة وغير المباشرة للثورة اإليرانية ذلك أن هذه األخيرة إذا كانت قد لقيت ترحيبا جماهيريا في مختلف بلدان العالم اإلسالمي فإن األمر ليس كذلك بالضرورة على مستوى األنظمة منذ انتصار الثورة اإلسالمية اإليرانية وما أفرزته من تبعات على صعيد المنطقة أصبحت الهويات الوطنية أو الجغرافية واقعة تحت تهديد خطر مكو ناتها الطائفية ومن خالل ذلك وحدتها الترابية خصوصا في لبنان والعراق وسوريا ذلك أن الهوية أيا كانت تملك القابلية في ظل ظروف معينة كالتي تعيشها اليوم بعض بلدان المنطقة على االنشقاق عن غيرها واالستقالل بذاتها لتأسيس دولتها كما حدث ذلك مثال في ما كان يعرف باالتحاد السوفييتي ويوغسالفيا نهاية القرن الماضي. وإذا كان هذا األمر ليس بعد في الوقت الراهن غير خطر يلوح في األفق فإن اآلثار السلبية لتسييس الهوية الطائفية هي أمر واقع كما يتجلى ذلك في إفراغ الديمقراطية والمواطنة من أي محتوى حقيقي )لبنان العراق..( وفي تهميش الهوية الوطنية يعني للهوية العابرة للهويات الجزئية وما ينجر عن ذلك من تبعية طائفية للخارج سواء على الصعيد الشعبي أو على صعيد النخب السياسية الحاكمة أو غير الحاكمة )لبنان والعراق نموذجا(. الخروجعنسلطةالهويةالجماعية لكن وكما انتكس الخطاب الهوي اتي القومي وبعده الخطاب الهوي اتي القطري يمكن القول بأن الخطاب الهوي اتي اإلسالمي العائد إلى الواجهة يعرف بدوره اليوم حالة تأزم لعل الهوية الطائفية وخروجها عن سلطة الهوية المركزية )اإلسالم( تمثل أبرز مظهر من مظاهر هذه األزمة. وإذا كانت الهوية اإلسالمية تحيل في األصل إلى مفهوم األمة أي إلى واقع متجاوز للحدود القطرية والقومية وهو األمر الذي جلب لإلسالميين عموما تهمة الكوسمبولوتية بما يعنيه من ضعف االنتماء الوطني كما فعل الباحث الجزائري علي الكنز مثال في كتابه خمسة دروس حول األزمة فإنه ال يمكن تحقيق هذه الهوية عمليا في عصرنا إال على صعيد الدولة الوطنية نتيجة زوال نظام الخالفة. وهذا ما أرغم الخطاب الهوي اتي اإلسالمي على األخذ بعين االعتبار للهوية الوطنية بمختلف مقوماتها الجغرافية والتاريخية والثقافية والدينية. فاليوم ال وجود لهوي ة إسالمية إال وكانت بالضرورة مقترنة بجنسية بلد معين. وهذا االقتران الحتمي بالجنسية الوطنية يؤثر وجدانيا وبالضرورة على معايشة الفرد لهويته الدينية المجاوزة لجغرافية بلده مثلما أن هذه األخيرة سوف تؤثر على نمط معايشته لهويته القطرية أيضا. وعليه فإن حديثنا عن انبعاث الشعور الهوياتي اإلسالمي وهيمنته ال يعني بالضرورة نهاية تأثير الهوية الوطنية. فيمحدوديةالهويةالدينية وقد حدا وجود الدولة-الوطن بوصفها نمط وجود األمة الوحيد في العصر الحديث بالخطاب الهوي اتي اإلسالمي إلى االنفتاح أيضا على مفاهيم وتصو رات اآلخر ليس فقط على سبيل التكيف مع قيم العصر بل أيضا من أجل استيعاب معطيات وتعقيد الواقع الوطني الذي تعجز الهوية اإلسالمية بمعناها التقليدي الماضوي التعامل معه كمعطى موضوعي ينبغي أخذه بعين الحسبان. ولهذا الغرض تبن ى الخطاب الهوي اتي المتأثر بالدين كالذي جسده الرئيس المصري محمد مرسي المطاح به أثناء تجربته القصيرة في الحكم مفهوم الديمقراطية المرتبط بالثقافة الغربية يعني بثقافة اآلخر دون أن يعني ذلك في آن واحد حال لمعضلة العالقة بين الهوي ة الدينية والدولة الديمقراطية كما يدل على ذلك فشل تجربة مصر بعد الثورة. ذلك أن أحد عوامل هذا اإلخفاق مرتبط بوجود توجه سعى إلى تحييد الدولة دينيا وحصر الهوية الدينية في اإلطار الشخصي على غرار ما هو معمول به في الغرب وأيضا في بلد إسالمي كتركيا حيث العلمانية المعلنة تقضي بغياب هوية دينية خاصة بالدولة. ومن هنا يمكن القول بأن أحد عوامل فشل بلدان الربيع العربي كان مرتبطا بالخالف حول تصو ر هوي ة الدولة أي بالخالف بين تصور يمنح للدولة هوي ة دينية معينة تؤدي بالضرورة إلى تهميش مواطنين ذنبهم الوحيد أنهم ال ينتمون إلى الهوية المهيمنة كما يرى معارضو هذا التوجه على األقل وآخر يدعو أنصاره إلى دولة تكون تعبيرا عن كل المواطنين وبالتالي إلى دولة ليس لها هوي ة دينية معينة. وبتعبير آخر لم يكن الصراع األيديولوجي والسياسي الذي دار وال يزال بين العلمانيين واإلسالميين غير تعبير عن صراع حول هوي ة الدولة في مرحلة ظن كثيرون أنها ستكون مرحلة ما بعد االستبداد. القبيلة:الهويةالعربيةاألبدية االنتماء اآلخر الذي يشكل أحد مكو نات الهوية في العالم العربي هو االنتماء القبلي. وهو أقدم مرجع هوي اتي عربي إذ أن جذوره تمتد إلى ما قبل مجيء اإلسالم أي إلى ما قبل قيام الدولة في ربوع هذا الدين فال اإلسالم وال القومية وال الدولة الوطنية أي ا كانت قد اجتثت هذه الظاهرة التي استمرت تفعل فعلها وال تزال إلى اليوم وذلك على مختلف المستويات. فهذه الهوي ة الجماعية األولى ربما في تاريخ البشرية التي اختفت اليوم في معظم األمم الحديثة االنتماء اآلخر الذي يشكل أحد مكو نات الهوية في العالم العربي هو االنتماء القبلي. وهو أقدم مرجع هوي اتي عربي إذ أن جذوره تمتد إلى ما قبل مجيء اإلسالم أي إلى ما قبل قيام الدولة في ربوع هذا الدين ال تزال تشكل أحد مصادر وأعمدة السلطة في العالم العربي ففي كتابه المعنون صراع القبيلة والديمقراطية: حالة الكويت يقول خلدون النقاب بهذا الشأن أستطيع القول بأن المصدر الرئيس لشرعية الدولة في شبه الجزيرة العربية تتوقف على مجموعة من العناصر المتأتية جميعها من مفهوم واحد قديم وممل يتمثل في القبيلة السياسية. وال يقتصر استمرار تأثير االنتماء القبلي على نظام حكم معين دون آخر إذ نجده حاضرا أيضا في األنظمة الجمهورية التي كانت فيها الظاهرة القبلية أحد أعمدة االستبداد ففي مؤلفه L Etat et la tribu dans le monde arabe. Deux systèmes pour une seule société يقول محمد زيدان بهذا الصدد متحدثا عن علي عبدالله صالح في اليمن ومعمر القذافي في ليبيا لقد تركا عن عمد بلديهما في حالة قبلية بدائية األول خالل 30 سنة والثاني خالل 40 سنة وذلك قصد تكريس سيطرتهما المطلقة جاعلين الحوار مع شيوخ القبائل نمط حكم بل ذهبت بهما الميكيافيلية إلى حد تقديم هذا النظام الشعبوي كنموذج للديمقراطية المباشرة. وهذا يعني أنه مثلما تعرضت الهوية القائمة على االنتماء الطائفي وال تزال تتعرض للتوظيف السياسي فإنه حدث نفس الشيء للهوية القائمة على القبيلة. على أن هذا التوظيف وهذا التسييس ما كان ليتم اللجوء إليهما لو أن هذين المصدرين الفرعيين من مصادر الهوية العربية المركبة والمعقدة والمتداخلة لم يكونا فاعلين ومؤثرين في مجتمعات هذه المنطقة. فالهويات في العالم العربي ال تتطور وال تحل الواحدة منها محل األخرى كما يمكن أن نالحظ ذلك في مناطق أخرى من العالم بل تتراكم عبر التاريخ ويضاف بعضها إلى البعض اآلخر األمر الذي يجعل الهوية آخر المطاف في العالم العربي تتكون من هويات متعددة ال تعمل في اتجاه واحد يعيق بعضها بعضا وذلك ما يفسر إلى جانب عوامل أخرى بالتأكيد هشاشة البنية المدنية للمجتمعات العربية واستفحال االستبداد. وربما ذلك ما يفسر أيضا هشاشة اإلنسان العربي نفسه وما يتميز به من تمزق وتقلب وتناقض فتراه مثال طبيبا لكن تعش ش فيه القبيلة أو الطائفة أو حداثيا وعلمانيا لكنه مستبد في آن واحد أو وحدويا وقوميا لكنه ال يزال أسير القبيلة أو إسالميا لكن والءه لطائفته قبل كل شيء. كاتب وأكاديمي من الجزائر العدد - 16 مايو/ أيار
45 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف بيت الخائب عامر النحاس االنغالق الهوي اتي في دنيا العرب أحمد دلباني يبدو اليوم جليا للمتأمل في واقع الم جتمعات عبر العالم وفي العالم العربي بخاصة أن زمن اليوتوبيات التقدمية واألحالم الخالصية الجماعية الكبيرة قد ول ى لصالح تفاقم اليأس واضمحالل جاذبية الم ستقبل. ونعتقد أن أبرز م ؤشر على ما ذكرنا هو تنامي خطابات الهوية وانفجار األصوليات الم ختلفة بما يشي بانكماش واضح أمام اللحظة التاريخية التي نعيشها. هذا زمن التمركز الجديد بامتياز: تطرف هوياتي شرقا وغربا نستطيع أن نرى مالمحه في ذلك االحتماء بقناديل الذات الجماعية والم تمظهر تحديد ا في الطائفية الدينية والتمركز العرقي واحتالل اليمين السياسي صدارة البرامج المطروحة في أوروبا الم نهكة بمشاكلها االقتصادية واألمنية. بل قد نجد لهذا األمر صدى واضحا في عالم الفكر أيضا في أوروبا من خالل ذلك التراجع التدريجي عن م كتسبات األنوار وسردية التقدم والنزعة اإلنسانية الكونية لصالح مديح الحد ود كما ي شير إلى ذلك عنوان كتاب م هم للمفكر الفرنسي ريجيس دوبريه. هذا األمر على ما نرى م ؤشر أيضا على أزمة تعيشها الحداثة الكالسيكية التي لم تنجح في تدشين نهاية سعيدة للتاريخ. االنتماء مطلب مشروع. لكل هويته ولكل الحق في مطلب هوية مفتوحة على االغتناء انطالقا من م رتكزات متى توفرت الشروط الموضوعية لذلك. كأن العنصرية موجودة بالقوة في كل منظومة ثقافية وفي كل رؤية للعالم ما دامت تضمر تمركزا للذات مهما اد عت الكونية والشمولية وهي جاهزة ألن تتحو ل إلى وجود بالفعل كلما شعرت الهوية الجماعية بنوع من التهديد الذي يزحزحها عن المركز أو يشو ش على نرجس صفاء المرآة التي تعكس جماله االستثنائي. ولكن ما نود التركيز عليه هنا هو هذا التطرف الهوياتي في طبعته العربية الر اهنة والذي يتجل ى تحديد ا في األصولية الديني ة والطائفية السياسية. وربما لم يكن هذا األمر إال نتاجا طبيعيا انبثق عن إخفاق الدولة الوطنية العربية وأصبح يمثل أبرز مالمحها ثقافيا وسياسيا بعد عقود من سيادة وهيمنة الغنائية األيديولوجية في صورتيها القومية واالشتراكية. إن التطرف الهوياتي من أبرز أمارات فشل التحديث في العالم العربي. ربما كان التطرف الهوياتي مرض العصر. ولكننا لن ن وافق بكل تأكيد على النظر إليه باعتباره سبب ا لمتاعبنا الحالية أو لجحيم الع نف الذي نشهد وإنما بوصفه أوال وقبل كل شيء نتيجة. التطرف نتيجة وليس اختيار ا أو سببا أو ل يتحكم بخيوط الفوضى التي تصنع تراجيديا العالم. إنه عالمة أزمة. ومن األنسب أن ت قرأ األزمة الم عقدة في سياقها الثقافي والحضاري بعيد ا عن كل روح اختزالية ال تنظر إال إلى الج زء الظاهر من الج بل الجليدي. هذا ما يجعلنا نطرح فرضية أولى نراها ضرورية: التطرف عالمة اختالل يجد أساسه في الثقافة القائمة على الهيمنة. إنه رد فعل وليس فعال بادئا م ستقال بذاته. وهو اختالج قد يكون يائسا ولكنه ي فصح عن بقية الروح التي تقاوم الذبح. وربما أولى عالمات ه الم ؤكدة تنامي الحديث عن الهوية بشكل م بالغ فيه منذ عشريتين على األقل في بقاع العالم التي عرفت انتكاسات وفشال في التنمية الم توازنة كالعالم العربي. ثقافية وحضارية متعد دة. ولكن ما الذي يحو ل التشبث بالهوية إلى عالمة على اليأس واالنكماش ورفض اآلخر الم ختلف ما الذي يجعل منها هوية قاتلة كما ي عب ر أمين معلوف بل ما الذي يحو ل الشعور باالنتماء للمصائر الجماعية إلى نوع من العنصرية في لحظة تنسف جسور التواصل مع اآلخر وتحول العالم إلى جزر م تنابذة يبدو أن هذه األسئلة وغيرها تطرح تحديات كبيرة على العالم اليوم ثقافيا وسياسيا. وال غرو في أن هذا األمر أصبح يطبع العالم اليوم بطابع العنصرية الم تنامية إلى درجة الخطورة. ونعتقد أنه من العبث البحث عن جذور بنيوية للنزوع العنصري في ثقافة بعينها وإنما في م جمل الشروط السوسيو- سياسية واالقتصادية التي جعلت من هذا األمر استجابة ورد فعل عن االختالل الحاصل في عالقة اإلنسان بعالمه فرد ا كان أو جماعة. العنصرية في عمقها حلم بالصفاء األول وكأنها حنين رومنطيقي وتوق رعوي إلى عهود لم تتعر ض فيها الذات إلى التصدع الذي ي سب به التاريخ والتغير. انطالقا من هذا أجدني هنا شخصيا أتفق مع المالحظة البصيرة لذلك الباحث الم فكر الذي اعتقد أن األيديولوجيات القومية الحديثة في أوروبا )وهي عنصرية في جوهرها( لم تظهر إال باعتبارها نوستالجيا قب لية كرد فعل على التفكك الذي أصاب الروابط التقليدية للذات الجماعية مع بداية العهد الصناعي وتوسع المدن الحديثة. هذا يعلمنا شيئا مهما: هو أن العنصرية انكماش أمام العالم وإفصاح عن خلل عميق في العالقة بالتاريخ والتغير وحضور اآلخر في البيت األرضي. ال تخلو برأينا ثقافة واحدة من نزوع عنصري جاهز ألن ينفجر إذ ال يبدأ التطرف بالظهور بوصفه عنفا ماديا ورمزيا ورفضا لآلخر الم ختلف إال في شكل انكماش واحتماء من سديم اللحظة التي تفقد فيها الذات بوصلة االتجاه فتهرول باحثة عن المعنى والدفء في الماضي التدشيني وأساطير البدايات السعيدة. التطرف في كلمة ملجأ الذات الخائبة. التطرف انغالق أيضا. وهو ليس ظاهرة تخص ثقافة بعينها. كما ال يتعلق بمظهر واحد من مظاهر الثقافة كالدين مثال وإن كان التطرف األبرز للعيان اليوم هو ذلك الم رتبط بالد ين وتأويالته التي ت بر ر العنف ضد الم ختل ف كما هو معروف. إن نقيض التطرف أعني االنفتاح واحتضان اآلخر والتعدد ال يزدهر في لحظات األزمة التي تشعر فيها الذات الجماعية بأنها م هد دة أو في لحظات الخيبة والفشل العام في تحقيق االندماج الواثق في اللحظة العولمية. خالفا لذلك ال يبد و التطرف زمنا أندلسيا. إنه نتاج هذا الشرخ الذي تول ده الفوارق المتزايدة والضياع الم رتبط بالشعور الطاغي بفقدان الهوية وغياب معالم المعنى في عالم يفقد م رتكزات ه األخالقية الواثقة. إن التطر ف الد يني نفسه يأخذ دائما شكل الدفاع عن هوية م هد دة بفعل التحديث الم توحش الذي ي دم ر العدد - 16 مايو/ أيار
46 ملف أشكال التضامن التقليدية دون أن يحقق نقلة واثقة اجتماعيا وثقافيا وسياسيا إلى أوضاع جديدة م تحر رة من ثقل النوستالجيا الخالصية. فالتطرف رفض للعالم لحظة تحوله إلى حلبة صراع تكر س قانون الغاب. كأنه إفصاح طفولي عن الهوية ورغبة في الص راخ العالي ضد ام حاء ما يشك ل سند ا للذات الفردية والجماعية. إذ يبد و أن العولمة في شكلها الس ائد وهي تعم م قانون السوق وتجعل من الربح واالستغالل قيمة مطلقة قد خلقت ثقافة هم ها األول م حاربة هوية اإلنسان العميقة التي ال تتجلى إال عبر ثقافاته الم تنوعة وشبكة العالقات الرمزية الم عقدة التي ي قيمها مع م حيطه وموروثه. هذه الثقافة العولمي ة في وجهها األبرز أعني ثقافة االستهالك الم عم م ال تستطيع صنع هوية جديدة لإلنسان بقدر ما تنتج النمطية والسطحية في كل شيء. إنها ثقافة تفتقر بشكل م وجع إلى م رتكزات العمل وإلى المصابيح التي تنتصب منارة في الطريق. يتموقع عالمنا العربي اإلسالمي ضمن دائرة االهتمام اإلثنوغرافي والسياسي /االستراتيجي الغربي منذ مدة طويلة. لقد بقي بعيد ا عن التطور الطبيعي والتثاقف اإليجابي مع العالم منذ وقع ضحية للمطامع اإلمبريالية الم رتبطة بالسيطرة على مصادر الطاقة. وكان لنا أن نعرف التحديث الشكلي والتبعية لدوائر ص نع القرار األجنبي ة بعيد ا عن الحداثة واالستقالل الفعلي والتنمية الشاملة. والنتيجة: فشل في التحديث اإليجابي وإخفاق في بناء الدولة الحديثة التي تقطع مع بنيات االستبداد القديم والسلطة األبوية. لقد بقيت م جتمعاتنا بهذا رهينة لزمن ثقافي وسياسي ي هيمن عليه الع نف الرمزي والمادي ويشهد هزات خطيرة وعودة لقوى سوسيو- ثقافية وسياسية تمثل م مانعة أمام التحديث الكسيح وترفع شعارات الهوية واألصالة كما هو معروف. هذا ربما ما يدعوني شخصي ا إلى أن أمي ز بين العنف والتطرف. فالع نف بنية م ضمرة في كل ثقافة ما دامت تقوم على سيطرة فئة اجتماعية تفرض نظامها القيمي والر مزي وتخلع عليه نوعا من الشرعية. هذا األمر أصبح معروفا منذ نب هنا إلى ذلك بيير بورديو في درسه الشهير. والعنف الذي ي مي ز م جتمعاتنا باألخص يقوم على البنية السوسيو- سياسية البطريركية وثقافتها التقليدية. أما التطرف فهو إعالن هذا العنف الم ضم ر عن نفسه باعتباره مرجعية إلغائية لآلخر الم ختلف متى شعر بنوع من الضياع في عالم لم ي حقق انتقاال طبيعيا م توازنا إلى الحداثة واالعتراف بالذات. هنا يبدأ جنون التطرف. وفي كلمة: التطرف عنف م علن وم م سر ح في مقابل العنف الم ضم ر الذي يمي ز كل بنية سوسيو- سياسية. إنه عملية دفن للرأس في رمال األوهام التي تسرد على الذات قصة استرجاعها لمكانتها بعد يتموقع عالمنا العربي اإلسالمي ضمن دائرة االهتمام اإلثنوغرافي والسياسي / االستراتيجي الغربي منذ مدة طويلة. لقد بقي بعيد ا عن التطور الطبيعي والتثاقف اإليجابي مع العالم منذ وقع ضحية للمطامع اإلمبريالية الم رتبطة بالسيطرة فاجعة التيه في الهامش الذي فرضه عليها العالم الم هيم ن. يبدو العالم العربي اليوم وكأنه يتراجع عن مشاريعه النهضوية التي اعتراها الذبول. ال حديث عن المواطنة والعيش الم شترك. ال حديث عن الحريات الفردية والعامة. ال حديث عن الديمقراطية التعددية واالنفتاح على الم ختلف. ال حديث عن مرجعيات مدنية لعمل الم جتمع. ال سيادة إال لخطابات االنغالق الديني والطائفي. ال حديث إال عن كل ما ي رس خ الجدران الثقافية التاريخية باعتبارها جدار برلين جديد ا كما ي عب ر. وربما كان بإمكاننا أن نؤرخ للعالم العربي باعتباره عالما يتأب ى على انتصار العقالنية في الفضاء العام لصالح ديمومة الالمعقول في م ختلف مناحي الحياة العامة. هذا ما يدعونا إلى اعتبار م شكلة الجدران التي تنتصب إلى اليوم في حياتنا م شكلة سياسية ذات جذر ثقافي/تاريخي لم ي تح له أن يتعر ض للنقد الكافي على غرار ما حدث تحت سماوات أخر وفي أوروبا تحديد ا منذ عهد النهضة. فمن المعروف أن الحداثة السياسية أو بمعنى آخر حداثة الدولة لم تكن إال انسالخا من الروابط التقليدي ة وأشكال التضامن التي مث لتها الطائفة الغالبة وهي تد عي احتكار الخالص وتمثيل الحقيقة األنطولوجية في شكلها الديني. كانت الدولة انعكاسا للس ماء. وكانت المدينة العربية مدينة الله كما حلم بذلك القديس أوغسطين. ولكننا نعلم أن الدولة الحديثة أصبحت م ؤس سة تخل ت عن مهم ة حراسة الحقيقة أو تمثيلها لتصبح فضاء قانونيا وم ؤس سيا يضمن العيش الم شتر ك والم واطنة ويصون الحقوق الم تساوية لألفراد. الدولة المدني ة الحديثة في كلمة هي مدينة اإلنسان. ربما لم يشهد العالم العربي /اإلسالمي ثوراته المعرفي ة والفلسفية والثقافية الضرورية من أجل زحزحة نظام الحياة القديم عن عرشه وتجاوز دولة الوصاية والطائفة الغالبة كليا كما لم يعرف تغي ر ا عميقا على م ستوى م ؤس ساته القاعدية وبقي ي راوح داخل دائرة زمنه الثقافي التقليدي الر اكد وهو األمر الذي ي فس ر كل أشكال الم مانعة التي تقف حائال دون نجاح أي ثورة أو انتفاضة تتطلع إلى التغيير الفعلي والقطع مع بقايا العصور الوسطى وقيمها وموروثها الم ؤس سي. كما نستطيع أن نالحظ أن هذا األمر ظل كابحا لكل تململ نحو الديمقراطية الفعلية باعتبارها وعد ا بالخالص من بنيات االستبداد بم ختلف أشكاله. هذا ما يجعلنا نعتقد أن الجدران العربية التي تمزق م جتمعاتنا اليوم تحتاج منا إلى معاول األنسنة واالنفتاح على احتجاجات العقل النقدي من أجل إعادة بناء الرابطة السياسية على الم واطنة ال على أشكال االنتماء التقليدية الس ابقة على الحداثة. كاتب من الجزائر العدد - 16 مايو/ أيار
47 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف العرب ومسألة الهوية عامر النحاس استشكاالت مفهومية سالمة كيلة الهوية مفهوم فلسفي يتعلق بتحديد طبيعة الشيء سواء تعلق في الفكر أو في الواقع. لهذا يشير إلى الماهية في هذين المجالين. وحين نتلمس الوجود البشري نقع على عدد من الهويات بعضها مرتبط بالمسار التاريخي وبعضها قار. ف القطيع هو أول وجود بشري تأسس على ضوئه مجتمع القبيلة والعائلة. ومن ثم شكلت اللغة هوية كما شك ل الدين هوية كذلك وبالتالي باتت الطائفة تشك ل هوية. لتأتي القومية مشكلة هوية حديثة. وكان التطور التاريخي يفرض تهميش هوية وتعزيز أخرى وصوال إلى األمة ونشوء الدولة/األمة كما حدث في مسار التطور األوروبي. وبالتالي كانت الهوية في كل مرحلة هي التعبير عن طبيعة التكوين المجتمعي وحدود تطوره. يظهر ذلك واضحا في الصراع حول وضع الدين في المجتمع حيث ظهر أن تحديد الهوية كان ينتقل من الطابع الديني الذي كان يحكم القرون الوسطى إلى الطابع القومي مع ميل البرجوازية لبناء الدولة/األمة. وبهذا تحو ل الدين إلى شأن شخصي وتبلور ذلك في نشوء الدولة العلمانية. كما نلمس هنا أن هذا التطور كان يهم ش القبيلة لكن كذلك العائلة لمصلحة الفرد الفرد الذي بات هو الشعب أو الشعب الذي بات يتشك ل من مجموع أفراد وليس ال من قبائل وال عائالت. ذلك تحقق نتيجة التطور المجتمعي ونشوء الصناعة كل وأيضا تطور الفكر الذي أسس إلعادة بناء العالقات في المجتمع وبين المجتمع والدولة. هذه هي أفكار األنوار التي باتت هي الوعي المجتمعي لمرحلة البرجوازية. وفيها تتحدد الهوية في الدولة/ األمة من جهة والشعب الدولة من جهة أخرى. بالتالي لم يعد للدين موقع هووي وحتى العائلة لم تعد تعب ر عن هوية. رغم وجود متدينين و عائالت. لكن لم تعد ال هذه وال تلك معب را عن هوية. ويمكن أن أشير هنا إلى مسألة ربما تدقق هذه اإلشارة حيث يمكن أن تبقى هويات قديمة بشكل أو بآخر لكن ال بد من مالحظة فاعلية كل هوية في التكوين المجتمعي من جهة والهوية التي يقوم على أساسها التكوين المجتمعي وتقوم على أساسها الدولة من جهة أخرى. إذن يمكن القول أوال إن هويات متعددة وجدت ويمكن أن يبقى بعضها في سياق التطور التاريخي ووجودها مرتبط بالتطور التاريخي ذاته. ويمكن القول ثانيا إن فاعلية الهويات مختلفة بين مرحلة وأخرى وبالتالي يمكن أن توجد هويات لكن واحدة منها هي الفاعلة أي التي تؤثر في التكوين المجتمعي وتحد د طابعة وكذلك تؤثر في بنية الدولة كما حاولت أن أشير قبال. ففي المراحل األولى من التكوين البشري كان القطيع هو التعبير عن هذا التكوين ومن ثم نشأت القبيلة التي باتت تعب ر عن المجتمعات المشاعية. ورغم أن مرحلة قامت الهوية فيها على أساس قومي )أو إثني مثل البابليين واآلشوريين والسريان والفراعنة واإلغريق والطليان( فقد ظهر أن الدين هو الذي يحد د الهوية رغم وجود الطابع القومي خفية أو بشكل واضح في العصور الوسطى. حين ندرس وضع المنطقة العربية اآلن سوف نلمس تواجد وتساكن وتعايش هويات. نجد أننا إزاء هويات قبلية ال زالت مستمرة وتزايد دورها في العقود األخيرة. كذلك نجد أننا إزاء هويات دينية وطائفية ال زالت قائمة وظهر منذ عقود أننا إزاء صراع بينها بعد أن تعايشت طويال. وفي مستوى ثالث نجد أننا إزاء هويات إثنية وقومية يظهر الصراع بينها كذلك. بمعنى أننا نتعايش مع كل طبقات التاريخ التي أشرت إليها قبال والتي تبدو أنها في تصارع حاد يؤشر على تفكك العرب. لماذا لم تنته هذه الهويات أو لم تنزو وربما أن السؤال األساس يتمثل في: لماذا لم تهيمن الهوية القومية كما حدث في أوروبا إننا إزاء تجزئة قومية وتفكك مجتمعي مبني على أساس هويات ماضوية وأخرى يجري اشتقاقها من التجزئة السياسية التي تشك ل بعضها تاريخيا ونتج بعضها عن السياسة االستعمارية التي قررت تفكيك ما تبقى موحدا من الوطن العربي )المشرق العربي( بهذا تأسست الهوية الوطنية )أي القطرية(. وال شك في أن هناك من يعتقد بأن الدولة الوطنية )أي القطرية( هي الهوية الحديثة لكنها تتفكك إزاء الهويات األخرى وتتمزق على أساسها وهي أصال لم تستطع أن تشك ل هوية بالمعنى التاريخي بالضبط ألنها ترتبط بالدولة وليس بالتكوين التاريخي والدولة ال تشك ل هوية بل إنها يجب أن تكون نتاج الهوية: أي الدولة/األمة. فالدولة هي التعبير عن المجتمع فيما يخص مسألة الهوية وليس العكس ممكنا بل إن غياب التطابق بين المجتمع والدولة من هذه الزاوية يفرض نشوء الميل القومي بالضبط من أجل تأسيس الدولة/األمة. بالتالي ال زالت الهويات المتقادمة قائمة وأضيف عليها هوية جديدة تتمثل في الدولة الوطنية الدولة التي تشكلت أو تكر ست من قبل الدول االستعمارية. لماذا ظلت قائمة رغم أن العالم قد تشك ل منذ القرن التاسع عشر على أساس مبدأ الدولة/األمة أي لماذا استمرت الهويات القديمة فاعلة إلى هذا الوقت تاريخيا شكلت اإلمبراطورية العربية اإلسالمية تنازعا بين الطابع العربي والطابع اإلسالمي الذي كان يتمثل في أيديولوجية الدولة حيث سيطر عرب على النظام وبحجة عالمية اإلسالم ردت شعوب أخرى فسيطرت على النظام وأفضى هذا التصارع إلى تشك ل دول وإمارات وسرعان ما أدى انهيار اإلمبراطورية إلى االنكفاء نحو القبيلة خصوصا بعد أن أدى التصارع إلى الدمار وخراب المدن واألرض الزراعية. وبهذا تنازعت دويالت السيطرة في وضع انهياري كان يعيد العالقات القبلية إلى أن سيطرت الدولة العثمانية باسم اإلسالم فضمت المنطقة بكل تفك كها القبلي و اإلماراتي وكان يوح دها الطابع اإلسالمي رغم أنها دولة الترك. وفي الدولة العثمانية كانت المنطقة العربية مقسمة إلى واليات مثل العراق والشام ومصر وتونس والجزائر في حدود هي ليست الحدود القائمة والتي تبلورت مع السيطرة االستعمارية. إن سيادة االقتصاد الطبيعي هو الذي كان يسمح بهذا التفكك رغم خضوعه لدولة مركزية حيث كانت القوة العسكرية هي العنصر الموح د عموما. وبالتالي ضمت هذه الدولة هويات متعددة هويات مناطقية وقبائلية ودينية وأيضا قومية. وكانت الدولة المركزية تفرض سيادة هوية محد دة هي الهوية الدينية رغم أن النظام كان تركي ا بمعنى سيطرة طبقة العدد - 16 مايو/ أيار
48 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف تركية عليه. وكانت الصراعات ضد هذا النظام تتخذ أشكاال متعددة كذلك دينية ومناطقية وقبلية وعربية. كان يتقاطع بعضها أحيانا وكان ضعف الدولة يسمح باستقالل بعضها كليا أو جزئيا وكذلك يسمح بسيطرة دول استعمارية على بعضها كما حدث في المغرب والجزائر وتونس وليبيا واليمن. محاولة محمد علي باشا لتحديث مصر وتصنيعها والتي فرضت إرسال البعثات العلمية وتأسيس مدارس مدنية وبالتالي انطالق فكر جديد كان رفاعة الطهطاوي معب را عنه حاول نشر الحداثة بما في ذلك العلمنة هذه المحاولة فرضت عليه الميل لبناء إمبراطورية عربية في مواجهة الدولة العثمانية )الذي كان قد ع ي ن ممثال لها أصال في مصر(. لهذا نجد هنا كيف أن هذه المواجهة فرضت تجاوز الطابع الديني للدولة ونشر العلمنة والتخل ي عن طابعها اإلمبراطوري لمصلحة دولة قومية. ورغم أن التجربة ه زمت أمام زحف القوى االستعمارية وحصر سيطرته على حدود مصر فقد أوضحت الترابط بين الحداثة والعلمنة والدولة األمة حيث كان الميل لبناء الصناعة وتحديث االقتصاد يفرض نشر األفكار التي أتت مع عصر األنوار ومنها مفهوم الدولة القومية. هذا الزخم الذي نتج عن تأثير الحداثة األوروبية كان يتوسع في الوطن العربي خصوصا في تلك المناطق التي كانت الزالت خاضعة للدولة العثمانية. فقد نشأ تيار مناهض للعثمنة ويطرح أحقية العرب. ولهذا تبلور تيار فكري يدعو إلى العلمنة وتأسيس الدولة القومية وربما كان األبرز هنا هو عبدالرحمن الكواكبي لكنه ضم كثيرا من نخب بالد الشام. فعقد المؤتمر القومي العربي في باريس سنة 1913 لتحديد العالقة مع الدولة العثمانية بعد أن تقومنت في انقالب سنة 1909 وإظهار تمي ز العرب كأمة. وهو ما تطور بعدئذ عبر تأسيس أحزاب قومية )ومنها المركز الشيوعي الذي كان يوحد األحزاب الشيوعية التي أخذت تتشكل منذ سنة 1922( وتبلور فيما بعد بنشوء أحزاب البعث والقوميين العرب والناصرية والتي انطلقت كلها من الطابع العربي وهدفت إلى تحقيق الوحدة العربية. وبالتالي كان الميل التحرري الحداثي يتجه لتأسيس الدولة/األمة. في المقابل كان التيار اإلسالمي يسير نحو تأكيد ضرورة الدولة العثمانية والسعي للحفاظ على الجامعة اإلسالمية كما مع محمد عبده. وهو التيار الذي تبلور في تأسيس جماعة اإلخوان المسلمين التي ظلت تتمسك بالهوية اإلسالمية كأساس للنظر إلى البشر. وكان مسارها يتجه في تصادم مع الحداثة مع الليبرالية والديمقراطية والقومية واالشتراكية وكل القيم التي عم متها الحداثة. وأيضا نشأت تيارات تحاول تنظير التكوينات اإلقليمية التي كان لها طابع تاريخي مثل الفرعونية ال يمكن أن نفهم كل هذا الصراع بين الهويات دون لمس التناقض الذي نشأ مع السيطرة االستعمارية وميل الدول االستعمارية إلى تفكيك الوطن العربي وتقاسمه فيما بينها والفينيقية وأيضا السورية لكن كل هذه التيارات كانت ضعيفة بشكل عام ولم تلق تأييدا شعبيا. بهذا نلمس كيف أن هويات متعددة قد تبلورت في منظور فكري وسياسي قومية تعب ر عن الحاجة إلى بناء الدولة/األمة وأصولية تحاول الدفاع عن الهوية التقليدية التي ترس خت منذ القرون الوسطى ومع الدولة العثمانية وتنظيرات تعب ر عن التشقق اإلقليمي الذي نشأ خالل مراحل التاريخ. لكن كان واضحا أن الهوية القومية هي التي تطغى وأنها البديل الجديد عن الهويات األخرى التي هي من إرث الماضي. خصوصا أنها ترتبط بالحداثة والتطور بعكس الهوية الدينية التي كانت تكر س الماضي واإلقليمية التي طرحت بعض زوايا الحداثة لكنها لم تربطها بمشكالت المجتمع وأيضا لم تستطع أن تحل محل الهوية القومية التي تأسست في صيرورة تاريخية طويلة وخالل ذلك كانت تتضمن كل الهويات اإلقليمية وكان وجود اللغة يؤسس ألن تخترق الشعور الشعبي وتصوغه. أي أن تؤسس لوعي شعبي. لكن ال يمكن أن نفهم كل هذا الصراع بين الهويات دون لمس التناقض الذي نشأ مع السيطرة االستعمارية وميل الدول االستعمارية إلى تفكيك الوطن العربي وتقاسمه فيما بينها خصوصا بعد الحرب العالمية األولى. لقد بدأ قضم البالد العربية منذ احتالل فرنسا للجزائر ثم احتاللها لتونس واحتالل إنكلترا لمصر واحتالل إيطاليا لليبيا. لكن هزيمة الدولة العثمانية في تلك الحرب أدت إلى إكمال تقاسم البالد خصوصا بالد المشرق العربي. وكان الش غل االستعماري يتمثل في تكريس الدول الجديدة كأمم كبديل عن األمة العربية. وهذا ما كان يدفع الدول المستعم رة إلى تأسيس نخب تنظ ر لألمة الجديدة وتدافع عنها. لكنها في الوقت ذاته كانت تعمل على تكريس الهويات المتقادمة الدينية عبر دعم الجماعات األصولية والطائفية عبر تشجيع تمي زها وميلها لالستقالل واإلثنية وحتى القبلية. لقد كانت تعمل على إبقاء بناها المتخلفة مع إخضاعها لمصالح رأسمالييها فقط ولهذا أرادت بقاء عناصر تفككها واستثارة هذه العناصر. بمعنى أنها ظلت متمسكة بالهويات المتقادمة رغم أنها كانت تحاول تأسيس هوية جديدة هي هوية الدولة القطرية. ورغم نشوء كل هذه الهويات كان الصراع األساسي يتمحور بين التفكيك االستعماري والميل الوحدوي التحرري. حيث ظهرت الهويات األخرى كافتعال استعماري في الغالب. وفي كل األحوال كانت إعادة إنتاج الهوي ات القديمة مسألة تخدم السياسة االستعمارية التي جهدت من أجل تأجيجها بغض النظر عن العالقة الممكنة بينها. وهو األمر الذي أد ى إلى التغيير الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية عامر النحاس ب انتصار األحزاب القومية وتهميش التيارات األخرى رغم كل ما حدث فيما بعد وفرض إعادة إنتاج التيارات القديمة كممثلة لهويات متقادمة. بالتالي كانت الهوية الحداثية هي التي تنتصر على أنقاض الهويات األخرى وبالضد منها. وهو ما كان يعطي األمل ببناء الدولة/األمة عبر توحيد البلدان العربية في دولة واحدة. ما يظهر اآلن هو أن الهويات المتقادمة هي التي تهيمن الدينية والطائفية وحتى اإلثنية. تواجهها هوية أخرى تطرحها النخب الليبرالية تقوم على تأسيس دولة/أمة من الدول التي تشكلت في السابق وكر سها االستعمار والتي باتت تسمى: الدولة الوطنية. وأصبحت الهوية القومية محط تهديم بحجة أنها كانت التعبير عن أيديولوجية نظم استبدادية وحشية وبالتالي سقطت القومية من القاموس وباتت تهمة ألنها محملة بكل ضخامة االستبداد التي صورتها تلك النخب. لهذا جرى البحث عن بديل هو هذه الدولة الوطنية وباتت مثالية ألنها األساس الوحيد الذي يجمع الهويات المتعددة التي يزخر المجتمع بها والتي تبدو على شفير تحقيق التفكك المجتمعي. ما يظهر اآلن هو أن الهويات المتقادمة هي التي تهيمن الدينية والطائفية وحتى اإلثنية. تواجهها هوية أخرى تطرحها النخب الليبرالية تقوم على تأسيس دولة/ أمة من الدول التي تشكلت في السابق وكر سها االستعمار إذن باتت الهويات المتقادمة هي الفاعلة بينما تهم شت الهوية القومية. وأصبحت ميول القوى الفاعلة تتحدد في فرض هذا الشكل أو ذات للهوية: األصولية تسعى لفرض الهوية الدينية وهي وغيرها تسعى لفرض الهويات الطائفية والنخب الليبرالية تسعى لفرض الهوية الوطنية أي الدولة القطرية التي كر سها االستعمار انطالقا من أنها من يحد د الهوية هل تحد د هوية كتجاوز للهويات األخرى بما في ذلك الهوية القومية. كل ذلك بعد أن انهار المشروع القومي وأبانت الدولة التي تحكمها نظم قومية عن استبدادية مفرطة )وهنا يجري تجاهل كل التغيير المجتمعي الذي حققته هذه النظم( ليجري اعتبار أنه بات من الماضي لهذا تسعى كل هوية ألن تفرض ذاتها بعد أن أد ى تالشي المشروع القومي إلى ظهورها بهذه القوة. لكن هل تستطيع الهويات األخرى أن تكون بديال أي أن تفرض ذاتها كهويات مهيمنة ولماذا عادت الهويات المتقادمة هذا السؤال يطرح السؤال اآلخر وهو: لماذا انهار المشروع القومي لكن قبل ذلك ال بد من تحديد معنى كل هوية ورصد العالقة فيما بينها حيث أنها هويات ليست متشابهة العدد - 16 مايو/ أيار
49 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف أو من نمط واحد رغم أنها هويات تخص تكوينا بشريا ورغم أنها شك لت هوية شاملة بمعنى ما في مرحلة من المراحل. وكذلك سنلمس بأن بعضها كان يشملها جميعا ويتضمنها بشكل أو بآخر. فالقبيلة هي رابط قائم على أساس الدم بين مجموعة من البشر يعتقدون أن لهم أصال واحدا وكذلك العائلة التي هي جزء من القبيلة والتي حل ت محل ها في مرحلة من تطور المجتمع البشري. هذا هو الرابط األساس الذي يضم مجموعة بشرية تسكن في الغالب منطقة واحدة. وهي الشكل األو لي للتطور البشري التي تجاوزت وضع»القطيع«. بالتالي هي رابط مادي. بينما يكون الدين هو نقل للرابط من عالقة الدم إلى عالقة مجر دة فوق البشر تقوم على وحدانية الله لكنها تؤسس لوعي وتخضع لقيم أي تصاغ هذه العالقة بشكل أيديولوجي يتضمن مبادئ تخص المجتمع والحياة و عبادات. وفي كل ذلك تشك ل عنصر تمي ز أي هوية. ورغم أن األديان تنطلق من المبدأ ذاته المتعلق بوحدانية الله إال أنها تتمي ز )وبالتالي تتشكل في هويات( نتيجة اختالف المبادئ والقيم والعبادات. والطوائف هي انشقاقات عن األديان حيث تتمي ز بقيم محد دة تختلف بشكل أو بآخر فيما بينها وربما تعيد ل»مرجع«مختلف. ولقد لعب االنهيار المجتمعي مع انهيار الدولة المركزية )اإلمبراطورية العربية اإلسالمية( دورا في تحويل االختالف الفكري إلى بنى متمي زة )أي طوائف( فقد فرض انتشار االقتصاد الطبيعي إلى تفكك مجتمعي فرض استقالل تيارات فكرية في مناطق خاصة بها لينتج عن ذلك تشك لها في طوائف. وهذه الوضعية التي نتجت عن االنهيار أدت إلى استعادة الوضع القبلي وخصوصا على ضوء دمار المدن وانهيار الزراعة. وتشك ل التكوين القومي عبر كل هذا التاريخ وكان يؤسس ل شعور عام مشترك لدى مجموعة بشرية تجمعها اللغة وبالتالي الثقافة والعادات وارتباط األصل رغم أن تكو ن الشعوب يتضمن عناصر اختالط وتفاعل مع شعوب أخرى في صيرورة التطور البشري وأشكال العالقة بينها. وبهذا يصبح عنصر اللغة/الثقافة هو العنصر المحد د لمجموعة بشرية تسكن في منطقة مترابطة. هنا نلمس بأن األمة هي ترابط بين مجموعة بشرية لها خلفية وجودية واحدة ونشأت فيما بينها لغة يتواصل عناصرها من خاللها وبالتالي نتج عن وجودهم ثقافة مشتركة. بالتالي فهي تدمج القبيلة بالرابط الموحد الذي نشأ مع الدين في تركيب جديد يعب ر عن هوية هي الهوية القومية. كل هذه الهويات تشكلت في صيرورة التطور االقتصادي التاريخي وكان هذا التطور يفرض شكال مهيمنا لهوية من هذه الهويات. فالقبيلة هي الشكل القائم قبل تشكل المجتمع والطبقات والدولة وربما ظل لها دور في صيرورة التطور األولى لإلمبراطوريات لكن بات الدين هو إذن إن ما فرض سيادة الهوية القومية وتجاوز الهويات األخرى هو التطور االقتصادي الذي فرض نشوء الصناعة والذي على أساسه قام المجتمع الحديث وانتصرت الحداثة الشكل المعب ر عن اإلمبراطورية كونه كان يفرض تجاوز القبيلة لكنه يتجاوز األمم ألن اإلمبراطورية تضم أمما وكانت حينها حاجة موضوعية لتحقيق التطور. حيث كان تشك ل األمم قد تحقق في بعض المناطق التي شهدت نشوء اإلمبراطوريات. اآلن فرض التطور االقتصادي والفكري مع نشوء الصناعة تجاوز هويتين: الدين ألن الرأسمالية كانت بحاجة إلى أيديولوجية جديدة تتجاوز منظومات ومفاهيم القرون الوسطى التي كانت متضمنة في الدين. وبهذا كانت تنهي الهوية الدينية لمصلحة تحويل الدين إلى شأن شخصي. والهوية الثانية هي القبيلة/العائلة ألن العمل الرأسمالي )أي الصناعة( كان يفرض وجود العامل/الفرد. وبهذا نشأ الشعب المكو ن من مجموع أفراد والذي يشك ل األمة. إذن إن ما فرض سيادة الهوية القومية وتجاوز الهويات األخرى هو التطور االقتصادي الذي فرض نشوء الصناعة والذي على أساسه قام المجتمع الحديث وانتصرت الحداثة. لهذا ارتبط الميل القومي بتحقيق التطور االقتصادي المنطلق من بناء الصناعة. وهو ما وجدناه منذ تجربة محمد علي باشا ومع نشوء الفكر القومي ومن ثم تشك ل األحزاب القومية التي حين وصلت إلى السلطة عملت على بناء الصناعة. بمعنى أن تجاوز البنى القديمة سواء في االقتصاد أو في الفكر أو في الوعي المجتمعي يفرض االنتقال إلى بناء الصناعة وإعادة بناء المجتمع على أساس ذلك. ألن هذا هو األساس الموضوعي لبناء الدولة األمة. وسنلمس بأن المشروع الذي تبلور كان يلحظ كذلك العلمنة. لكن هذا األمر يعيدنا للبحث في أزمة البرجوازية التي نشأت والتي نتيجة االستعمار والتفوق التقني الرأسمالي نشطت في القطاع االقتصادي المكم ل لدورة رأس المال في البلدان االستعمارية لكي ال تتعر ض للهزيمة في تنافس غير متكافئ. لهذا نشطت في التجارة والخدمات والبنوك وربما الزراعة وأحجمت عن النشاط في القطاع الصناعي وحتى في كل قطاع منتج. ولهذا لم تحتج إلى نشر الحداثة وال تطوير التعليم أو فصل الدين عن الدولة على العكس من ذلك تحالفت مع اإلقطاع وكر ست أيديولوجيته وحافظت على الوعي التقليدي والبنى التقليدية. طبعا هذا فيما عدا تجربة محمد علي باشا كما أشرت وأيضا تجربة بنك مصر الذي تشك ل من رأسماليين هدفهم تطوير الصناعة والثقافة والتعليم. النظم القومية التي هد مت اإلقطاع وعملت على بناء الصناعة ومجانية التعليم وتحقيق الضمان االجتماعي والعمل الكامل وغيرها ورغم أنها كانت ملتبسة الموقف من العلمنة ومن تحديث التعليم فقد أدى طموح الفئات التي أسستها إلى الترسمل السريع األمر الذي أفضى إلى انهيارها قبل أن تنجز التطور الضروري لقطع العالقة مع البنى القديمة و دمج المجتمع على أسس حديثة كما أشرت. لهذا لم تذو ب الهويات القديمة كما حدث في البلدان الرأسمالية بل ظلت قائمة رغم تراجع فاعليتها منذ بداية القرن العشرين إلى الثمانينات منه. وبالتالي عادت كي تكون فاعلة في الصراع الواقعي وتعب ر عن ميول فئات اجتماعية وتصارع من أجل الهيمنة. نحن إزاء هويات هذا واقع لكن أوال ال بد من مالحظة اختالف طابعها. فالقبيلة يمكن أن تكون مجال استغالل فئة اجتماعية في إطار الصراع االجتماعي لكن ليس من الممكن أن تفرض ذاتها كهوية مهيمنة بالضبط ألنها ال تحمل مشروعا يحقق مطالب الشعب ألنها ليست شمولية أصال لكي تحمل مشروعا مجتمعيا. والهوية الدينية تحمل منظورات وقيما وتصورات عصر مضى وهي تشير إلى اإلعادة إليه وبالتالي فهي ضد حركة التاريخ هي ارتداد ماضوي في وضع أزموي وليست حال يعب ر عن مصالح فئات اجتماعية فقط يمكن أن تستغل من قبل الفئات االجتماعية التي تهيمن كفئات في ظل سيطرة رأسمالية منفلتة أي في ظل اقتصاد ليبرالي وهي تخضع لمنظومته ألنها فئة من رأسمالييه. وإذا كانت قطاعات مجتمعية قد انخرطت في الجماعات التي تحمل هذه الهوية )خصوصا هنا الشباب( ألسباب موهومة بعد صدام هذه الجماعات مع النظم فإن بحث هذه القطاعات عن حلول لمشكالتها يدفعها حتما لتجاوز االرتباط بها. فقد حكمت في بعض البلدان مثل السودان ومصر وتونس وإيران لكنها فشلت في تحقيق التطور الضروري الذي يتضمن تحقيق مطالب الشعوب على العكس إما قادت إلى التفكيك أو إلى تحو ل الشعب ضدها. منظور الهوية الدينية يؤسس لتفكيك المجتمع ألنه يؤسس على غير واقعه من حيث التمييز بين الشعب على أساس الدين أو الطائفة أو القبيلة. وهذا ما يوجد تناقضات جديدة تتنافى مع الحاجة إلى التطور على العكس من ذلك ت طرح لشكل من أشكال مواجهة التطور. لقد تبلور الطابع القومي بشكل لم يعد يسمح بالتمييز في بنيته وتبلورت الحداثة التي تفرض المساواة بين المواطنين بما يتنافى مع منظور الدين. وبهذا باتت هذه الهويات بحاجة ألن تتراجع لمصلحة الفرد/الشعب من طرف وتحويل الدين إلى شأن شخصي ألن ذلك هو أساس الحداثة الضرورية لتحقيق االستقرار الذي يعني تحقيق مطالب الشعب. بهذا يمكن القول بأن فاعلية هذه الهويات لم تكن قائمة وهي تظهر حين انهيار المجتمع وتالشي منظورات التطور والحداثة. أشرت إلى الرابط بين الهوي ة والوضع االقتصادي حيث أن هوي ات مثل الدين أو القبيلة أو التكوين اإلقليمي هي نتاج تطور معي ن وليست جوهرا قار ا. كما أنها تتعلق ببنية أيديولوجية أو تكوين مناطقي أو شكل أو لي في مسار التطور. وهذه كلها ال تؤسس لهوية مستقرة الهوية التي هي الطابع القومي فهي خالصة التطور التاريخي على صعيد التكوين البشري رغم أنها مرحلة في تشكيل عالم موحد. في المقابل تكون الدولة الوطنية هي البديل لدى تيار كبير من النخب هو في عمقه ليبرالي رغم خلفيات أعضائه. وينطلق هؤالء من الدولة كأساس لتشكيل الهوية الهوية التي تضم في بنيتها أشتاتا من الهويات األخرى أي الدينية والطائفية والقومية وحتى القبلية. ربما هنا تستطيع الدولة أن تفرض العلمنة والمواطنة وبالتالي تهمش الهويات المتقادمة فهذه كما أشرت أيديولوجية ومعتقدات يمكن تحويلها إلى الشأن الشخصي وتكريس الفردية كأساس لمبدأ المواطنة ووجود الشعب لكن هل تستطيع أن تهم ش اللغة والثقافة والتاريخ كل ذلك الذي يتبلور في شعور مشترك هذه هي أزمة الدولة القطرية التي تحب النخب تسميتها الدولة الوطنية. وفي كل األحوال هذه الهوية هي التعبير عن ميل نخب تعتقد أن ذلك هو ما يوح د المجتمع ضمن إطار الدولة القطرية رغم أن اإلشكالية ليست هنا كما أشرت. ما هو تاريخي هو نشوء األمة وكل الهويات األخرى هي نتاج التاريخ. وال شك في أن العصر الصناعي يفرض نشوء الدولة/ األمة بالتحديد كما أشرت. لهذا تحمل الفئات التي تسعى لبناء الصناعة بناء الدولة/األمة وتقوم الهويات األخرى بمواجهة لهذا المسار من أجل تكريس التفكيك والتخلف واالقتصاد الريعي. لقد تشك ل الشعب في هويات متعددة في سياق المسار التاريخي الطويل ولكي يعود شعبا ال بد من تهميش الهويات األخرى القبلية والدينية والطائفية والمناطقية وأيضا الوطنية. وهذا يرتبط بمسار التطور الذي يؤسس الحداثة ويبني الدولة/األمة. من السهولة تحو ل الهوية الدينية أو القبلية إلى هوية فردية لكن ليس من الممكن تحويل الهوية القومية إلى هوية فردية فهي الطابع العام لشعب ما وتتمظهر في اللغة والثقافة والشعور المشترك الناتج عن هذين العنصرين وعن التاريخ المشترك. وهي لذلك ليست أيديولوجية وإن كان هناك من حو لها إلى أيديولوجية أو اعتقد ذلك وليست عالقة دم ألنها صهرت أجناسا واختلطت بأجناس. إنها تكوين بشري لغوي ثقافي تشك ل عبر مسار تاريخي طويل. وهي الضرورة لتحقيق التطور االقتصادي وبناء المجتمع الصناعي الذي هو أساس كل حداثة. ما بقي من التاريخ هو الهوية القومية بالتحديد وكل محاولة لتفعيل الهويات األخرى هي محاولة لتكريس التفكك والتخلف. هي إعادة شرذمة الهوية القومية في وضع بات األمر صعبا. فالتاريخ يسير إلى األمام رغم حدوث انكفاءات أو انكسارات. كاتبمنفلسطينمقيمفي القاهرة العدد - 16 مايو/ أيار
50 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف الصراع الهوياتي عامر النحاس هل نحن في حاجة إلى كل هذا أزراج عمر أتناول في هذا المقال قضية الهوية في مجتمعاتنا. سأشرع أوال بتقديم تمهيد نظري أعتبره ضروريا ألن التنظير للهوية في الفكر العربي المعاصر نادر فعال حيث أن أغلب ما يدعى بالمشاريع الفكرية النقدية العربية الكبرى تتجنب هذا البعد النظري. أذكر هنا على سبيل المثال مشاريع كل من أدونيس في كتابه الثابت والمتحول الذي يركز تركيزا انتقائيا على ما أدعوه باألنساق الحضرية العليا للسياسة واأليديولوجيا والثقافية العربية االسالمية معتبرا إياها بدون وعي أو بوعي منه البنية الفوقية المركزية التي تنهض عليها وتتشكل منها الهوية وهو بذلك يقصي ما أدعوه بالبنية الشعورية الثقافية الشعبية التي تعد ناظما أساسيا آخر للهوية بما في ذلك الجانب الالواعي من هذا البنية. أيضا مشروع محمد أركون في نقده للفكر اإلسالمي هناك الذي حاول فيه تحليل المخيال الديني اإلسالمي لنا نظرية تقودنا إلى فهم كيف تتشكل الذاتية وطبقاتها الواعية والالواعية معا باعتبار الذاتية سواء كانت ذات محمول ديني أو باعتباره بعد ثقافيا فكريا وذلك قصد نزع األسطورة والخرافة عنه ثقافي هي الطريق الملكي نحو إدراك مكونات الهوية وأزمات نموها ولكنه لم يدرس أيضا كيف تحول هذا المخيال الديني األسطوري وتطورها وانفتاحها على الهويات األخرى. والخرافي إلى بنية ثقافية شعبية من جهة وإلى نظام حكم من جهة ال شك أنه ينبغي دراسة تصورات هذه المشاريع للهوية ولكنني في أخرى. ثم هناك مشروع محمد عابد الجابري الذي انتهى فيه إلى هذا المقال سأركز فقط على ثالث مسائل تبدو للوهلة األولى غير تحديد للهوية في مجتمعاتنا على أساس أرضية قومية عربية من مترابطة أو غير متبادلة التأثير ولكن ال يمكن في تقديرنا فهم جهة وإلى حكم قيمة ذي طبيعة اختزالية خاصة عندما يتمسك إحداها دون فهم األخريين والعكس صحيح أيضا. من المالحظ بفرضية يحو لها إلى قناعة تظهر في زعمه أن هذه الهوية تنهض على هو أن المناقشات الساخنة الدائرة حول الهوية في المشهد الفكري وتتشكل من عناصر ما يسميه بالثقافة العالمة وبهذا نجده متشابها والثقافي والسياسي في بلداننا تدور حول عنقود من الثنائيات مثل في النتائج االختزالية مع أدونيس فهما يهمالن معا ثقافات اإلثنيات ثنائيات الدولة الوطنية/الدولة القومية الكبرى الدين/العلمانية واألعراق من المحيط إلى الخليج باعتبارها مكونا أساسيا للهوية الدين/الدنيوية الذكورة/األنوثة الديمقراطية/الدكتاتورية األصالة/ المركبة على المستويات الوطنية وعلى المستوى العربي اإلسالمي المعاصرة النحن / الهم واألنا واآلخر وغيرها من الثنائيات. في منطقتنا الممتدة من المحيط إلى الخليج. من المالحظ أيضا هو أنه ينظر إليها إما أنها منعزلة عن بعضها وتقوم التيار الذي يعتنق هذا الفهم على تنوع المنظورات بداخله في الهوية فيها تختزل غالبا في المسألة اللغوية مع العلم أن ال بد من ذكر مشروع مهم آخر وهو مشروع علي زيعور الذي يتميز على التوازي وليس التناص أو الهجنة أو أنها متضادة متصارعة. خندق المقاومة ضد الفهم النظري السائد والمهيمن بشكل عناصر أخرى من أزمة الهوية الوطنية الجزائرية العميقة مثل بتوظيفه للتحليل النفسي لقراءة تضاريس الالوعي األسطوري إن هذا الفهم األخير قد أدى وال يزال يؤدي في الغالب إلى انفجار قوي للهوية لدى أبرز التيارات الفكرية والسياسية عندنا حسم هوية االنتماء وهوية الخيار السياسي واأليديولوجي والخرافي في الثقافة العربية اإلسالمية وركيزتها الدينية وعالقة االختالف وإلى التنافر في وجهات النظر وفي المواقف على مستوى والتي تتمسك باالعتقاد بأنها ماهية ثابتة معطاة قبليا ولها تهم ش كلها دائما وال يفتح الحوار حولها. كل ذلك بإنتاج الهوية الخرافية واألسطورية غير أن مساهمة زيعور التنظير الفكري المحض وإلى التشرذم والتناقض على المستوى جوهر متطابق مع نفسه وأن هذا الجوهر يبقى قائما خارج في دراسته المهمة حول مسألة الهوية الثقافية يميز المفكر على أهميتها تركز بدورها على جزء من الوعي والالوعي الثقافي األيديولوجي وإلى الصدام العنيف على مستوى الممارسة التطبيقية سياج التحوالت التاريخية ويظل ثابتا مهما تغيرت الظروف البريطاني الجنسية والجامايكي األصول ستيوارت هول بين والديني وال تشمل أجزاء أخرى مثل مكونات الهوية كالفنون ومنها لألفكار والمعتقدات المتناقضة ذات الصلة بالهوية في الفضاء الممتد حوله. أما المسألة الثانية التي سأنظر فيها فتتلخص في ثالثة مفاهيم مختلفة للهوية في الفكر الغربي ويتمثل األول المعمار واألغنية واألجناس األدبية وغيرها. في هذا السياق نجد من المحيط إلى الخليج في نهايات القرن الواحد والعشرين إلى يومنا اإلجابة على هذا السؤال: ما هي وجهة نظر التيارات الفاعلة في مفهوم الذاتية في عصر التنوير األوروبي/الغربي أما المشروع النقدي عند حسين مروة ينصب على التحليل الماركسي هذا. في بلداننا بخصوص مسألة الهوية في مجتمعاتنا وما هو الثاني فيدعوه بالمفهوم السوسيولوجي للذاتية أما الثالث للعناصر الثقافية والدينية والمادية المكو نة لهوية الثقافة العربية تتمثل المسألة األولى التي سأناقشها في المالبسات المحيطة بمفهوم وجه االختالف أو االتفاق في ما بينها فيسميه بالمفهوم ما بعد الحداثي للذاتية. إنه يمكن لنا هنا اإلسالمية في منطقتنا ولكنه يكرر بدوره المنظور الذي يهم ش الهوية ذاته. وبالفعل فإن مفهوم الهوية يحتاج إلى التحليل ألن الفهم أبدأ اآلن في النظر في مفهوم الهوية كمدخل أو لي وعلى أن نغي ر فقط الصيغة شكليا ونقول بأنه بقدرتنا تحديد عدد مختلف أشكال ومضامين التعبير الشعبي التي ال يمكن دون تحليلها الخاطئ للمفاهيم يؤدي إلى نتائج وخيمة في أي مجتمع. رغم أن ضوئه سأقوم بتحليل ومناقشة أطروحات عدد من التيارات كبير من مفاهيم الهوية في الفكر العربي اإلسالمي وهي على إدراك كيف تكونت وال تزال تتكون الهوية في مجتمعاتنا. وأكثر من هناك فهما نظريا للهوية عندنا ينطلق من منطلق أنها ظاهرة ثقافية الفكرية العربية مع تسجيل إشارات سريعة لبعض ممث ليها في سبيل المثال: المفهوم القبلي واإلثني والمفهوم االجتماعي كل ما تقدم فإنه من الضروري اإلشارة إلى أن هذه المشاريع ال تقدم واجتماعية وحضارية وأنها نتاج التفاعل والتأثر التاريخيين ويقف الفكر العربي ومن ثم سأستعرض التجربة الجزائرية باعتبار والسياسي والمفهوم الديني وما يشتق منه من الطائفية العدد - 16 مايو/ أيار
51 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف والمذهبية وهلم جرا. ويبدو أن الذات وفقا لعصر التنوير الغربي تحاط بسياج دوغماطي حيث ينظر إليها أنها ذكورية غالبا وأنها واعية وعاقلة وفاعلة ومتمركزة ذاتيا وأنها تبقى محص نة كما هي مهما حدث لها. ويرى ستيوارت هول أن الذات السوسيولوجية تتميز بأنها غير مستقلة أو مكتفية بنفسها بل فإنها تتشكل على أساس العالقة مع اآلخرين و القيم والمعاني الرمزية )الثقافات( التي تتوسط عالقة هذه الذات بالعالم. ويعني هذا في تقديره أن الهوية سواء كانت فردية أو جماعية هي إفراز للتفاعل. وفي الحقيقة فإن تقدم الفكر قد أدى إلى فهم مختلف للهوية حيث أصبحت تفهم على أنها منقسمة ومتحولة وأنها مكونة من الوعي والالوعي. ومن هنا قد صرنا ندرك وخاصة مع فتوحات التحليل النفسي أن ما نسميه بالثقافة له جانب ال نعيه رغم أنه موجود بداخلنا ويحرك مواقفنا وسلوكنا وكثيرا ما يتحكم في رؤيتنا لألشياء في هذا العالم. وفي هذا السياق نجد المحلل النفسي المصري البارز مصطفى صفوان يؤكد بحصافة في الكتاب الذي ألفه بمعية المحلل النفسي اللبناني حب الله وعنوانه مشكالت المجتمع العربي أن بنية الهوية الفردية والجماعية لإلنسان العربي وبالتالي للثقافة العربية ال تزال تشكلها بقايا النزعات القبلية والطائفية التي تعتبر الناظم الثقافي المهيمن الذي ال نعيه في الغالب. وبمعنى آخر فإن الثقافة العربية لم تتخل ص بعد من هيمنة التراث القبلي والطائفي الذي يحدد بنية الهوية وتداعياتها في السياسة وفي العالقات االجتماعية علما أن هذه الظاهرة تتكرر نمطيا دون وعي من ا في كثير من األحيان. على ضوء هذا أرى أن محمود أمين العالم محق في قوله بأن عالقتنا بتراثنا ملتبسة وجد معقدة ألنه هو الذي يصنعنا في غفلة من ا. والشك أن النظرية التي تقول بأن الهوية قيد الصنع دائما يمكن أن تفيدنا في اختراق سياج الهويات الثابتة والمتمركزة ذاتيا والنافية لآلخر ولكن ينبغي أيضا أن نحذر من تلك المزاعم التي ترد د أن الهوية مجرد وهم أو أنها مصنوعة لنا مسبقا مم ا ينفي في آخر المطاف قدرة اإلنسان على ممارسة الفاعلية وإقامة المسافة النقدية مع الثقافة التي يتحرك داخل تقاليدها ومختلف أشكال سجل ها الرمزي. يبدو لي أن منطق الجبرية المفروض على مفهوم الهوية نظريا وإجرائيا في مجتمعاتنا من المحيط إلى الخليج هو الذي يكر س ظاهرة الصراع أو االقتتال الطائفي والقبلي واإلثني والفهم القاصر لمنطق تحو ل وتطو ر الهويات في التاريخ. وفي الواقع فإن هذه الظاهرة هي نتيجة لغياب الفاعلية والواقعية لدى التيارات السياسية والفكرية عندنا على المستوى الميداني والنظري ونقصد هنا دوران مختلف التيارات وتنوعها والتي تلبس لبوس العلمانية المتطرفة أو لدى تلك األدهى واألمر هو أن المناقشات الدائرة منذ سنين طويلة حول الهوية ما فتئت تعلك قضايا يغلب عليها التجريد حينا والسقوط في فخ االستعادة المطلقة للماضي واعتبارها النموذج المطلق حينا التي تتخذ الدين أيديولوجية أصولية مغلقة أو عند تلك الشرائح المتواجدة في دوائر صنع القرارات والتي تعرقل رسم وتفعيل مشروع واقعي منبثق من الطاقات التي يتوفر لديها االندفاع الحيوي في مجتمعاتنا من أجل ربح رهان النهضة العلمية والثقافية والفكرية والفنية واالقتصادية التي تطمح الشرائح الشعبية المحرومة أن تتحقق في حياتها اليومية. واألدهى واألمر هو أن المناقشات الدائرة منذ سنين طويلة حول الهوية ما فتئت تعلك قضايا يغلب عليها التجريد حينا والسقوط في فخ االستعادة المطلقة للماضي واعتبارها النموذج المطلق حينا آخر حيث انحصرت هذه المناقشات في النبش في التراث من منظور تقديسه وفي المعاصرة التي تربط باستمرار بما تم إنجازه في العالم الغربي من تحديث وتطور للنظم السياسية والفكر والتصنيع ومختلف اإلنجازات. من الواضح أن رؤية هذه التيارات للتراث تخلو في الغالب من الروح النقدية خاصة وأنها تعتبر متونه الصفراء المكتوبة والمكف نة في األرشيف أرض الميعاد المقدسة وفي الوقت نفسه تعتبر المعاصرة صنما مستوردا من الغرب وليست جزءا من عناصر التراث ذاته. ال شك أن محوري التراث والمعاصرة هما أكثر المحاور التي استقطبت عندنا المثقفين والمفكرين والسياسيين بمختلف مللهم ونحلهم وفي هذا السياق ذاته فقد ن ظر وال يزال ي نظر إلى التراث العربي اإلسالمي وإلى تراث األقليات اإلثنية والعرقية المختلفة في فضائنا الجغرافي الممتد من المحيط إلى الخليج على أنهما ثنائيتان متصارعتان ومتناحرتان وليس كظاهرتين نابعتين من تجاربنا التاريخية والحضارية وكمكو نين لهويات مواطنينا ومواطناتنا التي باتت في وضع قلق وهي تبحث لنفسها عن مرفأ األمان. المشكلة األولى التي واجهت وال تزال تواجه ما يدعى باألنتلجنسيا المفكرة في بلداننا والتي هي عبارة عن نخب من الدارسين والباحثين المشتتين ومن أصحاب المواقع السياسية في داخل السلطة أو في المعارضة تتمثل في غياب أطر ومؤسسات حرة ومستقلة تجمعهم من جهة وفي تعدد مشاربهم األيديولوجية التي تسيطر عليها النزعات القبلية أو الطائفية أو اإلثنية أو العرقية االنفصالية أو الجهوية المغرقة في الشللية. إنه يمكن لنا أن نصنف أربعة تيارات أساسية بارزة في مشهد النقاش حول الهوية وقضايا التراث والمعاصرة في بلداننا إذ هناك التيار التراثي األصولي المتطرف الذي ما فتئ ينادي بأن هويتنا موجودة في الماضي البعيد وأن ما يحث لنا من ضياع ال يمكن أن نتخلص منه إال بالعودة المطلقة إلى ذلك التراث التاريخي الموغل في الماضي سواء كان هذا التراث مؤسسا على المعطى الديني أو العرقي أو اإلثني. إنه جراء هذا التطرف في الموقف من التراث ظهرت فكرة الوصاية االستحواذية على هذا النمط من هذا التراث أو ذاك وبسبب ذلك فقد تفر ق المتصارعون إلى ملل ونتيجة لذلك حو لوا التراث نفسه إلى حلبة صراع واقتتال مادي أو سياسي بدال من التعامل معه كإرث يحق للجميع أن ينهل من عناصره الحية والمستنيرة. ولقد برز ضمن هذا التيار فريق آخر يرى أن الدولة الدينية هي الضمانة الوحيدة التي تضمن تحقيق العدالة في المجتمع وترسيخ األصالة فيه وتجن ب شتى أشكال االغتراب والسقوط في تقليد حداثة الغرب التي تنعت بالملحدة. إن هذا االتجاه اإلسالمي المتطرف يؤكد أنه من السخافة الفصل بين الفكر الغربي وإنجازاته وبين تجاوزات الرأسمالية وهيمنتها وسيطرتها على مقد رات الشعوب اإلسالمية وشعوب العالم الثالث بشكل عام. ولكن يالحظ أيضا أن هذا الفريق يندمج فور وصوله إلى السلطة في اللعبة الرأسمالية الغربية والدليل واضح في عدة تجارب مثل التجربة القصيرة لإلخوان المسلمين في مصر الذين لم يقطعوا مع الرأسمالية فور وصولهم إلى الحكم. أما التيار األصولي الثاني فأجده متمث ال في تلك الدعوات إلى الماضي السابق للمرحلة اإلسالمية الذي يرفض قطعيا أطروحات العروبة وكذلك الكونية اإلسالمية. إن أيديولوجيا هذا التيار تهدف إلى استعادة الهويات الثقافية والتاريخية مثل الفرعونية واألمازيغية والمارونية والفينيقية والكردية.. الخ وينظر إليها كمقوم وحيد ألصالتها وفرادتها وهكذا نرى هذا التيار يعيد إنتاج مفهوم الهوية الجاهزة والثابتة ويكر ر منطق نفي التناص مع الهويات األخرى ويذهب بعيدا أحيانا في اعتبار حتى تجاور الهويات خطرا محدقا على وجوده ووجود أتباعه. إن هذا االتجاه يحاجج في مرافعاته السياسية والثقافية أن الدولة- األمة ال يمكن أن تقوم لها قائمة دون تثبيت األصول العرقية أو اإلثنية. والحال فإن النظرة الموضوعية لهذا النمط من الطرح تستدعي القول بأن الفرعونية واألمازيغية والفينيقية ليست في حد ذاتها عناصر خارج بنيان الهويات الوطنية بل هي جزء منها علما أن نزعة تجاهل حقائق الهجنة كواقع تاريخي وثقافي ودموي وحقيقة التأثر المتبادل عبر مسار التاريخ الطويل هي نزعة تتنكر ألبسط المعارف والحقائق العلمية واألنثروبولوجية. إن بلداننا محكومة تاريخيا وتنوعا بشريا ولغويا بضرورة القبول بالهوية بناء أسس أي تركيبة ال يتم ميكانيكيا أو بمجر د رغبة بل فإنها مشروطة بالحاجة التاريخية وكثيرا ما يرافقها إسقاط عناصر من الموروث والتخل ي عنها عندما تكون غير قادرة أن تتالءم مع بنية التركيبة الجديدة المركبة المتطورة والمفتوحة على اإلضافات. وفي الحقيقة فإن الحنين إلى الصفاء العرقي أيديولوجية غير مبررة تاريخيا وعلميا وهي تتنافر مع طبيعة الثقافة نفسها التي تتميز بأنها تنشد التالقح والتناص والتنوع لكي تضمن التطور والبقاء. ال شك أن مبررات هذا التيار وقو ته على االستقطاب تعودان إلى عدم وجود الديمقراطية االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية ببلداننا التي تعترف بالتنوع الثقافي واللغوي األهلي وبحقوق المواطنة حيث يحو ل من يطالب باالعتراف بلغته وثقافته إما إلى عدو انعزالي أو يدفع به ليصبح شهيد اللغة والثقافة. ومقابل هذا التيار نجد تيارا آخر يحدد الحلول لمجتمعاتنا في إجراء عمليات توفيقية للعمل على صياغة تركيبية تصالح بين القيم التنويرية للحضارة اإلسالمية وبين معطيات المدنية والحضارية الغربية مع التشديد على اإليجابي منها. وبطبيعة الحال فإن أطروحات هذا التيار تتميز بالتبسيط وبكثير من السذاجة حيث أن بناء أسس أي تركيبة ال يتم ميكانيكيا أو بمجر د رغبة بل فإنها مشروطة بالحاجة التاريخية وكثيرا ما يرافقها إسقاط عناصر من الموروث والتخل ي عنها عندما تكون غير قادرة أن تتالءم مع بنية التركيبة الجديدة. إن المنطلق البراغماتي يلف منطق هذا التيار حيث تقول البديهيات بأن استيراد التكنولوجيا الغريبة ال يمكن أن يكون عملية معزولة معايير وآثارا عن القيم واآلليات الثقافية التي أنتجتها وتنتجها. و أكثر من ذلك فإن استيراد التكنولوجيا الغربية ليست عملية محايدة بل إنها تفرض تغييرات في النفسية وفي العالقات وفي أسلوب العيش وكذلك فإنها تخلق تغييرات وتحويالت في أسلوب اإلنتاج وعالقات اإلنتاج أي أنها تخلق تغييرات في الوعي والبنية الثقافية. ويمكن القول بأن هذه التيارات التي تعرضنا بإيجاز ألفكارها وتوجهاتها تساعد فقط على ترسيخ األزمة وتكر س النقاش داخلها ووفقا لمنطقها الهووي المغلق أكثر مما تعمل خارجها من أجل تجاوزها بعد فهم واستيعاب وإدراك إشكالية بنية األزمة نفسها. وهكذا ال نفاجأ من أولئك الذين يقولون بأن الفكر العربي السائد عندنا كما هو في وضعه الحالي يتميز أنه إما هو صدى لألزمة أو هو جزء منها أو أنه فكر يسي رها وال يبحث عن البدائل التي تؤدي إلى الخروج منها. كاتب من الجزائر مقيم في لندن العدد - 16 مايو/ أيار
52 ملف انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب الهوية الطفولية والنزعة االرتكاسية عامر النحاس ربوح البشير تحي ر الفكر العربي الذي لم يرق بعد إلى منزلة العقل بالمعنى الفلسفي الصارم في قضاياه التليدة والراهنة ألن ه بقي أسير منحى تفكري يأخذ كل سفينة غصبا أو طلبا أو رجاء مغموسا في الجبن والكسل وينسبها إلى نفسه فيعيد إخراجها في صورة أخرى معتقدا أن ه يقول ما لم يقله بعد ونسي أو تناسى أن ه يفكر بمفردات وأدوات ونظريات ورؤى غربية وفي سقف ما زالت فيه الرموز الغربية الحداثية هي المهيمنة والناظمة والمتحكمة في منظومة الفكر اإلنساني المعرفية فأحاديثه مثال عن السلطة والجنس والجنون ليست من بنات أفكاره أو من ثمار إعمال ذهنه فيها ألن ه ال يقدر على تخطي األفق الفوكوي والشيء ذاته ينسحب معرفيا على أغلب المسائل التي خم ن فيها الفكر العربي أي أنه لم يبرح بعد فضاء الفكر الذي يقتات على ما ينتجه الغرب في هذا المنعرج الخطير من تاريخنا المعاصر. هذا المساق الذي نهتدي بمعالمه المستعارة إيمانا من ا بأن في الفكر هو الجسر أو الفضاء الذي نتدر ب فيه وعبره ومن خالله لالرتقاء إلى مرتبة التفكر العقلي بغية التطلع إلى بناء نظام عقلي عربي قادر على صناعة ذاته وتأثيث بيته وإنتاج مفرداته وتعبيد دربه المخصوص ومنفتح في ذات التمشي على منجزات اآلخر ألن ه لم يستطع بعد أن يستنبت إشكاله التأويلي الخاص به أو أن يطرح األسئلة الجذرية المأمولة لتثوير الفكر العربي وإعادة بعثه من جديد وإدخاله إلى نادي الفلسفة اإلنساني كي يتمك ن من بناء إحداثيات لتفكيره بعيدا عن التعالي واالستبداد والشعور بالدونية أمام اآلخر. بهذا سنجتهد في مقاربة مسألة الهوية وهي مسألة على درجة عالية من الخطورة والثراء بكل تعقيداتها ومالبساتها وتصالباتها مع ظروف تاريخية وشروط سياسية وع قد دينية إن األمر هنا ال يدل فقط على اقترابنا من حقل متعدد في معناه وسياقاته وإن ما يرمز كذلك إلى إعادة تنشيط الحدث البابلي وسحبه من غياهب الجب الذي رمي فيه إلى فضاء المعاصرة أي أن الهوية مشهد بابلي بامتياز. إن الع سر هنا يزداد تعقيدا عندما تنزل علينا هذه المسألة ونحن نتحرك في فضاء معرفي يقرأ نصوص اآلخر وي سائل ذاته متكئا على ما استنتجه منها ع سر يقابله بصورة دراماتيكية المآالت البابلية لمعنى الهوية في تاريخنا المعاصر وقد نجد في عبارة األديب اللبناني أمين معلوف نوعا من األمل المستقبلي في إمكانية تخط ينا لهذا المشهد حيث يقول حين يصل الكاتب عادة إلى الصفحة األخيرة تكون أغلى أمنية لديه أن يقرأ الناس كتابه بعد مئة أو مئتي عام. ال يمكن التكهن بذلك فهناك كتب أراد لها مؤلفوها الخلود ثم انطفأت غداة صدورها في حين أن كتابا قد يبقى وكن ا نخاله مجرد ترفيه لتالمذة المدارس. غير أن األمل ال يفارقنا. أم ا هذا الكتاب الذي ليس ترفيها وال عمال أدبيا فسوف أتمنى بشأنه عكس ذلك: أن يكتشفه حفيدي يوما وقد أصبح راشدا بالصدفة في مكتبة العائلة فيتصفحه ويقرأ بعض صفحاته ثم يعيده فورا إلى الرف المليء بالغبار حيث تناوله مستخفا ومندهشا للحاجة إلى قول هذه األمور في الزمن الذي عاش فيه جده ) أمين معلوف الهويات القاتلة ص ص 229(. 228 إن فهم هذه المسألة يقتضي من ا االحتكام إلى منطق السرد التاريخي مقتنعين أن هذا المنحى قد يسعفنا في توسيع دائرة فهمنا وإدراكنا لها فالهوية من جهة نشأتها ترتد إلى عديد من المفاعيل البنيوية منها ما يتصل رأسا بما نثره أفالطون من بذور فكرية في سماء الفكر الفلسفي الغربي حيث قس م الوجود إلى قسمين جاعال من موضع الم ثل الفضاء األفضل لجميع الحقائق المطلقة والثابتة ومن عالم الحس الفضاء السفلي الذي ترتع فيه كل النسخ التي ترغب في محاكاة م ثلها فالهوية بحسبانها مثاال أعلى تسكن الموضع العلوي من الوجود فعنده تكون هذه الهوية مؤسسة على شرط مفصلي ي عب ر عنه بالصيغة التالية أنا أدرك طبيعتي الحقيقية كروح فوق حس ية عندما أنظر إلى األشياء فوق الحس ية الخالدة والتي ال تتبد ل. وهذا النظر سوف يشتمل من دون شك على رؤيتي وفهمي األشياء المحيطة بي بوصفها تشترك بالم ث ل التي أوجدتها. ( تشارلز تايلر منابع الذات تكون اله وي ة الحديثة ص 228(. ومنه يكون السؤال عنها من جهة اعتبارها مثاال قائما بصورة قبلية في موضع المثل منتشرة فيه تحوز على وجود سابق لكل ما هو حسي واقعي بمعنى أن هدا التمثل الفكري نشأ من االفتراض التالي: إذا ما تساءلنا ما هو )س( فإن نا نفترض بأن )س( شيء ما )ميشال ماير نحو قراءة جديدة لتاريخ الفلسفة ص 12(. وبالرغم من االعتراضات التي انتصبت في وجه هذا الطرح إال أن أرسطو اجتهد في إدماج الكثرة والعوارض في منطق قضوي صارم بحيث نكون أمام قضية واحدة ووحيدة )ق( و)الق( يمكنهما أم يكونا عبارة عن محموالت قابلة للتطبيق على الموضوع فسقراط أصلع أو أصلع شاب أو غير شاب إلخ لكن سقراط سيبقى هو سقراط )ميشال ماير ص 20(. من ص لب هذه اللحظة اليونانية انبنى اللوغوس على فكرة الهوية الثابتة التي طفقت تعب ر عن ذاتها سياسيا في الدولة/ الجمهورية عند أفالطون ولدى أرسطو في تصوره للدولة الطبيعية وفي قراءة النزعة الرواقية للطبيعة في صورتها القدرية انسجاما مع قانونها الحديدي عش في وفاق مع الطبيعة. أم ا المرحلة الحديثة فقد كانت الديكارتية الم عب ر الحقيقي عن هذا العصر فكريا إذ أعلن ديكارت قائال من المؤكد أن ي ال أستطيع أن أحوز على معرفة بما هو خارجي إال بواسطة أفكار في داخلي )تشارلز تايلر ص 227(. مدعوما برؤية كانطية تؤسس لمنجز النقد بحسبانه محكمة داخلية يجب أن تخضع لها جميع األنساق بما فيها الدين ومسار العدد - 16 مايو/ أيار
53 ملف انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب هيجلي انخرط في الطرح الجدلي بحثا عن اعتراف جواني بذات انتصرت على اآلخر. غير أن الر جة التي تلقتها الديكارتية في عقر دارها جاءت على يد الفيلسوف باسكال الذي لم يهضم الثقة الديكارتية بقوى اإلنسان الخاصة القادرة على تحقيق الخير )تشارلز تايلر ص 521( ألن ها تظل هناك ودائما بعض األعماق في داخلنا بعض الجذور التي تظل مجهولة وال يمكن النفوذ إليها في حياتنا )تشارلز تايلر ص 521(. هذه األعماق التي نبش عنها لفيف من فالسفة الظنة وفق التوصيف الرائع لبول ريكور بدءا بشوبنهاور وماركس وفرويد ونيتشه هذا األخير الذي سبق له أن سبر ذلك الفكر المشو ش المفيد أن الذات قد ال تتمت ع بوحدة قبلي ة مضمونة )تشارلز تايلر ص 664(. وقد تزامن ذلك مع هجوم على مفهوم الذات حيث أصبحت الحاجة إلى الهرب من قيود الذات الموح دة موضوعا أساسيا مهم ا ومتكررا في هذا القرن وتزايد فيما صار ي شار إليه بما بعد الحداثة كما نرى شكال من أشكاله في مهاجمة فوكو الذات المنظ مة أو المعترفة وفي شكل آخر عند ليوتار )تشارلز تايلر ص 664( إن ها أعماق قد أد ت إلى حدوث هزات زلزالية أصابت الذات المزهو ة بانتصاراتها العلمية واالقتصادية والجغرافية ودفعتها إلى االنسحاب إلى داخلها تفت ش عن ذاتها ويمكننا في هذه اللحظة الفلسفية الفارقة والم نعرجية الخطيرة أن نضع سؤال الهوية في أفقه الفكري دون أن نستبعد من هذا األفق الجديد المفاعيل األخرى التي طالتنا نحن سكان جنوب الحداثة من كولونيالية واستعمار واستغالل واستبداد شمولي خانق. هناك استعمال ملتبس للفظي الذات والهوية معا دون أن يثير ذلك إشكاال فلسفيا على مستوى المصطلح وإن ما هو إشكال على مستوى التنظير الفلسفي فقد كان رهان الفلسفة الغربية منذ البدء األفالطوني إلى غاية زمن الحداثة هو تأسيس ذات سياسية وأخالقية وناقدة وعارفة ومالكة للوجود الحقيقي أي أن ها تحمل في طياتها هوية ما زالت وفي ة للسؤال الذي دش نه أفالطون حول الجوهر أو الماهية بصيغته الجلية: ما هو اإلنسان والذي نجد صداه مفروشا في النص الكانطي نقد العقل العملي. غير أن المفكر العربي فتحي المسكيني يطرح رؤية مغايرة مبنية على أن رهان الحداثة الخفي هو: إلى أي حد يمكن للفيلسوف أن يفك ر في الذات بال هوية وعلى ذلك فإن األوان قد آن أيض ا ألن تسأل: إلى أي مدى استطاعت الفلسفة المعاصرة في سعيها الدائب إلى التحر ر من براديغم الوعي أن تتحر ر من صناعة الهوية الحديثة ومن ثم أن تقترح علينا ذاتا بال رواسب هووية ال شفاء منها )فتحي المسكيني الهوية والحرية نحو أنوار جديدة ص 12( ويستمر كاشفا عن أخذت مسألة الذات/ الهوية حيزا معرفيا كبيرا في نقاشات الفالسفة نتيجة االستئناس بسؤال ما هو اإلنسان الذي ما زال وفيا للمسار األفالطوني خاصة منذ أن أدخل أفالطون مفهوم اإلنسان إلى أفق التفكر الفلسفي إشكاله بصورة أكثر تأسيسا قائال نحن نفترض أن الفلسفة المعاصرة من هيغل إلى ريكور قد فشلت في اإليفاء بهذا الوعد. إن ها لم تفعل غير االستعاضة عن تأسيس الذات بإرساء أكثر ما يمكن من قصص الهوية )فتحي المسكيني ص 12 (. لقد أخذت مسألة الذات/الهوية حيزا معرفيا كبيرا في نقاشات الفالسفة نتيجة االستئناس بسؤال ما هو اإلنسان الذي ما زال وفيا للمسار األفالطوني خاصة منذ أن أدخل أفالطون مفهوم اإلنسان إلى أفق التفكر الفلسفي ذلك أن هذا السؤال بقي ملتصقا بكل هذا المخزون األنثروبولوجي بحثا عن البواعث الحقيقية للفعل اإلنساني أو سعيا لالمساك بجميع الصفات التي تحدد للذات هويتها من عقل وكالم وسياسة واجتماع وصوال إلى وصفه بأن ه براديغم أو متحد اجتماعي ينظم جميع ضروب التفكر الفلسفي ويخترق كل الفلسفات التي حافظت على فكرتها المركزية التي تدور وجودا أو عدما مع الذات/الهوية بغض النظر عن توصيفات الذات غير أن المنعطف الذي مي ز الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر بفعل المطرقة النيتشوية حينما اجترح نيتشه سؤاال خطيرا في أفق الحداثة وهو سؤال من أو من نحن ومن يكون وبالتالي الخروج من طور الفحص األنثربولوجي في الهوية identité إلى طور المساءلة لسؤال من نحن بوصفه أمارة فينومينولوجية عن سؤال أنطولوجي لم يأت إليه الفالسفة المعاصرون إال بعد أن أخذوا في التحرر شيئا فشيئا من براديغم الذات الديكارتية ونعني سؤال من بعامة الذي صرنا نشير إليه بعد هيدغر )1927( وريكور )1990( بمصطلح اله وية ipséité, selbstheit )فتحي المسكيني الهوية والزمان تأويالت فينومينولوجية لمسألة النحن ص 9(. وهو هنا يقترب كثيرا من تحديد المسار الفلسفي إلشكالية الهوية فجذورها توجد عند نيتشه وهيدغر وأرندت وفوكو األخير ولكن لم يبلغ مرتبة اإلشكالية القائمة بنفسها إال لدى ريكور ورورتي نعني إشكالية ال هو das selbst وذلك من جهة ما هي سبيل في البحث تتخذ من سؤال من die wer-fregela question qui بعامة خيطا هاديا لها )فتحي المسكيني الهوية والزمان تأويالت فينومينولوجية لمسألة النحن ص 20(. ويمكن أن نؤكد على ضياع مركزية الذات فعال تلك التي قد جعلت منها الفلسفة الكالسيكية محور الوجود والفكر ( فتحي التريكي فلسفة الحياة اليومية ص 47( وتصالب هذا الضياع مع تزايد الحديث عن أزمة المعنى ومأساة الكوجيطو المكسور أو المجروح بلغة ريكور وانبثاق عهد نهاية السرديات الكبرى. إن هذا التمشي الفلسفي يسعفنا على األقل في تحديد مسار تفك رنا في هكذا مسألة متشابكة ومتداخلة إلى درجة التعقيد الخطير الذي يشي بقدوم م همة فلسفية عسيرة في منطلقاتها هي مهمة فهم تفكيك الهوية في صورتها الطفولية في األفق الفكري العربي استئناسا بما عرفناه من نصوص غربية منحت لنا ضوءا يهدينا إلى مستقر معرفي قد يصبح عندنا في مرتبة المنزل الذي ن نزل فيه عتادنا التحليلي من أجل تقديم مقاربة لهذه المسألة. رب ما العودة إلى المربع المعرفي الذي وضعنا فيه األديب اللبناني أمين معلوف خاصة في حديثه عن الهويات القاتلة يعلمنا أن الخطر األكبر يأتينا من اللغة وتحديدا من الكلمات فقد عل مته الحياة درسا قاسيا في أن يرتاب منها ف أكثرها شفافية غالبا ما يكون أكثرها خيانة. وإحدى هذه الكلمات المضل لة هي كلمة هوية تحديدا. فنحن جميعا نعتقد بأن نا ندرك داللتها ونستمر في الوثوق بها وإن راحت تعني نقيضها بصورة خبيثة )أمين معلوف ص 17 (. وهو بذلك يلتزم معرفيا على األقل بوصية مارتن هيدغر في حديثه عن عالقة اللغة بالفكر إذ ينهمم بالتفكر في أدوات اللغة ألن ها هي باألساس أدوات الفكر فمن لم يفكر في اللغة لم يفكر أبدا. وعليه يضع علينا بقوة التاريخ سؤاال راهنا ومربكا هو محاولة فهم األسباب التي تدعو الكثيرين اليوم إلى القتل باسم هويتهم الدينية واإلثنية والقومية أو غيرها )أمين معلوف ص ص 18/17( وهي ثمرة جملة من العلل المتساكنة داخل قفص الف هوم المريبة والمرعبة في أحكامها فهي تساعد على ترسيخ اآلراء المسبقة التي تكشفت عبر التاريخ عن فسادها وإجرامها )أمين معلوف ص 36( باإلضافة إلى أن الفوضى المفهومية ال النوايا السيئة فقط هي ما يسهم بشكل كبير في االضطراب والبربرية اللتين نراهما حولنا )أمارتيا سين الهوية والعنف وهم القدر ص 23(. حيث يمكن لهذا النوع الطفولي من الهوية أن يفع ل جملة الضغائن و يمكن لألحقاد المدفوعة طائفي ا أن تنتشر انتشار النار في الهشيم كما شاهدنا مؤخرا في كوسوفو والبوسنة ورواندا وتيمور.. ويمكن أن يحو ل حس هوية معز ز معه جماعة معينة من الناس إلى سالح قوي بوحشية مع جماعة أخرى. )أ. سين ص 25( والسبب يتجلى في استحضار القوة السحرية لهوية شاملة مزعومة تحجب االنتماءات األخرى.. ويمكن أن تكون النتيجة عنفا محلي ا بسيطا أو عنفا وإرهابا عالميين بالغي التعقيد )أ.سين ص 25(. وعليه يمكن أن نتحدث عن هوية العودة إلى المربع المعرفي الذي وضعنا فيه األديب اللبناني أمين معلوف خاصة في حديثه عن الهويات القاتلة يعلمنا أن الخطر األكبر يأتينا من اللغة وتحديدا من الكلمات طفولية تتمظهر في صور عديدة منها ما يتصل بالجنس أو على أساس المعطى الطبيعي األو ل ومنها ما يرتبط باللون وهي أقذرها وفي صورتها اإلثنية المخيفة مثل االنتماءات القبيلية والعشائرية المنتشرة في أفريقيا كالزولو والتوتسي والهوتو وعشيرة الهاوسا أو الصور األخرى لالنتماء الطائفي مثل: السنة الشيعة الموارنة الدروز األمازيغ الطوارق وجميع هذه األصناف تحوي في جوفها على رؤية معادية لآلخر واستعالئية عليه تنتظر فقط االستفزاز ويمكن أن تؤدي إلى حرب بين هذه القطاعات الم سيجة بدوغمائيات خطيرة أو إلى نزاعات م ضللة وجوديا تحول بينهم وبين أفق الحداثة المضيء فلقد أنشأت محاكم التفتيش تحت ضغط ديني ومارست طالبان صنوفا من اإلرهاب المفرط في عنفه وال يجب أن ننسى حرب األفيون المفروضة على الصين الدنيئة باسم حرية التجارة كما وصفها أمين معلوف. ويكاد األمر يستوي في مقاربتنا لمعنى الهوية وخاصة في صورتها الطفولية بحسبانها رؤية ساذجة وسطحية ومتسرعة ومنفعلة في حكمها وقرارها فالذي ينزع إلى رفض كل شيء دفعة واحدة والتقوقع داخل هويتهم مطلقين اللعنات المثيرة للشفقة ضد العولمة والكوكبة والغرب المتفوق أو أمريكا التي ال تطاق )أ.معلوف ص ص 142( 141 فهو يعبر عن تمظهر مقز ز للهوية في مرحلتها الطفولية دون أن يعي بطبيعة موقفه وال بعقابيله الكارثية على ذاته وهويته الهشة والتي تتمثل مثال في أسلوب االحتقار الذي يستخدم من أجل إثارة العنف ضد الشخص المحتقر. وقد جادل جون بول سارتر في كتابه صورة اليهودي معادي السامية Portrait of the Anti-Semiste أن اليهودي إنسان ينظر إليه اآلخرون على أن ه يهودي.. إن المعادي للسامية هو الذي يصنع اليهودي )أ.سين ص 39( أم ا البعض اآلخر فهم على أتم االستعداد لتقبل و ابتالع كل شيء دون تمييز بحيث ال يعودوا يعرفون من هم وال إلى أين هم سائرون وال إلى أين يسير العالم )أ.معلوف ص 142( أو بصورة أكثر وضوحا قد يكون التصنيف الديني مصدر للتشويه العدائي كذلك بالطبع. فيمكن مثال أن يت خذ شكل االعتقادات الفجة التي عبرت عنها ملحوظة الجنرال األمريكي وليم بوبكين المدو ية التي يعرفها الناس جميعا في وصفه لمعركته ضد المسلمين بشكل فج لقد عرفت أن ربي أكبر من رب ه و أن رب المسيحية كان الرب الحق وأن رب ]المسلمين[ العدد - 16 مايو/ أيار
54 ملف ليس إال وثنا )أ.سين ص 48(. وليس ببعيد عن هذه القراءة يمكن لنا أن نرصد أشكاال جديدة من الهوية الطفولية في المتن الفكري الذي قدمه أمارتيا سن في كتابه الهوية والعنف وهم القدر حيث يشير إلى مسألة كؤودة تقف كحجر عثرة أمام مسيرتنا نحو بلوغ الهوية الراشدة وهي مسألة االختزالية reductionism التي تتجلى أوال في تجاهل الهوية وهي تأتي على شكل تجاهل تأثير أي معنى للتماهي مع اآلخرين أو إهماله تماما فيما يتعلق بما نثم نه أو بالكيفية التي نتصرف بها )أ.سين ص 55( وتتمظر االختزالية ثانيا في الوالء المفر د الذي يأخذ شكل افتراض مفاده أن كل شخص ينتمي بشكل رئيس من أجل األغراض كل ها إلى مجموعة واحدة فقط ال أقل وال أكثر ( أ.سين ص 55(. ي قرأ ذلك وبمنظار متعاكس على أن االختزالية التي تتجاهل الهوية وال تكترث باألبعاد المختلفة لإلنسان وفق منطق الوالء المفرد تستحق من ا كل االهتمام. ولم يستبعد أمارتيا سين من رؤيته ما قدمه المنظر األميركي صموئيل هنتنغتون الذي تحدث عن صراع الحضارات انطالقا من افتراض مفاده أن الناس الذين يصن فون داخل أقفاص من الحضارات متضادين شيئا ما أي أن الحضارات التي ينتمون إليها يعادي بعض ها بعضا. ويكمن وراء فرضية الصدام الحضاري فكرة أكثر عمومية تقضي باحتمال أن ي نظر إلى الناس على أن هم ينتمون إلى حضارة واحدة )أ.سين ص 84( وهذا هو عين االختزال المقيت في نظر أمارتيا سين ألن األمور ترتد إلى الكثير من المفاعيل منها ما هو سياسي خالص.. إذ أن المعركة الحاسمة هي التي يجب أن تعلن ضد تسييس الدين الذي ال يتمثل في النمو السريع لإلسالم السياسي فقط بل يتمثل كذلك في النشاط العارم الذي يعمل به تسييس األديان األخرى )كما هي الحال في توسيع المدى السياسي للمسيحية تحت عنوان المولودون الجدد والتطرف اليهودي أو في حركة هندوتفا الهندوسية(.. ومن ذلك مثال زحف التحول إلى الشريعة في إندونيسيا كما وصفه العالم اإلندونيسي شافعي أنور بصورة تدعو إلى الف ز ع ليس تطورا للممارسة الدينية فقط بل يدخل فيه انتشار لتطلعات اجتماعية وسياسية على درجة كبيرة من التشدد في بلد اشت هر تقليديا بالتسامح باإلضافة إلى التنوع الثقافي الغني )إ.سين ص 123(. ويعتبر أمارتيا سين أن تجاوز هذه االختزالية الخانقة إلشراقات طمستها القوى المتعددة التي تسكن في هذه األشكال والضروب ينبني على إرادة ثقافية قوية تستطيع أن تعبد طريقها برؤية تستمد قوتها من الحرية المسؤولة والنقد الذاتي واإليمان بأن الهوية ليست مشروعا ناجزا ومكتمال ينزل علينا من ف كل األشياء كانت حاضرة في زمن واحد. هناك كن ا نتفرج على تكامل الوعي اإلنساني من وعي العصور الحجرية وحتى مكاسب القرن الحادي والعشرين. كلها كنا نعاينها مرصوفة إلى جانب بعضها عل وإنما هو صناعة مستقبلية بامتياز. يحدونا األمل حسب منطق أمارتيا سين في الخروج من هذه الهوية الطفولية التي لم تنضج بعد ولم يستو عودها في ظل عولمة قاهرة وعابرة للزمن وفي ظل شركات متعددة الجنسيات يحكمها منطق حديدي ال يلتقط غير ذبذبات إذاعات وفضائيات الوثن الجديد المال. على هدي هذا التمشي يسعى المفكر اإليراني األصل داريوش شايغان إلى معالجة مسألة الهوية في هذا العصر من جهة كونها حاضرة فيه بقوة التاريخ ف كل األشياء كانت حاضرة في زمن واحد. هناك كن ا نتفرج على تكامل الوعي اإلنساني من وعي العصور الحجرية وحتى مكاسب القرن الحادي والعشرين. كلها كنا نعاينها مرصوفة إلى جانب بعضها وكأن روح الحداثة استعادت كافة أطوار الوعي البشري في ذاكرة أقرب ما تكون إلى الملحمة العظمى. )داريوششايغان تزامن الثقافات المتنوعة فوضى البحث عن هوية مجلة قضايا إسالمية معاصرة ص 103 (. غير أن هذا الشكل من الهوية معرض كذلك إلى هزات من داخله تعتمل فيه مشكلة قوى جوانية تتسرب إليه من نواقص عديدة. لهذه الحضارة تصد عات وأخاديد تتربص فيها مخلوقات شيطانية. االفتقار إلى الوجد والحيوية واالنسالخ عن العواطف الدينية التقليدية حاالت توط ئ األرضية للخيال كي يصول ويجول بأغرب صور وأكثرها وهما ( داريوششايغان ص 107(. وهي صفات منتشرة في فضاء هذه الحضارة إن ها الحضارة الجديدة الفارغة من أي خيال أخالقي ومن أي قفزة شعورية أو قيم جديدة بوسعها قلب معنى الوجود رأسا على عقب )داريوششايغان الهوية المركبة هوية بأربعين بعدا ص 113(. استئناسا بهذه الرؤى المختلفة التي ننظر إليها بحسبانها في نصوص نتكئ عليها من أجل تقديم قراءة جديدة لمفهوم الهوية كمنحى فلسفي يريد أن يقطع مع سؤال ما هو بحمولته األنثروبولوجية وتحت مظلة براديغم الذات الواعية والناقدة والتاريخية واالرتباط بسؤال من هو بمنعه الفلسفي المتصل ببراديغم اللغة الذي فتحت األبواب جهة التأويل بمكاسبه الرمزية والمكسب األكبر يتمثل في إزاحة السؤال من مجال الماضي إلى أفق المستقبل. رب إزاحة قد نكتشف فيها مدى هشاشة هويتنا بالنظر إلى المنسوب العالي من كمية الطفولة التي تحوزها ولكي نصل إلى مرتبة الرشد لعلنا نبدأ في التخلص من العنف والكره واالضطغان واالختزالية.. وغيرها من مثالب الهوية الطفولية.. باحثوأكاديميمنالجزائر بهرام حاجو العدد - 16 مايو/ أيار
55 انفجار الهويات الصراع السياسي والثقافي على أرض العرب ملف القومية واإلثنية والعرق محاولة في فك االشتباك بهرام حاجو باسم فرات تعريف المصطلحات الدقيق -يقين ا- يساعدنا على تجن ب الخلط والوقوع في آفة الخداع الذي يمارسه كثيرون ابتداء من السياسي ومرور ا برجل الدين. وليس انتهاء بالمثقف فانتشار الخلط بين مفاهيم المصطلحات وحواملها أدى إلى بروز سرديات مليئة باألوهام والخيانة تقبلناها و ر د د ناها ببغائي ا بال تفحص وال مساءلة نقدية واعية ال سيما أن إحدى معاناة اللغة العربية أن الناطقين بها يعتنون باألشياء وليس العالقة بين األشياء بحسب المفكر الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه تجديد الفكر العربي. ثمة خلط بين هذه المصطلحات الثالثة العرق واإلثنية والقومية في حين أن العرق هو المرحلة األولية لحياة وقيم عامة وتصدر عن هذا الماضي الجماعي وت ع ب ر عنه في الوقت ذاته وفي الترويج لهذه القيم والرموز. شعب ما لم يجر ب الم د نية ومن هنا فهو نادر االختالط بأعراق إذن الفرق بين اإلثنية والقومية بحسب اعتقادي هو أن األولى وإثنيات وقوميات أاخ ر وحين يتم االختالط يرتقي إلى مصاف جماعة تملك لغتها الخاصة ولكنها لغة شفاهية أو د و ن ت مؤخر ا اإلثنية وقد تتأخر المرحلتان في حياة شعب ما أو إحداهما وال )القرن التاسع عشر وما بعده( فهي مجموعة تملك ذاكرة شفاهية يمكن أن تصل اإلثنية إلى مرحلة القومية إال بعد أن تحقق لغتها فقط. أما القومية فهي مجموعة سكانية عادة تخلو من النقاء العرقي التدوينية حضور ا عميق ا وقديم ا في الذاكرة الجمعية ألبنائها ويصبح ولديها ذاكرة جمعية كتابية تمتد لما قبل القرن التاسع عشر إن لم الكاتب والشاعر والفارس والعاشق في الوعي الجمعي منتمين إلى يكن السابع عشر أي أنها أنجزت منظومتها الثقافية المدونة قبل الجماعة اللغوية الواحدة وليس إلى المكان فامرؤ القيس وط ر ف ة بن هذا التاريخ بفترة والمنظومة هي إنجاز تصور لتاريخها الجماعي العبد والنابغة الذبياني وعنترة بن شداد وعروة بن الورد والصعاليك ورموزها وقيمها المعب رة عنها وتدوين ذلك. وقيس بن الملوح وكثير غيرهم ال يفكر المغربي والمصري والعراقي وبوضوح أكثر إن اإلثنية حتى تصل إلى مرحلة القومية ال بد لها والسوري بأمكنتهم أوال في وعيه وال وعيه في آن مع ا وإنما في اللغة من لغة واحدة تدوينية تجمعها أي ما ندعوه باللغة الفصحى الكتابية من األسالف أي مضى على موتهم قرنان وثالثة وخمسة ك تب أنجزها أسالفها مثلما عليه الحال في أسرة الجواهري العربية وانتمائهم إليها. التي بإمكان أي متعلم فيها أن يفهم تمام ا ما م د و ن أمامه مثلما يفهم وهو ما نراه في اللغات القومية وليس اللغات اإلثنية مثل وكاشف الغطاء وبحر العلوم أو ألقابها تعود إلى أسماء ك ت اب عن منظمة اليونسكو عام 1952 م أصدر مجموعة من علماء القارئ باللغة العربية في العراق ما م دو ن بأقالم مصرية ومغاربية العربية والسريانية والفارسية والتركية واإلنكليزية والفرنسية أو مبدعين أي أن هذه األسر أس سها )وهو تعبير مجازي ) االجتماع كتاب ا بعنوان بيان حول الساللة شد دوا فيه على وجوب ويمنية وشامية وأنه يشترك مع سكان بقية المناطق التي تسكنها واأللمانية واألسبانية والبرتغالية واإليطالية واليابانية هؤالء. إسقاط مصطلح عرق واستبداله بمصطلح إثنية الذي قد مر هذه اإلثنية بذاكرة واحدة حتى لو تناقضت فالذاكرة العربية على فهذه اللغات بإمكان قومياتها أن تحدثنا عن آالف المبدعين ر ب سائل يسأل: ماذا عن المجموعات السكانية ذات العدد ثالثة وأربعون عام ا على أو ل استعمال له. هذا المصطلح اإلثنية سبيل المثال واحدة في ذكرها لرموزها وإن كان بعضهم يرونهم والك ت اب مم ن ماتوا قبل قرن من الزمان على األقل إن لم يكن القليل مثل السريان السريان لديهم منجزهم الذي لم ينقطع ي عر فه عالم االجتماع األلماني ماكس ويبر كاآلتي تلك المجموعات شياطين فيزيد بن معاوية بل معاوية نفسه واآلالف من الشخصيات قرنين وأكثر لكن األمر ينعدم عند الناطقين باللغات اإلثنية وإن قل كثير ا بسبب هيمنة لغات أخرى وهؤالء عكس أبناء البشرية التي تتمتع باعتقاد موضوعي في أصلها الموح د الذي التاريخية هي ال غبار على رمزيتها وإن كانت سلبية بحتة عند بعض فغالب ا ما يكون لديهم تراث شفاهي مؤلفوه مجهولون وأننا ال عمومتهم العرب جاءت المسيحية لتحد من اندفاع لغتهم انحدرت منه نسبة للتشابه الجسماني أو تشابه العادات أو بسبب العرب. نجد أسماء إبداعية كثيرة. فحين تبن ى اليونانيون ومن ثم الرومان المسيحية اندفع ذكريات االستعمار والهجرة وهذا االعتقاد يجب أن يكون مهم ا من العالمات الفارقة في كون مجموعة لغوية ما إثنية وليست اللغات اإلثنية حتى بدايات القرن العشرين إن لم يكن التأليف باليونانية ثم الالتينية مما تسبب في خنق اللغة لتكوين المجموعة نفسها وليس من الضروري أن تشترك في رابطة قومية أننا ال نجد في مدونتها الكتابية شعراء وأدباء وباحثين أحدث من هذا التاريخ تخلو من كتب رصينة وموسوعات السريانية وحين جاء اإلسالم كانت اللغة السريانية في دور الدم الحقيقي ألن نقاء األعراق وهم كبير ال سيما بعد خروج العرق ومؤرخين ومنظرين ومؤلفين عموم ا كتبوا أعمالهم بلغتها وهم كبيرة وباإلجمال تفتقر إلى المئات من الكتب وإلى المئات احتضارها لكنها لم تمت واستمر التأليف فيها. إلى فضاء اإلثنية. ينتمون لقوميات وإثنيات أخرى وقد مضت على وفاتهم عقود من المؤلفين )الباحثين المؤرخين( الذين ماتوا قبل منتصف من هنا يمكن النظر إلى المنجز المكتوب باللغة السريانية على على وفق رأي عالم االجتماع اللغوي جوشوا فيشمان فإن اإلثنية طويلة وخلفوا لنا اآلالف من الكتب والموسوعات. مثلما ال نجد القرن العشرين مثلما تفتقر إلى األسر العلمية فال يمكننا أنه منجز ضخم استوفى على إثره السريان شروط القومية تنتقل وتتحو ل إلى القومية في نهاية المطاف إذ يقول تصير مؤثرات ت ذكر في لغة كتابية من لغة شفاهية أخرى أي أن الشفاهي في هذه اللغات أن نتحدث عن العشرات من األسر العلمية منذ قرون طويلة وهو يشمل اآلالف من الكتب وبحسب المجموعة قومية عندما يكون لديها تصو ر لتاريخها الجماعي في لغة كتابية يؤثر على التدويني فيها لكن ال تأثير للشفاهي التي أنجبت مؤلفين ومبدعين مثلما عليه الحال في اللغة مؤلف كتاب تاريخ نصارى العراق فهناك ثالثة آالف وعندما يعي أفرادها هذا التصور ويتجاوبون معه وهو تصور والكتابي في لغة إثنية ضمن لغة قومية. العربية أنموذج ا والتي يصعب حصر األسر العلمية فيها في وخمسمئة )3500( كتاب وهو عدد كبير للغاية لو علمنا أن يفترض بالتأكيد وجود مجموعة أفراد متخصصة في إيجاد رموز الموروث الكتابي-التدويني يضم أعداد ا كبيرة من الك ت اب أصبحوا مجلد واحد بل إننا نجد في العربية أسر ا أخذت ألقابها من هذه الكتب-المخطوطات سبقت اإلسالم وتم ت المحافظة العدد - 16 مايو/ أيار
56 ملف عليها مما ي عد دليال على براءة العرب من حرق الكتب والمكتبات المزعومة. السريان الذين يختلفون عن المسلمين قومي ا وعقدي ا وعلى الرغم من قلة عددهم لكن المسلمين عرب ا وفرس ا وأتراك ا لم يمنعوهم من ممارسة التأليف وحفظ لغتهم وعقيدتهم وثقافتهم عموم ا فلم يحدث في تاريخنا ما ي ثبت أن عداء سافر ا ضد اللغات والثقافات األخرى مارسته الحكومات المتعاقبة منذ النصف األول من القرن السابع الميالدي وحتى بدايات القرن العشرين الميالدي مما سمح للحفاظ ليس على اللغة السريانية المهمة بل والحفاظ على لغات أخرى ألن الصراعات التي كانت تجري في منطقتنا صراعات سلطوية على الحكم بين المسلمين كمسلمين أو بين غيرهم من قوى كبرى. لم ي ث لم هذا الصراع التعايش التسامحي الذي أبقى نسبة المسيحيين واليهود عالية في بعض مدننا بل وعواصمنا حتى ماض ليس بالبعيد إذ كان اليهود حتى العشرينات وربما الثالثينات ي شكلون نحو ثالثين بالمئة من سكان بغداد والديانة الثانية فيها وأن المسيحيين حتى بداية النصف الثاني من القرن العشرين يشكلون نسب ا واضحة من سكان العديد من المدن بما في ذلك عواصم ثقافية أو سياسية أو اقتصادية وثمة بلدات كانوا فيها غالبية مطلقة حتى بدايات القرن العشرين. وبفضل هذا التعايش نمت اإلثنيات ولم تتعرض إلى المحو والذوبان في القوميات الكبيرة ومجازر القرن التاسع عشر وما تاله بحق المسيحيين كانت للغرباء اليد الخفية القاتلة فيها وباعتراف المسيحيين أنفسهم. عدم تطور بعض اإلثنيات إلى مرحلة القومية حتى اآلن سببه أن غالبيتهم العظمى لم يغادروا مناطقهم التاريخية والتي عادة ما تكون ذات وعورة أو ندرة وانغالق جغرافي ال يسمح باالحتكاك المغذ ي للتطور بما في ذلك اللغة التي عادة ما تكون فقيرة للغاية وال تتعد ى بضعة اآلالف من الكلمات وبقوا متشب ثين بعملهم الرئيس في الرعي والزراعة وكان انتقال بعضهم إلى المدن فرادى وهذا يقود إلى الذوبان السريع أي لم يحدث تمدد سريع لهم. م ن حدث لهم مثل هذا التمد د فهو ال يرقى إلى بدايات القرن العشرين وأسبابه الحرب العالمية األولى التي حدثت فيها وألول مرة في تاريخ اإلسالم والمسلمين عملية إبادة ضخمة ومخزية ذ ه ب ضحيتها مليون ونصف المليون أرمني ونصف مليون سرياني وعشرات اآلالف من المسيحيين العرب وهؤالء كانوا سكان المدن والقرى المجاورة للمدن مما تسب ب بتغيير التركيبة السكانية بشكل كبير وسافر وأد ى تدخل القوى الغربية الكبرى والتجاذبات التي حدثت منذ العشرينات وتنامي صناعة النفط خاصة أخذت مسألة الذات/ الهوية حيزا معرفيا كبيرا في نقاشات الفالسفة نتيجة االستئناس بسؤال ما هو اإلنسان الذي ما زال وفيا للمسار األفالطوني خاصة منذ أن أدخل أفالطون مفهوم اإلنسان إلى أفق التفكر الفلسفي والصناعة عامة أن استمر الصراع في االستحواذ على األرض وتكريس سردية التاريخ العريق والسكان األصليين حتى عند م ن لم يعرفوا الكتابة لما بعد الحرب العالمية األولى والتي هي أساس التمدن والحضارة. إن قراءة دقيقة لما كانت عليه تلك المدن والبلدات والقرى الكبيرة تكشف عن منجزها الكتابي الذي يخبرنا حقيقتها قبل الحرب العالمية األولى وكذلك البيوتات )ا أالس ر( التي شكلت هويتها التاريخية حتى مطلع القرن العشرين أو منتصفه. فمدن الهالل الخصيب عامة هي مدن كتابية وبيوتات علمية واجتماعية طبعت بمنجزها التدويني طابع مدننا. اإلثنيات وإن لم تصل إلى مرحلة القومية بعد أد ت دور ا كبير ا وواضح ا في رفد المنجز الكتابي والثقافي بل واالجتماعي عموم ا للقوميات ولو تتبعنا أصول الذين كتبوا باللغات اليونانية والالتينية والسريانية والعربية بع د ها اللغات األقدم التي أنجزت تراث ا عمره يزيد عن ألف سنة ثم تتبعنا المنجز الكتابي للغات الفارسية والتركية والفرنسية واإلنكليزية واألسبانية والبرتغالية والروسية فسوف تبهرنا مساهمة المبدعين في تلك اللغات وهم من أرومات ال تنتمي إليها. لقد أث رت اإلثنيات ثقافات القوميات وإن كان تأثيرها في القوميات الكبيرة )اللغات الكتابية العريقة والثرية بمنجزها الكتابي( تأثير ا بسيط ا للغاية مقارنة بتأثير القوميات الكبيرة فيها فهي إن أعارت بضع عشرة كلمة للغات القومية ففي المقابل استعارت اآلالف من المفردات من األخيرة مثلما استعارت كثير ا من أنساقها الثقافية وحواملها االجتماعية وخير ما نراه واضح ا تأثير الثقافة العربية لغة وتفكير ا وسلوك ا وفن ا ومطبخ ا وأزياء وعمارة في اللغات القومية واإلثنية جميعها على السواء لكننا لو فك كنا المؤثرات القومية على اإلثنيات ستبهرنا النسبة التي استعارت بها اإلثنيات من القوميات. إن األعراق واإلثنيات تملك مكتبة شفاهية ومتحف ا متنقال وصيدلية ال غنى للبشرية عنها فهي إن لم تعرف التدوين فإن أساطيرها وحكاياتها وفنونها وما توارثوه ي عد مكتبة حق ا ومالبسها وأدواتها الحياتية واالجتماعية وطرق معيشتها يجعلها متحف ا حي ا وأما التداوي باألعشاب فكثير منه خضع للدراسة المختبرية ليثبت فاعليته. اإلثنيات روافد تصب في نهر القوميات ولو منعنا هذه الروافد فمنسوب أنهار القوميات سيقل كثير ا قد ال نجافي الحقيقة حين نقول إن اإلثنيات ملح البشرية. شاعر وباحث من العراق مقيم حاليا في الخرطوم بهرام حاجو العدد - 16 مايو/ أيار
57 دعوة أصوات المثقف جاهال المثقف قاتال فيصل لعيبي تدعو الكتاب والمفكرين العرب إلى المشاركة في محاورها وملفاتها القادمة ال محمد الناصر المولهي من أين جاء كل هذا الدم على األرض لقد جاء من الكلمات الكلمة التي تسبق القتل والتدمير الكلمة التي تبيضها أفكار عمياء تعرج في عقل صاحبها وتستحوذ على أرضيته المسطحة حتى يصبح الموت إيمانا وقناعة. الكلمة أو الكلمات هذه نفسها سواء جاءت من فهم ما لكتاب سماوي أو أيديولوجيا سياسية أو حتى تلك التي تد عي بعدها التام عن العنف بينما تستعمل ما تيسر منه مبطنا هذه الكلمة هي القاتل. ألن الوعي سابق للواقع بل ألن هؤالء المثقفين هم األقدر على قراءة تتوقف فكرة الموت عند الجهاديين وأفكارهم المشوهة الواقع وتقديمه ك حبوب وعي جماعي للرأي المشترك. صناعة والالإنسانية بل تنسحب أيضا على من يصد ر فكره إلقصاء اآلخرين وحجبهم ذاك الذي لو ملك القدرة لمحا كل من يخالفونه الوعي التي كانت تقوم بها الدكتاتوريات واألنظمة تتم من خالل المثقفين عبر وسائل مختلفة بداية بالكتب ثم التلفزيون ونهاية وأسقطهم من الوجود. يبدأ القتل من إنكار اآلخر تغييبه حجبه شتمه وال بأس بالتنكيل باإلنترنت وغيرها من وسائل التواصل. به ولو معنويا. وهنا ينشأ الفعل وردة الفعل وهنا تولد دوامة الموت اليوم وأمام مشهد هزيمة أخرى لكنها أكثر دمارا وسرعة هذه المرة الموت الذي يتمكن بهذا التمشي من السيطرة على كل الضفاف واللعب هزيمة داخلية وخارجية يحاول المثقف العربي أن يسلط وعيه على بها كبهلوان قذر اليدين. ويمكننا أن نسم ي هؤالء المثقفين البدائيين تفاوته لفهم الواقع والفعل فيه -هذا الواقع الذي كان هو نفسه من بين ب المثقف الجاهل أو مثقف الموت بما أن الجهل والموت سواء صن اعه ولو عن غير قصد- وهذا قد يكون لغاية جمعية أو فردية نبيلة أو مصلحية ذاتية لكن هذا الواقع السريع المحترق سينتج بالضرورة لإلنسان. في جانب آخر لنا أن نتتب ع خطاب شريحة هامة من المثق فين العرب ردودا متسرعة مليئة باألدخنة والدماء. فصناعة الوحش ال تضمن لك لنجد دون عناء العنف عنف األلفاظ الذي يؤد ي إلى عنف األفكار أنه لن يتمرد. الناتجة عنه هذا العنف الذي مهما لبس من الهدوء والزينة والموضوعية إضافة إلى هذا كله وجد هذا المثقف نفسه حتى ذاك الذي يد عي والغايات النبيلة أو الذاتية وغيرها فإنه عنف في النهاية لكن نتساءل الحياد واالستقالل التام أمام فرضية واحدة هي االصطفاف في هنا من أين جاء هؤالء بالعنف ثم هل صد رت لهم مجتمعاتهم العنف طرف من األطراف سواء األطراف الداخلية التي انقسم إليها شعبه أو الخارجية القادمة من سياسات دول وكيانات أخرى وكل طائفة أم العكس هم من صدروا العنف إلى مجتمعاتهم لقد تعر ضت الشعوب العربية والمثقف العربي إلى هزائم متعد دة تكيل لألخرى بالقتل وصعدت على السطح خصومات قديمة جدا تتالت طيلة قرون من االنهيار مرورا بانتصاب الكيان الصهيوني ظنا من بعض هؤالء أن إصالح الواقع يتم بالعودة إلى قرون خلت والنكسة وحتى غزو العراق وصوال إلى تفتيت سوريا هذه الهزائم وفض نزاعات ماتت ولكنها تعود إلى الحياة في كل مرة كما صعدت تناقلتها األجيال وفي لحظة االنفجار الكبرى التي تلت الثورات خالفات حول جزئيات صغيرة أدت إلى ظهور دونكيشوتيين يرون العربية أخرجت ما كان آسنا راكدا في العمق. ودون أن ننشئ قطيعة في الفروقات الصغرى طواحين ال بد من محاربتها. أو تقسيما بين شعب/عوام ومثقفين إذ المثقف ابن محيطه بالضرورة. وقد يلتجئ المثقف في تلك الفوضى إلى االنسحاب واالكتفاء بإنتاج لن نبحث هنا في أسباب الهزيمة العربية يمكننا أن نت هم المثقفين كما أدب أو فكر بعيد عن واقع الدمار لكنه يفشل في ذلك ضرورة فعزلة يمكننا أن نجعلهم في دور الضحايا ضحايا االستبداد والعنف وفي المهزوم سواء في فكره أو نصه أو واقعه ستنتج أكثر الخطابات النهاية أي دور لفئة ال تملك غير أقالمها وأفكارها فئة ليست لها قدرة وحشية مغلفة بألفاظ كالزهور والحرية والحمائم لكنها ألفاظ ال غير على التغيير رغم أننا نعلم كلنا أن التغيير ال يتم دون أفكار سابقة أو تخب ئ تحت جلدتها أنياب الرصاص وصرخات القاتلين والمقتولين. قد يبدو هنا جلي ا اتهام المثقفين العرب بأنهم هم القتلة الحقيقيون موازية له ومن ينتج األفكار غير المثقف. هنا نرى أن المثقفين أو النخبة هي من تصنع وعي مجتمعاتها ليس فالقتل الحقيقي ليس لحظة إطالق النار بل لحظة حشو رأس شاب ذي هوي ة مهزومة بأفكار مملوءة توحشا لمقارعة توحش المال واألنظمة وغيره. إن أردنا أن نتمعن أيهما األسبق القتل أم فكرة القتل سنجد بالضرورة الفكرة أسبق من الفعل فنظرية االعتباطية اعتباطية األحداث ليست بالتماسك الذي يمك ن كف تها من الر جحان. لكن ما معنى فكرة القتل ربما يرى البعض فكرة القتل في التصريح المباشر بالقتل الجسدي لكن ال بد من التذكير هنا أن القتل ال يقف عند حدود الجسد بل يتجاوز ذلك قتل لألفكار للهويات للزمن وللعقل البشري.. الخ وربما كان فعل القتل األكثر خطورة هو ذاك المختبئ خلف كلمات منم قة إقصائية في جوهرها تد عي الحرية والديمقراطية في ظاهرها. إذن ال مناص من اإلقرار بأن القتل والدمار بدآ من أفعال ثقافية لذا ال بد من مقاومتهما هناك في مكمنهما ال بد من مثقفين حقيقيين في هذه المرحلة الحرجة لمقاومة الموت والدمار. في ناحية أخرى تكثر التعريفات للمثقف لكن ظهر نوع جديد من المثقفين المزيفين هم في خانة المثقف الجاهل هؤالء من كت اب وغيرهم يوز عون آراءهم األيديولوجية السياسية أو الفكرية أو حتى الفنية عن جهل يرتدي ثوب المعرفة يزي فون األفكار ويمي زون أنفسهم بالرفض الهادم معتبرين في ذلك أفعاال ثورية تثب ت بصماتهم ويمتلك هؤالء رؤية منغلقة مرتبكة هادمة ليس هدما للبناء بل هدما لغاية الهدم وقد منحت وسائل االتصال الحديثة قنوات لهؤالء للتواصل وإبالغ أفكارهم ومنتجاتهم الفكرية والفني ة المزي فة يتكتل أغلبهم في مجموعات أشبه بالعصابات والش لل هؤالء ربما كانوا أشد فتكا نظرا إلى أنهم يلغون دور المثقف الحقيقي ويشو هونه حتى يغدو منعزال ال يصدقه أحد وال ي سمع منه. وهنا تتمكن الفوضى التي يخلقها المثقفون الجاهلون لتتآكل المجتمعات العربية من داخلها في شكل تدمير ذاتي. أي أن إنتاج للقتل آت من ثقافة ما لذا ال بد للمثقفين األحرار والصادقين أن يتصد وا لهذه النتائج المميتة. ثم إن الفكرة والكلمة أخطر من الرصاصة وسواء أكانوا من مثقفي السلطة السياسية أم الدينية أم مثقفي العمى األيديولوجي السياسي الضيق أم من المثقفين الجهلة فهؤالء هم القتلة الحقيقيون وهؤالء من يجب التصد ي لهم. شاعرمنتونس الكتابة المسرحية نصوص مسرحية عربية تيارات التفكير العربي ظهورا ومدا وجزرا حال الكتاب العربي كيف تنشر الكتب في العالقة بين الكاتب والناشر والقارئ االستبداد الشرقي دور الحاكم المستبد في صناعة االستبداد الديني الشعر والتجريب هل وصل التجريب الشعري العربي إلى حائط مسدود الكتابة النسائية العربية هل تكتب النساء العربيات بلغة الرجل أم أن اللغة بال جنس الصحافة الثقافية العربية أحوالها توجهاتها عالقتها بالكتاب والقراء فكر حر وإبداع جديد العدد - 16 مايو/ أيار
58 شعر I مد خطوطا في الهواء أسقط ساللم السكينة على األرض قالت عنه امرأة بالمدينة هذا ولد خطفته جنيات النيل وسقته بغايا المعبد خمرتهن المعت قة ترف قوا به إن قابلكم يلو ح بيده في الهواء أو نائما على عتبات بحر االسكندرية ال تشو شوا عليه أغنياته وفوق هذا وذاك ال تلتقطوا ما يتساقط من أعداد سكرانة تحت قدميه األعداد قلوب تحلم بالماء الكون في خزانته ألواح داكنة على كل ركن منها درجة وعدد قيل استراح فيثاغورس في سريره مسرورا مرتديا قميصه الشف اف! النيل ما زال ينتظر الولد الساهم الهيمان. II ما ال يغط يه ثوب كامل عار ما ال ي شير إليه عدد كامل أصم أمثلة: تفاحتان ثالثة رجال خمس دجاجات ست فراشات ذهبية سبعة شجرات توت إقليدس مغرم بقميصه الشف اف عاشور الطويبي ثمانية ألوية غازية وعشر قصائد مختومة بشفاه اإلله. III حفاظا على ديمومة الكون وعلى توازن الطائر الطن ان الذي أفشى السر أيدي حر اس األعداد الصم اء رمت الولد من أعلى الجرف هناك سيبقى هناك وما هنا سيبقى هنا! IV االستقامة مسافة وبعد االستقامة تبدأ بنقطة خارج االستقامة المستقيم ال يعر ف الحقيقة منحنية الواقع مقو س والفلسفة تلهث عطشانة للفودكا م ن يجد الباب يجد البيت لكن ك لن تجد الباب ولن تجد البيت V ألكثر من ألفي عام الجميع رأوهم أزواجا أزواجا VI الغابة قالت مر بي فرد كامل أو لعل ه لم يمر VII في الفراغ تخونك األعداد الغفيرة VIII التكرار طريق مسدود التكرار كدنان النبيذ ساكن يتعت ق النقطة فارغة الخط طول فارغ الحد جانب لشيء الحد ال ي عر ى الشكل بيت الحدود دائرة الطائر شجرة وب عد IX السن في فم القنفذ السن في فم األسد السن على ظهر الضبع المي ت السن في مقالة الطاهية الماهرة فرضي ة إلى الكأس أخذت النار الحامية الرمل إلى العنب أخذت الشمس واألمالح اإللتفاتة الخجلى إلى الس ك ر أخذت البهجة الشاعر والمغنية الراقص فرضي ة وبيننا هواء وشج ر وح روب وبيننا جبال وأنهار وس حب وبيننا قالع وأعالم ومقابر وبيننا أسر ة تصطك أرجل ها وأسواق وأغاني وبيننا كالم فصيح وكالم معجم ونوم ويقظة فرضي ة الوقوف على رأس التل معرفة بالغيوم الوقوف على رأس النهر معرفة بالصمت الوقوف على رأس البحر مكان خاص للصد يقين فرضي ة يدور الكالم على نفسه كثور الطاحونة يتساقط الشعير في الكيس كتساقط صوت الماء في أذن الثور فرضي ة قرص الشمس أبيض مرتعشا ساخنا يراه العر اف من نافذته الضيقة فرضي ة النقصان ككيس رمل مثقوب تخدعك قل ته وتخدعك كثرته لك أن تتمس ك بخديعتك أو بنقصان ال تعلم ق لته كم من نقصان حولك وال تراه فرضي ة إن كو رت يديك حصلت على ثقبين ك رتين مطرقتين ج ملين أو تابوتا لكالم مي ت فرضي ة يمين ك يأخذ من شمالك شمال ك يأخذ من يمينك أبدا يخت ل الحقل صاحب المك س وم حص ل الضرائب فرضي ة صاحب التوت ي قس م يوم ه في النهار توت أبيض وفي الليل توت أسود ال يحلم إال بخمرة التوت عارية مفتوحة الفخذين فرضي ة القفز من المنحدر الضي ق يخلو من متعة السكينة من دهاء الثعلب * إقليدس يوناني ولد عام 300 قبل الميالد وعاش في االسكندرية مصر. عالم رياضيات كبير يعتبر أبو الهندسة واألعداد. شاعر ومترجم ليبي مقيم في النرويج العدد - 16 مايو/ أيار
59 مقال الكتابة الجديدة وفكرة االنتهاك عم ار المأمون نور بهجت إثر اندالع الثورة في سوريا عام 2011 وإلى جانب الحراك الثوري على األرض وما رافقه من تغي رات هزائم وانتصارات ظهرت ظواهر ومحددات جديدة على مستوى الكتابة في سوريا تتمايز عم ا هو سابق وبل وهذا التمايز نفسه خضع لالختالف والتصنيف إثر االنقسامات التي شهدتها سوريا داخل وخارج نظام/ثورة ثورة/ال ثورة فكان االنتماء يلعب دورا في تحديد شرعية النص أكبر من ذلك المرتبط بقوامه األدبي لكن هذا ال ينفي بعض الخصائص الجديدة التي ارتبطت بالمنتج السوري المكتوب والمرتبط بالمنص ة التي ينشر عبرها أو الوسيط كتاب موقع تواصل اجتماعي مدونة صحف إلى جانب الخصائص المرتبطة بالكاتب ووضعيته كذلك دخلت صناعة النشر كمؤسسات ود ور في تكوين هذا النص كل هذا يضاف إلى الخصائص البنيوي ة المرتبطة به كعمل فني كما ظهرت االدعاءات والت وصيفات التي ينتحلها الشخص لنفسه حاله حال أي مؤمن أو نبي ادعاء الفرد بأنه شاعر أو كاتب كاد عاء شخص بأنه مؤمن يمتلك الحقيقة والحساسية الحقيقية تجاه العالم. االدعاءات أصبحت تكسب النص هذه األدبي الشرعية األدبية أو تنزعها منه وفيما يلي بعض الخصائص المرتبطة بالكتابة أو الالكتابة السوري ة والتي من المفترض أنها حديثة الوالدة حوالي خمس سنوات. شرعية الضحية النصوص السورية الجديدة على اختالف منص ات نشرها نراها تنتصر للضحية الو سم ووضعية المهزوم نراها حاضرة في النص بوصفها ضد المنتصر أو بصورة أدق ضد القوي المتمثل بالنظام كموتيف يتغي ر ويأخذ أشكاال متعددة بوجه هذه الضحية التي أحيانا تغرق في الرومانسية لترى أن العالم تكالب ضدها وضد أهوائها التي هي أيضا رومانسية فالضحي ة السورية )ضمن النص( بداية تتماهى مع الوسيط MÉDIATEUR -/الثورة لتحقيق أهدافها ثم ترى فيه الحقا االكتمال لتتقمص)ه( الوسيط- بعدها بوصفه النموذج ويغدو الهدف خفيا. الضحية التي كانت في الهامش انفلتت من سيطرة المهيمن صاحب الحقيقة الكلي ة وأصبحت تروي حكاياتها هزائمها تعاقب الموت والخسارات التي تعر ضت لها لكن ها لم تقدم سردي تها بعد وضعية الضحية بل تقم صت هذه الوضعية واألهم أن هذه الضحية تمتلك الشرعية بالحضور ال أصوات لمنتصرين ال أصوات قادرة على تجاوز مركزية الضحية بوصفها وضعية يختارها الراوي أو الشخوص أو حتى األماكن من هم ليسوا ضحايا هم بحكم المنطق األرسطي منتصرون والكتابة عن الالضحية تعني نسيانها -الضحية- لتسود صيغة التعاطف حين محاولة تجاوز هذه الوضعية بوصف التعاطف ال مساواة ونوع من التنازل بل وترسيخ لمفهوم الضحية لتغدو األخيرة دور رقيبا من نوع ما كيف تكتب وهناك من يموت.. هي العبارة األشهر التي تدل على هذه الرقابة لتنشأ تهم التخوين واالنسالخ عن هناك عن سوريا الثورة سوريا الموت اليومي. وضعية الضحية أنتجت نصوصا ال ترقى ألن تكون فنية أو أدبية لكنها تتداول بدافع التعاطف ال اللذة والحساسية األدبية وذلك بحكم سيرة كاتبها ال بحكم قيمتها وهذا نابع من التعاطف واقتسام المأساة ال من الموقف الجمالي من النص. القدسية الثورية هذا الجانب مرتبط باألول مرتبط الثورة بوصفها آلية شرعنة مقدسة والتي تأتي أيضا بمنطق يشابه منطق اإليمان الديني النزعة نحو االنعتاق تدان بوصفها غير ثورية محاولة تجاوز ثنائية الصراع ي تهم صاحبها بالخيانة النص األدبي أاصبح شبه ملزم بتكوينات ومعان محددة كي يكتسب شعريته األدبية بغض النظر عن قيمته بل بالتركيز على انتمائه ما حوله أحيانا إلى )كيتش( ناتج عن طغيان مؤسساتي وأيديولوجي. الكتابة والمقصود الكتابة المحترفة تقنيات وبناء فكري ماذا لو كانت ضد الفعل الثوري وأقول ثوري ال بقصدي مع مفهوم النظام -وإن كان ذلك ممكنا - بل ببساطة ال ثوري ماذا لو كان النص مكتوبا من قبل مؤيد حسب التعبير المتداول هل يفقد نصي ته و جماليته الجواب بحكم المنطق ال لكن النزعة نحو تقييم ما هو غير ثوري على أساس سياسي تهيمن أكثر من التقييم على أساس فني وأدبي لتكون الثورة فعال مقد سا أو مفهوما على رومانسيته عصي ا على االنتهاك أو االنتقاد فنيا بوصف الثورة المرجع الذي يمنح الشرعية للنص. المقد س الثوري كر س أسماء وأعطى اعترافات لمن ال يستحقونها فنيا وحسب منطق بيير بورديو تحو لت الثورة إلى مؤسسة بل إلى قطاع متكامل ذي رأس مال رمزي ومادي. اليومي والال انتماء اليومي أصبح طاغيا في الكتابة السورية الرتباطه بالذاكرة التي تتداعى الفقدان والمنافي جعلت التفاصيل اليومية مركزية انهيار العالم والمفاهيم من حول الفرد جعل التفاصيل اليومية هي ساحة القتال بوصفها مهد دة بالغياب لتنشأ أقاويل كال بوكوفسكيون السوريين نسبة للشاعر األميركي تشارلز بوكوفسكي أو مقاربات لجامعة البيت في أميركا أفراد يصنفون أنفسهم كصعاليك وسفلة يكتبون يومياتهم أو تفاصيل حيواتهم اليومية في المنافي أو الداخل. هذه الظاهرة مرتبطة بالشلل عدم القدرة على التغيير إلى جانب الالستقرار جعلت اليومي هو الطاغي بوصه المتوافر هو ليس خيارا في كثير من األحيان بل هو الواقع الالتعيين المكاني والنفسي الطاغي على حيوات البعض جعل النص يتمسك بآنيته ليكون الخط الفاصل بين ما هو أدبي/ شعري وما هو مبتذل دقيقا وأحيانا يصعب التمييز بين االثنين بسبب الكم الهائل من جهة ذلك بسبب تقنية االنتشار نفسها التي جعلت منصات التواصل االجتماعي )أحيانا الصحف( مرتعا لهذه النصوص لتكون الكلمة الطاغية بوصفها سمة للتقييم السلبي هذا بوست فيسبوك وليس شعرا بالتالي الوسيط الرقمي فرض تقنية في التقييم أو موقفا جماليا نتيجة آلية وسيلة التواصل في تسجيل اليومي بوصف سؤال الفيسبوك األكثر شهرة هو بماذا تفكر اآلن... كذلك األمر مرتبط بدعاوى الالانتماء والرغبة لدى الكثيرين ألسباب عديدة منها السياسي ومنها الفكري بتجاوز ثنائية ثورة/نظام والكتابة لمجر د الكتابة دون االنخراط أو الميل نحو أي خطاب سياسي يصن ف النص تحته أي الرغبة بالالتصنيف ألن هذا سيؤدي حتما إلى التحول من التقييم األدبي الصرف إلى ذلك السياسي والعقائدي. ضد التخييل الخيال لم يعد العامل الحاسم في الكتابة أو التخييل fictionalization- وعوالمه الروائية لتكون المرجعية الواقعية هي الطاغية بوصف التخييل أو االبتعاد عن المرجعية السوري ة يمكن أن يتحول إلى تهمة بحيث يحكم الواقع-الصراع على الكتابة بأن تكون ذات مرجعية واحدة أم ا العدد - 16 مايو/ أيار
60 مقال إنتاج عوالم مغايرة فقد يعني تجاهل الموت بل والتخوين أحيانا لكن هذا ال ينفي وجود تقنيات التخييل في بعض النصوص السورية رواية أو قصة قصيرة لكن إعادة إنتاج عوالم متمايزة عن اآلن/هنا وخصوصا من قبل الكت اب المنخرطين في الصراع أصبح شبه مستحيل عدا بعض االستثناءات. ماذا لو أن كاتبا سوريا قر ر أن يكتب رواية خيال علمي وكانت على قيمة فني ة عالية هل ست نشر.. هل ست قرأ.. هي سيتهم صاحبها بأنه ال وطني وبأنه يتجاهل دم األطفال شعرية الحكاية هذه الخاصية مرتبطة بتقنيات السرد والتي ال تنتشر بكثرة فالتقنية لم تعد األساس في بناء الرواية بل ما يهم اآلن هو الحكاية التخييل وصناعة الرواية طغت عليها الحكاية بكل رومانسياتها بوصف أن الواقع مليء بالحكايات الصغيرة لنرى أكواما من الحكايات التي ال ت نفى أهميتها لكن ها ال ت سرد عبر تقنية متمي زة المرتبطة بصنعة الرواية أو القصة والتي من شأنها -التقنية- أن تطو ر وتشكل تراكم التجربة وتمايزها ال الحكايات التي تحويها وهي التي تصنع الفرق بين الروائي وبين الالروائي بوصف األول محترفا فنيا والثاني يعتمد على متعة الحكي المرتبطة باللغة وشعري تها والحكاية ولذ تها ال الرواية كبنية متكاملة فتداخل األشكال األدبي ة أاقد ر أنه في أغلب األحيان ال ينبع من المعرفة بها و االحتراف في تكوين تقنيات جديدة بل من االستسهال والعمل على المتوافر وليد البرهة ال البحث العميق في بنية كل نوع أدبي. تهمة الجغرافيا الجغرافيا وثنائية داخل/خارج أصبحت حقيقة نقدية عوضا عن وضعية إنسانية من يكتب في الداخل هو حكما إما خائف أو موال ومن يكتب من الخارج هو حكما ال يشعر بما يحدث في الداخل فالداخل يد عي شعرية البقاء والنجاة ضحية والخارج أيضا يد عي شرعية النجاة أيضا ضحية بعيدا عن التهم المتبادلة التي أصبحت وسيلة للسخرية أو التقييم ال ي نكر أن الخارج يحوي حرية ال متناهية في التعبير لغياب الخوف من األذى الجسدي لكن هذا ال يعني أن الداخل عقيم ال يتمايز عن خطاب السلطة والمقصود أفراد ال مؤسسات واألمر ينطبق على الخارج ال يعني أن الكتابة من الخارج تعني اإلبداع أو تجاوز حضور الطاغية إلنتاج الروائع بل تسي س الكتابة في الخارج والداخل جعل مفهوم النص يخضع لعوامل غير فني ة ليكون مكان توليد النص الجغرافي هو ما يتحك م بجماليته ال المنتج النهائي بعيدا عن فعل الممارسة اآلني للكتابة المرتبطة بالتواجد الجسدي. المؤسسة والترويج هذا العامل األهم في الكتابة في سوريا بوصفها محكومة بالنهاية بمؤسسات )ال أتحد ث عن المدو نات والمحاوالت الفردية التي تنتهي أغلبها باالحتضان المؤسساتي( فالتبن ي وخصوصية السوري اآلن حو لته إثر الخصائص السابقة ثوري-ضحية-ناج إلى وسيلة للترويج سلعة إنسانية يتم تبادلها ال لمضمونها بل لشكلها ينسحب األمر الضحية التي كانت في الهامش انفلتت من سيطرة المهيمن صاحب الحقيقة الكلي ة وأصبحت تروي حكاياتها هزائمها تعاقب الموت والخسارات التي تعر ضت لها لكن ها لم تقدم سردي تها بعد وضعية الضحية على النص والصفات التي اكتسبها البعض كاتب-مفكر-شاعر دون أن يحاكموا نقديا وهذا ما جعل الهدف من الكتابة أحيانا هو استجرار الشفقة وذلك في سبيل التور ط ضمن القطاع ثورة -نظام في سبيل الربح لسنا بصدد التقييم األخالقي لكن القيمة الفنية أضحت تبادلية وت كتسب عبر شروط بيروقراطية ال عبر شروط فنية فالمعيار سياسي وليس أدبيا. غياب االنتهاك ال تشكيك فيما حدث في الكتابة السورية الparody والغروتيسك ال تحضر بوصفها تحمل أبعادا سياسية إعادة إنتاج البنى السابقة ومحاكاتها للتشكيك بأحقي ة الضحية أو أحقي ة المنتصر نادرة وتقتصر على المحاوالت الفردية وهذا ما سيشك ل الحقا مشكلة ثقافة مرتبطة بالهوية نحن أمام جسدين للذاكرة السورية ذوي مرجعية فنية أدبية )بعيدا عن اإلعالم الذي أيضا يشارك في بناء هذه الذاكرة( األول يمثله النظام وخطابه والثاني تمثله الثورة وخطابها األول يشكك به دوما لكن الثاني مقد س لكن هذا ال ينفي أن االثنين سيكونان الصورة المستقبلية عن سوريا للسورين الذين لم يعيشوا في سوريا فاألجيال المولودة في المنافي والمخيمات وكال هذين الجسدين قائمان إما على السرد أو التخييل أو الكذب أو الوثائق التي أيضا ال بد من التشكيك بها حتى لو كان مصدرها خطاب الثورة. محاوالت التشكيك بخطاب الثورة غائبة ألن التدوين بحد ذاته هو تأريخ والتشكيك به أو محاكاته بصورة ساخرة يعني التشكيك بتاريخاني ته وهذا ما ال نراه إال عبر جهود بسيطة وفردية )مقاالت وتدوينات( ال بجهود مؤسساتية كجهود التكريس المت بعة من الطرفين. الحقا الهويات السوري ة ستصنع على أساس متخي ل سردي مقد س ال يخضع للمحاكمة مرجعيته جسد الذاكرة الذي يكو ن اآلن عبر النصوص والصور. كاتب من سوريا مقيم في باريس خالد عقيل العدد - 16 مايو/ أيار
61 فنون صورة المرأة بعدسة الفوتوغرافية ليلى العلوي إكرام عبدي لقد شهد مزاولة التصوير الفوتوغرافي في المغرب قفزة نوعية وتصاعدا ملموسا في السنين األخيرة والذي ساعد على انتشار هذه الهواية وخصوصا بين الشباب هو الكاميرات الرقمية التي سمحت بممارستها بشكل كبير والتصوير هو أساسا ثقافة وفن وجمال وأناقة وامتهان رائع لموهبة ترقى لطبقة المثقفين في المجتمع. لكن هذه الثورة الفوتوغرافية التي برزت مع بزوغ تقنيات سهلة المراس غير كافية في ظل غياب تاريخ واضح المعالم وانعدام الثقافة الفنية والبصرية ومؤسسات فنية مستقلة تدعم الفنانين وبالتالي يمكنها أن تكون جزءا من الخطاب االجتماعي. كامل األسف تظل الصورة المهنية مع هي المهيمنة في المغرب وال نجد إذا جمعت بين تكوين غربي منفتح وعمق وغوص في األصول وحب للتراث وعين سواها بأغلب المعارض ما يجعل التباين فنية القطة للتفاصيل والخفي. حالة نادرة بين األعمال المختلفة أما جوهر فليلى العلوي ذات األصول المغربية الفرنسية وجماليات الواقعية. الغادر تندرج الصورة الفوتوغرافية ضمن جسد المرأة أداة ومساحة للتحرير وللخلق أحسن صورة. االختالف بين ما هو فني وما هو مهني فشاسع جدا فالصورة الصحافية تتسم والتي اختطفتها أيادي الغدر اإلرهابية اآلثمة درست السينما واألنتروبولوجيا ويتميز أسلوبها التصويري المتأثر بتعبيرية ترتكز على النظرات واالبتسامات والمشاهد إطار الفن التعبيري المستقل لكونها تتناول الرؤية الواقعية من زوايا متباينة فهي مرآة وتأكيد شخصيتها وحضورها كما وظفت األزياء والحلي ألغراض عرقية اجتماعية من بين أبرز الصور الفوتوغرافية لليلى العلوي في معرضها مغاربة لوحة شفشاون شمال بطابعها التوثيقي المهني الجاهز أما الصورة الفنية فهي تعبير عن نظرة متفردة وعميقة وأفكار وأحالم وهواجس وأحاسيس في نيويورك عملت في مجال التصوير الفوتوغرافي قبل أن تعود إلى المغرب في العام 2008 إلنتاج عملها pasara No هادفة اليومية والسعي إلى االنفتاح على البعد اإلنساني حيث اللقاء مع اآلخرين والذهاب إليهم وتبادل المشاعر معهم والتحول إلى تعكس محيطها بكل أمانة كما تستخدم الصورة كلغة صامتة للحكي والسرد والمحاكاة. لقد أصبح التصوير الفوتوغرافي ثقافية إلبراز هويتها من خالل ممارستها الفنية وسعت من خالل تلك التجربة إلى بناء هو يتها البصرية وعبرها هوية انتمائه المغرب والتي تظهر فيها امرأة مرتدية الزي التقليدي لشمال المغرب وفي نفس الوقت تظهر اللوحة الجانب القوي والثائر في المرأة وتطلعات ورؤى خاصة بالفنان. من خالله إلى تسليط الضوء على المهاجرين شاهد على فترة زمنية من حياتهم. سمة مستحوذة على جزء ال يستهان به في بأسلوبها في التصوير المتسم بالبساطة رغم بساطتها. وتعد ليلى العلوي التي أطفأت رصاصة المغاربة إلى أوروبا في ظل تشد د دول القار ة وترحالها الدائم بين األمكنة نم ى الفضول الفن المعاصر خصوص ا عندما تكون األعمال واألصالة والخصوصية التي تكاد تختفي في لم تتقوقع ليلى العلوي أبدا في خندق ما إرهاب طائشة فالش كاميرتها ببوركينا العجوز في سياسات مكافحة الهجرة. بعد الذي كبر في داخلها للتعرف إلى اآلخر المطروحة قد التقطت بطابع يحمل سمة عصر العولمة مركزة على نساء من مختلف هو جندري كغيرها من الفنانات والمصورات فاسو وهي في مهمة رسمية لمنظمة أممية ذلك قد مت ع لوي عمال حفريا حمل عنوان واكتشاف عوالمه عبر السفر واختراق حدود التجد د والخروج عن النمط السائد وعلى طبقات المجتمع ومن زوايا منظورية عدة ولم تغوها أبد ا قضايا الحميمية التي صارت من المصورات الفوتوغرافيات المغربيات المغاربة ) Morrocans )The سعت إلى إظهار الجغرافيا والثقافات من دون أحكام مسبقة قدر كبير من الثقافة واإللمام بكل نواحي وبما يالمس دواخل الشخصيات وتبد ل تهيمن على الفن المعاصر كانت وجهتها التي لها أسلوبها وخطها الفني المتفرد فقد التنو ع اإلثني والثقافي المغربي في مختلف تعمي البصيرة. السفر من أجل االكتشاف كما المجتمع اإلنساني كما هو الحال عند ليلى عالمها النفسي والمشاعري نساء من ثقافات إنسانية لذلك اهتمت دوم ا بالقضايا الراهنة استعانت بثقافتها الغربي ة وأصولها الد اخلي ة مناطق المغرب ماضية على هدي المصو ر تعيشه ليلى بنظرة بروست الكاتب الفرنسي العلوي. مختلفة. مع اإلشارة إلى أنهن لسن ضحايا بل والحارقة كالحروب والتهجير والهجرة للبلد األصل لتؤكد أن النساء العربيات لس ن الفوتوغرافي األميركي روبرت فرانك في المعروف في القرن 19»ليس بحثا عن من هنا حاولت ليلي تجاوز زاوية النظر إظهارهن في كامل جمالهن رغم ما يتعرضن سواء من أفريقيا باتجاه أوروبا سعي ا وراء سجينات الحياة الخاصة وأن التصوير ألبومه األميركيون سنة 1958 ومواطنه المشاهد الجديدة بل هو امتالك عيون التقليدية في التصوير وتجاوز الصورة له من حيف مجتمعي. فال تعتبرهن ضحايا أحالم وأوهام الرخاء أو قسر ا من سوريا الفوتوغرافي ليس حكرا على الرجال وأن ريتشارد أفيدون الذي اشتهر ببورتريهاته جديدة«. النمطية للمرأة وسعت لتبديل بعض وإنما نساء يحببن الحياة جميالت مكافحات والعراق هرب ا من الحرب الطاحنة هناك. المرأة يمكن أن تبدع في هذا المجال خاصة باألبيض واألسود والمزاوجة بين التوثيقية في معرضها األخير مغاربة قبل رحيلها التصورات المسبقة في العالم العربي فأصبح مناضالت يقهرن كل الظروف ليكن في في معرضها المغاربة كانت الراحلة العدد - 16 مايو/ أيار
62 متيق نة أن جمال المرأة المغربية وقوتها في خصوصيتها وتشبثها بتراثها بشكل يضع قطيعة مع ما هو استشراقي وغرائبي ومما يخدم البعد المابعد كولونياني فالمرأة في صور ليلى العلوي ت ق د م باعتزاز وأنفة وعنفوان في غوص جمالي في تراثها وقصصها وتعد دي ة االنتماءات فيها حيث ت ق د م علوي تراثها عن طريق بورتريهات لنساء بشكل يعكس الغنى الثقافي والهوياتي. فمعرضها كان شكال من أشكال الحوار الذي يسمح بإدماج الخصوصيات في البعد الكوني وتحقيق التالقح بين الهويات من أجل تشييد الهوية المركبة ويقتضي مبدأ المثاقفة أن نفتح اآلنية على الغيرية وأن يكون األنا وجها لوجه مع اآلخر وأن يتعايشا على الرغم من التنافر بينهما ألن التمايز عن اآلخر يقتضي منحه االعتراف بكرامته وخصوصيته الثقافية والقبول به كآخر والتواصل معه انطالقا من القيم اإلنسانية المشتركة. في معرض ناطرين لليلى العلوي يعني منتظرين الذي نظم ببيروت التقطت ليلى العلوي صورا من رحم أوجاع الال جئين السوري ين وعذاباتهم اليومي ة بعيدا عن كل نمطية وعنصرية وفي ظل األخبار عن حاالت االغتصاب والتحر ش بالال جئات السوريات التي ازدادت بشكل الفت في اآلونة األخيرة. في معرض ناطرين كانت ليلى ع لوي بصدد تقديم عمل جريء لموضوع حساس سواء تعلق األمر بالغوص في حميمية األشخاص أو بوضعهم السياسي واألمني المزري فكل صورة من معرض ناطرين تروي قص ة ال بل قصص ا موجعة عن شعب ذاق األمر ين في وطنه األم وفي المالجئ سي شاهد زائر المعرض وجوه ا شاحبة لرجال وأطفال ونساء خائفات وتائهات دون شك على حدود االنتظار يلملمن بقايا كرامتهن ووجعهن في كل آن يترقبن الخالص صحبة أطفال لم يعرفوا معنى الطفولة أو مذاق الدالل في كنف عائلة. أطفالهن مصدر سعادة األمهات السوريات ومن يمنحهن القدرة على التحمل والمضي قدما ببراءت هم وضحكات هم وطيبت هم وضجيج الحياة والحزن في جفونهم. لقد تمكنت ليلى العلوي من تصوير المرأة بشكل باذخ عميق غير فولكلوري وال غرائبي وأظن أن المرأة المغربية أو العربية وهي تنتصب واقفة بزيها التقليدي اللتقاط الصورة لم تشعر أنها أمام أجنبية أو مصورة تتلصص على حميميتها وتستغل ثقافتها ومالبسها وصروحها المعمارية وتقدم عالما غرائبيا فانتازيا آلخر وال أنها أمام كاميرا قد تسلب روحها حسب الوعي الجماعي الذي ما زال يعتقد أن الكاميرا تسلب أرواحهم بل أمام فنانة مرهفة بأصول وعمق مغربيين وتقنيات ودراسة أجنبية وأفق كوني وإنسانوي رحب. شاعرةوكاتبةمغربية العدد - 16 مايو/ أيار
63 قص باحثين عن السي ارة المسروقة وفي جيوبهم رقمها. سيارة جدي الملقب بشريف روما وقد جرت كتابته في بعض األحيان بطريقة خاطئة وفي أحيان أخرى يصادف أن يكون حامل الورقة ال يعرف القراءة والكتابة وفي ساعة الحاجة وعند االشتباه بسي ارة يكلف من كان قريبا منه من الصبيان والرجال بقراءة الرقم ومقارنته بالرقم الذي يحمله ولم فيصل عبدالحسن يكن دور هؤالء العشرة في حقيقة األمر سوى تبليغ األخبار لمئات غيرهم من عائالت العشيرة المنتشرين في طول البالد وعرضها. ويكتفي هؤالء بتوجيه عمليات البحث التي يقوم بها أفراد العشيرة في المدينة التي يحل ون بها ضيوفا على رئيس فخذ العشيرة هناك. قال أبو دحية القاص لتالميذه ذات يوم: كان اسم الذئب الذي أاكل بالناس ويريه أنه من قوم يبحثون عم ن غدر بهم أربعين عاما دون وبعد يومين من سفرهم بدأت النتائج تظهر أمام دار جدي الكبيرة يوسف همالج فقال له أحدهم: ولكن الذئب لم يأكل يوسف يا موالنا أن يمسهم جناح النصب واإلحباط واليأس. على شكل سيارات كبيرة مخطوفة على شاكلة سي ارته المفقودة بل ألقى به إخوته في البئر! فقال أبو دحية: إذن ف همالج هو اسم وإنه من قوم ما استكانوا لمغتصب وما هجعت رؤوسهم على وسائد وداخل كل سي ارة ثالثة من رجال عشيرتنا الملث مين باليشماغ أو الذئب الذي لم يأكل يوسف!!. وما ضمتهم أفرشة في أحضان نسائهم مادام مغتصب حقوقهم يسير أكثر وقد وضعوا فوهات مسدساتهم باتجاه رأس السائق المسكين. في الطرقات طليق اليد واللسان خالي البال. وأقسم بأن لن يجمعه فراش الراحة والهناء مع امرأة حالال أو حراما ويلمه معها موطن ويهنأ له رزق حالل أو حرام مادام من كسر قلبه وقلب أبيه حرا طليقا. هذا الذي أضاع مستقبل أسرة ليست أسرة واحدة من أتعبها بل يارس أبو الحرم طالبين منه التوجه إلى دارنا لمعرفة إن كان هو السائق الذي سرقنا وجعل عشيرتنا أضحوكة أمام العشائر األخرى. وتهرع عائلتنا صغيرها وكبيرها لتفح ص رقم السيارة ووجه السائق والمسكين يتوسل إلى خاطفيه بأنه لم يفعل شيئا مشينا طوال حياته. وحالما تنتهي عمليات التدقيق برقم السيارة وصاحبها إلى )1( ماذا يفعل اإلنسان حين يعرف أنه كان مغف ال هل يضحك أيبكي أيتغافل عم ا أصابه أيمضي أيامه في لوم نفسه حتى يموت كمدا ألنه لم يكن واعيا بما فيه الكفاية ولوال ذلك ما صار مغفال هكذا. العديد من االسئلة رد دها أبي على نفسه وعلى اآلخرين أهان فخذا كامال من عشيرة بل عشيرة بكامل أفخاذها وبطونها من نتيجة ال ترضينا يطلقون سراح صاحب السيارة مع تعويض مالي لي خف ف على نفسه ما أصابه من ح ي ف. شيخها إلى عبدها ومواليها من األغراب والباحثين عن حماية. يدفعه جد ي إلى صاحب السيارة لقاء ما سببه له الخطف من خسائر لم يستطع أن ينظر بعيني جد ي وال بعيون إخوته ولم يختل بزوجته في ذلك اليوم األسود الذي رجع فيه إلى الدار وقرر أن يعود من ودابة المرء حين تسرق كأنما سرق شرف المرء واستبيح عرضه وما السيارة إال دابة هذا العصر ووسيلته في التنقل وناقته التي ال مثيل وقطع أرزاق. ولكن في أغلب االحوال تأبى كرامة السائق أن يأخذ تعويضا ماديا جديد إلى بغداد بعد أن أبلغ إخوته وأباه بتلك الفجيعة. لها بين األصائل.. عم ا أصابه من ضرب بأعقاب المسدسات والشتائم والمهانة واتهام وأخبرهم أيضا أنه لن يعود إليهم حتى يقع على من سرق سي ارة ذهب جد ي إلى إخوته لتعريفهم بما جرى لسيارته التي س رقت من باطل بالسرقة فيرفعون رؤوسهم إلى السماء طالبين من اهلل االنتقام جدي ويعود بها وسكتوا جميعا ولم يثنه أحد عن عزمه مخافة أن ولده في بغداد وذهبوا بعد ذلك جميعا إلى شيخ العشيرة. لهم من عشيرتنا وشيخها ومواليها وبطونها. تقتله العبرة والحسرة بين أربعة جدران إذا بقي في البيت يلوم كانت عينا الشيخ مصابتين بالر مد لكن ذلك لم يمنعه من إرسال وبعد شهر من ذلك العمل الدؤوب بلغ عدد السي ارات المختطفة أكثر نفسه هكذا. موفديه إلى كافة أفخاذ العشيرة في بغداد والقرى المحيطة بها والوقت الذي يناسبه في فعل ذلك ومن كل ذلك نعرف كيف نستدل من عشر سي ارات ودون فائدة تذكر وكان السائقون يتواصلون بينهم عاد أبي إلى العاصمة في اليوم التالي في القطار العادي الصاعد إلى وإلى المدن األخرى إلى الجنوب منها والعمارة والناصرية للبحث عليه. ويروون قصصا خرافية عم ا أصابهم على أيدي رجال عشيرتنا من بغداد رافضا أن يصطحب أحدا من إخوته ورفض أن يأخذ المتاع عن السارق والسيارة المسروقة. وتنهد من جديد وقال متمنيا لو كان ثأرا ألرسلنا من يأخذه من ضروب المهانة والعنف. الذي أعد ته له جدتي من التمر المديوف بالدهن الحر والدقيق وحبة كانت كل عشائر آل محمد والبيضان والسودان والحمران وآل ابن شيخ العشيرة المطلوبة! أو أحد رجالها المهمين تاركين الفاعل فصار الواحد من السائقين ال يشغل محرك سي ارته في الصباح إال الحلوى.. أزيرج في الجنوب تعترف لعشيرتنا وشيخها بالكفاءة والسرعة في الحقيقي ألن ال قيمة له أمام الشخصية التي سنقتص منها. بعد أن يتأكد من وجود مسدس معبأ بالعتاد في صندوق سي ارته لرد كان يشعر باالستهانة بنفسه ومتطلبات جسده بل إن إخوته أقسموا بعد ذلك أنهم سمعوه يدعو اهلل أن يميته ويريحه من هذا العالم مسائل تسوية قضايا الثأر ولكن لم يجر ب أحد كفاءته في العثور على المسروقات والسارقين وكانت قضية السيارة المسروقة اختبارا وسيكون الثمن الذي تدفعه العشيرة المطلوبة مضاعفا بقتل أحد وجهائها! غارات عشيرتنا وعلى لسانه شتيمة للصوص أبناء اللصوص. وخالل ذلك الشهر من الخطف والترحيل إلى دار جدي الكبيرة وقعت وروى لنا فيما بعد أن حرقة الغدر به قد أشعلت عليه مالبسه حقيقيا إلمكانياته في البحث والتقص ي ومعرفة مكان اختباء الجاني. وضرب كفا بكف وقال: مصادمات عنيفة بين رجالنا والسائقين ووقع العديد من الجرحى. واضطرته إلى ركوب مركب التشرد. في البداية هرش شيخ العشيرة لحيته البيضاء وعد ل من وضع أما البحث عن سي ارة مسروقة وسارق حضري في شوارع البالد وازداد دعاء المظلومين على شيخ عشيرتنا فأصيب في اليوم فأخذ يعمل حماال في أسواق الشورجة ببغداد ليال وفي النهار يمشي الخرقة على عينيه الر امدتين وركز عقاله حول رأسه وقال: وأزقتها فهو أمر ال يستطيع فعله إال المجانين. األربعين من رمده واليوم الثالثين من حملة خطف السي ارات بالعمى في الطرقات والدروب باحثا عن سيارة جد ي المسروقة.. إن أمرا من هذا النوع لم تجر به العشيرة من قبل. وهنا ابتسم وقال: التام! زار الكراجات ومرآب تفكيك السيارات وزار مواقف شرطة المرور وتنهد وبعد قليل أكمل: ونحن منذ زمان بعيد والعشائر تنعتنا بالجنون والتهور والر عونة ولم يعد يميز شيئا من حوله فاضطرت العشيرة وبجلسة طويلة ليط لع على السيارات المقبوضة وذهب إلى الجوامع وراقب الوجوه لو كان المسروق قطيعا من البقر لعرفنا كيف نتقص اه حتى نجده ومنذ اليوم الذي ستبحث فيه العشيرة عن السي ارة المسروقة سنؤكد مفعمة بالصراخ والسباب واالت هامات المتبادلة بالغباء وقلة النخوة عسى أن يجد طلبته وزار قبور األولياء والصالحين طالبا عونهم في ونعثر على سارقه من آثار حوافره وطريقة سرقته ففينا من لهم صدق ما تقولوه عنا وحسبنا اهلل ونعم الوكيل! والشهامة وسوء التدبير واللصوصية إلى تنحيته عن مشيخة محنته األليمة. ولم يغب عنه وجه في أسواق بغداد لم يطالعه ويتحراه مرددا يستطيع تمييز الطريقة ومعرفة إن كان الفاعل من المعدان أو من رجال العشائر األخرى الموتورين أو من الحضر وسك ان المدن فلكل وبهذا القول الذي فاه به الشيخ فهم أبناء عمه أن األمر قد تقرر بالبحث عن تلك السي ارة المسروقة مهما كانت النتائج وفي ذات عشيرتنا لصالح ابنه بعد أن فقد الصالحية الشرعية لقيادة مركب أوالد عمه وعشيرته. مع نفسه ل ي ت الزمان يجود علي بمن غدرني فأعلمه ما يفعل الغدر واحد طريقته بالسرقة! وله أسلوبه الخاص في الهرب بما سرق الليلة سافر عشرة من رجال العشيرة األشداء إلى مختلف أنحاء البالد وحسبما تنص قوانين العشائر على ضرورة توف ر السالمة البدنية العدد - 16 مايو/ أيار
64 قص والعقلية لشيخ العشيرة وكما جاء على لسان زاير عاتي وبمجيء ساعات ضيقة مكتفية بتحريك دالل القهوة وإبريق الشاي المسود شعرت بقلب أبي ينبض قريبا من قلبي عندما رفعني عن األرض وإخالصهن العبودي في تنفيذ وعودهن ألحبابهن وعن حماية ابنه الذي كان من الجيل الجديد الجيل الذي يستنكف أفراده من وتجمع حولها بالمنكاش جمرات النار فيصرخ بها: بصعوبة واحتضنني وفي تلك اللحظة الضاجة بالحنين غفرت له كل العشيرة للدخيل وعدم خوفنا من الموت ومداعبتنا ألهدابه كل يوم وضع اليشماغ والعقال على الرأس وكان يحرص على أن يفرق شعره القهيوة يا ابنة األخيار.. شيء وتمنيت أن أكون مثل جدتي التي لم تخف فرحتها واشترت من أيام حياتنا.. بمشط الخشب من مفرق الرأس ويزيته بزيت نباتي ويرفض لبس وبالرغم من أن جد تي تجاوزت الستين من عمرها فإنه لم يتوقف بما اد خرت من مال عجال سمينا. كانت أمي مسرورة بذلك االحتفال بعودة زوجها وقد لبست أجمل العباءة الجوخ والصاية اإلنكليزية التي تظهر سرواله القطني األبيض يوما عن النداء عليها واصفا إياها بالصبية الصغيرة الجميلة الح ب ابة. وقدم جدي خروفين من خرافه التي يرعى بها أحد أوالد عمي ثيابها وغسلت شعرها من الحناء وعط رت ثيابها بالبخور ورأيت الطويل.. في مزابل المدينة وأطراف المزارع ووج ه جدي الدعوات إلى كل ألول مرة بعد غياب أبي شبح ابتسامة مستدقة على شفتيها. أفراد عشيرتنا والجيران واستثنى شيخ العشيرة قائال لمن سأله وفي هذه األثناء ضبطت جدتي ابن عمي مرهون الذي كان أكثر ) 3 ( عاد أبي إلى البيت بعد مدة تشرد دامت طويال لم يسأله أحد أين عن السبب في عدم دعوته للشيخ أن الذي يفرق شعره بالمشط من شيطنة من جميع أبناء أعمامي قاطبة أثناء نقل طعام الدعوة إلى )2( في بداية عهد الشيخ )االبن الميمون( أمر بتوقيف عمليات البحث كان أو ماذا فعل وأم ي التي تجللت بالسواد طيلة تلك المدة التي الوسط كما تفعل الصبيات ويدهن شعره بالزيت ال يحق له الجلوس المدعوين وقد كان جالسا فوق سور البيت قريبا من البوابة التي يمر الجارية عن سي ارة جد ي التي كلفت العشيرة خيرة رجالها توقيفا في فارق بها أبي البيت ظهرت على وجهها الذابل ابتسامة وبدت فرحة مع الرجال! منها الرجال وهم يحملون على رؤوسهم صحاف الطعام المعدنية أقسام الشرطة والمستشفيات. مشدودة إلى حلم ما وهي تضع قدر الماء على البريمز الضخم وذهبت مقولة جدي بحق الشيخ إلى كل بطون العشائر وبيوتها الواسعة فيعمد إلى سرقة قطع اللحم الكبيرة من فوق تل األرز وطلب طي صفحة الماضي المخجل واالعتماد على شرطة المرور استعدادا لتسخين الماء الستحمام أبي. وتناقلها األفراد كما يفعلون مع الشعر الشعبي الجيد وقد ساهمت ويضعها في قدر وضعه في حضنه دون أن يشعر به أحد. للبحث عم ا ضاع منهم وأخبر جد ي لتلطيف وقع األمر الجديد عليه كان جد ي في مشراقة البيت مستمتعا بأشعة الشمس وبيده ماكينة هذه الكلمات التي قالها جدي بالقضاء تماما على مستقبل ذلك الشيخ وبعد أن يمتلئ قدره يفرغه في أحضان مجموعة من أطفال المدينة بأنهم على استعداد لجمع المال الالزم من أفراد العشيرة لشراء سيارة حالقة يدوية قديمة وهو يحلق لحيته ويجعل هيئتها على شكل بين العشائر وصار أضحوكة ولم يحترم كلمته أحد بعد ذلك ونظر من أصحابه وقفوا بعيدا عن مكان االحتفال متظاهرين بعدم تماثل المسروقة وإعطائها لجد ي وإنهاء هذا الموضوع الدامي الذي مثلث متساوي الساقين متتبعا آخر تقليعة لل حى عند الشيوخ كانت إليه شيوخ العشائر حين التقوا به أثناء عقد الفصول والحشوم* االهتمام بما يجري لكنهم يزدردون بأكفهم غير المغسولة ما غنموه لط خ سمعة العشيرة بأردأ الن ع وت وجر رجالنا إلى أسوا العواقب. منتشرة في تلك السنة. واألفراح والمعازي نظرتهم إلى مد ع وبدعة من تلك البدع التي يبتلي من قدر مرهون من اللحم بفظاظة تشبه ما يفعله جيراننا المعدان فنظر جد ي إليه باحتقار شديد وفي ذهنه أنه شاب ناعم أفسدته ارتجفت كفا جدتي وهي ترى ابنها مقبال دافعا باب الصفيح الخارجي بها اهلل العشائر بين وقت وآخر ليجر ب إيمانهم وصبرهم وتمسكهم في الوالئم. المدارس وعل مته تمشيط شعره بالزيت مثلما تفعل البنات وأطرق على سعة الفتحة بمالبسه القديمة المرقعة وعليه تلك السترة العتيقة بدينهم الحنيف وأعرافهم العشائرية. أمسكت به جدتي وهو يسرق أكبر قطعة لحم وحاول أن يفلت من الشيخ السابق الذي صار ضريرا وال ح و ل له وال رأي في مجلس التي اشتراها من أحد أسواق بغداد لألشياء المستعملة. وأقسم بعضهم على عدم مد أيديهم لمصافحته إال في وقت الضرورة قبضتها الحديدية فوق السور وبيده قدر المسروقات ولشدة ارتباكه العشيرة وقال جد ي بصوته الجهوري ليسمعه الجميع: وبدا عليه أنه كبر عشر سنوات.. كنت جالسا قريبا من جدي القصوى وإذا فعلوا ذلك عمدوا بعد ذلك إلى غسل اليد التي صافحته وقع من فوق السور فوق رأس أحد أولئك األوغاد الصغار فشج القدر إنه ليس بحاجة لجمع الصد قات من أوالد عمه وعشيرته ولو كان في المشراقة أسمع أصوات شهقات جدتي وهي تحتضن أبي أربعين مرة لمسح نجاسته والتي أشاعوا أنها تبطل الصالة! رأس الصبي وأخذ الدم يسيل من رأسه. الحادث قضاء وقدرا الشترى بدال من السيارة سيارتين دون أن يحك وتقبله.. جدي حين رأى ابنه قال ضاحكا : كان منظر الصبي وهو مشجوج الرأس والدم يسيل على ثوبه له أحد لحيته أو يستشيرهم في شيء لكنهم اآلن في موقع المهانين ها هو أبوك ال يزال فارسا صنديدا كما تركنا ولكن قبل أن تذهب القديم يذيب أكثر القلوب قسوة وفي حقيقة األمر أن ذلك الصبي لم ) 4 ( المعت دى عليهم وسيشجع خنوعهم العشائر الباقية على هضم لتقبيل يديه اذهب وانظر من باب الدار إلى الطريق.. هل استعاد ظهر أبي في ذلك االحتفال الكبير الذي أقامه جدي بمناسبة رجوعه يحصل على شيء من الطعام في ذلك اليوم. فحن قلب جدتي عليه حقوقهم واالستهانة بهم إلى حد تلفيق النكات والمفارقات الضاحكة سيارتي المسروقة أم أنه أضاف المزيد من العار لعائلتنا بتشرده إلى البيت بعد تشرده الطويل بثياب بيض جديدة وعقال أسود رفيع واصطحبته إلى داخل الدار وغسلت جرحه من الدم وأحرقت قطعة بحق وجهائهم وكبرائهم. طوال الشهور الماضية ويشماغ أحمر بوجه حليق ذابل تبرز منه عظام الفكين كأنما عانى قماش وأطفأتها ووضعت ذلك الرماد على جرحه فتوقف سيل الدم وترك المجلس العشائري المنعقد في أوج أزمته بين مؤيد له ومؤيد لم أجرؤ على التحرك باتجاه أبي كان يبدو لي غريبا وال أعرفه طويال من جوع وحرمان مريرين. وأمرت له بطعام يحتوي على أكبر قدر من قطع اللحم. لشيخ العشيرة الجديد وخرج دون أن يلقي بتحية الوداع على أهله ومازلت أتذكر أني فكرت لحظتها لو أنني كبرت مثله وتزوجت امرأة لن أنسى شكله ذاك أبدا وكثيرا ما جاءني في عالم النوم كمالك وما زلت حتى هذه اللحظة وأنا أرى ذلك الصغير يزدرد قطع اللحم وأوالد عمه ولكن الشيخ الجديد ملس شعر رأسه المفروق من الوسط كأم ي وتساءلت هل أصبح مثله بهذه اللحية السوداء النامية بكثافة أبيض له أجنحة كثيرة وهو على تلك الصورة التي طل بها على من دون مضغ والدموع تسيل من عينيه من ألم جرح رأسه بكلتا كفيه وضحك بعد انصراف جدي وقال: وذاك الشارب الكث والشعر الملفوف كاألسالك الرفيعة المجدولة جمع المدعوين في ذلك اليوم البعيد. ومخاطه يسيل من أنفه مختلطا بخيط متقطع من الماء والدم يريد عمنا يحفظه اهلل أن نبقى بعقولنا القديمة وهو ال يعرف أن وتلك الحدبة الصغيرة الظاهرة بين الكتفين وفي تلك الليلة التي ما زالت أصداؤها في رأسي غن ى الموهوبون مقرفصا كالمتسول في باحة الدار ورؤوس العشرات من أوغاد الزمن تطور وأصبحنا طوال الفترة الماضية في أفواه الناس من في تلك اللحظة كرهت أن أكون بقذارته ويأسه وحزنه وفقره بالغناء من عشيرتنا أغنيات جنوبنا الحزينة عن الفراق وحكوا في المدينة الصغار الذين كانوا يحاولون تسلق سور بيتنا لرؤية ما جرى جراء فرط حمقنا أضحوكة ال تنتهي. الظاهر وعدم مقدرته على التعبير عن نفسه وقت الفشل كرهت إحداها عن مفاخر جدي الذي سافر إلى روما مع محمد العريبي لصاحبهم الذي ش ج رأسه. وبقي جد ي في تلك الليلة يلف لفافات التبغ ويحرقها مالئا صدره أن أكون مثله تاركا امرأتي وابني طيلة تلك الشهور باحثا عن شيء أكبر إقطاعيي جنوب العراق في العهد الملكي واستطاع أن يصرع وحين رأوا الحال التي صار عليها أخذوا يطلقون صيحات الحسد بذلك الدخان األزرق الذي يتصاعد بعد ذلك خارجا من فمه وأنفه يسمونه سيارة مسروقة! مصارعي روما في المصارعة الزيتية والتي كان ي غمر فيها والتمني على اهلل أن يحل وا محله حتى لو كلفهم ذلك قطع رؤوسهم على شكل سحابات من الغيظ المنطفئ وجد تي ال تتوقف عن إلقاء ولم أكن أفهم بعد تلك المعاني الكبيرة المترددة على ألسنة الكبار المتصارعون أجسادهم ومالبسهم بالزيت والفائز بالبطولة ي لقب وليس شجها فقط وأحدهم صرخ: هنيئا لك يا عم باللحمة الهنيئة الم ط ال في الكانون لغرض زيادة النار في الموقد لتسخين القهوة والشاي بسرعة أكبر لمجاراة ذلك الغضب الساحق الذي يموج به صدر جد ي. حول الشرف والعار ونظرات الشماتة في عيون األعداء ال أدري كيف أخذني أبي والفرحة تطل من عينيه وهو يرفعني إلى صدره صارخا بفرح حقيقي: ب باش بهيلوان لكن جدي لم يلقب بهذا اللقب ألنه بعد فوزه الكبير ذاك كافأوه بثالث نساء متبر عات ليقضي ليلته معهن حسب تقاليد أهل ذلك الزمان لكنه رفض اصطحابهن إلى غرفته بالفندق ورعا ويا ليتنا كنا معك موالي.. ألف عافية. وكان بين الحين واآلخر يتحدث إلى نفسه بصوت عال كأنما اليزال ابني صار كبيرا ولم أعد أستطيع حمله! وخوفا من اهلل ومن ذلك اليوم س م ي بين أفراد العشيرة بشريف * كاتب من العراق مقيم في المغرب ذلك االجتماع العشائري منعقدا وهو يصول فيه ويجول مثل الفرس كانت أم ي في فناء الدار وبيدها مغرفة الطعام والحشد العظيم روما. الرهوان وحين يلتفت وال يرى غير زوجته بحزنها األبدي وانعقاد حاجبيها كأنما هي على وشك البكاء ال تتكلم وال تعل ق بكلمة أثناء من أبناء عمومتي الصغار ونساء أعمامي وأعمامي الكبار والصغار يركضون صاخبين باتجاه القادم. وحكت األغنية عن اللقاء الذي يمتد في الزمن للحظة واحدة فقط في فورة الحياة وديمومتها وعن جمال نسائنا وألحاظهن القاتلة ** الفصول والحشوم: مفردها فصل وحشم وهو المال المقدم من قبيلة إلى أخرى دية عن مقتول أوتعويضا عنخسارة العدد - 16 مايو/ أيار
65 حوار يان ياب دو راوتر االستشراق واإلسالموفوبيا يعتقد أن مستقبل اإلسالم في أوروبا وليس في العالم العربي واإلسالمي ويبرر ادعاءه بأن العالم أصبح غير قادر على استيعاب اإلسالم التقليدي وإنما نسخة ملطفة متحضرة وديمقراطية منه هي تلك التي ظهرت وترعرعت في الغرب وتشبعت بمبادئ الديمقراطية والحرية والتعدد. هو المستعرب يان ياب دي راوتر أستاذ جامعي بجامعة تولبرغ الهولندية بقسم الدراسات اإلسالمية والشرقية. وهو مستعرب عرف بحبه الشديد للغة العربية حتى أطلق عليه اسم عاشق العربية ولد عام 1959 في مدينة دوردرخت الهولندية ودرس وعاش فترة في عدد من الدول العربية من بينها مصر وسوريا وتونس. من مؤلفاته الجدل اإلسالمي و التطور اللغوي في مغرب القرن الواحد والعشرين و تطور اللسانيات بين الشبان المغاربة كما له العديد من البحوث والدراسات التي تهتم باللغة والدين اإلسالمي ويكتب مقاالت رأي أسبوعية في الصحف الهولندية ويدعى بانتظام للبرامج التلفزيونية والحوارية كخبير في الشأن العربي واإلسالمي. ورغم األزمة اإلنسانية الحالية وترد ي الوضع الراهن إال أن دي راوتر يرى أن على العالم الغربي أال يتدخل في صراعات منطقة الشرق األوسط وعلى األطراف المتقاتلة أن تتقاتل إلى أن تصل بمفردها إلى ضرورة الحوار مستشهدا بحاالت مشابهة في التاريخ اإلنساني. كما يعتقد أن االستشراق يتضمن نوعا من اإلسالموفوبيا بالضرورة وأن أي مستشرق بالمعنى االصطالحي التقليدي إنما يرفع من درجة الخوف من اإلسالم شاء أم أبى. هذه األفكار وغيرها يفصح عنها راوتر في هذا الحوار. قلم التحرير وسيطرة كيف ترى االستشراق راهنا كمؤسسة أكاديمية أو جهاز معرفة راوتر: االستشراق كمصطلح لم يعد يتطابق مع الباحثين في مواضيع اإلسالم والثقافة العربية والسياسة في الشرق األوسط ولم يعد يعني ما عناه في الماضي. المستشرقون في القرن التاسع عشر كانوا يسافرون إلى الشرق األوسط ويقدمون شروحات وتفسيرات لما يحدث هناك من وجهة نظر غربية. هذه كانت روح القرن التاسع عشر عندما كانت أوروبا أكبر قوة في العالم وبها قو تان عظميان هما إنكلترا وفرنسا وكانت وجهة نظرنا هي السائدة. في تلك الحقبة كنا نعتبر الشرقيين أطفاال ونحن نقد م لهم العلم والمعرفة والمساعدة ونعتبر ثقافتنا األفضل. اآلن اختلف األمر رغم أنه ما زال هناك باحثون لديهم نفس النظرة الفوقية لكن أكثر الباحثين يعرفون اليوم أن أوروبا فقدت بريقها وأنوارها خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية. هناك اآلن قوى صاعدة كثيرة: روسيا الصين.. وأوروبا ال تزال قوة اقتصادية وازنة لكنها ليست القوة الوحيدة نرى صعود روسيا والصين والبرازيل والهند. اوروبا تغيرت من الواضح أن تراجع مكانة أوروبا كقوة عظمى على مواقفها من قضايا العالم العربي راوتر: الباحثون األوروبيون الذين يرفضون االعتراف بأن أوروبا لم تعد كما كانت ولم تعد القوة السائدة أو المسيطرة الوحيدة يعيشون خارج الحقيقة وبعضهم ال يزال يملك نفس النظرة الراديكالية لكنهم أقلية. الباحثون عموما يعون أن أوروبا تغيرت لكن السياسيين ال يزالون يعيشون وهم أوروبا العظمى أوروبا التي تقود العالم وتنيره وتعل مه كيف يعيش. ما دور الباحثين في هذه الحالة لماذا ال ينصحون السياسيين من يردم الفجوة بين الموقف السياسي وموقف النخبة المثقفة راوتر: الباحثون لم يجدوا صعوبة في التخلي عن هذه الفكرة ألنهم أكثر واقعية. ألنهم يتابعون السيرورة التاريخية للوجود ويعرفون أن العالم يتغير لكن السياسيين يجدون صعوبة بحكم تعودهم على وضعية القوي وسايكولوجيته. واآلن يرون كال من أميركا وروسيا والصين وتركيا ينافسون ويتقدمون. أردوغان وحده مصدر إزعاج ألوروبا ألنه ال يوليها أي أهمية. أوروبا تجد صعوبة في قبول ذلك. وهذا هو الفرق. لكن الباحثين الجيدين يعترفون بالحقيقة ويتعايشون معها فكريا وأدبيا. العدد - 16 مايو/ أيار
66 حوار والجميع مهم والجميع يشارك النتائج ليست مهمة وهذا ينطبق أيضا على المسلمين في أوروبا على اختالف وجهات نظرهم الجميع لهم الحق في التعبير عن آرائهم. الجدل في هولندا متطرف الشعبويون التابعون لفيلدرز متطرفون جدا السلفيون أيضا. دوري كمثقف أن أوازن وأن أقف في وسطهم رافعا داعيا إلى النقاش. الديمقراطية الحقيقة ال تأتي بحل بل بحلول وال تصل إلى نتيجة بل نتائج جميعها صحيح وجميعها نسبي. مرت على هولندا من 2000 إلى 2010 أربع حكومات وانتخابات وحكومات تسقط. الديمقراطية فوضى داخل قوانين معينة وحدود واضحة هذا طبيعي وهذا يستوجب النضج وهو صعب. لكن في مصر التي تعتبر من أهم دول المنطقة جاءت االنتخابات بمرسي بشكل ديمقراطي لكنه قال: أنا رئيس ب 51 بالمئة انتخبوني ونسي أن 49 بالمئة لم يفعلوا كان رئيسا لإلخوان وليس لمصر كلها وطالب بأسلمة البالد. هل تنصحون السياسيين هل تلعبون عمليا هذا الدور راوتر: نعم طبعا. األمر يتوقف على نوعية السياسيين يسار أم يمين. اليسار يستعين بمواقف النخبة المثقفة ويحاول أن يستدل برأيها لكن الشعبويين مثل فيلدرز في هولندا ولوبان في فرنسا هؤالء ال يزالون يرون أن ثقافتهم األفضل ومجتمعهم أرقى وتاريخهم أثرى ويحاولون التدليل على أن الثقافة اإلسالمية متخلفة. لكن السياسة العالمية تحددها أميركا وروسيا وليس أوروبا. هل يساهم االستشراق كمؤسسة في تأجيج اإلسالموفوبيا أم في تقليصها راوتر: االستشراق في أصله يعب ر عن وجهة نظر معينة من الثقافة الشرقية الشاملة وليس فقط اإلسالم أو الدين بل الثقافة والتقاليد ومختلف جوانب الحياة. إال أن اإلسالموفوبيا ترتبط بالدين فقط. ويمكن القول إلى حد ما إن االستشراق يتضمن شيئا من اإلسالموفوبيا لكنه ال يتساوى معها بل هناك درجة من اإلسالموفوبيا داخله. االستشراق وإن أصبح اليوم تهمة إال أنه ال يصل إلى حد تحفيز اإلسالموفوبيا التي هي رفض تام لإلسالم. االستشراق يتضمن رفضا بالبداهة لكنه ليس رفضا متطرفا. أحد أبرز المستشرقين الغربيين وأولهم هو سنوب هرخونيا من اليدين الهولندية سافر إلى الجزيرة العربية وأقام هناك في القرن 19 وكتب بشكل سلبي جدا عن اإلسالم رغم أنه اعتنق اإلسالم وكتب أيضا بإعجاب عنه. وهذا يختلف عن اإلسالموفوبيا التي هي كره حقيقي لإلسالم ورفض تام له. لكن بالتأكيد هناك في تاريخ االستشراق بوادر إسالموفوبيا.االستشراق ال ينطبق علي مثال بالمعنى القديم فأنا مستعرب لكن عقلية االستشراق بالمفهوم التقليدي له ليست لدي وهي عقلية يحاول المستعربون اليوم الفكاك منها.عندما أتحدث عن اإلسالم في اإلعالم أحاول دائما أن أمسك العصا من الوسط. ال أتطرف هذه طريقة هولندية. أحاول أن أظهر كل الجوانب من منظورات مختلفة السلبية واإليجابية. فيما يتعلق باإلسالم أظهر كم هو دين جميل أظهر اإلسالم المدافع عن المرأة والمثليين لكن في المقابل أظهر أيضا إسالم داعش واإلسالم السلفي وغيره. نقد اإلسالم لماذا تمسك العصا من الوسط راوتر: ألننا نعيش في نظام ديمقراطي والديمقراطية الحقيقية ليست في النتائج واالستخالصات لكن في الجدل والخالف والنقاش هذا ما نفعله داخل نظام ديمقراطي. الجدل ثم الجدل حد االختالف واالحتداد والصراع لكن دائما من دون عنف. هذا ما يميز الديمقراطية عن باقي األنظمة فطالما نحن نتكلم ال نتقاتل وال نبحث عن نتائج أو نهايات نحن نتناقش لغرض النقاش في حد ذاته بالطبع في النهاية ال بد من أن تتخذ بعض القرارات من قبل الحكومة لكن غرض النقاش هو أن ال نتحارب أو نصل إلى العنف الجميع لديه حق لكن مسك العصا من الوسط ليس موقفا أال تحتاج بعض القضايا موقفا واضحا وانحيازا لخيار معين أو بمعنى آخر هل ترى أنه على المثقف أن ينأى بنفسه عن هذا الجدل السياسي أم يجب أن يكون طرفا فيه راوتر: أتحدث عن نفسي هنا وال أعرف إن كان هذا ينطبق على اآلخرين لكن زمالئي من المستعربين مثال بعضهم ينحاز إلى اإلسالم بشكل مبالغ فيه وال يرغب في رؤية الجوانب السلبية وهناك من يتطرف إلى الجهة األخرى مثل يانس هانسن )مستعرب هولندي عرف بمعاداته لإلسالم( في اعتقادي ال بد أن نجرؤ على نقد اإلسالم. الربيع العربي هل فهم االستشراق ما يسم ى الربيع العربي وساعد على جعل الغرب يفهمه أم ال راوتر: في بداية سنة 2011 اتصل بي راديو بلجيكي وقال هناك مشاكل في تونس ما رأيك قلت ال شيء قليل من الشغب أو المظاهرات سيأخذون القليل من الخبز من الحكومة وينتهي األمر لكن بعد أسبوع سقط بن علي وهرب. في الحقيقة ألوم نفسي إلى اليوم ألنني لم أر األمر على حقيقته. رغم أن ني طوال سنوات كنت أزور مصر وأستغرب لماذا ال ينهضون لماذا يقبلون هذا الوضع واإلجابة كانت مثال إنهم ال يجرأون أو تعودوا لكن في النهاية فعلوها وثاروا. كيف تقي م مسار الثورة راوتر: في مصر الوضع أسوأ تحت مبارك كان هناك حد أدنى من الحرية اآلن الوضع أسوأ بكثير. في تونس األمور أفضل الثورة نجحت إلى حد ما نعم هناك مشاكل وانقسام وجدل وخالف لكن هذا عادي هذا ما يدعى ديمقراطية هل فشل الربيع العربي حسب رأيك راوتر: في مصر نعم في ليبيا فوضى في تونس نجح. لكن المؤكد أن روح الديمقراطية خرجت من عنق الزجاجة وال تزال موجودة رغم أننا تقريبا ال نشعر بوجودها. الشباب في المنطقة ينشطون وسيسمعون صوتهم في لبنان وفي تركيا أيضا. هناك حرب حقيقية خفية بين الشباب الذي يطمح إلى الديمقراطية والشباب المتطرف وهذه الحرب مستمرة وإن كانت ال تتخذ األشكال العادية للحرب وستنتهي بالتأكيد إلى نتيجة ما غير أن المؤكد أن روح الحرية والديمقراطية غادرت الزجاجة وتجوب المنطقة اآلن. سيحدث شيء في مصر لكن خالل 10 سنوات على األقل. أنظري إلى الثورة الفرنسية مثال نجحت وكل شيء تغير ثم اندلعت فوضى وحرب وإرهاب ثم نابليون وعودة إلى الملكية وبعد سبعين سنة استقرت األمور ونجحت الثورة ألن الروح غادرت الزجاجة وهذا ما حدث في المنطقة العربية. شرق/غرب أنا مستعرب لكن عقلية االستشراق بالمفهوم التقليدي له ليست لدي وهي عقلية يحاول المستعربون اليوم الفكاك منها.عندما أتحدث عن اإلسالم في اإلعالم أحاول دائما أن أمسك العصا من الوسط حوار الشرق والغرب كيف يبدو لك اآلن راوتر: حوار الثقافات واألديان مهم جدا وأنا أشجعه في كل أشكاله لكن الصور السلبية عن اإلسالم موجودة بقوة في أوروبا وأث رت على حوار الشرق والغرب. هناك مجهودات صغيرة لجمعيات إسالمية ومنظمات شبابية ولجان صغيرة أحيانا مختلطة الديانات وتضم اليهود حتى. وهناك حوار على مستوى المؤسسات واألكاديميات وفي جامعة اليدين هناك ندوات وحوارات ونقاشات. ويدعون المفتي في رسالة من دون إجابة. ماذا تقدم هذه اللقاءات والندوات هل تغي ر من بعض المواقف الغربية تجاه العرب مثال العدد - 16 مايو/ أيار
67 حوار راوتر: كارن أرمسترونغ مثال تحاول أن تخرج عن مركزية أوروبا وتنظر إلى المرأة في اإلسالم بطريقة محايدة وأيضا من داخل العالم العربي نفسه هناك مبادرات لناشطات حقوقيات مثل منى طحاوي يغيرن نظرة العرب عن المرأة التغيير ال نقوم به نحن في أوروبا بل يأتي من هناك. ليست مهمة أوروبا أن تصنع أفكارها عن العرب النظرة تأتي من الداخل ونحن نعكسها. الطحاوي مثال تقوم بدور مهم. قلت دائما إن التغيير يأتي من هناك لكن لدي مشكل في هذا الطرح أيضا: أنا مع الديمقراطية وأعرف أن واحدا من مشاكل العالم اإلسالمي أنه ال يوجد تفريق بين الدين والدولة ليس في مصر وليس في دول كثيرة والدين يت صف بكونه غير متسامح سواء تعلق األمر بالمسيحية أو اإلسالم أو اليهودية الدين عموما متعصب فإذا لم نفصل الدين عن الدولة نحصل على دولة متعصبة هذا باختصار. المشكل أنه إذا تلق ينا المفاهيم من الداخل فإنها تكون مشبعة بدينية ما. لكن هذه ديمقراطية غربية فصل الدين عن الدولة هناك من يرفض النموذج الغربي أو اإلمالء الغربي لمفهومه للديمقراطية. راوتر: وما الفرق إن كانت أوروبية أو إغريقية هذا منتج فكري وتوجه يفيد اإلنسانية كلها وال يجب أن يصنف على أنه الوضع السوري. النخب الغربية والمأساة السورية لماذا ال نسمع صوت النخبة المثقفة الغربية من الثورة السورية راوتر: ليس صحيحا أنهم ال يقولون شيئا أعتقد أن الدعم الذي يحصل عليه بشار األسد من روسيا وأميركا وأوروبا خطأ كبير. بشار مسؤول عن النصف مليون قتيل. وأغلب أصدقائي من السوريين يسألونني نفس السؤال: لماذا تقاتلون داعش المسؤولة عن أربعة آالف قتيل فقط وتتركون بشار المسؤول عن نصف مليون طبعا التقديرات والظروف السياسية هي التي تتحكم في المواقف ألن الغرب خائف من اإلسالم خصوصا إسالم داعش وإذا اضطروا لالختيار بين داعش وبشار للحكم في دمشق سيختارون يشار. هل الخيارات هي إما داعش أو بشار راوتر: نعم لألسف. قلت دائما إن التغيير يأتي من هناك لكن لدي مشكل في هذا الطرح أيضا: أنا مع الديمقراطية وأعرف أن واحدا من مشاكل العالم اإلسالمي أنه ال يوجد تفريق بين الدين والدولة هل ألنه يحمي مصالح وحدود إسرائيل راوتر: مصلحة إسرائيل أن يدوم القتال إلى األبد في سوريا وكل ما امتدت هذه الحرب أكثر استفادت منها إسرائيل أكثر. نعم الغرب يحمي بشار ألنه يدافع عن مصالح إسرائيل هذا صحيح إلى حد ما. ألنه في وقت ما قبل الحرب لم يكن لبشار أي مشاكل مع إسرائيل حافظ على مصالحها. فاإلجابة نعم. استقبل الغرب الالجئين لكن هل كان هناك بدائل مثال مساعدتهم على البقاء هناك وحمايتهم هناك 4 ماليين سوري يعيشون في تركيا ولبنان وقرابة مليون في أوروبا ألم يكن من الممكن تفادي هذا راوتر: اآلن أوروبا تساعدهم على البقاء هناك لكن أوروبا ليست قادرة على السيطرة على كل شيء. نطالب أوروبا بأكثر مما هو في وسعها ونكلفها بدور لم تعد قادرة عليه. نعود اآلن إلى موضوع أوروبا التي لم تصبح ما هي عليه. ترين. هذا هو التفكير الذي تحدثنا عنه سابقا. أوروبا باختصار عاجزة عن حل مشكل الالجئين. ألنها لم تعد تلك القوة السابقة. هناك أصوات كثيرة تطرح حلوال مختلفة لكن أوروبا ليس بوسعها فعل الكثير. تركيا تلعب دورا ثنائيا. تفتح الحدود وتتركهم يمرون واليونان دراما في حد ذاتها. يعتقد بعض السوريين أن الغرب خانهم وأنه جعلهم طعما للدب الروسي. ما تعليقك راوتر: ال أعرف وما هي مسؤولية السوريين الجديد: من تقصد بالسوريين بشار األسد أم داعش راوتر: إذا كانوا يقولون إن ما يحدث في سوريا هو لعبة تلعبها القوى الكبيرة فأين مسؤوليتهم هم لكن دعيني مع ذلك أقول لك إن هذا صحيح أيضا إلى حد ما. كل صراع في العالم هو لعبة قوى سياسية عالمية. الصومال البلقان روسيا أميركا دائما هناك معركة وهناك من يديرها لمصلحة كذا أو كذا. لكن ال يجب أن نرمي كل شيء على هذه النقطة. بشار األسد الذي تجلس عائلته في الحكم منذ 40 سنة هو السبب األول في األزمة بسوريا. هو من خلق االضطهاد والقهر. الصراع في الشرق تحت حماية غربية أليس كذك من يحمي الدكتاتوريات راوتر: ليس صحيحا. التسليم بأن أوروبا لم تعد قوة مركزية مهمة يعني أيضا أنها ليست مسؤولة عن الدكتاتوريات في سوريا والعراق ومصر وغيرها. هم المسؤولون عن الفوضى الدكتاتوريات. وأنا في الحقيقة أغضب من االدعاء بأننا أوجدنا هذه الدكتاتوريات وحميناها. هذا ادعاء سهل للتهرب من المسؤولية. قمنا مرة واحدة بإسقاط دكتاتور هو صدام حسين ماذا حدث هل كان الشعب العراقي سعيدا بذلك ربما قليال ألنه تخلص من صدام لكنه حم لنا مسؤولية الفوضى واالنقسام والمعارك والحرب والطائفية التي نتجت عن ذلك إذا أسقطنا الدكتاتور نالم وإذا لم نزله نالم. ماذا يجب أن نفعل الحل هو أن تحل المنطقة بنفسها مشاكلها. الجديد: تقصد أن تتقاتل المنطقة إلى ما ال نهاية راوتر: ال طبعا أقصد أن تجلس األطراف المختلفة وتتحاور. الحل هو الحوار. ال توجد ثقافة حوار. إضافة إلى أن األيدي الخفية التي تعطل الحوار كثيرة ومنها أيادي الغرب عن أي حوار تتحدث والجثث والدم يغطيان المنطقة راوتر: الحوار ممكن وضروري. عندما تفهم األطراف أن ال أحد سيبقى سيكتشفون أهمية الحوار. خذي لبنان. الحرب امتدت به 15 سنة مسيحيون شيعة وطوائف تتحارب لمدة 15 سنة. في آخر المطاف اكتشفوا أن ال أحد سيخرج كاسبا من هذه الحرب وجلسوا إلى طاولة الحوار واآلن هناك توازن معين. في أوروبا في القرن 17 حرب على مدى 30 عاما في ألمانيا والسويد بين الكاثوليك والبروتستانت في آخر األمر بعد 25 سنة من القتال والحرب مات 20 بالمئة من الشعب األلماني وال أحد كان قادر على أن ينتصر نصرا حاسما ونهائيا فقرروا الحوار. يعني أنت تقول نتركهم يتقاتلون إلى أن يصلوا إلى التسليم بضرورة الحوار أن يموت مليون أو مليونان ليس مشكال راوتر: ال. ال أقول هذا. أقول يجب أن يجلسوا اليوم للحوار. اآلن. لكن هم ال يفعلون ال يريدون يظنون أن الفوز ممكن وبالتالي يصر ون عليه. والحقيقة أمام هذا اإلصرار ال أوروبا وال روسيا وال أي قوة قادرة على إقناعهم بأن ال أحد يفوز في الحرب أوروبا جر بت مع أفغانستان لم ينجح األمر. هل انتهت الحرب في العراق أيضا لم ينجح التدخل الغربي. رأيي أن تنسحب القوى الغربية من أي تدخل في المنطقة وتترك أمر أهل المنطقة بين أيديهم. من حر ك هؤالء الذين يتقاتلون أليست داعش صناعة غربية راوتر: هذا كالم فارغ حتى وإن كان سالحهم من الغرب فهذا ال يعني أن الغرب أوجد داعش في الت اريخ اإلسالمي نحن نعلم أنه كان هناك دائما تيارات مثل داعش حتى في أوروبا. يهدفون إلى بناء الجنة. ثم جاءت الحرب في العراق وسقط صدام وكان هناك فوضى في العراق. لكن الذين سبقوا داعش ومن بينهم القاعدة أوجدوا أرضية خصبة في المنطقة للجماعات اإلرهابية لتتطور وتنمو. يمكنك أن تقولي إن هجوم الغرب على العراق أدى الزدهار داعش نعم. لكن ال يمكن القول إن داعش صناعة غربية. منذ سنة قلت إن داعش سيأتي سقوطها من داخلها بدأوا ينقسمون عن اإلسالم عن مفهومهم للدين والحرب وهذا ما يحدث اآلن. يقتلون اآلن جهاديين في صفوفهم إضافة إلى تعرضهم إلى القذائف وسد الطريق عنهم إلى آبار النفط من قبل الروس. كما أن الذين يلتحقون بهم بدؤوا أيضا يتذمرون من ممارسات داخلية ال ترضي الكل. وفي اعتقادي داعش ستنتهي بسبب خالف وانشقاق داخلي. دور المثقف الغربي منذ سنة قلت إن داعش سيأتي سقوطها من داخلها بدأوا ينقسمون عن اإلسالم عن مفهومهم للدين والحرب وهذا ما يحدث اآلن. يقتلون اآلن جهاديين في صفوفهم قلت في واحد من تصريحاتك للصحف الهولندية: الثورة تأكل أبناءها ماذا تقصد راوتر: الثورة الفرنسية فعلت نفس الشيء التغيير ليس سهال ويكل ف أرواحا وسقوط أفكار. ال بد من النقاش. لكن في الثورات هناك الكثير من الحساسية التي ترافق الجدل وبالتالي يتحول إلى صراع عنيف. وقتل وهكذا تأكل الثورة أبناءها. المثقف الغربي يتبنى وجهة نظر سياسية وليست أخالقية مما يحدث في المنطقة ماذا يحدث هل هذا يعني انهيار المنظومة األخالقية العالمية راوتر: أعتقد شخصيا أنني جد ناشط فيما يتعلق بالجدل الموجود على الساحة تتصل بي الصحف الهولندية الكبرى لتطلب رأيي في قضايا آنية وأخرى مستقبلية. دائما أقول ما أفكر وما أعتقد به وال يهم ني إن كان هذا ما يتمنون سماعه أم ال. ال يمكنني أن أعدل رأيي وموقفي العدد - 16 مايو/ أيار
68 حوار أسامة النصار وفق وجهة النظر السائدة لدى األغلبية أو لدى األجهزة السياسية ألنني ساعتها أفقد مصداقيتي. الجدل السياسي يستوجب موقفا واضحا هناك من المثقفين الغربيين من يصطفون خلف الموقف السياسي هذا موجود وال يجب نكرانه. لكن هناك كثيرون غيرهم يجرؤون على قول رأيهم بصراحة. لكن من الصعب تحديد إذا كان صوتهم يصل ورأيهم يعتمد من قبل الس اسة لكن إذا أردت أن أوصل رأيي وأمارس نفوذا حقيقيا فإنني أمر ر ذلك عبر أحد السياسيين وهو ما يستوجب شبكة عالقات واسعة أيضا. مثال الجدل الذي كان دائرا في الفترة األخيرة حول حظر السلفية في هولندا كان هناك مذكرة برلمان للمطالبة بحظر السلفية وتمت مناقشة األمر بين السياسيين والبرلمانيين واتجهت النية بالفعل إلى إمكانية حظر األنشطة السلفية ساعتها تدخلت وقلت: إياكم أن تفعلوا األمر سيصبح أسوأ بالطبع سر بت رأيي عبر أحد السياسيين وهو ما تم بالفعل فقد تراجعوا عن حظر السلفية. ال أجزم أنني الوحيد الذي فعل ذلك ربما هناك كثيرون غيري لكن المؤكد اليوم أن المثقف يمارس دورا فعاال داخل المجتمع وعليه أن يمرر أفكاره عبر الالعبين في الساحة السياسية. ال يمكننا القول إن المثقفين يساندون السياسيين أو يدعمونهم في أفكارهم أو يوج هونهم فالسياسة كما تعرفين لعبة معقدة تتم وفق توازنات معينة ال يمكن للمثقف أن يغيرها. الجديد: هل تستعين بكم األحزاب السياسية ومؤسسات الثنك تانك كخبراء عن المنطقة العربية راوتر: نعم يفعلون لكن في النهاية هم يأخذون وجهة نظرنا ضمن وجهات نظر كثيرة أخرى ويحد دون موقفهم وفق خريطة مصالح معينة نحن ال نملك القدرة على التدخل فيها. يطلبون نصيحتنا فنمنحها لهم. لكن مثال موضوع السلفية خير دليل. قلنا إن السلفية إذا تم حظرها ستتحول أكثر إلى التطرف وربما اإلرهاب فاألفضل أن تشرك في العملية الديمقراطية كطرف يلعب ورقة مكشوفة على الطاولة من ضمن الورقات المطروحة. إسالم أوروبي اإلسالم في أوروبا تقول إنه البديل المستقبلي لإلسالم ماذا تقصد راوتر: إذا أخذنا هولندا كمثال هناك تيارات إسالمية كثيرة تراوح بين الشدة أو التطرف والتسامح هناك المسلم الذي يؤمن وال يطب ق الشرائع هناك المسلم الممارس للشرائع السلفي المتطرف الشيعي السني األحمدي.. وقس على ذلك تيارات كثيرة تعيش جميعها في هولندا وتمارس حياتها وأفكارها ودينها بشكل حر تماما ومن دون خالف أو اصطدام بينها. لماذا يحدث هذا ألن الجو العام أو الغطاء العام الذي تنشط تحته مظلة ديمقراطية واسعة تشمل الكل وتسمح للكل بالتعايش داخلها بشكل سلمي هذا اإلسالم الموسع المتعدد هو النموذج المستقبلي لإلسالم وهو إسالم ديمقراطي ويعيش داخل دولة علمانية الدين فيها مفصول عن السياسة لهذا قلت إن مستقبل اإلسالم في الغرب. ألن كل أشكال اإلسالم ممكنة وهذا ليس موجودا في الدول اإلسالمية. لكنهم أقلية يتصفون بصفات األقلية التي ال يمكنها أن تغير أو تؤثر راوتر: نعم لكن السبب الرئيس هو فصل الدين عن الدولة هذا ما يجعل كل أشكال الدين ممكنة. لماذا ال نطب ق هذا المثال فصل الدين عن الدولة في مصر مثال وفي العراق والعربية السعودية هذه الدول عليها بتبني هذا الفصل وتطبيقه داخلها بمبادرات شخصية وإن كلفها ذلك مئة عام لكنه ممكن ومن دون فرض من الغرب. حضرت منذ سنتين مؤتمرا في روما عن وضع األئمة في أوروبا وكان من تنظيم شباب مسلمين أوروبيين وتقريبا النتيجة التي خلص إليها المؤتمر هي أن مستقبل اإلسالم في أوروبا وليس في أي مكان آخر من العالم وذلك بسبب الفصل بين الدين والدولة ومساحة الحرية. ال يمكننا نحن في الغرب أن نملي هذا الخيار أو المطلب الضروري على الدول اإلسالمية هي من سيجد طريقها إليه بنفسها وبقناعات داخلية. تروما اإلسالم وماذا عن االعتقاد بأن الغرب في الحقيقة ال يرغب في رؤية العرب يتقدمون ويتحولون إلى الديمقراطية ويفضل أن يراهم متخلفين تابعين هل هذا موجود أيضا مشكلة اإلسالم أنه خاتم الديانات وأن الكلمة األخيرة له وكان على الجميع االنصياع له واالنضمام تحته لم يحدث هذا وربما لهذا ال يزال اإلسالم يعاني من هذا الرفض ويتحايل عليه راوتر: كان هناك دائما صراع بين األديان على مدى التاريخ اإلنساني وتنافس بينها وتفاضل لهذا فالدين منطقة احتقان وانفعال شديد لكن الدولة إن تأسست بمعزل عن الدين فإن حدة الصراع مع الحضارات األخرى تقل الن المصالح اإلنسانية والكونية مشتركة ومتقاربة. الصراع الديني ال يزال مستمرا لكن ال يجب على العرب أن يفكروا أنهم ورقة تلعب بها القوى الكبرى وتحر كها وفق مصالحها. االستشراق كفكرة موجود أكثر في العقل العربي. العرب يشعرون أنهم عاجزون تابعون وأن أوروبا أقوى عليهم أن يتوقفوا عن التفكير على هذا النحو وينظروا إلى أنفسهم كند وشريك مواز للغرب. من هنا يبدأ التغيير العقل العربي عقل تابع وعليه أن يخرج من هذه التبعية الفكرية ويتحول بفكره إلى مستوى أعلى هو مستوى الشريك. تحدثت عن تروما )trauma( في القرآن ماذا تقصد راوتر: تحدثت عن تروما في اإلسالم وأقصد بها التالي: الرسول كان يحاول إقناع المسيحيين واليهود باإلسالم لكنهم رفضوا. في نفس الوقت الرسول قال إنه خاتم األنبياء وال نبي بعده. اليهود والمسيحيون قالوا دياناتنا أقدم وأعرق فرفضوا االلتحاق باإلسالم. هذا الرفض استمر في إزعاج المسلمين إلى حد اليوم وغضبهم تجاه المسيحيين واليهود ال يزال مستمرا. المسلمون عليهم أن يعيشوا ديانتهم وأن يدعوا اآلخرين يمارسون شعائرهم وديانتهم كما يرغبون. الجديد: أال تفعل المسيحية نفس الشيء التبشير موجود في المسيحية أيضا راوتر: صحيح لكن مشكلة اإلسالم أنه خاتم الديانات وأن الكلمة األخيرة له وكان على الجميع االنصياع له واالنضمام تحته لم يحدث هذا وربما لهذا ال يزال اإلسالم يعاني من هذا الرفض ويتحايل عليه. هذه تروما عميقة في اإلسالم. في النصوص الدينية هناك دائما مقارنات بين اإلسالم وباقي الديانات. أعتقد أن اإلسالم يجب أن يتوقف عن مقارنة نفسه مع الديانات التي سبقته ويتأقلم مع فكرة أنه ليس الدين الوحيد والعالمي واألوحد. الجديد: هل تزور المنطقة العربية راوتر: ال أجرؤ على زيارة مصر بعد األحداث األخيرة بها لألسف. حاورته في هولندا: لمياء المقدم العدد - 16 مايو/ أيار
69 شعر أندلس القاطرات حسام الدين محمد أزرق الفنان وقيثارة الشاعر نصيرة تختوخ أصوات هناك مساحة حرجة وم ت حد ي ة يجتمع فيها المبدع والمتلقي تضع على كاهل االثنين مسؤولية العملية الجمالية وانتصارها في المجتمع. سنترك أجدادنا نائمين على هضبة السنديان ونرحل من آخر الليل نحو أقاصي الجهات اإلحساس بالتموضع فيها يستشعره المرء أكثر عندما يدرك أن أحد أساسيات الم ن ج ز اإلبداعي هو دفع الخيال نحو حدوده القصوى والز ج بالمنطق خارج حصانته لتعريضه لصدمة الجمال المبتكر. تستقبله الحواس من الفن وي حدث ما ارتباكا داخليا ويدعو إلى إعادة ترتيب الوعي واإلجابة عن أسئلة من قبيل: المعم مين أو المتسر عين في أحكامهم الذين ينفضون عبارات يائسة من الفن الذي ترى أنه تبعثر في الفوضى. لم ولماذا وكيف ي شير غالبا إلى وجود من طبيعة األشياء أن أصحاب الموهبة سنحفظ ألعاب أطفالنا في صدوع البنايات ثم نحر ر أجنحة الله فينا ونطير بريش القطا هاربين بأرواح أحفادنا نحو نوح السفين وصخر النجاة سنمشي على الماء مثل المسيح على جثث الغارقين وأشباحهم ونقوم معا بعد صيحات ديك ثالث علقن بحبل اللهاة سنحمل صفعات آبائنا )كي نصير رجاال...( على ظهرنا المنحني... ونحاول أال نصير طغاة سنشبك قبالتنا لبنات العمومة في نحلة القلب نحبسها في خروم المناديل فيما نود ع أرضا فأرضا فتمسكنا شهقات المهاة سنترك ماء الخصوبة في عهدة الصولجان ونهدي أحالم جيناتنا لنساء الغزاة ستنقذنا األمهات من الحوت يسحبننا من حليب المشيمة من حبل سر تنا الباطني فنطفو على الماء جوعى حيارى عراة سيسألننا األمهات عن البحر... كيف رمانا إلى حتفنا فحرثنا حقول أوروبا لنخبط نرد الحياة سنخبر كيف عبرنا إلى بحر إيجة وتهنا كعوليس في الساحرات وكيف أخذنا البحر الى غابة في فرنسا وطو قنا المسعفون بأسالكهم والهدايا فقلنا سالما على خيمة في فيينا ونهر ببرلين سالما على الالجئين سالما على وطن نقترضه ليوم الحساب سالما لمنفى وسيع بعرض الشتات سالما ألندلس القاطرات. شاعر وناقد من سوريا مقيم في لندن رهان يتجاوز مجرد محاكاة الجمال أو صناعته إلى حمل الفكرة الجمالية والتعبيرية شاق ة كانت أو ثقيلة ومواجهة الواقع بانعكاسه أو قلق انعكاسه وتطوره مع ا. األمر هنا ليس متعلقا بالحداثة أو رهانات الفن الحديث فقط بل هو حديث عن خاص ية متأصل ة في االشتغال اإلبداعي منذ القدم. وقد يكفي تأمل بعض المنحوتات التي توصف بالبدائية لشعوب ومجتمعات توز عت على القارات الخمس إلحالتنا إلى حقيقة تعقيد مستويات التفكير والخيال واإلتقان عند اإلنسان رغم بدائي ته. وإذا كانت محدودية أدواته ورصيده المعرفي يزيدان من تقديرنا أو إعجابنا بصنيعه الفني إال أن هما ليسا ضروريين إلدراك مدى قدرته على التجريد واللجوء إلى مساعدة الخيال للخروج بما يناسب واقعه. االستغراب الذي قد يعترينا ونحن نشاهد بعض التماثيل أو األقنعة أو حت ى الر قصات المرك بة للشعوب البدائية قد ينتفي جزئي ا أو كلي ا إذا ما فهمنا الرمزية الكامنة خلفها أو التناغم المنشود منها. المبدع المعاصر مؤهل بالتقنيات الحديثة وتراكم المعرفة للتوج ه نحو آفاق جديدة والمتاح له أكثر من سابقيه دمج أشكال فنية متعد دة في آن واحد. المتلقي المزامن له من المفترض أن يكون مزو د ا بما يكفي من اتساع وانفتاح وفضول الستقبال الجديد من دون رفض أو قمع مسبقين. استعداد المتلقي للنقد والتقييم يقع ضمن حق ه في التفاعل مع ما ي ع ر ض عليه وي ناسب طبيعة التشارك التي تجعل من المولود اإلبداعي مستباحا حس ي ا من جانب جمهور واسع ال يقتصر على م ب د ع ه أو عائلة الذكي ة يبقون ذوي رؤية متميزة غير محتاجين للتقليد ومجاراة الشائع سبيال قد يصم ون آذانهم عن أشياء كثيرة لكنهم يستمعون بطريقتهم إلرشادات إلهامهم وخيالهم ويسعون في طريقهم اإلبداعي باإليقاع الذي يناسبهم ويرضيهم وهم ال ينقرضون كما ال يستسلمون بسهولة. وإن كان عدم االنتباه لهم أو عدم منحهم فرصتهم المستحق ة يسب ب أذى لهم فإن األذى األكبر من حيث عدد المشتركين فيه والمتضررين به هو ذاك الذي يحدث عندما يسود االستياء من المشهد الثقافي وطغيان الال مباالة بوضعه أو مفاقمة حالته عوض معالجتها. بيكاسو الذي يحب البعض أعماله ويتهك م عليها البعض اآلخر أنجز ما بين عام 1903 و 1904 لوحته عازف القيثارة العجوز فألهمت واالس ستيفانس لقصيدته الرجل ذو القيثارة الزرقاء وكان من ضمن ما كتبه فيها قالوا عندك قيثارة زرقاء لن تعزف األشياء كما هي/رد الرجل: األشياء كما هي تتغير على القيثارة الزرقاء/وقالوا عندئذ: لكن اعزف/ عليك أن تبدع/ لحنا يتجاوزنا لكنه نحن/لحنا على القيثارة الزرقاء/عن األشياء كما هي بالضبط. تفاعل المتلقي الشاعر هنا خرج من أزرق الفنان إلى أزرق عميق آخر يرفع الفن ليعب ر عن األشياء ويغي ر واقعيتها على طريقته التي يقبلها اآلخرون ويقبلون عليها. وهم يحتاجونها ويزيدون عليها لو تفاعلوا معها بما يجعل تناسل اإلبداع وتحليقه ممكنا. في المساحة المشتركة بين المبدع والمتلقي ليس مطلوبا أجمل من هذا. كاتبة من المغرب مقيمة في هولندا فني ة صغيرة. لكنه يكون ظالم ا ومقص ر ا في أدائه عندما ينضم إلى العدد - 16 مايو/ أيار
70 شعر ث ر ث ار ة الو ح يد ات رشوان عبد الباقي خلود الفالح ف ي الخ م س ين ت ص ب ح ين ام ر أ ة أ خ ر ى ت ث ر ث ر ين م ع ص د يق ات و ح يد ات ع ن الر وم ات يزم الذ ي أ ت ع ب الر ك ب ت ين الن و م الم ت ق ط ع الع ش اق االف ت ر اض ي ين و الح ب ف ي أ ف ال م األ ب ي ض و األ س و د ت و اص ل ين الغ ن اء : أ ن ا ع ن د ي ح ن ين ت ش ب ه ك ق ص ائ د آن ا اخ م ات وف ا و ق ص ة ح ي ات ه ا الم ح ز ن ة س ت ه ت م ين أ ك ث ر ب ن ع وم ة ي د ي ك ط ال ء األ ظ اف ر خ ل ط ات ش د الب ش ر ة و ص ف ات الو ز ن الم ث ال ي ف ي س ن الخ م س ين ت ر اق ب ين ن ف س ك ك ح ك اي ة م م ل ة. **** ه ن اك أ ش ي اء ال ي م ك ن االس ت غ ن اء ع ن ه ا الن ب ت ة الخ ض ر اء ف ي م ط ل ع الد ر ج ق ص ائ د ي س ين اري وه ات ص د يق ات ي الج د يد ات الم م ل ة األ ب اج ور ة الت ي ت ن ير ل ي ل ب ي ت ي الش اه د ة ع ل ى خ ال ف ات ن ا الل ذ يذ ة ص و ت ك ح ين ي ق ول : أ ح ب ك ي ا. **** الف ت ي ات الص غ ير ات ي م أل ن الف راغ ب ح ك اي ات ق د يم ة ع ن آب اء ذ ه ب وا إ ل ى الح ر ب و أ م ه ات ي ص ن ع ن الف ر ح. الف ت اة الص غ ير ة ب ر ف ق ة الد م ي ة الو ح يد ة ت ت أ م ل ب ك اء الض ي وف ع ن آب اء ذ ه ب وا إ ل ى الح ر ب! **** الم ر أ ة الو اق ف ة أ م ام الم ر آة ال ح ظ ت أ ن ه ا ك ب ر ت ج د ا و م ا ت ت م ن اه أ ن ي ف ت ق د ه ا م ن أ ح ب ت. س ت خ ب ر الص غ ير ات أ ن الح ب ل ي س م ا ي ك ت ب ف ي س ين اري وه ات األ ف ال م ت ت أ م ل و ج وه الف ن ان ات ع ل ى ش اش ة الت ل ف ز ي ون الم ح ق ون ة ب الب وت ك س و الف يلر ي ع ج ب ه ا غ ر ام ه ن ب الح ي اة. ف ي الم س اء ت ك ت ب ر س ائ ل ط و يل ة ع ن ن ب ات ات م د خ ل الب ي ت الت ي ذ ب ل ت الم ال ب س الت ي ت ن س اه ا ع ل ى ح ب ل الغ س يل أل س اب يع و الو ق ت الذ ي ت ق ض يه ف ي ت ل م يع الغ ب ار ع ن ص ور ت ه ا الق د يم ة. س ت ت ب ع ن ص يح ة إ ح د ى الص د يق ات ب أ ك ل الش وك وال ت ة أل ن ه ا ت ب ع ث ع ل ى الس ع اد ة و ت ح س ن الم ز اج و ق ب ل أ ن ت ذ ه ب ل لن و م ت ر د د أ غ ن ي ت ه ا الم ف ض ل ة ل ص ب اح أحس قد إيه وحيدة. *** ب ح ة ص و تك و ر ائ ح ة م ن ز ل ن ا الذ ي أ ص ب ح أ ك ث ر ه د وءا م ش ه د ل ص ور ة ف وت وغر اف ي ة. *** ر ف يق ات ي الق د يم ات ات خ ذ ن ق ر ار ن س ي ان الو ح د ة خ ار ج ب ي وت ه ن ال ت ق ط ن ص و را م ل و ن ة ل ت ش ي يد الع ال م ب ت ار يخ ج د يد ر ق ص ن ع ل ى ص و ت نانسي عجرم ت ار ك ات ح ليم ي ر ق د ب س ال م ل ن ي ش غ ل ه ن م ا ي ج ر ي ف ي الع ال م ع ن ك ت اب ة س ير ة ح ي ات ي ة غ ير ص ال ح ة للن ش ر ع ن أ ن ف س ه ن األ ي ام الخ و ف الق ض اء و الق د ر و ف ي ك ل ي و م ي ق ل ن أل ن ف س ه ن ف ي الم ر آة: ص ب اح الخ ي ر. **** ف ق ط ل و ت ن ض ج ين ق ل يال و ت ت ر ك ين ت و ق ع ات م اغ ي ج م ان ة و ك ار م ن س ت ت س ع الم د ين ة الب ت س ام ات ك. *** ف ي ظ ر وف ع اد ي ة ج د ا الن س اء الت ع يس ات ي ت ع ق ب ن م و ج ة د اف ئ ة ف ي ن ش ر ات الط ق س ف ي ظ ر وف ع اد ي ة ج د ا وب الت ق س يط الم ر يح ي ب ع ن ذ ك ر ي ات ف ر ح و ب ال ون ات ج م يل ة. *** ك م م ر ة أ ح ب ت ه ت ر ك ت الق ص ائ د ع ن د الن اف ذ ة ل ت ن م و ب ه د وء أ ح ب ت ف ي ر وز أل ج ل ه الم ظ ال ت الس ف ر و ك ال م األ ط ب اء ع ال م الر و اي ة و الش ع ر و الي و م ك م م ض ى م ن الو ق ت و ه ي ت ح ب شاعرة من ليبيا العدد - 16 مايو/ أيار
71 قص دعوة نهاد الرتك بصري في فراغ الحجرة الخالية إال منى أجلس مددت القرفصاء في ركن ركين. فبدوت كعصفور جريح مكسور الجناح أخفق في الطيران فانكفأ على نفسه مستغرقا في أنينه. شد انتباهي طائر جميل وغريب لم أر مثله حط على جدار نافذتي ونقر الزجاج ليقول لي لست وحدك أنا بالداخل وهو بالخارج يفصل بيننا الزجاج. عندما اقتربت منه طار فزعا وتركني وحيدة. بدأ المطر ينقر زجاج النافذة نقرا خفيفا. ثم ما لبث أن اشتد المطر. كنت آمل أن أستضيف الطائر في حجرتي. فتحت النافذة على مصراعيها تدليت ألنظر إلى الشارع.. بدأ المطر في الهطول حتى كاد يكون سيال أحال الشارع إلى بركة من الوحل هرول المارة يحتمون بمداخل البنايات والمظالت اتجه نظري إلى رجل ال أخطئه. هو بعينه بطول قامته المفرط وجثته الضخمة ولحيته الشعثاء وعبوسه المعتاد وعينيه الواسعتين لدرجة مخيفة. يقبض بيده على يد طفلة صغيرة رقيقة يجر ها جر ا خلفه كأنها كبش سيق للذبح وهي بدورها تجر أوحال الطريق بأطراف ثوبها الطويل الجرجار بدا المشهد كأن الرجل ذئب متوحش يقبض على عصفور جريح بين التوأم سهير شكري مخالبه. ناديت عليها بكل قوتي من بوقي الصدئ ألحذرها لكنها لم تسمعني. لن أنتظر طويال مكتوفة اليدين حتى تقع الكارثة. لن أتركها.. إنها توأمي السمراء. صحت عليه: قف إياك أن تتزحزح عن مكانك أيها القرصان لن أتركك تفر بها أعرفك جيدا مهما تخفيت وصبغت شعرك األحمر الجني بهذا اللون األسود الكئيب. لن تخدعني مهما تنكرت. *** أنا مصرة على استرجاع توأمي من بين مخالبك الحادة قبل أن تنتهك حرمتها وتفترس براءتها وتقتلها ثم تجلس هادئا تقلب جسدها الغض على الجمر بيدك الموشومة بالدماء في تمهل لتصنع من رفاتها كأسك الشهير وتحتسى فيه خمرك منتشيا وأنت تحتضنه بفرح ألق ألنك استحوذت عليها وحدك فيصير وجهك وجسدك وشعرك أحمر وعيناك حمراوتين. هل هذا عشق أم جنون لو أني مت ماذا ستفعل المسكينة من سيحذرها لو كسر بوقي من سيلملم رفاتها من بعدي أراه واقفا والشمس حمراء فوق رأسه تزيده احمرارا يستند على عامود ضخم من الهواء يراقبها عن بعد ال يرفع عينيه عنها كضبع يترقب فريسته يتحين الفرصة لالنقضاض عليها واإلنفراد بها فال يتركها إال بعد أن يصنع من رمادها كأسه المشؤوم. حتى لو مت ستهرب روحي من قبري وأختلس اللحظة التي ينام فيها رفاقي الموتى وأتسلل خارجة أبحث عنها. لن أهدأ حتى أعيدها إلى أمي ونجلس سويا في البستان الشرقي. لماذا فصلونا عن بعضنا عند توزيع التركة أنا البيضاء الشقراء ذات العيون الزرقاء من نصيب أمي التي أشبهها تماما وتوأمي السمراء التي تشبه أبي إلى حد التطابق من نصيب جدي الذي تشبث بها إلى حد الجنون بعد موت أبي. وزعنا وقسمنا كما تقسم األموال واألراضي وبقية األشياء. أنا اليوم أصبحت أتمتع بحنان أمي أما توأمي مع جدي أراها تأفل ولن تصبح سوى جارية لقد بلغ به هوس امتالكها حد الجنون يجب أن ألحق به قبل وقوع االنفجار. *** هو ال يهدأ أبدا والكأس الذي بين يديه لن يروى عطشه مازال يطلب المزيد. لماذا فصلونا نحن التوأمين كل شيء يكفى لنا نحن االثنتين فلماذا قسمونا المهم اآلن أن ألحق بها سريعا قبل أن يتم اغتيالها لن أرحمه هو الذي مزقنا ونزع توأمي منى. صرنا نقف على ضفتين كل منا ظهره لآلخر ال ينظر بعضنا بعضا. ولو انقلبنا أفقيا صارت إحدانا العليا واألخرى السفلي هي الخائفة المرتابة دوما تجلس متقوقعة في ركن ركين. وأنا المبتهجة دائما الجالسة على مقعدي الذهبي. إنها قسمة جائرة. صرخت وبكيتها حتى جفت دموعي فأفهمتني أمي أنها ستزورني على هيئة طائر غريب لكن الطائر فزع وطار بعيدا وتركني وحيدة. لن أتركها بعد أن مر ت من تحت نافذتي كأنها تستنجد بي. هرعت أجرى خلفهما أللحق بهما قبل أن يغيبا عن ناظري وتتكرر المأساة ظللت أجري أجري أبحث في كل اتجاه لم أعثر عليهما لن أسامح نفسي إذا فشلت في العثور عليها لن أعود إال بتوأمي. *** وقفت حائرة ال أعرف إلى أي اتجاه أتجه لقد ضللت الطريق لم أستدل على طريق العودة إلى بيتي.. وال الطريق الذي سلكته توأمي تاهت عن ناظري وجدت نفسي في أرض غريبة.. أين أنا ومن أي اتجاه جئت وإلى أي اتجاه أسير الظالم يحيطني من كل جانب لف ني الصمت الرهيب حاولت أن أشقه بصراخي حتى بح صوتي وتحشرج أصابني الرعب أكثر أغرقني المطر فارتعش جسدي األسمر النحيل بشده. وجلست منكفئة أنظف األوحال عن ثوبي الطويل الجرجار. كاتبةمنمصر تدعو الكتاب والمفكرين العرب إلى المشاركة في محاورها وملفاتها القادمة الكتابة المسرحية نصوص مسرحية عربية تيارات التفكير العربي ظهورا ومدا وجزرا حال الكتاب العربي كيف تنشر الكتب في العالقة بين الكاتب والناشر والقارئ االستبداد الشرقي دور الحاكم المستبد في صناعة االستبداد الديني الشعر والتجريب هل وصل التجريب الشعري العربي إلى حائط مسدود الكتابة النسائية العربية هل تكتب النساء العربيات بلغة الرجل أم أن اللغة بال جنس الصحافة الثقافية العربية أحوالها توجهاتها عالقتها بالكتاب والقراء فكر حر وإبداع جديد العدد - 16 مايو/ أيار
72 كتب رسم يرمز إىل الديانة البهائية مقدمة في األديان والمذاهب بالعراق حول موسوعة من ثالثة أجزاء ذلك العام وحتى تاريخ االنتهاء منه )يوليو/ منذ تموز 2015( بشكل تام والعمل في هذا الكتاب ظل مستمرا بال انقطاع شمل القديم والحديث قدر المستطاع. فالخارطة واسعة والت اريخ عريق والظ روف ال تسمح باالكتمال. لذا ما إن أكملت شيئا منه حتى أصدرته تحت عنوان األديان والمذاهب بالعراق )جزء واحد( فبعد الحوادث الجسام والهزات التي رشيد الخي ون أصابت المجتمع العراقي كان القلق على الت عدد الد يني والمذهبي أن يصبح خبرا م ن األخبار هذا أبرز األسباب التي جعلتني أاصدر الكتاب قبل اكتماله وظل العمل مستمرا به إضافة إلى ما صعب إلحاقه من المكونات الد ينية في تلك الطبعة فصدر بعد أربعة أعوام جزءا واحدا أيضا واستمر البحث ليصدر في طبعته الكاملة هذه بثالثة أجزاء وذلك بعد اإلحاطة بما نقص في األديان والمذاهب وما لم ي لحق به مع عدم إغفال ما صدر م ن طبعات للكتاب مزو رة بلغت ثالث طبعات م ن غير التي سمعت عنها ولم أعثر عليها وبأسماء ناشرين لم ألتق بهم يوما م ن األيام حتى تبر عوا وأشاروا لما زو روا بأرقام طبعات )الث انية والث الثة( وما هي إال الط بعة األولى التي صدرت )2002( عن منشورات الم لل والن حل الع راقية مثل حركة حه قه مذاهب المسلمين فنعتقد:لم يكن الن اس كتابنا»مئة عام م ن اإلسالم الس ياسي الجمل. وجدت أن احتواء الكتاب على الصالت والمشيخة البارزانية والش بك فإضافتهم شيعة وس ن ة والبداية كانت بالتمذهب بالع راق«مستوعبا تلك الت طورات في المشهد التاريخية بين الجماعات الد ينية والمذهبية وتاريخ إلى الجزء الث الث ال يعني أن رابطا يربطهم سياسيا لذلك يبرز الش يعة قبل غيرهم في الس ياسي الد يني. فبسقوط الن ظام العراقي هذه الديانة أو تلك الط ائفة ما تجب اإلشارة إليه في بالبابية والبهائية واألخيرة أحد فصول هذا المضمار. الس ابق برزت مستجدات هائلة في الوضع عنوان الكتاب بحلته الجديدة ليكون األديان والمذاهب الجزء الث الث م ن الكتاب. نسبق القارئ إن موضوعا متشعبا ومتداخال مثل موضوع الد يني والمذهبي فكان فراغ الس لطة على بالعراق.. قديما وحديثا. الل بيب إلى ذلك كي ال يحكم م ن خالل األديان والمذاهب بالعراق يصعب اإللمام مدى شهور اختبارا حقيقيا آلصرة المواطنة كان انطالق الكتاب م ن العالقة بين األديان واإلسالم مطالعة المحتوى على تسلسل الفصول بأنها بكل جوانبه فهو تاريخ وعقائد وعالقات بين أديان ومذاهب العراق بعد ظهور على اعتبار أنه غط ى الفترة التي بدأت بالخالفة جاءت على أساس اإلسالم وخارج اإلسالم اجتماعية وسياسية متشابكة خضع كل توقعات متشائمة كانفجار حرب أهلية بين اإلسالمية مع بحث أاصول الد يانات لذا حوى الكتاب لهذا نلفت الن ظر في هذه الطبعة الجديدة دين ومذهب منها لدراسات متناقضة في س ن ة وشيعة العراق وتوقعات أاخرى أنذرت مادة تراثية غزيرة تعكس الحياة بين الجماعات العراقية م ن الكتاب المنقحة والمزيدة بفصول جديدة المعلومات ومنها ما ق د م بمواقف مسب قة بهجرة المسيحيين والص ابئة المندائيين فقد غط ت فترة الخالفة اإلسالمية أكثر م ن سبعة قرون واستدراكات لم تحوها طبعة الكتاب بجزء بعيدة عن الحياد. لذا وجدت م ن الص عوبة واأليزيديين حاال م ن البالد وكل م ن ال ) ه( عاشت فيها األديان والمذاهب الفرج والش دة لكن ذلك الز من ال يسمح باإلزاحة الكاملة في واحد. إنه تصنيف أو ترتيب تقريبي ال أكثر ألن بمكان العثور على الد راسة أو الر واية الموضوعية غير المشو هة من قبل اآلخر. يرغب به المتشددون اإلسالميون. ما حدث خالف مجمل تلك الت وقعات قياسا أوقات الش دائد مثلما توجد وسائل الهجرة واالحتواء الحوادث شائكة ويصعب التحديد بين بفعل هذا الت عقيد والت شعب جاءت إضافات بعدد سكان العراق وما خلفه الن ظام الس ابق الخارجي وعلى وجه الخصوص الهجرة للبحث عن األقدم واألحدث وعلى الخصوص بالن سبة وتصويبات عم ا نشرناه سابقا م ن كتابنا م ن مآس وكوارث اجتماعية وبيئية لم حياة أفضل باألميركيتين وأوروبا فكيف إذا تعرض إلى بعض األديان السابقة على اإلسالم. هذا وبعد تطور الدراسة وجدناه موسوعة تحصل حرب طائفية شاملة بعد أن سعى بدأ العمل في هذا الكتاب كموسوعة لألديان والمذاهب بالعراق منذ )1998( وكان القلق دافعا مهما في تصنيفه على التعايش الد يني والمذهبي والوجود العراقي المختلط بسبب تسارع حركة الهجرة والتهجير إلى الخارج حتى بدا الع راق طاردا ألهله بمختلف انتماءاتهم وم ن العادة أن الهجرة تبدو واضحة وملحوظة على األقل عددا وهي الجماعات القديمة التي عاشت فوق هذه األرض حتى يكاد ينتهي وجودها انتهاء يهوده م ن قبل. أتباع الد يانات والمذاهب إلى نوبات إرهاب شديدة وتفاقم الكراهية ضدهم لم يجر توزيع وترتيب فصول الكتاب على أساس الد ين أو المذهب إنما على أساس ما نعتقده في األقدمية وهذا ليس مبتوتا به بل مجرد وجهة نظر تحمل الخطأ والص واب فمثال وجود اإلمامية الش يخية في الجزء الث الث ال يعني إخراجهم م ن حوزة اإلسالم أو الت شيع اإلمامي إنما لوجودهم المتأخر وكذلك الحال مع بقية لذا يبدأ الكتاب بالص ابئة المندائيين وذلك لصلتهم بتقاليد الد يانة الس ومرية والبابلية بوجه م ن الوجوه واعتقادهم أن كتابهم نزل على آدم وأن البشرية بدأت مندائية وتنتهي مندائية ثم األيزيدية لصلتها بالديانات القديمة كالمثرائية يضاف إلى ذلك أنهما الد يانتان ذات األصل الع راقي -على ما نتصور- أكثر م ن غيرهما. أما بالنسبة إلى ال كتابا م ن تصحيح إخفاق في تحقيق رواية أو تشذيب معلومة أو إضافة ما تجب إضافته على ما ورد في تاريخ أو عقيدة هذا الد ين أو ذاك المذهب وما استجد من اكتشاف مصادر. غير أن األهم من ذلك كله هو مالحظة الت غيير الكبير الذي حدث بالعراق في التاسع من أبريل )نيسان( 2003 وكنا أصدرنا إليها م ن سعى وبقوة لكن قيام الس ياسة الع راقية على المحاصصة والت صريح بالحس الط ائفي أنسى القوم وجود تلك الكيانات ضاربة الجذور في أرض الع راق وصارت الهجرة م ن جديد ضالة الع راقيين م ن مختلف أطيافهم إال أن ذلك يكون واضحا بين الط وائف ذات العدد المحدود كالص ابئة المندائيين والمسيحيين مع ما وقع عليهم العدد - 16 مايو/ أيار
73 كتب م ن ضيم م ن قبل الجماعات اإلرهابية ومع ذلك فهؤالء ما زالوا متمس كين باألرض والع راق ال يبقى هو الع راق إذا خلت أرضه م ن هؤالء. م ن دون الن ظر في الجزئيات ظهر العراقيون على مختلف أديانهم ومذاهبهم أكثر تمس كا بالمواطنة التي جمعتهم منذ زمن بعيد وما حصل م ن قتال كان بين ميليشيات وأمراء حرب وليس بين الن اس )الش عب(. وبالجملة فإن ما حصل م ن تجاوزات ضد األديان ا أالخرى كان بسبب الجماعات المتشددة المسلحة وم ن في قلبه طمع بدار ومال غير منقول سيتركه أولئك الن ازحون تحت الحراب مثلما حصل في األربعينات والخمسينات م ن القرن الماضي ليهود العراق. تلك الجماعات التي وزعت إيذاءها على الجميع وما سب به العائدون تو ا م ن إيران م ن الحاملين عقلية اإلعالم الد يني المتشدد م ن ضغوط على بقية أهل ا أالديان له خطورته لكنه سينحسر مع تقادم األي ام والت مرس على الد يمقراطية إن كانت هناك نية صادقة لدى الكيانات الس ياسية العراقية من إقامتها سليمة ال مترد ية. بيد أن صعود متدينين في المحافظات الجنوبية محسوبين على ك تلة دولة القانون ومعظمهم م ن حزب الد عوة أو تفر عاته إلى درجة محافظ وأعضاء في مجالس الحكم أد ى إلى الت ضييق على الص ابئة إلى حد قطع الماء عن بيت عبادتهم كل يوم أحد جرى ذلك بوضوح بالبصرة )]1[(. أشارت الت قارير إلى ضخامة وجود الجماعات التكفيرية بكثاف ة بالفلوجة واألنبار وتكريت وأجزاء م ن بعقوبة والموصل. أي بما ع رف في اإلعالم بنية مبي تة بالمثلث الس ن ي وما عرف بمثلث الموت ومركزه الل طيفية جنوب بغداد وتنسيق هؤالء مع الجماعات المسلحة ا أالخرى م ن المتضررين م ن الممارسات الجديدة مثل قانون االجتثاث السي ئ كونه قانونا ثأريا. سعت تلك الجماعات إلى تحريك فتنة دينية ومذهبية لم يألفها العراقيون من قبل. أومأت رسائلهم إلى العمل على تغذية حرب أهلية بين الش يعة والس ن ة عبر تفجير مساجد شيعيةوس ن ية على حد سواء لكي تتهم الطائفتان إحداهما ا أالخرى فتنشب حرب ال يعلم إال الله مدى خطورتها على آصرة المواطنة العراقية. وقيل إن هناك يدا تمتد بالخفاء لفعل تلك الش نائع وهي تمد المسلحين م ن الطائفتين. فمثال ما زال مقتل السيد محمد باقر الحكيم )أغسطس/آب 2003( بعيدا عن فعل القاعدة والس بب أن التفجيرات ل غمت بهيكل سيارته التي كانت محمية وأن القاعدة آنذاك لم تكن على هذا المستوى م ن الفعل. إال أن تحرك العقالء م ن الط ائفتين واكتشاف هول هذا المخطط مبك را أفشل تنفيذه في بداية األمر وتمكن م ن السيطرة عليه إلى حد لجم الص دام بين المدن والعشائر فمثال حلت المسائل المتعلقة بقتل الش باب الش يعة بالفلوجة أو تفجير المساجد بروي ة وعقل. كذلك كان لظهور جيش المهدي تأثيره الس لبي في وحدة النسيج الش يعي مما جعل شيعة كثيرين وبالن جف ذاتها ال يحب ذون وجوده وما كنا نحذر منه م ن شخصيات فاعلة فيه وقد أعلن في ما بعد الت يار الص دري نفسه البراءة منهم ودعا إيران إلى عدم االستمرار في استضافتهم وإقراره بما ارتكبوا م ن الجرائم )]2[(. على نطاق الس ن ة تأسست الص حوات م ن عشائر األنبار وغيرها وأسهمت بفاعلية في إخالء البلد م ن تلك الجماعات. فما حصل م ن مواجهات بين أطراف شيعية لها حضورها وتاريخها الس ياسي مع جيش المهدي أكد أن الن سيج الش يعي فيه أكثر من لون على الر غم م ن أواصر المذهب الجعفري التي تجمعهم والحال بين أهل الس ن ة هو نفسه. في الوقت الذي أشارت فيه أصابع االتهام إلى دور لعمائم محسوبة على الص دريين في قتل الس يد عبدالمجيد الخوئي في العاشر م ن أبريل )نيسان( 2003 وهو نجل المرجع األعلى أبي القاسم الخوئي )ت 1992( وكان مشهدا مؤلما لما فيه من وحشية وتجر د من اإلنسانية التف حول الص در المئات ثم اآلالف م ن الش باب ورجال الد ين مم ن درسوا في حوزة والده الد ينية بالن جف يتظاهرون باستنكار العمل مع األميركان والبريطانيين. بينما نس قت بقية األحزاب الش يعية شأنها شأن أحزاب المعارضة ا أالخرى الد ينية والعلمانية العربية منها والكردية والتركمانية واآلشورية مع قوات الت حالف إلعادة بناء الد ولة على أنقاض الحرب التي هدت صباح األربعاء التاسع من أبريل )نيسان( 2003 مؤسسات الد ولة بكاملها. لقد حدثت تطورات عديدة في مسار العالقة بين األديان والمذاهب العراقية فبعد تغييب صوت تلك المكو نات في الفترة الس ابقة أخذت تطالب بوجود مناسب لها في الوزارات ومجالس البلديات وفي رأس الس لطة وبوجود فاعل حقيقي يعكس مثولها على األرض. هناك إشارات إلى ارتفاع عدد أديان الع راق م ن خمسة أديان إلى سبعة بعد إعالن البهائية وما يفهم م ن كا كه يي )أهل الحق( كديانتين. وسعيا إلى تأكيد الوجود أعلن جماعة م ن الص ابئة المندائيين عن تأسيس حزب أو تجمع سياسي خارج رغبة رجال الد ين أو مجلس الط ائفة الر وحاني األعلى بالعراق. ألن ليس م ن تقاليد هذه الد يانة أن تهتم بالش أن الس ياسي المباشر. لكن هناك حقيقة أخرى وهي أن األديان والمذاهب ذات الكثافة السكانية األقل قياسا بالس ن ة العرب والش يعة العرب أيضا كانت ممثلة أساسا عبر تكويناتها القومية أو اإلثنية. فالص ابئة حسبوا على نسبة العرب وعلى وجود أبنائهم داخل األحزاب الس ياسية العراقية غير اإلسالمية بطبيعة الحال كالحزب الش يوعي العراقي وحزب البعث العربي االشتراكي. كذلك ح سب المسيحيون على نسبة الكلدو آشوريين. بينما ح سب األيزيديون على الن سبة الكردية مع تأسيس جماعة منهم لحزب سياسي لكن ه لم يكن حزبا دينيا. ربما توزع الكرد الفيليون بين الكرد والش يعة عموما مع وجودهم ضمن كيان خاص اجتماعي وسياسي. لهذا لم يتم تمثيل أهل ا أالديان غير اإلسالمية وأقصد بالت حديد المذاهب المسيحية المتعددة على أساس ديني أو مذهبي بل تم الت عامل معهم على أساس إثني. فكل مسيحي هو كلداني أوآشوري وكل أيزيدي هو كردي وكل صابئي هو عربي على الرغم من أن األصل هو آرامي حيث أجبرهم الت عايش الط ويل بين العرب وبأقلية على حصر لغتهم اآلرامية في طقوسهم الد ينية وال تجد مم ن يجيدها غير رجال الد ين وبضعة كلمات يحفظها المندائي عند الص باغة أو المعمودية وما عرف بالملواشة االسم الد يني لكل مولود صابئي وهم خالف المندائيين ا أالهوازيين في الحرص على تعليم أبنائهم لغتهم األولى منذ الص غر. في أجواء الحرية وهيمنة مقومات المجتمع المدني المتحضر تعلن الطقوس ويفرج عن مقاالت ووثائق ظلت مطوية لقرون ويحدث اتصال مباشر بين شيوخ ووجهاء ا أالديان كافة م ن دون أن يكون للس لطة شأن في ا أالمر. وم ن المحاوالت الجادة م ن أجل تنقية أاجواء الت جاور الد يني والمذهبي تشكلت بعد سقوط الن ظام الس ابق هيئة عليا للت ضامن الر وحي بين ا أال ديان المصطلح عليها بالس ماوية داخل العراق وكانت قد عقدت مؤتمرها األول ببغداد في 21 أغسطس )آب(.)]3[( 2004 لقد بدأت الد ولة العراقية خطوة صحيحة في العشرينات م ن القرن الماضي عندما جعلت معلمين من الط وائف الد ينية لتعليم األوالد الص الة بمعتقدهم في درس خاص حسب أديانهم مثلما يتعلم أوالد المسلمين أمور وتاريخ ديانتهم )]4[(. جاء في مذكرات مدير التعليم العام ساطع الحصري أن مدارس العراق الر سمية العام الد راسي ) ( ضمت )4288( مسيحيا و) 571 ( يهوديا و) 165 ( صابئيا وأربعة أيزيديين فقط. والطائفة األخيرة كانت بعيدة عن الت عليم والد ولة بشكل عام. مقابل )7101( طالبا مسلما س ن يا و) 3146 ( طالبا مسلما شيعيا. ثم تزايد العدد في العام ليصبح عدد الطلبة المسيحيين )4313( واليهود )740( والص ابئة )194( واأليزيديين )16( مقابل )8166( مسلما س ن يا و) 3802 ( مسلما شيعيا )]5[(. إن أي نقص في الت ركيبة الد ينية والمذهبية القائمة بالعراق سيؤدي حتما إلى تغيير وجه العراق نحو األسوأ. لذا أجد م ن الحكمة أن يحرص العراقيون ونظامهم الذي يريدون له أن يكون ديمقراطيا مدنيا على توفير الش روط القانونية والحقوقية لطمأنة أهل األديان ا أالخرى وإشعارهم أنهم األقدم في هذه األرض وهذه هي الحقيقة بعينها. وأن يحر م الت كفير واإلقصاء تحريما قاطعا على أرض الواقع مثلما هو محر م في الد ستور. أجد م ن الحق أن ي ضمن حق العودة لكل مهج ر عن أرضه وأال يستثنى يهود العراق بحجة مقارعة إسرائيل والصهيونية وأعني الر اغبين منهم وم ن أبنائهم. فمقارعة الص هيونية كانت ذريعة الرتكاب جريمة الفرهود في يونيو )حزيران( 1941 ضدهم وتهجيرهم تحرك العقالء م ن الط ائفتين واكتشاف هول هذا المخطط مبك را أفشل تنفيذه في بداية األمر وتمكن م ن السيطرة عليه إلى حد لجم الص دام رموز دينية مندائية عملة إسالمية قدمية العدد - 16 مايو/ أيار
74 كتب بإصدار قانون إسقاط الجنسية. فلهؤالء حقوق المواطنة وأمالك وعقارات هي جهد سواعد آبائهم وأجدادهم أمالك ما زالت معلقة تحت عنوان»األموال المجمدة«. يأتي كتاب ماضي وحاضر أديان ومذاهب العراق في مجمله رصدا تاريخيا واجتماعيا ال يخلو -بطبيعة الحال- م ن إيضاحات ألهم مقاالت األديان والمذاهب الفكرية والفقهية وكشف المشترك بينها وغالبا ما كان البحث وفقا لتسلسل األحداث الز مني. وبما أن الكتاب لم يختص بدين أو مذهب واحد لذا جرت محاولة اإللمام بأهم األحداث مع إبراز الت عايش بين الد يانات والمذاهب العراقية أثناء فترات الفرج والش دة منها. ومعلوم أن الت عرض لمثل هذه األحداث قد يغضب الكثيرين وي رضي الكثيرين في الوقت نفسه. تم االعتماد أوال في مصادر الكتاب على ما حصلنا عليه م ن مؤلفات أهل الد يانات على افتراض أن أهل مكة أدرى بشعابها. ثم ما كتبه اآلخرون م ن مؤرخين وجغرافيين م ن غير المناوئين. ولم نواجه صعوبة في جمع المصادر وخصوصا عند البحث في المذاهب اإلسالمية وال سيما أن المصادر األكثر كانت الت اريخية القديمة منها مع االبتعاد قدر اإلمكان عن إجابات موسوعات الم لل والن حل المختصرة في تعريف هذا الد ين أو ذلك المذهب. وما كن ا بحاجته م ن تلك المصادر هو الر واية الت اريخية وتأكيد إسنادها. فمن ك تب الت اريخ والت راث اإلسالمي حصلنا على مادة كافية لحياة غير المسلمين داخل المحيط اإلسالمي منذ أن أصبحت بغداد عاصمة للد ولة اإلسالمية. عكست روايات هذه المصادر تباينا في سياسة الد ولة على مختلف مراحلها تجاه مواطنيها الذ م يين ومدى مشاركتهم في الحياة العامة ومواقف الفقهاء المتباينة تجاههم بين متشد د ومتسامح. قاد هذا األمر إلى الت داخل بين فصول الكتاب للوقوف على وضع هذا المذهب أو ذاك م ن أهل الذمة. كما وردت في سياق البحث ترجمات عديدة ألهم الش خصيات الد ينية والفقهية المؤثرة في أديانها أو مذاهبها. تحدثت المصادر اإلسالمية -كتب الم لل والن حل مثال - عن مقاالت وطقوس األديان ا أالخرى لكن ما أوردته هذه المصادر ال يصلح مادة تاريخية إال في ما ندر ذلك لعدم حيادها وميلها للتشويه. استدعى ذلك البحث حول حقيقة عديد م ن المفاهيم مثل ا أالقانيم عند المسيحيين وما قيل في تزوير الكتابين: الت وراة وا إالنجيل وما يتعلق بعالقة الص ابئة المندائيين بالكواكب والماء وما تحدث به مؤرخو الس ن ة حول مقاالت الش يعة وبالعكس. ليس لنا الد خول في ماهية اعتقادات ا أالديان والمذاهب بالت فصيل بقدر ما وردت إشارات وافية لطقوس العبادة. ويأتي الت وسع حسب تجدر اإلشارة إلى قوانين أصدرتها الحكومات العراقية لحفظ األديان األ خرى م ن جور قد يمارسه المتزمتون والجهالء ضدهم مقيدا م ن حريتهم الد ينية حاجة البحث مع االلتزام بالت سلسل الت اريخي لوجود الد ين أو المذهب وهو يعيش تارة الت قارب وأخرى الت باعد مع اآلخرين. غير أن الت نوع الد يني والمذهبي على ا أالرض العراقية ظل سمة مميزة للمجتمع العراقي منذ الق دم ولم ي ن ف ر في أحلك الظروف طرفا ما نفورا تاما إلى حد الهجرة الجماعية. فما حدث لليهود العراقيين ) ( كان مشروعا اشترك فيه مسؤولون كبار في الد ولة العراقية واستغلت فيه العاطفة الد ينية والقومية وقبل ذلك مورس ضدهم الفرهود )1941( الذي أسهمت فيه فلول م ن الجيش قبل الل صوص وشج ع عليه مواطنون عرب بسذاجة تحت مشاعر العداء للص هيونية ومناصرة الن ازية وفي مقدمتهم الشخصية الفلسطينية المعروفة مفتي القدس أمين الحسيني )ت 1974( يوم كان مقيما ببغداد مع أن ما حدث حقق ألول رئيس وزراء إسرائيلي: بن غوريون )ت 1973( حلمه. تجدر اإلشارة إلى قوانين أصدرتها الحكومات العراقية لحفظ األديان ا أالخرى م ن جور قد يمارسه المتزمتون والجهالء ضدهم مقيدا م ن حريتهم الد ينية. فما قاله عبدالحميد عبادة )ت 1930( حول ما سم اه بأذان الص ابئة بأنهم»ال يؤذنون في محل عال مرتفع مثلنا )يقصد المسلمين( وإنما يؤذنون بينهم بصوت خفي» )]6[(. ليس م ن الد ين وإنما خشية م ن المحيط مع علمنا أنهم ال يؤذنون وال يضربون ناقوسا وال ينفخون في بوق لكن تأدية شعائرهم بسرية ال ت فسر إال بتلك الخشية وإال لماذا أخذوا ي عم دون أبناءهم على شواطئ أنهر بالد الغرب بعالنية. فهم م ن دون أن يؤذ نوا بصوت عال يالقون األذى فكيف إذا رفعوا صوتهم وبكلمات غريبة! من تلك القوانين: يعاقب بالحبس مدة ال تزيد على ثالث سنوات كل : 1 م ن اعتدى بإحدى طرق العالنية على معتقد إلحدى الطوائف الدينية أو حق ر شعائرها. 2 م ن تعم د الت شويش على إقامة شعائر طائفة دينية أو على حفل أو اجتماع ديني أو تعم د منع أو تعطيل إقامة شيء من ذلك. 3 م ن خر ب أو أتلف أو شو ه أو دن س بناء معد ا إلقامة شعائر طائفة دينية أو رمزا أو شيئا آخر له حرمة دينية. 4 م ن طبع أو نشر كتابا مقدسا عند طائفة دينية إذا حر ف نصه عمدا تحريفا يغي ر من معناه أو إذا استخف بحكم من أحكامه أو شيء م ن تعاليمه. 5 م ن أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية. وم ن قل د علنا نسكا أو حفال دينيا بقصد الس خرية )]7[(. في حال تطبيق هذه القوانين فعال ال قوال فقط يتساوى العراقيون على مختلف أديانهم ومذاهبهم وتحفظ مشاعر أتباع شيخ األيزيدية آدي الر اقد في وادي اللش وشيخ المندائيين دخيل بن الشيخ عيدان الراقد في باحة داره الكائنة بالدورة من جنوب بغداد ثم تحو لت رفاته إلى مقبرتهم بأبو غ ر يب ومراقد جثالقة المسيحيين ورؤساء جالوت اليهود وأن ينظر إلى تلك األمكنة مثلما ينظر إلى عتبات المسلمين المقدسة. ما زالت خارطة العراق الد ينية والمذهبية غنية بالت نوع وفي هذا الكتاب ن عنى باألديان الحي ة فقط. وال نأخذ عدد األتباع بنظر االعتبار فم ن اإلجحاف الت عامل بمصطلح ا أالقلية واألكثرية. ذلك لما في مصطلح ا أالقلية م ن حرمان وإلغاء للحقوق الت اريخية والش راكة المتوازنة في الوطن الواحد إضافة إلى ما يول ده هذا المصطلح م ن شعور بالض عف واالغتراب. وبالت الي يصبح الوطن وطن األكثرية واألقلية تعيش على هامشه. فالمواطنة قبل كل شيء حقوق ال تخضع لكثرة الوجود أو قل ته مع علم الجميع أن زيادة الت ناسل التي تأتي باألكثرية بسبب الز واج المبك ر وتعد د الز وجات أصبحت معوقا م ن معوقات الت نمية وتنم عن جهل حضاري وقصور في الت ربية واإلعداد الس ليم والش واهد على هذا كثيرة. ارتأينا تقسيم الكتاب في طبعته الث الثة إلى ثالثة أجزاء تضمنت ثالثة عشر فصال : لم ي قصد في الت وزيع بالن سبة إلى الجزء الث اني والث الث م ن الكتاب إخراج هذا المذهب م ن اإلسالم أو إدخاله فيه إن ما حجم الكتاب حت م على مؤلفه أن يكون بهذا الش كل فاألول جاء مختصا باألديان األقدم والث اني والث الث ضم ا مذاهب المسلمين المعتمدة وعلى األقدم مثلما أوضحنا ذلك في مستهل المقدمة أما الش بك فجعلتهم آخر الفصول لغرض سيأتي توضيحه. من وجهة نظري وهي تحتمل الخطأ والص واب أن الد ين الص ابئي المندائي بالن سبة إلى العراق ال سواها م ن البلدان هو الد ين األقدم بين الد يانات الحي ة لذا تقد مت دراسته الفصل األول من الكتاب. فالت سمية )الص ابئة( كانت مهيمنة على الد يانات العالمية بداية من بابل ومصر إلى الر ومان والهند ودخل تحت هذا االسم كل م ن جعل الت ماثيل والر سوم وسيلة للت عبد هذا ما أي ده المؤر خون المسلمون كافة وصابئة العراق مختلفون بطبيعة الحال فاالسم عندهم ال يتعلق بصبأ العربية وهو االنحراف عن الد ين بل هي متعلقة بصبأ التعميد أو الص باغة في الماء الحي. ليس هناك أهل دين اد عوا نزول كتابهم على آدم أبي البشر غير الص ابئين المندائيين وهو كتاب»الگنزا ر با«مع تحفظنا على هذا االدعاء لكن لألسطورة دورها في األديان كافة وكم م ن األساطير وغير المعقوالت ما زالت تأخذ مكانها في هذا الد ين أو ذاك. كذلك ما يشير إلى خارطة العراق الد ينية والمذهبية غنية بالت نوع وفي هذا الكتاب ن عنى باألديان الحي ة فقط. وال نأخذ عدد األتباع بنظر االعتبار فم ن اإلجحاف الت عامل بمصطلح األ قلية واألكثرية قدم هذا الد ين بين أديان أهل العراق أيضا صلته الوثيقة بالد يانة البابلية والمندائية هي الد يانة التي ينطق معتنقوها اللغة اآلرامية بلهجتها الش رقية والمعروفة نسبة لهم بالمندائية. سمعت من شيوخهم أنه دين الفطرة األولى به بدأ الد ين وبه سيختتم وما األديان ا أالخرى إال خارجة عن الد ين األول وسيظهر المسيح وسيملك العالم وفي آخر المطاف سيعود الن اس مندائيين مثلما بدؤوا. ولعل ورود اسم مرياي التي يذكر كتابهم الد يني اآلخر بعد»الگنزا ربادراشة إد يهيا«بابنة ملك بابل )]8[( على أنها اعتنقت الد يانة المندائية ي شجع على صلتهم ببابل وما يعنيه ذلك م ن ق دم في تاريخ الع راق الد يني. لكل هذا اجتهدنا في أن يكون الد ين المندائي أول الفصول. وإذا كان ظننا بأنه الد ين األقدم بالعراق فإن أهل الد يانة أنفسهم يعتبرونه ا أالقدم على اإلطالق. قال سالم الجحيلي وهو رجل متعمق في الد يانة م ن أهل األهواز عقيدة وتاريخا»تعتبر الد يانة الص ابئية المندائية م ن أقدم الد يانات على وجه الكرة األرضية ولها أهمية كبيرة بالن سبة إلى سائر ا أالديان اإللهية والعرفانية وحسب معتقدات الص ابئة أن دينهم قد بدأ مع هبوط سيدنا آدم على وجه األرض«)] 9 [(. أما الد يانة األيزيدية التي تشغل الفصل الث اني م ن الكتاب فهي امتداد ألديان ضاربة بالقدم منها الزرادشتية والميثرائية التي كان يعتنقها الك رد مع وجود اليهودية والمسيحية بينهم. إنها الد يانة التي يصل توحيدها إلى نبذ فكرة وجود إبليس خالق الش رور والذ نوب. ورد تأكيد تسميتها باأليزيدية صلة باسم الله القديم لديها يزدان أو أيزيد وإلبعادها مما شاب تاريخها م ن روايات نسبتها إلى يزيد بن معاوية )ت 64 ه( فهي أيزيدية وليست يزيدية وقيل لهذه الت سمية صلة ما بكلمة سومرية مع تحفظنا على ذلك. حاولنا في الفصل الث الث الخاص بالي هودية تقص ي عاطفة يهود العراق تجاه ضفاف دجلة والفرات عبر كتاباتهم واحتفاظهم بعاداتهم وتقاليدهم بعد مرور أكثر م ن نصف قرن على تهجيرهم إلى إسرائيل وهجرة عدد منهم م ن هناك إلى دول أوروبية وأميركية. غير أن الخمسين سنة في المهجر ال تعني شيئا قياسا بجذورهم الممتدة بالعراق إلى أكثر من ثالثة آالف عام. شغلت المسيحية التي دخلت العراق عبر حدياب )مركزها قديما أاربيل( الفصل الر ابع م ن الجزء ا أالول وكانت دراستها محاولة لرصد انعطافها إلى الن سطورية وتعامل الملوك الس اسانيين معهم وفقا لحالة الس لم أو الحرب مع الر وم البيزنطيين. ثم انتشارها م ن العراق إلى الهند والخليج العربي حيث كنائس بيث قطرايي )قطر حاليا (. كانت دراسة المل تين اليهودية والمسيحية عبر قراءة في الل وائح اإلسالمية وما يخص الت عامل مع العدد - 16 مايو/ أيار
75 كتب أهل الذ مة بداية م ن عهد النبي محم د )ت 11 ه( وعهود الخلفاء الر اشدين إلى قرارات جعفر المتوكل )ت 247 ه( ضدهم وما ظل يالحقهم بالالئحة المشهورة بالعهدة أو الشروط العمرية. يتبي ن م ن هذه القراءة مدى تحك م مزاجية الخلفاء والوالة في تفسير أو تأويل الن صوص القرآنية واألحاديث الن بوية بشأن أهل الكتاب. مع أن هؤالء تطل عوا إلى معاملة أفضل م ن معاملة العهد الس اساني فوجدوا في اإلسالم ما يكفل لهم حريتهم الد ينية وشاركوا في الد ولة عبر االهتمام بالعلوم وفي مقدمتها الط ب الذي يحتاجه الخليفة ويبذل لطبيبه ما يشاء فا أالمر يتعلق بحياته. لذا جلبت مهنة الط ب الكثير م ن المنافع أالهل الذ مة حتى شعر بعض الفقهاء والمحتسبين المسلمين بأهمية هذه العلوم التي حمت أهل الذ مة م ن هيمنتهم الفقهية فنصحوا المسلمين بتعل مها. بعدها يأتي الخوض في الفصل الخامس واألخير م ن الجزء األول في الد يانة البابية والبهائية وهي ديانة أع قبت اإلسالم وإن ظهرت م ن تحت عباءته إال أنها انشطرت بعقائد خاصة ولها كتاب مقد س وقصتها طويلة بالع راق حيث أاعلنت ديانة ببغداد وبعدها توسعت شرقا وغربا. تعتقد أنها أتت للت جديد وما ي الئم روح العصر. بعد أن شغلت كتابا خاصا بها هو كتاب»حروف حي«نشرناه م ن قبل ونحن نعتبر هذه الد يانة م ن ديانات العراق مع قل ة عددها ألن مبدأ األكثرية واألقلية ال يعني شيئا في دراستنا فما اعتمدناه هو ا أالصول والجذور داخل العراق سواء قل أهل تلك الد يانة أو كثروا. أاعلنت البهائية ببغداد في القرن الت اسع عشر كديانة وتركت كعبة لها في محلة شيخ بشار بالكرخ ذلك المكان الذي وصلت قضية الت نازع عليه إلى عصبة األمم عن طريق بهائيي العالم. وتعرض البهائيون الضطهاد منظم من قبل فكان ي حكم على البابي أو البهائي باإلعدام وحرم وجودهم بقوانين معلنة و أاسقطت عنهم الجنسية العراقية. لكنهم نشطوا م ن جديد بالعراق ق بيل سقوط الن ظام وانشغاله في أمنه الخاص ولهم أتباع عديدون يتزايدون بشكل ملحوظ. هذا وقد ال تتوقف اإلضافات والتعديالت في موضوع متشعب ومتسع مثل موضوع األديان والمذاهب. أما الجزء الث اني من الكتاب فشمل فصله األول الش يعة وما تقديم دراسة الش يعة على بقية المذاهب اإلسالمية إال م ن الن احية الز منية ال ألمر آخر. فهو المذهب الذي بدأ يتبلور سياسيا إثر مؤتمر سقيفة بني ساعدة ) 11 ه( ثم في معركة الجمل )36 ه( فصف ين ) 37 ه( كموقف أو اصطفاف سياسي ال فقهي وعقائدي وال يؤخذ بجدية ما ذهب إليه إخباريو ومؤرخو الت شيع من أن الن بي محم دا هو المؤسس األول للش يعة وهذا لم يتصد الكتاب لدراسة المذهب المالكي نسبة لإلمام مالك بن أ نس )ت 179 ه( ألن هذا المذهب لم يكن مذهب العراقيين بقدر ما كان مذهبا للوافدي ما يد عيه معظم المذاهب الفقهية والفكرية أيضا. فالحنفيون أتوا بأحاديث نبوية لتصديق رواية تنب ؤ الن بي بظهور اإلمام أبي حنيفة الن عمان )ت 150 ه( وكذلك فعل الش افعيون والمعتزلة مع أئمتهم ورؤسائهم بل تطر ف الحنابلة حين جعلوا اإلمام أحمد بن حنبل )ت 241 ه( م ن الس اللة الن بوية وأنه بايع الله تعالى بمكة. ال أجد في أمر تأسيس المذهب الش يعي غير تأييد القول: إن الت شيع سبق المذاهب ا أالخرى بعد تبلوره مذهبا سياسيا حول مسألة اإلمامة وظل في المعارضة زمن الخالفتين ا أالموية والعباسية واستقل في القرن الثالث الهجري بمقاالته الفقهية ورواياته الت اريخية المنسوبة دائما إلى األئمة وعلى وجه الخصوص اإلمام جعفر الصادق )ت 148 ه( لذا عرفت اإلمامية بالجعفرية أيضا في ما بعد. وقصدنا من تثبيت عنوان الفصل تحت عنوان الش يعة ال المذهب الش يعي ألن الش يعة حركة سياسية واجتماعية ومذهب فقهي معا ومصطلح الحركة يستغرق المذهب. ضم الجزء الث اني أيضا ثالثة تكوينات س ن ية هي: الفصل الث اني: المذهب الحنفي والث الث: المذهب الش افعي أما الحنابلة فاختص فيها الفصل الر ابع ومن الن احية الت اريخية لم يعترف بهذه الجماعة في البدايات كمذهب فقهي بقدر ما بدأوا كحركة تصدت لمقالتي خلق القرآن ونفي الص فات عن الذ ات اإللهية. وكان انتشارها بين العامة ببغداد لتعلقها المباشر بالن صوص التي -عادة- لها تأثيرها المباشر في عقول البسطاء وهي أقرب إلى الس ياسة م ن الفقه فاعتمدها الخلفاء مثل جعفر المتوكل لمواجهة الخصوم ولم تستمر بعد تبلورها إلى مذهب فقهي بالعراق إال بحدود ضيقة مع كثرة صخبها ببغداد العباسية. لم يتصد الكتاب لدراسة المذهب المالكي نسبة لإلمام مالك بن أانس )ت 179 ه( ألن هذا المذهب لم يكن مذهب العراقيين بقدر ما كان مذهبا للوافدين م ن العلماء ولم يستقر كمذهب بين العراقيين )]10[(. وردوا بغداد للدراسة أو الت دريس في مدارسها الفقهية. ومع ذلك كان للمالكية كرسي خاص بالمدرسة المستنصرية أسوة بالمذاهب الس ن ية الث الثة ا أالخرى وسنتعرض باإلشارة إلى وجود نسبة قليلة جدا م ن المتعبدين بالمذهب المالكي كآل الس عدون النازحين م ن الجزيرة العربية إلى جنوب الع راق في القرن الث امن عشر. إن تدريس المذهب المذكور على الرغم من عدم وجود أتباع له يتعلق بدولية بغداد آنذاك فهي عاصمة إمبراطورية شاسعة تتسع لشمال أفريقيا المالكية أيضا. وكان معظم الد ارسين على هذا المذهب م ن المصريين والمغاربة. تاريخيا نشأ المذهب المالكي بالحجاز نقيضا لمذهب الر أي بالعراق. أما لماذا للمذهب الش افعي مكانة كبيرة وخصوصا في غرب ثالث قساوسة كلدانيني وشمال العراق وقد نشأ في مكان آخر فلعل األمر يتعلق بتوس طه بين الر أي والحديث م ن جهة وم ن جهة أخرى وجود تالمذة للش افعي ببغداد ثم تبنيه رسميا م ن قبل الس الجقة واألتابكة. لقد منعت الد ولة العباسية أو تمن عت الط ائفة أن يكون للمذهب الجعفري كرسي بالمدرسة المستنصرية على الر غم م ن أن أتباعه ال يقل ون عددا عن المذاهب الث الثة من غير المذهب المالكي واإلشكال األو ل هو اعتماده اإلمامة أصال من ا أالصول وهو ما يتعارض كلي ة مع عقيدة الدولة العباسية في هذا األمر. فإذا قيل: إن لهذا المذهب مدارسه الخاصة واختالفه الكلي عن المذاهب األربعة فللمذهبين الحنفي والش افعي كل على حدة مدارسهما الخاصة والمغلقة ألتباعهما ببغداد وواسط والموصل وبقية المدن وأن االختالف بين الحنفية م ن جهة والش افعية والمالكية م ن جهة أخرى ليس بالقليل حتى إن أحد القضاة الحنفيين تمن ى أن تؤخذ الجزية من الش افعيين وصفحات الت اريخ مألى بأخبار المعارك بين المذهبين. لكن هذا بطبيعة الحال اختالف في الفروع ال ا أالصول مثلما هو الحال بين الش يعة من جهة ومذاهب الس ن ة من جهة أخرى. ع ني الجزء الث الث الفصل األول م ن الكتاب بدراسة مذهب اإلمامية- الش يخية األحسائية أو جماعة الش يخية مثلما شاعت عنها الت سمية وهي أحد انشطارات الش يعة اإلمامية لها حضورها الحالي بالع راق والكويت ومناطق أاخرى وليس لنا قراءتها مع قراءة الش يعة اإلمامية فعلى الر غم من أنها إمامية لكن تفر دت بمقاالت وتعتبر نفسها ذاتا مستقلة وإن إلحاقها بالجزء الث الث جاء على أساس زمني ال أكثر. كذلك عنى الكتاب بكا كه يي فجاءت دراستها في الفصل الث اني ويصعب بمكان إخراج هذه الجماعة عن التأثير اإلسالمي المباشر وبتقديس شخصيات مسلمة مثل اإلمام علي بن أبي طالب )اغتيل 40 ه( مع أنها سائرة نحو الت مايز الواضح لتكون دينا خاصا لكن سري ة الجماعة وانغالقها على نفسها جعلت األقاويل تكثر حولها ومع ذلك تمك نا بمساعدة دراسات جامعية حولها واللقاء بأحد أهم مثق فيها ومثق في العراق أن نسل ط الضوء حول تاريخها وعقائدها. في الفصل الث الث م ن الجزء الث الث نقدم قراءة في فرقة أو مذهب أهل حه قه وهم غير كا كه يي الذين يعرفون في بعض المناطق بأهل الحق أيضا وضمن ا الفصل نفسه المشيخة البارزانية والجماعتان خرجتا م ن رحم الت صوف وم ن الطريقة الن قشبندية تحديدا وتشابها باألهداف والنزعات واختلفا باألساليب ولعدم وجود المصادر المكتبية عن حه قه قمنا بزيارتهم والمكوث بينهم لبعض الوقت وتعرف نا عليهم عن قرب وتمكن ا م ن اللقاء ببعض مثق فيهم العارفين بأمرهم. لهذه الجماعة تقاليدها الخاصة التي بدأت تتضح ما بعد 1920 بتقاليد اجتماعية تخص العدالة والموقف اإليجابي م ن الن ساء وممارسة االحتجاج الس لمي في مطالبة الس لطات واعتبار العبادة شأنا خاصا فاألهم هو اإليمان والعدالة. أما المشيخة البارزانية التي تناولها هذا الفصل أيضا فوجدنا بعض المصادر التي العدد - 16 مايو/ أيار
76 كتب رسم ميثل أيزيدي عند باب مقام الشيخ عدي اعتنت بهم والتصال المشيخة بالحركة السياسية مبك را وحتى الجديد فما نعلمه أن هذه الد يانة قد انحسرت كليا م ن األراضي الوقت الراهن فشغل تاريخها الس ياسي حيزا كبيرا م ن تاريخ الك رد العراقية ولم يبق منها م ن أعلن نفسه زرادشتيا وذلك بعد دخول وكردستان وتاريخ العراق أيضا. اإلسالم وانتشاره وليس بأيدينا غير تصريحات إعالمية ال أكثر مع اإلقرار بأن الش بك ال دين وال فرقة ال على أنماط إلهية وال صوفية ال تكفي أن ي نشأ فصل لها في الكتاب. وأتذكر أنني التقيت بعض مثال وإنما مثل غيرها م ن القبائل العراقية أو الجماعات المسلمة الز رادشتيين بأربيل )العام 2007( وكان م ن المتحو لين الجدد على توز ع أهلها على مذهبي الش يعة والس ن ة إال أنها حظيت بالفصل أنها ديانة المنطقة قديما. الخامس وهو األخير م ن الجزء الث الث ذلك لمناقشة ما جرى تداوله من دون إغفال ذكرهم في الد ليل العراقي الملكي والجمهوري م ن معلومات خاطئة حولها. منها ما كتبه أحمد حامد الصر اف )ت باالسم فقد جاء في الد ليل الر سمي العراقي لعام 1936 اآلتي 1985( في كتابه»الش بك«واألب أنستاس الكرملي )ت 1947( وفي العراق مسلمون ومسيحيون وإسرائيليون ويزيديون وصابئة الذي عد هم في اإلحصاء الحكومي جمعا مع األيزيديين وإن اختالق وعدد قليل م ن البهائية والمجوس )يقصد زرادشتيين( والحرية فرقة أو مذهب ديني باسم الش بك يذك ر كثيرا باختالق تاريخ مقاالت الد ينية مكفولة بالد ستور العراقي ومضمونة بالعقد االجتماعي الذي لفرقتي الس بائية والكيسانية على يد اإلخباريين مستوحاة بالن سبة احترمه العراقيون من أقدم األزمنة إلى اليوم فيقوم الجامع إلى إلى األخيرة م ن قصائد الش اعرين كثير عزة والسي د الحميري. وم ن جانب الكنيسة والمعبد ويمتزج صوت المؤذن بالن اقوس والتسبيح يسمع م ن الش بكيين أنفسهم سيجد شيعي تهم شيعية العراقيين والترتيل وشعارهم الد ين لله والوطن للجميع )]12[(. اآلخرين وسني تهم شافعية ضمن المحيط الكردي العراقي. استثنى الكتاب الط رق والتكايا الص وفية ما عدا المرور الس ريع على كذلك ورد في الد ليل العراقي لسنة 1960 وفي العراق مسلمون وهم ذوو األكثرية الغالبة الذين تدين حكومة الجمهورية رسميا طرق الت صوف بالس ليمانية وما خصصنا م ن فصل لحركة حه قه بدينهم ونصارى )مسيحيون/التوضيح في األصل( ويهود والمشيخة البارزانية عبر لقاءات مباشرة وسريعة ببعض شيوخ ويزيديون وصابئون وأعداد قليلة م ن البابيين )البهائية/التوضيح الط ريقتين الرئيسيتين )الن قشبندية والقادرية الكزنزانية( تمت أثناء في األصل( ومجوس زرادشتيون وشبكيون وصارليون وكاكائيون زيارة المنطقة )أكتوبر/تشرين األول 2000(. والس بب أن الت صوف ونصيريون والحرية الد ينية مضمونة بدستور الجمهورية العراقية لم يشكل ديانة أو مذهبا قائما بذاته وإنما الط ريقة الص وفية ببغداد المؤقت ومكفول لها بالت والف والعرف االجتماعي الذي احترمه أو الس ليمانية أو في أي بقعة أخرى م ن العراق تتبع المذهب الس ائد العراقيون منذ أقدم األزمنة )]13[(. فيها. لم يبق الت صوف محصورا في المذهب الش افعي فللش يعة إال أننا نعتقد أن ما جاء في التقرير )توزيع العراقيين حسب أديانهم المسيحيين اإلحصاء الكنسي. إشارات: صوفي تهم أيضا مثالها الحروفية والقزلباشية والقلم حاجية المنتشرة بمندلي سابقا وبالت الي فالط ريقة الص وفية هي ممارسة طقسية ليس لها كيان المذهب المحدد. هذا من جهة ومن جهة أخرى أن الت صوف كظاهرة اجتماعية وفكرية ودينية متشع بة ومتداخلة في الحياة العامة غير محصورة في اإلسالم تدخل فيها حياة الر هبان وعزلة األديرة المسيحية وحياة شيوخ الص ابئة المندائيين وزه اد اليهود المعروفين بالقبالة فال يكفي البحث في تاريخها وطبيعتها فصل م ن فصول الكتاب بقدر ما تحتاج إلى كتاب خاص بها. لعل سائال يسأل: ماذا عن الد يانة الز رادشتية لم ال ت عد مع الد يانات العراقية وقد تكاثر أتباعها بإقليم كردستان حتى تقدموا بطلب إلى وزارة األوقاف والش ؤون الد ينية لتسجيل ديانتهم ضمن ديانات المنطقة والحصول على إجازة رسمية تتيح لهم الوجود والن شاط ووفق إحصاء 1977( الملحق بالجزء الث الث م ن الكتاب عب ر عن الز رادشتية أو المجوس وعن الكاكائية ورب ما الش بك أيضا بعبارة غير المبين و أخرى مثلما سنرى في جداول التقرير ألن هذه الجماعات لم تذكر باألسماء في الخانات المخصصة السم الد يانة. وجدنا م ن الفائدة إلحاق تقرير مديرية األمن العام بالموسوعة الذي صدر بنسخ محدودة الت وزيع الذي اعتمد إحصاء 1977 وهو آخر إحصاء عراقي شامل على إحصاءات لمختلف األديان وفي جميع المحافظات موز عة على القوميات العراقية مع اإلشارة إلى تطور النمو بين أهل األديان العراقية من اإلحصاء األساس )1947( عبر إحصاءات )1957( )1965( و) 1977 (. وال يتضمن التقرير إشارة إلى المذاهب اإلسالمية منها والمسيحية. وربما كان العذر الظ اهر هو عدم تشجيع الط ائفية. لكن وجود المذاهب بين المسلمين والمسيحيين واقع ال يمكن والالفت للنظر في هذا التقرير أنه اعتبر معظم األيزيديين عربا وكذلك الص ابئة المندائيين وربما كان هذا خالف الواقع فلغة األيزيديين الكردية القديمة ولغة الص ابئة المندائيين الدينية هي اآلرامية وهي تجمع بين اإلثنية والد يانة. كذلك أشار إلى ظاهرة الت داخل الد يني والقومي كوجود مسلمين م ن الس ريان وا أالرمن وصابئة م ن الس ريان ويهود ومسيحيين م ن األكراد ومسيحيين م ن األكراد الفيلية وأيزيديين من الس ريان ومسيحيين تركمان. فمن العجائب أن هناك صابئة وأيزيدية تركمان. ختاما لم يتسع لألديان والمذاهب القديمة سومرية وبابلية وآشورية ومانوية من التي لم يبق لها أثر غير متعل قاتها في أديان أاخرى مثل المندائية واأليزيدية مع تأثيرها الت اريخي على أديان العراق كافة. ذلك أن تلك ا أالديان قد بحثت كثيرا وصدرت فيها مؤلفات عديدة وال أجد لدي ما ي ضاف إلى دراسات علماء وباحثين عراقيين وأجانب )]1[( شكوى رجال دين مندائيين أذاعها راديو سوا راجع الرابط 17 أغسطس )آب( 2011: )]2[( انظر تصريح السيد مقتدى الص در للسومرية نيوز بتاريخ: 22 سبتمبر )أيلول( 2011 على الرابط: html news/1 )]3[( مجلة آفاق مندائية بغداد العدد 26 السنة )]4[( الحصري مذكراتي في العراق 1 ص 342. )]5[( المصدر نفسه 1 ص 343. )]6[( عبادة كتاب مندائي أو الص ابئة األقدمين ص 46. )]7[( عادل دشر الص ابئة اليوم آفاق مندائية بغداد السنة الخامسة مايو )أيار( 2000 عن الجريدة الر سمية العراقية. )]8[( كتاب دراشة إد يهيا ص 96. )]9[( برنجي الص ابئة المندائيون ص 23 م ن كلمة بقلم سالم الجحيلي وكنت التقيته في أحد طقوس التعميد المندائي وسمعت منه. )]10[( فهد تاريخ العراق في العصر العباسي األخير ص 433. الد يني كي يضمنوا الحقوق ويعترف لهم بالوجود بشكل مشروع وصار لهم مجلس يدعى مجلس الز رادشتيين بكردستان- الع راق وكان قد تأس س لهم مجلس عام خارج العراق )2006( انبثقت منه منظمة زند الز رادشتية وهاهم يعلنون عن مجلسهم األعلى داخل اإلقليم )19 أبريل/ نيسان 2015( )]11[(. وع ذرنا في عدم ضم هذه الد يانة إلى الكتاب أن ليس لدينا معلومات عن االنتشار وأماكن العبادة وما يخص العدد وتاريخ الوجود نفيه واإلحصاءات العلمية بما يفيد البحث وتسجيل التاريخ ال تعني الط ائفية بمكان. وكم تبدو هذه الحجة ضعيفة إذا أخذنا بنظر االعتبار أن مثل هذه اإلحصاءات غائبة منذ اإلحصاء الرسمي األساس )1947( والط ائفية تمارس بشكل ملحوظ وكل مذهب ظل محتفظا بما لديه من أتباع وعقائد. إال أن هناك م ن يشير إلى حذر رسمي في مختلف عهود الدولة العراقية من قيد اإلحصاء المذهبي ألن النتيجة قد ال تسر الحاكمين كذلك اعتمدنا في إحصاءات وما ظهر م ن دراسات جديدة قد ال تتعدى جهود طه باقر )ت 1984( وصموئيل نوح كريمر وفوزي رشيد وفاضل عبدالواحد وسواهم. كذلك ما تحتاج إليه تلك الد راسات م ن اختصاص آثاري ومعرفة بالل غات القديمة وهذا ما ال ندعيه. كاتب من العراق مقيم في لندن النصمقدمة الموسوعة -تصدرهذا الشهر عن مركز المسبارللدراسات والبحوث فيثالثة أجزاء. )]11[( تقرير ن شر في مختلف وسائل اإلعالم ووث قناه عن صحيفة الص باح الجديد البغدادية العدد _ )3128( والمؤرخ في الخامس م ن مايو )أيار( 2015 الصفحة الخامسة. )]12[( الدليل الر سمي الع راقي لسنة 1936 وزارة الد اخلية فصل: الط وائف العراقية ص 722. )]13[( دليل الجمهورية الع راقية لسنة 1960 أنثروبولوجية سكان العراق وزارة اإلرشاد ص 421. العدد - 16 مايو/ أيار
77 كتب كويريت ديبوف الربيع العربي- وجهة نظر أوروبية جردة حساب للثورات العربية والباحث السياسي كويريت ديبوف الناشط )مواليد 27 أيار/مايو 1974( من أبرز أبناء جيله األوروبيين الذين انخرطوا في تناول شؤون المنطقة العربية وهو يشغل منصب ممث ل تحالف الليبراليين والديمقراطيين في الشرق األوسط درس التاريخ القديم في جامعة لوفان وبولونيا كما شغل منصب المستشار السياسي لرئيس بلدية لوفين وللبرلمان الفلمنكي والبرلمان البلجيكي والبرلمان األوروبي كذلك كما شغل منصب المستشار السياسي والناطق باسم محمد أبو الوفا إبراهيم قعدوني رئيس الوزراء البلجيكي جاي فيرهوفشتات في الفترة الممتدة بين 2003 حتى عام 2008 وأسس سنة 2008 مركز أبحاث ليبرالي يدعى مركز بروميثيوس. جاي فيرهوفشتات رئيس تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا ورئيس الوزراء البلجيكي السابق لبلجيكا ) ( والمنظ ر للرؤية الجديدة للتعاون األوروبي المتوس طي. في مقد مته الطويلة للكتاب والتي ال تقل أهمي ة عن محتواه يتقاطع جاي فيرهوفشتات رئيس تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا ورئيس الوزراء السابق لبلجيكا ) ( والمنظ ر للرؤية الجديدة للتعاون األوروبي مع ما يذهب إليه المؤل ف في عالمية الحدث العربي وأهمي ته التاريخية مستعر ضا األحداث التي مث لت عالمات يمكن العودة لها بالخطف خلفا لمراجعة التغييرات التي طرأت على هذا الجزء من العالم بدءا من سنة 2009 حين وقف باراك أوباما في جامعة القاهرة وألقى كلمته التي حملت عنوان بداية جديدة وكيف أن أحدا لم يكن يتوقع الجديد الذي فحسب بل فقدت أمريكا رغبتها باالهتمام الداخل إثر األزمة المالية العالمية التي ضربت ميدان التحرير اكتفى االتحاد األوروبي تالها لم تنقض سنتان إال وكانت عاصفة التغيير تضرب باالتحاد األوروبي وفض لت مبدأ القيادة من االقتصاد العالمي وفي مقدمته االقتصاد بتكرار دعوته كافة األطراف لنبذ العنف! يقول المنطقة مقتلعة نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن الخلف كما ظهر في الحملة الجوي ة التي األميركي سنة فيرهوفشتات ليس علينا أن نتفاجأ إذن حين علي في سابقة عربية فتحت الباب أمام سلسلة أحداث قام بها الناتو في ليبيا حيث وافقت الواليات بالنسبة إلى أوروبا كما يرى جاي فيرهوفشتات يقال عن سياستنا إنها مزدوجة المعايير لقد اضطر ت طائرات حلف الناتو الحقا لمغادرة مدرجاتها المتحدة على المشاركة في اللحظة األخيرة فإن ها ظل ت مترد دة وحائرة أمام هذه الموجة كان من نتائج هذا التخل ف عن االنخراط ألول مر ة منذ أحداث كوسوفو نهاية التسعينات. كما عكست الحرب الدائرة في سوريا تغي ر العارمة من الحراك الشعبي فتأخ رت عن الفعلي في إزاحة الدكتاتوريات التي لطالما لقد ألهمت موجة الربيع العربي -كما يرى فيرهوفشتات- خارطة القوى العالمية فبينما كانت الواليات إدراك ومواكبة األحداث الدائرة في جوارها حالت دون انتشار القيم التي تبش ر بها حراكا عالميا فشاهدنا المظاهرات في البرازيل وفي المتحدة على وشك توجيه ضربة عسكرية الجنوبي كما يسم يه إال أنها استدركت ذلك الشراكة األوروبية في واقع األمر أن تدخلت تركيا وتايالند والسودان والمكسيك وفنزويال وأوكرانيا للنظام السوري في آب أغسطس سنة 2013 في وقت متأخر مع تطو ر األمور في مصر أطراف أخرى بأجندات ال تولي عملية التغيير حتى وصلت إلى قلب نيويورك المالي في ما ع ر ف دخلت روسيا على الخط لتغي ر الموقف ومع ذلك فإن استجابتها وفق تقييمه ظل ت الديمقراطي أولوية في حساباتها على سبيل صدرت في القاهرة هذا الشهر الترجمة العربية لكتاب كويريت ديبوف بحركة احتالل وول ستريت احتجاجا على انعدام بشكل دراماتيكي فيما اعت ب ر داللة على أن ه دون مستوى الحدث إذ اكتفت بإضافة بضعة المثال شرعت قطر في دعمها لتيار اإلخوان الربيع العربي- وجهة نظر أوروبية والصادر باإلنكليزية سنة 2014 بعنوان األخالق في أسواق المال في مشهد أعاد إلى األذهان ليس بإمكان الواليات المتحدة التصرف ماليين إلى ميزانيتها المخصصة لدعم التغيير المسلمين وشبكاته في المنطقة بأسرها من داخل الثورة العربية- ثالث سنوات على جبهة الربيع العربي. موجة االحتجاجات التي شهدها العالم سنة 1968 ضد النخب العسكرية والسياسية في الدول الرأسمالية. بمفردها وأن أي حل في سوريا يقتضي الموافقة الروسية وربما اإليرانية أيضا ومن والدمقرطة في المنطقة لقد توق عت شعوب المتوسط الشريكة كما يسم يها دعما حقيقيا المغرب إلى سوريا ووقفت وراء اإلخوان في مصر وقد مت لهم دعما ماليا سخي ا وحين كان تراجع الواليات المتحدة وانكفائها عن الشرق المهم اإلشارة إلى م ي ل فيرهوشتات لتفسير من جيرانها األوروبيين إذ كانت تناضل من فشلوا في االنتخابات الليبية تكف لت بدعم األوسط أبلغ تجلي ات التغي ر في ميزان القوى العالمي االنكفاء األميركي عن المنطقة على أن ه في أجل قيم يفترض أنها أوروبية بالمحصلة الميليشيات المسلحة التي ستقف في وجه بحسب فيرهوفشتات ليس من الشرق األوسط جوهره انقالب في السياسة األميركية نحو وبدال من مناصرته العلنية للمتظاهرين في الحكومة الجديدة. العدد - 16 مايو/ أيار
78 كتب ويرى فيرهوفشتات بأن األمر مختلف بالنسبة إلى األوروبيين فإذا كان لدى الواليات المتحدة ترف االنسحاب الطوعي من المنطقة فإن أوروبا محكومة بالبقاء فيها إذ أن ها تشك ل حديقتها الخلفية وعليها أن تبادر لمواجهة التحديات التي أثارتها أحداث الس نوات األخيرة في المنطقة بدءا من طوفان الهجرات وصوال إلى التحديات االقتصادية واألمنية علينا إذن أن نسبح ضد التيار-كما يقول- ويختتم فيرهوفشتات مقد مته التي امتد ت على مساحة 14 صفحة من الكتاب إلى التأكيد على حيوية مفهوم )المجتمع المتوسطي للجوار الجنوبي( والذي تتبن اه كتلة تحالف الليبراليين والديمقراطيين في االتحاد األوروبي حيث يعتبر فيرهوفشتات من أبرز منظ ريه. يختتم فيرهوفشتات تقديمه للكتاب بالتأكيد على أن ما نشهده اليوم ليس سوى بداية التحو ل نحو الديمقراطية في المنطقة وأن الشعوب التي ثارت لن تقبل العودة إلى األوضاع السابقة مهما كل فها األمر على أن التحد يات التي تواجه تلك الشعوب ليست بالسهلة ال سيما وأن الدكتاتوريات التي حكمتها أمعنت في إنهاك اقتصادياتها وأحالتها بلدانا محط مة لذا فإن التعليم بحسب فيرهوفشتات أولوية أساسية لتأهيل تلك البلدان وانخراطها في المشروع األوروبي المتوس طي مع إشارته إلى أن هذا الجانب هو أكثر التحديات تعقيدا في العالم العربي. تونس كما يراها فيرهوفشتات يمكن أن تشك ل نموذج انطالق في الشراكة المقترحة ويمكنه جذب الدول األخرى تماما كما كانت سلوفينيا بعد تفك ك يوغوسالفيا وكما شك لت خطة مارشال أفضل استثمار أميركي في أوروبا كذلك يجب أن يكون مشروع المجتمع المتوسطي بالنسبة إلى الدول التي سوف تشك له وهي الدول التالية: المغرب الجزائر ليبيا تونس فلسطين األردن لبنان وسوريا إلى جانب االتحاد األوروبي. يسته ل ديبوف كتابه بالتأكيد على أن ما يشهده العالم العربي هو ثورة حقيقية وبأن الر كون إلى وصف هذا التحول التاريخي بأن ه مجر د ربيع عربي إن ما ينطوي على مغالطة منهجية إذ أن هذه الموجة التغييرية ليست موسمية وال ترتبط بحدث مباشر بعينه كما كان الحال حين بدأ اإلعالم يتداول مصطلح الربيع العربي ألو ل مر ة إثر اغتيال الزعيم اللبناني رفيق الحريري سنة 2005 وصعود تي ار قوى 14 آذار في لبنان على العكس فإن ما نشهده اآلن -وفقا لديبوف- ثورة تاريخية ال تنقصها العالمية أبدا وال تختلف بجوهري تها عن لحظة سقوط برلين سنة 1989 تلك اللحظة التي جاءت مفاجئة وصاد مة وسط ارتباك عالمي حين ع ب ر اآلالف من المواطنين برلين الشرقية مساء التاسع من نوفمبر وأسقطوا ذلك الرمز الذي لطالما كر س الفصل والظلم والدكتاتورية لم يكن االنهيار مجر د انهيار جدار فقط إذ تداعت إثره الدكتاتوريات الشيوعية في أوروبا الشرقية في كل من بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسالفيا ورومانيا وبلغاريا وليتوانيا والتفيا وأستونيا وصوال إلى االتحاد السوفييتي نفسه سنة 1991 في لحظة وضعت حد ا لحرب تاريخية بين الشيوعية والرأسمالية وبين الديمقراطية والدكتاتورية وألهمت عالم السياسة واالقتصاد فرانسيس فوكوياما لكتابة مؤل فه العظيم نهاية التاريخ واإلنسان األخير وقد بدا منذ ذلك الحين بأن المسألة ستحتاج بعض الوقت ريثما تتحو ل تلك البلدان نحو الديمقراطية واالنفتاح واألسواق الحر ة وفي الواقع فإن األمر لم يستغر ق سوى سنوات قليلة حتى انطلقت الموجة الثورية الثانية من بلغراد وطالت ديكتاتور جورجيا شيفرنادزه لتثبت صدق نبوءة فوكوياما. ال يتحد ث الكاتب كباحث يقطن في الغرب األوروبي ويرصد مشاكل الشرق األوسط من وراء نافذة مكتبه الدافئ مستعجال إطالق األحكام التنميطي ة أو مأخوذا بتلفيقات الميديا ومركز ي تها االنتقائية إن ما كخبير ميداني وصاحب رأي ملتزم قر ر -كما يقول- أن ال يفوته هذا الحدث التاريخي في الشرق األوسط فحزم حقائبه ومضى إلى مصر ونزل إلى ميدان التحرير مع المتظاهرين كذلك غامر في االندفاع إلى الخطوط األولى في األحداث السورية وتنق ل بين مناطق الشمال السوري وقف مع المقاتلين على خطوط النار وعايش الالجئين في مخيماتهم ليرصد هذا التسونامي السياسي الذي اجتاح الشرق األوسط والعالم كما ال يفوته أن يسج ل في مقد مة كتابه شكرا لشخصيات عربية ساهمت في إغناء محتوى كتابه كما يقول ومنها عمرو موسى أحمد الحريري فواز تل و وآخرون. يدرك الكاتب جي دا حسب ما يشير إليه في مستهل كتابه أن التحوالت التاريخية كالتي يشهدها العالم العربي ستتطل ب وقتا كي تؤتي أاك ل ها مستندا إلى تجارب بلدان أوروبا الشرقية التي لم تتحول لبلدان ديمقراطية بين عشي ة وضحاها لقد اقتضى األمر وقتا وجهدا حتى تمك ن البولنديون من اختيار مرش حيهم للبرلمان من بين ما يقرب من تسعين حزبا سياسي ا بينها حزب لشاربي البيرة! وعليه فإن ه يشير إلى تفه مه للخلفي ة التي دفعت بالسفارة المصرية في بروكسيل لالتصال به بعد وصوله مع عائلته إلى القاهرة في األول من سبتمبر عام 2011 )بعد مرور ما يقارب سبعة أشهر على سقوط حكم حسني مبارك( وذلك إلبالغه بعدم ارتياح السلطات المصرية لنشاطاته في مصر وكيف أبلغه أحد أصدقائه الذي كان على صلة جيدة بوزيرة التعاون الدولي المصرية بأن السلطات المصرية تعرف كل شيء عنه بدءا من المدارس التي اختارها ألوالده وليس انتهاء بموقع البيت الذي سينزل فيه وبأن عليه أن يحزم حقائبه ويغادر مصر لم يفاجئ حصول ذلك ديبوف بالرغم من مرور سبعة أشهر على سقوط نظام حسني مبارك. كنت ما أزال في السادسة عشرة من عمري يوم سقط جدار برلين -يقول ديبوف- لذلك لم تكن لي فرصة قيادة سي ارتي إلى الحدود األلمانية لمشاركة آالف الناس الذين توافدوا من جميع أنحاء أوروبا لالحتفال بهذا الحدث التاريخي إال أنني قر رت ومنذ أن أبلغني صديقي التونسي فيما كن ا نتناول القهوة في أمستردام بأن الشخص الذي تحد ث إليه على الهاتف منذ قليل لم يكن سوى والده يبلغه بأن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي سيعلن استقالته من منصبه خالل الساعات القادمة وبالفعل كن ا ما نزال في قطار العودة من أمستردام إلى بروكسيل حين وصلتنا األخبار بفرار بن علي من تونس لقد كانت اللحظة صادمة بالنسبة إلي لم نتوق ع نحن الذين تابعنا ما وصلنا على أن ه أبناء كاذبة حول احتجاجات في مناطق محدودة من المدن التونسية كانت اللحظة فار قة بالنسبة إلى المؤل ف الذي لم يع د في السادسة عشرة من العمر ولم يستغرق األمر وقتا طويال قبل أن تصل موجة االحتجاجات إلى مختلف أرجاء الشارع العربي فمن مصر إلى اليمن وليبيا والبحرين والمغرب واألردن وصوال إلى سوريا لقد كان من المنطقي جد ا وصف هذه األحداث بالموجة الثورية الثالثة التي تضرب النظام الدكتاتوري الذي هيمن على دول عربية عديدة تحت عباءة الحلم االشتراكي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وإزاحة الملك فاروق وبزوغ الناصرية سنة 1952 والتي ال يمكن فصلها جميعا عن قيام النظام العسكري االشتراكي في ليبيا وهيمنة دكتاتوريات العسكرتارية البعثية على سوريا والعراق ممثلة بنظامي حافظ األسد وصدام حسين. يسوق المؤلف مقارنات بين الثورة الفرنسية عام 1789 والثورات العربية التي انطلقت عام 2011 ليقول بأن الثورة الفرنسية احتاجت ما يقارب 86 عاما و 14 دستورا للوصول إلى ديمقراطية مستقر ة كذلك تشترك الثورات العربية مع الثورة الفرنسية في كونها جاءت رد ا على الفساد واالستبداد والدولة البوليسية القمعية تتشاطر الثورتان حلما مشروعا في المطالبة بإنهاء االستبداد وتكريس الحرية والكرامة والعدالة االجتماعية ليعاود التأكيد على أن هذه اللحظة الفارقة ال تقل أهمية عن لحظة الثورة ضد االستبداد الشيوعي قبل نحو مئتي سنة لذا فإن ه يبث نداء علني ا بضرورة مساندة الربيع العربي ومنحه المساعدة والوقت. كما يذك رنا ديبوف بحقائق ديموغرافية لها دالالتها المؤث رة في تأمين قو ة الدفع لهذه الموجة التغييرية إذ أن نصف سك ان العالم العربي هم دون سن الخامسة والعشرين من العمر تبدو التركيبة السكانية مسألة حاسمة في هذا السياق شك ل ت كتلة حرجة النتفاضة الشعوب وانقالبها على واقعها المترد ي يتطل ع هؤالء الشباب إلى وظائف وحياة كريمة كما يمسكون بأدوات بالغة التأثير تتمث ل في إمكانية الوصول إلى شبكة اإلنترنت واستخدام أداتها األكثر فعالية اليوم وهي وسائل التواصل االجتماعي التي أصبحت تشك ل أداة تعبئة سياسي ة حاسمة وكان لها الدور البارز في مراكمة وتجميع األصوات الفردية التي نحتت لحظة الخروج إلى الشارع والمطالبة بالتغيير والحقوق المسلوبة ودش ن ت بداية مرحلة من التحوالت التاريخية العميقة في المنطقة والعالم على حد سواء. ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى سرد التسلسل الزمني للثورات العربية منذ أضرم محمد البوعزيزي النار في نفسه في يوم 17 ديسمبر تكمن أهمية الكتاب في طابعه الميداني أو ال كونه يقد م مسحا شامال لخارطة الحراك العربي الذي دش نته لحظة البوعزيزي من وجهة نظر غربية عام 2010 مقد ما حياته قربانا للثورات وحتى اندالع الحرب السورية الشرسة بعد أن مارس النظام السوري كافة أشكال القمع والتنكيل ضد االحتجاجات السلمية مرورا بفشل تجربة اإلخوان المسلمين في الحكم في مصر وعودة العسكر إلى الحكم عب ر الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي. يفر د الكتاب مساحته األبرز للثورة المصرية وما تالها في مصر مقد ما قراءات تحليلية في تجربة حكم اإلخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي واستشرافات ترصد النشاط السياسي آنذاك وتداعياته الدراماتيكية مؤك دا مرارا على قناعته بأن االنتصار سيكون للديمقراطية في نهاية األمر وأن ما بدأ في ثورة تويتر سوف يقود في نهاية المطاف إلى ديمقراطية تويتر كما يناقش الكتاب أبعاد الصراع السياسي على السلطة في كل من مصر وتونس قبل أن ينتقل إلى المسألة السورية كمحور رئيسي آخر. في الشأن السوري فإن الكاتب يحث المجموعة األوروبية على ضرورة تقديم الدعم للجيش الحر وتزويده بوسائل مضاد ة للطائرات لمواجهة الدعم الال محدود الذي يتلق اه النظام من حلفائه روسيا وإيران وبضرورة إقامة مناطق حظر طيران تشك ل جزر آمنة للسوريين الذين فر وا من ويالت الحرب المدم رة إذ أن ه دون مناطق حظر الطيران التي تم فرضها في ليبيا لكن ا شاهدنا مجازر كتلك التي شاهدناها في سراييفو وسربرنيتشا وأن التردد في تقديم هذا الدعم من شأنه أن يغذ ي القوى المتطرفة التي تتطل ع للهيمنة على مجريات األمور في سوريا وبأن تخل ي الغرب عن مساعدة الجيش الحر لصالح التركيز على محاربة تنظيم داعش إن ما كان بمثابة مساعدة لألسد الذي يعتبر المشكلة وليس الحل في سوريا. ربما تكمن أهمية الكتاب في طابعه الميداني أو ال كونه يقد م مسحا شامال لخارطة الحراك العربي الذي دش نته لحظة البوعزيزي من وجهة نظر غربية وفي كون مؤل فه غير عربي ثانيا كما أن ه ال يأتي من الهامش النظري لماد ته بل هو فاعل في صياغة السياسة الشرق-أوسطية لتحالف الليبراليين الديمقراطيين من أجل أوروبا ومندوبها إلى المنطقة كما أن ه وإلى جانب ما يرصده من تفاعالت على أرض الواقع يقد م مساهمة هامة في قراءة النظرة األوروبية لظاهرة الربيع العربي وثوراته الالحقة وإن كان يؤخذ على محتواه وعلى تقديمه الذي وضعه فيرهوفشتات ورو ج لفكرة المجتمع المتوسطي غياب نقاش حقيقي ال مفر منه حول مركزية المسألة الفلسطينية وحول السياسات اإلسرائيلية التي تسير في اتجاه مغاير تماما لمفهوم الشراكة المقترحة. كاتب من سوريا مقيم في الرياض العدد - 16 مايو/ أيار
79 كتب المختصر تحسين الخطيب اآلخروحش ا في كتابها الجديد المسلمون في المخي لة الغربية تعرض صوفيا روز آرجانا أستاذة الدراسات اإلسالمية محمد عبد الرسول الزائرة بكلية إليف لال هوت في دنڤر لتمثيالت الصور النمطية التي قر ت في الخيال الغربي تجاه المسلمين. مرتكزة على طرائق تحليل أنساق الخطاب كما هي عند الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو وناهلة من نظرية االستشراق التي صاغها المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد تستقصي آرجانا طائفة من النتاجات اإلبداعية -والتي من ضمنها الفن واألدب والسينما- كي تقص حكاية ليست عن الكيفية التي شك ل فيها المسلمون هوياتهم بل باألحرى عن الكيفي ة التي شكل فيها المفكرون الغربيون أفكار ا حول المسلمين بوصفهم وحوش ا. الكينونة وكوكتيالت الدر اق كالنسوية وحقوق المثليين ومناهضة الديمقراطية في العالم اإلسالمي خاصة وأحوال الزواج المختلطة. بيد أن المحور بعد كتابها كيف تعيش: حياة مونتين في سؤال واحد الكولونيالية. بعد نجاح اإلسالم السياسي في الوصول إلى الرئيس الذي يدور حوله الكتاب في مجمله وعشرين محاولة إلجابة ما والذي حصدت به جائزة وليس كتابها مجرد عرض تاريخي للرؤية السلطة في تونس ومصر بانتخابات حر ة. هو دفاع الكاتبة الراديكالي عن حرية الفرد حلقة نقاد الكتاب القومي األميركية في حقل الس يرة الوجودية عن الصراع والحب واالنكسار وال يغفل الكتاب عن البحث في مسو غات المطلقة وحقه في االختيار. للعام 2010 يأتي كتاب سارة بيكويل الجديد في والتمرد واإلنسانونية والمسؤولية الفردية النزعات الفكرية والسياسية المعارضة وتجدر اإلشارة إلى أن الكتاب قد فاز مؤخر ا المقهى الوجودي: الكينونة والحري ة وكوكتيالت من منظور تاريخي فحسب بل هو استقصاء للربيع العربي ليس في ضوء أسئلة المساواة بجائزة حلقة نقاد الكتاب القومي األميركية الدر اق سردي ة مشحونة ألطوار الوجودي ة ودفاتر معمق لما يستطع الوجوديون تقديمه لنا في والعدالة االقتصادية والمشاركة الديمقراطية المرموقة عن فئة النقد. أحوالها كواحدة من أكثر الحركات الثقافية أهمية في القرن العشرين. هذه اللحظة التي يجابه فيها المرء أسئلة ملحة تتعلق بماهية هذه الرؤية وسبل والعالقة بين اإلسالم والديمقراطية فحسب وإنما أيض ا في ضوء الجدل القائل جام غضب وحرث قديم تأخذنا بيكويل في رحلة شي قة تمزج بين الفلسفة استبطانها. إن مشاركة حركات اإلسالم السياسي في كان الروائي البرازيلي ذو األصول اللبناني ة والسيرة الشخصي ة ألبرز المفكرين الثوريين الذي شك لوا الوجودية كفكرة فلسفي ة ومنهج حياة منذ انقداح ما بعد ثورات الربيع العربي العملية الديمقراطية ما هي إال حيلة لفرض ثيوقراطية غير ديمقراطية حين تتسلم هذه رضوان نصار قد توقف عن النشر في بداية ثمانينات القرن العشرين على الرغم من شرارتها األولى في مقهى بيك دو غاز بمونبارناس اإلسالم والديمقراطية والربيع العربي المجموعات مقاليد الحكم وهي مقوالت ذيوع صيته كأحد أقوى األصوات األدبية في باريس ثالثينات القرن العشرين حين سأل ريموند عنوان الكتاب الجديد الذي صدر في مطلع تناصرها نخب اقتصادية وسياسية وعلمانية في البرازيل بعد نشره لروايته األوليين. آرون صديقيه جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار في هذا العام لكل من جون إسبوسيتو )أستاذ تفضل ثيوقراطية علمانية على ديمقراطية هجر نصار الكتابة وتفرغ للفالحة وتربية أثناء النقاش بحماسة بالغة معهما حول الفينومولوجيا الدراسات اإلسالمية والعالقات الدولية تسيطر فيها األحزاب الدينية على الحكومات. الماشية. ثم يتخل ى في العام 2011 عن القادمة حديث ا من برلين إن كنت فينومولوجي ا فإنك تستطيع الكالم عن هذا الكوكتيل وتستنبط فلسفة من بجامعة جورج تاون والمدير المؤسس لمركز الوليد بن طالل للتفاهم اإلسالمي-المسيحي خطاب العشق جميع ممتلكاته التجارية لصالح جامعة ساو كارلوس الفيدرالية لتجري عليها بحوث ا ذلك!. كانت هذه العبارة البسيطة كما تقول بيكويل هي بكلية والش للعالقات الخارجية( وتمارا صن )أستاذة التاريخ اإلسالمي بمركز حمد بن في كتابها الجديد اآلرغوني ون تكتب الشاعرة األميركية ماغي نيلسن سيرة زراعية وتعمل على إقامة حرم جامعي جديد. يتخلى عن كل شيء ويختار حياة التي ألهمت سارتر إلدماج الفينومولوجيا في حساسيته ثاني آل خليفة بجامعة جورج تاون( وجون هادرة تمتزج فيها األنواع الكتابي ة عن منعزلة بمزرعة صغيرة يمتلكها في الريف. اإلنسانونية الفرنسية مبتدع ا مفهوم ا فلسفي ا جديد ا فول )أستاذ التاريخ اإلسالمي بمركز الوليد الرغبة الجنسية والحب والهوية الفردية وظل نصار مجهوال لدى القارئ باإلنكليزي ة يستلهم ثيمات الحرية المتطرفة والكينونة األصلية بن طالل للتفاهم اإلسالمي-المسيحي(. واللغة. ترسم نيلسن في هذه السيرة خيوط )مثلما هو اآلن مجهول بالعربي ة( حتى والنشاط السياسي. يستقصي الكتاب ثورات الربيع العربي أو ما عالقتها مع النحات األميركي هاري دوج أقدمت دار بنغوين العريقة في بداية هذا ثم سرعان ما تكتسح هذه الحركة المقاهي ونوادي يطلق عليها المؤلفون اسم موجة المقاومة مستقصية أطوار المسر ة واأللم على شاكلة العام على نشر ترجمتين لروايتيه الشهيرتين الجاز والحركات اليسارية قبل أن تعرف في العالم أجمع المدني ة في ضوء جدلية العالقة التاريخية المثقف العمومي فتخضع تجربتها الشخصية حرث قديم )1975( و جام غضب.)1978( باسم الوجودية في الحقبة التي تلت الحرب العالمية بين الدين والسياسة في المجتمعات الستكشاف شديد الدق ة في ضوء ما قاله الثانية وتساهم بشكل كبير في فكر الحركات التحررية اإلسالمية. كما يتطرق إلى تناول مصير المفكرون البارزون حول الجنسوي ة والجندر تتحدث الرواية الثانية بلغة شعري ة هادرة العدد - 16 مايو/ أيار
80 كتب المختصر رسالة باريس عن عالقة رجل متقدم في العمر مع صحفي ة شابة في أجواء تذكرنا بمناخات الروايات العمومي وتستطيع تطوير قدراتها على نحو أسرع. فهل سيكون المستقبل شاهد ا واسمه عوز عن طريق اإلرث العائلي فتقرر زيارته في بيته لرؤية السيف. ولكن عوز التطرف من منظور العلوم اإلنسانية األيروتيكية للشاعر اإلنكليزي دي. إتش. لورنس. فيما تسرد الرواية األولى حكاية على كارثة وجودي ة تصبح فيها اإلنسانية معتمدة في أفعالها على ما تقرره لها اآلآلت الذي كان يستخدم بريد ا إلكترونيا تحت اسم سيف اإلمام شامل ويرسل منه رسائل أبو بكر العيادي االبن الض ال الذي يهجر بيته هارب ا من جحيم أبيه المتزم ت. ساعة عودة النوتي من البحر على شاكلة األسلحة تستخدم للجهاد قد ألقي القبض عليه في صبيحة ذلك اليوم من حكايات اإليطالية المجهولة بعد في الصباح التالي: الخوف والجنس والجنوسة )1994( و آخر ليلة في قبل قوات مكافحة اإلرهاب. تجد ناتاشا نفسها بعد هذه الحادثة منجذبة على الرغم من أن إيلينا فير انتي هي الفردوس: الجنس واألخالق في نهاية القرن إلى حياة عوز ووالدته فتغوص عميق ا لتلقي منذ العمليات اإلرهابية التي ضربت باريس مرتين وبروكسيل مؤخرا روائية إيطالية مجهولة الهوية وال يعرف شخصيتها الحقيقة سوى ناشر أعمالها إال )1997( و في مديح حيوات فوضوي ة )2012( يأتي كتاب الروائية األميركية الضوء على الروابط التي تجمع بين الماضي والمستقبل لتجابه إرثها اإلسالمي ومعنى والمحللون على اختالف تخصصهم يجهدون في مقاربة ظاهرة التطرف الجهادي لفهم دوافعها كل من جهته يحاول أن يفهم: كيف يغدو الفرد أن أعمالها تواصل تحقيق حضورها الال فت كيتي روفي الجديد الساعة األرجوانية: الهوية ليس بالنسبة إليه فحسب وإنما متطرفا ثم يتحول إلى إرهابي يقتل باسم أيديولوجيا تقوم لديه مقام ليس على صعيد المراجعات النقدي ة فحسب كت اب عظام في خواتيم أي امهم لتسرد لنا بالنسبة إلى العالم الذي تعيش فيه. التقديس وما هي الظروف التي تدفعه إلى ذلك هل يتأتى العنف من يقينية وإنما أيض ا بين جمهور القر اء الذي يقبل عليها بحماسة شديدة. وسبب هذا الر واج اللحظات األخيرة لستة مفكرين وفنانين وكت اب بارزين هم سيغموند فرويد جبال البرتغال العالية دينية وحدها أم من عوامل أخرى ترفدها رأينا أن البعض عد المقاربة السوسيولوجية عبر وسط المنشأ والعائلة عائد إلى كون شخوص رواياتها لسن نساء متخي الت بل واقعي ات: غير متعلمات وسوزان سونتاغ وديالن توماس وجون أبدايك وموريس سينداك وجيمس سولتر بعد فوزه بجائزة المان البوكر في العام 2002 عن روايته حياة باي والتي والبطالة ومقر اإلقامة محاولة يائسة للتبرير بدل التفسير. ولم تكن المقاربة الدينية أحسن حظا بعد أن أجمع عديد المحللين على أن أتباع مختلف وغير ثري ات ولكنهن على الدوام مليئات وكيف تأم ل هؤالء الكت اب ساعة الموت باعت أكثر من 12 مليون نسخة حول ديانات التوحيد ليسوا كتلة واحدة وال يتماثلون في التفكير واألفعال بالحياة وبالشكوك والوعي والطموح والحب األرجواني ة التي وصفها تي. إس. إليوت العالم وتحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي ففيهم أغلبية صامتة من أناس طيبين ال تسيء حتى إلى بعوضة. فأين والكراهية والطاقة والغريزة الجنسي ة. في األرض الخراب ب بساعة المساء التي حقق نجاح ا باهر ا لم ينشر الروائي الكندي يكمن إذن السبب األساس في كل تلك األعمال اإلجرامية التي تهز أعتى آخر أعمال فير انتي رواية حكاية الطفلة تكافح في طريق العودة إلى الوطن وتعيد يان مارتل سوى رواية واحدة بياتريس الديمقراطيات الضائعة وهي جزء من رباعية تعرف باسم النوتي إلى البيت من البحر ليس بوصفها وفرجيل في العام وما إن أقدمت الروايات النابولي ة. تستقصي الرواية لحظة قاتمة تخطف آخر أنفاسهم وإنما دار سبيغل آند غراو في الثاني من شهر أطوار حياة إلينا غريكو الفتاة الطي بة لحظة رؤيوي ة تحتفي بالحياة نفسها وتشرع فبراير لهذ العام على نشر روايته الثالثة الواعية عاشقة الكتب وصديقتها ليلى أمامهم أبواب اإلبداع على مصارعها. جبال البرتغال العالية حتى تصدرت قائمة النزقة الطائشة منذ طفولتهما وحتى بلوغها سن الرشد وهما تحاوالن إيجاد حياتين لهما في خضم ثقافة الطاعة العمياء والعنف بعدالحاديعشرمنسبتمبر ليلى أبو العال روائية سودانية ولدت في النيويورك تايمز ألفضل الكتب مبيع ا. تدور أحداث الرواية في ثالث حقب زمني ة مختلفة وممتدة سنة 1904 حين يعثر البلجيكي بيير فيرمرين المؤرخ ينظر إلى ظهور التطرف في الشمولية بتواطؤ من القوى العظمى وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا اللتين وجدتا في شج ع عليه دعاة ظالميون يحقدون على الغرب من جهة ومفكرون وناشطون والمحر مات التي تسود الحي /السجن الذي القاهرة عاشت في أسكتلندا وتكتب شاب اسمه توماس في لشبونة على كر اس البلدان الغربية نظرة شاملة ويرتد إلى استقبال العمالة العربية اإلسالمية نوعا من سياسيون وحقوقيون طوباويون من جهة تقطنان فيه على أطراف نابولي في إيطاليا. أعمالها باإلنكليزية. صدرت لها في شهر قديم يلم ح إلى وجود أداة خارقة تستطيع أن تصفية االستعمار التي شكلت نقطة فارقة التكفير عن ذنب االستعمار ومناسبة لتجديد ثانية غفلوا عن وجه اإلسالم السياسي الذكاء الخارق مارس من هذا العام روايتها الخامسة سماحة األعداء والتي تقدم فيها سردية تعيد التاريخ. يركب توماس سيارته ويشرع في رحلة بحث عن هذه العجيبة. ثم وبعد في الظاهر فقط ألن المرحلة التي تلتها لم تلب تطلعات الشعوب إلى الحرية والكرامة نسيجها االجتماعي وفتحتا حضنيهما للجاليات العربية المسلمة وأرادتا أن تبدآ من وجرائره على شبيبة مهتزة الهوية. أما المحلل السياسي أالن فراشون فيذهب في أوائل هذا العام أصدرت مطبعة تستقصي أطياف صورة أن يكون المرء خمسة وثالثين عام ا يجد باثالوجي برتغالي وتعميم التعليم والعمل على الجميع إضافة الصفر وكأن الشعوب واألفراد ال ذاكرة لها وال إلى القول إن اإلرهاب في أوروبا هو أحد جامعة أكسفورد طبعة ورقية جديدة من مسلم ا في النظام العالمي الجديد الذي ساد نفسه في بؤرة سر ه الشخصي متورط ا في إلى الحقوق السياسية. ذلك أن الدول ضغينة. فمنذ األزمة الصناعية في الثمانينات تبعات انهيار الشرق األوسط هذا االنهيار الذي كتاب الفيلسوف السويدي الذكاء الخارق: في أعقاب الهجمات اإلرهابية التي ضربت مآالت الرحلة التي قام بها توماس. وبعد المستقلة لم تعبأ بآمال شعوبها ومارست وتفشي البطالة في أوساط المهاجرين بدأ بدأ بتفكك العراق عقب الحرب األمريكية عام المسالك واألخطار واالستراتيجي ات تضم أميركا في الحادي عشر من سبتمبر. بطلة خمسين سنة يلجأ سيناتور كندي إلى قرية عليها استبدادا كان من نتيجته تواصل تلك الحديث عن التفكك األسري وانحراف أبناء 2003 ونشوء نزاع طائفي بين شيعة وسن ة تعليق ا جديد ا من طرف الفيلسوف على هذا الرواية هي ناتاشا ويلسون المولودة في أسالفه في البرتغال مكروب ا ومتفجع ا على التطلعات تحت شعارات ثورية ما فتئت المهاجرين وأخيرا تطرفهم ومرورهم إلى غذ ته القوى اإلقليمية حتى ظهور داعش في الكتاب الذي أصدرته الدار ذاتها في العام الخرطوم باسم ناتاشا حسين ألم روسي ة موت زوجته. ولكنه يصل إلى هناك صحبة تتوالد كالقومية العربية والعالم ثالثية العنف. وفي رأيه أن تاريخ المستعم رين العراق أوال قبل أن يجتاح سورية مشك ال هزة وأب سوداني. تعمل ناتاشا في إحدى رفقة غير عادية: شمبانزي. في ذلك المكان والماركسية اللينيية واالشتراكية العربية والمستعم رين ول د ظاهرتين متناقضتين: عنيفة ليس في مناطق وجوده فحسب وإنما.2014 يجادل بوستروم في أطروحته هذه حول الجامعات األسكتلندي ة وتجري دراسة حول تنتهي رحلة البحث عن العجيبة التي بدأها واإلسالم السياسي والسلفية والجهادية. إرسال ماليين من المهاجرين المغاربيين إلى أيضا في جهات كثيرة من العالم واستطاع احتمالية أن تصبح اآلالت بذكائها الخارق اإلمام شامل الداغستاني قائد المقاومة ضد توماس قبل قرن من الزمان وعلى نحو غير وفي رأيه أن جميع تلك الحركات دول أوربية لم تعد تريد أن تسمع شيئا عن بفضل خطاب دعوي محك م أن يالمس شباب شكل الحياة المسيطر على األرض. فهي الروس خالل حروب القوقاز. وحين تكتشف متوقع. واأليديولوجيات حاولت تغيير الوضع الذي مستعمراتها القديمة وتاريخها. وتغذية العرب في الغرب. وفي رأيه أن الهذيان تتفوق على األدمغة البشرية في الذ كاء بأن سيف اإلمام قد انتقل إلى أحد طالبه شاعر ومترجم من األردن أقامته الدكتاتوريات العسكرية واألنظمة احتجاج إسالموي ما فتئ ينزع إلى التطرف النيهيلي والشمولي لداعش فتن شرائح العدد - 16 مايو/ أيار
81 رسالة باريس رسالة باريس بيري فريين نيكوال غرميالدي أالن فراشون روالن كوتانسو املرسمنون الجدد واسعة من المسلمين في أوروبا. وكما هي افتراضي وينبهرون بفيديوهات داعش العام الذي يحدد التطرف ويغذيه. في كتاب بأننا على صواب وبالتالي لنا الحق الذي ال وغريمالدي ال يعود لتأكيد وجهة نظرة اعتناقها وممارسة شعائرها. وفي رأيه أن الحال في مولنبيك البلجيكية يبدو الوضع ويؤمنون إيمانا راسخا بصدقية خطابها صدر له أخيرا بعنوان المسرن مون الجدد يقل عن االعتقاد مطلقية في إخراس كل من إلى التاريخ القريب فقط بل يستكشف الكاثوليكية هي التي ابتدعت حروب الدين في بعض البلدان األوربية التي ساهمت في ويتمثلون أنفسهم محاربين يجوبون ساحات يؤكد أن وعي اإلرهابيين يقع على تخوم ليس على إيماننا ولو بالقتل. يقول غريمالدي: التاريخ المسيحي ويستشهد بفالسفة القرن وأوكلت للسلطة الملكية اجتثاث أدنى التراجيديا الشرقأوسطية كفرنسا وبريطانيا القتال كاألبطال. ولكنه يالحظ أيضا اتكاء الوعي بالواقع والالوعي الواهم. انطالقا إحدى أعراض التطرف األكثر تميزا وجالء الثامن عشر من فولتير وروسو وديدرو إلى هرطقة. كذلك الثورة الفرنسية التي مارست أشبه بالخاليا السرطانية حيث تختلط المنجذبين على بعضهم بعضا إذ أن كثيرا من مثال القتلة في عملية شارلي هبدو هي العمى أمام الواقع. فالواقع بالنسبة إلى الميتري ودو دوكور وسواهم ممن انتقدوا باسم األنوار والتسامح سياسة رعب وعدم الرومانسية الثورية باإلجرام والجنون القاتل منهم يعترف أنه ما كان لينخرط في الجهاد يصفهم بكونهم عل قوا الواقع بالالواقع المتطرف هو منطقة ضبابية ال يتبين فيها أي الكاثوليكية لكونها جعلت من عدم التسامح تسامح. وقس على ذلك كل اإليديولوجيات المستوحى من ألعاب الفيديو. لو لم يجد أخا أو صديقا يرافقه. وأطلقوا النار بعيون مفت حة كالمسرنمين شيء. فلئن كان النازيون يحرقون البشر دون شهادة إيمان. فبعد أن كان لكل شعب في التي سببت مجازر القرن العشرين. أليس من هذا االفتتان بالموت يؤكده روالن كوتانسو الفيلسوف نيكوال غريمالدي يعالج المسألة الذين يصعدون السطوح مفتحي األعين تمييز بين شيب وشباب بين نساء وأطفال سالف العصور إله خاص به دون أن يفرض أجل عالم أكثر محبة وإخاء وعدالة ومساواة عالم التحليل النفسي الذي يتردد على من زاوية أخرى ففي رأيه أن الراديكالية دون وعي بما يجابهون من أخطار. أي أنهم بين أغنياء وفقراء بين علماء وأميين فإن عبادته على اآلخرين ألن الدين في اعتقاد كان دعاتها يقتلون األبرياء المتطرفين الجهاديين داخل السجون تقع على تخوم طبيعة البشر وشخصيتهم يتنقلون في حلم يقظة بين أرض الواقع مجرمي داعش هم أيضا يقتلون بال تمييز األقدمين مسألة محلية قبلية جاءت الديانة والخالصة أن التطرف الجهادي الذي يصيب الفرنسية وفي رأيه أنهم وإن كانوا ال ينكرون وبالتالي فإن الفلسفة وعلم النفس وفردوس متخيل يعتقدون أنهم بال غوه بقتل حتى األقرب إليهم واألقدر على مخاطبتهم الكاثوليكية لتدعي أنها كونية فشنت حروبا أوروبا ويقتل أناسا من كل الجنسيات وكل قناعاتهم وانبهارهم بداعش يختلفون من واإلثنولوجيا هي األقدر على اإلمساك بالمبدأ من ال يشاطرونهم أفكارهم وهو ما يجعلهم وتفه م مشاكلهم ألنهم انقطعوا عن الواقع على سائر الديانات األخرى لترغمها على المهن وكل األديان ليس ذا طبيعة أخالقية حيث بينة شخصياتهم وينقسمون إلى بعيدي المنال عن الخطاب العادي أو الفكر وصاروا يعيشون في حلم. ذلك أن المسرنم وال سوسيولوجية إذ إن مقترفيه ينحدرون أربع فئات. األولى طي عة تتأثر بالخطاب الجدلي. وفي رأيه أن مملكة المطلق التي أي السائر في المنام في تصور الفيلسوف من كل األوساط فمنهم العاطل والعامل الجهادي بسهولة وترتد عنه بسهولة أيضا يعتقد القتلة أنهم رس لها وشهداؤها هي بنية الفرنسي هو الذي يتصرف داخل الواقع دون الفقير والميسور الحال ومن مناطق غير إذا ما وجدت من يهديها. والثانية تتكون من مثاليين متحمسين يؤمنون بأنهم إنما يرومون االلتحاق بسورية لالنخراط في مشروع إنساني مزعوم. والثالثة لها قناعة من يرغب في المضي ق دما حتى النهاية مدفوعة بإيمان ديني مطلق. والرابعة تتألف من مجرمي الحق العام الذين يعيشون نمط هذا االفتتان بالموت يؤكده روالن كوتانسو عالم التحليل النفسي الذي يتردد على المتطرفين الجهاديين ذهنية سردية متخيلة م ثلها كمثل رواية يقتنع القارئ بأحداثها. وما يهم بعدئذ ليس الحكاية أو الواقع أو مصير اإلنسان بعامة بل الشرنقة الذهنية التي ينغلق فيها أولئك الشبان بفعل عمل بيداغوجي أو بإيعاز ممن يروجون خطاب الوهم ذاك عبر وسائل االتصال الحديثة. أن يراه ويواصل سرديته المتخيلة بمنهجية وكأنه يؤدي مهمة. كذلك كانت تتم عمليات التقتيل الجماعي والتصفية العرقية واإلبادة عبر التاريخ في جهات عديدة من العالم بصفة عمياء وكأن مرتكبيها يعيشون بعيدا عن الواقع. أي أن البشر الذين اقترفوا أبشع الجرائم لم ينفكوا ينظرون إلى متخيلهم الخالصة أن التطرف الجهادي الذي يصيب أوروبا ويقتل أناسا من كل الجنسيات وكل المهن وكل األديان ليس ضواحي المدن الكبرى ولكن ما يوح دهم هو ذلك العمى أمام الواقع فهم ال يبصرون شيئا وال يعرفون شيئا عن ضحاياهم يستعملون راية الدين كغطاء لمعتقد يجعل من السردية المتخيلة ذروة الواقع ثم يلغون الواقع ألنه يقف حائال أمام تلك السردية. وذلك منتهى الالوعي وربما الجنون في وجهه العادي. حياة سيكوباتية ويجدون في االنخراط في صفوف داعش هوية اجتماعية وهدفا لحياة داخل السجون الفرنسية ويؤكد غريمالدي أن االعتقاد هو أصل التطرف. ما إن نؤمن بشيء إله ا كان أم كحقيقة ليس لدى المتطرفين اإلسالميين وحدهم بل لدى الشيوعيين الذين كانت ذا طبيعة أخالقية عندما وصف أندريه بروطون اإلنسان ب الحالم النهائي أال يكون قد هي أنا كي تسير بنفسها إلى الخسران. كثير ممن قابلهم ثورة أم كتابا أم كلمة فإن المنطق الداخلي لهم جنة سوفييتية وهمية يغصبون نفهم التطرف بكونه الجنون األكثر عادية كوتانسو في السجن يعيشون في عالم ألي اعتقاد يقود إلى الغلو والقناعة المطلقة الناس عليها والنازيين زمن الرايخ الثالث. كاتب من تونس مقيم في باريس العدد - 16 مايو/ أيار
82 هيثم الزبيدي الهوية المستبدلة تعريف الغرائز 160 خانة في بطاقة الهوية العراقية التي تسمى شهادة الجنسية ثمة تحمل تعريفا يقول التبعية: عثمانية. ألجيال كبرت ما بعد السبعينات كان األمر يبدو غريبا بعض الشيء. أنت عراقي فما عالقة العثمانية بتعريف الهوية. كانت الهوية العثمانية للعراقيين وسكان الشرق األوسط قد استبدلت بالكامل ما إن انتهت الدولة العثمانية وتأسست الدولة الوطنية العربية. الرعايا العثمانيون القريبون جغرافيا من األستانة صاروا عراقيين وسوريين ولبنانيين وأردنيين. ألف سنة من حكم األتراك للشرق منها 600 عام للعثمانيين وحدهم تبخرت تماما. االستبدال كان عميقا. الدولة العربية الفتية كانت قوية وحازمة. تأسست الجيوش التي جمعت أبناء البلد الجديد حتى قبل أن تتأسس الحكومات أو قبل أن تستقر خدمات البلدية فيها. الهوية الوطنية الجديدة الجامعة انصهرت في عمارة الوطن الحديث. حققت الهوية الوطنية الجديدة ذاتها من خالل التكامل مع البنيان العربي العام في مرحلة ما بعد االستعمار. اإلعالم المركزي ممثال بالصحافة والراديو وبعدهما بالتلفزيون خلق إحساسا وطنيا على خلفية قومية. نجحت الدولة الوطنية في تثبيت أركانها بسرعة وزاد من نجاحها عدد السكان القليل ووفرة الموارد الطبيعية. بعد مرحلة الجيش جاء التعليم واستقر حال الهوية الوطنية أمام علم يرفع ونشيد يرد د. في أغلب الدول العربية تالشت القبلية والطائفية. الهويات الدينية والعرقية انزوت في ركن مظلم من أركان الدولة الحديثة وإن كانت تعب ر عن نفسها بقداس مسيحي هنا أو تمرد كردي هناك. الدولة الوطنية كانت جبروتا مطلقا تقريبا. هويتها كانت مثلها. كان هناك قلق غير موضوعي من الغزو الغربي الذي يمكن أن تتعرض له الهوية الوطنية/الثقافية الجديدة. هذا التوجس من اآلخر ال يزال مستمرا ويرتفع منسوبه أو ينخفض مع التبدالت التكنولوجية والسياسية في المنطقة. الهوية الوطنية العربية صمدت إلى حد كبير أمام العولمة الغربية في مراحلها السياسية في الخمسينات والستينات والعولمة الثقافية فيما بعد السبعينات من القرن الماضي. الصمود امتد أيضا ليشمل رفض النموذج االشتراكي/الشيوعي الذي كان بديال تافها لما يعرضه الغرب. لكن الهوية الوطنية كانت أمام اختبار خطير انقالبي وغرائزي أكثر منه أي شيء آخر. هذا االنقالب حدث عام 1979 بوصول الخميني إلى الحكم في إيران. انطلقت آلية استبدال تشبه إلى حد كبير تلك التي استبدلت العثمانية بالوطنية مطلع القرن العشرين. وبحلول األلفية كانت آليات تصدير الهوية قد اكتملت وتنتظر فرصتها التي جاءت عام 2003 بالغزو األميركي للعراق. عالمنا العربي اليوم يعيش هوية مستبدلة. لم تطلق الغرائز في المنطقة بين المسلمين وحدهم الذين تشظ وا بين سن ة وشيعة. المسيحيون أعادوا اكتشاف قومي تهم المسيحية. األكراد واألمازيغ رسموا على األرض أو نفسيا الحدود الفاصلة عن المحيط العربي داخل الوطن وخارجه. الدروز الذين نزلوا من الجبل وتزاوجوا مع المسلمين والمسيحيين على حد سواء عادوا اليوم إلى جبلهم يحتمون بهويتهم المتجددة. األقليات كما أصبحت فسيفساء التنوع الجميل تسمى صارت تعريف الشرق الجديد. من صمد هم أهل الخليج الذين طوروا تحوالت أكثر هدوءا وموضوعية لهويتهم رغم أن إيران تطرق أبوابهم الداخلية بشدة. االستبدال من العثمانية إلى الهوية الوطنية الجديدة كان سلميا نسبيا ربما ألنه كان طبيعيا ومتناسقا مع اكتفاء العثمانيين بالحكم من دون السعي إلى التغيير الثقافي والديني. االستبدال نحو الغرائز الطائفية كان داميا من أول يوم من أيام الحرب العراقية اإليرانية عام 1980 وحتى يومنا هذا. الحرب ما تزال دائرة وتزداد رقعتها بلدا بعد بلد وساعة بعد أخرى. بدال من انفتاح الهوية الوطنية على المكونات الفكرية والثقافية لآلخر نعيش اليوم اهتزازا شديدا في الهوية وتقوقعا غير مسبوق أطرف ما فيه أنه يستخدم كل أدوات االنفتاح من فضائيات وإنترنت ووسائط اجتماعية الستكمال حلقة انغالقه. الهويات الوطنية اليوم تقف على مفترقات طرق كثيرة ال نجد ما يوج هها في إطار جامع. هناك هويات جزئية مشاكسة جدا وعقابية وتعيش على عقد معاصرة وتاريخية. تتغذى هذه الهويات على صراعات ملتبسة األغراض ويتداخل فيها الطمع والكراهية والسخافة حتى تحتار في تعريف ماذا يريد أصحابها من أي شيء. فكرة االنتماء لهوية ثابتة صارت محل شك وتفسيرات. الخطر اآلخر هو أن الهويات السائدة اليوم ال تعرف كيف تنفتح على اآلخر وكيف تندمج في العالم الواسع. صارت لديها قدرة ال على التقوقع في جغرافيتها الرثة بل أن تصد ر نفسها إلى جغرافيات المهجر البعيد فتزرع أمراضها في أجيال كان بوسعها أن تبدأ من جديد. مرة أخرى تثبت الثقافة في عالمنا العربي عجزها لتجد نفسها واحدة من ضحايا قوى كبيرة تتغلب عليها بسهولة كاتب من العراق مقيم في لندن العدد - 16 مايو/ أيار
83 164
REPUBLIQUE ALGERIENNE DEMOCRATIQUE ET POPULAIRE وزارة التعليم العالي والبحث العلمي Ministère de l enseignement supérieur et de la recherche scientifiq
ماستر. 1 لسان ات تطب ق ة ق: 16 النظر ات اللسان ة إنجلز ة 2018-06-19 ش خ إدر س المنهج و المنهج ة فن ات البحث و الكتابة فارس حس ن الطرش التحل ل التول دي خالدي هشام المبادئ المنهج ة للتحل ل اللسان الهادي
وزارة الترب ة بنك األسئلة لمادة علم النفس و الح اة التوج ه الفن العام لالجتماع ات الصف الحادي عشر أدب 0211 / 0212 األولى الدراس ة الفترة *************
وزارة الترب ة بنك األسئلة لمادة علم النفس و الح اة التوج ه الفن العام لالجتماع ات الصف الحادي عشر أدب 2 / 22 األولى الدراس ة الفترة ************************************************************************************
)) أستطيع أن أفعلها(( المادة : لغة عربية الصف و الشعبة: السابع االسم : عنوان الدرس: ورقة مراجعة )) العمل الفردي (( األهداف: أن يجيب الطالب على جميع اأ
)) أستطيع أن أفعلها(( المادة : لغة عربية الصف و الشعبة: السابع االسم : عنوان الدرس: ورقة مراجعة )) العمل الفردي (( األهداف: أن يجيب الطالب على جميع األسئلة بعد قراءتك * لنص الشعري بعنوان )أعطني الناي(
وزارة التعليم العالي والبحثالعلمي الجامعة المستنصرية كلية اآلداب قسم الفلسفة الوجود اإلهلي يف فلسفة كانط النقدية رسالة تقدمت بها الطالبة: زينب وايل شو
وزارة التعليم العالي والبحثالعلمي الجامعة المستنصرية كلية اآلداب قسم الفلسفة الوجود اإلهلي يف فلسفة كانط النقدية رسالة تقدمت بها الطالبة: زينب وايل شويع إىل جملس كلية اآلداب اجلامعة املستنصرية وهي جزء
قررت وزارة التعليم تدري س هذا الكتاب وطبعه على نفقتها الريا ضيات لل صف االأول االبتدائي الف صل الدرا سي الثاين كتاب التمارين قام بالت أاليف والمراجعة
قررت وزارة التعليم تدري س هذا الكتاب وطبعه على نفقتها الريا ضيات لل صف االأول االبتدائي الف صل الدرا سي الثاين كتاب التمارين قام بالت أاليف والمراجعة فريق من المتخ ص صين طبعة 9 0 ه 08 09 م ح وزارة التعليم
الوحدة األولى المالمح البشرية للوطن العربي عنوان الدرس : سكان الوطن العربي أوال :أكمل الجدول التالي: 392 مليون نسمة %5.3 %39.9 %60.1 عدد سكان الوطن ال
0 الوحدة األولى المالمح البشرية للوطن العربي عنوان الدرس : سكان الوطن العربي أوال :أكمل الجدول التالي: 392 مليون نسمة %5.3 %39.9 %60.1 عدد سكان الوطن العربي: نسبة سكان الوطن العربي إلى سكان العالم: نسبة
اململكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي جامعة اجملمعة عماده خدمه اجملتمع كليه الرتبية بالزلفي دبلوم التوجيه واالرشاد الطالبي ملخص منوذج توصيف مق
اململكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي جامعة اجملمعة عماده خدمه اجملتمع كليه الرتبية بالزلفي دبلوم التوجيه واالرشاد الطالبي ملخص منوذج توصيف مقرر )نظريات التعلم ) 435/434 ه منوذج توصيف مقرر دراسي
عناوين حلقة بحث
عناوين ا بحاث مقترحة دكتور ياسر الشرفا قسم ا دارة الا عمال والعلوم المالية والمصرفية 1 -ا ثار استقلالية سلطة النقد على فعالية السياسة النقدية الفلسطينية 2 -الا صلاحات المصرفية على مكافحة تبييض الا موال
الجامعة الأردنية
ر 5 الجامعة األردنية كلية اآلداب/ قسم الفلسفة ================== المادة : إشكاليات في الفكر العربي المعاصر )دكتوراه( أستاذ المادة: أحمد ماضي رقمها: )4393032( بالنظر إلى تعذر د ارسة كافة اإلشكاليات كما
منحهما جائزة "الوسام الذهبي لإلنجاز": - Monitoring Media إتحاد المصارف العربية يكر م عدنان وعادل القص ار في القمة المصرفية العربية الدولية في باريس Ta
منحهما جائزة "الوسام الذهبي لإلنجاز": - Monitoring Media إتحاد المصارف العربية يكر م عدنان وعادل القص ار في القمة المصرفية العربية الدولية في باريس Table of Content الوسام الذهبي لعدنان وعادل القص ار في
الرسالة األسبوعية/ الصف السادس 2018 / 9 - األحد 16 أولياء األمور الكرام : إليكم الرسالة األسبوعية وما سيتم إنجازه هذا األسبوع: األسبوع الماضي : تم اال
الرسالة األسبوعية/ الصف السادس 2018 / 9 - األحد 16 أولياء األمور الكرام : إليكم الرسالة األسبوعية وما سيتم إنجازه هذا األسبوع: األسبوع الماضي : تم االنتهاء من مراجعة أهم المهارات النحوية وسيتم إرسال األوراق
نموذج السيرة الذاتية
بسم اهلل الرحمن الرحيم البيانات الشخصية االسم تاريخ ومكان الميالد الكلية القسم عمان العلوم التربوية المكتبات و المعلومات المؤهالت الد ارسية الدرجة العلمية التخصص الجهة المانحة لها 2012 دكتو اره علم المعلومات
د ع اء ك م يل بن ز ياد د ع اء ك م يل بن زياد ( رح ه هللا( م ا لل ه م إن ي أ س أ ل ك ب ر ح م ت ك ال تي و س ع ت ك ل ش ي ء و ب ق و ت ك ال تي ق ه ر ت ب ها
د ع اء ك م يل بن زياد ( رح ه هللا( م ا لل ه م إن ي أ س أ ل ك ب ر ح م ت ك ال تي و س ع ت ك ل ش ي ء و ب ق و ت ك ال تي ق ه ر ت ب ها ك ل ش ي ء و خ ض ع ل ها ك ل ش يء و ذ ل ل ه ا ك ل ش يء و ب ج ب ر وت ك ال تي
Ministry of Higher Education& scientific Research University of technology Department of Architecture Faculty of Staff Researches وزارة التعليم العالي
عنوان البحث التواصل الشكلي في النتاج المعاصر دور التدريسي في تفعيل تقنية التعليم الرقمي نظرية الفوضى وتوليد الشكل المعماري العالقات التكوينية في التصوير العرلب االسالمي واثرها في اعمال الرسم للفنان فؤاد
االبداع في صياغة المواقف المضحكة من خصائص الشخص ذو الذكاء: الفكاهي A. الذاتي B. اللغوي C. العاطفي D. االتصال الذي يتخذ فيه الفرد قراراته بناء على المع
االبداع في صياغة المواقف المضحكة من خصائص الشخص ذو الذكاء: الفكاهي A. الذاتي B. اللغوي C. العاطفي D. االتصال الذي يتخذ فيه الفرد قراراته بناء على المعلومات التي يتلقاها من حواسة هو االتصال: A. الجمعي B.
الشريحة 1
تعريف الفيزياء الفيزياء في الحياة اليومية الفيزياء في القران المراجع من يدرس الفيزياء هل ترغب في معرفة كيف تعمل األشياء من حولنا مثل الكمبيوتر والليزر والصواريخ الفضائية وهل ترغب في إيجاد تفسير لما يدور
الخطة الاستراتيجية ( 2015 – 2020 )
/ كلية العلوم الاجتماعية ) 2018 2017 الخطة ( االست ارتيجية مركز التطوير األكاديمي وضبط الجودة 2 صفحة االسم أ. د. يونس الشديفات د. سطام الشقور د. عمر السقرات د. هايل البري د. رضوان المجالي د. مسلم الرواحنة
Morgan & Banks Presentation V
المحرم 1433/ ديسمبر 2011 1 1 د. صنهات العتييب االستاذ بجامعة الملك سعود د. مسري الشيخ مستشار تطوير المصرفية اإلسالمية 2 علي اإلجابة الندوة تحاول التساؤالت التالية: املصرفية أين اإلسالوية يف البنوك التقميدية
مؤتمر: " التأجير التمويلي األول " طريق جديد لالستثمار لدعم وتنمية المشروعات القومية والشركات الصغيرة والمتوسطة تحت رعاية : و ازرة االستثمار و ازرة اال
مؤتمر: " التأجير التمويلي األول " طريق جديد لالستثمار لدعم وتنمية المشروعات القومية والشركات الصغيرة والمتوسطة تحت رعاية : و ازرة االستثمار و ازرة االتصاالت وتكنولوجيا المعلومات الهيئة العامة للرقابة المالية
السيرة الذاتية للدكتور محمد شلال العاني
السيرة الذاتية لألستاذ الدكتور أولا : معلومات شخصية: محمد شاللحبيب 1 - السم الرباعي واللقب: محمد شالل حبيب يوسف 2 - اللقب العلمي: أستاذ 3 - التحصيل العلمي: دكتو اره في القانون الجنائي 5 - عنوان السكن الحالي:
Microsoft PowerPoint - Session 7 - LIBYA - MOH.pptx
دولة ليبيا وزارة الصحة مركز المعلومات والتوثيق 1 إعداد : محمد إبراھيم صالح مدير مركز المعلومات والتوثيق 2 المحتويات. المؤسسات المسئولة في مجال االحوال المدنية واإلحصاءات الحيوية. االطار القانوني لتسجيل.
نتائج تخصيص طالب وطالبات السنة األولى المشتركة بنهاية الفصل الدراسي الثاني 1438/1437 ه يسر عمادة شؤون القبول والتسجيل بجامعة الملك سعود أن تعلن نتائج
نتائج تخصيص وات السنة األولى المشتركة بنهاية الفصل الدراسي الثاني 1438/1437 ه يسر عمادة شؤون القبول والتسجيل بجامعة الملك سعود أن تعلن نتائج تخصيص وات السنة األولى المشتركة بعد نهاية الفصل الدراسي الثاني
الحل المفضل لموضوع الر اض ات شعبة تقن ر اض بكالور ا 2015 الحل المفص ل للموضوع األو ل التمر ن األو ل: 1 كتابة و على الشكل األس. إعداد: مصطفاي عبد العز
الحل المفص ل للمضع األ ل التمر ن األ ل: كتابة على الشكل األس k ' cos s cos s e e ب( تع ن ق م العدد الطب ع بح ث كن العدد حق ق ا e e e arg حق ق معناه k منه k عل ه k ' k ح ث e ج( عدد مركب ح ث حساب ط لة العدد
الدرس : 1 مبادئ ف المنطق مكونات المقرر الرسم عناصر التوج هات التربو ة العبارات العمل ات على العبارات المكممات االستدالالت الر اض ة: االستدالل بالخلف ا
الدرس : 1 مبادئ ف المنطق مكونات المقرر الرسم عناصر التوج هات التربو ة العبارات العمل ات على العبارات المكممات االستدالالت الر اض ة: االستدالل بالخلف االستدالل بفصل الحاالت االستدالل بالتكافؤ نبغ تقر ب
دبلوم متوسط برمجة تطبيقات الهواتف الذكية
دبلوم متوسط برمجة تطبيقات الهواتف الذكية الهواتف الذكية عدد مرات تنزيل التطبيقات توقع ارتفاع عدد مرات تنزيل التطبيقات 178B 2017 258B 2020 66% 54% عدد مستخدمي 3,8B االجهزة الذكية 4/2018 استخدام التطبيقات
1 مراجعة ليلة امتحان الصف السابع في الدراسات اإلجتماعية. ********************************************************************************* األول السؤا
1 مراجعة ليلة امتحان الصف السابع في الدراسات اإلجتماعية. ********************************************************************************* األول السؤال : التعريفات:-.... 1. الموقع الفلكي :....2 أرخبيل
دائرة التسجيل والقبول فتح باب تقديم طلبات االلتحاق للفصل األول 2018/2017 " درجة البكالوريوس" من العام الدراسي جامعة بيرزيت تعلن 2018/2017 يعادلها ابتد
دائرة التسجيل والقبول فتح باب تقديم طلبات االلتحاق للفصل األول 2018/2017 " درجة البكالوريوس" من العام الدراسي جامعة بيرزيت تعلن 2018/2017 يعادلها ابتداء من عن فتح باب تقديم طلبات االلتحاق بإمكان الطلبة
. رصد حضور المرأة في وسائل اإلعالم المحلية 2017
. رصد حضور المرأة في وسائل اإلعالم المحلية 2017 المقدمة : عينة الدراسة الصحافة المطبوعة : الرأي والغد والدستور والسبيل. المواقع اإللكترونية : عمون وسرايا وخبرني والوكيل. التلفزيون : التلفزيون األردني ورؤيا.
منح مقد مة من مبادرة ألبرت أينشتاين األكاديمية األلمانية لالجئين إلى النازحين السوريين في لبنان يعرف باسم "دافي (DAFI) العام األكاديمي الجامعي 4102/41
منح مقد مة من مبادرة ألبرت أينشتاين األكاديمية األلمانية لالجئين إلى النازحين السوريين في لبنان يعرف باسم "دافي (DAFI) العام األكاديمي الجامعي طلب مساعدة تعليمية مالحظة: إن الموعد النهائي لتقديم الطلبات
منطقة العاصمة التعليمية عدد الصفحات / مخس صفحات التوجيه الفني للغة العربية الزمن / ساعة واحدة اختبار الفرتة الثالثة يف مادة اللغة العربية للصف العاشر
منطقة العاصمة التعليمية عدد الصفحات / مخس صفحات التوجيه الفني للغة العربية الزمن / ساعة واحدة اختبار الفرتة الثالثة يف مادة اللغة العربية للصف العاشر 202 م / 202 الورقة األوىل ( الت عبري والت لخيص وقواعد
easy - translation
From: http://ar.miraath.net/audio/5030/01 Shaikh Ahmad Bazmool Http://ar.miraath.net/audio/download/5030/usool_us_sunnah_01.mp3 أما األمر األول فھو أنه يظن أن ھذا العلم ثقيل وال يفھمه فھذا خطأ فھذا خطأ
brochure
Gaza Community Mental Health Programme يعد العنف ضد المرأة من أكثر أشكال العنف انتشارا ويمس حياة ملايين من النساء في كل أنحاء العالم بغض النظر عن أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية وعن مستواهن التعليمة ويتجاوز
هللا مسب*** مداخلة السيد النائب مالل محمد فيما يتعلق بمناقشة الميزانيات الفرعية للقطاعات الحكومية التي تدخل ضمن اختصاصات لجنة البنيات األساسية والطاقة
هللا مسب*** مداخلة السيد النائب مالل محمد فيما يتعلق بمناقشة الميزانيات الفرعية للقطاعات الحكومية التي تدخل ضمن اختصاصات لجنة البنيات األساسية والطاقة والمعادن والماء والبيئة ***. ا لسيد الرئيس السادة
6 الجمهورية الج ازي رية الديمق ارطية الشعبية مديرية التربية لولاية الطارف و ازرة التربية الوطنية امتحان البكالوريا التجريبي في مادتي التاريخ والجغ ارف
6 الجمهورية الج ازي رية الديمق ارطية الشعبية مديرية التربية لولاية الطارف و ازرة التربية الوطنية امتحان البكالوريا التجريبي في مادتي التاريخ والجغ ارفيا ) دورة ماي ( 2017 المدة : 03 ساعات ونصف الشعبة :تسيير
صندوق استثمارات اجلامعة ومواردها الذاتية ( استثمارات اجلامعة الذاتية ) مركز مركز استثمارات الطاقة املتجددة االستثمارات مركز اإلمام للمالية واملصرفية ا
صندوق استثمارات اجلامعة ومواردها الذاتية ( استثمارات اجلامعة الذاتية ) استثمارات الطاقة املتجددة االستثمارات اإلمام للمالية واملصرفية العقارية استثمارات تقنية املعرفة التنمية الصحية الوسائط املتعددة مركز
تأثير اتفاقيتي الشراكة عبر المحيط الهادئ والشراكة في التجارة والاستثمار عبر الأطلسي على الدول العربية
التحديات والفرص التفاقيات التجارة العمالقة على االقتصاديات العربية: اتفاقيتي الشراكة عبر المحيط الهادئ والشراكة في التجارة واالستثمار عبر األطلسي اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ) TPP ) اتفاقية الشراكة
جامعة عين شمس كلية الحاسبات و المعلومات كنترول الفرقة الرابعة بيانات الطالب )رقم الجلوس-الحالة الدراسية-االسم( النمذجة والمحاكاة نتيجة طالب الفرقة الر
جامعة عين شمس كلية الحاسبات و المعلومات كنترول الفرقة الرابعة بيانات الطالب )رقم الجلوس-الحالة الدراسية-االسم( النمذجة والمحاكاة نتيجة طالب الفرقة الرابعة نظرية المترجمات / الفصل الدراسي االول - العام
الرقابة الداخلية والرقابة الخارجية
الرقابة الداخلية - التدقيق الداخلي الرقابة الخارجية القاضي أفرام الخوري الرقابة الداخلية - التدقيق الداخلي والرقابة الخارجية الفقرة االولى : المقاييس العامة ألي نظام رقابي 1 هدف الرقابة : الرقابة على الوسيلة
صفوت مصطفي حميد ضهير مدرسة الدوحة الثانوية ب أي خطأ طباعي أو إثناء التحويل من صيغة آلخري يرجي إبالغي به والخطأ مني ومن الشيطان أما توفيقي فمن هللا عرف
أي خطأ طباعي أو إثناء التحويل من صيغة آلخري يرجي إبالغي به والخطأ مني ومن الشيطان أما توفيقي فمن هللا عرف المصطلحات التالية: الكميات الفيزيائية القياسية: هي كميات التي يعبر عنها بعدد ووحدة قياس مثل "درجة
اسم الطالب: ألمدرسة األحمدية الخميس 24 آذار ربيع الثاني 2442 إمتحان فهم مقروء فصلي للصف الخامس إق أر النص التالي ثم أجب عن األسئلة التي تليه:
اسم الطالب: _ ألمدرسة األحمدية الخميس 24 آذار 2122 21 ربيع الثاني 2442 إمتحان فهم مقروء فصلي للصف الخامس إق أر النص التالي ثم أجب عن األسئلة التي تليه: العصفورتان والر يح جميلتان العرب ب ال د إحدى في كانت
المواصفات الاوربية لإدارة الابتكار كخارطة طريق لتعزيز الابتكار في الدول العربية
المواصفات االوربية إلدارة االبتكار كخارطة طريق لتعزيز االبتكار في الدول العربية د. عوض سالم الحربي Workshop on Fostering Innovation in the Public Sectors of Arab Countries Cairo, Egypt, 30-31 October 2017
الشريحة 1
القيادة 1 القيادة -الم ادة - تعر فات الم ادة -الفرق ب ن الم ادة واإلدارة - عناصر الم ادة اإلدار ة - نظر ات الم ادة اإلدار ة 2 القيادة تنطوي الم ادة على عاللة تبادل ة ب ن من بدأ بالفعل وب ن من نجزه وهذه
هاروت وماروت كما وردت يف القرآن الكريم )من خالل تفسري ابن جرير الطربي - -ت 310 ه املسمى جامع البيان يف تفسري آي القرآن ) دكتور سناء بنت عبد الرحيم بن
هاروت وماروت كما وردت يف القرآن الكريم )من خالل تفسري ابن جرير الطربي - -ت 310 ه املسمى جامع البيان يف تفسري آي القرآن ) دكتور سناء بنت عبد الرحيم بن عبد اهلل حلواني أستاذ مساعد بقسم الكتاب والسنة بكلية
Microsoft Word - 55
بطاقة الوصف الوظيفي (مدير داي رة العلاقات العامة) ا و لا معلومات خاصة بالوظيفة: المسمى الوظيفي الغرض الري يسي من الوظيفة الفي ة الموقع التنظيمي للوظيفة الجهة المسي ولة عن الوظيفة العلاقة مع الوظاي ف الا
اإلحتاد املصري لتنس الطاولت بطىلت اجلمهىريت املفتىحت لفردي مجيع االعمار السنيت للبنني والبناث صالت رقم ( 1 ) استاد القاهرة خالل الفرتة من 04 اىل 12 فر
( الدور الرئيسي ال ) صفحة فردى السيدات دينا عالء الدين وفيك دمحم مشرف يوم : ط همسه حسين دمحم االشمر يوم : ط هدى هشام احمد عبدالسميع الناغى الرواد يوم : ط ندى عبدالرحمن دمحم رحمو يوم : ط رنا اشرف السيد
) NSB-AppStudio برمجة تطبيقات األجهزة الذكية باستخدام برنامج ( ) برمجة تطبيقات األجهزة الذكية باستخدام برنامج ( NSB-AppStudio الدرس األول ) 1 ( الدرس
) NSB-AppStudio ) 1 ( أهداف الدرس : بعد انتهاء هذا الدرس ستكون الطالبة قادرة على أن : )1 توضح مميزات برنامج ( NSB-AppStudio ) 2( تعدد لغات البرمجة المستخدمة في برنامج ( NSB-AppStudio ) 3( تذكر خطوات كتابة
مقدمة عن الاوناش
مقدمة عن االوناش مهندس اعداد / ناصر محمود احمد االوناش Cranes هي نوع من المعدات تستخدم لرفع وخفض ونقل االحمال الكبيرة. المبادئ الميكانيكية االساسية لالوناش:- قدرة الونش علي رفع الحمولة. 1. عدم سقوط الونش
1
1 الشبكة السورية لحقوق اإلنسان )SNHR( هي منظمة حقوقية غير حكومية وذات غايات غير ربحية تأس ست في حزيران/ يونيو 2011 نتيجة لالزدياد الممنهج في انتهاكات حقوق اإلنسان في سوريا ذلك بهدف المساهمة في حفظ حقوق
2 nd Term Final Revision Sheet Students Name: Grade: 4 Subject: Saudi Culture Teacher Signature 1
2 nd Term Final Revision Sheet Students Name: Grade: 4 Subject: Saudi Culture Teacher Signature 1 Saudi Culture Gr.4 راجعة اجتاعيات للصف الرابع االبتدائي 1 /الئي الجدول با يناسب ناخ كة الكرة )صيفا شتاء(ن
الذكاء
ا ل ذ ك ا ء و ا ل ف ر و ق ا ل ف ر د ي ة ا ل ذ ك ا ء ع ل ى ا ل ر غ م م ن تشابه كافة أ ف ر ا د ا جل ن س ا ل ب ش ر ي ف ي م ظ ا ه ر ا ل ن م و ا مل خ ت ل ف ة أ ن ه ن ا ك ت ف ا و ت ا ف ي م ا ب ي ن ه م ف ي ا
PowerPoint Presentation
اليوم اإلعالمي حول التوجيه الجامعي إدارة الشؤون األكاديمية والشراكة العلمية بالجامعة 15 جويلية 2016 بالمعهدالعالي للتصرف بقابس جامعة قابس جامعة الجنوب الشرقي خارطة جامعية تمتد على أربع واليات + 15 مؤس
UNWTOQtr14-2-1Course Outline-v02.docx
دورة تدريبية إقليمية في قطر لفائدة المسؤولين التنفيذيين الدورة الثانية 4102 تطوير المنتجات السياحية الثقافية 1 لمحة عن المشروع نزوال عند طلب الهيئة العامة للسياحة القطرية قامت منظمة السياحة العالمية بدعم
توزيع املساقات الدراسية في برامج ماكاديمية على ماقسام العلمية )1( قسم القانون الدولي العام م املساق القانون الدولي العام التنظيم الد
توزيع الساقات الدراسية في براج اكاديية على اقسا العلية )( قس القانون الدولي العا 7 8 9 الساق القانون الدولي العا التنظي الدولي القانون الدولي العا ع التعق القانون الجنائي الدولي القانون الدولي إلانساني
CME/40/5(b) Madrid, April 2015 Original: English لجنة منظمة السياحة العالمية للشرق األوسط اإلجتماع األربعون دبي اإلما ارت العربية المتحدة 5 أيار/مايو
Madrid, April 2015 Original: English لجنة منظمة السياحة العالمية للشرق األوسط اإلجتماع األربعون دبي اإلما ارت العربية المتحدة 5 أيار/مايو 1025 البند 5 )ب( من جدول األعمال المؤقت 5. تنفيذ برنامج العمل العام
Natural Resources
مغامرات في مجال الطاقة تمسك بقبعتك! إنه يبدأ مع جزيرة... Source: https://www.google.com ... على الجانب اآلخر من المحيط األطلسي Source: https://www.google.com الجزيرة تقع في وسط بحر كاتيغات في الدنمارك.
Microsoft Word - ?????? ??? ? ??? ??????? ?? ?????? ??????? ??????? ????????
ملخص اجتماع الجمعية العامة الغير العادية المواد المعدلة من النظام الاساسى للشركة المادة (21) قبل التعديل: يتولي إدارة الشركة مجلس إدارة مو لف من ثلاثة أعضاء علي الا قل و أحد عشر عضوا علي الا كثر تعينهم
الدِّيكُ الظَّرِيفُ
ﺍﻟﺪﻳﻚ ﺍﻟﻈﺮﻳﻒ ﻛﺎﻣﻞ ﻛﻴﻼﻧﻲ ال ديك ال ظر يف ال ديك ال ظر يف تا ليف كامل كيلاني كامل كيلاني رقم إيداع ١٦٤٠٧ / ٢٠١٢ تدمك: ٩٧٨ ٩٧٧ ٧١٩ ٠٠٨ ٤ مو سسة هنداوي للتعليم والثقافة جميع الحقوق محفوظة للناشر مو سسة هنداوي
اسم الطالب أجان ال اس اوم احمد عباس رش د احمد ممداد ح در عل احمد نذ ر دمحم صالح ارا واروس طاطول أر ن كامران سل مان إسراء سعد هللا جاسم أسماء صل وا ججو
أجان ال اس اوم احمد عباس رش د احمد ممداد ح در عل احمد نذ ر دمحم صالح ارا واروس طاطول أر ن كامران سل مان إسراء سعد هللا جاسم أسماء صل وا ججو إسماع ل سعد هللا شاكر أصالة حم د سلطان اكرام ول د خرش د أكرم
اسم المفعول
اسم المفعول اسم المفعول اسم ي شتق من الفعل المتعدي المبني للمجهول المتعدي وهي تدل على وصف من يقع عليه الفعل. يصاغ اسم المفعول على الن حو التالي : 1 الفعل الثالثي : على وزن م ف ع ول مثل: ك ت ب : م ك ت وب
دليل المستخدم لبوابة اتحاد المالك التفاعلية
دليل المستخدم لبوابة اتحاد المالك التفاعلية الشاشة الرئيسية 3 إنشاء مستخدم جديد 4 أوال: التسجيل كفرد 5 - نوع الهوية «سعودي» : 5 - نوع الهوية «مقيم :» 6 - نوع الهوية «خليجي» : 7 : التسجيل كمنشأة : 9 ثانيا
جامعة عين شمس كلية التربية النوعية ة امتحان دور : ف نتيجة الفرقة : يناير األولى قسم تكنولوجيا التعليم الفرقة األولى العام الد ارسى : / ( عام
الفرقة 42 79 36 39 42 69 69 62 65 69 45 46 53 46 43 54 9 1 131 117 1 95 16 142 139 1 1 138 17 143 11 64 142 1 124 55 56 51 63 55 58 ابتسام كميل جوهر غبلاير اب ارهيم على اب ارهيم مصطفى احمد باتع عبد الحكيم
وزارة التربية والتعليم مجلس االمارات التعليمي 1 النطاق 3 مدرسة رأس الخيمة للتعليم الثانوي Ministry of Education Emirates Educational Council 1 Cluster
أوال : أجب عن األسئلة التالية )1 يسحب شخص مكعب ا خشبي ا كتلته ( )8.75kg على أرض إسمنتية نحو اليمين بوساطة حبل يميل فوق األفقي بزاوية ( )27 انظر الشكل جانب ا فإذا كانت قوة الشد في الحبل ( ) 1.00 102 N وعانى
النشرة األسبوعية للواجبات المدرسية الصف: االول أ ب ج د ه و النشرة رقم : 6 اليوم والتاريخ المادة الواجبات اختبار بالدرس الثالث حرف الباء من صفحة 23 إلى
الصف: االول أ ب ج د ه و اختبار بالدرس الثالث حرف الباء من صفحة 23 إلى صفحة 23 المراجعة + ورقة العمل رياضيات تسليم ورقة العمل تربية وطنية وحياتية تسليم ورقة العمل + عمل نشاط أسرتي سعيدة صفحة 23 + Reading
بسم الله الرحمن الرحيم
مراجعة امتحان نهاية الفصل األول { الفراق بني الزوجني } ملاذا شرع هللا عز وجل الزواج... ما أسس اختيار شريك العمر ما معىن النشوز وممن يقع كيف عاجل اإلسالم النشوز ابلنسبة للزوجة كيف عاجل اإلسالم النشوز ابلنسبة
16 أبريل 2019 االطالق الرسمي للجائزة
16 أبريل 2019 االطالق الرسمي للجائزة إطالق جائزة ولي العهد ألفضل تطبيق خدمات حكومية والموجهة لطالب الجامعات في المملكة األردنية الهاشمية نبذة عن الجائزة 300+ جامعة +30 حكومية وخاصة في المملكة األردنية
عرض تقديمي في PowerPoint
المحاكاة وتمثيل األدوار أوال : مفهوم طريقة تمثيل األدوار : أن يقوم الطالب بدور شخصية أخرى, سواء كانت هذه الشخصية تاريخية أو خيالية أو واقعية, ويعبر عن آرائها وأفكارها في الموضوع أو القضية المطروحة.] 1
لغة الضاد عنواني
دولة االمارات العربية المتحدة ملس أبوظبي للتعليم مدرسة ناهل للتعليم األساسي والثانوي الالم القمرية االسم : الصف :... الشعبة...: ركب من الحروف والمقاطع لتكون كلمات ثم اقرأها قراءة سليمة :- الحروف والمقاطع
استمارة تحويل طالب يتعلم في الصف العادي لجنة التنسيب إلى )التقرير التربوي( استمارة لتركيز المعلومات حول العالج المسبق الذي حصل علية الطالب\ة الذي يتعل
استمارة تحويل طالب يتعلم في الصف العادي لجنة التنسيب إلى )التقرير التربوي( استمارة لتركيز المعلومات حول العالج المسبق الذي حصل علية الطالب\ة الذي يتعلم في صف عادي, قبل تحويله إلى لجنة التنسيب.يجب تعبئة
لقانون العام للمساواة في المعاملة - 10 أسئلة وأجوبة
القانون العام للمساواة في المعاملة Allgemeines Gleichbehandlungsgesetz (AGG) 10 أسئلة وأجوبة Arabisch 1 ما أهداف قانون AGG يستهدف قانون AGG منع أي شكل من أشكال التمييز بسبب: األصل العرقي العمر الجنس الهوية
Microsoft Word doc
جامعة فيلادلفيا الكلي ة: الا داب والفنون القسم: التصميم الجرافيكي الفصل:الاول من العام الجامعي 2010/2009 المادة: النقد الفني مستوى المادة: الرابع موعد المحاضرة: نر ) 9:458:15 ( خطة تدريس المادة Course
Microsoft Word - Q2_2003 .DOC
١ قاي مة المرآز المالي آما في ٣٠ يونيو ٢٠٠٢ ٣١ ديسمبر ٢٠٠٢ ٣٠ يونيو ٢٠٠٣ (غير مدققة ( (مدققة ( (غير مدققة ( إيضاح الموجودات ١ ٤٨١ ٧٣٠ ٣ ١٣٤ ٤٣٧ ١ ٥٩٣ ٨٧٥ نقدية وأرصدة لدى مو سسة النقد العربي السعودي ٣
الشريحة 1
2 األشكال الثالثية األبعاد 4 الف ص ل السادس 5 6 ن 2 : املئ الجدول بالرقم المناسب عدد أضالع القاعدة 4 ن 3 8 عدد أحرف المجس م 6 كانت إذا قاعدة الهرم مثلثة الشكل ذ فكم عدد أضالعها كم حرف ا كانت إذا للهرم
مخزون الكلنكر الرجاء قراءة إعالن إخالء المسؤولية على ظهر التقرير المملكة العربية السعودية قطاع المواد األساسية األسمنت فبراير 2017 ٣٠ ٢٥ ٢٠ ١٥ ١٠ ٥ ٠
٢٥ ١٥ ٥ ٢٥ ١٥ ٥ ١١ ١٢ ١٣ ١٤ ١٥ ١٦ المخزون/الا نتاج - يمني المخزون - يسار ٤٨ ٧ ٥ ٦ ٤ ١٤ ٧٢ ٢١ ٥٥ ٢٢ ٧٨ ٢٨ ١١ ١١ ١٢ ١٣ ١٤ ١٥ ١٦ معدل النمو - يمني مستوى المخزون في القطاع - يسار ٤٩ ٤ ٣ ٢٥ ١٧ ٩ ١٤ ١١٥ ٩ ٥-٣٥
Kingdom of Saudi Arabia المملكة العربية السعودية Ministry of Education وزارة التعليم جامعة المجمعة Majmaah University كشف توزيع حضور الطالب في االختبا
في عل: 11-00-01 بكلية: العلو و الدراسات االنسانية بالغاط الرق الجاعي اس الطالب/ الطالبة القس حد بن خلف بن خلف الشري 372104440 1 عبداالله بن عبدالكري بن عوض 372103375 2 حسين بن حد بن رظي العتيبي 381100000
SKRIPS~1.RTF
في. الباب الثانى ا دونيس لمحة عن الفصل الا ول شخصية ا دونيس وفكرته ولد ا دونيس عام 1930 بم باسم علي ا حمد سعيد ا سبر ولكنه اتخذ لنفسه اسم ا دونيس (ا حد ا بطال الا ساطير الفينيقية) خروجا على التقاليد العربية
PowerPoint Presentation
دورة تدريبية لمعلمي ورؤساء أقسام الرياضيات من األحد /5 /31 إلى الخميس /6 /4 مركز التدريب والتطوير اإلدارة العامة لمنطقة الجهراء التعليمية برنامج التدريب : المنهج الوطني الكويتي إقبال المطيري الكفايات وأنواعها
10) série d'exercices chute libre d'un corps solide
سلسلة تمارين حول السقوط الحر لجسم صلب ) تمرين رقم 7 الصفحة 9 الكتاب المدرسي فضاء الفيزياء السقوط الحر الرأسي يسقط جسم آروي من سطح عمارة وفق حرآة سقوط حر رأسي. - ما شكل مسار مرآز قصور الجسم - أعط القوى
Microsoft PowerPoint - د . ابراهيم بدران ، بوربوينت.ppt [Compatibility Mode]
الدكتور إب ارهيم بد ارن التعليم العالي والبحث والتطوير والا بداع في مجتمع المعرفة ١ ١٤/٤/٢٠١٤ عمان ١- بين التقدم والتخلف حالة التخلف حالة التقدم المعرفة اإلدارة اإلقتصاد التكنولوجي المؤسسية سيادة القانون
PowerPoint Presentation
عرض لنظام المعماري الاستراتيجي لمتابعة الأداء وتنفيذ الاستراتيجيات 1999 مقدمة تاسست عام في مصر شركة مساهمة خاصة من عام 2002 المقر الرئيسي بالقاهرة 35 موظف شركاء استراتيجيين في الشرق الأوسط خبرات دولية
8 مادة إثرائية وفقا للمنهاج الجديد األساسي الثامن للصف الفصل الدراسي األول إعداد املعلم/ة: أ. مريم مطر أ. جواد أبو سلمية حقوق الطبع حمفوظة لدى املكتبة
8 مادة إثرائية وفقا للمنهاج الجديد الساسي الثامن للصف الفصل الدراسي الول إعداد املعلم/ة:. مريم مطر. جواد و سلمية حقوق الطع حمفوظة لدى املكتة الفلسطينية رقم إيداع )017/614( من وزارة الثقافة تطل من املكتة
WHAT’S NEW
الجديد في انجز تطبيق إصدارات X.4 المحتويات المحتويات... 1 المواصفات الجديدة بالنظام... 3.1.1.1 عدد المهام التي يجب إنجازها... 3 انشاء مهمة... 3.1.2 2. تعديل تكليف المهمة... 3 تاريخ حالات المهمة... 4.2.1.2.2.3
205 6 207 205, 5..7 إجمالي حجم التبادل التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي مع جمهورية تركيا في العام 205 م مقارنة ب 6.0 مليار دوالر في العام 204 م وبنسبة انخفاض بلغت %5.4. قيمة العجز في امليزان التجاري السلعي
Al-Quds University Executive Vice President Hasan Dweik, Ph.D. Professor of Polymer Chemistry جامعة القدس نائب الرئيس التنفيذي أ. د. حسن الدويك أستاذ
التقرير السنوي للم اركز والمعاهد في الجامعة تقرير العام االكاديمي 2017/2016 pci@admin.alquds.edu اسم المعهد او المركز:.معهد الطفل اسم مدير المعهد او المركز:.د يحيي حجازي. العنوان:. شارع عبد الحميد شومان
جامعة الانبار – قسم ضمان الجودة والاعتماد - السيرة الذاتية لعضو هيئة تدريس
االسم علي محمد عبد السيرة الذاتية) CV ( : 1 اوال : معلومات عامة 1.العنوان: العمل : جامعة التخصص:...األدب االندلسي..كلية االداب / قسم اللغة العربية الدرجة العلمية:...استاذ مساعد. العنوان البر د :......
الاتصال الفعال بين المعلم والطالب
) 10-10 مدرسه التعاون ( بحث إجرائي عن االتصال الفعال وإثارته لدافعية التعلم لدي الطالب في مدرسة التعاون االتصال عامل هام من العوامل التي تقوم عليها حياة الناس وكل فرد منا يمارس االتصال مع من حوله من أفراد
Sum Practical Attendence Mid
Sum 36 4 36 Practical Attendence Mid 1 2 1 1 2 1 1 1 1 2 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 2 1 1 1 1 1 1 1 1 2 1 7 1 2 مسلسل 1 2 3 4 5 6 7 1 2 21 22 23 24 25 26 27 2 2 3 31 32 33 جامعة بنها كلية الهندسة بشبرا
مشروع قانون المحكمة الدستورية التقرير العليا الرابع والسبعون مشروع قانون مقدم من الحكومة تقرير لجنة الفصل التشريعى األول دور
https://www.ilovepdf.com مشروع قانون المحكمة الدستورية التقرير العليا الرابع والسبعون مشروع قانون مقدم من الحكومة تقرير لجنة الفصل التشريعى األول دور االنعقاد العادى الرابع الشئون الدستورية والتشريعية
المملكة العربية السعودية م ق س ..../1998
SFDA.FD 2483 /2018 الدهون )األحماض الدهنية( المتحولة Trans Fatty Acids ICS : 67.040 تقديم الهيئة جهة مستقلة الغرض األساسي لها هو القيام بتنظيم وم ارقبة الغذاء والدواء واألجهزة الطبية ومن مهامها وضع اللوائح
جامعة الشارقة كلية اآلداب والعلوم االنسانية واالجتماعية قسم علم ااالجتماع االمتحان النهائي للفصل الدراسي األول للعام الجامعي /1/ ا
جامعة الشارقة كلية اآلداب والعلوم االنسانية واالجتماعية قسم علم ااالجتماع االمتحان النهائي للفصل الدراسي األول للعام الجامعي 0-0 0// 0 اسم المساق: مجتمع االمارات رقم المساق: التاريخ االسم:... الرقم الجامعي...
دليل ضريبة القيمة المضافة التأجير التمويلي
دلیل ضریبة القیمة المضافة التا جیر التمویلي إعداد ادارة العملیات - شركة التا جیر التمویلي ما ضر بة القيمة المضافة ضر بة القيمة المضافة ضر بة غ مباشرة ت فرض ع جميع السلع وا خدمات ال ي يتم شراؤها و يعها
الــــــرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنــــشاءات مــشاريع األبـــــــراج ﺍﻟـــﺮﺑــﻊ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ 2017 )سنة األساس (2013 ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺻﺪﺍﺭ : ﻣﺎﺭﺱ 2018 الـرقم الــــق
الــــــرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنــــشاءات مــشاريع األبـــــــراج ﺍﻟـــﺮﺑــﻊ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ )سنة األساس (2013 ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺻﺪﺍﺭ : ﻣﺎﺭﺱ 2018 الـرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنشاءات 1 مفصال حسب : مجموعات المواد والخدمات
كلية الطب البيطري ملتقي التوظيف الثاني كلية الطب البيطري- جامعة الزقازيق األربعاء 7122/2/72 تحت رعاية رئيس الجامعة: أ.د/ أحمد الرفاعي عميد الكلية: أ.د
ملتقي التوظيف الثاني - جامعة الزقازيق األربعاء 7122/2/72 تحت رعاية رئيس الجامعة: أ.د/ أحمد الرفاعي عميد الكلية: أ.د/ مهدي عبدالجواد عبدالقادر رابطة الخريجين: أ.د/ آمال أنيس مهدي )رئيس مجلس اإلدارة( كلمة
العدد الثالث عرش يناير أهداف التنمية المستدامة: "تحويل عالمنا" باالبتكار Eng. Maritza VARGAS Independent Environmental and Sustainability Consu
4 أهداف التنمية المستدامة: "تحويل عالمنا" باالبتكار Eng. Maritza VARGAS Independent Environmental and Sustainability Consultant أهداف التنمية المستدامة في 25 سبتمبر 2015 اعتمدت قمة األمم المتحدة للتنمية
Kingdome of Saudi Arabia Ministry of Education Taibah University University Testing Center المملكة العربية السعودية وزارة التعليم جامعة طيبة مركز االخ
Kingdome of Saudi Arabia Ministry of Education Taibah University University Testing Center اللكة العربية السعودية وزارة التعلي جاعة طيبة ركز االختبارات بالجاعة األرقا الجاعية لطالبات كلية اآلداب والعلو
الــــــرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنــــشاءات مــشاريع األبـــــــراج ﺍﻟـــﺮﺑــﻊ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ 2017 )سنة األساس (2013 ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺻﺪﺍﺭ : ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ 2017 الـرقم الـــ
الــــــرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنــــشاءات مــشاريع األبـــــــراج ﺍﻟـــﺮﺑــﻊ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ 2017 )سنة األساس (2013 ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺻﺪﺍﺭ : ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ 2017 الـرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنشاءات 1 مفصال حسب : مجموعات المواد
الملف الأول على قسم الترجمات: الاتجاه التنقيحي وأثره في الدرس الاستشراقي للقرآن الكريم وعلومه... مدخل تعريفي بالملف
قسم الترجمات: الاتجاه التنقيحي وا ثره في الدرس الاستشراقي للقرا ن الكريم وعلومه... مد مسي ولو قسم الترجمات بموقع المركز يتناول الملف الا ول لقسم الترجمات موضوع الاتجاه التنقيحي وا ثره على الدرس الاستشراقي
1
1 2 كلمة املدير العام للتعليم بمحافظة جدة 3 كلمة مدير إدارة املراجعة الداخلية بتعليم جدة... 4 مقدمه 5 فريق إعداد الدليل اإلجراي بإدارة املراجعة الداخلية 6 مسرد الدليل اإلجراي 7 العملية الهدف مجال التطبيق
Slide 1
تصميم السيرة الذاتية كصفحات الويب د. احمد عادل اسماعيل عمادة المركز الجامعي لخدمة المجتمع و التعليم المستمر. WWW.Dr-Ahmed.Info Info@Dr-Ahmed.Info -------------- المرجع: www.support.office.com اهداف المحاضرة
كلية الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع قسم العلوم اإلدارية واإلنسانية جدول االختبارات النهائية للفصل الدراسي األول 1440/1439 ه اليوم والتاريخ الفترة ال
اسم 20 22 24 0481 02 3 B 304 0481 02 3 B 306 1203 سطب 1417 نظم 1206 حسب نظم المعلومات الصحية احكام الملكية الصناعية والتجارية المحاسبة الضريبية والزكاة محمد ابراهيم محمد التميمي فهد ابراهيم محمد الضويان