تقدير موقف استقالة داود أوغلو: أزمة تحت السيطرة مركز الجزيرة للدراسات Al Jazeera Centre for Studies Tel: +974-44663454 jcforstudies@aljazeera.net http://studies.aljazeera.net 8 مايو/أيار 2016
أردوغان وداود أغلو: افتراق الطرق )األناضول( ملخص أعلن رئيس الحكومة التركية د. أحمد داود أوغلو في مؤتمر صحفي للشعب والتنمية وبالتالي من رئاسة الحكومة. التركي عزمه االستقالة من رئاسة حزب العدالة من الواضح على أية حال أن داود أوغلو حرص طوال العام األخير على أن ال يؤث ر خالفه مع رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان على مظهر وحدة الحزب وتماسك مؤسسات الدولة. وكان هذا بالتأكيد السبب الرئيس خلف تراجعاته أمام ضغوط الرئيس. مهما كانت مضاعفات األزمة الحالية إال أن تركيا تبدو بعيدة كلي ا عن الفوضى أو فقدان القدرة على الح كم. مقدمة ظهر رئيس الحكومة التركية د. أحمد داود أوغلو في مؤتمر صحفي بعد ظهر الخميس 5 مايو/أيار معلن ا للشعب التركي عزمه االستقالة من رئاسة حزب العدالة والتنمية وبالتالي ومن رئاسة الحكومة. الحقيقة أن إعالن االستقالة كان متوقع ا منذ مساء اليوم السابق بعد أن عقد داود أوغلو لقاء استمر ما يقارب الساعتين مع رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في مكتبه. كان هذا هو اللقاء الثاني لرئيس الحكومة ورئيس الجمهورية خالل أقل من أسبوع. وقد أشارت مصادر مقر بة من الطرفين إلى أن الرئيسين لم يستطيعا التوصل إلى توافق ال في اللقاء األول وال الثاني وأن هذا ما دفع داود أوغلو إلى إبالغ رئيس الجمهورية مساء 4 مايو/أيار عزم ه االستقالة. استعرض داود أوغلو في مؤتمره الصحفي سجل حكومتيه القصيرتين األولى والثانية مؤكد ا على أنه ال يشعر بأنه ارتكب خطأ ما في إدارته لشؤون البالد كما أعلن حرصه البالغ على وحدة الحزب حزب العدالة والتنمية وعلى ضرورة الحفاظ على استقرار البالد وفعالية مؤسسات الدولة. وبالرغم من أن الجميع يدرك أن االستقالة جاءت على خلفية تباينات متراكمة في وجهات النظر بين داود أوغلو وأردوغان قال داود أوغلو: "لم ولن أتفوه بكلمة واحدة ضد رئيس الجمهورية ولن أسمح ألحد أن يستغل هذه المسألة فشرف رئيسنا هو شرفي وشرف عائلته هو شرف عائلتي". بيد أن هذا الن بل والتعالي 2
في اللغة السياسية لألستاذ الجامعي السابق يعكس في حد ذاته حقيقة دوافع االستقالة: التوتر المتفاقم في عالقات العمل أو طريقة الحكم بين الرجلين. تحاول هذه الورقة قراءة المنعطفات الرئيسة التي برزت فيها الخالفات بين داود أوغلو وأردوغان والتي أوصل تراكمها إلى افتراق الطريقين وقراءة ألزمة نظام حكم الجمهورية التي تعتبر السبب الرئيس في تحول هذه الخالفات إلى قوة تعطيل لعملية الحكم وإدارة شؤون الدولة والبالد. كما تحاول استطالع آثار استقالة رئيس الحكومة على حزب العدالة والتنمية وفرص إعادة البناء الدستوري لنظام الحكم في تركيا. محطات التوتر في 28 إبريل/نيسان المنصرم وبينما كان رئيس الحكومة التركية يقوم بزيارة رسمية لدولة قطر تقدم عضوان في لجنة حزب العدالة والتنمية المركزية بمقترح قرار الستعادة اللجنة سلطة تعيين رؤساء فروع الحزب في المقاطعات من رئيس الحزب. طبق ا لدستور الحزب تعتبر اللجنة المركزية صاحبة الحق في تعيين رؤساء الفروع ولكن اللجنة تنازلت عن هذه السلطة لصالح رئيس الحزب منذ 2002 أي بعد أقل من عام على تأسيس العدالة والتنمية. ولذا فإن تحرك اللجنة المركزية الستعادة هذه السلطة من رئيس الحزب الحالي أحمد داود أوغلو اعت بر مؤشر ا على أزمة سيما أن أغلبية أعضاء اللجنة المركزية الخمسين من الموالين لرئيس الجمهورية. مر القرار بسهولة في اجتماع اللجنة المركزية وكان داود أوغلو بعد عودته من قطر أحد الموق عين السبعة واألربعين على القرار. ما يقوله أنصار أردوغان أن هذا التحرك في لجنة الحزب المركزية جاء بعد أن قام داود أوغلو باستبدال أنصار له ب 15 من رؤساء الفروع في مؤشر إلى سعيه إلى السيطرة على الحزب وإضعاف نفوذ أردوغان في قواعد الحزب الذي أسسه. في مؤتمره الصحفي يوم 5 مايو/أيار أك د داود أوغلو أنه لم يتخذ مطلق ا أي قرار بتغيير بنية الحزب التنظيمية وأن التغييرات كانت تتم دائم ا باقتراحات من مسؤولي الحزب. مهما كان األمر فقد كان داود أوغلو قبل شهور قليلة قد عي ن النائب البرلماني المعروف باسم مجاهد )علي إحسان أرسالن( أحد أبرز قيادات العدالة والتنمية ومن كان يوصف طوال سنوات بظل أردوغان مساعد ا له لشؤون الحزب. أثار تعيين مجاهد الذي ي عرف بقدراته التنظيمية الهائلة ردود فعل في أوساط المحيطين بأردوغان مقد رين أن رئيس الحكومة يسعى إلحكام قبضته على بنية الحزب التنظيمية. في النهاية وبالرغم من أن داود أوغلو وق ع على القرار فقد نظر إليه باعتباره مؤشر ا على فقدان الثقة بينه وبين اللجنة المركزية وبالتالي بينه وبين رئيس الجمهورية. ليس هناك من سجل موثوق لما دار في لقائي داود أوغلو وأردوغان يومي 2 و 4 مايو/أيار ولكن الواضح أن داود أوغلو قد ر أن الرئيس لم يعد يرى من ضرورة الستمراره في رئاسة الحكومة وهذا ما أد ى إلى االستقالة. بيد أن المؤكد أن قرار لجنة الحزب المركزية استعادة سلطة تعيين رؤساء الفروع لم يكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير. فالحقيقة أن الخالفات بين الرجلين بدأت في البروز منذ ما قبل االنتخابات العاجلة في أول نوفمبر/تشرين الثاني 2015. في سبتمبر/أيلول 2015 عقد العدالة والتنمية مؤتمره العام الخامس. وبالرغم من أن مهمة المؤتمر الرئيسة كانت التحضير النتخابات نوفمبر/تشرين الثاني العاجلة إال أن خالف ا محتدم ا برز بين رئيس الحزب داود أوغلو ورئيس الجمهورية 3
أردوغان حول تشكيل اللجنة المركزية الجديدة للحزب. في سعي منه للحفاظ على نفوذه داخل الحزب حتى بعد أن ترك صفوفه عند انتخابه رئيس ا للجمهورية وضع أردوغان قائمة بأعضاء اللجنة التي يفترض أن ت طرح للتصويت في المؤتمر العام. عارض داود أوغلو وجود بعض األسماء في القائمة وأعرب عن رغبته باستبدال أسماء أخرى بهم. رفض الرئيس تعديل القائمة وعرض داود أوغلو االستقالة من قيادة الحزب ولكن المناخ السياسي بالغ الحساسية في البالد والضغوط التي مورست على داود أوغلو من رفاقه وأصدقائه دفعته إلى التراجع عن االستقالة والقبول على مضض بقائمة أردوغان. عادت الخالفات من جديد خالل الحملة االنتخابية النتخابات أول نوفمبر/تشرين الثاني 2015 المبكرة. كان العدالة والتنمية خسر أغلبيته البرلمانية المطلقة في انتخابات 6 يونيو/حزيران 2015. خاض الحزب انتخابات يونيو/حزيران ببرنامج ض م وعد ا بوضع دستور جديد وتغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي. كما أن رئيس الجمهورية وفي بعض التجاوز لصالحياته الدستورية أسهم بصورة مباشرة في الحملة االنتخابية داعي ا الشعب لتأييد النظام الرئاسي. احتشدت القوى المعارضة لرئيس الجمهورية ولحزب العدالة والتنمية في جبهة واحدة فتحو ل النظام الرئاسي وليس سجل العدالة والتنمية في الحكم إلى مسألة االنقسام الرئيسة في الحملة االنتخابية. وكان هذا االنقسام الحاد أحد أبرز أسباب خسارة العدالة والتنمية ألغلبيته البرلمانية. في الحملة االنتخابية القتراع أول نوفمبر/تشرين الثاني توقف أردوغان عن المشاركة في الحملة. وبالرغم من أن العدالة والتنمية حافظ في برنامجه على الدعوة إلقامة نظام رئاسي إال أن داود أوغلو تجن ب اإلشارة إلى المسألة في اللقاءات الجماهيرية. لم يأخذ المقر بون من أردوغان ضرورات الحملة االنتخابية في االعتبار ولم يقد روا لداود أوغلو الفوز الكبير في االنتخابات وعودة العدالة والتنمية للحكم بأغلبية كبيرة واتهموه بعدم اإليمان بالنظام الرئاسي وعدم الدفاع عن رئيس الجمهورية أمام هجمات المعارضة. في الواقع العملي وما إن التأم البرلمان الجديد وتشك لت الحكومة سارع داود أوغلو إلى دعوة األحزاب الممث لة في البرلمان لتشكيل لجنة توافقية لوضع مسودة الدستور الجديد وعندما وصلت اللجنة التوافقية إلى طريق مسدود شك ل لجنة من حزب العدالة والتنمية لوضع المسودة التي ستضم تصور ا لنظام رئاسي ضمن عدة تصورات دستورية مدنية جديدة أخرى. برزت المحطة الثالثة في الخالفات أثناء تشكيل الحكومة الجديدة بعد الفوز في انتخابات أول نوفمبر/تشرين الثاني عندما أصر رئيس الجمهورية على تعيين أحد أبرز المقربين منه من قيادات الحزب والذي تحيط به شبهات فساد وزوج ابنته وزيرين في الحكومة الجديدة ورفض بعض األسماء األخرى التي رشحها داود أوغلو لعضوية الحكومة. وقد وصل الخالف حد أن قرر داود أوغلو عدم اإلعالن عن الحكومة الجديدة إلى أن يتوصل الطرفان إلى توافق م رض مهما تأخر اإلعالن عن الحكومة. ولكن حادثة إسقاط سالح الجو التركي للطائرة الروسية وما ول دته من مناخ تأزم أبرز حاجة البالد الملحة لوجود حكومة منتخبة كاملة الشرعية وهو ما دفع داود أوغلو مرة أخرى للتنازل وإعالن حكومته الجديدة بما يرضي الرئيس. الواضح على أية حال أن داود أوغلو حرص طوال العام األخير على الحفاظ على مظهر وحدة الحزب والتوافق بين رأسي الدولة. وكان هذا بالتأكيد السبب الرئيس خلف تراجعاته أمام ضغوط الرئيس. في المقابل لم يتردد الرئيس في أكثر من موقع خالف في أن يوضح للجميع أنه من يمث ل المرجعية النهائية للنظام. عندما أشار داود أوغلو في زيارته األخيرة لمدينة ديار بكر إلى أن الحكومة لن تكتفي بالمواجهة األمنية والعسكرية إلرهاب حزب العمال الكردستاني وأن خيار 4
التفاوض لم يزل على الطاولة خرج الرئيس ليقول بصورة ال تحتمل اللبس: إن الدولة التركية مصممة على القضاء على اإلرهابيين جميع ا إلى آخر واحد منهم وأن ال تفاوض مع اإلرهاب. وبالرغم من أن الغالب على مسائل الخالف بين الرجلين كان قضايا الداخل التركي فالمؤكد أن هذه الخالفات طالت السياسة الخارجية أيض ا ليس بالضرورة جوهر هذه السياسات ولكن مرجعيتها وسبل إدارتها. وبدا في لحظات ما أن كال من رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية يدير سياسته الخارجية ويفتح قنواته الخاصة. وثمة من يشير إلى أن رئيس الجمهورية لم يكن سعيد ا عندما انتهت مفاوضات تركيا مع االتحاد األوروبي بتوقيع داود أوغلو على االتفاق حول مسألة الالجئين ورفع شرط تأشيرة الدخول عن المواطنين األتراك المسافرين إلى مجموعة شنغن األوروبية في 7 مارس/آذار. والمسألة لم تكن معارضة الرئيس لجوهر االتفاق بل لكون داود أوغلو من وق عه. في المقابل يؤكد مقربون من رئيس الحكومة أن توقيعه االتفاق كان مجرد مسألة إجرائية تو جت نهاية عملية التفاوض مع الزعماء األوروبيين في بروكسل ولم يكن مقصود ا بها المنافسة على الدور. مهما كان األمر فقد أجمعت وسائل اإلعالم التركية على أن االتفاق مث ل نصر ا كبير ا لداود أوغلو ومهارته التفاوضية وبدا وكأن أحمد داود أوغلو ي نظر إليه في العواصم الغربية بما في ذلك واشنطن باعتباره أكثر قبوال من أردوغان. ويمكن القول بقدر كبير من الترجيح: إن أوساط رئيس الجمهورية بدأت منذ مارس/آذار تتحدث عن عزم الرئيس على التخلص من رئيس حكومته. في تركيا الحالية ثمة زعيم واحد يقود دفة الحكم ويحدد اتجاهها يقول هؤالء وهذا الزعيم هو الرئيس أردوغان. وهنا ربما تقع جذور األزمة البنيوية لنظام الحكم التركي الحالي. أزمة نظام الحكم أ علنت تركيا الجديدة في 29 أكتوبر/تشرين األول 1923 دولة جمهورية. وقد احتل مصطفى كمال قائد حرب االستقالل موقع رئاسة الجمهورية إلى وفاته في 1938. أردوغان هو الرئيس الثاني عشر للجمهورية وليس أردوغان أول رئيس قوي للجمهورية فمصطفى كمال وعصمت إينونو كانا من قبل أيض ا رئيسين قويين كما أن ديميريل وأوزال لم يكونا رئيسين ضعيفين بالتأكيد. والتوتر بين رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومة ليس أمر ا غريب ا في تاريخ الجمهورية ولكن ثمة ما أضاف إلى شرعية السلطة التي يتمتع بها أردوغان. منذ قيام الجمهورية كان نظام الحكم التركي نظام ا برلماني ا ي نتخب فيه رئيس الجمهورية من قبل البرلمان بينما يحكم رئيس الحكومة باسم األغلبية التي يتمتع بها في البرلمان المنتخب. الشائع بالطبع أن النظام التركي يمنح رئيس الحكومة السلطة التنفيذية بينما ال يتمتع رئيس الجمهورية إال بسلطات سيادية رمزية. هذا بالتأكيد غير صحيح فبالرغم من أن كال من الدساتير المختلفة التي و ضعت خالل التسعين عام ا من عمر الجمهورية أحدث تغييرات ما في نظام الحكم فقد أعطى دستور 1982 الذي لم يزل ساري ا سلطات فعلية لرئيس الجمهورية سواء في مجال تشكيل الهيئات القضائية والتعليمية العليا أو في التعيينات السنوية لقيادات الجيش أو ترؤس اللقاءات الدورية لمجلس الدفاع األعلى أو ضرورة موافقته على التشريعات التي يسنها البرلمان. في 2007 وعلى خلفية االنقسام البرلماني حول اختيار عبد هللا غول رئيس ا جديد ا للجمهورية وضع التعديل الدستوري نهاية لتقليد اختيار رئيس الجمهورية برلماني ا وأقر اختياره باالنتخاب الحر المباشر من الشعب. تضم ن التعديل الجديد 5
تحديد فترة والية رئيس الجمهورية بخمس سنوات ت جد د لمرة واحدة فقط. أردوغان الذي انت خب رئيس ا للجمهورية في أغسطس/آب 2014 كان أول رئيس يتم اختياره باالقتراع الشعبي المباشر. بهذا أصبح لرئيس الجمهورية كما لرئيس الحكومة شرعية انتخابية شعبية ولم يعد ممثال لمصالح الدولة كما كان عليه التقليد السابق للجمهورية بل ممثال لإلرادة الشعبية أيض ا ومسؤوال أمامها. مثل هذا المتغي ر الذي رآه البعض صغير ا حينها في نظام الحكم وضع العالقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في إطار أزمة موقوتة أزمة في حالة انتظار بغض النظر عن شخصية أي منهما. وعندما يكون رئيس الجمهورية مسلح ا بموروث زعامة شعبية وسياسية بالغة التأثير مثل رجب طيب ردوغان وعازم ا على ممارسة صالحياته كاملة يصبح تأزم العالقة بين المنصبين شأن ا متيق ن ا. في مؤتمره الصحفي الوداعي قال داود أوغلو الذي ورث رئاسة الحكومة وقيادة الحزب في أغسطس/آب 2014 إن التفاهم بينه وبين أردوغان أ س س من البداية على أن تركيا تحتاج رئيس ا قوي ا للجمهورية ورئيس ا قوي ا للحكومة. ربما حدث مثل هذا التفاهم بالفعل ولكن الحقيقة أن وضعه موضع التنفيذ كان مسألة بالغة الصعوبة وربما مستحيلة. التوتر في العالقة بين أردوغان ورئيس الحكومة سيستمر مهما كان من يخلف داود أوغلو في قيادة الحزب ورئاسة الحكومة إال إذا وافق رئيس الحكومة القادم على لعب دور المساعد التنفيذي لرئيس الجمهورية. وهذا ما دفع كثيرين داخل العدالة والتنمية وخارجه سيما الرئيس أردوغان القتراح تغيير نظام الحكم كلية إلى نظام رئاسي ليس فقط لحل أزمة الشرعيات المتنافسة بين منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ولكن أيض ا ألن النظام الرئاسي أكثر استقرار ا من النظام البرلماني. مسودة الدستور الجديد التي تشتغل عليها لجنة من العدالة والتنمية والتي يفترض أن تحتوي تصور ا لنظام حكم رئاسي لم تكتمل بعد. ولكن حتى لو اكتمل العمل عليها خالل الشهر أو الشهرين المقبلين ليس من المؤكد بعد كيف ست قر. فأي تأثير ستتركه استقالة داود أوغلو على مسيرة حزب العدالة والتنمية وعلى مستقبل تركيا المنظور ما بعد داود أوغلو في التزام منه بنهج الوحدة والحفاظ على تماسك حزب العدالة والتنمية أعلن داود أوغلو في مؤتمر 5 مايو/أيار الصحفي أن لجنة الحزب المركزية اتفقت على عقد مؤتمر عام طارئ للحزب في 22 مايو/أيار يرأسه شخصي ا الختيار خليفته في قيادة الحزب ورئاسة الحكومة. ثمة عدد من األسماء التي يجري تداولها حول الخليفة المنتظر أبرزهم وزيرا الدفاع والعدل الحاليين وكالهما من المقر بين ألردوغان. والواضح أن عملية االنتقال ستكون منظمة وسلسة وأن رئيس الحكومة المقبل سيكون أكثر طواعية في عالقته مع رئيس الجمهورية. وليس ثمة شك في أن لغة داود أوغلو التصالحية أسهمت في تعزيز الشعور بالطمأنينة الشعور الذي انعكس بدوره على الوضع المالي واالقتصادي في البالد. كانت الليرة التركية تراجعت بصورة ملموسة أمام الدوالر يومي 3 و 4 مايو/أيار ولكنها عادت لتحقق مكاسب كبيرة بعد كلمة داود أوغلو يوم 5 مايو/أيار. وليس من المتوقع أن يختفي رئيس الحكومة المستقيل من الساحة السياسية. ي عتبر داود أوغلو أحد أبرز علماء السياسة األتراك وساد انطباع بأنه مفكر استراتيجي بالغ التأثير قبل أن يقبل دعوة أردوغان للعمل كمستشار له للشؤون الخارجية 6
في 2003. سيبقى داود أوغلو عضو ا في البرلمان وسيحافظ على عضويته في العدالة والتنمية والمؤكد أن مستقبله السياسي سيظل مفتوح ا على االحتماالت طوال السنوات القليلة المقبلة. من جهة عملية االنتقال إذن ليس ثمة من قلق. كما أن التوقعات بأن هذه األزمة في قمة نظام الحكم ستشجع الجيش على العودة للتدخل في الحياة السياسية مبالغ فيها بالتأكيد. لم يزل الجيش التركي شريك ا مهم ا في قرارات البالد االستراتيجية ولكن عودته للعب دور سياسي مباشر أو غير مباشر لم تعد ممكنة ال على مستوى تفكير قادة الجيش وال على مستوى الرأي العام التركي. ومهما كان حجم األزمة فتركيا بعيدة كلي ا عن الفوضى أو فقدان القدرة على الحكم. وبصورة عامة فإن عاش العدالة والتنمية مناخ أزمة داخلية في األسبوع األول من مايو/أيار فكل أحزاب المعارضة الثالثة األخرى تعيش أزمات داخلية محتدمة وليس في مقدور أي منها تشكيل تحد جاد للعدالة والتنمية في المدى المنظور. على صعيد السياسة الخارجية ليس من المتوقع أن تتعهد الحكومة المقبلة أي تغيير جوهري. بصورة عامة وربما حتى على مستوى التفاصيل كانت السياسة الخارجية التركية محل توافق كبير بين الرئيس ورئيس الحكومة بل ومحل توافق مجلس الدفاع األعلى برمته. كما أن التحديات التي تواجهها تركيا في جوارها اإلقليمي وفي عالقتها مع روسيا والواليات المتحدة واالتحاد األوروبي لن تتأثر سلب ا وال إيجاب ا باستقالة داود أوغلو. السؤال المهم الذي يطارد الساحة السياسية التركية منذ عامين على األقل هو ذلك المتعلق بإقرار دستور دائم جديد وتغيير النظام السياسي إلى نظام جمهوري. وإن لم ي عد رئيس الحكومة المقبل تشكيل اللجنة المكلفة بوضع مسودة الدستور فالمتوقع أن تنتهي اللجنة من عملها في وقت قريب من هذا الصيف على أن ت طرح المسودة للنقاش العام قبل التقدم بها للتصويت في البرلمان في وقت ما من الخريف المقبل. إلقرار مسودة الدستور ثمة خياران أمام أردوغان وحزب العدالة والتنمية: األول: هو العمل على الحصول على أغلبية برلمانية كافية لطرح الدستور على االستفتاء الشعبي ومن ثم انتظار كلمة الشعب األخيرة والحاسمة بشأن الدستور ونظام الحكم. مثل هذا الخيار ليس صعب ا ألن العدالة والتنمية ال يحتاج أكثر من 14 صوت ا برلماني ا إضافي ا لتحقيق األغلبية الكافية إلرسال المسودة إلى االستفتاء. بيد أن هناك من يدعو إلى اإلسراع في إقرار الدستور الجديد وتغيير نظام الحكم وذلك بإقرار مسودة الدستور في البرلمان. مثل هذا الخيار يحتاج أغلبية كبيرة وأكثر من خمسين صوت ا إضافي ا إلى كتلة العدالة والتنمية البرلمانية وهذا غير قابل للتحقق بدون الدعوة النتخابات مبكرة يستطيع فيها العدالة والتنمية دحر الحزبين القوميين الكردي والتركي إلى أسفل حاجز العشرة بالمئة من األصوات الضروري للتمثيل في البرلمان. إن نجح العدالة والتنمية في هذه المقاربة فمن المؤكد أن تصل كتلته البرلمانية إلى ما يقارب األربعمائة عضو وهو ما سيكون أكثر من كاف لتمرير مسودة الدستور تحت قبة البرلمان وبدون الحاجة للذهاب إلى االستفتاء الشعبي. على أن من الضروري في الحالتين: االستفتاء أو االنتخابات المبكرة حساب اتجاه الرأي العام وما إن كان الناخب التركي الذي صو ت بما يقارب الخمسين بالمئة للعدالة والتنمية في أول نوفمبر/تشرين الثاني الماضي سيتأثر سلب ا بأزمة أسبوع مايو/أيار األول. انتهى 7