<4D F736F F D20C7E1E3E6C7D8E4C920E6C7E1E6D8E4>

النسخ

1 المواطنة والوطن في الدولة الحديثة المسلمة د. علي محم د الص ال بي دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - إصدار 04 م

2 اإلھداء إلى الشعوب التي كسرت قيود االستبداد وقھرت الديكتاتورية وغي رت مجرى التاريخ ال معاصر والتي ض حت بدمائھا وأموالھا وفلذات أكبادھا وقد مت قوافل الشھداء ودفعت الثمن غاليا واب تليت بالجوع والخوف فما وھ نت ل ما أصابھا في سبيل وما ض عفت وما استكانت للوصول إلى حريتھا وكرامتھا وتحقيق العدالة والشورى بين أبنائھا. ولسان حالھا بأن الحرية ال توھب وال ت عطى وإنما ت ن تزع انتزاعا وتروي شجرتھا الزكية بدماء الشھداء وأن تقدم األوطان وازدھارھا وارتقاء شعوبھا معقود على ھ م م أبنائھا واستعدادھم المستمر للتضحيات الجسام. قال تعالى: ر ب ه أ ح د ا ف م ن ك ان ي ر ج و ل ق اء ر ب ه (الكھف آية: 0). ف ل ي ع م ل ع م ال ص ال ح ا و ال ي ش ر ك ب ع ب اد ة

3 بسم الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد نحمده ونستعينه ونستھديه ونستغفره ونعوذ با من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يھده فال م ضل له ومن يضلل فال ھادي له وأشھد أن ال إله إال وحده ال شريك له وأشھد أن محمدا عبده ورسوله. ي ا أ ي ھ ا ال ذ ي ن آم ن و ا ات ق و ا ح ق ت ق ات ه و ال ت م وت ن إ ال و أ نت م م س ل م و ن آية: (آل عمران.(0 ال ذ ي ر ب ك م ات ق و ا الن ا س أ ي ھ ا ي ا م ن ھ م ا و ب ث ز و ج ھ ا م ن ھ ا و خ ل ق و اح د ة ن ف س م ن خ ل ق ك م ال ذ ي و ات ق و ا و ن س اء ك ث ير ا ر ج اال ر ق يب ا ع ل ي ك م ك ان إ ن و األ ر ح ا م ب ه ت س اءل و ن (النساء آية: ). * ي ا أ ي ھ ا ال ذ ي ن آم ن وا ات ق وا و ق ول وا ق و ال س د يد ا ي ص ل ح ل ك م أ ع م ال ك م و ي غ ف ر ل ك م ذ ن وب ك م.(7 70 و م ن ي ط ع و ر س ول ه ف ق د ف ا ز ف و ز ا ع ظ يم ا (األحزاب آية: أما بعد: فيا رب لك الحمد كما ينبغي لجالل وجھك وعظيم سلطانك ولك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى. ھذا الكتاب حلقة مھمة من حلقات المشروع الفكري السياسي الذي تحدثت عنه في كتبي السابقة.

4 وقد صدرت عدة كتب تخدم ھذا التوجه: الدولة الحديثة المسلمة دعائمھا ووظائفھا. البرلمان في الدولة الحديثة المسلمة. التداول على السلطة التنفيذية. الشورى فريضة إسالمية. الحريات من القرآن الكريم حرية التفكير وحرية التعبير واالعتقاد والحريات الشخصية. العدالة والمصالحة الوطنية ضرورة دينية وإنسانية. وھذا الكتاب يتحدث عن «المواطنة والوطن في الدولة الحديثة». وقد قسمته إلى خمسة مباحث: المبحث األول: المواطنة في اللغة واالصطالح والتطور التاريخي لمفھوم المواطنة. وبي نت في ھذا المبحث مفھوم المواطنة وبأنه يعتبر من المفاھيم القديمة الحديثة التي يدور حولھا جدل كبير. ومن ھنا يختلف مفھوم المواطنة حسب الطرف الذي يتناول منه ومن أي زاوية وتبعا لما يراد به يعود تاريخ ھذا المفھوم إلى زمن اإلغريق الذي يعتبر أساس الديمقراطية في العالم اليوم حيث يرجع أصل استعمال مفھوم المواطنة للحضارتين الرومانية واليونانية. 4

5 ھذا وقد شھد مفھوم المواطنة تغيرا جذريا في استخداماته ومضامينه ولم يعد فقط يشير إلى عالقة المواطن بالوطن والفرد بالدولة بل تعدى ذلك إلى كونه مفھوم مجتمعي شامل متعدد األبعاد. إن الناظر إلى تاريخ الفكر الفلسفي السياسي يدرك مدى التطور الذي لحق مفھوم المواطنة فالمفھوم الذي بدأ خالل الحقبة اليونانية قبل الميالد ليس ھو نفسه الذي كان موجودا في فترة العصور الوسطى وكذلك يختلف عن ذلك الذي عرفته أوروبا بعد الثورة الفرنسية والذي يختلف بدوره عن المفھوم المعاصر للمواطنة. فالمواطنة في كل حقبة تاريخية إنما كانت تعب ر عن التركيبة الثقافية واألخالقية لتلك الحقبة ومن ثم كانت المواطنة ھي المؤثر على مدى تحقق المثل األخالقية والسياسية في زمانھا فالمواطن عند اليونان ھو "اليوناني الحر" بينما المواطن في زمن الدولة القومية ھو أحد أبناء األمة المكونة للدولة...إلخ وقد مر مفھوم المواطنة عبر التاريخ بمراحل وقد تم بيانھا في ھذا الكتاب. المبحث الثاني: المواطنة والمفاھيم المتعلقة بھا. كان الحديث عن العالقة بين الوطن والمواطن والمواطنة والھوية والديمقراطية وحقوق اإلنسان والمفھوم الحقوقي للمواطنة والبعد المقاصدي لھا والجنسية وطرق اكتساب صفة المواطنة وقانون الجنسية العثماني والعالقة بين المواطنة والدين في الثقافات اإلنسانية وركائز دولة المواطنة كالسيادة والشورى ومحاسبة الحاكم ومساءلته. المبحث الثالث: األدلة القرآنية والنبوية المتعلقة بالوطن وتأصيل مفھوم المواطنة. المواطن والمواطنة د. علي الدوسري ص: 5. المواطنة والمواطن حمدي مھران ص: 9 إلى 4. 5

6 المبحث الرابع: حقوق المواطنين وواجباتھم. بي نت حقوق المواطنين وو ضحت المعاملة المتساوية بين المسلمين وغيرھم من حقوق الحماية حماية النفس والمال والعرض وتوفير مقومات الحياة وحق العمل والكسب والتنقل والحقوق السياسية كتحديد صفة المواطن والمواطنة وحق االنتخاب وحق عضوية المجالس النيابية ومناقشة دعوى منع غير المسلمين من عضوية البرلمان ووضحت الحقوق الفكرية للمواطنين كحرية التدين والعقيدة والعبادة والشعائر الدينية واالستقالل الثقافي وحرية الرأي والخطابة والكتابة والتعليم وتكلمت عن الحقوق االجتماعية كحسن المعاشرة والبر واإلحسان والرحمة ورعاية الجوار وأشرت إلى أھمية حقوقھم في إقامة العدل والمساواة فيما بينھم ولخصت أھم الحقوق الشخصية للمواطنين في الدولة الحديثة المسلمة كحقھم في التكريم الشخصي وحرية التنقل وحرمة المسكن وسرية المراسالت...إلخ. ورك زت على أھم ضمانات حقوق المواطنين. وبي نت أھم واجبات المواطنين والتي منھا: الخضوع لقوانين الدولة وأنظمتھا. الواجبات المالية. الدفاع عن أرض الوطن. 4 الطاعة للقيادة. 5 حق النصرة والمساعدة. 6 التعاون والتكافل واالحترام المتبادل بين المواطنين. 7 النصيحة والتقويم. 6

7 8 التصدي للشائعات. 9 المساھمة في التنمية االقتصادية. 0 المحافظة على المال العام. المبحث الخامس: معالجة الصراعات الطائفية وفكرة المواطنة العربية. بي نت أھمية معالجة الصراعات الطائفية في البلدان وأشرت إلى فكرة المواطنة العربية اإلسالمية. فالدولة الحديثة المسلمة تحرص على معالجة الصراعات الطائفية الداخلية وتبحث عن جذورھا ومعرفة أسبابھا وإقامة العوامل التي تحول بين تطورھا ووضع السياسات والخطط واإلجراءات الالزمة لذلك والتي من أھمھا: تعميق فكرة المواطنة. مالحقة مرتبكي العنف. الحرص على أمن المواطنين. 4 تعزيز مؤسسات المجتمع المدني. 5 توضيح المغالطات الخاطئة. 6 االستفادة من الخبرات العالمية. 7 نشر الثقافة الدستورية. 8 تفعيل مؤسسات الدولة. 9 التأكيد على المرجعية الوطنية. 0 االھتمام بثقافة اإلنتاج. تطوير المؤسسات التعليمية. 7

8 وفي نھاية الكتاب أشرت لجھود العلماء والمفكرين وأبناء األمة العربية واإلسالمية في البحث عن وسائل لتحقيق الوحدة بين بلدانھا وعن المحاوالت المستمرة للبحث عن آليات تحقق الھدف المرجو نحو الواليات العربية المتحدة أو الواليات اإلسالمية المتحدة أو الوصول لفضاءات وتجمعات كبرى على نمط االتحاد األوروبي أو غيره وعالم األفكار متطور وليس له حدود في منظورنا القريب. وكانت ھناك أفكار أقرب للخيال وبعضھا بين بين واألخرى أقرب للواقع ويبقى االجتھاد مفتوح وتقديم الرؤى مطلوب ودراسة النظريات في علم االجتماع السياسي واجب على أھل االختصاص ومعرفة السنن وقوانين الحضارات والدول في قيامھا وزوالھا دليل على رسوخ في المعرفة والعلم والثقافة. إن الشعوب العربية دخلت في مرحلة جديدة مع اندالع الثورة التونسية والثورات العربية التي لم تنته تداعياتھا بل وقابلة لتطورات ضخمة وزالزل فكرية كبرى سيتمخض عنھا بإذن تعالى مشروع نھوض لھذه األمة التي تلتمس الطريق في مفازات الصحاري واألمواج اللجية وظالمھا الدامس. وتبقى نھضة الدول الق طرية نواة مھمة في لم "الشمل" وتوحيد الشعوب العربية واإلسالمية والسعي لتحقيق أھدافھا المرسومة وشھادتھا على العالمين في منظومة حضارية جديدة قابلة للتطور والتوجيه والترشيد والتعديل. إن التحديات الكبرى التي تمر بھا األمة في الفكر السياسي واالقتصادي واالجتماعي تحتاج الجتھادات نوعية على أسس راسخة ومعرفة عميقة بالمقاصد والمبادىء والقيم الموجھة لھذه األمة ألن التخلف في مستوى النتائج الفكري اإلسالمي لن يؤدي إال إلى رضاع األجيال من ألبان العقول الغربية التي تشبعت عبر قرون طويلة بجفاف 8

9 المادية القاتلة والب عد عن والتمرد على القيم الروحية واالنقياد للفكر الوضعي الحائر. وإن ما صارت إليه المجتمعات الغربية المعاصرة من أخطار نتاج الشجرة المسمومة التي غذتھا األفكار اجتماعية وخلقية ھو واألھواء البعيدة عن ھدايات السماء فالبد أن سعي مفكرونا لتجنب أجيالنا أن تمر في نفس األطوار االجتماعية التي مرت بھا أوروبا وخير سالح أن ترضع األجيال المعاصرة من ألبان اإلسالم وفكره فھو خير سبيل للوقاية من أخطار المادية القاتلة. وفي كتاب ربنا وفي سنة نبينا خير عظيم لمن ألقى السمع وھو شھيد. وفي دراسة التاريخ اإلنساني واإلسالمي توسيع للمدارك واطالع على تجارب األمم والشعوب وعلينا أن ال نكون أسرى للماضي بل نكون أحرارا في معرفة الحقيقة حريصين على استخراج السنن والنواميس ونھضة األمة وسمو اإلنسانية وسيرھا على الطريق المستقيم. ھذا وقد انتھيت من ھذا الكتاب يوم األحد والعبر والدروس وربطھا بحركة الحياة 45/7/5 ھ الموافق 04/5/4 م الساعة الثانية والربع ظھرا لمدينة الدوحة والفضل من قبل ومن بعد وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل ھذا العمل قبوال حسنا وأن يكرمنا برفقة النبيين والصد يقين والشھداء والصالحين. ف ال ر ح م ة م ن ل لن اس ح ي ف ت م ا قال تعالى: و م ا ل ھ ا م م س ك ف ال ي م س ك م ن ل ه م ر س ل.( (فاطر آية : ب ع د ه و ھ و ال ع ز ي ز ال ح ك ي م السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم العمري ( 5). / 9

10 وال يسعني في نھاية ھذا الكتاب إال أن أقف بقلب خاشع منيب أمام خالقي العظيم وإلھي الكريم معترفا بفضله وكرمه وجوده متبرئا من حولي وقوتي ملتجئا إليه في كل حركاتي وسكناتي وحياتي ومماتي فا خالقي ھو المتفض ل وربي الكريم ھو المعين وإلھي العظيم ھو الموفق فلو تخلى عني ووكلني إلى عقلي ونفسي لتبلد مني العقل ولغابت الذاكرة وليبست األصابع ولجفت العواطف ولتحجرت المشاعر ولعجز القلم عن البيان اللھم بص رني بما ي رضيك واشرح صدري وجن بني اللھم ما ال يرضيك واصرفه عن قلبي وتفكيري وأسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك ال عال أن تجعل عملي لوجھك خالصا ولعبادك نافعا وأن تثيبني على كل حرف كتبته وتجعله في ميزان حسناتي وأن تثيب إخواني الذين أعانوني على إتمام ھذا الجھد الذي لوالھم ما كان له وجود وال انتشار بين الناس ونرجو من كل مسلم يطلع على ھذا الكتاب أال ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه. ن ع م ت ك ال ت ي أ ش ك ر أ و ز ع ن ي أ ن ر ب قال تعالى: أ ن ع م ت ع ل ي أ ع م ل و أ ن و ع ل ى و ال د ي.(9 (النمل آية : ص ال ح ا ت ر ض ا ه و أ د خ ل ن ي ب ر ح م ت ك ف ي ع ب اد ك الص ال ح ي ن وأختم ھذه المقدمة بقول تعالى: ال ذ ي ن و إل خ و ان ن ا ل ن ا اغ ف ر ر ب ن ا يم ا ن ب اإل س ب ق ون ا.(0 (الحشر آية : و ال ت ج ع ل ف ي ق ل وب ن ا غ ال ل ل ذ ي ن آم ن وا ر ب ن ا إ ن ك ر ؤ و ف ر ح ي م الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه علي محمد محمد الص ال بي غفر له ولوالديه ولجميع المسلمين 0

11 المبحث األول المواطنة في اللغة واالصطالح والتطور التاريخي لمفھومھا أوال : المواطنة في اللغة واالصطالح ومفھومھا: المواطنة والوطن في اللغة: جاءت من: و اطنه على األمر مواطنة وواطن القوم: عاش معھم في وطن واحد بفعل واطن بمعنى شارك في المكان مولدا وإقامة ألن الفعل على وزن "فاعل". والمواطنة تعني: الوطن المنزل تقيم به وھو موطن اإلنسان ومحله.. والجمع أوطان ومواطن مكة: مواقفھا وھو من ذلك وطن المكان أوطن أمام األخيرة أعلى. وأوطنه: اتخذه وطنا. يقال أوطن فالن أرض كذا وكذا أي اتخذھا محال ومسكنا يقيم فيه. وفي "المعجم الوسيط": الوطن: مكان إقامة اإلنسان ومقر ه و لد به أو لم يولد ومما استدركه شارح القاموس على القاموس: توط نه وتوط ن به. والغريب في ھذه االشتقاقات كلھا: أنه لم يجىء فعل "واطن" الذي اشت ق منه اسم الفاعل "مواطن" والذي مصدره القياسي "مواطنة". وإنما جاء "واطن" بمعنى آخر مجازي بعيد عن المفھوم الذي نحن بصدده. معجم األغالط اللغوية المعاصرة محمد العدناني ص: 75 شذ العرف في الصرف محمد الحمالوي ص: 4. لسان العرب محمد بن منظور (5 8). / القاموس المحيط للفيروز آبادي ص: 598.

12 ولھذا قال في "المعجم الوسيط" الذي أصدره مجمع معھم في وطن واحد "م ح دثة" أي ليس لھا أصل في كتب اللغة. اللغة العربية: واطن القوم عاش "والوطنية" مصدر صناعي منسوب إلى الوطن كما يقال "القومية" نسبة إلى القوم و"العالمية" نسبة إلى العالم و"اإلنسانية" نسبة إلى اإلنسان وكثير من ھذه المفاھيم والمصطلحات ھي من ھذا النوع: مصادر صناعية قد تزاد أحيانا ألف ونون مثل: النفسانية نسبة إلى النفس والعلمانية نسبة إلى العلم والشخصانية نسبة إلى الشخص. وتمتد جذور الوطن والمواطنة إلى آدم وزوجه عندما كانا يسكنان الجنة ويأكالن منھا رغدا حيث شاءا وكانت كل حاجتھما مكفي ة كما قال تعالى آلدم في الجنة: إ ن ل ك أ ال ت ج و ع ف يھ ا و ال ت ع ر ى * و أ ن ك ال ت ظ م أ ف يھ ا و ال ت ض ح ى (طه اآلية: 8.(9 فلما أھبط آدم وزوجه من الجنة بقيا ھما وذريتھما بما ق در لھم من الخالفة في األرض وعمارتھا وعبادة فيھا: كانت األرض مھيأة لتكون كلھا وطنا ومستقرا آلدم وذر يته من بعده ولھذا قال تعالى في القرآن مخاطبا آدم وزوجه وإبليس ح ي ن إ ل ى و م ت ا ع ر م س ت ق األ ر ض ف ي و ل ك م ع د و ل ب ع ض ب ع ض ك م اھ ب ط و ا ق ال معھما: (األعراف اآلية :.(4 وھكذا كانت األرض كلھا في أول األمر وطنا آلدم وأوالده ال تزاحم وال تنافس وال اختصاص بمكان دون مكان. المعجم الوسيط ص: 054 طبعة مجمع اللغة العربية. الوطن والمواطنة د. يوسف القرضاوي ص: إلى 5.

13 فلما كثرت ذرية آدم وانتشرت بدأ الناس يتجم عون في أماكن بحكم الطبيعة االجتماعية للبشر حتى قال األقدمون: اإلنسان مدني بطبعه وكان الناس يتجمعون في بلدان أو قرى ويتخذ كل منھم لنفسه وألھله وولده بيتا يأوي إليه يكن ه من القر والحر ويستره من أعين الناس ويمارس فيه خصوصيته ومن مجموع ھذه البيوت تكون القرية التي يترابط أھلھا فيما بينھم بروابط شتى: كالنسب والمصاھرة والجوار والصداقة والزمالة في العمل واالشتراك في تأمين حاجات القرية والدفاع عنھا ومن ھذه القرية أو البلدة أو المدينة: بدأت قضية "الوطن" فحين تعد دت البلدان والقرى واضطر اإلنسان لسبب أو آلخر إلى أن يھاجر من بلده لم ينس الموضع األول الذي عاش فيه وكو ن به عالقات حميمة من أھل وأصھار وأقارب وأصدقاء وأحب ة وأمسى مرتبطا عاطفيا بذلك المكان وأھله كما عبر عن ذلك أبو تمام بقوله: نقل فؤادك حيث شئت من الھوى كم منزل في األرض يسكنه الفتى ما الحب إال للحبيب األول وحنينه أبدا ألول منزل وكان الوطن أول األمر يتعلق بتلك القرية أو المدينة ثم تطورت حياة وعالقاتھم البشر تكو نت أوطان أكبر من ذلك تشمل إقليما كبيرا ثم عد ة أقاليم تنتظم تحت سلطان واحد يجمعھا: ديني أو اجتماعي أو سياسي. على كل حال نرى فكرة "الوطن والوطنية" تقوم على حاجة اإلنسان إلى المكان وارتباطه به وھذا أمر طبيعي فكل كائن حي محتاج إلى مكان أو مأوى يلوذ به فالوحوش لھا حجورھا والطير لھا أعشاشھا. الوطن والمواطنة ص: 5.

14 وقد نرى الطيور واألسماك ونحوھا تسير المسافات الشاسعة وقد تخترق البحار والمحيطات ثم تعود إلى أماكنھا األولى أي إلى أوطانھا ال تض ل طريقھا إليھا بحاسة الھداية العامة التي منحھا لكل مخلوقاته : ق ال ر ب ن ا ال ذ ي أ ع ط ى ك ل ش ي ء.(50 (طه آية : ث م ھ د ى خ ل ق ه فالمواطنة كلمة لھا أصل عربي مرتبط بموطن اإلنسان ومستقره وانتمائه الجغرافي لكنھا في نفسھا كتركيب ومصطلح تم استحداثھا كتعبير عن الوضعية السياسية والمدنية والحقوقية للفرد في الدولة وبذلك تكون "المواطنة ھي: رابطة التزامية تقوم في زمان ومكان واحد". في االصطالح: ي عرف بأنه بشكل عام قطعة األرض التي تعمرھا األمة بشكل خاص ھو المسكن فالروح وطن ألنھا مسكن اإلدراكات والبدن وطن لكونه مسكن الروح والثياب وطن لوكنھا مسكن البدن فالمنزل والمدينة والدولة والعالم كلھا أوطان لكونھا مساكن. واتفقت معظم مراجع الفقه الدستوري على إطار عام يحدد التعريف االصطالحي للمواطنة على النحو التالي: المواطنة ھي عالقة بين فرد ودولة كما يحددھا قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العالقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة وھي تسبغ على المواطن حقوقا سياسية مثل حق االنتخاب وتولي المناصب العامة. عضوية كاملة في دولة أو في بعض وحدات الحكم. الوطن والمواطنة ص: 5. المواطنة في اإلسالم علي عبده أبو حميدي ص:. الوطنية المصرية آمنة حجازي ص: 80. 4

15 انتساب الشخص لدولة معينة فھي رابطة بينه وبينھا وھي بذلك تتصل بالقانون الدستوري من زاوية تحديده للمواطن كركن للدولة ولكفالته حق المواطن في جنسيته. فالمواطنون ھم لألشخاص الذين يتمتعون الذين يتمتعون بجنسية الدولة ألن المواطنة صفة ال تثبت إال بالنسبة بجنسية الدولة كما يتمتعون في الوقت ذاته بكافة الحقوق السياسية التي يقررھا الدستور فيھا: وھي حقوق حصرية ال يتمتع بھا األجانب المقيمون فيھا. ويستفاد من كل التعريفات السابقة أن المواطنة يترتب عليھا عدد من الحقوق سواء للدولة أو للمواطن ومن خالل التعريفات االصطالحية السابقة للمواطنة يبدو جليا أنھا عالقة بين المواطن والدولة تتمخض عنھا جملة من الحقوق والواجبات. تأصيل مبدأ المواطنة: مبدأ المواطنة من المبادىء التي تؤدي إلى التقارب بين المجتمع الواحد المجتمعات األخرى وبعضھا بعضا وأيضا بين السلطة وبين الحاكمة واألفراد في المجتمع الواحد وبين األفراد بعضھم مع بعض وأن محاولة تأصيل مبدأ المواطنة في المجتمع يحتاج إلى فھم الكثير من القضايا السياسية واالجتماعية واإلشكاالت التي يقوم عليھا مفھوم المواطنة من أجل تحقيق تنمية وطنية الوحدة الوطنية وتأتي أھمية العمل على تأصيل مبدأ المواطنة في ظل التطور السياسي على اعتبار أن المواطنة ركن أصيل من أركان التحول الديمقراطي "الشورى" واإلصالح السياسي في أي مشروع سياسي: كون الھدف من عملية اإلصالح ھو تحقيق فائدة للطرفين الوطن والمواطن وبتحقيق قيم المواطنة يمكن أن يتحقق الصالح العام على اعتبار أنه ال تتم عملية اإلصالح من غير ترسيخ وتعزيز مفاھيم المواطنة التي يقوم على أساسھا دراسات اإلسالم والعالم المعاصر ص: 97. 5

16 إحقاق كافة الحقوق للمواطنين باعتبارھم مشاركين في كيان الدولة والوطن إن تأصيل وترسيخ بدون مبادىء المواطنة يحقق ممارسة الديمقراطية بمعنى أنه ال ديمقراطية مواطنة "فالمواطنة ھي السبيل لممارسة سيادة القانون وھي القاعدة التي تنطلق منھا المطالبة بالديمقراطية فالمواطنة ھي الشكل اآلخر لسيادة األمة وال تكتمل السيادة القومية دون المواطنة. إن تأصيل مبدأ المواطنة يقوم على أنھا عبارة عن مجموعة من القيم المشتركة تمثل التي انتماء اإلنسان إلى كيانات بشرية وشعور باالنتماء إليھم على اختالف تنوعھم الديني والمذھبي والعرقي وھي حاجة فطرية فطر اإلنسان عليھا ويتحد ھذا الشعور واإلحساس في مكان ما وھو الوطن. يتبلور مفھوم المواطنة من خالل حركة المجتمع وتطوراته وتحوالته التاريخية ومن ھذا المنطلق تسھم المواطنة في تشكيل شخصية المواطن وتعمل على تبادل الحاجات والمنافع والمسؤوليات ضمن موروث اجتماعي مشترك من المبادىء والقيم والمعتقدات واألخالق والسلوك والعادات والتقاليد ويمنحھا خصائص تميزھا عن غيرھا وبھذا يصبح الموروث االجتماعي المشترك حماية وأمانا للوطن وللمواطن فالمواطن يحتمي به عند الملمات واألزمات من ناحية أخرى يدافع عنه عند التحديات ألن المواطن ھو الوطن والوطن ھو المواطن بمعنى أنه ال يستغنى أحدھم عن اآلخر والكل مرھون بوجود اآلخر. إن المواطنة الفاعلة تحتاج إلى مواطن يتحمل بفاعلية مسؤولياته الوطنية باقتدار ويشارك إذ تحتاج إلى مواطن لديه ثقافة مواطنة وھي تلك الثقافة التي تقوم على مبدأ المواطن والمواطنة بين الحقيقة والخيال د. علي الدوسري ص: 4. التعليم والمواطنة عبد السالم نوير ص: نقال عن المواطن والمواطنة للدوسري ص: 4. المواطن والمواطنة د. علي الدوسري ص: 5. 6

17 المواطنة كقاعدة أساسية حاكمة لمجمل التفاعالت داخل الوطن الواحد ويعتبر الوعي بھا ھي نقطة االنطالقة نحو بناء إنسان لمجتمعه ووطنه وأمته. مواطن يكون لديه قيم الوطنية واالنتماء 4 مفھوم المواطنة: يعتبر مفھوم المواطنة من المفاھيم القديمة الحديثة التي يدور حولھا جدل كثير ومن ھنا يختلف مفھوم المواطنة حسب الطرف الذي يتناول منه ومن أي زاوية وتبعا لما يراد به يعود تاريخ ھذا المفھوم إلى زمن اإلغريق الذي يعتبر أساس الديمقراطية في العالم اليوم حيث يرجع أصل استعمال مفھوم المواطنة للحضارتين الرومانية واليونانية. ھذا ولقد شھد مفھوم المواطنة تغيرا جذريا يشير إلى عالقة المواطن بالوطن والفرد بالدولة بل تعدى مجتمعي شامل متعدد األبعاد. في استخداماته ومضامينه ولم يعد فقط ذلك إلى كونه مفھوم وبما أن المواطنة من الوطن واإلقامة فھي إذن عملية بناء مستمرة باعتبارھا العنصر األساسي في عملية الدمج "االندماج" االجتماعي التي تسمح للمواطنين جميعھم بالحصول على الھوية الوطنية والحقوق السياسية والقانونية المرتبطة بھا وبالتالي تحقق التفاعل األفضل مع الجماعة الوطنية. وعلى ذلك فإن إعداد المواطنة الصالحة يعتبر ھدف من أھداف الدولة والمجتمع وتزداد أھمية ھذا الھدف مع التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشھده عالم اليوم وما المصدر نفسه ص: 6. المصدر نفسه ص: 5. المواطن والمواطنة د. علي الدوسري ص: 5. 7

18 يتبعه من فضاء إعالمي واسع االنتشار في أرجاء المعمورة ومن ثقافات متعددة يتعرض لھا الفرد المواطن وتعتبر تربية المواطنين ھي وسيلة المجتمع والدولة في وقت واحد إلعدادھم على الوجه المطلوب ليضمن انتمائھم له ويحافظ على ھويتھم في ظل الظروف الحالية والمتغيرات المتسارعة التي يمر بھا كما يرسخ لھم الشعور بمسؤولية األعمال التي يقومون بھا تجاه وطنھم سواء كانت فردية أو جماعية. لقد شھدت الدولة العربية واإلسالمية كغيرھا من دول العالم محطات تحول وتغيير متسارعة أدت إلى التأثير في بعض القيم والمعتقدات والمبادىء والعادات والتقاليد كما شملت بعض من جوانب الحياة االجتماعية والثقافية والمعرفية واالقتصادية والسياسية مما أثر على كيان المجتمع واستقراره وتماسكه وبالتالي نتج عن ذلك اتجاھات معينة وأنماط تفكير تھدد القيم والعادات والتراث والھوية الوطنية للدول والموروث االجتماعي وبروز قيم جديدة ال تتفق مع سلوك وطبيعة مجتمعاتنا وبالتالي تضعف الوالء واالنتماء للوطن وتعمل على تفتيت الموروث التاريخي واالجتماعي للشعوب العربية واإلسالمية. كما وتلقي ھذه التغيرات بظاللھا على مجاالت الحياة العامة للمجتمع ويتطلب األمر تحرك سريع من قبل الدولة ومؤسساتھا وأجھزتھا اإلدارية والمؤسسات المجتمعية المدنية واإلنسانية وأنظمتھا وخاصة في المجال التربوي وذلك من خالل إعداد وتزويد الطلبة بالمعارف العلمية والتربية على المواطنة بالموروث التاريخي واالجتماعي بفھم التراث واالعتزاز والديني واتقان اللغة ومھارات التواصل اللغوي واالنفتاح على الثقافات األخرى وتقبل اآلخر وبالتالي نكون قادرين على التفاعل مع حاجات المجتمعات ومن ھنا يجب على الدول العربية واإلسالمية السعي للحفاظ المواطن والمواطنة د. علي الدوسري ص: 5. 8

19 على ھويتھا باعتبارھا من أھم موروثھا الديني واالجتماعي والتاريخي الذي يعتبر من القيم والمبادىء األساسية للمجتمع ومن خالل غرس وتنمية مفھوم المواطنة بين المواطنين في المجتمع وإعدادھم للمواطنة الصالحة. أ المواطنة بمفھومھا السياسي: ھي عقد اجتماعي بين المواطن الفرد والدولة مما تحمله من مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية وإدارية وبذلك تكون العالقة عالقة مشاركة بين الطرفين بأسلوب حضاري وتنظيمي: فالمواطنة ھي عالقة بين الفرد والدولة يحددھا الدستور بما ينص عليه من حقوق وواجبات للوطن ومؤداھا حب وإخالص المواطن لوطنه وخدمته له في أوقات السلم والحرب وتشمل المواطنة مفھوم االنتماء والذي يعني انتساب الفرد لكيان معين يكون مندمجا من خالله شاعرا باألمان في أرضه محبا له ومعتزا بھويته فخورا باالنتساب له وفي ذلك وملتزما بقوانينه وقيمه ومراعيا للصالح العام ومحافظا على متخل عنه في أوقات األزمات والمحن. الوقت منشغال بقضاياه وعلى إدراك بمشكالته مصالحه وثرواته غير والمفھوم الحديث للمواطنة يعتمد على االتفاق الجماعي القائم على أساس التفاھم من أجل تحقيق ضمان الحقوق الفردية والجماعية كما أن المواطنة في األساس شعور وجداني باالرتباط باألرض وبأفراد المجتمع اآلخرين الساكنين على األرض وھي ال تتناقض مع اإلسالم ألن المواطنة عبارة عن رابطة بين أفراد يعيشون في زمان ومكان معين أي جغرافية محددة والعالقة الدينية تعزز المواطنة. المواطن والمواطنة ص: 6. المواطن والمواطنة ص: 6. المصدر نفسه ص: 7. 9

20 كما: أن المفھوم الحديث للمواطنة تطور مع الدولة الحديثة التي تعتبر بنفسھا المطلقة داخل حدودھا وأن أوامرھا نافذة على كل من يقطن داخل تلك الحدود الجغرافية ولكن ومن أجل منع استبداد الدولة وسلطاتھا فقد نشأت فكرة المواطن الذي يمتلك الحقوق غير القابلة لألخذ أو االعتداء عليھا من قبل الدولة فھذه الحقوق ھي حقوق مدنية تتعلق بالمساواة مع اآلخرين وحقوق سياسية تتعلق بالمشاركة في السياسي وحقوق جماعية ترتبط بالشؤون االقتصادية واالجتماعية والثقافية. اتخاذ القرار فالمواطنة ھي البوتقة التي تنصھر فيھا جميع االنتماءات القبلية والجھوية والعرقية..الخ لصالح انتماء واحد فقط ھو الوطن دون أن يعني ذلك إلغاء االنتماء للقبيلة أو األسرة أو المنطقة أو خالفه وإنما يعني عدم تعارض ھذه االنتماءات لالنتماء األكبر للوطن. ب المواطنة في العلوم االجتماعية: يعرف بعض المتخصصين في العلوم االجتماعية المواطنة على االلتزامات المتبادلة بين األشخاص والدولة السياسية والمدنية نتيجة يؤدي بعض الواجبات. أنھا مجموعة فالشخص يحصل على بعض الحقوق انتمائه إلى مجتمع سياسي معين وعليه في الوقت نفسه أن بمعنى أنھا تشتمل على العالقة بين األفراد والدولة مع امتثال للحقوق والواجبات وھي تشمل كذلك على صفات المواطن ومسؤولياته وتتميز المواطنة بوجه خاص المواطن والمواطنة د. علي الدوسري ص: 7. المصدر نفسه ص: 7. مصطلحات العلوم االجتماعية محمد عاطف ص: 56. 0

21 بوالء المواطن للبالد وخدمتھا والتعاون مع اآلخرين من أجل تحقيق األھداف القومية للدولة وتتضمن مستوى عاليا من الحرية مصحوبا بالعديد من المسؤوليات. ج المواطنة في الموسوعة السياسية (( 990 م)): تعرف الموسوعة السياسية المواطنة بأنھا صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرض عليه د المواطنة في قاموس :Oxford انتماؤه إلى الوطن. عرف إن المواطنة تعني أن يكون مواطنا لبالد معينة بالحقوق والواجبات ولقد جاءت بمعنى الجنسية أيضا وتعني عنصرا من العناصر المكونة لھا. انتساب أو ھ المواطنة في موسوعة الكتاب الدولي: انتماء الفرد إلى شعب الدولة بوصفه المواطنة من خالل تعريف موسوعة الكتاب الدولي بأنھا: عضوية كاملة في دولة أو في بعض وحدات الحكم وأن المواطنين لديھم بعض الحقوق مثل حق التصويت وحق تولي المناصب العامة وكذلك عليھم بعض الواجبات مثل دفع الضرائب والدفاع 4 عن بلدھم. 5 رجال اإلصالح وموقفھم من المواطنة: كل من درس تراث رجال اإلصالح اإلسالمي الذين قاموا بالدعوة للنھوض باألمة وتحريرھا من نير االستعمار الغربي وإخراجھا من دائرة التخلف إلى دائرة التقدم واالرتقاء ابتداء من جمال الدين األفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي 4 معجم العلوم االجتماعية أحمد زكي بدر ص: 60. المواطن والمواطنة د. الدوسري ص: 9. المصدر نفسه ص:. المواطن والمواطنة ص:.

22 وغيرھم يجدھم جميعا يؤمنون بأن ألوطانھم حقا عليھم يوجب عليھم أن يبدأوا بإصالحھا أوال : من باب األقربون أولى بالمعروف كما قال تعالى: م اذ ا ي س أ ل ون ك خ ي ر م ن أ نف ق ت م م ا ق ل ي نف ق ون ف ل ل و ال د ي ن و األ ق ر ب ي ن و ال ي ت ام ى الس ب ي ل و اب ن و ال م س اك ي ن (البقرة آية :.(5 فبدأ بالوالدين واألقربين لما لھم من حق أوكد. وقد كان الشيخ عرابي الوطنية محمد عبده مع ثورة المصرية التي قامت ضد الخديوي وبعد ذلك كانت عنايته بالمجتمع المصري أكثر من غيره عن طريق إصالح التعليم العام وخصوصا إصالح األزھر وقال كلمته الشھيرة: يستحيل بقاء األزھر على حاله فإما أن يعمر وإما أن يتم خرابه وسم اه األستاذ عباس العقاد في كتابه عنه "رائد الفكر المصري الحديث". ولكنھم جميعا يؤمنون بوطنھم األكبر: دار اإلسالم ولھذا عملوا على تحريرھا من كل سلطان أجنبي وتوحيدھا والسعي في عودتھا إلى الرقي والتضامن والقيادة من جديد. وھكذا رأينا الكواكبي في كتابه يعقد في "مكة المكرمة أم القرى" ليبحث مشكالت لھا: "أم القرى" الذي تصو ر فيه مؤتمرا إسالميا عالميا األمة اإلسالمية جمعاء ويقترح ومن بعد ھؤالء المصلحين والمجد دين ظھر مصلحون آخرون في أقطار شت ى ات فقت مقاصدھم واختلفت طرائقھم ومن ھؤالء: الوطن والمواطنة للقرضاوي ص: 5.

23 أ حسن البنا وموقفه من الوطنية والمواطنة: لقد تحدث الشيخ حسن البنا مؤسس حركة اإلخوان المسلمين عن مفھوم الوطنية في رسالة "دعوتنا" من رسائله الشھيرة وبي ن المعاني والمقاصد التي يمكن أن تفھم من ھذه الكلمة وأن منھا ما ھو مقبول في منطق اإلسالم وشريعته ومنھا ما ھو مردود ومرفوض وذلك بسبب ظھور وانتشار ھذه المصطلحات الجديدة في المجتمعات اإلسالمية وولع بعض الناس بھا وفھم كل فريق لھا بحسب ھواه أو ھوى من يسير خلف فلسفتھم. الوطنية المقبولة والوطنية المردودة: وفي رسالة "دعوتنا" يفص ل اإلمام البنا القول في الوطنية تفصيال فقد كان الرجل حريصا على تحديد المفاھيم الغامضة أو المحتملة الختالف األفھام وعلى تفصيل المعاني والمصطلحات المجملة وضبط الكلمات الھ المية التي يفس رھا كل فريق بما يمليه عليه ھواه أو تبعيته لفكرة معينة. قال: افت تن الناس بدعوة الوطنية تارة والقومية تارة أخرى وبخاصة في الشرق حيث تشعر الشعوب الشرقية بإساءة الغرب إليھا إساءة نالت من عز تھا وكرامتھا واستقاللھا وأخذت من مالھا ومن دمھا وحيث تتألم ھذه الشعوب من ھذا الن ير الغربي الذي ف رض عليھا فرضا فھي تحاول الخالص منه بكل ما في وسعھا من قو ة ومنعة وجھاد وجالد فانطلقت ألسن الزعماء وسالت أنھار الصحف وكتب الكاتبون وخطب الخطباء وھتف الھاتفون باسم الوطنية وجالل القومية حسن ذلك وجميل ولكن غير الحسن وغير الجميل: أنك حين تحاول إفھام الشعوب الشرقية

24 وھي مسلمة أن ذلك في اإلسالم بأوفى وأزكى وأسمى وأنبل مما ھو في أفواه الغربيين وكتابات األوروبيين: أ بوا ذلك عليك ولج وا في تقليدھم يعمھون وزعموا لك أن اإلسالم في ناحية وھذه الفكرة في ناحية أخرى وظن بعضھم أن ذلك مما يفرق وحدة األمة وي ضعف رابطة الشباب. وقد تحدث األستاذ البنا عن وطنية الحنين وخدمته ووطنية المجد والفتح وأشاد بھا. والعاطفة ووطنية الحرية ووطنية المجتمع الوحدة الوطنية واختالف الدين: ثم يقول األستاذ البنا: وأحب أن أنب ھك إلى سقوط ذلك الزعم القائل إن الجري على ھذا المبدأ يمزق وحدة األمة التي تتألف من عناصر دينية مختلفة فإن اإلسالم وھو دين الوحدة والمساواة كفل ھذه الروابط بين الجميع ما داموا متعاونين على الخير: ال إ ل ي ھ م ي ن ھ اك م ع ن ال ذ ي ن ل م ي ق ات ل وك م ف ي الد ي ن و ل م ي خ ر ج وك م م ن د ي ار ك م أ ن ت ب ر وھ م و ت ق س ط وا ي ح ب إ ن ال م ق س ط ي ن (الممتحنة آية : مصر في نظر حسن البنا: 8). فمن أين يأتي التفريق إذن. ويعود األستاذ إلى فكرة "الوطنية" أو "المصرية" بمعنى االنتماء إلى الوطن الخاص: مصر وحب ھا والعمل على تحريرھا والنھوض بھا فيخص ھا بحديث جدير بمكانتھا فيقول: إننا مصريون بھذه البقعة الكريمة من األرض التي نبتنا فيھا ونشأنا عليھا ومصر بلد مؤمن تلق ى اإلسالم تلقيا كريما وذاد عنه ورد عنه العدوان في كثير من من رسالة دعوتنا ص: 0 9 رسائل اإلمام. الوطن والمواطنة للقرضاوي ص: 5. رسالة دعوتنا ص: 0 من مجموع رسائل اإلمام الشھيد. 4

25 أدوار التاريخ وأخلص في اعتناقه وطوى عليه أعطف المشاعر وأنبل العواطف وھو ال يصلح إال باإلسالم وال يداوى إال بعقاقيره وال يط ب له إال بعالجه وقد انتھت إليه بحكم الظروف الكثيرة حضانة الفكرة اإلسالمية والقيام عليھا فكيف ال نعمل لمصر وخير مصر وكيف ال ندافع عن مصر بكل ما نستطيع وكيف يقال: إن اإليمان بالمصرية ال يت فق مع ما يجب أن يدعو إليه رجل ينادي باإلسالم ويھتف باإلسالم إننا نعتز بأننا مخلصون لھذا الوطن الحبيب عاملون له مجاھدون في سبيل خيره وسنظل كذلك ما حيينا معتقدين أن ھذه الح ل قة األولى في سلسلة النھضة المنشودة وأنھا جزء من الوطن العربي العام وأننا حين نعمل لمصر نعمل للعروبة والشرق واإلسالم وليس يضيرنا في ھذا كل ه أن ت ع نى بتاريخ مصر القديم وبما سبق إليه قدماء المصريين الناس من المعارف والعلوم فنحن نرحب بمصر القديمة كتاريخ فيه مجد وفيه علم ومعرفة ونحارب ھذه النظرية بكل قوانا كمنھاج عملي يراد صبغ مصر به ودعوتھا إليه بعد أن ھداھا بتعاليم اإلسالم وشرح له صدرھا وأنار به بصيرتھا وزادھا به شرفا ومجدا فوق مجدھا وخل صھا بذلك مما الحق ھذا التاريخ من أوضار الوثنية وأدران الشرك وعادات الجاھلية. ب عبد الحميد بن باديس "الجزائر": البد من بيان معنى الوطن والوطنية ليعلم اإلنسان بعد ذلك كيف ي جري أحكامه على الوطنية. قال العالمة عبد الحميد بن باديس مؤسس جمعية العلماء بالجزائر: بھاتين الجملتين منذ نيف وعشر سنين تو جنا جريدة "المنتقد" الشھيرة وجعلناھا شعارا لھا تحمله في رأس كل عدد منھا ھذه أيام كانت كلمة الوطن والوطنية كلمة إجرامية ال يستطيع الوطن والمواطنة للقرضاوي ص: 54. 5

26 أحد أن ينطلق بھا وقليل جدا من يشعر بمعناھا وإن كان ذلك المعنى دفينا في كوامن النفوس ككل غريزة من غرائزھا ال سيما في أمة ت نسب إلى العروبة وتدين باإلسالم مثل األمة الجزائرية ذات التاريخ المجيد. أما اليوم وقد صارت كلمة الوطن والوطنية سھلة على كل لسان وقد يقولھا قوم وال يفقھون معناھا وقد يقولھا آخرون بألسنتھم وال يستطيعون أن ينتسبوا لھا في المكتوب من رسمياتھم ويفزع منھا من يتخي لون فيھا ما يعرفون من وصي اتھم وينكرھا آخرون زعما منھم أنھا ضد إنساني تھم وعمومياتھم فكان حقا لقر اء "الشھاب" علينا أن نقول لھم كلمة مختصرة نبين لھم حقيقة ھذه الكلمة وأقسامھا وأقسام الناس إزاءھا ومن أي قسم نحن من تلك األقسام. من نواميس الخلقة حب الذات للمحافظة على البقاء وفي البقاء عمارة الكون فكل ما تشعر النفس بالحاجة إليه في بقائھا فھو حبيب إليھا واستمداد بقائه منھم وما البيت إال الوطن الصغير فإذا تقد م شيئا في سنه اتسع أفق حبه وأخذت تتسع بقدر ذلك دائرة وطنه فإذا دخل ميدان الحياة وعرف الذين يماثلونه في ماضيه وحاضره وما ينظر إليه من مستقبله ووجد فيھم صورته بلسانه ووجدانه وأخالقه ونوازعه ومنازعة شھور نحوھم من الحب بمثل ما كان يشعر به ألھل بيته في طفولته ولما فيه كما تقدم من غريزة حب الذات وطلب البقاء وھؤالء ھم أھل وطنه الكبير ومحبته في العرف العام ھي: الوطنية". وأفاض العالمة عبد الحميد بن باديس بمشاعر كبيرة عن الوطني ة وھو ي عل ق على ما جعله من الشفاء باختالط ريق المواطن المسلم بتربة وطنه كما كان النبي صلى عليه وسلم يفعل ويقول: «بسم تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفي سقيمنا». آثار ابن باديس ( 66). / أخرجه البخاري ك الطب الحديث رقم:

27 قال العالمة ابن باديس: فقد علم الناس من قبل أربعة عشر قرنا أن تربة الوطن معجونة بريق أبنائه تشفي من القروح والجروح ليربط بين تربته وبين قلوبھم عقدا من المحبة واإلخالص له. وليؤكد فيھا معنى الحفاظ واالحتفاظ به وليقرر لھم من منن الوطن من ة كانوا عنھا غافلين فقد كانوا يعملون من علم الفطرة أن تربة الوطن تغذي وتروي فجاءھم من علم النبوة أنھا تشفي فليس ھذا الحديث إرشادا لمعنى طبي ولكنه درس في الوطنية عظيم ولو أنصف المحدثون لما وضعوه في باب الرقي والطب فإنه بباب حب الوطن أشبه وما ترى رافعا لعقيرة بقوله: أال ليت شعري ھل أبيتن ليلة وھل أر دت يوما مياه مجن ة بواد وحولي إذخر وجليل وھل ي بد ون لي شامة وطفيل إال سائرا على شعاعه وما ترى ذلك الغريب المريض الذي سئل: فيم شفاؤك فقال: شمة من تربة إصطخر وشربة من ماء نھاوند إال من تالميذ ھذا الدرس. ولقد زادنا إيمانا به بعد إيمان أن يقول: «تربة أرضنا بريقة بعضنا». ولم يقل: تربة األرض بريق بني آدم فليس السر في تربة وريق مريض ولكن السر في أرضنا وبعضنا ومريضنا فھذه و ربنا صخرة األساس في بناء الوطنية والقومية إال ما يتبجح به المفتون. الوسطية حمد بن إبراھيم العثمان ص: 0. الوسطية حمد بن إبراھيم ص: 0. المصدر نفسه ص:. 7

28 6 المواطنة عامة وخاصة: لإلنسان في الدولة الحديثة المسلمة أي ا كان مذھبه وجنسيته حقوق ثابتة في العيش الكريم سيأتي ذكرھا بإذن ولكنه يملك حق االختيار في أن يؤمن بأھداف الدولة واألسس التي قامت عليھا ويمثل اإلسالم العمود الفقري أو أن يرفض ذلك فإن آمن وكان مسلما فليس له ما يميزه عن إخوانه المسلمين غير مؤھالته وإن فھو مجبر من أجل اكتساب حقوق اختار الرفض المواطنة أن يوالي الدولة ويعترف بشرعيتھا فال يتھدد نظامھا العام بحمل السالح في وجھھا أو مواالة أعدائھا ولكن مواطنته تظل ذات خصوصية ال ترتفع إال بدخوله اإلسالم أي يظل متمتعا بحرية ال يتمتع بھا المسلم تتعلق بحياته الشخصية في أكله وشربه وزواجه محروما من حقوق يتمتع بھا المسلم كتولي مواقع رئيسية في الدولة ذات مساس بھويتھا "الرئاسة العامة" ولكنه من جھة أخرى يعفى من واجبات مطلوبة من المسلم كاالمتناع عن محرمات معينة وھي استثناءات محدودة ال تخل بمبدأ المساواة وھو مبدأ أساسي مرعي في الدولة اإلسالمية وإنما ھي من مقتضياته ونحن ال نعلم دولة في الدنيا قديمة أو حديثة خلت دساتيرھا جملة في مسألة تنظيم حقوق المواطنة ومنھا الحريات العامة كحرية تكوين الجمعيات من وضع قيود معينة من شأنھا حفظ كيان الدولة أو حرية المواطنين وحق األغلبية في أن تصبح الحياة العامة بصبغتھا. ففي المادة الرابعة من الدستور الفرنسي الصادر سنة 958 م نص على أن األحزاب والتجمعات تسھم في اإلعراب عن الموافقة وتشك ل وتمارس نشاطھا بحرية وعليھا أن تحترم مبادىء السيادة الوطنية ومبادىء الديمقراطية. الحريات العامة راشد الغنوشي ( 54). / الحريات العامة راشد الغنوشي ( 54). / 8

29 وإذا كان المسلم خارج إقليم الدولة ال يملك غير حق النصرة في حدود إمكانات الدولة فإن غير المسلم "الذمي" يملك إلى جانب النصرة سائر الحقوق التي يملكھا المسلم عدا شغل المواقع ذات المساس المباشر بھوية الدولة وطبيعتھا اإلسالمية مع مالحظة أن الوظائف في اإلسالم ليست حقوقا للمواطن وإنما ھي أعباء وتكاليف. لقد لفت نظر المؤرخين األوروبيين الذين درسوا تاريخ الحضارة اإلسالمية ظاھرة غريبة ال نظير لھا في حضارات أخرى ھي كثرة الرجال غير المسلمين ذوي النفوذ في جھاز الحكم اإلسالمي يقول آدم متز: من األمور التي تعجب لھا كثرة عدد العمال والمتصرفين غير المسلمين في بالد اإلسالم وكان تشكي المسلمين من ذلك كثيرا. ويقول المؤرخ األمريكي درابر: إن المسلمين األولين في زمن الخلفاء لم يقتصروا في معاملة أھل العلم من النصارى المنظورين ومن اليھود محل االحترام بل فوضوا لھم كثيرا من األعمال الجسام ورق وھم إلى المناصب في الدولة حتى إن ھارون الرشيد وضع جميع المدارس تحت مراقبة حنا وإلى اليھود تارة أخرى واس تو ر ز مستة فكانت مفو ض ه أحيانا إلى النسطوريين عدد من الخلفاء عددا من اليھود والنصارى كيف ال وقد أمنت كل الشعوب الدولة اإلسالمية في ظل اإلسالم على اختالف دياناتھا وألوانھا فتفتقت مواھبھا وأحيت ثقافتھا وتراثھا وساھمت مساھمة فعالة في وضع الحضارة اإلسالمية حتى إن النزھاء من مؤرخي اليھود يعترفون بأن عصر الحضارة اإلسالمية باألندلس مثال كان العصر الذھبي لليھود يقول سيمون دينوه في كتابه (تاريخ اليھود): ألول مرة يتمكن قسم من الشعب اليھودي من التمتع بحرية الفكر وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر بلغ تطور الفكر اليھودي من التمتع الحريات العامة ).(55 / المصدر نفسه ).(55 / 9

30 بحرية الفكر وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر بلغ تطور الفكر اليھودي قمة النجاح. أما الدول الغربية المعاصرة فرغم ادعائھا المساواة والتحرر من التمييز الديني فإن ماليين المسلمين من مواطنيھا رغم بالئھم في تحريرھا وتعميرھا مثل مسلمي فرنسا فإنھم لم يضمنوا بعد حتى حقوقھم الشخصية كحق الحياة والحرية الدينية بإقامة المساجد وحمل نسائھم على الحجاب مما ال يبقى مجاال للحديث عن حقوقھم السياسية وتوليھم الوظائف الكبرى فليس من بين أكثر من عشرة ماليين مسلم في أوروبا الغربية وزير واحد أو وكيل وزارة وال نائب واحد في البرلمان األوروبي والسفير الغربي المسلم الوحيد السيد مراد ھوفمان قامت ضجة كبيرة في ألمانيا بسبب تأليفه كتابا نصرة لإلسالم "اإلسالم ھو البديل" وطالبوا بعزله من منصبه كسفير لبالده بينما لم يثر ضجة وال مثل مشكال في أواسط الرأي العام اإلسالمي تولي مواطنين ينتمون إلى األقلية 7 الدولة وزراء وسفراء وحتى رؤساء لوزارات. المواطنة وتحديد صفة المواطن: المسيحية في مصر والعراق وسوريا مناصب رئيسية في إن تحديد أساس ھذا المبدأ وإمضاءه في الدولة الحديثة المسلمة بداية من العھد النبوي على نحو تطبيقي واقعي نصت عليه وثيقة دستور المدينة إذ اعتبرت اليھود المقيمين في المدينة من مواطني الدولة وجعلت لھم من الحقوق والواجبات مثل ما للمسلمين في فقرة من فقراتھا تقرر: أن يھود بني عوف أمة دينھم وللمسلمين دينھم مواليھم وأنفسھم مع المؤمنين لليھود إ ال من ظلم وأثم وال يقف الحد عند يھود الحريات العامة ).(56 / الحريات العامة ).(56 / 0

31 بني عوف ليھود بني عوف. وحدھم وإنما تمضي النصوص لتقرر لباقي قبائل اليھود مثل ما تقرر وأوضحت النصوص كذلك "أن عنصر اإلقليم "المدينة" واإلقامة المرتبطة به عند نشأة الدولة ھو الذي أعطى غير المسلمين جميعا حق المواطنة وضمن لھم المساواة في الحقوق والواجبات وال يخفى ما لوصف الرسول صلى عليه وسلم لمواطني الدولة المسلمة في دستور المدينة بأنھم "أمة مع المؤمنين" من داللة دستورية على مساواتھم بالمسلمين وانتفاء العنصرية واعتبارھم مواطنين من الدرجة الثانية مما ينال من حقيقة المساواة أو ينتقص منھا ويعتبر ما أوردته الوثيقة النبوية من تقرير حق المواطنة لغير المسلمين في الدولة اإلسالمية أصال ثابتا في نظام الدولة اإلسالمية ال يقبل من اجتھاد الفقھاء ما يعارضه وقد تظاھرت نصوص الكتاب والسنة على ترسيخ ھذا المبدأ وعلى بيان األحكام اإلسالمية بشأن معاملة غير المسلمين في ديار اإلسالم على أساس من البر والقسط. وقد عرضت لذلك كتب الفقه اإلسالمي قديمھا وحديثھا تحت عنوان "أھل الذمة" وأحكامھا في اإلسالم وھو اصطالح من واعتبارات سياسية تغيرت وظروف اجتھاد الفقھاء وإلفراز حقبة تاريخية سابقة اجتماعية تطورت وألن الفقه ليس دينا فالواجب الرجوع في ھذه المسألة أو غيرھا إلى نصوص القرآن وصحيح السنة ونوط العالقة بين المسلمين وغير المسلمين بعھد ورسوله كأصل إسالمي يضمن الوحدة الوطنية ويدعم مكانتھا في الدولة الحديثة المسلمة. في الفقه السياسي اإلسالمي فريد عبد الخالق ص: 55. في الفقه السياسي اإلسالمي فريد عبد الخالق ص: 55. في الفقه السياسي اإلسالمي فريد عبد الخالق ص: 55.

32 8 المواطنة والدولة الحضارية: الدولة الحضارية الحديثة المسلمة تستند إلى منظومة قيم مستمدة من المرجعية الحضارية اإلسالمية وھذه القيم تمثل النظام األعلى الحاكم للدولة والمجتمع وفي الدولة الحضارية القطرية فإن كل من ينتمي لھذه الدولة يفترض ضمنا أنه ينتمي للقيم العليا المنظمة للدولة والمجتمع ومعنى ھذا أنه ينتمي أساسا للمجتمع ومن ثم لألمة وھو بانتمائه للمجتمع أصبح عضوا فيه وألن الدولة ھي وكيل عن المجتمع فإن كل من ينتمي للمجتمع يصبح عضوا أصيال في الدولة وبالتالي يصبح مواطنا في الدولة له كل الحقوق وعليه كل الواجبات ويحظى بعالقة المساواة من قبل الدولة مثل غيره من أعضاء المجتمع وھنا نؤكد على فكرة محورية في الدولة الحضارية وھي أن المجتمع سابق على الدولة وأن األمة سابقة على الدولة ألن الدولة الحضارية تقوم ھويتھا على قيم لذا فإن تلك القيم توجد أوال في المجتمع أو األمة وتصبح سائدة وغالبة ومن ثم تقوم الدولة على تلك القيم وتستمد شرعيتھا من حفاظھا على القيم التي أمن بھا المجتمع وأمنت بھا األمة ألن الدولة التي تستند لقيم ال توجد في المجتمع وتفرض قيمھا على المجتمع ليست دولة حضارية بل ھي شكل من أشكال الدولة المستبدة. يضاف لھذا مسألة مھمة في التفرقة بين الدول ففي الدولة الحضارية يقوم المجتمع على قيم وكل من ينتمي لتلك القيم يصبح عضوا في المجتمع وبالتالي يصبح عضوا في الدولة وھو بھذا مثله مثل غيره ال فارق بينھما ألن كل أعضاء المجتمع تقوم عضويتھم على إيمانھم بقيم المجتمع وھذا األمر ال يتحقق في المجتمعات التي تقوم فيھا الدولة مستندة على القومية ففي فرنسا مثال تقوم الدولة مستندة على القومية الفرنسية ومن يحصل على جنسية الدولة الفرنسية من غير المنتمين للقومية الفرنسية

33 يصبح مواطنا في الدولة ولكنه ال يصبح منتميا للقومية الفرنسية ألن الفرد ال يمكن تحويل قوميته ألنھا عرق ولھا أساس بيولوجي ففي فرنسا تحدد المواطنة عالقة المساواة بين كل حاملي جنسية الدولة وال يمكن أن ينتمي لقوميتھم أحد من خارجھا لكن الدولة الحضارية تقوم أساسا على القيم وھي دولة عابرة للقومية مما يجعل تعدد القوميات واألعراق فيھا جزءا من تعدد مكوناتھا داخل الھوية الواحدة وألن الھوية تقوم على القيم فإن كل من ينتمي لتلك القيم يصبح جزءا من ھوية المجتمع والدولة ويصبح مواطنا كامال في الدولة وعضوا كامال في المجتمع حتى وإن اختلفت أصوله العرقية. فالمواطنة تتحقق في الدولة الحضارية نتيجة أن الفرد ينتمي انتماء كامال غير منقوص للمجتمع وبالتالي تصبح مواطنته مفروضة على الدولة ألن الدولة وكيل عن المجتمع وتتبع ھوية المجتمع وعليه نقول إن الدولة الحضارية تتميز بأن االنتماء مفتوح فجنسيتھا تعطي لمن يؤمن بالقيم المؤسسة لھا. لھا ويمكننا أن نتصور أن مع بداية تأسيس الدولة اإلسالمية الكبرى وتوسعھا في العديد من المناطق وانضمام العديد من القوميات لھا كان ھناك اختالفات حضارية ما أو كان ھناك قدر من عدم التجانس وھو ما تم تحويله إلى حالة تجانس عام من خالل تجمع كل األمة على القيم العليا إطارا جامعا سمح بمساحة للفروق الثقافية داخلھا فحافظت المجتمعات على تميزھا وفي نفس الوقت اشتركت في اإلطار الحضاري العام فصارت بھذا أمة واحدة. الوسطية الحضارية د. رفيق حبيب ص: 5. الوسطية الحضارية د. رفيق حبيب ص: 55.

34 وھنا تبرز خاصة مھمة في الحضارة اإلسالمية أنھا حضارة التنوع في إطار الوحدة فھي أكثر الحضارات التي تشمل تنوعا داخليا ومع ھذا فھي أكثر الحضارات التي تتميز بإطار عام حاكم ومحكم وتلك ھي خاصة الدين فمنظومة القيم المستمدة من الدين تقوم على قيم محددة ومطلقة أي تقوم على عدد محدد من المبادىء وداخل ھذه المبادىء يمكن أن يختلف الناس ولكن إيمانھم بھذه المبادىء العامة يوحدھم مھما اختلفوا داخلھا ولھذا يتمدد التنوع داخل إطار القيم الحاكمة التي تحول ھذا التنوع إلى وحدة وھنا تأسست المواطنة في صورتھا األعمق الحقا بإذن تعالى. 9 المواطنة والدولة الق طرية: في االتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية تجد ما يلي: المادة (): وسيأتي تفعيل ذلك لكل الشعوب الحق في تقرير المصير وبمقتضى ھذا الحق فإنھا تقرر بحرية وضعھا السياسي وتتابع بحرية تنميتھا االقتصادية واالجتماعية والثقافية اإلسالمي: فقد ابتدأت قضية المواطنة وذلك منذ صدور أول دستور عثماني عام الحقوق والواجبات بين مواطني الدولة على الدولة على اختالف أديانھم. أما في وطننا قبل قرن وربع في العالم العربي واإلسالمي 876 م مقررا مبدأ المساواة في جميع اختالف الحقوق والواجبات بين مواطني إن غير المسلمين صاروا شركاء أصليين في أوطان المسلمين ولم تعد عالقاتھم بالمسلمين قائمة على إعارة قبيلة لقبيلة أخرى أو خضوع من قبيلة إلى قبيلة أخرى الوسطية الحضارية د. رفيق حبيب ص: 56. قضايا إسالمية معاصرة د. منير الغضبان ( 9). / مواطنون ال ذميون د. فھمي ھويدي ص: 6. 4

35 األمر الذي ينبغي أن يسقط معه على الفور في مربع األجانب األخرى. - ومھما كانت المبررات أي تصنيف لھم والبد من إيضاح ھذا المفھوم: فلقد كانت المواطنة في الدولة اإلسالمية منذ عھد الفتوح اإلسالمية قائمة على تقسيم المواطنين لفريقين مسلمين وذميين والمسلمون لھم حقوق تختلف قليال أو كثيرا عن حقوق الذي يدفع المسلمون فيه الزكاة يدفع أھل الذمة الجزية ويكون أھل الكتاب أو أھل الذمة وفي الوقت عن البلد حق الدفاع واجب المسلمين والجزية مقابل حمايتھم والحفاظ على حرماتھم وأغراضھم وعندما تعجز الدولة عن الحماية تعيد الجزية وتدعو أھل الذمة إلى المشاركة في الدفاع عن الوطن المعرض للخطر من العدو الخارجي. أما منذ صدور القانون العثماني عام ( 876 م) فقد أنھى ھذا التقسيم لمسلمين وذميين واعتبر المواطنون متساوين في الحقوق والواجبات وصار أھل الذمة والمسلمون شركاء في الدفاع عن الوطن وھذا أقرب إلى وضع الدولة اإلسالمية األولى في المدينة فقد كان يھود المدينة شركاء في المواطنة لليھود نفقتھم وللمسلمين نفقتھم وعليھم النصر على من داھم يثرب وجوف يثرب حرام على أھل ھذه الصحيفة. ثانيا : التطور التاريخي لمفھوم المواطنة: إن الناظر إلى تاريخ الفكر الفلسفي السياسي يدرك مدى التطور الذي لحق مفھوم المواطنة فالمفھوم الذي بدأ خالل الحقبة اليونانية قبل الميالد ليس ھو نفسه الذي كان المصدر نفسه ص: 9. قضايا إسالمية معاصرة ( 9). / 5

36 موجودا في فترة العصور الوسطى وكذلك يختلف عن ذلك الذي عرفته الثورة الفرنسية والذي يختلف بدوره عن المفھوم المعاصر للمواطنة. أوروبا بعد فالمواطنة في كل حقبة تاريخية إنما كانت تعب ر عن التركيبة الثقافية واألخالقية لتلك الحقبة ومن ثم كانت المواطنة ھي المؤشر على مدى تحقق المثل األخالقية والسياسية في زمانھا فالمواطن عند اليونان ھو "اليوناني الحر" بينما المواطن في زمن الدولة القومية ھو أحد أبناء األمة المكونة للدولة..الخ فالمواطنة قديما لم تكن تشير طوال الوقت إلى مبادىء وقيم أخالقية وسياسية عامة وإنما كانت تعبر عن وضعية خاصة يحوزھا البعض وي حرم منھا اآلخرون أي أن المواطنة كانت حالة من عدم المساواة يقابلھا رغبة وكفاح من أجل المساواة من جانب أولئك الذين ح رموا منھا ومن ھنا فإن تاريخ مبدأ المواطنة ھو تاريخ سعي اإلنسان من أجل اإلنصاف والعدل والمساواة. ويرى األستاذ حمدي مھران: إن مفاھيم مختلفة كما يلي: مواطنة دولة المدينة: المواطنة قد مرت بست مراحل تاريخية كونت ستة وھو المفھوم الذي ساد في الحقبة اليونانية الرومانية وقد تميز على قيم المشاركة السياسية ھذا المفھوم بتركيزه والمساواة بين المواطنين على قاعدة المواطنة غير أن ھذا المفھوم من ناحية أخرى لم يكن يشمل بصفة المواطنة إال الرجال األحرار بينما تم استبعاد العبيد والنساء واألطفال وكذلك األجانب عن المدينة مما جعله ال يشمل إال فئة قليلة ممن يستحقون صفة المواطنة إال أن قيم المواطنة عند العديد من الفالسفة بعد ذلك قد تأثرت بمفھوم المواطنة اليوناني القديم نظرا لتشديده على أفكار المشاركة المواطنة والمواطن في الفكر السياسي حمدي مھران ص: 4. 6

37 والمسؤولية على المواطنين وإھتمامه بالمساھمة في الحكم بصورة مباشرة عبر مؤسسات تقوم على نشاط المواطنين. مواطنة اإليمان: وھو المفھوم الذي ساد في الحقبة اإلسالمية والمسيحية في أوائل فترة العصور الوسطى حيث المواطن ھو الفرد المنتمي للعقيدة السائدة في الدولة. وتميز ھذا المفھوم بعدم التزامه بحدود الدولة وإنما كان ذا صفة عالمية بحيث يشمل كل من ينتمي العقيدة السائدة في أي مكان وقد أعطى ھذا المفھوم في صورته اإلسالمية حقوقا ھامة للمرأة إال أن التطبيق العملي لتلك الحقوق على األرض لم يكن بالمستوى نفسه فظلت المرأة فعليا في أغلب فترات التاريخ اإلسالمي بعيدة عن العملية السياسية أما صورة المفھوم المسيحي فلم تعط المرأة أي حقوق تذكر ال داخل الكنيسة وال خارجھا واكتفى المفھوم بمنح الدعم المعنوي والروحي للعبيد دون الدعم المادي فبقى العبيد في أسوأ حال في تلك الفترة مع ما كان ي طلب منھم من قبول للعبودية بوصفھا إرادة إلھية. مواطنة المدن المستقلة: وھي التي سادت في المدن التجارية في جنوب أوروبا وتحديدا في إيطاليا في فترة العصور الوسطى - حيث كانت تعني الحصول على امتيازات مدفوعة األجر تمكن التجار من البيع والشراء والزواج والطالق والسفر وغيرھا دون الحصول على إذن أو تصريح من السيد اإلقطاعي وفقا للنظام الذي كان سائدا حينذاك وقد منح ھذا المفھوم سكان المدن نوعا من الحرية الفكرية واالقتصادية ومكنھم من تقديم رؤى نقدية للنظام الكنسي واإلقطاعي وظھور تيار فكري يرفض األفكار الكلية للكنيسة 7

38 وينادي بالروح القومية وقد عبر ھذا التيار عن آرائه في مؤلفات كان لھا صدى واسع بعد ذلك في فترة عصر النھضة. 4 المواطنة التعاقدية: وھو المفھوم الذي ساد بدء ا من عصر النھضة والذي كان يقوم على فكرة العقد االجتماعي التي كانت رائجة في ذلك الحين كما أن ھذا المفھوم قد ارتبط بفكرة الدولة القومية والذي ظل مرتبطا بھا حتى ظھور المفھوم للمواطنة بعد ذلك بأربعة قرون وقد تميز ھذا المفھوم بدعمه غير المحدود لفكرة المواطن اإليجابي حيث يتحول المواطن إلى حائز للسيادة وليس خاضعا لھا ومن ثم يصبح قادرا على عزل الحكام الفاسدين وتعيين غيرھم ومحاسبتھم وذلك وفقا ألحكام العقد االجتماعي وقد ناھض ھذا المفھوم العبودية ومبرراتھا المختلفة إال أنه لم يقدم جديدا بالنسبة للمرأة فقد ظلت بعيدة عن حقوق المواطنة. 5 مواطنة الحقوق: وھو المفھوم الذي ساد منذ منتصف القرن الثامن عشر وارتبط بفكرة الحقوق التي تطورت من الحقوق الطبيعية إلى حقوق اإلنسان ثم إلى حقوق المواطنة وباقي أنواع الحقوق مثل حقوق العمال وحقوق المرأة وحقوق الطفل...الخ وقد تلقى ھذا المفھوم دعما قويا من الثورة الفرنسية التي تبنت فكرة حقوق المواطنة وأصدرت: إعالن حقوق اإلنسان والمواطن للتعبير عن الحقوق المدنية والقانونية لكل فرد داخل الجمھورية الفرنسية. وقد تشبثت التيارات النسوية بھذا المفھوم للحصول على حقوقھا فكان خير داعم لھا كذلك فقد استغلت الحركات المناھضة للعبودية أو المدافعة عن حقوق العمل ھذا المفھوم لتحقيق أھدافھا المشروعة وقد تحول ھذا المفھوم إلى فكرة الدعم المادي الذي تقدمه الدولة للمواطن تحت مظلة دولة الرفاھية وذلك منذ منتصف 8

39 6 القرن اللعشرين. غير أن ھذا المفھوم قد ارتبط بفكرة الدولة القومية بصورة عجز معھا عن حل المشكالت العرقية والثقافية. ھو المواطنة العالمية: المفھوم الذي يعبر عن صور المواطنة تتخطى أوسع أو حتى أضيق وذلك باالنتماء الدولة القومية القطرية إلى حيز لكيانات جديدة وتفضيلھا على االنتماء القومي. وقد تأثر ھذا النموذج العالمي للمواطنة بقوة بفكرة العولمة منذ ظھورھا خاصة وأن االتحادات والتكتالت العالمية بدأت تزداد بشكل جعل ھذا المفھوم حقيقة واقعة مع الدعوة لعالم مفتوح ومترابط اقتصاديا وثقافيا وسياسيا باالعتماد على التكنولوجيا الحديثة غير أن ھذا المفھوم العالمي ال يزال غير قادر على اكتساب ثقة الغالبية من الناس ما يبدو فيه من تھديد للھوية الثقافية ومعارضته لمفھوم الدولة القومية بكل ما تحمله تراث غال على العديد من الشعوب ولعل ذلك ما جعله يواجه مواجھات من الرفض الشديد خوفا من ضياع الھوية الثقافية مما يعرقل مسيرة ھذا المفھوم وربما يقضي عليه في النھاية. ويمكننا مما سبق أن نقول إن مفھوم المواطنة عبر تاريخه قد كشف عن عدد من الحقائق التالية: إن مفھوم المواطنة طوال تاريخه الطويل قد ظھر بأكثر من صورة واحدة وذلك بحسب ما تضمنه من قيم سياسية وأخالقية في كل مرحلة من المراحل التي مر بھا فھو يعبر عن المسؤولية أحيانا ويعبر عن الحقوق في بعض األحيان كذلك فقد كان يشير إلى الخضوع للسيادة في بعض األوقات وفي أوقات أخرى كان يعني حيازة المواطنة والمواطن في الفكر السياسي ص: 40. 9

40 السيادة وممارستھا كما أن حدوده كانت تضيق بمساحة دولة المدينة أو تتسع لتشمل العالم وھو ما يدل على مدى التنوع الذي حققه ھذا المفھوم طوال تاريخه. إن مفھوم المواطنة كان صورة دائمة لالستعباد وعدم المساواة طوال تاريخه فقد ظل العبيد والنساء مثال مستبعدين من نيل ھذا الحق على الدوام وحتى حين انتھت العبودية وحصلت النساء على حقوق المواطنة بقي المفھوم مرتبطا بصورة االستعباد تلك عبر التفرقة بين أبناء الوطن الواحد وباقي سكان الدولة ممن يعدون من األجانب أو المقيمين فقط وال ي ستثنى من تلك الصورة إال المفھوم العالمي للمواطنة في صيغته الكوكبية والتي تسعى لجعل العالم وطنا واحدا لكل البشر بال استثناء. المواطنة مفھوم محوري في الفكر السياسي فھو وفقا لطبيعته يرتبط بعدد من المفاھيم الھامة في أي دولة في العالم مثل المساواة والمشاركة والحقوق والواجبات والتعددية والديمقراطية والحرية لھذا تعد دراسة تاريخ المواطنة دراسة لمدى تطور واختالف تلك المفاھيم عبر العصور المختلفة مما يمكن الباحث من فھم واستيعاب الصورة التي تكون بھا الفكر السياسي الغربي في صورته الحالية. المواطنة والمواطن في الفكر السياسي ص: 4. 40

41 المبحث الثاني المواطنة والمفاھيم المتعلقة بھا. أوال : العالقة بين الوطن والمواطن والمواطنة: قبل الخوض في العالقة التي تربط بين المفاھيم الثالثة الوطن والمواطن والمواطنة فنحب أن ن ب ين معنى الوطن والمواطن حيث سبق لنا أن عرفنا المواطنة بشكل واسع وال يمنع من اختصارھا مع تعريف الدولة: الوطن: وھو ذلك الجزء الجغرافي من األرض الذي تعيش عليه مجموعة من األفراد تتفاعل فيما بينھا بعالقات إنسانية وعاطفية وروحية وثقافية ومادية وغيرھا وبشكل عام فإن معنى الوطن ھو تعبير عن األرض التي ولد فيھا الفرد ونشأ وترعرع واختار أن يعيش فيھا. المواطن: وھو ذلك الفرد الذي يعيش على تلك القطعة من األرض ويتفاعل األفراد اآلخرين من خالل مؤسسات تشكل على أساسھا الدولة. الدولة: ھي كيان تشكل من مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية وأجھزة إدارية تحكمھا نظم سياسية معينة ويندمج ھذا الكيان مع األفراد والجزء الجغرافي لتشكل بذلك الدولة والمواطنة صفة تطلق على الفرد الذي ينتمي إلى وطن معين. المواطنة والوطنية: ھناك فرق بين صفة المفھومين المواطنة والوطنية أي أن الوطنية تعتبر أعلى مراتب المواطنة التي يحصل عليھا الفرد من خالل لجماعة ومشاركته في أعمال الدولة. انتسابه المواطن والمواطنة للدوسري ص: 6. 4

42 والوطنية شعار يميز المواطن المنتمي إلى وطنه من غير المنتمي وھي درجة خالية من العشق يكرسه الفرد لوطنه وعكسھا الخيانة والخائن وھو الضعيف الوطنية الذي يقيس حبه لوطنه بمقدار ما يستفيد من ذلك الوطن. والوطنية عاطفة قوية يشعر بھا المواطن تجاه وطنه وال تكون الوطنية بالقول بل بالفعل وأن صفة الوطنية أكثر عمقا من صفة المواطنة وتصبح المصلحة العامة لديه أھم من المصلحة الخاصة ولذلك فإن المواطنة ھي اإلطار الفكري أما الوطنية فھي تمثل الجانب واإلطار العملي لسلوك المواطن. ويعتبر الوطن للمواطن بيئة مادية ومعنوية تمثل له األرض والمسكن واألھل واألقارب واآلباء واألجداد وعالقة روحية تمثل له قيم المجتمع من عادات وتقاليد وقيم واتجاھات ومعتقدات ومشاعر فيھا سعادة وفرح وضيق وحزن وغيرھا ويعيش المواطن في ھاتين البيئتين بمواطنة كاملة يتفاعل معھا عبر العصور ھذا وال يمكن أن تختزل ھذه المعاني والمفاھيم: "الوطن والمواطن والمواطنة" في المعني اللغوي وإنما ھي روابط في صفة ومضمون فال يمكن ترسيخ مفھوم المواطنة بما يعنيه من مسؤولية كاملة تجاه الوطن دون وجود أفراد مواطنين ي دركون بوعي حقوقھم وواجباتھم في جميع مجاالت الحياة سواء كان في المجال السياسي أو االقتصادي أو االجتماعي أو الثقافي أو المعرفي ويشعر ھؤالء بأنھم يجري داخل وطنھم فال مواطنة بدون مواطن وال مواطن بدون والء وانتماء يتفاعل مع مشاكله وقضاياه وشؤونه بشكل أو بآخر. مسؤولون عما للوطن المواطن والمواطنة ص: 6. المصدر نفسه ص: 6. المصدر نفسه ص: 6. 4

43 ويعتقد عامة الناس أن المواطنة تتلخص في الحضور المادي في بلد ما أو أنھا تتلخص في مجموعة من الحقوق التي ال يقبلھا أي التزام وھذا االعتقاد خاطىء لسببين: أوال ألنه يقوم ضمنيا على خلط بين المواطن والمواطنة. وثانيا : ألنه يخلط بين المواطنة وأضاف االنتماءات األخرى سواء كانت ثقافية أو دينية أو أيديولوجية أو اجتماعية في حين أن فھم المواطنة يقتضي تحديدھا في عالقاتھا بالسيادة السياسية وبالديمقراطية. فالمواطن ھو ذلك الشخص الذي يمتلك حقوقا غير قابلة للنقض أو النقص أو االعتداء عليھا من قبل الدولة فھذه الحقوق ھي حقوق سياسية تتعلق بالمشاركة السياسية في اتخاذ القرار السياسي وحقوق مدنية وجماعية ترتبط بالجانب االقتصادي واالجتماعي والمعرفي. وإذا كانت المواطنة مرتبطة بالوطن فھذا يعني أنه كلما كان التمسك بالوطن قويا واالنتماء إليه ثابتا فإن المواطنة تتجلى بأبھى صورھا حيث يشعر كل مواطن بكرامته وقيمته ويتمتع بحقوق المواطنة الكاملة التي تؤمن له العيش الكريم في وطن حر كريم. فالمواطنة تقدر بالقدر الذي يبذله رعاياھا من أجلھا فھي ال تمنح منحى من مصدر خارجي بل تكتسب اكتسابا شأنھا في ذلك شأن قيم الحياة األخرى. فالمواطنة ھي التعبير القانوني عن الوجود السياسي للوطن والمواطن وھي حجر الزاوية لتطوير الوطن ابتداء من نظامه السياسي واالجتماعي واالقتصادي وامتدادا للنھوض الثقافي واالرتقاء الحضاري وتتجلى المواطنة في أرقى صورھا بارتقاء المواطن والمواطنة ص: 8. المصدر نفسه ص: 8. المصدر نفسه ص: 8. 4