السلطان الشريف – الجذور الدينية والسياسية للدولة المخزنية في المغرب

النسخ

1

2 السلطان الشريف الجذور الدينية والسياسية للدولة المخزنية في المغرب محم د نبيل م لين Traducteur : عبد الحق الزموري et عادل بن عبد الله Éditeur : Centre Jacques-Berque, Faculté des lettres et des sciences humaines et sociales Lieu d'édition : Rabat Année d'édition : 0 Date de mise en ligne : 7 octobre 06 Collection : Description du Maghreb Édition imprimée Date de publication : janvier 0 ISBN : Nombre de pages : 48 Référence électronique Nouvelle.السلطان الشريف الجذور الدينية والسياسية للدولة المخزنية في المغربم لين, محم د نبيل. édition [en ligne]. Rabat : Centre Jacques-Berque, 0 (généré le 7 octobre 06). Disponible sur Internet : < Ce document est un fac-similé de l'édition imprimée. Centre Jacques-Berque, 0 Conditions d utilisation :

3

4 السلطان الشريف الجذور الدينية والسياسية للدولة المخزنية في المغرب د. محم د نبيل م لين ترجمة عبد الحق الزموري و عادل بن عبد اهلل

5

6 Presses de l Institut Universitaires de la Recherche Scientifique IURS, avenue Allal El Fassi, Madinat el-irfane, Rabat, BP 687, Rabat-Instituts, Maroc- Site web : iurs.um5s.ac.ma Dépôt légal : 0MO958 ISBN : Mise en page et Impression : Kawtar Print Rabat Tél : / kawtarprint@gmail.com

7 تمهيد "قسما بهذا السيف الذي قتل شاه إيران وذبح أميرا فارسيا 4 وانتصر على السلطان سليمان في ثالث معارك إن ي لمستعد ألظفر بك يا سيدتي أن أحملق في عيني أشد الن اس صرامة حتى ير د طرفه وأن أتحد ى أجرأ الناس على ظهر البسيطة وأن أنتزع من الد ب ة صغارها الر ض ع وأن أهزأ باألسد وهو يزأر في طلب فريسته". بهذه الطريقة أنطق الكاتب االنگليزي وليام شكسبير أحمد المغرب المنصور الذ هبي Shakespeare[ ]William سلطان.] [ إن هذا الشاهد الذي ي ظهر عزيمة السلطان وشجاعته يجد تجل يه في اللوحة المتخي لة التي أبدعها الرس ام الهوالندي بياترو روبنس ]Pietro Rubens[ للسلطان الشريف. وهو ما يعكس صيت السلطان وشهرته في العالم المتوسطي ذاك الصيت الذي لم يتخل ف عن ترك آثاره في مخي الت أعظم عقول عصره. ألم يكن موالي أحمد هو المنصور بطل اإلسالم والمنتصر األكبر في معركة وادي المخازن أليس هذا السلطان هو الذ هبي الذي جاءت ثروته الطائلة من الفدية المفروضة على نبالء البرتغال ومن غزو بالد السودان أليس هذا الدبلوماسي المحن ك هو "سلطان العلماء وعالم السالطين" كيف يحب الفن اإلسالمي مع القدرة على أال يغمط ذوق غيره كاتب ذو ريشة رائقة ورجل عرف إن صورة السلطان الشريف التي تم التغن ي بها من قبل معاصريه تعكس إلى حد كبير حقيقة تاريخية. لقد كان حكم أحمد المنصور مطبوعا بالرغبة في وضع نظام سياسي مركزي وقوي معتمدا على هياكل عقدية ومؤسساتية ثابتة. وكان مشروع حكمه ثالثي األبعاد: شرعنة سلطته داخل بالد المغرب واإلفالت من التأثير الخارجي خاصة العثماني وسلوك سياسة توسعية في الصحراء وفي السودان الغربي. ومن أجل إمضاء هذا المشروع الكل ي وإعطائه شرعية دينية وتاريخية اعتمد السلطان الشريف على وليام شكسبير تاجر البندقية ترجمة حسين أحمد أمين المكتبة الكالسيكية ودار الشروق د.ت ص 44 ]بتصرف[.

8 تبني وت ك ي يف أم المؤسسات السياسية الدينية في اإلسالم: الخالفة. كما كان لزاما عليه أيضا أن يقوم أحيانا بإصالح المؤسسات اإلدارية والمالية والعسكرية القائمة وأن يقوم أحيانا أخرى بتكييف ممارسات مستلهمة من النماذج اإليبيرية والعثمانية. وبحكم ع م ل ي ته فقد مارس أخيرا سياسة خارجية نشطة واستباقية وتفاعلية تسعى دائما إلى الت كي ف مع المتغيرات وإلى الل عب على التحالفات من أجل خدمة مخططاته بأحسن وأسلم طريقة. إن دراسة عهد أحمد المنصور "ال تسعى إلى تحديد تأثير الفرد على األحداث بقدر ما تسعى إلى أن تفهم من خالله تداخل الر هانات وتمفصل الشبكات المكم لة" التي ت يس ر إعادة بناء السياق التاريخي المعق د لهذا العهد وتسمح بتفكيك وتحليل مختلف الر هانات السياسة والدينية والثقافية واالقتصادية المطروحة. وهذا ما سيمك ن من الوقوف على أصول المشروع الثالثي األبعاد المرتكز على عقيدة الخالفة وتتبع مساره ورصد محد داته وتجل ياته بعيدا عن أي نظرة شاعرية. البحر المتوس ط والعالم المتوس طي في القرنين 5 و 5 : بين دار اإلسالم ودار المسيحية اختالل التوازن عرفت اللحمة التاريخية التي كانت توج ه وتدير التوازنات بين قوى حوض البحر المتوسط منذ العقود األولى من القرن الخامس عشر بل قبل ذلك انقالبا تدريجيا وذلك عبر سلسلة من الظواهر ومتداخلة االنبعاث العرضية. تعص ف بالمجتمعات األوروبية وخاصة بن خبها.]la Renaissance[ ففي العالم المسيحي كانت تحو الت متعددة ستسمى فيما بعد بعصر فقد مس ت النهضة الفكر الديني والفلسفي وتمث الت الطبيعة والمجال التقني. ولقد كان ظهور الرأسمالية "كاقتصاد-عالم" أي "نظام م ك ت ف بذاته باعتباره هوية اقتصادية ومادية يقوم على تقسيم العمل على نطاق واسع ويحتوي أنظمة ثقافية متعددة" أحد أهم خصائص هذه الفترة. Antoine Prost, Douze leçons sur l histoire, p. 86. Immanuel Wallerstein, Le système du monde du XV e siècle à nos jours, t. I, p.. 5

9 أم ا على الض فة األخرى من المتوس ط فقد كان العالم اإلسالمي يعيش ركودا ثقافيا وذلك منذ نهاية القرن الثاني عشر على حد التقريب. لقد دفعت الحروب الصليبية والغزوات المغولية وحروب االسترداد والتغيرات االجتماعية العميقة النخب المسلمة إلى االنكماش في سجن ثقافي وعقائدي كان يضيق شيئا فشيئا ودفعتها إلى البحث عن النجاة في الدارين في نزعة نصية ظاهرية حينا وفي روحانية جامحة حينا آخر. وكان الصراع السياسي والديني بين ضف تي المتوس ط مشفوعا بإرادة حقيقية من طرف المسيحية باستثناء البندقية للتخل ص من الوساطة التجارية للمسلمين للحصول على البضائع اآلسيوية واألفريقية. وقد كانت هذه الرغبة في االلتفاف على العدو الوسيط المسلم والتخلص منه من بين األسباب الرئيسة التي أثارت حركة "االنفتاح الكوني" لو شئنا استعمال عبارة بيار شونو ]Pierre Chaunu[ 6 الذي جس دته االكتشافات الكبرى. كانت إحدى أهم نتائج هذه االكتشافات وأكثرها وضوحا هي ظهور البرتغال واسبانيا باعتبارهما القوتين األعظم على المستوى اإلقليمي والتدهور البطيء والمحتوم لحركة التجارة المتوس طية لفائدة الحركة التجارية األطلسية وفقدان العالم اإلسالمي لوضعه المركزي من الناحية التجارية. تزامن ظهور القوتين اإليبيريتين بعد معركة الع قاب سنة 88 مع التدهور السياسي لإلسالم المغاربي وتفك كه. وقد انطبع هذا التدهور على المستوى البعيد بخسارة األندلس سنة 844 واستقرار القوتين اإليبيريتين على الشواطئ المغاربية ابتداء من سنة كانت بلدان المغرب وخاصة المغرب األقصى ت مث ل بالنسبة لإلسبان والبرتغاليين عمقا استراتيجيا من الناحيتين الجغرافية والتاريخية. ففضال عن الحلم بإعادة بناء مملكة القوط التي دم رها المسلمون سنة 588 وتنصير السكان المحل يين فقد كانت القو تان اإليبيريتان تحلمان بالسيطرة على مضيق جبل طارق وذلك لحرمان األندلسيين من أي ات صال بأبناء ديانتهم في المغرب ومنع القراصنة من االستيطان على هذا الساحل وجعل البالد مخزن حبوب لشبه الجزيرة اإليبيرية وتحويل موانئها إلى سلسلة من المحطات التي تصلح إليواء الس فن الذاهبة إلى الهند الشرقية والغربية أو القافلة منهما وأخيرا جعل البالد محط ة آمنة للولوج إلى قلب إفريقيا. ولكن كل هذه

10 المشاريع لم تكن مهد دة إال من طرف الدولة العثمانية التي ظهرت على الساحة الشرقية للمتوس ط في بداية القرن السادس عشر. لم تتوق ف الدولة العثمانية عن النمو وفي بالد األناضول نظرا لقيامها وضامن الش رعية السياسية. على منذ نهاية القرن الثالث عشر الغزو الدائم منطق في البلقان خاصة بما هو محر ك االقتصاد ولكن ومنذ القرن السادس عشر ول ت الدولة العثمانية وجهها شطر المشرق واستطاعت في سنوات قليلة أن تستولي على مجمل المناطق "العربية" في المشرق والسيما الحرمين. بالد وقد منح هذا الغزو للسلطان العثماني رأسماال رمزيا مهم ا للغاية. فقد كان باستطاعة "خادم الحرمين" أن يطمح إلى اإلمامة العظمى أي الخالفة. جعل التقدم العثماني نحو الغرب والجنوب مواجهة القو تين اإليبيريتين أمرا محتوما خاصة اسبانيا منهما. بل إن هذه المواجهة ستصبح بعد استقرار العثمانيين في الجزائر إحدى ثوابت التاريخ المتوس طي في القرن السادس عشر. بدأت القو تان اإليبيريتان خصوصا اسبانيا تستشعران التهديد ومنذ "التركي" هذه اللحظة يحوم حول الحوض الغربي للمتوس ط ولذلك أمست المغارب رهانا استراتيجيا وساحة مواجهة 4 دائمة بين العالم ين. وقد كان للمغرب األقصى البلد اإلسالمي الوحيد الذي يمتلك واجهة بحرية تطل على األطلسي والدولة المستقلة الوحيدة في الشمال األفريقي مكانة خاصة في هذا الصراع باعتباره "دولة عازلة" هذا البلد في بداية القرن السادس عشر المتغيرات والسيما محاوالت الهيمنة بين "الم عسكرين". فكيف كان وضع تحديدا وكيف واجه قادته ونخبه هذه من اإلمبراطورية القطرية الدولة إلى المغاربية كان لجميع البيوتات الحاكمة التي ظهرت في المغرب األقصى عشر مطامح توسع وهيمنة في سائر أرجاء المغارب واألندلس. 7 القرن الحادي منذ وقد جعلت سياسة 4 فيما يخص التنافس بين العثمانيين واإليبيريين انظر Andrew Hell, The Forgotten Frontier. History of the Sixteenth Century Ibero African Frontier, Chicago and London, 978.

11 ت] الهيمنة هذه من المغرب األقصى س ر ة دول مترامية األطراف تقوم شرعيتها أساسا والسيما فيما يخص المرابطين ] [ والموح دين ] [ على إصالح ديني عميق وعلى الجهاد الموجه ضد سكان المناطق اإلسالمية من الذين ي عد ون كف ارا أو أصحاب بدع وكذلك ضد الممالك المسيحية في شبه الجزيرة اإليبيرية. وي ظهر االسم الذي حملته كلتا الساللتين مالمح مشروعهما. وهكذا استطاع المرابطون والموحدون بواسطة إصالح ديني صارم مشفوع بحركة عسكرية نشطة تحت غطاء الجهاد أن ينجحوا في بناء إمبراطورية إقليمية قوية ومستقلة. اندفعت حركة المرابطين القائمة على نزعة "تصوف" نشط ومذهب سني مالكي وعقيدة حنبلية تحت قيادة عبد اهلل بن ياسين ]ت 867 [ نحو غزو شنقيط والمغرب األقصى وجزء كبير من المغرب األوسط واألندلس. لكن هذا المسعى ذا الطابع التوحيدي والساعي إلى الهيمنة لم يتجاوز اإلطار اإلقليمي وبقي محافظا. فعوض أن يعلن خالفة مغربية على شاكلة األمويين ] [ والفاطميين ] [ فض ل األمير المرابطي يوسف بن تاشفين ] [ أن يتحر ك تحت التبعية االسمية للخليفة العباسي الزعيم الروحي ألهل السنة. وقد قام هذا األخير مقابل ذلك بإضفاء الشرعية على م ل ك ابن تاشفين ومباركة عمله بمنحه لقبي أمير المسلمين وناصر الدين. أما الحركة الموحدية ورغم اندراجها في المسعى التأسيسي لإلصالح الديني وللجهاد فقد تم يزت عقائديا عن سابقتها. استندت الحركة التي أس سها محمد بن تومرت 886[ وهو الذي اتخذ لنفسه لقب المهدي على عقيدة توليفية يمتزج فيها التوحيد المعتزلي بالتفسيرات النصية للظاهرية والعقائد المهدوية للشيعة والمقوالت الفلسفية. وقد تمكنت هذه الحركة التي كانت تعتبر نفسها الوريثة الشرعية للخالفة االسالمية الراشدة أن تبني دولة محكمة التنظيم ومستقلة وتعتمد مشروعا توس عيا ال يهدف فقط إلى غزو المغارب بل يتعداه إلى إعادة توحيد دار اإلسالم. وقد قام عبد المؤمن بن علي ] [ م ريد ابن تومرت وخليفته والذي اتخذ جميع ألقاب وشارات 8

12 الخالفة بغزو بقاع كثيرة تمتد من األطلسي إلى حدود برقة ومن األندلس إلى حدود الصحراء. ال شك أن ما حر ك هذه اإلرادة في الهيمنة اإلقليمية هي أسباب دينية وسياسية دون األسباب إغفال االقتصادية الجلية كالرغبة في السيطرة على الشبكات التجارية الجذابة تلك التي تربط بين المتوسط وجنوب الصحراء. يسعون من خالل التوس ع نحو الجنوب إلى االستيالء وبينما كان المرابطون على أماكن إنتاج السلع كان الموحدون من خالل توس عهم نحو الشرق يحاولون السيطرة على نقاط وصول تلك السلع قبل تصديرها إلى أوروبا والمشرق. ويبقى التوسع نحو الشمال للسيطرة على مضيق جبل طارق والدفاع عن الحدود الشمالية لدار اإلسالم هو القاسم المشترك بين حركات التوسع لكلتا الدولتين. الموحدي بظهور بنية وقد انطبعت حركية الغزو المرابطي وخاصة الغزو للم ر ك زة نسم يها تجاوزا 5 "المخزن". هكذا بزغت في القرن الثاني عشر خالفة غربية متكاملة األركان مركزها المغرب األقصى كالتي سعى إلى تأسيسها أموي و األندلس والفاطميون. لقد أذنت معركة العقاب سنة 88 بنهاية هذا التنظيم للفضاء المغاربي. الهزيمة العسكرية دخل الحكم الموح دي في أزمة سياسية دينية عميقة بسبب فب عيد هذه مشاكل بنيوية متعددة مثل حروب التوريث وحركات التمرد والنزعات االنفصالية والقالقل القبلية والكوارث الطبيعية والتغير السكاني بدخول العنصر البدوي. األمر الذي أفضى بالتدريج إلى سقوط الساللة الحاكمة وانشطار الفضاء المغاربي إلى أقسام ثالثة ستؤطر سيرورته التاريخية في الق طرية. العصور المقبلة: إن ه ظهور الكيانات السياسية فبينما سقطت األجزاء الشرقية والوسطى واألندلسية من اإلمبراطورية في أيدي الحفصيين ]8754-8[ وعبد الواديين ] [ والنصريين -8[ عاد فقد 844[ حكم المغرب األقصى إلى المرينيين.] [ وعلى خالف 5 Mohamed Kably, «À propos du Makhzen des origines : cheminement fondateur et contour cérémonial», Maghreb Review, vol. 0, nº, 005, p. -. 9

13 سابقيهم لم يكن لهؤالء أي مشروع قائم على إصالح ديني وعلى الجهاد وهما مصدرا الشرعية األساسيان منذ أكثر من قرنين. كان نقص الشرعية إحدى الثوابت البنيوية للفترة المرينية وقد أجهد سالطين الساللة الحاكمة أنفسهم لسد هذا الخصاص. وبوضع أنفسهم تحت قيادة الحفصيين في مرحلة أولى كان المرينيون يبحثون عن شرعنة حركتهم باسم الشرعية الموح دية. ولكن التوق إلى االستقالل الذي أبداه بنو مرين سرعان ما دفع بهم إلى البحث عن أسس جديدة للشرعية. فحاولوا منذ تمك نهم من األمر بحكم وعيهم بأن الجهاد كان أداة شرعنة قوية أن يحملوا مشعل الجهاد المرابطي والموحدي في األندلس من جديد. وعلى الصعيد السياسي الديني السالطين سعى المرينيون إلى القضاء على المذهب الموح دي وذلك بتقديم دعم شبه مطلق إلى علماء المالكية الذين كانوا على عالقة تزداد متانة على وجه التدريج بالحركة الصوفية الصاعدة. كما أنهم دشنوا سياسة شريفية أي سياسة "تقديس حقيقي" آلل البيت النبوي أو المعتبرين كذلك كانوا يهدفون من ورائها إلى استمالة العلماء والمتصوفة واستقطاب فئة المجتمع وقطع الطريق أمام الم تطل عين إلى واسعة وذات مكانة في الحكم باسم حقوق آل البيت مهما كانت 6 خلفياتهم العقدية من تصوف أو مهدوية أو نسب أو مجتمعة. ويمكن اعتبار اتخاذ فاس حاضرة األدارسة مركزا للسلطة المرينية بمثابة التجسيد لهذا الحلف الجديد بين علماء المالكية واألشراف والحكام المرينيين. هذا ويجب اإلشارة إلى أن السلطة المرينية حافظت بصورة كبيرة على الهياكل السياسية والحضارية الموح دية ودعمتها. وقد ول دت هذه الحركي ة السياسية والعسكرية إرادة صادقة لدى السالطين المرينيين في المركزة السياسية وإضفاء نوع من القداسة على حكمهم ورغبة في إعادة تشغيل مشروع الخالفة الغربية. وقد بدأ هذا المشروع فعال بحصار تلمسان عام 844 وبلغ مداه عند االستيالء على تونس سنة.845 ولكن في الواقع لم تكن سياسة المركزة 6 حول السياسة الشريفية للسالطين المرينيين وآثارها السياسية والدينية انظر Mohammed Kably, Société pouvoir et religion au Maroc à la fin du Moyen Âge 9-0 ; نفسه "مساهمة في تاريخ التمهيد لظهور دولة السعديين" مجلة كلية اآلداب بالرباط عدد ص

14 والشرعنة والهيمنة هذه إال فاصلة امتدت ما يناهز الخمسين سنة ضمن المائتي عام التي عمرها البيت المريني. وإذا كانت البنية السياسية ذاتها للسلطة المرينية التي تقوم كما بي ن ذلك محم د قبلي على السيطرة التحالفية وعلى التوزيع األفقي للسلطة غير مالئمة لمشاريع الهيمنة التي أمضاها السالطين فإن فشل الجهاد في األندلس والمقاومة التي أبدتها اإلمارات المحل ية تفس ر هي األخرى عدم نجاح المشروع المريني. ورغم أن ه لم يتم التخلي عن هذا المشروع على األقل من الناحية الرسمية فإن الخالفة الغربية قد أخلت مكانها لدولة ق ط رية بداية من سنة 875. وبالتزامن مع تراجع المريني ين إلى حدود المغرب األقصى بالمعنى الدقيق للكلمة دخلت البالد في أزمة سيكون من العسير عليها الخروج منها. وسيبدأ هذا المسار بأزمة ح ك م ترتبط بآليات التوريث المغذ ية لالنقسامات العائلية والمشجعة لتدخ ل الفاعلين المحليين والد وليين ثم بتكاثر االنقالبات داخل القصر فخروج السلطة الفعلية بالتدريج من أيدي السالطين فتمر دات القبائل المنذرة بالنزعات االنفصالية المستقبلية. وقد نتج عن المباالة السلطة ومن بعد ذلك تهر ئها تفت ت سياسي وترابي بدأ في األطراف التي عانت طويال من اإلهمال. ولم تفعل التدخالت األولى للقوات اإليبيرية في األراضي المغربية حيث تم استباحة تطوان سنة 8466 واالستيالء على سبتة سنة 8487 غير تأكيد هذا الغياب للسلطة وتأجيج السخط بين الر عية والنخب. لم يكن في استطاعة السلطات المرينية التي لم تعد تسيطر إال بطريقة باهتة على شمال المغرب األقصى أن ت ت بع التحو الت السياسية الدينية العميقة التي تعصف برقعة كبيرة من البالد. فإلى جانب التصو ف الذي اكتسب بفضل بساطته وعزوفه عن السياسة مجمل البالد فإن الشريفية قد تطو رت تطو را عظيما بفضل إعادة إحياء شعائر التبر ك بإدريس األو ل وإدريس الثاني ]548-54[ ]-6[ وبفضل انصهارها في 7 التصو ف حيث انتهى بها األمر إلى االنعتاق من سيطرة القائمين عليها من المرينيين. والدليل على ذلك هو أن التمرد الذي أد ى إلى اإلطاحة بآخر سالطين المرينيين سنة 7 Herman Beck, L image d Idris II, ses descendants de Fâs et la politique sharîfienne des sultans marinides [58-465], Leyde, 989.

15 كان يتزعمه شريف إدريسي. ورغم ما شاب العقود األخيرة من الحكم المريني من ضعف وفوضى "تبقى الحقيقة التي ال مراء فيها أن تحت ظل هم تم إدخال األفكار والهياكل السياسية المعززة للوحدة القطرية والجغرافية لما سيصبح عليه 9 المغرب األقصى في العصر الحديث". لم تفلح المحاولة اإلدريسية لالستيالء على السلطة. ولم تتجاوز سلطة سيد فاس الجديد ضواحي المدينة أبدا وذلك ألن قاعدته االجتماعية التي كانت أساسا قاعدة حضرية ال تسمح له بالذهاب إلى أبعد من ذلك. وكرد فعل على هذا االنقالب قام محمد الشيخ الوط اسي وهو أحد أقارب آخر سالطين بني مرين وابن الوزير أبي زكرياء يحيى بإعالن نفسه وريثا شرعيا لألسرة الحاكمة. ونظرا الستقوائه بشرعية وبالمساندة التي لقيها من التحالف القبلي المريني-البدوي فقد الحكم. أزمع على "تاريخية" "استعادة" واستغرق األمر أكثر من خمس سنوات من الحروب الداخلية والتنازالت للبرتغاليين الموجودين على السواحل المغربية منذ فاس وإعالن نفسه سلطانا سنة 845. تعزيز بعد 8487 ليتمك ن من الكافر والمرابط والشريف: ظهور بيت األشراف االستيالء موقعهم في شبه الجزيرة اإليبيرية وتقد م حروب االسترداد قام على اإلسبان والبرتغاليون بتوجيه أنظارهم صوب السواحل المغربية المطلة على البحر المتوسط. وقد كانت هذه السواحل منذ فترة طويلة خارجة بصورة كاملة عن السلطة المركزية وت مث ل خطرا ممكنا على السواحل اإليبيرية وذلك ألن العديد من موانئ هذا الساحل خاصة تطوان قد صارت أوكارا للقراصنة أو المجاهدين البحريين بالتعبير المحلي. وكانت غارات هؤالء القراصنة متواترة وعنيفة ما دفع بالسلطة اإلسبانية إلى الضرب بيد من حديد. ففي سنة 8466 نزل الملك هنري الثالث ] [ على الساحل 8 Mercedes García-Arenal, «The Revolution of Fâs in 869/465 and the Death of Sultan Abd al-haqq al-marînî», Bulletin of School of Oriental and African Studies, vol. 4, nº, 978, p Maya Shatzmiller, «Marînides», EI, t. VI, p. 559.

16 المغربي وقام بنهب وتدمير مدينة تطوان واقتياد أهلها أسارى. وقد كان لرد الفعل المريني المحتشم على هذا العمل الجريء عواقب وخيمة على المدى المتوسط. فلئن لم تكن لفعلة هنري الثالث أي امتدادات مستقبلية فإنها كشفت تهافت الدولة وسهولة اختراق واحتالل أراضيها وهذا ما سيشجع البرتغاليين على تبني مشروع توسعي في 0 المغرب تت ضح معالمه مرحلة بعد أخرى. كان البرتغاليون وهم مدفوعون بتصور مثالي للحرب الصليبية باإلضافة إلى الطمع في الربح والمجد ي خططون للسيطرة على مضيق جبل طارق باحتالل األراضي اإلفريقية المطل ة عليه. لذلك ات جهت أنظارهم بصورة طبيعية إلى سبتة التي كانت منذ قرون محطة نهائية للقوافل التجارية االتية من الصحراء وغيرها. فاحتالل المدينة يمكن أن يعود عليهم بمكاسب رمزية ومادية كبيرة لذا قر روا القيام بغزوة دخل في خاتمتها الملك جان األول ]84-87[ المدينة منتصرا في 8 غشت شج ع عجز المرينيين عن التصدي للفوضى التي عمت البالد وشل ت مفاصل الد ولة البرتغاليين على المضي ق دما في مشروعهم. فبعد النجاح في احتالل جزر األصور و ماديرا ورأس بوجدور ووادي الذ هب اندفع الملك ادوارد األول ]84-84[ بتأثير من األمير هنري المال ح الذي كان قد وضع خطة لالستيالء على المغرب إلى غزو طنجة سنة 845 ليتحكم في المضيق بشكل نهائي. وقد انقلبت الحملة إلى كارثة مم ا أبعد البرتغاليين عن الفضاء المغربي الذي سيغرق مجد دا في الفوضى ألكثر من عاما. عشرين ومع ذلك فقد تواصلت في الساحل اإلفريقي البعثات االستطالعية المشفوعة بمكاسب كبيرة. بل إنها قد نالت بركة العديد من المراسيم البابوية التي كان 0 حول الحضور البرتغالي في المغرب انظر Robert Ricard, Études sur l histoire des Portugais au Maroc, Coimbra, 955 ; le même, «Les Portugais et le Sahara atlantique au XV e siècle», Hespéris, t., 90, p ; le même, «L occupation portugaise d Agadir, », Hespéris, t., 946, p. 9-0 ; Luiz de Sousa, Les Portugais et l Afrique du Nord de 5 à 557, Lisbonne, ; أحمد بوشارب دك الة واالستعمار البرتغالي الدر البيضاء 844 نفسه وثائق ودراسات عن الغزو البرتغالي ونتائجه الرباط 8445.

17 أهمها مرسوم رومانوس بونتيفيكس.8474 ]Romanus pontifex[ الصادر في يناير قام الملك ألفونسو الخامس ]848-84[ بتنشيط السياسة المغربية. ففي سنة 847 هاجم أسطول برتغالي كان موج ها في بادئ األمر ضد العثمانيين الذين استولوا قبل خمس سنوات على القسطنطينية ميناء القصر الصغير. وكانت هذه العملية تهدف على األرجح إلى تعزيز السيطرة على المضيق وتوفير الحماية لسبتة وتيسير االستيالء على مدينتي طنجة وأصيلة اللتين بقيتا صامدتين. وبعد زمن قصير هاجم البرتغاليون ميناء آنفا الذي ستتم تسميته بالدار البيضاء. ومن المرج ح أنه على وقع هذه الحوادث انفجر تمرد فاس وخ لع آخر ملوك بني مرين سنة وقد كان الصراع الدامي على السلطة أو ما تبق ى منها بين الوط اسيين واألدارسة يصب بصورة جلي ة في مصلحة البرتغاليين. ففي سنة 8458 نزل هؤالء ظافرين بأصيلة وطنجة المدينتين اللتين طالما كانوا يتوقون لضمهما لعقد ملكهم. وهكذا تم تأمين السيطرة على مضيق جبل طارق وعلى الفضاء الذي يربط بين منطقة الغرب البرتغالية وجزر ماديرا وجزر األصور. أثارت المغامرة البرتغالية الناجحة شراهة كل من قشتالة وأراگونة اللتان كانتا تتجهان نحو ات حاد بي تي ملكهما بعد زواج فيرديناندو من إيزابيال سنة فبينما كانت مملكة أراگونة سيدة جزر الحوض الغربي من البحر المتوسط وجنوب إيطاليا تسعى إلى تحييد الموانئ المغربية لمراقبة حركة المالحة البحرية وعزل األندلسيين عن محيطهم اإلسالمي فقد كانت مملكة قشتالة تسعى لحماية جزر الكناري وتوفير عمق استراتيجي لها على الساحل المغربي. ولتحقيق أهدافهما لم يترد د الملكان الكاثوليكيان في الدخول في صراع مع البرتغالي ين وعقد تحالفات مؤقتة مع الوط اسيين للضغط عليهم كما جرى سنة وانتهى األمر بالنجاح والحصول على موطئ قدم في 4

18 جنوب المغرب بوادي نول حيث أس سوا سانتا كروز دي مار بيكينا. وكان لهذا الصراع التوسعي نتائج وخيمة على المغرب فبحلول السنوات األولى من القرن السادس عشر كانت أغلب المدن البحرية خاضعة لالحتالل اإليبيري. ترك محمد الشيخ الوط اسي السلطنة عند وفاته عام 8767 في وضع ال ت حسد عليه. وكان على خليفته أن يواجه مشاكل داخلية وخارجية على كافة األصعدة. جزء كبير من البالد خارجا عن سيطرة السلطة المركزية. تحت سيطرة اإليبيريين ما عدا مرسى الرباط-سال السيطرة منذ عقود. فقد كان فقد كانت المدن الساحلية والمناطق الجنوبية خارجة عن بينما كانت مدن وقرى وقبائل سوس والواحات الصحراوية تحت نظر الزعماء المحل يين وعرضة البتزاز القبائل البدوية والبرتغاليين فإن منطقة مر اكش كانت خاضعة لتحالف القبائل الهنتاتية. التفك ك السياسي. على فكرة الجهاد: ولم ينج شمال البالد أيضا من هذا ففي قلب منطقة النفوذ الوطاسي ظهرت ثالث إمارات كانت قائمة بنو راشد في شفشاون وبنو عروس في القصر الكبير وضواحيها واألندلسيون في تطوان بقيادة عائلة المنظري. بانتزاع منطقة دبدو من سلطة فاس. األطلسي قد أمست خاضعة إلى التاج البرتغالي. إال سلطة إسمية على جزء كبير من البالد. لم يكن الوضع االقتصادي للبالد أفضل حاال. أما في الشرق فقد قام أمير مريني وعالوة على ذلك فإن الكثير من قبائل الساحل وهكذا لم يكن لولي األمر الوطاسي وال يدع الوصف الدقيق الذي وضعه مثال الحسن الوزان ]ليون اإلفريقي[ في وصفه للمغرب في أوائل القرن السادس عشر أي مجال للش ك. ففضال عن الصراعات العسكرية المستمر ة تسب بت الكوارث الطبيعية مثل الجفاف واألوبئة التي ضربت البلد طوال القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر إلى نزيف سكاني والسيما في األرياف. وقد أث ر االنخفاض في سكان Pierre de Cenival et Frédéric de La Chapelle, «Possessions espagnoles sur la côte occidentale d Afrique : Santa-Cruz de Mar Pequeña et Ifni», Hespéris, t. XXI, 95, p Pierre de Cenival, «Les émirs des Hintata, rois de Marrakech», Hespéris, 98, p

19 األرياف وانعدام األمن في النشاط الزراعي الذي تراجع في أغلب المناطق لفائدة تربية الماشية. وقد بي ن حميد التريكي و برنار روزنبيرگير أن تراجع النشاط الفالحي وهو النشاط االقتصادي األساس للبالد 4 المخزن متسب با في انكماش مجال حركته. قد أنقص بصفة ملحوظة من عائدات ويمكن إبداء نفس المالحظة عن الحرف اليدوية والصناعات المعملية. وقد عانت التجارة الصحراوية هي األخرى من االنقسام الترابي ومن انعدام األمن في الطرق التجارية ومن المنافسة البرتغالية. الساحل استثناء وذلك بفضل المبادالت التي تقوم بها مع البرتغالي ين. ومث لت قبائل بعد أن تعرفنا على الحالة السياسية واالقتصادية التي كان يعيشها المغرب في مطلع القرن السادس عشر من الضروري أن نتعرف على التيارات الدينية المحلية باعتبارها تؤطر وتحرك جزءا كبيرا من الحياة الخاصة والعامة ويلعب المستأمنون عليها أدوارا طالئعية في مختلف المجاالت. كن ا قد ألمحنا ووريثه الوطاسي أعاله سياسة دينية نشطة. إلى الخصاص العقدي الذي كان يعاني منه المريني النظام مم ا دفع بسالطين هذا البيت منذ نهاية القرن الثالث عشر إلى ات باع ونظرا لغياب عقيدة سياسية فقد جهد السالطين في إبرام تحالفات مع القوى الدينية الموجودة على الساحة وإدامتها. ومحصول القول إن المعترك الديني المغربي في تلك الفترة كان محكوما بثالثة تيارات مثالية أي أنها ال تكون إال مختلطة في الواقع: المالكية والمهدوية والصوفية. ولتحييد التشد د "النضالي" للتصو ف وتهميش المزايدة "الن س بية" و"الثورية" للمهدوية اختار المرينيون التحالف مع فقهاء المالكية ألن ذلك التحالف هو األقل كلفة بالنسبة إليهم واختلقوا بصورة شبه كاملة شريفية وصوفية على مقاسهم. وما لم يكن في فيما يخص الوضع االقتصادي بالمغرب في بداية هذا القرن انظر دراسة لويس ماسينيون التي لم تفقد صالحيتها رغم قدمها: Louis Massignon, Le Maroc dans les premières années du XVI e siècle : tableau géographique d après Léon l Africain, Paris, Bernard Rosenberger et Hamid Triki, «Famines et épidémies au Maroc aux XVI e et XVII e siècles», Hespéris-Tamuda, vol. 4, 97, p et vol. 5, 974, p

20 ت] حسبان المرينيين هو أن سياسة الشرعنة هذه ستؤول بعد عملية طويلة وتطوير حركات ستكون فيما بعد سبب سقوطهم. وإذا كانت التصو ف قد امتد المهدوية قد بقيت محصورة لفترة إلى خلق 5 في جبال الشمال والجنوب نحو البادية وانتشر بين سكان المراكز الحضرية. فإن انتظم المتصوفة بالتدريج ضمن طوائف محلية تتبع كلها رابطة شيخ مؤس س: المرابط. وقد أد ى تطو ر هذه الهياكل إلى والدة "مؤسسة توليفية" هي الزاوية والتي أصبحت منذ القرن الخامس عشر مؤس سة اجتماعية-اقتصادية قائمة على أساس ديني. ترك زت هذه الزوايا في العديد من مناطق البالد الدوائر المالكية واالنتشار فيها خاصة في الجنوب. ليصبح جزءا ال يتجز أ منها. بل إن التصو ف نجح في اختراق وعالوة على البعد الروحي لهذه المؤسسات الصوفية فإنها قد ساهمت في األسلمة النهائية لألرياف وفي توطين العديد من القبائل البدوية وتحكيم المنازعات وتأمين العديد من نقاط االت صال 6 األمر الذي آل بها في بعض المناطق إلى أن ت عو ض السلطة المركزية. وحاولت السلطات المرينية ومن بعدها السلطات الوطاسية أن تستفيد من هذا الصعود الكاسح للمؤسسات الصوفية لتكتسب أساسا جديدا للشرعية. منذ النصف الثاني من القرن الخامس عشر وعلى امتداد القرن السادس عشر اقتسم تياران صوفيان ينتسبان إلى الشاذلية الفضاء االجتماعي-الديني المغربي وهما الزر وقية والجزولية. اعتمد أن زر وق أحمد ]ت 844 [ مستلهما األفكار الصوفية اإلصالحية البن عباد الرندي ]8405 وهما من ممث لي تقليد مغربي طريقة ن خبوية تقوم على وحدة الشريعة والحقيقة أندلسي متجذر. ]ت 846 [ ومحمد القوري فبالنسبة إليه كان رجوع العصر الذهبي لإلسالم يقف على إعادة فتح باب االجتهاد الفقهي وتنقية العقيدة. لذلك أدان بشد ة الممارسات الدينية الشعبية خاصة شفاعة األولياء. األداتين المناسبتين إلصالح المجتمع وتجديد اإلسالم هما وكان يؤك د أيضا على التربية والعلم. ولكن 5 Halima Ferhat et Hamid Triki, «Faux prophètes et mahdis dans le Maroc médiéval», Hespéris-Tamuda, vol. 6-7, , p محمد المازوني "رباط تيط من التأسيس إلى ظهور الحركة الجزولية" نفسية الذهبي ]مشرفة[ الرباطات والزوايا في تاريخ المغرب ص

21 ينبغي إبعاد هذا المسلك اإلصالحي عن المجال السياسي. فقد كان زر وق يقول باعتزال السياسة وطاعة أولياء األمر ما لم يتعم دوا انتهاك أحكام الشريعة. وبناء على ذلك فقد اعتبر كل تمر د على سلطان الوقت مهما كانت أصوله ومبرراته وغاياته فعال غير شرعي. فهو مثال يرفض التمرد وإن كان بحجة تولية واحد من ذر ية النبي رغم اعترافه لألشراف بتفو ق اجتماعي ديني على بقية المسلمين. إن هذا األمر ي فس ر جيدا معارضته لخلع آخر الملوك المرينيين سنة 8407 ورفض أتباعه مثلما سنرى تنحية آخر الملوك الوط اسيين واالعتراف بالسلطة األشراف سنتي 8744 و وأخيرا كان زر وق يرفض المهدوية طامعين في الم لك. ويدين مد عيها الذين لم يكونوا حسب رأيه إال متنط عين وقد كان لألفكار اإلصالحية لزر وق بعد وفاته بسنوات وقع حسن عند النخبة الدينية الحضرية في المغرب وخاصة في فاس بفضل تشجيع السلطات الوط اسية 7. وعلى خالف الطريقة اإلصالحية الزروقية فقد ات بع مؤس س الجزولية مسلكا آخر. محمد بن سليمان ]ت 8407 [ فبفضل مزج وتنظيم ظواهر صوفية ومهدوية مختلفة كانت موجودة داخل المعترك الديني السياسي المغربي أضحى باستطاعة محمد بن سليمان الجزولي أن يضع طريقة وأن ي طو ر حركة سياسية-دينية ستكون مدعو ة للعب دور بارز في المجال االجتماعي المغربي بداية من النصف الثاني من القرن الخامس عشر وعلى امتداد القرن السادس عشر. كانت عقيدة الجزولي بسيطة تقوم على احتكار الميراث النبوي. كان محمد بن سليمان في اآلن نفسه شريفا ينحدر من نسل النبي وقطبا وبعبارة أخرى فقد ينحدر من ساللته الروحية فهو نائبه ومستودع معارفه وأسراره الباطنية وهو مجدد الدين والشريعة وهو المهدي الذي سيمأل األرض عدال بعد أن ملئت جورا. ولذلك لن 7 أحمد زروق قواعد التصوف في الجمع بين الشريعة والحقيقة القاهرة 679 نفسه رسالة في أصول الطريقة الصوفية دمشق 8447 علي خ شيم أحمد زروق والزر وقية بيروت 66 عبد اهلل النجمي "بين زروق ولوثر: في اإلصالح الديني والعصور الحديثة" نفيسة الذهبي ]مشرفة[ الرباطات والزوايا في تاريخ المغرب ص Georges Colin, «Sayyidi Ahmad Zarruq», Estratto dalla revista della Tripolitania, anno, nº, 95. p

22 نستغرب أن ي سم ي أتباعه طريقتهم بالطريقة الم حمدية وأن نرى بعضهم يعد ون أنفسهم ورثة النبو ة الحصريين أي أنهم يحتكرون الحقيقة المؤدية إلى النجاة في الدارين. وهذا مسلك عادي درجت عليه الكثير الفرق والنحل منذ صدر اإلسالم. وهكذا تمك نت الجزولية من استثمار أهم األفكار الدينية السياسية المنتشرة في البالد منذ عقود عد ة وجعلها عقيدة متماسكة لتجييش مخيال الناس ومشاعرهم وكسب مواالتهم وهم الذين كانوا معتادين على مثل هذه المفاهيم. وفضال عن األساس العقدي الذي سيستولي عليه بيت األشرف خاص ة على عهد أحمد المنصور فإن الجزولي وأتباعه استطاعوا إقامة شبكة طرقية شديدة االمتداد وهي شبكة سيتم استعمالها من 8 طرف مؤس سي الم ل ك الشريفي. ومهما بلغت من قوة تنظيمية وحظوة عند الناس لم يكن باستطاعة الطرق الصوفية بمفردها مواجهة الحضور اإليبيري والفوضى السياسية والضائقة االقتصادية والمرج االجتماعي. فقد وصلت وطأة هذه األزمة العامة إلى أشدها في السنوات األولى من القرن السادس عشر حتى ظن الكثير من الناس الذين كانوا غالبا ما يفسرون األحداث من منظور ديني أن وقت الساعة قد أزف وال سيما في المناطق الجنوبية من البالد التي تضررت بشدة من جراء الكوارث الطبيعية واالقتتال الداخلي والوجود البرتغالي. ولذلك يجب أن ال نستغرب من انتشار العديد من النبوءات بين الخواص والعوام مفادها أن زمن ظهور المهدي قد آن. وكل نا يعلم ما يختزله مفهوم المهدي في المخيلة اإلسالمية من معاني التغيير والعدل والرخاء. هذا وفي تگمد ارت الجو المشحون في منطقة درعة ظهرت المعلومات األولى عن شريف غامض 9 اسمه محمد بن محمد بن عبد الرحمان. واحة من في البداية لم يكن هناك ما ينبئ بأن هذا الرجل سيكون مؤس س ملك عريض. ورغم أن المعلومات 8 EI, t. III, p. 540 ; Vincent Cornell, Realm of the Saint : Power and Authority in Moroccan Sufism, p ; لطفي عيسى "المضاعفات االجتماعية والسياسية لتجربة التصوف بالمغرب األقصى خالل القرنين 87 و 80 : الطائفة الجزولية نموذجا" المجلة التاريخية المغاربية عدد ص Diego de Torrès, Histoire des chérifs et des royaumes de Maroc, de Fez, de Tarudant et autres provinces, dans L Afrique de Marmol, t. III, p. 5. 9

23 حول هذه الشخصية الغامضة والطموحة على حد تظل شحيحة ومجز أة فإننا نستطيع إعادة بناء الخيط الرابط لحركته. في اتصال وثيق مع الحركة الجزولية كان محمد بن محمد بن عبد الرحمان فقيها من فقهاء األطراف ي در س العلوم الشرعية لألطفال بالزاوية العائلية المسم اة ب"زاوية 0 األشراف". ونظرا "لتضل عه" كانت من اختصاص المرابطين ذوي الكرامات في علوم الباطن والسحر والجفر تلك العلوم التي فقد اختار حياة المرابط المجاهد والناشط في اإلصالح الجزولي وذلك في إطار مبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإلضفاء صبغة شرعية على رسالته التي ال شك في إيمانه الشديد بها واستكمال تعليمه الشرعي فقد خرج حاجا إلى مك ة. وفي طريق العودة أظهر حماسة استثنائية في الد عوة ال يمكن إال أن ت ذك رنا كما ألمح إلى ذلك بعض الباحثين بمسار محمد بن تومرت مهدي الموحدين. ويبدو أن إقامته في الشرق قد رفعت من معنوياته وأمد ته بأفكار جديدة ساعدته في االنخراط بقوة في النشاط الديني-السياسي حال عودته إلى مسقط رأسه حيث انطلق في حملة دعائية مكث فة بين النخب والعامة على حد سواء قام فيها بإعادة توظيف مفهوم النبوءات المتصلة بالمهدي المترسخة في جنوب المغرب معطيا إياها مضمونا "متفائال". وتتلخ ص بشارته في كون أبنائه م عي نين منذ األزل لحكم المغرب كل ه بل حكم ما وراء حدوده بغرض إعادة الوحدة واألمن والسالم والعدل إلى البالد 4 والعباد. إننا في هذا المقام بعيدون عن تشاؤم بعض النبوءات القيامية التي كانت تهيمن في ذلك الوقت على المعترك الديني-السياسي المغربي. موضع استحسان مرابطي المنطقة الذين سارعوا إلى مساندة الشريف. وكانت هذه األفكار 0 Marmol, L Afrique de Marmol, t. I, p. 44. Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. 5 ; al-janâbî, al-bahr al-zakhkhâr wa al- aylam al-tayyar, trad. E. Fagnan, Extraits inédits relatifs au Maghreb, p. 9. Marmol, L Afrique, t. I, p. 444 ; al-janâbî, al-bahr al-zakhkhar, p. 40. Mercedes García-Arenal, «Mahdî, Murâbit, Sharîf : l avènement de la dynastie sa dienne», Studia Islamica, nº 7, 990, p Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. 5 ; al-janâbî, al-bahr al-zakhkhar, p. 40 ; مجهول تاريخ الدولة السعدية التگمدارتية ص 8 اإلفراني نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي ص

24 وقد قام الشريف والذي لم يترك ال شاردة وال واردة لمحض الصدفة بتكوين أبنائه تكوينا دينيا وفكريا جيدا األمر الذي سيعود بالنفع على مخط طاته السياسية. ولذلك فقد عهد بالتكوين األو لي البنيه موالي أحمد وموالي محمد ألشهر المراجع العلمية الجزولية في البالد. لم يكن هذا االختيار هي نا إذ كان يهدف إلى نسج عالقات متينة مع الجزولية وإلى االستفادة من شبكة أتباعها. عليهم الشريفين إن الشابين تبين عن استراتيجية التقارب المت بعة كثرة الشيوخ الجزوليين الذين درس من طرف ابن عبد الرحمان إزاء القي مين على أقوى طرق المغرب األقصى الذين يتوس م فيهم القدرة على 5 تحريك شبكة أتباعهم ومريديهم عندما تحين ساعة الصفر. و"بغرض إعالء صيت 6 ابنيه بين الناس" قام الشريف بإرسالهما إلى الحج حوالي سنة وإلتمام المسار وإغناء الرصيد الرمزي للشابين كان البد من إرسالهما لي تم ا تكوينهما الشرعي 7 واألدبي بمدينة فاس. المالكي وأصحاب كلمة نافذة في المجتمع. الناحية العلمية والسياسية. 8 السياسية في البالط الوط اسي. وقد كان علماء هذه المدينة م جم ع على كونهم المذهب سدنة لذلك كان االتصال بهم بالغ األهمية من كما أن اإلقامة بفاس م ناس بة الكتساب شيء من التجربة ويبدو جليا أن العمل الذي كان يقوم به السياسي للشريف ابن عبد الرحمان على األقل في بداياته لم يكن يتعد ى المجال المحل ي وال يختلف عن الحركات المناضلة التي قام 9 بها معاصروه من الم تصوفين مثل الشيخ محمد المغيلي التلمساني. فالشريف لم يكن ابن عساكر دوحة الناشر لمحاسن من كان من مشايخ القرن العاشر ص 8 وص 4-48 ابن القاضي المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور ص 45-0 نفسه در ة الحجال في معرفة أسماء الرجال ج 8 ص Marmol, L Afrique, t. I, p Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p Henri de Castries, Sources inédites de l histoire du Maroc [SIHM], Angleterre, t. I, p. 47 ; Marmol, L Afrique, t. I, p حول هذه الشخصية انظر EI, t. V, p. 55 ; Abd-Al- Aziz Abd-Allah Batran,«A Contribution to the Biography of Shaikh Muhammad Ibn Abd-Al-Karim Ibn Muhammad [ Umar-A Ma] Al-Maghili, Al- Tilimsani», The Journal of African History, vol. 4, nº, 97, p

25 0 إذن إال مكافحا إلقرار وتطبيق مثله العليا مثل الكثير من معاصريه. البرتغاليين 8767 لخليج أگادير وإنشاء مستوطنة سانتا كروز دي گييو دي كابو لكن احتالل وفي عام والذي تسبب في مزيد من الفوضى والذعر في منطقة سوس أعطى على ما يبدو بعدا جديدا لمسار الشريف. لقد استغل الشريف هذا الوضع استغالال تاما لكسب تأييد كبار المتصوفة في المنطقة وهم الذين كانوا يواجهون صعوبات حقيقية في استعادة النظام وردع البدو الذين كانوا يقطعون الطرق ويسلبون القرى والمدن وقيادة الجهاد ضد المسيحيين. فهذه الجهود رغم أهميتها لم ترقى إلى المستوى المطلوب لكونها معزولة جغرافيا وسياسيا واجتماعيا. إن عمال بهذا الحجم كان يفترض حركة م و ح دة تحت إمرة قائد واحد. وبالرغم من أن العديد من مشايخ الجزولية في سوس كانوا يمتلكون رأسماال رمزيا معتبرا وإشعاعا محليا ال غبار عليه فمن المرج ح أن ال أحد منهم كان قادرا على توحيد القبائل حول شخصه وذلك بسبب المشاكل القبلية. ففضال عن مشاكل الزع امة التقليدية فإن هذا العجز عن توحيد الصفوف كان ي خفي تغييرا هيكليا رئيسا: العصبية الخلدونية لم تعد قادرة لوحدها على أن ت سند مشروعا توحيديا ذا طبيعة مركزية مثلما كان األمر مع المرابطين والموح دين. أظهر محدوديته بصفة جلية: أضف إلى ذلك أن النموذج المريني للهيمنة التحالفية قد إن الطبيعة الفوق قبلية للشرف هي ما دفع بالصلحاء الجزوليين وبشيوخ العشائر في سوس إلى بدء المفاوضات مع الشريف محمد بن محمد بن عبد الرحمان. سوس قبائل بايعت المصادر وبعد محادثات وتجاذبات مطو لة نجهل تفاصيلها لقلة الشريف وات خذ الزعيم الجديد لقب القائم بأمر اهلل. بإيعاز من أرباب الزوايا وذلك نحو مع اقتراب نهاية القرن الخامس عشر ت سج ل المصادر حركة ما ال يقل عن ثالثة من مد عي المهدية في مختلف أرجاء المغرب. الزياني الترجمان المعرب عن دول المشرق والمغرب ترجمة روجي لوتورنو: «Histoire de la dynastie sa dienne», Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée, nº, 977, p. -4.

26 يعكس هذا اللقب ذو النبرة المهدوية العالية رغبة الشريف السياسية. "التوليفية" ففضال عن المعنى المهدوي والشيعي لل قب الذي يعني تحديدا وطموحاته "سليل عترة الن بي الذي ي نتظر الناس خروجه ليعيد الحق ألهله ويمأل األرض عدال بعد أن م لئت جورا". فقد دخل هذا اللقب أيضا في النظام المفاهيمي الس ني المت صل بإعادة النظام وإحياء الد ين القويم كما هو الحال مع الخليفة العباسي الذي اتخذ لقب القائم بأمر اهلل.] [ فإلسباغ الشرعية على مشروعه اعتمد ابن عبد الرحمان إذن على منظومة مفاهيمية وعقائدية وقيمية موجودة ومفهومة عند الخواص والعوام منذ عقود أي التصوف والشريفية والمهدوية بعد تكييفها وتنميقها لتتالءم مع الظروف المحلية. إشكالية التسمية: الس عديون أم الزيدانيون البد قبل االستمرار في تمهيدنا هذا أن نتطرق إلى الحديث عن اسم هذا البيت الحاكم الوليد وعن أصله الشريف. تضيف أقدم الوثائق األوروبية والعربية المتوفرة وصف الشريف إلى أسماء سالطينها وأمرائها. ويشير هذا الوصف إلى الحسب والهيبة المرتبطين بانتسابهم للنبي محمد. وما هي إال سنوات قليلة حتى ظهرت أسماء وصفات جديدة في الوثائق الرسمية حل ت بجوار لقب الشريف. وهذا ناتج على تثبيت سلطة الدولة وتنظيم إدارتها وزيادة طموحها السياسي كما سنرى بالتفصيل الحقا. ونستطيع أن نذكر من بينها ألقاب الح سني أي نسل الحسن سبط الن بي والفاطمي أي نسل فاطمة الزهراء ابنة النبي والعلوي أي نسل علي بن أبي طالب والهاشمي أي نسل هاشم الجد األعلى لعشيرة النبي. وكان لقب الشريف الحسني هو أكثرها شيوعا في وثائق القرنين السادس عشر والسابع عشر. ولكن ما من شك أن اسم هذا البيت الحاكم هو الزيدانيون أو بنو زيدان نسبة إلى زيدان بن أحمد الجد السادس لمؤسس هذه الدولة وهو الذي كان حسب الراوية التقليدية أو ل القادمين من جزيرة العرب لالستقرار في منطقة درعة بجنوب المغرب. ونجد هذا اللقب في العديد من الوثائق المعاصرة أهمها الظهائر السلطانية وقصائد المديح التي قيلت في السلطان أحمد المنصور. EI, t. IV, p. 477.

27 وهكذا يكون من حقنا التساؤل عن اسم السعديين أو بني سعد الذي أ طلق على هذه الساللة منذ الربع الثاني من القرن السابع عشر على األقل. وقد حاول بعض المهتمين بالتاريخ أن يجدوا تفسيرا إيجابيا للقب الس عديين فزعموا أن ه اشتق من ألن "السعد" الناس عرفوا السعادة تحت حكم هذه العائلة بعد سنوات طوال من الحروب الداخلية والكساد االقتصادي. ولكن خصومها خاصة أوائل سالطين البيت العلوي أعطوا معنى آخر للقب الس عديين. فبالنسبة إليهم كان السعديون أو بنو سعد ينتسبون إلى بني سعد بن بكر بن وائل قبيلة حليمة السعدية ظئر الرسول. وهو ما ينفي انتسابهم للشرف ومن هنا يجعل حكمهم باطال شرعا ألن من شروط الخالفة حسب الكثير من 4 المذاهب الن سب الق رشي. وحفاظا على الحيادية وإقرارا بحقيقة تاريخية ال ريب فيها وجب علينا تسمية هذا البيت ببني زيدان أو الزيدانيين أي استعمال نفس االسم الذي كان يطلقه سالطين هذه الدولة على أنفسهم في النسب الشريف فليس مختلف المد ونات التي وصلت إلينا. أما فيما يخص صحة هذا هو موضع التحقق من صدق ادعاءاتهم أو التأك د منها. إذ يكفينا كي يكتسب هذا االد عاء قيمته السياسية واالجتماعية والرمزية أن ه كان متجذ ر بعمق في أذهان النخب والعامة الذين ساندوا العائلة وحملوها إلى السلطة أسرة شريفة. باعتبارها الجهاد و إثبات الذات بمجر د ما تم ت المناداة به أميرا قام الشريف ابن عبد الرحمان بتولية ابنه موالي أحمد إدارة شؤون الحكم مع محافظته على السلطة الروحية وعلى حر ية كبيرة في 5 الحركة. وقد حاول األمير الشريف موالي أحمد كما ي سم يه معاصره الحسن الوزان طيلة السنوات الثالث األولى من حكمه تثبيت سلطته في منطقة سوس. فمن جهة اإلفراني نزهة الحادي ص 5. 4 نفسه ص 9-8 كاتب مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 8 القادري نشر المثاني ألهل الحادي عشر والثاني ج 8 ص 44-4 الزياني الترجمان المعرب ص 8. 5 تؤكد رسالة بعث بها انييكو مارتن Martin[ ]Ignico إلى الملك عمانويل األول في نونبر 8786 أن الشريف قد عي ن ابنه ملكا على سوس 55 p..henry de Castries, SIHM, Portugal, t. I, 4

28 أولى أخضع البدو الذين كانوا يفرضون إتاوات على السكان وأعاد فرض األمن في الطرق وبدأ يسيطر رويدا رويدا على الموارد االقتصادية. هجمات ضد الحصون اإليبيرية وذلك من أجل تعزيز هيبته وشرعيته. ومن جهة ثانية قام بعد ة ولم يكن من الممكن أال تثير تحركات األمير الشريف تلك مخاوف البرتغاليين الحريصين على 6 تأمين وتوسيع وجودهم في المغرب. فبعد نجاحاتهم في أوائل القرن كان البرتغاليون يجدون صعوبة متنامية في االستيالء على أراض مغربية جديدة وذلك نظرا للمقاومة التي قادتها مختلف السلطات المحلية المستقلة بل قادها أيضا السالطين الوطاسيون بتأثير من مشايخ الصوفية. وجد البرتغاليون أنفسهم إذن مجبرين بعد فشل الحصار المضروب على مراكش والهزيمة النكراء في المعمورة ]المهدية حاليا[ 8787 سنة على مراجعة إستراتيجيتهم. فسعوا عندها إلى بسط سيطرتهم على الداخل بفضل تواطئ زعماء محليين من ذوي المطامح وكان أشهر هؤالء يحيى 7 بن محمد أو ت ع فوفت. من جانبه واصل الشريف موالي أحمد تحت إشراف والده تمتين السلطة العائلية في بالد سوس وسعى إلى توفير قاعدة مالية ثابتة واحتكارها. في إطار دينامية لمركزة السلطة فباإلضافة إلى تكوين إدارة جنينية في تيدسي فقد عمل على السيطرة على الموارد الفالحية والمنجمية للمنطقة وعلى ربط عالقات تجارية مع بعض القوى األوروبية باعتبارها أجل ذلك استولى على مرسى تاف ت نا سنة مصدرا ال غنى عنه لألسلحة الحديثة وللمنتجات المعملية ومن 6 Léon l Africain, Description de l Afrique, t. I, p. 0 ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. I, p. 6 et p ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. 7-8 et 40 ; المصطفى بوعناني "يحيى بن تعفوفت بين الطموح السياسي وأطماع البرتغال في إقليم اسفي" محمد األسعد ]مشرف[ تاريخ إقليم اسفي ص Léon l Africain, Description de l Afrique, t. I, p. 9 ; Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. I, p. 55 et p. 4. 5

29 وإلضفاء نوع من القداسة على مهمته واصل األمير الشريف التضييق على الممتلكات 9 اإليبيرية في المنطقة وإخضاع قبائل البدو التي أشاعت الفوضى في سوس. ويعكس االستيالء على بلدة ماس ة عام 8780 وهي ذات قيمة رمزية كبيرة هذا الهاجس جيدا. 40 إذ تؤكد مجموعة من الروايات المحلية أن المهدي المنتظر سيظهر في هذه البلدة. ولم يكن من الغريب أن طائفة من أنصار األمير الشريف كانت تؤمن أن ه "الفاطمي 4 الموعود على لسان صاحب الشريعة في آخر الزمان" بعد هذا الفتح. وهكذا ستصبح الشريفية والجهاد والمهدوية في إطار االستمرارية داخل المنهج الجزولي هي أسس الشرعية للبيت الزيداني. وبالتوازي مع المجهودات المبذولة من طرف األشراف في جنوب البالد سعى السلطان الوطاسي أبو عبد اهلل محمد الملق ب ب"البرتغالي" ] [ جاهدا إلى توحيد القوى الموجودة في شمال المغرب من أجل استعادة وحدة البالد. ففي نفس الوقت الذي قام فيه بعمليات عسكرية ضد الحصون اإليبيرية ومن تحالف معها من العرب واألمازيغ قام السلطان بنشاط دبلوماسي مكث ف مع القوى اإلسالمية المجاورة بهدف تكوين جبهة موح دة لصد هذه 4 السلطان العثماني وإلى حك ام السودان. سنة "الحمالت الصليبية". فأرسل عدة سفارات إلى كان كل شيء يوحي بأن إعادة توحيد شمال وجنوب البالد مشروع ممكن. وبناء عليه أطلق السلطان البرتغالي دعوة عامة للجهاد تكللت بعدة انتصارات مهمة السيما في مراكش والمعمورة في سنتي ما دفع المحتل إلى طلب هدنة استغل ها السلطان الوطاسي لبسط نفوذه على مناطق الجنوب الذي استعصى السيطرة عليها منذ زمن طويل وخاصة منطقتي 9 يمكننا أن نذكر مثال ل ف گسيمة "األمازيغي" وعمارة زرارة "العربية" الل ذين كان سيدهما مالك بن داوود أحد المدافعين عن السياسة البرتغالية. Voir Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. III, p. XIII-XIV et p. 9 ; Anonyme, Chronique de Santa Cruz de Cap de Gue, p ابن خلدون المقدمة ص p..léon l Africain, Description de l Afrique, t. I, 4 الجنابي البحر الزخ ار ص يعكس هذا النشاط مسار الحسن الوز ان الذي كان في خدمة السلطان الوطاسي قبل أن يأسره قراصنة إيطاليون عند عودته من مهمة في المشرق ويهدوه إلى البابا ليون العاشر الذي عم ده ومنحه اسم جون ليون اإلفريقي. 4 Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. I, p. 88 et p

30 44 د ك الة والح و ز. وقد انعكس هذا النشاط السياسي والعسكري باإليجاب على السلطان الوطاسي الذي أدرك مكانة رمزية لم يسبقه لها أحد من أسالفه. لكن ماذا كان موقف األشراف إزاء هذه السياسة الحيوية التي انتهجها السلطان محمد 45 البرتغالي وهم يعملون في الجهات الجنوبية تحت لوائه ولو إسميا تشير كل الدالئل إلى أن األشراف لم يكونوا ينظرون بعين الرضى إلى هذا التقد م خاصة وأن نفس 46 الطموحات كانت تخالجهم. كانت الكثير من المناطق التي امتدت لها أنظار محمد البرتغالي مليئة بد عاة األشراف تحت قيادة الشيخ الشريف ابن عبد الرحمان. استقر 47 الجزولي. هذا األخير في منطقة أفوغال "المقد سة" لقد كان هذا االختيار الرمزي م وفقا. وقد حيث ضريح محمد بن سليمان فبوضع نفسه تحت حماية الولي الصالح استطاع الشريف أن يستميل شيوخ الجزولية ويستعمل شبكات مريديهم وأتباعهم لترسيخ سلطة عائلته. وبحكم الدعاية والجهاد ضد البرتغاليين وضد التمر د البدوي أصبح الشريف وأبناؤه سادة المنطقة. وكان على السلطان البرتغالي هذه المرة أن يتساءل عم ا يبطنه األشراف: هل كان هدفهم الوحيد فعال هو الجهاد في سبيل اهلل أم كان مقصدهم شيئا آخر كان ومهما األمر يمكننا اعتبار 8785 سنة تاريخا مفصليا. ففيها وقعت قطيعة شبه نهائية بين الوطاسيين واألشراف وتقو ت األواصر بين هؤالء والطريقة الجزولية كما جسده دفن محمد القائم بأمر اهلل بجانب الشيخ محمد بن سليمان وتوطدت أركان اإلمارة التي أضحت تضم جزءا من وادي درعة وسوس وحاحة مع قدرة كبيرة على المناورة في منطقة مراكش. 44 نفسه ج ص 87 وص 858. وبهذه المناسبة تمت تصفية يحيى أو تعفوفت الذي كان رجل التاج البرتغالي في المنطقة. 45 Léon l Africain, Description de L Afrique, t. I, p ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. 8 ; مجهول تاريخ الدولة السعدية ص أظهر الشريف موالي أحمد الكثير من سوء النية إذ أخر إمداد سلطان فاس بخمس مائة ناقة كانت لمحاصرة ثغر اسفي األمر الذي أفشل العملية. انظر. 7 p. Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. II, 47 Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. I, p. 4 ; اإلفراني نزهة الحادي ص 8 الناصري االستقصا بأخبار دول المغرب األقصى ج 7 ص 84-8 محمد حجي الحركة الفكرية في المغرب في عهد السعديين ج ص

31 لم تتوقف الفجوة عن االتساع بين الال عبين الرئيسيين في المشهد السياسي المغربي ويبدو أنها قد وصلت إلى عتبة حرجة. سعى البرتغاليون إلى االستفادة من هذا التوت ر القتراح هدنة على الطرفين آملين أن يستغل اها لتدمير بعضهما البعض. الريح بما ال تشتهي السفن. فقد سخ ر موالي هيبته وذلك بمواصلة الجهاد ضد الحصون سانتا أحمد اإلسبانية. ولكن تأتي هذه الهدنة لتوطيد سلطته وزيادة وفي سنة سقط حصن كروز دي مار بيكينا الواقع جنوب رأس نول تحت ضربات القوات الشريفة. لم يغامر الشريف وهو المتو ج بهذا النصر على اإلسبان بمهاجمة الجبهتين البرتغالية والوطاسية. بل واصل توس عه على حساب الفاعلين األكثر ضعفا. الهنتاتية بمراكش هي الهدف الرئيس لهذه المرحلة. المصادر دخلت الجيوش الشريفة المدينة الحمراء في يناير سنة اعتبار االستيالء فكانت اإلمارة وفي ظروف ملتبسة بسبب قل ة ويمكن على حاضرة المرابطين والموحدين بمثابة نقطة تحو ل في تاريخ المنطقة إذ سرعان ما تحول األمير الشريف من مجرد مجاهد إلى مرشح جاد لتسن م السلطنة خاصة وأنه يمتلك قاعدة عقائدية ال يستهان بها النسب الشريف والجهاد 50 والمهدوية باإلضافة إلى دعم الطريقة الجزولية على عكس السلطان الوط اسي. وكان لالستيالء على مراكش وقع كبير على السلطات الوطاسية التي كانت ت غذ ي منذ عشرين عاما أمل توحيد البالد. وزادت وفاة السلطان محمد البرتغالي في عام 870 الطين بلة. فقد وقع صراع دام بين شقيق السلطان الراحل وابنه لعد ة أشهر. وكان لهذا الصراع آثار مدم رة على وحدة الجبهة الوط اسية األمر الذي سمح لألمير الشريف 5 بتعزيز قو اته وتحصين عاصمته الجديدة بصورة أفضل. كما كان النظام في فاس 48 Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. I, p. 5 et t. II, p. 08, p. 5 et p اإلفراني نزهة الحادي ص 84 الزياني الترجمان المعرب ص 85 Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. II, p. 66 ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p كان أول ما فعله حاكم مراكش الجديد له داللة رمزية قوية. فقد قر ر جلب رفات أبيه والجزولي إلى عاصمته الجديدة ودفنهما في موكب مهيب. كان الشريف يريد من وراء ذلك أن يؤك د من جديد أنه ينوي ات باع غرس الولي ين الصالحين وأن يعطي شرعية أكبر ونوعا من "القداسة" لمشروعه السياسي انظر اإلفراني نزهة الحادي ص 8. 5 الزياني الترجمان المعرب ص 80 الناصري االستقصا ج 4 ص 844.Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. III, p. 46 8

32 يعاني من مشكلة بنيوية عميقة موروثة عن الدولة المرينية أال وهي تعد د مراكز السلطة. فتشرذم مراكز القرار كان يحرم السالطين الوطاسيين الذين لم يفعلوا شيئا لمواجهة الوضع من موارد بشرية ومالية ضرورية للقيام بسياسة مركزية طموحة. من إمارة مراكش إلى السلطنة الشريفة لم يكن للصعود المدو ي لألسرة الشريفية التي كانت مطامعها الترابية تتضح شيئا فشيئا إال أن يثير مخاوف البرتغاليين والوطاسيين. األخيران أن ي برما تحالفا للقضاء على هذا الخطر المحدق. فبعد مدة من التفاوض قر ر الطرفان ويقوم الطرفان بمقتضى هذا االتفاق بمهاجمة األراضي الشريفة سنة 875. وفي حالة النصر سيكون الشريط الساحلي الممتد من سانتا كروز إلى اسفي من نصيب البرتغاليين بينما ستعود المناطق 5 الداخلية للوط اسيين. وانتهت هذه العملية بفشل ذريع ولم تفعل غير تقوية األشراف. فقد واصل األمير تكوين إدارة فعا لة والبحث عن موارد مالية قار ة وبناء جيش 5 حديث. وقد سنحت الفرصة لهذا الجيش الحديث إثبات تفوقه على قوات فاس وذلك سنة 874 بالقرب من منطقة أنماي ]سيدي رحال حاليا[. مك ن هذا النص ر األمير الشريف من انتزاع اعتراف رسمي من منافسه وذلك مر ة أخرى بفضل وساطة الصلحاء 54 الجزوليين. فقد اعترف أحمد الوط اسي للشريف بملكية المناطق التي تقع وراء نهر 55 أم الربيع باستثناء سجلماسة. وهكذا يمكن اعتبار ص لح أنماي بمثابة وثيقة الميالد الرسمية للحكم الزيداني التي كل لت أكثر من عشرين سنة من المجهودات والحرب والدعاية. إذ أصبح موالي أحمد سيد جنوب المغرب بال منازع. فليس من المستغرب إذن أن نراه يتلق ب في رسالة 5 نفسه ج ص. 5 نفسه ج ص 465 وج صXV الكر اسي عروسة المسائل فيما لبني وطاس من الفضائل ص 5-7 اإلفراني نزهة الحادي ص 6. وتؤك د المصادر المغربية على الدور المهم الذي لعبه الشيخ الجزولي عبد اهلل الغزواني في الدفاع عن مراكش زمن الحصار. انظر ابن عساكر دوحة الناشر ص Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. II, p اإلفراني نزهة الحادي ص 6. 9

33 وج هها إلى ملك البرتغال في 874 نونبر 7 ب"سلطان مراكش المحروسة وأحوازها وحاحة وأحوازها وسوس وأقطارها ودرعة وأعمالها وتوجرارين وما واالها بها ووادي نون ]كذا[ اآلن فصاعدا من سنسم ي ملوك تستعمل المصادر المغربية لقب 56 وما قاربها". هذا البيت "السلطان" بالسالطين األشراف. ومن جهة ثانية فإن المصادر األوروبية والعثمانية تستعمل لقب ]كذا[ فمن جهة أولى مع التأكيد على النسب الشريف للحك ام إن لقب "الشريف". الس لطان الشريف يرك ز على شرعية مزدوجة فهي من ناحية دنيوية وهو ما يشير إليه لقب السلطان يدعيه هؤالء الحكام. ومن ناحية أخرى ونظرا لفقدانه للشرعية الدينية الوط اسي ] [ دينية وهو ما يشير إليه لقب الشريف. والقاعدة الشعبية العريضة بحث السلطان عن سند خارجي ليحافظ على م لكه. وهذا ما كان أحمد ات جه في بادئ األمر صوب العثمانيين القو ة التي استقر ت حديثا في الحوض الغربي من المتوس ط. فتم تبادل السفارات بينهما وبدا كما لو أن نا أمام والدة تعاون عسكري بين الجانبين. 878 والتقارير تفيد وجود قطع من أسطول خير الدين برباروس مينائي تطوان والعرائش. فمنذ سنة في ]ت 8740 [ وبعد زمن قصير أثمر التعاون الوطاسي العثماني على استعادة مرسى غيساسة المتوس طي الذي كان في يد اإلسبان وتنبئ هذه المواجهة األولى بين اإلسبان 57 ومحاصرة ثغر مليلية. والعثمانيين عن وضعية المغرب ك"دولة عازلة" سيكون مسرحا محتوما للمواجهات العسكرية والدبلوماسية بين القو تين األمر الذي سيستغل ه األشراف إلى الحد األقصى لغرض المحافظة على استقالل أراضيهم كما سنرى. وعالوة على ذلك مد سلطان فاس يده إلى ملك فرنسا فرانسوا األول ] [ حليف السلطان العثماني. فالتحالف مع الفرنسيين سيسمح له دون شك بالحصول على 56 Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. II, p Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. I, p. -, p. 4 et p. 7. 0

34 األسلحة النارية وم ستلزماتها. 58 وفي مقابل ذلك سيفتح موانئه للتجار الفرنسيين. كانت أهداف تحركات سلطان فاس واضحة وهي إحياء الجهاد ضد اإليبيريين لتلميع صورته وإبعاد أي شبهة تواطئ مع العدو. عندها انطلقت المزايدات على الجهاد. فقد ضاعف السلطان الشريف بمساعدة أخيه األصغر محمد الشيخ من مجهوداته ضد الحصون البرتغالية في الجنوب وذلك بدءا من سنة 874. كانت السياسة الهجومية التي انتهجها أمراء المغرب إلى جانب أزمة اقتصادية غير مسبوقة دافعين مهمين أجبرا البرتغاليين على إعادة التفكير في سياستهم المغربية. فمن اآلن فصاعدا لم يكن عليها أن تأخذ بعين االعتبار الحاكمين المغربيين المتنافسين ولكن أيضا القو ة العثمانية التي كان خطرها قد بدأ يحدق ليس فقط بالتجارة البحرية ولكن 59 كذلك باألراضي اإليبيرية نفسها. ضروريا فخط ط الملك جان الثالث إزاء ولكن وبدا أن تراجعا استراتيجيا نحو الشمال قد صار ] [ رفض النبالء واألساقفة والمستشارين لهذه الخطة 60 إلخالء ثغري أز مور واسفي. "ق بل الملك أن يغض الطرف لبضع سنين ولكن الوهن كان عظيما ولم يعد في القلب رغبة في المحافظة 6 عليهما". إن هذه الحالة من االضطراب ت فس ر لماذا عقد برتغاليو أزم ور وسانتا كروز واسفي اتفاقيات هدنة طويلة األمد مع سلطاني فاس ومراكش سنة 875. وقد سمح تحييد "العدو الكافر" للجانبين باستئناف الصراع من أجل االستفراد بالسلطة. بين من جديد الحرب تقرع طبول عادت الشريفة وقو ة عزيمتها سمحا للسلطان موالي الطرفين المتنازعين أحمد لكن تنظيم الجيوش باالنتصار في العديد من المواقع 58 وصلت أول سفارة فرنسية تحت قيادة العقيد بيار دوبيتون إلى فاس سنة 87 وذلك إلبرام اتفاق تعاون بين المملكتين. انظر Henry de Castries, SIHM, France, t. I, p. -46 et t. III, p. I-II ; Jacques Caillé, La représentation diplomatique de la France au Maroc, p ال ينبغي إهمال واقع أن مئات اآلالف من المسلمين األندلسيين كانوا ينتظرون الفرصة السانحة للدخول في تمر د والحصول على الحرية الدينية واالستقالل. 60 Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. II, p et France, t. I, p حول األجوبة المرفوعة إلى الملك جان الثالث انظر Auguste Cour, Les débuts de la dynastie Sa dienne, p. 4 ; Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. II, p

35 واالستيالء 6 على مناطق جديدة مثل تادلة وسجلماسة. وخالل السنوات الثالث الموالية انكب السلطان الشريف وأخوه محمد الشيخ على توطيد أمرهما في األراضي التي تم عليها االستيالء وعلى إحياء الحركة االقتصادية باالنفتاح على التجارة الصحراوية ومواصلة بناء جيش عصري وذلك من أجل االنقضاض على البرتغاليين والوط اسيين. رك ز موالي محمد الشيخ والي سوس جهوده ضد حصن سانتا كروز. فمنذ سنوات عديدة قاد هذا األمير سياسة اقتصادية نشطة تقوم على زراعة قصب السكر وتجارة القوافل لي وفر للدولة الوليدة االستقالل المالي الضامن لحرية المناورة. وقد كان احتالل حصن سانتا كروز االستراتيجي أمرا ضروريا للتخل ص من المنافسة البرتغالية واستغالل الميناء لتقوية المبادالت التجارية مع القوى األوروبية األخرى. زد على ذلك تقوية شرعية الدولة وتعميق هيبتها في نفوس النخب الدينية والعام ة. وبناء عليه ضربت القوات الشريفة حصارا محكما على الحصن انتهى باستسالم حامي ته مارس سنة والسيما بعد اإلخالء المتسرع كان هذا الحدث مؤذنا في بتراجع النفوذ البرتغالي في المغرب 64 آلسفي وأزم ور شهورا قليلة بعد هزيمة سانتا كروز. أم ا محمد الشيخ فقد استفاد ماديا ومعنويا من هذا الفتح. إذ أصبحت لديه طموح سياسية كبيرة وهو ما يجسده اتخاذه لقب المهدي. وهكذا حق ق مشروع األشراف هدفه الرئيس أال وهو طرد "العدو الكافر" من جنوب المغرب بعد ثالثين سنة من الصراع. الد ينية والعام ة. وبذلك استطاعوا أخيرا تلبية تطل عات الن خب لقد كان الرأسمال الرمزي للشريفين في أوجه سواء عند رعيتهما أو عند رعية سلطان فاس الذي بدا أفول ملكه وشيكا. فقد فشلت كل مساعي اإلصالح 6 حول هذه األحداث وفيما يتعلق باالتفاق بين الطرفين انظر الكراسي عروسة المسائل ص مجهول تاريخ الدولة السعدية ص اإلفراني نزهة الحادي ص 8-6 Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. III, p. 46-5, p. 46 et p. - ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p ; Marmol, L Afrique, t. I, p et t. III, p Anonyme, Chronique de Santa Cruz, p., 8 et ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p يجب اإلشارة مع ذلك إلى أن البرتغاليين قد حافظوا على مرسى البريجة ]الجديدة حاليا[ انظر Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. III, p. 560 et t. IV, p. 9.

36 65 والتوحيد التي انتهجها وأمست سلطته ال تتعدى فاس ونواحيها. المدينة كانت شعبية الوطاسي تبدو أحمد في حالة سيئة. وحت ى داخل هذه فقد راجت بين الناس شائعة تزعم تنص ر السلطان تسب بت في اندالع أعمال شغب تم إخمادها بطريقة دموية. فهل كانت لألشراف يد في هذه األحداث ليس من المستبعد. كان توحيد البالد من جديد أمرا وشيكا. 66 فقد نشب األمر. خالف على وراثة الملك بين موالي ولكن مشكال قديما قدم اإلسالم أخ ر هذا أحمد وموالي محمد. وصار المشكل ثابتا من ثوابت تاريخ هذا البيت على غرار ج ل السالالت الحاكمة االسالمية. فبعد وفاة القائم بأمر اهلل كان ابناه يمارسان نوعا من الحكم المشترك. بينما كان االبن البكر يمارس سلطته على األراضي التي تم االستيالء عليها حديثا كان االبن األصغر يحكم منطقة سوس معقل العائلة وقلب الدولة. أحمد موالي ويظهر أن لقب السلطان الذي يحمله لم يكن يعطيه إال أفضلية صغيرة على أخيه الذي كان يسيطر بصفته القائد األعلى للجيش على الجزء األكبر من الرجال والعتاد وكان يبسط نفوذه منطقة سوس من حيث يأتي المال والرجال. ما يبدو سنة على لقد كان الخالف بين األخوين قديما على 67 لكن تبعات فتح سانتا كروز أخرجته إلى العلن. وقد حاول مشايخ الجزولية إصالح ذات البين بين األخوين لكن دون جدوى مم ا عج ل بالمواجهة العسكرية. بعد سنتين من المعارك المتقطعة تمك ن محمد الشيخ من إزاحة أخيه نهائيا عن الحكم وبعد أن أضحى سي د جنوب المغرب بال منازع لم يد خر المهدي 65 Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. III, p. 7, p. 75 et t. IV p فيما يتصل بمشكل توريث الحكم في اإلسالم انظر مثال: William Montegomery Watt, La pensée politique de l islam, Paris, 995 ; Wilfred Madelung, The Succession to Muhammad, Cambridge, 997 ; Gilles Veinstein et Nicolas Vatin, Le sérail ébranlé : essai sur les morts, dépositions et avènements des sultans ottomans, XIV e -XIX e siècle, Paris, Fayard, 00 ; Patricia Crone, Medieval Islamic Political Thought, Edinburgh, كان محمد الشيخ البالغ من العمر 7 سنة ينتظر الوصول إلى الحكم منذ ثالثين سنة. وبناء على وصية أبيه كان من المفروض أن يتولى األمر بعد أخيه. لكن يبدو أن هذا األخير أراد تغيير األمر إذ كان ي فك ر في جعل ابنه زيدان وليا للعهد. وقد اغتر محمد الشيخ بانتصاراته على البرتغاليين ما جعله يشعر بما يكفي من القوة للقطع مع أخيه المتهم بممارسة سياسة مهادنة تجاه البرتغاليين والوطاسيين. 68 Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. III, p et IV, p. - ; Anonyme, Chronique de Santa Cruz, p. 9 ; Marmol, L Afrique, t. I, p ; Diego de Torrès,

37 جهوده في العامين النشاط االقتصادي. قبائلهم إلى الصحراء غاراتهم. ضد المواليين إلعادة األمن وتوطيد السلطة وتحديث وتم إعطاء ولنسق بعض األمثلة: وإنشاء سلسلة نفس جديد فالتقاء من القصبات لزراعة الجيش وتعزيز خطر البدو تم طرد العديد من لحماية قصب السكر التجارية القوافل والزراعة وتجارته والسيما بإنشاء معاصر كما جر د حملة على شنقيط للسيطرة على مسالك التجارة الصحراوية وطالب 69 أمير سنغاي بأن يتنازل له عن منجم الملح الشهير في تغازى. لقد كانت هذه المحاوالت هي اللبنات األولى لمشروع توسعي في الصحراء والسودان سيتحقق بعد نصف قرن على يد أحمد المنصور الذهبي. لم يستأنف السلطان الشريف العمليات العسكرية ضد وبعد أربع سنوات من المعارك الوطاسيين إال سنة والمفاوضات والدعاية والتآمر بلغت القوات الشريفة أخيرا أبواب مدينة أسفي خريف سنة 874. ولكن غالبية السكان بقيادة أبرز علماء المدينة رفضوا االستسالم مفض لين تحم ل مشاق حصار طويل. فبدأ عندها صراع نفوذ بين فقهاء فاس المنتسبين إلى الطريقة الزر وقية والموالين للوطاسيين وبين المرابطين الجزوليين الموالين للزيدانيين مشفوع بسياسة ترهيب واستقطاب ت جاه ن خب المدينة. وأحد أركان ونتج عن ذلك اغتيال الفقيه عبد الواحد الونشريسي أشهر فقهاء زمانه المقاومة الوطاسية الفاسية بمعسكر الزيدانيين. وفي ليلة والتحاق جزء هام من النخب العسكرية والمدنية 8744 يناير أمسى السلطان الشريف سي د 7 المدينة التي دخلها في موكب مهيب بعد ثالثة أيام. أضحى المغرب إذن موحدا من جديد بعد عقود طويلة من الفوضى والحروب والتدخالت األجنبية التي أوهنت قواه Histoire des chérifs, p Voir Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. IV, p ; Marmol, L Afrique, t. I, p Marmol, L Afrique, t. III, p. 6-6 ; Louis Mougin, «Les premiers sultans sa dites et le Sahara», Revue de l Occident musulman de la Méditerranée, n 9, 975, p Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. 8 et p. 4-9 ; Marmol, L Afrique, t. I, p ; Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. IV, p Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. I, p. et Portugal, t. IV, p ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. 0- ; Marmol, L Afrique, t. I, p ; مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 8-80 ابن عسكر دوحة الناشر ص وص اإلفراني نزهة الحادي ص 4- الزياني الترجمان المعرب ص 8. 4

38 وامتص ت امكانياته. الذي سيصبح فيما بعد المنصور الذهبي. وب عيد هذا الفتح ب ش ر السلطان بمولود جديد أسماه موالي أحمد بين التهديد العثماني والحلف اإليبيري ول د االستيالء على فاس ردود فعل متباينة عند الجيران األقربين للسلطنة الشريفة. فقد تلق ت القوتان اإليبيريتان صدمة نفسية وعصفت بحصونها رياح الرعب. فوصلت التعزيزات بطريقة مكثفة وتم الشروع في أعمال التحصين. وذهب الملك جان الثالث إلى أبعد من ذلك عندما أمر بإخالء القصر الصغير وأصيلة للتركيز على ما بقي بيده من مستعمرات وذلك في شهري يونيو وغشت من سنة وكان هذا بمثابة نصر جديد للسلطان الشريف. 7 أراضيهم. ومن جهتهم كان اإلسبان متخوفين من هجوم محتمل على كان مسلمو األندلس ويعرفون في األدبيات اإليبيرية بالموريسكيين يعقدون آماال عريضة على محمد الشيخ المهدي الذي كانت إحدى ركائز خطابه الدعائي استعادة األندلس وستستمر كذلك كما سنراه بالتفصيل. ولكن الهاجس الحقيقي الذي كان يؤرق القوتين اإليبيريتين كان من دون شك هو عالقة السلطان الشريف بالدولة العثمانية التي 7 قضت حديثا على الدولة الزيانية في تلمسان واستولت على أراضيها. فأي تعاون محتمل بين القوتين المسلمتين يهدد بشكل جد ي الهيمنة اإليبيرية على غرب المتوس ط والمحيط األطلسي. بل إن هذا التعاون قد ي هد د شبه الجزيرة اإليبيرية نفسها. إن تفاؤل البعض وتخوف البعض اآلخر إن كان يدل على شيء فإنما يد ل على عودة المغرب إلى معترك السياسة المتوسطية وبيد عاهله الجديد خيارات متعددة. لكن حرية تحرك السلطان في مجال السياسة الخارجية كان يتوقف بشكل كبير على قدرته في حسم المشاكل الداخلية وما أكثرها. فقد لجأ األميران أبو حس ون الوطاسي و موالي ع مر المريني إلى بالط االمبراطور شارل الخامس ] [ آملين في 7 وهكذا لم يبق في أيدي البرتغاليين إال ثغور البريجة وطنجة وسبتة. انظر Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. IV, p. 50 et Espagne, t. I, p Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. I, p. 9 et p

39 مدد عسكري يمكنهما من استرجاع السلطة. وفي جنوب البالد كان السلطان الزيداني المخلوع موالي "الشيطان" أحمد الستعادة ملكه الضائع. الهائم في واحات الصحراء على استعداد للتحالف مع وبعبارة متخصرة كانت قبضة محمد الشيخ على 74 البالد تبدو في هذه اللحظة غير محكمة إلى حد كبير. فكيف كان رد فعله وما هي اإلستراتيجية التي اعتمدها والمعسكر الذي اختاره وما هي الوسائل التي استعملها للقضاء على منافسيه مدينة فاس على االستيالء بعد عزم السلطان الشريف على نفوذه سريعا على بسط سائر األراضي التي كانت تتبع السلطنة الوطاسية. فواصلت القوات الشريفة عملياتها وكان الهدف الرئيس هو شرق المغرب باعتبارها مصدر أهم األخطار التي تحدق بالدولة الناشئة. باإلضافة إلى كونها منطقة حدودية مع الدولة العثمانية ومع الحصون اإلسبانية في مليلية ووهران كانت الناحية الشرقية معقل األميرين أبي حسون وموالي عمر. كانت ت حر ك السلطان الشريف. االستيالء 75 نحو المشرق. هذا وال ينبغي أن ن غفل الهواجس المهدوية واألحالم التوسعية التي فحسب بعض المصادر اإليبيرية كان السلطان يعتزم من جديد على الغرب اإلسالمي بما في ذلك األندلس قبل أن يواصل زحفه وهذا ما تعكسه األلقاب التي اتخذها محمد الشيخ كالمهدي وأمير المؤمنين واإلمام والخليفة والدعاية التي بثها بين المرابطي والموح دي والمريني سيكر ر نفسه سياسية جديدة غادر جيش.8744 عرمرم وسرعان ما أخضع الناس. فهل كان إذن التاريخ ويصبح المغرب منطلق "ملحمة" بقيادة االبن البكر للسلطان موالي الحر ان مدينة فاس سنة األمير 76 وجدة وذلك في شهر أبريل من نفس السنة. لعبته الدبلوماسية. قبائل المنطقة واستولى على أهم المدن خاصة عندها كان بإمكان السلطان أن يبدأ فمن جهة أولى ربط عالقة مع السلطات العثمانية قصد بناء جبهة 74 Marmol, L Afrique, t. I, p Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. IV, p Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. I, p

40 موح دة هدفها رمي اإلسبان في البحر. فعال على تقاسم األراضي التي سيتم االستيالء الشيخ وجهاء منطقة تلمسان الذين شج عوه على بل إن بعض التقارير تفيد أن الجانبين اتفقا 77 عليها. ومن جهة ثانية استقبل محمد االستيالء على المدينة وطرد "األتراك" منها. ولم يكتف السلطان بقبول عرضهم بل إنه وعدهم بامتيازات ضريبية بعد الفتح. كما قام بإيواء سلطان تلمسان المخلوع أحمد وقد استمر ت هذه المناورات الدبلوماسية ما يقارب السنة. الزياني 78. ] [ هذا وال يجب أن يغيب علينا أن محمدا الشيخ كان يدرك أن العثمانيين لن يتوقفوا عند حدود تلمسان ألنه يعرف أن السلطان سليمان القانوني المغرب والية عثمانية سيتم ضمها عاجال أم آجال. ] [ كان يعتبر لذا قر ر أن يستبق األحداث باالستيالء على تلمسان. وقد استقبلت المدينة استقبال المحر رين يوم 4 يونيو كان بإمكان العثمانيين تقب ل هذه الحركة العسكرية كجزء من االتفاق الذي أبرمه الطرفان قبل أشهر لو أن القوات الشريفة توجهت صوب الحاميات اإلسبانية الساحلية بعد سقوط المدينة. ولكن شيئا من 79 الشرق حتى مدينة مستغانم. ذلك لم يقع. فقد واصلت هذه القوات تقد مها نحو لئن كانت الدوافع الدينية والسياسية والنفسية المتعلقة بالمهدوية والخالفة والجهاد هي أهم محركات هذه الحملة فال يمكن إنكار دوافعها االقتصادية. فقد كانت السيطرة على محاور التجارة الصحراوية التي كانت تلمسان واحدة من أهم مراكزها تمث ل دافعا جد يا خاصة إذا ما علمنا أن ه بعد االستيالء على المدينة قامت حامية سلطانية بالزحف على 80 سجلماس ة باب الصحراء وعاصمة التجارة الصحراوية. ويمكننا كذلك أن نعتبر الهجوم على تلمسان وملحقاتها بمثابة غارة مربحة كان هدفها مأل خزائن السلطان بعد 77 حسب هذا االتفاق تكون المناطق الساحلية مثل وهران والمرسى الكبير من نصيب العثمانيين بينما تكون تلمسان ونواحيها من نصيب الشريف. انظر Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. I, p Ibid., t. I, p Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. I, p. 44 ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p..اإلفراني نزهة الحادي ص 4 ; p. ; Marmol, L Afrique, t. I, Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. I, p. 448 et p

41 سنوات من المجهودات الحربية. رغم كل المتغيرات السياسية واالجتماعية التي ألم ت بالمنطقة كان مشروع السلطان محمد الشيخ يندرج إذن في تاريخ البالد الطويل المتمثل في بناء إمبراطورية قوية ومستقلة تقوم على أساس عقائدي قوي. لم يتأخ ر الرد العثماني على هذه التحركات الصادمة التي أكدت خطر المشاريع الزيدانية. فقد وصل جيش عثماني تحت إمرة حسن كورسو إلى تلمسان في شتنبر سنة 8776 لكنه فشل في 8 االستيالء عليها الستماتة القوات السلطانية. فقر ر الباب العالي 8 حشد قوات أكبر إلزاحة هذا الخطر. وبعد معارك طاحنة استطاع العثمانيون سحق جيش األشراف وقتل قائده وولي عهد السلطنة الشريفة موالي الحر ان مما مكنهم من استعادة المدينة يوم 5 8 فبراير أظهرت "المغامرة الشرقية" مفارقة يجب التنويه بها. فمن جهة أولى لم يكن السلطان الشريف يحكم إال عددا من المناطق والمدن والتجمعات السكانية ال رابطة سياسية قوي ة بينها. الهزيمة. إذ سرعان ما اشرأبت النوازع االنفصالية والنعرات الفوضوية ب عيد ذيوع خبر ومن جهة ثانية أبانت الهزيمة على قوة مشروع السلطان السياسي وتمرس جيشه الذي استطاع في أشهر قليلة أن يفرغ من أمر كل الفتن والقالقل التي أشعلها خصومهم. اعترف شارل الخامس وسليمان القانوني باألمر الواقع مؤق تا وحاوال كسب محمد الشيخ. فرفض األول منح أبي حسون المساعدة التي جاء يلتمسها الستعادة ملك أسالفه وفتح باب المفاوضات مع السلطان الشريف. 84 وأرسل الثاني سفارة إلى مراكش. لم يكن العاهل العثماني يطمح إلى أكثر من إقرار اسمي بإمامته ليعترف رسميا بمحمد 8 Ibid., p. 47 ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. 6-6 ; Chantal de la Véronne, Relation entre Oran et Tlemcen dans la première moitié du XVI e siècle, p Ibid., p Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p كانت السفارة التي دخلت مراكش بقيادة محمد الخروبي قد تمت في سياق دولي متوت ر: الحرب ضد الصفويين واسترداد طرابلس من أيدي فرسان مالطا والتحالف مع فرنسا لمهاجمة نيس الخ. انظر ابن عسكر دوحة الناشر ص 84 وخليل الساحلي "تقليد صالح والية جزائر الغرب سنة 877" المجلة التاريخية المغاربية عدد 8454 ص

42 الشيخ حاكما على المغرب. الرمزية. فلم يكن هناك بد من استئناف الصراع. وفي الوقت الذي كان في السلطان ولكن هذا األخير رفض حتى االعتراف بهذه السيادة الشريف يحاول استعادة تلمسان أو على األقل التوغ ل األراضي العثمانية واإلغارة عليها كان السلطان العثماني من جهته يحاول جاهدا العثور على وسيلة للتخلص من جاره المقلق. وقد سنحت الفرصة عندما اعترضت مراكب الري س صالح بايلرباي واليات الشمال اإلفريقي قبالة سواحل حجر بادس في الشمال المغربي سفينة برتغالية كان على واقتيد الى الجزائر في شهر يونيو من سنة 85 متنها أبو حس ون الوطاسي..877 فتم أسره وقد تمكن األمير الوطاسي من تحويل إقامته الجبرية في الجزائر إلى مشروع سياسي يهدف إلى استعادة سلطانه. إذ استطاع إقناع العثمانيين بجدوى مساعدته عسكريا. وفي شهر شتنبر سنة 877 شخصيا بغرض إعادة أبي حسون إلى فاس. بجيش األشراف غادر فيلق عثماني الجزائر تحت قيادة الري س صالح وأوقعت القوات العثمانية هزائم عديدة 86 ما اضطر محمد الشيخ إلى إخالء شمال المغرب. مشروعه التوحيدي رجع عشر سنوات الجيش. إلى الوراء وبذلك يكون لكن هذا التراجع أنقذ أهم شيء: زد على ذلك أن مناطق الجنوب وهي معقل البيت الحاكم ومنبت الرجال ومصدر المال قد بقيت على والئها المطلق ولم تحرك ساكنا. استقبل أهل فاس أبا حسون بمظاهر البهجة والفرح ولكن ها لم تدم طويال. الري س صالح في إعمال الحيلة للتخلص من األمير الوطاسي. نفس الحيلة التي تم اعتمادها سابقا بنجاح في تلمسان: فقد بدأ فقام بإعادة استعمال استبدال األمير الحازم بأمير ضعيف وذلك قبل اإلطاحة بهذا األخير وحكم البالد مباشرة. ولكن المكيدة فشلت هذه المر ة. فقد رفض أهل فاس األمر الواقع وأعلنوا العصيان. وبعد أن أفشلت اإلرادة الشعبية مكر الري س صالح قر ر الرجوع إلى الصيغة األصلية لالتفاق. فأخلى المدينة 85 Diego de Haëdo, Histoire des rois d Alger, p. 00 ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p ; Marmol, L Afrique, t. I, p Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. II, p. 88 ; Diego de Haëdo, Histoire des rois d Alger, p. 0. 9

43 مقابل مبلغ كبير والتنازل له عن مرسى جديد ولكن هل كانت تمتلك مقومات الحياة 87 بادس. وهكذا انبعثت الدولة الوطاسية من بدال من تقويض طموحاته الخليفية والمهدوية عززت هذه المحنة السياسية قناعات السلطان الشريف بأن العدو الحقيقي هي الدولة العثمانية وليس المملكتين اإليبيريتين. ونتيجة ذلك قر ر التعاون مع هؤالء للمحافظة على استقالل أراضيه بل توسيعها إن أمكن ذلك. بدأ السلطان الشريف يعد العدة السترجاع زمام المبادرة ابتداء من يونيو 8774 مستفيدا من ظرفية دولية مناسبة إذ كانت كل القوى الكبرى مشغولة بمشاكلها. فاستهل حركته باالنقضاض على منطقة سجلماسة حيث ألقى القبض على أخيه موالي أحمد وأبنائه لحماية خاصرته قبل أن يتوجه نحو الشمال و دخول فاس إثر وقعة ع ق ب ة افحام حيث ق تل أبو حس ون في 8 شتنبر وعلى عكس ما فعله بعد فتحه األول كان السلطان شديدا مع أهالي المدينة ونخبهم فقتل أخذا بالشبهة ونفى الكثير منهم وأثقل كاهلهم بالمغارم وألقي القبض على رجاالت الطريقة الزروقية وتم قتلهم وبعد فراغه من العمليات العسكرية السلطة في بالد منقسمة على ذاتها بسبب قرنين من تعدد التمرد واالستعمار الخارجي. 88. شرع محمد الشيخ في عملية مركزة واحتكار كانت عملية المركزة الجنينية هذه مراكز السلطة ونزعات مرتبطة باعتبارات عقائدية وعسكرية ودبلوماسية أكثر من ارتباطها بتحو الت عرفها المجتمع. وبعبارة أخرى بدأت عملية مركزة واحتكار السلطة لمواجهة التهديدات الخارجية والقوى 87 Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. II, p. 4 et p ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p ; Marmol, L Afrique, t. I, p et t. II, p. 55 ; Diego de Haëdo, Histoire des rois d Alger, p ; الجنابي البحر الزخ ار ص مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 7- اإلفراني نزهة الحادي ص 6 الزياني الترجمان المعرب ص Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. II, p. 04 et p. 7 ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p ; Marmol, l Afrique, t. I, p. 480 ; George Vadja, «Un recueil de textes historiques judéo-marocains», Hespéris, t. 5, 948, p. -58 et t. 6, p ; مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 5-7 الزياني الترجمان المعرب ص 6-84 اإلفراني نزهة الحادي ص 8. وهو يطلق على هذه المعركة اسم المسل مة. 40

44 االنفصالية ال لالستجابة لمطالب نخب جديدة. وهو ما ي فس ر أن المجاالت الوحيدة التي عرفت نوعا من التجديد والتطوير والعقلنة هي المجالين العقائدي والعسكري. اختار السلطان الشريف االستمرارية على الصعيد المؤسساتي. فتم اعتماد التنظيم اإلداري والقضائي والمراسمي المريني-الوطاسي الذي يعتبر وريث التقاليد المغربية- األندلسية. أما المجال العسكري فبدأ يعرف تغي را نوعيا على التقاليد العسكرية العثمانية واألوروبية. بفضل االعتماد التدريجي ولما كان الملك عقيم كما يقول المثل السائر انقلب محمد الشيخ على طائفة من قاعدته الجزولية التي ضيق عليها وسعى إلى الحد من نفوذها بأكثر من طريقة. كما أنه حاول لتوسيع قاعدة أنصاره استقطاب م ن تبقى من علماء ومشايخ الزروقية وإدماجهم في خدمة الدولة إذ أنهم يدعون إلى طاعة 89 أولي األمر وعدم الخوض في السياسة. السياسة الداخلية كانت وإذا للشريف بسيطة إلى حد كبير وال تقطع مع التقاليد السياسية للبالد فإن سياسته الخارجية قد بدت أكثر تعقيدا ومتانة في بعض النواحي. وستتأكد هذه المالحظة لو نظرنا بصورة أقرب إلى الموقف الذي اعتمده السلطان تجاه الدولة العثمانية والقوى اإليبيرية. ثم استعادته مفصلية أحداث عام أش رت للرؤية الدبلوماسية للسلطان الشريف فقدان شمال البالد فقد تحو ل مجاهد األمس إلى دبلوماسي محنك يعقد تحالفات جديدة يمكن أن تبدو ألول وهلة ضد طبائع األمور وذلك من أجل المحافظة على نوع من "توازن الرعب" بين القوى الكبرى. منذ استعادته لمدينة فاس في شتنبر 8774 أعلن السلطان عن ني ته الواضحة في غزو باقي أقطار المغرب الكبير وطرد العثمانيين منه. ولم يكن هذا األمر إال ليقع موقعا حسنا في نفوس اإليبيريين الذين كانوا يتحر كون أيضا في نفس الوجهة. وفي الشهور األولى من سنة عقد المغرب هدنة مع كل من البرتغال وإسبانيا. وسرعان ما 89 Léon l Africain, Description de l Afrique, t. I, p. -4 ; ابن عسكر دوحة الناشر ص 54 وص 867 مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 4- اإلفراني نزهة الحادي ص 48 محمد المنوني ورقات عن الحضارة المرينية ص Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. II, p. 8, p. 0, p. 70 et p. 45 et Portugal, t. V, p. 0. 4

45 ضربت القوات المغربية رمي العثمانيين في البحر... الحصار على مرسى بادس وكان الهدف من ذلك هذه المرة وإلحباط المخططات اإليبيرية-المغربية تلق ى الري س صالح إمدادات من اسطنبول وذلك لحماية بادس واالستيالء على المغرب والحصون اإلسبانية. لكن السلطان العثمان فقامت قواته بضرب حصار على وهران وبجاية تكلل بفتح هذه األخيرة. يفضل التفاوض مع المغرب. فأرسل سفارة إلى مر اكش فشلت في مسعاها وهو ما يفسر استعدادات الري س صالح في أبريل 8770 الفتكاك وهران من آل هابسبورگ تسب ب موت الباي 9 وغزو المغرب. لرباي في نفس السنة في اندالع عد ة اضطرابات في الواليات المغاربية مم ا أجبر الباب العالي على العودة إلى سياسة المداهنة مع السلطان الشريف. فحل ت بمراكش سفارة جديدة في أوائل عام.8775 كانت المقترحات واضحة وهي سالم شامل ودائم مقابل االعتراف بالتبعية اإلسمية للسلطان العثماني. أال تعب ر هذه المقترحات عن تطور ملحوظ في موقف سليمان القانوني الذي كان باألمس القريب ي لقب المهدي 9 بشيخ العرب أي مجرد زعيم قبلي ال أهمية له لم يقبل السلطان الشريف العرض وشعر باإلهانة من هذا "التركي المملوك" وهو سليل النبي. وينسب له بعض األخباريين هذا الجواب : "سل م على أمير القوارب سلطانك وقل له إن سلطان المغرب البد له أن ينازعك على عمل مصر ويكون قتاله معك عليه إن شاء اهلل ويأتيك 9 إلى مصر والس الم". وإن كان المقام ال يسمح بالبث في صحة هذا الخبر فيكفي اإلشارة إلى عمق داللته إذ ي بين في نفس الوقت موقف السلطان من العثمانيين وشرعيتهم وطموحاته السياسية كما كانت تراها نخب ذلك العصر. أمست إذن القطيعة بين القوتين المسلمتين شبه رسمية مما سيتسبب في نشوب صراع أساسه تحديد من ستكون له السيطرة على المنطقة. وكان كل ذلك يصب في مصلحة اإليبيريين والسيما اإلسبان. وهكذا نرى بصورة جلية كيف أن السياسة الخارجية للسلطان الزيداني كانت 9 Ibid., p. 6, p. 85 et p. 8 et Angleterre, t. I, p.. 9 Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 8 اإلفراني نزهة الحادي ص 4. 4

46 مندرجة في سياسة أوسع نطاقا هي السيطرة على جزء من المتوسط وعلى مسالك التجارة الصحراوية. انطلق السلطان الشريف مر ة أخرى لغزو تلمسان وملحقاتها مستغال الفوضى السائدة في المنطقة المغاربية التابعة للعثمانيين. ويبدو أن السلطان سليمان القانوني كان ي زمع من جهته على بالقو ة. ولكن هذه المحاولة األخيرة باءت بالفشل. االستيالء على المغرب لكن بعض معاونيه أثنوه عن ذلك وأشاروا عليه بمخط ط أقل كلفة وأكثر فاعلية أال وهو اغتيال محمد الشيخ. أهل الركاب وهم الحرس مكافآت مادية ومعنوية معتبرة. أكتوبر في العثمانية تتوقع انهيار "التركي" وفعال أوعز جواسيس الباب العالي إلى بعض المكلف بحماية السلطان الشريف بقتله مقابل وهو ما تم أثناء إحدى حركاته في جنوب البالد وذلك لم يؤت اغتيال سلطان المغرب أ كله. الد ولة الزيدانية. حقيقية وأركانها قوية وقابلة للحياة. وهو ما لم يحدث. فقد كانت السلطات فقد كانت أسس السلطة السلطنة ت ع ي ن الشريفة استطاع أكبر أبناء المهدي األحياء موالي عبداهلل ] [ الذي ات خذ لقب الغالب باهلل أن يفرض سلطته على عموم البالد دون عناء كبير بفضل خبرته في المجالين العسكري والسياسي. وقد كر س حكمه بصورة كبيرة لبناء وتوطيد مركز قوي للسلطة وإقامة سياسة خارجية حقيقية. يمكن اعتبار أو ل سنتين من عهده آخر مراحل توطيد األمر للحكم الزيداني. فقد كان على الغالب باهلل أن يواجه التهديد العثماني منذ أيام ملكه األولى. فبعد القضاء على 94 Diego de Haëdo, Histoire des rois d Alger, p. 5-6 ; Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. II, p. 40 ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. - ; Marmol, L Afrique, t. I, p. 48 ; Gaston de Verdun, Inscriptions arabes de Marrakech, p. 8 ; مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 6 اإلفراني نزهة الحادي ص

47 تمرد الحرس "التركي" الذي اغتال أباه كان عليه أن يجابه تهديدا أشد خطورة تمث ل 95 في محاولة غزو قام بها العثمانيون. إذا كان من الصعب الجزم بأن محاولة الغزو هذه قد ول دت شعورا "وطنيا" لدى جزء كبير من العامة ونخبها فحري بالقول إنها خلقت جبهة موحدة حول السلطان الشريف وذلك لسببين رئيسين. أولهما أن جزءا ال يستهان به من النخب المحلية والسيما رجال الدين يدرك أن ضم المغرب للدولة للعثمانية يمكن أن يؤثر بشكل كبير على مكناتهم ونفوذهم كما جرى في واليات المغرب الكبير ومصر والشام وغيرها. وثانيهما هو المعتقد السائد وكلنا يعلم دور المعتقدات في تحريك الكثير من الفاعلين الذي يقول بعدم جواز إمامة السلطان العثماني ألن أصله تركي مملوك ولوجود قرشي شريف هو سلطان المغرب وذلك طبقا لقاعدة عدم جواز إمامة المفضول مع وجود األفضل. وسيتم استعمال وتطوير هذه الحجج من طرف لتعزيز عقيدته الخليفية كما سنراه بالتفصيل. المنصور أحمد ولم ا كان السلطان الغالب واثقا من شرعيته ومتأك دا من متانة ملكه ومن تماسك جيشه رفض جميع عروض الباب العالي السياسية مفض ال المواجهة العسكرية. القوات العثمانية األراضي المغربية في شهر مارس الطريفين إلى أن التقيا في معركة حاسمة في ورغة..877 اخترقت تعددت المناوشات بين أبريل بوادي الل بن أحد روافد وادي انتصر الجيش المغربي انتصارا ساحقا لم ينج البايلرباي حسن باشا قائد 96 القوات العثمانية إال بفضل سرعة جواده. ومنذ ذلك الحين لم تدخل القوات العثمانية إلى المغرب بني ة معلنة في احتالله. وبعد إزاحة الخطر العثماني قام الغالب بتدشين سياسة خارجية نشطة تعتمد على ركائز تزيد وضوحا يوما عن يوم. كان الهدف هو استثمار كل ثغرات وعيوب النظام الدولي الناشئ من أجل المحافظة على استقالل السلطنة ووحدة أراضيها أو على 95 الجنابي البحر الزخ ار ص 47 مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 0-7.p Marmol, L Afrique,.t,I Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. II, p. 4 et p ; الجنابي البحر الزخ ار ص 40 اإلفراني نزهة الحادي ص

48 األقل أغلبها وذلك قصد ضمان االزدهار االقتصادي للبالد وإدماج السلطنة إن أمكن في دائرة الكيانات القوية. إن الموقع الجيواستراتيجي الذي تتمتع به البالد باعتباره ملتقى الطرق التجارية بين الصحراء والبحر المتوسط والمحيط األطلسي ومنطقة عازلة بين العثمانيين وآل هابسبورگ قد ساعد كثيرا السلطان الشريف وخلفاءه على 97 تجسيد هذه السياسة التي أعطت على وجه التدريج للمغرب الت ع ي ن. ونعني بالتعي ن تلك الخصوصية الجغرافية والسياسية والدينية والثقافية التي ستطبع من اآلن فصاعدا التاريخ الحديث للبالد وستصبح إذا جاز التعبير ميزتها األساسية بين الدول اإلسالمية. إذ أضحى المغرب في نفس الوقت وحدة انغالق وانفتاح. ف إلا نغالق سياسي وديني إذ تمت ع المغرب باستقالل سياسي تام حتى أوائل القرن العشرين وساد المذهب المالكي والعقيدة األشعرية والتوجه الصوفي على المعترك الد يني في البالد بال منازع. االنفتاح فإنه البشرية والمؤسساتية يكمن في قدرة المغرب والثقافية والفنية الخارجية بأهاليه ونخبه على استقبال وتبن يها مختلف أم ا االسهامات واستيعابها مع السعي إلى إعادة صياغتها ومنحها طابعا محليا إن لم نقل "وطنيا" في آخر المطاف. سياسة الدوائر الثالث اعتمد عبداهلل الغالب سياسة يمكن تسميتها بسياسة الدوائر الثالث. العثمانية على المنطقة مارس السلطان سياسة مصالحة ومسالمة فلمواجهة الهيمنة تجاه القوتين اإليبيريتين وخاصة تجاه اسبانيا. ولمواجهة هذه األخيرة عقد عالقات ثابتة ودائمة مع انگلترا وفرنسا العدو ان التقليديان آلل هابسبورگ اللذان يعارضان الهيمنة في أوروبا والمحيط األطلسي. اإلسبانية ولخلط أوراق القوى األوروبية حاول السلطان الشريف انتهاج سياسة تهدئة تجاه العثمانيين وذلك باستئناف عالقات شبه طبيعية معهم. كان استيالء العثمانيين على حجر بادس الذي سرعان ما تحو ل إلى وكر للقراصنة وقاعدة أمامية لغزو المغرب أمرا مقلقا لمدريد ومر اكش. فوقع تقارب بين 97 هذا المصطلح من اختيار المؤلف ويدل على ما به امتياز الشيء عن غيره بحيث ال يشاركه فيه غيره. 45

49 العاصمتين. إذ شج ع الغالب باهلل اإلسبان على االستيالء على المرسى وهو ما تم في 0 شتنبر كما أنه خف ف الضغط العسكري المفروض على الحصون البرتغالية والسيما مرسى الب ريجة ]الجديدة حاليا[ 98 لي ظهر حسن نواياه. االعتبارات السياسية قد ت غلب على منطق التضامن والحماسة الدينيتين. بدأت العالقات مع فرنسا بصورة جيدة إلى حد ما. فرانسوا األو ل ] [ أرسل أنطوان الب ربوني وهذا يكشف بجالء أن فبعد اتصال ناجح على عهد ] [ ملك ناڨارا وفدا إلى مراكش عام وجاءت هذه السفارة مباشرة بعد توقيع معاهدات كاتو- كمبريزيس التي أوهنت السياسة األوروبية لفرنسا مما اضطرها للبحث عن جدد. شركاء وق ع الطرفان اتفاقية تعه د فيها ملك ناڨارا بتزويد السلطان الشريف بحرس شخصي وذخائر ومعد ات حربية. ومقابل ذلك كان على الغالب باهلل أن يتنازل له عن مرسى القصر الصغير االستراتيجي الواقع بين طنجة وسبتة. كما نظ م االتفاق العالئق التجارية بين البلدين وطريقة افتداء األسرى. وتعكس البنود األساسية لالتفاق مشاغل السلطان الشريف وحاشيته الذين كانوا مهووسين بفكرة هجوم عثماني أو إيبيري محتمل. طوال القرن السادس عشر. الملك شارل التاسع وسيكون هذا الهاجس هو أهم محر كات الس ياسة الخارجية المغربية ] [ االتصال بعبد اهلل الغالب وذلك بعد سنتين. ]Robert Bordet[ ومع ذلك لم يكن لالتفاق إال آثارا محدودة مم ا اضطر تحت تأثير والدته كاترين الميديسية إلى معاودة فحل بالمغرب السفير روبير بوردي لغاية محد دة أال وهي التفاوض حول احتكار تجارة النحاس والسكر مقابل تزويد المغرب بالسالح الحديث. وال شك أن حرب األديان التي عصفت بالبالد 99 لعقود هي ما كان وراء وضع حد لهذا المشروع الفرنسي. بعد االنسحاب الفرنسي خلت الساحة المغربية لالنگليز الذين كان يتردد عدد غير هي ن من تجارهم ومغامريهم على مختلف مناطق البالد منذ النصف األو ل من القرن 98 Henry de Castries, SIHM, France, t. I, p. et p. 64 et Angleterre, t. II, p. 55 ; مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 4-4 اإلفراني نزهة الحادي ص 44 الزياني الترجمان المعرب ص Ibid., p. -46, p , p et p

50 السادس عشر ألجل ممارسة جميع أنواع التهريب. تصبح رسمية إال عندما أرسلت الملكة اليزابيت األولى لكن العالقات بين البلدين لم ] [ سفارة إلى المغرب تمكنت من التأسيس لروابط متينة نوعا ما تقوم على المصالح المشتركة. فقد وجد السلطان الشريف في انگلترا شريكا تجاريا موثوقا ومعاديا للقوى اإليبيرية 00 باستطاعته مد ه بما يحتاج له من األسلحة الحديثة والعتاد. وقد استغل الغالب باهلل أيضا مسألة مسلمي األندلس اإلسبانية وركيزة عام لسياسته الداخلية. فمنذ العصور الوسطى باعتبارها كان دعامة لسياسته كانت السلطات المغربية تقد م الدعم العسكري والسياسي لألندلسيين. ولم تنقطع هذه العناية بعد سقوط غرناطة.844 إذ لجأ عشرات اآلالف من األندلسيين إلى المغرب فض لوا البقاء في أرض أجدادهم متحم لين أنواع االضطهاد أمل الخالص القادم من المغرب أو من الدولة العثمانية. إلى حكام هاتين السلطنتين التماسا للمساعدة العسكرية. ولكن الغالبية منهم ألنهم كانوا يعيشون على لذلك أرسلوا عد ة سفارات ألهبت وعود ملوك اإلسالم حماس األندلسيين الذين أطلقوا سنة 870 انتفاضة كبرى في جبال البشرات دوخت القوات اإلسبانية. وأمام تأخر وصول المدد توج ه وفد أندلسي إلى المغرب للتأكيد على مطالبهم لكن ال حياة لمن تنادي. النمساوي أخ ملك اسبانيا من قمع االنتفاضة عام وبعد حروب وخطوب تمك ن دون خوان استفاد عبد اهلل الغالب من هذه االنتفاضة على أكثر من صعيد. فقد تخل ص من الضغط اإلسباني على السواحل المغربية وحصل على دعمهم ضد أي تدخل عثماني ولو إلى حين. لكن أهم مكاسبه تجل ى في تمكنه من اقناع السلطات األندلسيين إلى بالده. اإلسبانية من طرد آالف إذ كان ي عو ل على خبرة هذه الجماعة في المجالين االقتصادي والثقافي من أجل إثراء بالده وبيت ماله كما كان ما يرجو تعبئة طائفة منهم لتكوين 00 Henry de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p. 6-6 et p Fernand Braudel, La Méditerranée et le monde méditerranéen à l époque de Philippe II, t. II, p et t. III, p ; محمد رزوق األندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خالل القرنين السادس عشر والسابع عشر ص

51 0 فرقة عسكرية مدربة على غرار االنكشارية. كان الغالب يسعى بهذه العملية إلى ملء الفراغ الذي تركه المرتزقة العثمانيون وذلك قصد ضمان أمنه والحفاظ على السلم االجتماعي الهش وضمان التوازن بين مختلف مكو نات جنده. ومهما كان األمر فإن المسألة األندلسية ستصبح إحدى دعائم شرعية األشراف الزيدانيين وورقة ضغط هامة سيستخدمها أحمد المنصور طوال فترة حكمه. من جهتها كانت العالقات المغربية العثمانية محكومة بعوامل داخلية وأخرى متوس طية مم ا جعلها متذبذبة ال تستقر على حال. فلتجن ب أي صراع مستقبلي على السلطة دب ر عبد اهلل الغالب في األسابيع األولى من حكمه مجزرة راح ضحي تها أغلب إخوته الذكور إذ لم ينج منهم إال ثالثة: 0 للجوئهما إلى األراضي العثمانية. لصغر أحمد سن ه وعبد المؤمن وعبد الملك وقد حاولت اسطنبول أن تستغل الوضع للضغط على العاهل الجديد مم ا أسفر عن تنازله بصورة نهائية عن كل سياسة توسعية نحو الشرق. وسيستمر الحال على ما السياسة الدولية تقل بات ألجأت حرمت معاهدة كاتو-كامبريزيس الموق عة سنة الفرنسي. وفي السنة التالية هاجمت القوات 04 هو عليه حتى مطلع القرن التاسع عشر. الباب العالي إلى التفاوض مع السلطان الشريف فقد األسطول العثماني من التحالف اإلسبانية السواحل التونسية بشراسة. كما كان قلب الدولة العثمانية يموج باالضطرابات بسبب المواجهات المتواصلة بين نجلي سليمان القانوني المتطلعين لوراثته. كان العثمانيون إذن في غنى عن فتح جبهة جديدة 05 في المغرب فضال عن حاجتهم إلى موانئه كي تكون بديال عن الموانئ الفرنسية. حل ت سفارة في مراكش وانطلقت مفاوضات بين الطرفين. تعه د سلطان المغرب بدفع جراية سنوية ألخويه الالجئين ووقف مفاوضاته مع اإلسبان واستقبال البوارج 0 تم تجنيد أكثر من 84 ألف أندلسي في الجيش السلطاني. 0 كما قتل عم ه السلطان المخلوع موالي أحمد وأبناءه. 04 Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. 7-5 ; الجنابي البحر الزخ ار ص مجهول تاريخ الدولة السعدية ص - اإلفراني نزهة الحادي ص 44 ص 76 ص Fernand Braudel, La Méditerranée, t. III, p ; Robert Mantran [dir.], Histoire de.محمد فريد تاريخ الدولة العلية العثمانية ص ; 65.p l Empire ottoman,.p 54et 48

52 العثمانية في الموانئ المغربية. االتفاق سنة بادس سنة وتجديد االتصال عندها ولكن عدم الشعور باألمان دفع الغالب إلى إلغاء هذا باإلسبان ومساعدتهم على على حجر االستيالء قر ر السلطان العثماني مساعدة األميرين الالجئين على اإلطاحة بأخيهما كإجراء انتقامي. ولتحقيق ذلك بعث برسالة إلى البايلرباي حسن باشا يأمره فيها البدء باالستعداد لغزو المغرب الذي سيبدأ مباشرة بعد على االستيالء 07 مالطا. ولكن فشل حصار هذه الجزيرة في شتنبر 8707 ووفاة سليمان القانوني بعد ذلك بأشهر قليلة أج ل الهجوم. عاد الضغط العثماني بقو ة عام فقد حاول السلطان سليم الثاني ] [ مخاطبة النخب المغربية مباشرة وذلك في رسالة بعث بها إلى أعيان البالد داعيا إياهم الخروج على عبد اهلل الغالب ومبايعة أخيه عبد المؤمن على تلمسان. الذي أضحى الوالي العثماني 08 جاء رد السلطان الشريف سريعا ودمويا باغتيال عبد المؤمن. لم ي ثن هذا العمل السلطان العثماني عن مواصلة ضغطه. فقد اقترح في شتنبر 870 تسوية جديدة يقوم بمقتضاها الغالب بالتنازل عن جزء من سلطنته ألخيه عبد الملك وعن جزء آخر للدولة العلية مقابل الص لح. 09 فكان الر د سلبيا بطبيعة الحال. وقد زاد األمور تعقيدا تعيين عل وج علي بايلرباي على واليات الشمال االفريقي مم ا أعطى نفسا جديدة للوجود العثماني في المنطقة وتراجع نفوذ إسبانيا الغارقة في المستنقعين األندلسي والهوالندي. وال شك في أن اإلطاحة بالحفصيين والضم النهائي لممالكهم قد أرعب عبد اهلل الغالب. وهذه الظروف تبين بشكل جلي أن أحد أسباب التخلي عن األندلسيين أثناء انتفاضتهم هو ضمان الدعم اإلسباني للحفاظ على الملك. أمر السلطان الثاني سليم حدثا دولي األبعاد أجهض هذا المخطط. عل وج علي بالزحف على المغرب صحبة عبد الملك أكتوبر 5 ففي لكن تم تدمير األسطول 06 Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. III, p. 59, p. 86, p. 09-, p. 6- ; مجهول تاريخ الدولة السعدية ص MD, 6-97, p. 450 et 6-97, p MD, 7-49, p. 889 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor Sultão de Marrocos, p. 8- ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p MD, 7-884, p

53 العثماني في ليپانتو وتم أسر األمير عبد الملك مما أجبر العاهل العثماني على الرجوع إلى سياسة أكثر اعتداال تجاه الشريف فبعث سفارة إلى المغرب في نهاية السنة تحس نت 0 على إثرها العالقة بين الطرفين وذلك حتى وفاة عبد اهلل الغالب. لقد أظهرت الفقرات السابقة كيف حاول العثمانيون بسط نفوذهم على المغرب بشتى الوسائل والسيما تشجيع أمراء البيت الزيداني المتطلعين للحكم وهو ما سيدخل المغرب في متاهات الحروب والقالقل من جديد. التوريث مشكلة والتدخل الخارجي ترك الشريف من الرخاء موالي عبد اهلل عند وفاته في يناير البنه محمد المتوك ل ] [.8754 سلطنة تنعم بنوع فقد نهج على الصعيد الداخلي سياسة جبائية ودينية معتدلة سمحت له بضمان السلم االجتماعي وانتعاش الحركة التجارية وتشجيع العمارة. وعلى الصعيد الخارجي سمحت السياسة المتوازنة التي تبن اها من الوضع الدولي للحفاظ على استقالل البالد واستقرار الحكم. استثمار لم يتخل العثمانيون عن فكرة بسط نفوذهم على المغرب ألن ذلك سيم كنهم من واجهة على المحيط األطلسي مم ا سي وف ر ف رصا سياسية واقتصادية جديدة. موالي عبد الملك عام وكان األمير هو حصان طروادة الذي يعو ل الباب العالي عليه لتحقيق مآربه. وكان هذا األمير في واقع األمر يجوب أقطار الدولة العثمانية بغير كلل أو ملل منذ 877 مناشدا دعما عسكريا النتزاع م لك المغرب. كانت غير مالئمة بسبب هزيمة العثمانيين في ليبانتو سنة ولكن الظروف الدولية وفي تونس سنة 0 MD, 4-57, p. 068 et -665, p. 5 ; Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. III, p..ابن عسكر دوحة الناشر ص 0 ; 8-84 مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 4 ص 4 وص الجنابي البحر الزخ ار ص 44 DM, 7-46, p. 899 et 7-84, p ونظرا لفراغ صبره قر ر األمير الشاب البحث عن العون عند الحكام النصارى وخاصة عند فيليب الثاني. إال أن هذا األخير فضل المحافظة على العالقات الطيبة التي يقيمها مع الغالب رافضا إغراءات المتطلع إلى الملك الزيداني. انظر Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. III, p et p

54 كانت سنة 8754 اربكت التوازن في المنطقة. سنة صعود نجم األمير عبد الملك. ففيها توالت أحداث حاسمة فبعد وفاة السلطان الغالب أضحى عبد الملك أكبر أمراء البيت الزيداني واألحق بالتصدر إلى السلطنة وفقا للعرف الذي أرساه جد ه القائم باهلل. محمد كما انتصر العثمانيون في معركة حلق الوادي على جيوش شارل الخامس واستولوا بصورة نهائية على إفريقية. المغرب. كانت الظروف مالئمة إذن للقيام بحملة على بعد أن ضمن دعم السلطان مراد الثالث ] [ شرع موالي عبد الملك في اإلعداد للحملة وجمع أنصاره وأرسل الدعاة إلى المغرب ألنه كان يأمل في استمالة جزء من النخبة المغربية وتشجيع االنشقاقات داخل جيش ابن أخيه. وقد حاول هذا األخير تدارك األمر عبثا فاعترف بتبعيته للباب العالي ولكن سبق السيف العدل. فبعد فشل محاولة التقرب من إسطنبول ول ى المتوك ل وجهه شطر القوى المسيحية. إذ وق ع اتفاقا جديدا مع االنگليز آمال أن يمد وه بالعتاد والذخائر واتصل بملك البرتغال سيباستيان ] [ طالبا العون العسكري. بفكرة الحرب الصليبية أن يستغل الوضع للتدخل في المغرب. على خاله قر ر فيليب الثاني ] [ وقد حاول هذا الملك المهووس إذ سرعان ما اقترح أن ي نظ ما حملة مشتركة ضد المغرب الستباق الخطر العثماني. وأمام ترد د عاهل اسبانيا الذي لقبه معاصروه بالملك الحذر الشاب سيباستيان أن يتحر ك بمفرده في شهر يونيو.8754 باءت بالفشل. بدأ المتوك ل يواجه العديد من إخوته إلى اإلطاحة به مما أضعف جبهته وأوهن قواه. لكن هذه المحاولة المشاكل على الصعيد الداخلي والسيما تطل ع بعض 8757 ففي مثال ثار والي مكناس موالي الناصر الذي لم يتم السيطرة عليه إال بشق األنفس. كما اغتنمت بعض القبائل الفرصة إلعالن عصيانها واالمتناع عن دفع الضرائب وقطع الطرق. كان Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. III, p. 49, Angleterre, t. I, p. 5-7 et France, t. I, p. 9 ; مجهول تاريخ الدولة السعدية ص اإلفراني نزهة الحادي ص 0-06 الجنابي البحر الزخ ار ص الناصري االستقصا ج 7 ص 7. 5

55 الوضع إذن مالئما لتدخل عبد الملك الذي تقوى جانبه بالتحاق أخيه األصغر موالي أحمد به قبل أشهر قالئل. وانطلق األمير من الجزائر على رأس كتيبة من االنكشارية كان عددها يتزايد كل ما توغ ل أكثر في األراضي المغربية في دجنبر وبعد أشهر من المعارك والمفاوضات والدسائس استطاع األمير عبد الملك أن يبسط سلطته على أكثر مناطق البالد بعد أن بويع سلطانا ولق ب بالمعتصم باهلل. الصليبية الحرب األخيرة بعد أن استقر ت له األمور في معظم أرجاء السلطنة انتهج عبد الملك سياسة دولية نشطة واهتم بتحديث الجيش واإلدارة اعتمادا البلدان التي أقام فيه. على تجربته الطويلة ومشاهداته في فقد كان عبد الملك الذي يتقن العربية والتركية واإلسبانية والبرتغالية واإليطالية عالما باإلدارة وذا معرفة عميقة بأوروبا والدولة العثمانية. اتصل السلطان بفيليب الثاني رسميا مر تين ليعبر له عن حسن نواياه ويقترح عليه معاهدة صلح وتجارة. كما أرسل سفارتين متتاليتين إلى هنري الثالث ] [ ملك فرنسا وذلك بغية عقد تحالف اقتصادي وعسكري. ورغم أننا ال نعلم الكثير عن صيغة هذا التحالف المنشود إال أن تعيين ممثل فرنسي دائم في المغرب سنة 8755 ينم عن حسن سير المفاوضات. وقد كانت العالقات مع انگلترا مستقرة بحكم كونها المزو د الرئيس باألسلحة والذخائر إذ قام عبد الملك بتثبيت كل االتفاقيات واالمتيازات 4 التي منحها أسالفه للتجار االنگليز.. كانت عالقة السلطان الشريف بالدولة العثمانية غير واضحة المعالم. ففي األشهر األولى من حكمه يبدو حسب الوثائق العثمانية أنه اعترف بسيادة الباب العالي اإلسمية الفشتالي مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا ص 5- وص 840 الجنابي البحر الزخ ار ص 76 مجهول تاريخ الدولة السعدية ص اإلفراني نزهة الحادي ص 0-0 وص 866 الزياني الترجمان المعرب ص 8-4 Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. III, p. 49, France, t. I, p. 49 et Angleterre, t. I. p. 78 ; Bautista, «Chronica de la vida y admirables hechos de señor mouley Abdelmelech», Hespéris-Tamuda, t. XXIV, 986, p Henry de Castries, SIHM, France, t. I, p. 50 et p. 68-7, Angleterre, t. I, p et p. 6 ; Jacques Caillé, La représentation diplomatique de la France au Maroc, p. -. 5

56 على المغرب فضرب السك ة باسم مراد الثالث ودعا له على المنابر وأرسل له هدية والء. ولكن هذا الحال لم يدم طويال. إذ لم يكن التفاهم مع العثمانيين في عيني المعتصم إال مؤقتا ألنه يعرف حق المعرفة أن طموحهم الخفي هو االستيالء التدريجي على األراضي المغربية أو على األقل األجزاء الشمالية. لذلك كان أو ل ما فعله بعد ترتيب الشؤون الداخلية هو الحفاظ على العالقات مع القوى األوروبية بل والسعي إلى عقد تحالفات معها وذلك قصد إحباط المخططات العثمانية. وسرعان ما أثارت سياسة سلطان المغرب األوروبية حفيظة الباب العالي الذي سعى بوسائل شتى إلى ثنيه عن ربط عالئق وطيدة بالنصارى وإقناعه بفتح موانئه بل أراضيه أمام األسطول والجيوش العثمانية. ومهما كان األمر فإن حدثا فهل كانت سلطات اسطنبول ت عد العد ة لغزو المغرب من جديد ذو أهمية وطبع دوليين هو ما سينقذ البيت الشريف من براثين العثمانيين مرة أخرى. لكن هذا الحدث سيقع في المغرب. لئن تمك ن عبد الملك المعتصم من السيطرة على سائر أرجاء البالد في بضعة أشهر والقضاء على قوات ابن أخيه المخلوع فإنه لم يستطع القبض عليه. خطرا كبيرا خصوصا أن المتوكل يطمح إلى استعادة ملكه. وهذا ما يشكل فقد حاول هذا األخير استمالة بعض القبائل ومشايخ الدين ولما خاب مسعاه قرر اللجوء إلى حجر بادس في 8755 طلبا لدعم إيبيري. 5 اإليبيرية طلبا للمؤازرة من ثوابت التاريخ المغربي. وي ع د لجوء األمراء المغاربة للقوى األجنبية والسيما فك رت القو تان اإليبيريتان جد يا في مساعدة السلطان المخلوع على استعادة ممتلكاته وذلك مقابل رفع الحصار المضروب على الحصون اإليبيرية والتنازل عن األراضي الفالحية المحيطة بها. ولكن سرعان ما فر قت بينهما اعتبارات استراتيجية. فقد اعتبر فيليب الثاني الراغب في اإلشاحة بوجهه عن مشاكل حوض المتوس ط والتركيز على سياسته التوسعية في أوروبا وغيرها أن تحصين المستعمرات المغربية كاف لصد أي هجوم عثماني محتمل. وسبب هذا الموقف الفاتر هو اسبانيا في مفاوضات جد ية مع 5 Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. III, p et p. et Angleterre, t. I, et France, t. I, p ; MD 0-45, 0-46, 0-48, 0-490, p

57 العثمانيين والمغاربة قصد الوصول إلى هدنة طويلة األمد تضمن بموجبها سالمة أراضيها. ورغم تخل ي خاله عنه قر ر الملك سيباستيان أن يقوم بغزو "استباقي" للمغرب ألنه الطريقة الوحيدة لكبح التقدم "التركي" واستعادة المراسي المغربية وإن 6 أمكن تحقيق ما هو أكبر من ذلك. فضال عن العوامل النفسية والدينية فإن عوامل سياسية واقتصادية وجيهة هي ما دفع الملك الشاب إلى التمسك بمشروعه والزج بقواه في مغامرة غير محسومة النتائج. فقد كان االحتالل العثماني للمغرب سي لحق أضرارا جسيمة بالتجارة البحرية التي كانت العمود الفقري لالقتصاد البرتغالي. قبل في المحيط الهندي والبحر األحمر والخليج كانت تهدف كانت تلك الحركة التجارية مضطربة من بدعم من البندقية إلى إحياء طرق التجارة القديمة العربي بسبب المنافسة العثمانية التي وإلى فض التعاون 7 العسكري الذي بدأت تظهر مالمحه بين البرتغاليين والصفويين حكام فارس فابتالع المغرب من طرف ويهدد وجودها سياسيا. واستطاع الملك الشاب أن ي عد الدولة العثمانية "حملته الصليبية" تحف ظ نبالء مملكته ومعارضة خاله فيليب الثاني. المتوك ل الذي التحق بثغر طنجة في دجنبر. كان سيخنق مملكة البرتغال اقتصاديا في جو من الحماس والتفاؤل رغم فقد أسفرت مع محمد المباحثات 8755 على صفقة واضحة ال لبس فيها: استرجاع الملك مقابل التنازل عن كل الموانئ المغربية. ويعد انشقاق والي بالد الهب ط عبد الكريم بن تودة في مطلع 875 التحاقه بسيده في طنجة إشارة قوية على احترام االتفاق. وتسليمه مدينة أصيلة إلى قوات سيباستيان قبل حاول عبد الملك تدارك 8 األمر بتقديم عد ة تنازالت السيما التخلي عن بعض األراضي. لقد اعتبر سيباستيان أن كل هذه الوقائع واإلشارات تدل على حسن طالعه وتشجعه على المضي قدما لتحقيق حلمه. 6 Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. III. p. 5-8, p. 76 et p. 86-9, Angleterre, t. I. p. 6-66, p صالح أوزبران األتراك العثمانيون والبرتغاليون في الخليج العربي ]454-45[ بغداد Henry de Castries, SIHM, France, t. I, p et Espagne, t. III, p

58 حل الملك وجيوشه في أصيلة يوم.875 يونيو 8 واالحترافية كان الجيش البرتغالي يفتقر إلى الكثير والتنسيق بين مختلف وحداته وهو مقبل على ورغم كل مظاهر االستعداد من وسائل اإلسناد الميدانية "غزو بالد عازمة على الدفاع عن 9 نفسها". زد على ذلك غياب عنصر المفاجأة وهو أساسي في كل العمليات الحربية. فعبد الملك المعتصم كان يرصد تحركاتهم منذ شهور وال تفوته شاردة وال واردة من أخبارهم. لذلك توفر على الوقت الكافي إلعالن الجهاد في سائر أرجاء البالد وتعبئة الشبكات الجزولية والزر وقية بغرض تجييش السكان. وبعد مناوشات ومخاطبات التقى الجمعان يوم 4 غشت 875 فيرنان بروديل 0 في وادي المخازن. كانت هذه المعركة التي يعتبرها "آخر الحمالت الصليبية التي قامت بها القوى المسيحية المتوس ط" أكبر مصيبة في التاريخ السياسي البرتغالي. في البحر فقد انتهى حكم آل أڨيس وفقدت البالد عظمتها واستقاللها. أم ا المغرب فلم يكسب منها إال قوة رمزية كما سنراه في الفصول المقبلة. وكان من غرائب هذه المعركة سقوط ثالثة ملوك. فقد ق تل سيباستيان على ساحة الوغى وغرق السلطان المخلوع في الوادي وهو يحاول الفرار ومات السلطان عبد الملك على فراش وقد بايعوا األمير موالي األول من هذه المعركة. المرض ورحى الحرب دائرة. أحمد الذي اتخذ لقب المنصور. لم ينفض الناس من ساحة القتال إال وبذلك كان هو المستفيد أحمد المنصور الخالفة وحلم الذ هبي و لد موالي أحمد في مدينة فاس سنة 8744 وهو التاريخ الذي توحد فيه المغرب من جديد تحت إمرة وأدباء عصره. والده. وتلقى العلم والمعارف منذ نعومة أظافره عن أشهر علماء وسيبقى حب العلم الذي تشر به في صباه مرافقا له طيلة حياته. مقتل والده ونشوب الصراع بين إخوته سنة 8775 وبعد توارى األمير الصغير عن 9 Ibid., p وهو أحد روافد وادي لوكوس ويمر بالقرب من مدينة القصر الكبير. Fernand Braudel, La Méditerranée, t. III, p

59 األنظار بمعية أم ه في واحات سجلماسة لعدة سنوات قبل أن يلتجأ إلى الدولة العثمانية سنة وقد كان لمقامه هناك أثر واضح على سيرته إذ تعل م بعض فنون السياسة العثمانية واإليبيرية واكتسب خبرة في السياسة الدولية والشؤون العسكرية دون أن ينسلخ أبدا عن التقاليد المحلية. ساعد موالي أحمد أخاه بكل ما يملك من قوة للوصول إلى الحكم. فشارك في كل المعارك المهمة وتفاوض مع بعض القبائل القوية. فكان جزاؤه بعد النصر أن ع ي ن وليا للعهد وخليفة للسلطان على فاس وملحقاتها. وبذلك أصبح الشخصية الثانية في الدولة. ولم يدم هذا الوضع طويال إذ سرعان ما تسارعت األحداث ووقعت معركة وادي المخازن التي غيرت مصيره ومسيرته بأن أصبح سلطان المغرب وأحد الفاعلين على المستويين االفريقي والمتوسطي لمدة تنيف عن الربع قرن. أخيرا عرف المغرب ما بين 875 و 806 فترة طويلة من السلم االجتماعي والسياسي النسبيين على الصعيدين الداخلي والخارجي األمر الذي سمح بظهور دولة قوية تسعى إلى احتكار السلطة ومركزتها. فعلى عهد أحمد المنصور أخذ المخزن المغربي شكله الشبه النهائي الذي لم يتغير إال قليال حتى بداية القرن العشرين. وقد وضع السلطان الشريف كذلك األسس العقائدية والسياسية والعسكرية واالقتصادية والدبلوماسية لما سي صبح إمبراطورية إقليمية متمركزة حول المغرب األقصى. إلحكام سيطرته على البالد والمحافظة على استقالله وتوسيع نطاق ملكه وتعزيز هيبته وقوته في الساحة الدولية كان البد للسلطان الشريف من إضفاء الشرعية الدينية والسياسية والتاريخية على حكمه بحيث يصبح وآل بيته مقدسين لدى الخاصة قبل العامة. فاستخدم لهذا الغرض جهازا رمزيا متينا يتطل ب اعتماد منظومة من المعتقدات والمفاهيم واألدوات الخطابية المنتجة للشرعية وعلى مراسم م عقدة وعلى شارات ملك معبرة. يبدو أن أحمد المنصور استوعب جيدا القواعد المعق دة لل عبة السياسية المغربية التي تتمث ل في تحقيق توازن مستمر بين فاعلي المعترك السياسي-الديني األساسيين لضمان والء الجميع أو على األقل أكثرية مريحة. كانت الطريقة بسيطة وفع الة وهي 56

60 إحكام القبضة على الفئات الضعيفة بالقوة الردعية واستمالة الفئات التي تتطلب السيطرة عليها تكلفة عالية والتحالف مع الفئات القوية. كان السلطان ي فض ل في الغالب سياسة الجزرة لكن العصا لم تكن بعيدة إذ لم يتردد قط طوال عهده في استعمال القو ة عندما تستوجبها الظروف. وهكذا حاول أحمد المنصور منذ السنوات األولى من حكمه فرض األمن وتحسين المداخيل ألجل تقوية مكانته. وبعبارة أدق كان يسعى إلى احتكار ومركزة السلطة. ولتحقيق هذا الغرض نظم الجيش تنظيما جديدا يمزج التقاليد المحلية بالتقنيات الحديثة وطو ر هيكال إداريا ذا كفاءة مقبولة واستقطب نخبة ذات أصول وخلفيات متعددة وأنشأ قاعدة اقتصادية صلبة إلى حد ما. لقد أولى السلطان الشريف اهتماما خاصا للجيش باعتباره أداة للهيمنة وفرض النظام. فقد أراد بناء جيش حديث على الطراز العثماني-األوروبي مع المحافظة على تقاليد الفروسية المغربية. ولتسيير شؤون البالد كان يعتمد على جهاز إداري بسيط ومعق د في آن واحد يتجه نحو نوع من المركزية تقوم عليه مجموعة محدودة من المستشارين والمساعدين والكتاب والقو اد. ولم ا كانت النفقات المتعل قة بحياة البالط ومجهودات المركزة وتحديث الجيش والسياسة الخارجية تزداد بسرعة كان ال بد من توفير مداخيل مستقرة وهامة. فانكب المنصور ومعاونوه على إعادة تنظيم الجباية وتشجيع التجارة وخلق نشاط صناعي. ويشك ل مجموع األشخاص والشبكات والمؤسسات التي تدور في فلك السلطان وتسعى لخدمة مصالحه وتقوية سلطته ما يسمى بالمخزن. وكان بناء مركز قوي ال يسعى فحسب لتوطيد أركان دولة السلطان والمحافظة على استقالل وحدة أراضيه بل كان سيخدم إنشاء خالفة مغربية قوي ة وذات نفوذ. وفيما يتصل بسياسته الخارجية أثبت أحمد المنصور تمرسا حقيقيا. فبفضل قراءة جيدة للوضع المتوسطي واألطلسي عرف السلطان كيف يوظف سياسة الدوائر الثالث قصد خلق توازن بين كل القوى الموجودة والسيما العثمانيين وااليبيريين الذين كان يسعى كل منهما إلى بسط نفوذه بطريقة أو بأخرى على المغرب. وهكذا ربط اتصاالت ثابتة مع العديد من الدول كانگلترا وهوالندا وفرنسا وفارس وغيرها. كما 57

61 أنه ذهب إلى حد القيام بدعاية "مهدوي ة" مكث فة داخل الواليات العربية التابعة للدولة العثمانية وبين م سلمي إسبانيا. وكانت هذه الدعاية مندرجة ضمن سياسة أكثر شموال تستند إلى فكرة الخالفة ومدفوعة بعوامل اقتصادية وسياسية ودينية: اإلمبريالية المنصورية. وقد بلغت هذه اإلمبريالية أوجها باالستيالء على بالد السودان وإقامة خالفة غربية. وبعد فراغه من أمر السودان تحو ل نظر السلطان نحو األطلسي. فبقي مشروع غزو األندلس والهند والقارة األمريكية باالتفاق مع ملكة انگلترا إليزابيث األولى حلما كبيرا لم يستطع السلطان تحقيقه. والحاصل أن العمل السياسي ألحمد المنصور الذ هبي يظهر وجود رغبة حقيقية في تأسيس دولة سلطانية شرعية ومركزية ومستقلة تطمح إلى التوسع المستمر اعتمادا على عقيدة الخالفة كما فعل الفاطميون واألمويون والموح دون والمرينيون. وهو ما أسميناه بالمشروع الثالثي األبعاد. فما هو إذن معنى ومبنى هذا المشروع إن طرح هذا السؤال المحوري يجرن ا إلى طرح أسئلة أخرى ال تقل أهمية إذ تتعلق بمختلف مكوناته. ويمكن إجمالها كالتالي: ما هي خصوصية الدعائم العقدية التي تبن اها المنصور ما هي المصادر العقدية والفقهية والتاريخية التي اعتمد عليها لتكريس عقيدة الخالفة كيف انعكست هذه العقيدة على المراسم السلطانية وشارات الملك وعلى حياة البالط ماهي الوسائل التي استعملها إلعادة تنظيم المخزن وإحكام القبضة على المجال المغربي إلى أي مدى يمكن اعتبار التنظيم العسكري مدخال جيدا لفهم إعادة تنظيم المخزن ما هي التدابير المالية التي ات خذت لدعم وتمويل مشاريع السلطان كيف تم التعامل مع مشكلة التوريث وانتقال السلطة التي لغ مت تاريخ البيت الحاكم منذ ظهوره ما هي اإلستراتيجية التي ات كل عليها المغرب لتبوء مكانة معتبرة في النظام العالمي الناشئ ما هي الخطط التي تم وضعها للحد من المطامع العثمانية واإلسبانية في المغرب ماذا كانت فائدة ربط عالقات مع البلدان البروتستانتية والسيما انگلترا هل كانت المحافظة على استقالل المغرب وقو ته تستوجب فعال االستيالء على أراض جديدة ما هي الدوافع الحقيقية وراء تبني سياسة صحراوية نشطة وغزو السودان ألم يكن هذا نتيجة لسياسة توسعية حقيقية تحت ستار حلم توحيد المسلمين 58

62 تحت راية الخالفة إن الغرض من هذا الكتاب هو محاولة اإلجابة عن هذه األسئلة باالستناد إلى أهم المصادر العربية واألوروبية المتوفرة وهي مصادر ينبغي إبداء بعض المالحظات في شأنها. علينا أن الرغم من نقول تنو عها. بادئ ذي بدء إن كلمة عن المصادر المصادر تبقى نادرة ويبقى استثمارها محدودا على إن المخطوطات التي نجت من تقل بات الزمن توجد متناثرة بين مواد أرشيفية في المغرب واسبانيا وتركيا وبريطانيا وغيرها. توجد هذه المخطوطات الصادر أغلبها عن ديوان اإلنشاء الزيداني في وضع سي ء على العموم. المحافظة عليها خاصة فيما يتعل ق بتلك الموجودة في المغرب كانت تستعمل كمادة تعليمية في حلقات تلقين العربية وفن الترس ل. اللغوية ال قام النساخ بشطب المعطيات فقد تم ت لقيمتها التاريخية إذ لمزاياها لذلك المرجعية كأسماء الشخصيات واألماكن والتواريخ والمفردات التقنية وغيرها لمد الط الب بنصوص نموذجية يسهل حفظها واستعمالها. وهو ما يجعل الكثير من هذه الوثائق غير قابلة لالستخدام في بحث تاريخي الل هم عن األدب والل غة. كما أن أغلب الوثائق التي وصلتنا مت صلة بالمجاالت السياسية والعسكرية والدبلوماسية ألن مستواه اللغوي جي د جد ا في غالب األحيان. أم ا الوثائق التي كانت ت عتبر أقل جمالية من قبيل سجال ت الضرائب واإلحصاءات وممتلكات الوقف وغيرها فقد ضاع أكثرها لألسف. هذا ومن نافلة القول اإلشارة إلى للتعريف بهذه المصادر أنظر مثال محمد حجي الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين الرباط 8450 جزآن Évariste Lévi-Provençal, Les historiens des Chorfas, Paris, 95 ; Jacqueton Gilbert, Benoit Fernand et Jean Babelon, «Les sources inédites de l histoire du Maroc. re série : la dynastie saadienne», Bibliothèque de l École des chartes, vol. 67, 906, p. 0-4, vol. 68, 907, p , vol. 69, 908, p , vol. 7, 90, p , vol. 74, 9, p , vol. 75, 94, p. 9-0, vol. 79, p , vol. 8, 9, p , vol. 97, 96, p et vol. 98, 97, p ; Henri Labouret, «Les sources Inédites de l Histoire du Maroc», Africa : Journal of the International African Institute, vol. 0, nº 4, 97, p Voir également les introductions critiques des sources éditées. 59

63 أن المغرب رغم االحتكاك بالقوى األوروبية لم يحدث إدارة لحفظ الوثائق الرسمية حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. رغم أن المصادر المتوفرة في أغلبها لألحداث. واألدب ومجموعات ذات أصول مختلفة 60 فهي متكاملة إلى حد كبير ومعاصرة تشكل كتب التاريخ والسير والمناقب ومجاميع الفتاوى والشعر الوثائق الصادرة عن ديوان اإلنشاء السلطاني أهم المصادر المغربية. وباستثناء التاريخ الفاسي المجهول الم ؤل ف فإن هذه المصادر جمعها مقربون من المخزن إن لم يكن أحد أعيانه وأشهرهم عبد العزيز الفشتالي ]ت 808 [. ويكشف تحليل هذه المصادر عن محدوديتها. فأغلب المؤلفين يكتبون بأسلوب غير شخصي يهدف إلى إبراز المقدرة اللغوية أو إلى بناء نموذج مثالي ال إلى مد القارئ أو المتلقي بالمعلومات. كما أنهم ال ي ظهرون إال القليل من عقليتهم وطريقة تفكيرهم أو آرائهم. زد على ذلك أن الكثير من النصوص ما هي إال إعادة توظيف لنصوص عباسية أندلسية تم تغيير األسماء والمواضع وبعض الصيغ. أو ولكن المقابلة بين المصادر المغربية ومثيالتها األوروبية والعثمانية تكشف أن ه على الرغم من حجب بعض التفاصيل أو تعويمها في نثر مسج ع أو إهمالها فإن رواية األحداث والوقائع السياسية ال تحيد كثيرا عن الحقيقة. وقد بدلنا أقصى جهد لالستفادة من كل اإلشارات والتفاصيل التي توفرها لنا هذه الوثائق مهما بدت تافهة للوهلة األولى. تتألف المصادر األوروبية من رسائل وتقارير ومذكرات كتبها سفراء أو تجار أو جواسيس أو مرتزقة أو أسرى أو رهائن تواجدوا في المغرب في الفترة التي تهم نا. ومن البديهي أن يتبنى هؤالء وجهة نظر أوروبية حول سلوك السلطات الشريفة والمجتمع المغربي تشوبها في الكثير من األحيان على أحكام مسبقة. ومع ذلك فإنها تلقي ضوء كاشفا على طائفة ال يستهان بها من األحداث وتعرف بمجموعة من المؤسسات واألشخاص أغفلتها عن قصد أو غير قصد المصادر المحلية. ويمكن القول إن نا ال نستطيع تفكيك وإعادة بناء تاريخ هذه الفترة دون االعتماد على المصادر األوروبية. أم ا المصادر العثمانية فتتألف من مراسالت رسمية وكتب تاريخ وتراجم. سنحاول كذلك استغالل النقوش الموجودة على المسكوكات وشواهد القبور وبعض المعالم على قل تها.

64 وهي ال تصلح إال قليال لدراسة الوضع الداخلي في السلطنة الشريفة. تظهر بطبيعة الحال عند دراسة العالقات العثمانية المغربية. 6 فائدتها ولكن وبصرف النظر عن الطابع الذاتي والالشخصي للمصادر ودرجة صدق المؤل فين فإن المشكل الحقيقي الذي يواجه الباحث هو مواضيعها التي ت رك ز عامة على البعد الحدثي وبنية السلطة المركزية والعالقات الخارجية أي ترك ز على ما يت صل بالتاريخ السياسي. فحتى مجاميع الفتاوى ومصنفات الفقهاء التي كان من الممكن أن تعكس مثلما هو األمر في حقب أخرى بعض مالمح التاريخ االجتماعي وتاريخ العقليات ليست في الواقع إال مدونات مناقبية تصف ع ال ما مثاليا ينبغي أن يكون أكثر مم ا تعكس أم ا الوضع الحقيقي. ورغم إمكانية دراسة بعض النقاط التفصيلية فإنها ت عب ر في الغالب بطريقة أو بأخرى عن وجهة نظر النخبة الدينية. الوثائق الخاصة والعدلية والوقفية واالقتصادية فلم يتم المحافظة عليها بصورة نسقية إال في وقت متأخ ر وفي المدن الكبرى فحسب. فهي ال تعكس الواقع االقتصادي واالجتماعي لسائر أرجاء البالد التي كان أكثر من تسعين في المائة يقطنون في البادية زيادة على كونها ال تمثل إال رؤية فئة اجتماعية محدودة كما أسلفنا. ولذلك فإن دراسة التاريخ الديموغرافي واالجتماعي واالقتصادي فضال عن تاريخ العقليات ال يمكن أن تكون في الوضع الحالي لمعارفنا إال جزئية وغير مكتملة. القليلة التي قام بها بعض الباحثين محدوديتها. وقد أظهرت المحاوالت فعلى سبيل المثال تراوح عدد سكان المغرب من دراسة إلى أخرى ما بين المليون والستة ماليين نسمة. االقتصادي فإنه يقتصر 4 الوثائق. أم ا التاريخ على مدينة فاس حيث توفرت مجموعة البأس بها من إن طبيعة المصادر ومضمونها هو ما ي حد د إذن طريقة تناول الموضوع. تاريخ المغرب على عهد ولكن السياسي الفترة. األخير التاريخ السياسي بأنه أحمد فكتابة المنصور تقتضي أو ال كتابة التاريخ السياسي لهذه "ليس بالضرورة سطحي" كما يقول مارك بلوك. وي فس ر هذا "تاريخ ي رك ز بطريقة مشروعة على تطو ر نظم الحكم 4 محمد مز ين فاس وباديتها. مساهمة في تاريخ المغرب السعدي الرباط 840 جزآن.

65 ومصير الجماعات ]...[ 5 من الداخل األحداث التي اختار دراستها". ليكون بصورة تام ة في مستوى مهمته ويسعى إلى أن يفهم ولتفكيك وتحليل المشروع الثالثي األبعاد الذي تبناه السلطان الشريف سنقس م دارستنا إلى ثالثة أبواب رئيسة. المنصور وأتباعه أحمد بمختلف أشكاله وشارات الملك و المراسم. سيخصص أولها إلى تحليل جهاز الشرعنة الذي وضعه وهو الجهاز الذي كانت دعاماته األساسية هي الخطاب وسنبي ن في هذا القسم أن اعتماد العقيدة الخليفية كان يهدف إلى جعل السلطان مركز الجذب المثالي للسلطنة بحيث يكون قلب المجتمع و فوقه في آن واحد ويسعى إلى إخراج المغرب من دائرة النفوذ األجنبي وتبرير مطامح حاكمه التوسعية. إن جعل مؤسسة السلطان الشريف قطب رحى المغرب كان يعني اعتماد سياسة احتكارية ومركزية. وسيمكننا الباب الشريفة وذلك عبر دراسة مختلف دواليب المخزن. الثاني من توصيف صيرورة مأسسة السلطنة وسنجتهد كي ن خرج إلى النور المجهودات التي بذلها السلطان ومساعدوه لجعل الجهاز اإلداري والنظام المالي أكثر فاعلية ووضع حد لمشكلة التوريث. وستكون السياسة الخارجية هي موضوع الباب الثالث. وسننكب في هذا القسم على مناقشة السياسة الواقعية للمنصور تلك السياسة التي كان الهدف منها هو ضمان استقالل ممالكه وصون مصالحه. فمن خالل لعبه على التنافس اإلسباني العثماني ضمن المنصور في بادئ األمر ملكه إزاء الباب العالي وبعد ذلك ابتعد عن إسبانيا عبر التقرب من البلدان البروتستانتية وذلك بهدف تحييد فيليب الثاني وحتى يستطيع الشروع في غزواته الصحراوية. طموحاته التوسعية وذلك باالستيالء جديد بل وغزو القارة األمريكية. وعندما صار خارج تأثير أعدائه أراد إشباع على السودان الغربي والحلم بفتح األندلس من 5 Marc Bloch, «La vicende politiche dell Italia medievale», Mélanges d histoire sociale, nº 6, 944, p. 0. 6

66 األو ل الباب هاجس الخالفة يعرف الجميع أن نظام الحكم الملكي يستند في كثير من األحيان على مبدأ باطني. وال تخرج الحضارة اإلسالمية عن هذه القاعدة. فالم لك يعني خدمة اهلل ونبيه واألمة اإلسالمية. ورغم أن الدولة اإلسالمية قد عرفت أشكاال عد ة للحكم فإن مؤسسة الخالفة ذلك الملك ذو الطابع الكوني تبقى في المخيال اإلسالمي مؤسسة يقع تمث لها في زمن نبوي بل إلهي. فإقامة الخالفة الراشدة أو إحياؤها تعني االنخراط في هذا المنظور اإللهي باعتباره بحثا دؤوبا عن 6 وصحابته والخلفاء الراشدين". "هذا العصر الذهبي الذي كان سمة زمن النبي وهكذا أصبحت مؤسسة الخالفة وعقديا يستطيع أي مشروع سياسي أن يجد فيها ما ي ش رع ن مسلكه. سياسيا "وعاء " وعلى غرار األمويين في األندلس والفاطميين والموح دين والمرينيين اغترف البيت الزيداني من هذا الوعاء ما ساعده على شرعنة سلطته وإضفاء القداسة على مشروعه السياسي وذلك ألن "السلطة ال تمارس على األشخاص واألشياء إال إذا تم االلتجاء 7 إضافة إلى القوة الردعية إلى أدوات رمزية وإلى المخيال" وكانت االدعاءات. المهدوية ألوائل سالطين الساللة الحاكمة متساوقة مع اد عاءاتهم الخليفية. وعلى عهد محمد الشيخ المهدي] [ بدأت العقيدة الخليفية في التبلور. تأتي ألقاب هذا السلطان وعمله السياسي والعسكري والدبلوماسي لتأكيد هذه الفرضية. فينضاف إلى لقبه االنتظاري ]messianique[ ويندرج إصرار السلطان الشريف على غزو تلمسان ضد سليمان القانوني ] [ في هذا السياق. المهدي لقبا أمير المؤمنين واإلمام. وملحقاتها وصراعه السياسي كان للعقيدة الخليفية لمحمد الشيخ ثالث وظائف هي إضفاء الشرعية على سلطته داخل المغرب وأن تكون بمثابة 6 Louis Gardet, La cité musulmane vie sociale et politique, p Georges Ballandier, Le détour. Pouvoir et modernité, p

67 الدرع الواقي ضد المطامح العثمانية وأن ت سن د سياسته التوسعية. ومع ذلك يبقى جهاز الشرعنة الثالثي األبعاد الذي أوجده السلطان محمد الشيخ واعتمده خلفاؤه المباشرون جهازا جنينيا وغير مفصل. ولن تتم بلورة جهاز الشرعنة هذا إال على عهد ابنه أحمد المنصور وذلك بالتمركز حول خطاب متين يعتمد على ركائز ثابتة في أغلبها. إن الجهاز الخطابي الذي اعتمده السلطان الشريف أحمد المنصور هو لغة ذات حوامل متعددة ومنطلقة من نفس المسل مة التي هي الخالفة. وسيقوم جهاز الدعاية السلطاني بإنتاج المعنى متمحورا حول هذه " المسل مة-المؤسسة". وفي سبيل هذه الغاية تم وضع نظام كامل من التمثالت كما تم تجييش العديد من الموضوعات "التقديسية" وذلك إلبراز المطامع الخليفية للسلطان. كان الخطاب والرموز والشارات والمراسم هي األسس المفض لة إلضفاء الشرعية على سلطة المنصور وإبراز قو تها. وهكذا تم االلتجاء ببراعة إلى الكثير من المقوالت والمفاهيم المستمدة من الثقافة اإلسالمية ب غية التأثير في مخيلة أكبر عدد من الناس. فكل حامل من حوامل الشرعية يحد د في ذاته طبيعة متلق ي الرسالة السلطانية. وإذا كانت الحوامل المكتوبة قد تم تداولها من طرف النخب ولفائدتها فإن حوامل أخرى مثل الهندسة المعمارية والسك ة وخطب الجمعة والمناسبات االحتفالية كانت تتوج ه إلى "عامة" الناس وذلك ل س ن قراءة محددة للعالم ونظامه. 64

68 الفصل األول: احتكار اإلرث النبوي يستدعي خطاب الشرعنة الذي وضعه السلطان الشريف والنخب المرتبطة بالمخزن كما قلنا شبكة من التمثالت األسطورية والتاريخية المستمدة أساسا من الثقافة اإلسالمية والتي تعكس بعض التجارب التاريخية االسالمية وتطلعات النخب السياسية-الدينية. ]téléologique[ قادر على والثقافية التي مرت بها األمم وتندرج هذه التمثالت في تصو ر غائي 8 "التأثير بذاته على األشخاص واألشياء". وهكذا كان خطاب الشرعنة السلطاني يهدف إلى أن يكون في نفس الوقت أداة تنظيم ودمج بحيث يستطيع أعضاء النخبة والسيما الفقهاء والص لحاء أن يستوعبوه ويتقبلوه بسهولة نسبية ألنه يوافق بشكل عام ثقافتهم وتمثالتهم مم ا يسهل نشره بين عام ة الناس عن وعي أو غير وعي. ولتحقيق هذا الغرض كان البد من انتاج ترسانة من المفاهيم والرموز والصور تجعل من المشروع السلطاني وريث القرون االسالمية األولى أو ما يصطلح عليه بعهد السلف الصالح الذي يعتبر خير العهود على االطالق في المخيال االسالمي. وسنرى في هذا الفصل كيف سيتم تشييد "نسب" متصل بين السلطان وبين الماسكين بهذه الشرعية الكلية والسيما النبي محمد بشتى الطرق المتاحة والمقبولة عند الخاص والعام. النسب المتعالي و تكريس الشرف كانت عملية البحث عن عمق ساللي وسيلة ال مهرب منها إلنشاء عالقة شرعنة بالزمن الذهبي لإلسالم. وكان أحد موضوعات اد عاء الشرف أي ادعاء نسب مقد س. المغرب االنحدار من ذر ية الحسن الدعاية الزيدانية منذ ظهورها هو يزعم السالطين الزيدانيون مثل أغلب أشراف ]ت 056 [ سبط النبي من ابنته فاطمة ]ت 0 [ 8 Georges Balandier, Anthropologie politique, p

69 وابن عمه علي ]ت 008 [ 9 يحملونه في أغلب الوثائق الرسمية. الخليفة الرابع ومن هنا جاء لقب الشريف الحسني الذي وللتمكين لهذه المزاعم سرعان ما قام الحكام الزيدانيون بنشر شجرة نسب ووضعوا عد ة روايات تتصل بأصل سلفهم وباستقرارهم في واحات الجنوب المغربي. وحسب هذه الروايات فإن األشراف الزيدانيين يعودون بأصولهم إلى قرية ي نب ع في الحجاز حيث استقرت طائفة من ذرية علي في العهد العباسي. المغرب فيعود إلى القرن الرابع عشر تقريبا. أم ا استقرارهم في وت خبرنا رواية ال شك في طابعها األسطوري أن سكان الواحات الصحراوية في د ر عة كانوا قد أزمعوا على الحج بعد سنوات عجاف. وفضال عن الطابع الديني المحض لهذه الرحلة فقد كانوا يأملون في إقناع أحد أسباط النبي بمصاحبتهم واإلقامة بينهم حتى تحل عليهم البركة النبوية. وكان 0 أن قبل زيدان بن أحمد أحد أشراف ي نبع عرض الحج اج المغاربة. واستقر هذا الشريف في منطقة درعة حيث أنشأ بنوه الذين تمت عوا بهيبة عظيمة زاوية ت سم ى زاوية األشراف. والجدير بالذكر أن هذه الرواية نفسها سيتم تبنيها فيما بعد من طرف الساللة العلوية التي تحكم المغرب منذ 800. ودون الط عن في األصل الشريف ألوائل السالطين الزيدانيين وهو في نظرنا حقيقة اجتماعية أكثر منه حقيقة تاريخية وجد بعض أخباري النصف األو ل من القرن السادس عشر صعوبة في التحديد الدقيق لنسب هذه الساللة. ]Marmol[ فإن محمدا القائم ] [ فحسب مرمول مؤسس األسرة ينحدر من نقيب األشراف محمد بن علي الجوطي الذي حكم فاسا فترة قصيرة عقب اغتيال آخر السالطين المرينيين سنة وحسب نفس المؤلف فإن القائم قد يكون سليل رجل ي سم ى أبو الحج اج وهو أحد المرابطين المجاهدين بنواحي القيروان. وسيزعم 9 Henri de Castries, SIHM, t. II, p ; Marmol, L Afrique, t. I, p. 44 ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p اإلفراني نزهة الحادي ص 0-7 الزياني الترجمان المعرب ص 88 الناصري االستقصا ج ص. Marmol, L Afrique, t. I. p. 44. Ibid., p

70 بعض المؤلفين فيما بعد وخصوصا في القرن السابع عشر أن األسرة الزيدانية تنحدر من العباس عم النبي والجد األعلى للخلفاء العباسيين. ]87-576[ ومهما كان الشك الذي يحوم حول النسب الصريح لهذا البيت فال مصدر من المصادر التي بحوزتنا يطعن في النسب الشريف للزيدانيين. وأخيرا فقد يكون من المهم اإلشارة إلى أن الساللة الوط اسية المنافسة للزيدانيين وكذلك العثمانيين الذين كانوا على علم بطموح سالطين بني زيدان لم يحاولوا الطعن أبدا في أصلهم الشريف. وال يمكن لهذا الصمت إال أن يقوي اد عاءات القائم بأمر اهلل وذر يته من بعده. لم يتأخ ر أوائل السالطين الزيدانيين خاصة محمد الشيخ المهدي في تبيين األمور وفي رفع الل بس الذي يلف النسب الدقيق لألسرة. فبعد استنفاد الطموحات المهدوية قام محمد الشيخ بتركيز األنظار شيئا فشيئا على الجهاد والنسب الشريف. ومن المرج ح أن أو ل شجرة نسب عائلية قد تم وضعها على عهد هذا السلطان ليقع تداولها في المغرب بل في الواليات العثمانية. 4 شجرة نسب للبيت الزيداني. تنخرط هذه الصياغة النسبية في روح العصر ونجد في إحدى الحولي ات العثمانية الموضوعة بالعربية أقدم وتشك ل رهانا سياسيا كبيرا إذ يترت ب عليها بعض المطالب المتصلة بالحقوق والمكانة والسلطة. ويكفي أن نغوص في تاريخ المغرب أو أن نقوم بجولة في حوض المتوسط للوقوف على مدى انتشار هذه الصياغة الساللية ولمالحظة أن البحث عن عمق نسبي كان ركيزة ال مندوحة عنها للبحث عن الشرعية من طرف كل حكام حوض البحر المتوسط من مسلمين ونصارى. 5 كان البيت اإلدريسي هو من دشن استعمال النسب في تاريخ المغرب االسالمي. وبعدهم لم تتخل األسر الحاكمة عن االرتباط بنسب عربي بل بنسب شريف. ففضال عن المكانة الرمزية التي يعطيها هذا النسب فقد يكون حجة شرعية يمكن استعمالها القادري نشر المثاني ج 8 ص 4. 4 الجنابي البحر الزخ ار ص 4. 5 Abdelahad Sebti, Aristocratie citadine, pouvoir et discours savant au Maroc précolonial. Contribution à la relecture de la littérature généalogique fassie [XV e -début du XX e siècle], p

71 لتحقيق مآرب سياسية كما سنرى. كان األمير المرابطي يوسف بن تاشفين المنتمي إلى قبيلة صنهاجة قد استغل ما يقول به بعض األخباريين من انحدار صنهاجة من قبيلة حمير ليستثمره وليد عي هو نفسه النسب العربي لكن دون أن يبلغ ادعاء النسب 6 الشريف. وقد ذهب محمد بن تومرت مهدي الموحدين إلى أبعد من ذلك عندما انتهك محر ما حقيقيا بإبراز أصله الشريف رغم انتمائه إلى إحدى القبائل 7 المصمودية. وعمل خلفه ومريده عبد المؤمن بن علي المنحدر من قبيلة گومية على نفس المنوال وذلك بإشاعة شجرتي نسب مختلفتين خدمة لمخططاته. وإذا كانت وظيفة النسب الشريف واضحة وهي إسناد الطموحات الخليفية للموحدين فإن النسب القيسي كان يهدف إلى بناء تحالفات مع القبائل العربية التي استقرت منذ زمن قريب في الغرب االسالمي ومع بعض القبائل المحلية التي تدعي االنتساب إلى نفس األصل 8 األسطوري. بعض كما سعى المرينيون المنتمون إلى إحدى فصائل زناتة أن ينتسبوا في 9 الفترات إلى العرب بل إلى األشراف. 40 الوحيدة التي سعت فقط إلى االرتباط بالمرابطين. أم ا الوطاسيون فكانوا هم الساللة وإذا كان العثمانيون في فترة أولى قد حاولوا تبرير سلطتهم وتحركاتهم السياسية- العسكرية بما لهم من قوة السالح بشكل حصري فإنهم حاولوا في فترة ثانية أن يضعوا أسسا عقائدية والسيما موضوع النسب. الخامس عشر على نسبهم التركي وتحديدا يتحر كون داخل مجال ذي أغلبية تركمانية. وقد ركزوا في النصف األول من القرن على النسب الغ ز ي وذلك ألنهم كانوا بل كانوا يد عون "فضال عن ذلك أسمى األنساب الغ ز ية باد عاء االنتماء إلى قايي االبن البكر ألكبر أوالد أوغوز خان البطل األسطوري لهذا الشعب واألب المؤسس الذي ترجع إليه القبائل األربع والعشرون مجهول الحلل الموشية ص البيذق ]أبوبكر الصنهاجي[ المقتبس من كتاب األنساب ص 8-8 ابن القطان نظم الجمان في ترتيب ما قد سلف من أخبار الزمان ص -5 مجهول الحلل الموشية ص Maribel Fierro, «Las genealogías de Abd al-mu min, primer califa almohade», al- Qantara, nº XXIV, 00, ابن مرزوق المسند الصحيح األحسن في مآثر موالنا أبي الحسن ص ابن األحمر روضة النسرين في دولة بني مرين ص Ibn Kaldûn, Histoire des Berbères, t. IV,

72 4 المكو نة له". 4 أحد المؤرخين توضيحه. لم يكن هذا االختيار اعتباطيا وجاء في سياق تاريخي خاص أحسن ويمكن مالحظة نفس الظاهرة عند مختلف العائالت المالكة األوروبية التي سعت جاهدة إلى نحت أفضل السالسل النسبية الممكنة لخدمة مطامحها وتبرير ادعاءاتها. فللبرهنة على قدمهم وأفضليتهم على سائر العائالت المالكة األوروبية قام آل هابسبورگ منذ حكم ماكسيمليان األو ل ] [ بوضع جدول ساللي "كوني" يتداخل فيه األصل الكتابي أي نسل نوح عن طريق يافث مع األصل الطروادي أي نسل أينيياس. كان إذن آل هابسبورگ يرغبون في نسب مزدوج فهم ينتسبون في نفس الوقت إلى القياصرة وإلى أنبياء العهد القديم لتقوية نفوذهم الديني والسياسي في أوروبا 4 والعالم الجديد. اعتمد بيت الڤالو ا خاصة على عهد شارل الثامن ]844-84[ نفس النهج لتعزيز مكانة فرنسا "االبنة البكر للكنيسة". فبالتوازي مع اعتماد نسب كتابي وطروادي كان ملوك فرنسا ي شيعون بين الناس كونهم ينحدرون رأسا من كلوفيس وشارلمان أشهر ملوك الفرنجة كما أنهم كانوا يدعون االنتساب إلى الن بي داوود. ومن جهتهم جرى االنگليز مجرا آخر. فقد استعمل هنري الثامن ] [ النسب كسالح إلظهار استقالله السياسي والديني عن روما والممالك المسيحية القارية. فهو يزعم أن التاج االنگليزي يتمت ع بالهيبة اإلمبراطورية باعتباره من نسل الملك األسطوري آرثر الذي كان هو نفسه من ساللة اإلمبراطور المسيحي قسطنطين 4 Gilles Veinstein, Histoire turque et ottomane, p Disponible sur < france.fr/media/his_tur/upl7 _veinstein.pdf>. 4 Ibid., p Voir aussi Irène Beldiceanu, «Les débuts : Osmân et Orkhân», Robert Mantran [dir.], Histoire de l Empire ottoman, p Marie Tanner, The Last Descendant of Aeneas, New Haven, London, Alexandre Y. Haran, Le lys et le globe : messianisme dynastique et rêve impérial en France au XVI e et XVII e siècle, p. 9-9 ; Voir aussi Jacques Krynen, Idéal du prince et pouvoir royal en France à la fin du Moyen Age [80-440], Paris, Le Marquis de la Franquerie, Ascendances davidiques des Rois de France et leur parente, Vailly-sur-Sauldre,

73 .]5-60[ وهذا االخير كان يمارس سلطته على الكنيسة والدولة في آن واحد أما 46 األول فقد ناضل من أجل استقالل البالد. وهكذا لم تكن المزاعم الساللية للزيدانيين غريبة أو متنط عة بل كانت مندرجة في رؤية تجزيئية للفضاء تحد د فيها البنية الساللية الموقع السياسي واالجتماعي. وخالل فترة حكمه الطويلة التي امتد ت خمسة وعشرين عاما جعل أحمد المنصور من أصله "النبوي" واحدا من أهم أسلحته في السياسة الخليفية الثالثية األبعاد التي وضعها أبوه. كانت وظيفة النسب السلطاني هي إضفاء القداسة والشرعية على السلطة المنصورية في الداخل المغربي ووضع حد للمطامع العثمانية على السلطنة الشريفة والسماح لهذه األخيرة بممارسة سياسة توسعية تحت غطاء شرعية خليفية مفترضة. يتوج ب علينا قبل التطرق إلى إقامة تلك اإلجراءات أن نشير إلى أن السلطان الشريف ومعاونيه قد اخترعوا شجرة نسب نهائية تكفل بنشرها المخزن وبعض الدوائر العلمية المحيطة به. وقد مككنا تمحيص ومقابلة سالسل النسب التي استطعنا جمعها وتصحيح بعض األخطاء الراجعة على وجه الترجيح إلى النساخ من رسم الشجرة التالية: 46 Richard Koebner, Empire, Cambridge, 966, p ; Amnon Linder, «The Myth of Constantine the Great in the West», Studia Medievali, nº 6,, 975, p

74 نسب السلطان الشريف أحمد المنصور النبي محم د فاطمة وعلي الحسن الحسن عبداهلل إدريس محمد عبداهلل محمد األدارسة ) ( الحسن القاسم إسماعيل أحمد الحسن علي أبو بكر الحسن أبو عرفة أبو محمد أبو عبداهلل الحسن محمد أبو القاسم محمد القاسم أحمد زيدان مخلوف العلويون )منذ ) 668 علي عبد الرحمان مخمد محمد القائم محمد الشيخ أحمد المنصور 7

75 وقد استخلص السلطان الشريف ومساعدوه من هذا النسب "المتعالي" نتيجتين هامتين إحداهما تاريخية واألخرى شرعية. سليل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب فوفقا لعمود النسب هذا فإن أحمد المنصور هو ] [ والحسن سبط النبي الذي حكم عدة أشهر بعد مقتل أبيه وسليل محمد بن عبد اهلل الملق ب بالنفس الزكية ]ت 50 [. ويؤكد مؤرخ البالط المنصوري عبد العزيز الفشتالي في عهد البيعة المرسل إلى أمير بورنو الذي اعترف بتبعيته لسلطان المغرب سنة 87 أن كل من على وجه األرض يجب أن يفعل ما فعله أبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور من مبايعة سبط النبي المهدي األكبر جد أحمد المنصور الذي اعترف مالك بن أنس إمام دار الهجرة بأحقيته 47 وجدارته بالخالفة. لم يكن سلف المنصور ذاك شخصا آخر غير محمد بن عبد اهلل الملق ب بالنفس الز كية. وكان حفيد الحسن بن علي هذا قد شارك مشاركة فع الة خالل السنوات األخيرة من الخالفة األموية بدمشق ] [ في الحركة التي قام بها القائمون على الشرعية العلوية وبصورة أكبر الهاشميين الذين كانوا يطمحون إلى االستيالء على الخالفة لفائدة أحد أفراد هذه العشيرة. وجهاء الهاشميين قد بايعوه باعتباره الخليفة القادم. المقبالن أبو العباس السفاح حضر البيعة. بل إن الكثير من المصادر تؤك د أن عددا كبيرا من ] [ وأبو جعفر المنصور وقد كان الخليفتان العباسيان ] [ مم ن ومع ذلك فقد كان الطامحون من العباسيين إلى الملك سر ا هم من تولوا األمر سنة 576 على حساب بني عمومتهم المنذورين من القديم للخالفة. عندها دخل محمد بن عبد اهلل في طور الدعوة السرية وعمل على تول ي الخالفة التي كان يرى أنه أحق الناس بها. فرفض مبايعة الخليفتين العباسيين. وبعد عشر سنين من العمل السر ي خرج النفس الزكية في عام التمر د لم 50 بالمدينة المنورة وأعلن نفسه خليفة ومهديا. 48 يستمر إال أشهرا معدودات وتم قتله في ساحة المعركة. لكن 47 الفشتالي مناهل الصفا ص 5 وص Sur ce personnage et son action voir EI, t. VII, p. 89 ; M.A. Shaban, Islamic History A New Interpretation, t. II, p. 4-5 ; Hugh Kennedy, The Prophet and The Age of the Caliphates, p. -. 7

76 ص هكذا يكون البيت العباسي قد اغتصب السلطة التي كانت في األصل للعلويين. ولكن كيف كان لهذا الحدث الذي وقع في القرن الثامن ولم يكن معلوما إال لقل ة من المتبح رين في العلم وبالتالي من غير أهمية ظاهرية أن يخدم السلطان المنصور بعد ثمانية قرون من وقوعه وإذا كانت المطالبة بميراث تاريخي هدفا جلي ا لهذه المناورة فإننا نستطيع كذلك أن نرى فيها حجة أكثر حصافة تخدم المشروع الشريفي وتنبئ عن دهاء السلطان ومستشاريه. مغتصبين فبمهاجمته شرعية تول ي العباسيين السلطة باعتبارهم لحق غيرهم لم يكن موالي أحمد يفعل غير مهاجمة المطامع الخليفية للسلطان العثماني وتحطيمها على األقل في المستوى النظري. مصر سنة 8785 المتوك ل الثالث سليم األو ل فبعد استيالئها على كانت السلطات العثمانية تزعم أن آخر الخلفاء العباسيين بالقاهرة [ 8785[ ثم.] [ قد تنازل عن الخالفة للسلطان العثماني وإذا كان ما بني على باطل فهو باطل والرجوع إلى الحق فضيلة يكون إذن السلطان العثماني فاقدا للشرعية التي تخول له ادعاء الخالفة وبالتالي المطالبة بأي نوع من السيادة على المغرب بل يجب عليه مبايعة سلطان المغرب 49 ألن ه هو األجدر بالخالفة ألنه ورث حقوقها عن جده النفس الزكية. وبناء عليه لم يكن حلم الخالفة المنصوري إال عودة إلى منابع الشرعية التاريخية. ويمكننا أن نرى في حجج المنصور إلرجاع الخالفة إلى نسل محمد النفس الزكي ة رسالة ضمنية إلى النخبة المغربية وخاصة إلى األشراف الذين كان أغلبهم يد عون االنتساب إلى األدارسة أي ساللة إدريس األخ األصغر لمحمد النفس الزكية. كان السلطان وحاشيته يريدون من خالل إبراز الشخصية الم ؤسطرة لسلفه أن يؤك دوا حق الب ك رية لفائدة نسل النفس الزكية أولئك الذين كانوا قادرين بحكم شرعيتهم التاريخية وبفضل تضحيات سلفهم أن يطالبوا بالسلطة على عكس الفروع الشريفة األخرى. وإذا كان إدريس هو أحد المناصرين المتحم سين ألخيه األكبر فإن على أشراف المغرب أن يساندوا أحمد المنصور وارث مطالب جد ه األعلى ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 7

77 ولتعزيز هذه الدعوى "التاريخية" لم يجد المنصور وهو المتمسك بالعقائد السنية تمسكا شديدا أي حرج في أن ي دمج ضمن جهازه الخطابي مفهوم الوصية أو النص المنتمي للفكر الشيعي. إذ تكتسي الوصية أهمية كبيرة في هذا المذهب بحكم أن شرعية مطالب علي وذريته الدينية والسياسية تقوم على سلسلة من "الوصايا" غير المنقطعة منذ عهد الرسول. وقد كان تعيين األئمة النابع من النبي بوحي من اهلل دائما ومطلقا وال يقبل أن يقطعه الخلق. وهذا ما حصل فعال للمنصور حسب الدعاية المخزنية. توالت الوصايا بدون انقطاع حتى آلت اإلمامة إليه. فقد فهو لم يكن فقط يمتلك المزايا الشخصية المجتمعة عند أعظم خليفتين عباسيين وهما هارون الرشيد وعبد اهلل المأمون بل يتمت ع أيضا بمزايا "متعالية" موروثة عن جد ه علي المستمد لشرعية 50 خالفته من النبي طبقا الختيار إالهي أزلي. لذلك تجد السلطان يعتبر نفسه سيد آل البيت ووريث النبوة والمؤتمن على السر اإللهي. استعار كذلك أحمد المنصور وكتاب سيرته من الفكر الشيعي المبكر مصطلح "الرضا من آل البيت". وكان هذا المصطلح يعني الشخص المنتمي إلى بيت النبوة واألصلح من بينهم لقيادة األمة اإلسالمية. وكان استخدام تعبير مثل هذا التعبير في السرديات المخزنية يعني عامة التشديد على االختيار اإللهي للسلطان الشريف ورضا النبي 54 وحجة الوصية والتفاف الناس حوله. ولم يكتف هذا الجهاز الخطابي بالحوامل التاريخية األدبية لنشر معتقداته السياسية وإبراز مطالبه "التاريخية" المسجدية والدعاية الشفوية وضرب السكة. ومركزة عن هذه الظاهرة. فقد استعمل أيضا حوامل أخرى وخاصة منها الخ طب ت قد م لنا هذه األخيرة مثال فكرة واضحة فإذا دققنا في الدنانير المضروبة في دار الس كة السلطانية نالحظ أن المنصور كان ي برز الصفة الدينية لإلمام وهي صفة ذات نبرة شيعية 50 الفشتالي مناهل الصفا ص 56 ص و ص 8 ابن القاضي المنتقى المقصور ج ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 7. 5 الفشتالي مناهل الصفا ص 58 وص 4. 5 نفسه ص نفسه ص 4. 74

78 ومهدوية ترك ز على نسبه الشريف. وفضال عن ذلك قام السلطان بالتركيز على هذا النسب عندما أمر بأن ي كتب على ظهر الكثير من الدنانير اآلية القرآنية "إنما يريد اهلل 55 أن ي ذهب عنكم الرجس أهل البيت وي طه ركم تطهيرا". وحسب تأويل متداول ومستعمل من الساعين إلى الملك من العلويين والشيعة وحتى بعض أهل الس نة فإن النبي كان يعد علي ا وفاطمة وابنيهما صاروا ورثته الحصريين في المجالين الديني والسياسي. الحسن والحسين دون غيرهم آل البيت وبذلك وباستعمال هذه اآلية كان المنصور يتموقع ضمن هذا النسب ويستعد لتلقي ميراثه. كما أنه كان في نفس الوقت 56 يستبعد العباسيين ومن ورائهم ورثتهم من العثمانيين عن هذا اإلرث. ولتقوية موقفه زاد المنصور على الحجج "التاريخية-العقدية" حججا فقهية. تؤكد العديد من الروايات التي جاءت في صحيحي البخاري ]ت 56 [ ومسلم ]ت 57 [ أن الخليفة 57 ال يكون من غير قريش. ومهما كانت درجة صحة هذه األحاديث فإنها قد لقيت القبول من أغلب الفقهاء والمتكلمين المسلمين منذ عصر التدوين. وسرعان ما أصبحت القرشية أي االنتماء إلى قبيلة النبي أحد الشروط األساسية لتولي الخالفة وتم ضبطها في مصنفات الفقه والكالم الس نية. وقد يكون من فضل القول اإلشارة إلى أن أكثر الشيعة كانوا يضيقون في نسب الخليفة ليحصروه في نسل النبي عبر علي الزهراء. وفاطمة حل النسب الشريف بالتدريج محل النسب القرشي باعتباره شرطا ضروريا لتول ي الخالفة تحت تأثير مختلف الحركات الصوفية التي كانت قد أدمجت بعض العناصر الشيعية خاصة حب أهل البيت وإجاللهم. وكانت هذه الظاهرة جلي ة في المغرب حيث حاولت الساللتان الموحدية والمرينية أن تتحلي ا بنسب شريف لتقوية مشروعهم الخليفي التوس عي. ولقد كان النسب الشريف من بين العوامل األساسية التي مكنت الزيدانيين من الوصول إلى السلطة. وباعتباره بيتا شريفا ينحدر من أفضل عشائر قريش. وقد 55 القرآن الكريم سورة األحزاب اآلية. 56 J. D. Brethes, Contribution à l histoire du Maroc par les recherches numismatiques, p. 57 البخاري الصحيح األحاديث رقم و 5846 مسلم الصحيح األحاديث رقم

79 حاول الس لطان أحمد المنصور أن يستعمل هذه الدليل الشرعي القوي وذلك سواء للتحص ن من العثمانيين أو لدعم مشروعه التوسعي. قام أعوان السلطان الشريف باستعمال األدلة النصية والفقهية لتأكيد أفضلية سي دهم وإثبات "حقوقه". فبعد تعريف مقتضب للخالفة و تعداد للشروط المطلوبة لتول يها أك د 58 أحمد بن القاضي أن سيده موف بكل الشروط خاصة ما تعلق منها بقرشية النسب. وقد لم ح إلى أن العثمانيين ال يحق لهم طلب الخالفة لعدم توف ر شرط النسب القرشي فيهم لكنه لم يبلغ درجة التصريح بذلك. كما قام الوزير المؤر خ عبد العزيز الفشتالي بأسلوبه المنم ق بتفصيل نفس الفكرة في عهد البيعة الذي بعث به إلى ملك بورنو سنة.87 فبعد التذكير ببعض األحاديث التي تؤك د على أن النسب القرشي كان شرطا ضروريا في استحقاق لقب الخليفة أكد أن كل من يسعى لمنافسة سي ده على هذا المنصب الديني ما هو إال دعي ومن يرفض مباعيته أو بايع غيره فهو مجرد 59 ب د عي. لقد كان لمفردتي دعي و ب د عي داللة قدحية في المنظومة القانونية-االجتماعية اإلسالمية. إذ يشير لفظ دعي إلى االدعاءات غير الشرعية في النسب والدين. فالدعي هو شخص "متهم في عقيدته الدينية وهو في سريرته ال يؤمن بالدين الذي ي ظهره 6 60 للناس". ولكن اللفظة ت ستعمل غالبا لتعيين شخص مطعون في نسبه. أم ا البدعي فهو الشخص الذي يمارس البدعة أي ذاك الذي يأتي بفعل أو بممارسة ال تجد سندها في صدر اإلسالم أي عصر السلف الصالح. كان كل منافسي السلطان الشريف وأعدائه والرافضين لإلقرار له باألفضلية يصنفون آليا في صف كان زعم سنة "األدعياء". 87 ولنضرب على ذلك مثل المتمر د ابن قراقوش وهو الذي أنه ابن أخ السلطان كما سنراه بتفصيل فيما بعد فوصفته األدبيات المخزنية بالدعي. ويمكننا أن نؤك د أن مفردة الدعي كانت تشير في الكثير من 58 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص الفشتالي مناهل الصفا ص Albin Kazimirski, Dictionnaire Arabe-Francais, t. I, p ابن منظور لسان العرب مادة د ع ي. 76

80 األحيان إلى السلطان العثماني دون تسميته. ذلك أن أمير بورنو كان قد توج ه بادئ األمر إلى الباب العالي قصد الحصول على الشرعية وعلى مساعدة عسكرية لحل مشاكل داخلية وإقليمية. ولكن انغماس هذا األخير في مشاكله الخاصة جعله ال يجيب طلبه. عندها توج ه أمير بورنو إلى المنصور الذي قبل بمساعدته شرط أن يقوم بمبايعته. وقد لم ح الفشتالي إلى أن السلطان العثماني لم يكن أكثر من دعي ألن الخليفة الوحيد الذي يمكن مبايعته شرعا هو المنصور كما أن أمير بورنو كان بدعيا ألنه حاول مبايعة دعي. 6 سلطان المغرب. ومن حسن حظ هذا األمير أنه قد رجع إلى طريق الحق بمبايعة كما لم تخل المراسالت الرسمية للسلطان وإن بطريقة ملتوية من التأكيد على أفضلية أهل النبي وأفضلية من أعلن نفسه زعيما عليهم أي موالي أحمد. وقل أن تجد رسالة موجهة إلى السلطات العثمانية دون تأكيد على شرف السلطان وعلو نسبه. وكان ك ت اب 6 القصر يحو لون الحمدلة في بداية الرسائل بطريقة بارعة عن وظيفتها األصلية لجعلها أداة حرب فكرية. فهم يستعملون مثال في الكثير من الرسائل عبارة "موالة آل البيت" والمحسوبية. 64 الملتبسة 65 لالستعمال القرآني 66 المحسوبية بال شك. إذ يمكن أن تؤدي معان مختلفة مثل الصداقة والتحالف ورغم أن ظاهر الرسائل يدفعنا نحو مفهومي الصداقة والتحالف تبعا إال أن بعض القرائن تظهر أن السلطان كان يقصد معنى وقد تعز ز هذا الزعم مع مرور الوقت وأصبح أقل تورية مما كان. بل وقع التصريح به دون لبس من أحد المقربين من المخزن مبعوث الشريف إلى السلطان العثماني سنة أال وهو الفقيه.874 علي بن محمد التمگروتي اهتم السفير في مستهل تقريره الذي حرره للسلطان المنصور بأن يكسو مخاط ب ه الشريف بألقاب الخليفة وأمير 76 وص 77 6 الفشتالي مناهل الصفا ص وهي حمد اهلل بما هو أهل له والصالة على النبي وآله وصحبه ومن تبعهم. 64 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص انظر على سبيل المثال القرآن الكريم 844/4. / 58/4 66 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص 6 ص 04 ص 45 ص 860 ص ص 4 ص مجهول المخاطبات السلطانية مخطوط المكتبة الوطنية للمملكة المغربية رقم 5 ك و

81 المؤمنين واإلمام في حين لم ي لق ب العاهل العثماني إال بالسلطان والخاقان وهي تعني 67 ملك األتراك. ولم يكن هناك ما يدعو التمگروتي إلى الذهاب أبعد من ذلك. ولكن هذا األخير وبين وصفين طويلين محش وين باالقتباسات صدع بما كان مواله يعتقده منذ أكثر من عقد. إذ أكد أن العثمانيين "من جملة المماليك والموالي الذين دافع اهلل بهم عن المسلمين وجعلهم حصنا وسورا لإلسالم ]...[ وإن كانوا إنما حملوا اإلمارة وقلدوا األمر في الحقيقة نيابة وأمانة يؤدونها إلى من هو أحق بها وأهلها وهم موالينا وسادتنا الشرفاء ملوك بالدنا المغرب الذين شرفت بهم اإلمامة والخالفة وكل مسلم ال يقول 68 عكس هذا وال خالفه". وموقع هذا اإلعالن في النص لم يكن خاليا من أهمية. المؤل ف إلى مروره فهذه الجمل تأتي بعد إشارة بتونس والجزائر وبعد الحديث عم ا كان من استيالء الموح دين على هذين المصرين خاصة تونس وبعد وصف انحطاط هذا البلد. لقد كان المنصور يمني نفسه بال شك بإحياء الخالفة الموح دية باستعادة تونس والجزائر من العثمانيين. كما قام المؤلف بإدراج عمل السلطان الشريف في التاريخ التوسعي للمغرب مبش را بذلك بالغزوات القادمة. ورغم أن النص يبدو بصورة عامة مفك كا وال يظهر للوهلة األولى إال باعتباره ترصيفا لالقتباسات دون رابط جلي فإن ترتيب هذه الشذرات هنا يكشف بصورة واضحة أنه ذو معنى وأبعد ما يكون عن الل غو. وهكذا فإن السلطان العثماني المملوك الغير القرشي األصل ال يستطيع أن يكون إال مولى كما أنه فضال عن عدم أهليته لمنصب الخالفة فإنه محتاج إلى ولي أمر ينظر في عمله وسياسته. ومن يستطيع أن يقوم بهذا الد ور أفضل من شريف المغرب 69 واصل السفير سرده بإيراد أحاديث تتصل بظهور المهدي. فحسب األحاديث التي جمعها القرطبي في مصن فه التذكرة فإن المهدي المنحدر من نسل النبي سي بعث من 70 المغرب وسيخرج آخر الزمان ليمأل األرض عدال و يغزو األرض. ويختم 67 التمگروتي النفحة المسكية في السفارة التركية ص -6 ص 0 ص 44 وص نفسه ص نفسه ص القرطبي التذكرة في أحوال الموتى وأمور االخرة ص

82 التمگروتي رسالته بالقول إن الوقت قد حان للم شمل األمة وقد بدأ المشروع فعال في المغرب بتطهير البالد من الكفار وغزو بالد القبلة ومشروع فتح السودان الذي لن 7 يكون إال المرحلة األولى من مسلسل توسعي سيشمل العالم بأسره. ال تخفي النبرة المهدوية والتنبئية المهيمنة على ما يقوله التمگروتي ب عده العملي. ولفهم تلك التعابير بشكل جيد ال بد من وضعها في سياقاتها. فبعد النصر المبين في معركة وادي المخازن سنة 875 بقيت في أيدي اإليبيريين. حاول السلطان الشريف تدريجيا استرجاع الثغور التي ولتحقيق ذلك اعتمد سياسة دبلوماسية نشطة كما سنرى الحقا وقام بتنظيم نوع من المقاومة شبه العسكرية ت ديم التحر ش بالحصون. الغارات التي شن ها وكانت المقد مان أبو الليف والنقسيس على طنجة وسبتة هي األكثر عنفا. بل إن إحدى الغارات على سبتة في دجنبر من عام 87 كادت أن تنتهي باستعادة هذه المدينة وذلك وفق روايات األخباريين المغاربة. وقد تم اقتياد المئات من األسرى اإليبيريين إلى مدينة فاس حيث كان يوجد وقتها 7 التمگروتي. وبعد بضعة أشهر خضع الملك فيليب الثاني لضغط السلطان الشريف الدبلوماسي وأمر بإخالء مرسى أصيلة لتدخله عندها القوات الشريفية في شتنبر من عام ويتنز ل حديث 874. التمگروتي عن "تطهير البالد من رجس الكفار" ضمن هذا السياق. كما أن بالد القبلة تعني في حديثه المناطق الواقعة جنوب شرقي المغرب. ففي سنة 87 قامت حملة أرسلها السلطان بغزو الواحات الصحراوية في توات وتيگورارين. وفي نفس السنة بايع سلطان بورنو موالي أحمد مؤذنا بالغزو القريب لبالد السودان. وبذلك تكون هذه التحركات أول مرحلة من مراحل توحيد األمة تحت الدعاية المنصورية. راية الدولة الزيدانية حسب كان السلطان الشريف أبعد ما يكون عن تصديق كونه هو المهدي لكنه استثمر بطريقة مثلى حالة ذهنية وعقدية كانت موجودة من قبل. وكانت العملية تهدف إلى إقناع جزء كبير من النخبة السياسية الدينية المترددة باألسس المتينة لمشروع غزو بالد السودان. 7 7 التمگروتي النفحة المسكية ص 85. الفشتالي مناهل الصفا ص

83 وكان السلطان من خالل إدراج رغبته في سياق رغبة إلهية يأمل في موافقة العلماء وشيوخ الزوايا. سياسي وتوسعي جلي ومدروس. لم يكن في اإلعالن إذن أي نبوءة إذ لم تكن إال تمث ال غائيا لمشروع وإذا كانت النزعة الشريفية قد و ظ فت بصورة كبيرة في دعم المشروع الخليفي والتوسعي للسلطان فإنها قد ساهمت أيضا في تعزيز سلطة األسرة المالكة وسلطة موالي أحمد على أراضيه نفسها إذ أمست التنظيمات ما فوق القبلية تلعب دور المراكز اإلدماجية في مجال انشطاري. فمنذ القرن الرابع عشر كان النظام متعدد الهيمنة الذي شي ده المرينيون يتداعى تاركا مكانه لسلطة الزوايا. إذ سرعان ما فرض شيوخ هذه المؤسسات االجتماعية الدينية نوعا من النظام في مناطق نفوذهم باعتبارهم حك ام ا نزهاء وزعماء ذوي هيبة ما فوق قبلية. وقد قامت التجربة السياسية ألوائل الزيدانيين التي انبثقت من رحم الحركة الصوفية ذاتها باالستيالء على الفكرة المتعالية عن القبلية للنزعة الشريفية مع محاولة ممارستها على المستوى "الوطني". وباعتباره مقد م األشراف فإن السلطان موالي أحمد كان يزعم امتالك خاصية صوفية تكفل 7 النظام والسلم والرخاء لعامة الناس. وكي يكون التقريب بين النزعة الشريفية والسلطان المنصور نسقيا تم تعميم النعوت المرتبطة بالشرف إلى حد تم فيه جعل العالقة بين لقبي السلطان والشريف تبدو وكأنها أمر بديهي وطبيعي. 74 والفاطمية والحسنية إذ كانت السلطنة الشريفة تلق ب بالسلطنة النبوية والهاشمية وكانت مالبس التشريفات التي يرتديها السلطان ت سم ى النبوية والقوات السلطانية ت سم ى القوات النبوية وأيضا جند اهلل والمراسالت 78 السلطانية المراسالت النبوية 79 وس م ي توقيع الخليفة المنصور بعالمة ابن النبي مجهول المكاتبات السلطانية ص 8-6 وص عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص الفشتالي مناهل الصفا ص 4 و 85 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص García- Mercedes.Arenal, Cartas, p نفسه ص نفسه ص 08 ص 77 نفسه ص نفسه ص نفسه ص 6. ص 0 0 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص

84 وهلم جرا. وبذلك يكون النسب "المقد س" الذي أختاره أحمد المنصور لنفسه ال يعظم من شأنه فحسب بل يهبه ومشروعه السياسي شرعية تاريخية ودينية وقانونية. لقد حاول السلطان إيجاده ويمكن أن نصطلح عليه ب "شرعية أصلية". ورغم أن النسب كان حامال مهم ا وضروريا لعملية الشرعنة فإنه لم يكن كافيا بمفرده. المنصور وأنصاره االستعانة بحوامل أخرى. من اإلرهاصات إلى االقتداء بالن بي 80 نظرا إلدراكه أن أقدار الرجال العظام كانت تتجل ى دائما في إرهاصات فكان على تظهر عموما منذ الوالدة إن لم يكن قبلها فقد قام السلطان أحمد المنصور الذهبي ومساعدوه بوضع خطاب يطبع طفولة السلطان بجوهر غرائبي وذلك بأن عملوا على إشاعة جملة من النبوءات التي تقول بما سيكون من تول يه الحكم في قابل األيام. ويجب أن نشير في هذا الموضع بأننا أمام روايات و ضعت بعد توليه الملك وهي بناءات تحاول إضفاء القداسة على مسار السلطان بإعادة تأويل بعض المراحل من حياته أو بأن يتم عن وعي أو الوعي اختالق نبوءات عن مستقبله. وستقوم الدعاية السلطانية مر ة أخرى باستعمال مقوالت عقلية وباستثمار حوامل معلومة ومعترف بها عند معاصريها. وقد كانت النبوءات وتأويل بعض األحداث في إطار البعد الخارق أمورا مألوفة على ذلك العهد وال تصدم أحدا. بل إنها كانت ت أو ل غالبا على أن ها عالمة على االصطفاء اإللهي. كانت صورة األبوين ومكانتهما الروحية والدنيوية تلعب دورا مركزيا في هذا النوع من البناءات. ولم يكن ذلك ل يفوت السلطان الذي سعى إلى بناء أو إعادة بناء صورة أبويه بأن جعلهما من األولياء. فقد قام مؤر خو المنصور باستبدال صورة القائد الجلف الد موي التي كانت للسلطان محمد الشيخ بصورة ولي صالح يسعى بشكل دؤوب إلى الحكمة والمعرفة. "مهدي هذه األمة" فقد تم إدراج مشروعه السياسي في المخططات اإللهية باعتباره الذي أعاد الوحدة إلى البالد ورمى الكفار في البحر وأقام المنهج 80 اختار المؤلف هذا المصطلح ألنه يدل على ما يظهر من الخوارق عن األنبياء والصلحاء قبل مبعثهم أو ظهورهم. 8

85 8 الصحيح. كما تم اعتبار سيرته وسيرة خلفائه محاكاة الخلفاء الراشدين الذين أجمع 8 أهل الس نة على اعتبارهم المثل األفضل للعدل واالستقامة. وقد تم إبراز البعد الديني في شخصية محمد الشيخ من خالل اللقب ذي الداللة الدينية العظيمة الذي أ طلق عليه أي لقب "اإلمام" وكذلك باالهتمام الذي تم إيالؤه لتكوينه الديني وحب ه للعلوم واآلداب عوض التركيز على حياته السياسية. وعمل أحمد بن القاضي في ثالث مصنفات مختلفة على إخفاء النشاط السياسي للسلطان المؤس س إخفاء تاما مفض ال البعدين الديني والفكري في شخصيته. ببيان أن وقد اهتم بعرض أسماء المشايخ الذين أخذ عنهم العلم واهتم هذا األخير كان يحفظ ديوان المتنبي وهو من أجمل دواوين الشعر العربي إظهارا لفصاحته كما اهتم بإبراز شغفه باألدب والفقه بدل التذكير بمآثره الحربية 8 وعمله السياسي. وقد بلغ تقديس األب المؤس س ذروته ببناء مقام عظيم على قبره. وكانت هذه العملية تستهدف الوصول إلى أكبر عدد من الناس في أقصر وقت ممكن باعتبار محمد الشيخ المهدي أحد أولياء مدينة مراكش على غرار القاضي عياض وأبي العباس الس بتي و محمد بن سليمان الجزولي. وفضال عن فتح الضريح للعامة كل يوم جمعة وإجارة من قصد المقام من المجرمين المطلوبين الذين يرغبون في شفاعة صاحب المقام وفقا للعرف المحلي المسمى "الحرم" 84 يجلس لرد المظالم أو فض النزاعات بين العوام إال عند قبر أبيه. لم يكن السلطان موالي أحمد وبعد الفراغ من هالة تقديس األب اتجهت هم ة السلطان الشريف إلى أن يجعل من أم ه أهال لتحمل األصالب الشريفة. وقد تم تقديم الل ة مسعودة الوزگيتية في نفس الوقت من جهة أصلها الشريف وباعتبارها ولية صالحة. فهي ابنة أحمد بن عبد اهلل الوزگيتي الورزازتي أحد زعماء تحالف وزگيتة القبلي. وبالتالي فهي لم تكن فقط حر ة بل نبيلة أيضا. ومن أجل ذلك س م يت "الحر ة مسعودة". وقد شد د مؤر خو البالط على وضع 8 الفشتالي مناهل الصفا ص 8. 8 نفسه ص 44 ص ص 6 ص ص 96 وص 79 المقري روضة اآلس ص ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 4-0 نفسه در ة الحجال ج ص االقتباس في ذكر من حل من األعالم مدينة فاس ص المقري روضة اآلس ص 7. جذوة نفسه 8

86 ص الحرية والشرف ألم السلطان الشريف مظهرين بذلك التباين مع السلطان العثماني الذي كانت والدته أم ولد أي أمة اشتريت أو س بيت. والحال أنه في صدر اإلسالم كان على أم الخليفة أن تكون حر ة بالوالدة على وجه الضرورة. وكان السلطان الشريف يحرص منذ أن كانت أمه على قيد الحياة أن يعطيها صورة التقوى والبر. عقب ذلك وقد أفرد ابن القاضي خبرين لال ل ة مسعودة أحدهما قبل وفاتها واآلخر ال يتركان مجاال للشك أنها كانت تلعب بكل اقتدار دور "السيدة األولى" حيث كانت تقوم بمجموعة من األعمال الخيرية مثل رعاية اليتامى والمساكين وتزويج 85 الفقراء وبناء المرافق العامة. د ك الة بمراكش. فمن بين اآلثار التي أمرت ببنائها نجد مسجد باب ونستطيع أن نتصو ر طبيعة األثر الذي كان لهذا النوع من األعمال على السكان خاصة إذا علمنا أن القيام بأمر هذا المسجد استوجب منها إرسال مداخيل تسعة وسبعين دك انا "أم المؤمنين". انضم ت مسعودة إلى نادي 86 ونصف حسب وثيقة التحبيس. ولم نكن لنتوق ع أقل من ذلك من وبحصولها على هذا اللقب "السلف الصالح" "المقد س" المحصور في نساء النبي المحدود العدد بشكل مثل بعلها الذي اعت ب ر أحد الخلفاء الراشدين. ولم تكن لثمار هذا الزواج "المبارك" إال أن تكون ثمارا طيبة. مث لت لحظة ميالد هذه الثمرة االستثنائية في حد ذاتها وعدا بمستقبل عظيم أو على األقل كان ذلك ما اجتهدت المدو نة العقدية الشريفية في حمل الناس على التصديق به. فحسب مؤر خي البالط فإن السلطان الشريف موالي أحمد و لد سنة بفاس 8744 وبعبارة أخرى و لد ب عيد االستيالء على المدينة وتوحيد البالد من طرف أبيه محمد 87 الشيخ المهدي. وهذه في حد ذاتها إشارة مبشرة. ولم يكن لهذا الطفل الحامل لألخبار السارة إال يكون هو نفسه ملكا عظيما. وإذا كان المؤر خون المغاربة مجمعين على تاريخ ميالد السلطان فإن المعطيات التي وف رها 8 85 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص المقري روضة اآلس ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص الفشتالي مناهل الصفا ص 0 ابن القاضي المنتقى المقصور ج ص 86 اإلفراني نزهة الحادي ص نفسه در ة الحجال ج 8

87 أنطونيو دي سالدانيا ]Antonio de Saldanha[ 8060 و 874 وقد كان أسيرا في المغرب بين سنتي تزرع الشك وتدفعنا إلى التساؤل عم ا إذا كان ذلك اإلجماع نتيجة فحسب لبناءات دعائية متعددة من طرف السلطان وأتباعه. إذ يذكر أنطونيو دي سالدانيا أن السلطان الشريف قد ترب ع على العرش في سن الثانية والثالثين مم ا يجعل تاريخ والدته يكون سنة ولكن ال بد من اإلشارة أن سالدانيا كان يخطئ في التواريخ كثيرا ولذلك نستطيع أن نثق على وجه الترجيح في رواية المؤرخين المغاربة هؤالء الذين كانوا ينطلقون دائما من حدث حقيقي ويمو هون حوله لجعله حدثا استثنائيا. وفضال عن ذلك فإن الراهب لويس نيتو الفترة أكد في مراسلة له أن السلطان كان يبلغ سنة والعشرين أو الثالثين من عمره" ]Fray Luis Nieto[ السلطان. المعاصر لتلك "ما يناهز التاسعة وهو ما يرفع كل الشكوك فيما تعلق بوالدة إن لحظة ميالد السلطان الشريف تتصادف إذن مع توحيد المغرب من جديد وت مث ل المرحلة األولى في عملية توحيد األم ة تحت الخالفة الشريفة. وبين لحظة والدته "المباركة" بش رت بظهور السلطان الشريف. النبوءات المتصلة بالمستقبل السياسي للسلطان. ولحظة تول يه األمر ظهرت العديد من النبوءات التي وقد قام الجهاز المخزني بإشاعة ثالثة أنواع من ومن الجلي أن كل ذلك كان يندرج ضمن إعادة البناء الدعائي الالحقة عن تول ي السلطان المنصور الحكم. بدأ الفشتالي بالحديث عن نبوءات والد السلطان الشريف الذي كان يعد ه أتقى أهل عصره تلك النبوءات المتصل ة بمستقبل أصغر أبنائه. يروي مؤرخ البالط أن محمد الشيخ المهدي أمر مؤمن بن غازي العمري المعقلي أحد قادته بحمل المنصور على كتفيه وهو صغير السن مبشرا إياه أن ذلك سيعود عليه وذويه باليمن والخير. وهو ما تحقق. إذ يؤكد الفشتالي أن المعقلي الذي كان عندها في العقد السابع من عمره أصبح 90 وبنوه من أهم وأغنى رجاالت الدولة بفضل كرم المنصور. كما يروي الفشتالي 88 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p.. 89 Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p الفشتالي مناهل الصفا ص. 84

88 العديد من فراسات محمد الشيخ الذي كان ي ستشف دائما من كالمه المستقبل العظيم ألصغر أبنائه ومنها أنه كان ينعته بالسلطان وشيخ الشرفاء وذي الرأي الحصيف وهو 9 طفل لم يتجاوز الثامنة عند مقتل أبيه. أم ا النوع الثاني من النبوءات فقد تم اإلعالن عنها من لدن مجموعة من مشايخ الصوفية. كان األو ل منهم مصريا -ال يذكر الفشتالي اسمه- وكان من أهل المكاشفة أي من المطلعين على الغيب حسب معتقدات ذلك الزمان أحمد الدغ وغي وگد ار المالكي. وكان اآلخران مغربيين هما فأثناء رحلة الحج قابل محمد التمگروتي وهو األخ األكبر لسفير المنصور بمصر ذلك الصوفي الذي سأله عن أخبار أبناء السلطان المهدي. وأك د الحاج أنه قد سم ى كل األمراء ولكنه لم يذكر األمير أحمد الذي لم يكن يعلم بأمر والدته بعد. وقد سأله المصري الذي لم ت رضه اإلجابة إن كان بين األمراء من اسمه أحمد. ولكن الحاج المغربي نفى ذلك. سيكون خليفة المسلمين الممج د الفاتح. السلطان على "البشارة" وكان أن قد م له عندها فقال له المصري المتنب ئ إن أحمد وعند أوبته إلى المغرب أطلع التمگروتي األمير الفتى أحمد. وقد كان ذلك في 9 رباط ماس ة هناك حيث ينبغي وفقا لألساطير المغربية أن يظهر المهدي تحديدا. أم ا بالنسبة إلى أحمد الدغ وغي أحد الصلحاء المرموقين في ناحية تارودانت فإن ه قد رأى النبي في المنام. وكل فه هذا األخير بأن ي بش ر األمير موالي أحمد بتول ي الخالفة قريبا وأن عليه أن يكون محسنا وعادال. كما رأى گد ار المالكي هو اآلخر النبي في منامه. وقد اشتكى المرابط للنبي من سوء فعل قبيلة أوالد مطاع البدوية في ناحيته. النبي عندها أنها ستعاقب من لدن األمير أحمد دون زيادة في التفصيل. فأخبره وبعد أشهر قليلة قامت قو ات السلطان الجديد أحمد المنصور بفرض النظام في المنطقة وأجلوا 9 أبناء هذه القبيلة إلى شمال البالد نفسه ص 6-4. التمن ارتي الفوائد الجمة ص 888. اإلفراني نزهة الحادي ص 6. 85

89 أما النوع األخير من النبوءات وهي لم تكن نبوءات بالمعنى المتداول بل كانت رؤى أحمد المنصور نفسه التي أسر بها إلى الفشتالي. ففي شبابه رأى في منامه النبي على تل ة مع اثنين من صحابته. وبينما كان األمير الشريف يقترب منه للسؤال عن مستقبله باعتباره خليفة للمسلمين نهض الرسول مسرورا عندما رآه قادما إليه ونظر إليه. وفي تلك اللحظة انعكس النور النبوي على م حي ا الشاب الطامع في الخالفة. فرفع النبي ثالثة أصابع ليكشف له بذلك أنه سيكون خليفة في سن الثالثين. ومنذ تلك الليلة صار 94 موالي أحمد على ثقة من أمر مستقبله. وعلينا أن نضيف إلى ما تقد م أن رؤية النبي في المنام وتحق ق ما وعد به كانا يعنيان أن السلطان هو ولي صالح إذ وفقا للمعايير التي تسكن الثقافة العربية اإلسالمية ف"الرؤيا واألولياء. الصادقة" ال تتحقق إال لألنبياء وقد أثبتت هذه الطريقة نجاعتها إذ تم االعتماد على النبوءات من طرف مؤر خين آخرين. ونستطيع أن نفترض أيضا أن تلك النبوءات قد استثمرت من طرف األوساط الطرقية التي كانت قريبة إلى هذا الحد أو ذاك من المخزن وهو ما يعني انتشارا مكث فا للرسالة السلطانية. الخالفة. وقد كانت هذه الرسالة تؤك د على البعد الق د ري لتول ي السلطان وهي تخدم سياسته الداخلية وسياسته الخارجية في آن. فعلى الصعيد الداخلي كانت الرسالة موج هة إلى األوساط الطرقية التي كانت في تململ دائم وموج هة أيضا إلى مختلف المنازعين على األمر "شرعي" عي نه النبي نفسه. سلطة النبي ومن وراء ذلك على اهلل نفسه. وذلك ب غية إثنائهم عن كل تحر ك ضد حاكم فكل من سيخرج على السلطان لن يكون اال خارجا عن وعلى الصعيد الدولي كان االلتجاء إلى النبوءات وخاصة إلى تلك المرتبطة بالنبي قد أعطى للمنصور شرعية متعالية وأسبقية أخالقية على السلطان العثماني وكان ذلك خاصة في األوساط الطرقية أهم مخاطب بالرسالة التي كانت ت هيمن على جزء مهم من المشهد الديني والثقافي في الواليات 95 العثمانية. 94 نفسه ص نفسه ص 6 التمن ارتي الفوائد الجمة ص

90 ورغم معرفته بهذه النبوءات فإن األمير موالي أحمد لم السطح. يترك طموحاته تطفو إلى فبعيدا عن دوائر القرار أمضى األمير طفولته ومراهقته في دعة بناحية سجلم اسة على وجه الترجيح. ولكن نا نجهل كل شيء عن هذه الفترة من حياته. ولم يلحقه أذ ى على عهد أخيه عبد اهلل الغالب الذي اضطهد رغم ذلك إخوته بالقتل والتشريد هم وأبناءهم. ي جمع األخباريون المسلمون واألوروبيون على هذا األمر. فيؤكد انطونيو دي سالدانيا على أن ه خالل فترة حكم شقيقيه كان موالي أحمد يخفي مشاعره وطموحاته بطريقة 96 جعلت موالي عبد اهلل ال يرى حاجة الضطهاده. أم ا المؤر خ المشرقي الخفاجي فيذكر أن األمير الشريف كان يخفي تطلعاته السياسية مظهرا انهماكه في تحصيل العلم 97 وتدوينه. ويذهب الفشتالي نفس المذهب بزعمه أن التمگروتي قد روى لموالي أحمد نبوءة المرابط المصري وذلك بعد سنين من عودته من المشرق. وقد أنصت هذا 98 األخير إلى جليسه لكنه أظهر عدم اكتراثه باألمر. وبغض النظر عن مكر األمير ودهائه فإن زهده في أمور الملك يمكن أن يفسر بخوفه على حياته. ففي سن الثامنة فقد موالي أحمد في غضون أشهر من سنة 8775 كال من أبيه الذي اغتاله حرسه الخاص والعديد من إخوته وأقاربه الذين ق تلوا على يدي أخيه األكبر عبد اهلل الغالب. وقد اختار من نجى من إخوته ومنهم عبد الملك الهجرة القسرية إلى األراضي العثمانية. ومن المرجح أن هذه الصدمة قد أث رت في وعي الفتى الذي انصرف إلى العلوم الدينية واألدبية. وفي سنة 574 تغي ر المشهد السياسي المغربي تغي را كل يا. لقد كان ابن عبد اهلل الغالب ووارث عرشه محمد المتوكل يعاني من مشاكل داخلية ودولية مرتبطة بالقضية الشائكة للتوريث. إذ نازعه بعض إخوته خاصة موالي الناصر األمر بإثارة القالقل. وكان األخطر من ذلك تحركات األمير عبد الملك لدى العثمانيين قصد الحصول على 96 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. -4. الخفاجي ريحانة األحب ة ص القادري نشر المثاني ج 8 ص 868. الفشتالي مناهل الصفا ص

91 مساعدة عسكرية كانت ستمك نه من السلطنة هي من حق ه بحكم معايير التوريث التي وضعها مؤسس األسرة المالكة. اضطهاد كبير ألفراد أسرته. ولمواجهة هذه التحركات قام محمد المتوكل بحملة كان يمكن لموالي أحمد الذي يبلغ من العمر الخامسة والعشرين وقتها أن يظهر بصورة المنازع في الملك رغم أنه قد تم إبعاده من الناحية النظرية عن شؤون السياسة. فلم يكن لذلك في مأمن من اضطهاد محتمل. ورغم أنه لم ي ظهر أي رغبة في السلطة فإننا نستطيع أن نفترض أن األمير الشاب كان يربط عالقات سر ية مع أخيه عبد الملك وأن هذه العالقة قد اكت شفت في ظروف ال نحيط بعلمها. فكان عليه مغادرة سجلماسة وااللتجاء إلى تلمسان في األشهر األولى من سنة حيث أصبح العضد األيمن ألخيه. ليست قصة منفى موالي أحمد كما يرويها الفشتالي إال سردا منم قا وبناء ما بعدي ا. ووفقا لمبدأ الس ي ر الموازية قام الوزير المؤر خ بالمقارنة بين السلطان الشريف وسلفه النبي محمد. وكان استعمال مفردة التحاق األمير باألراضي العثمانية. الهجرة أبعد ما يكون عن االعتباطية للتعبير عن ففي المتخيل اإلسالمي كان حدث الهجرة مؤش را على بداية العصر اإلسالمي الذي ي سم ى تحديدا التاريخ الهجري. كما أنه يستحضر المرحلة التدشينية للسيرة النبوية والسبيل الضروري لتحقيق المدينة الفاضلة على األرض. وعلى امتداد التاريخ اإلسالمي بل حتى في عصرنا هذا فإن بعض المسلمين 00 ال زالوا يرغبون في التأس ي بالسيرة النبوية. وقد كان االجتهاد في ات باع النبي ديدن كل طامع في السلطة أو راغب في إحياء الدين عبر تأسيس دولة تكون قاعدة "الدين القيم" ونقطة انطالق لملحمة جديدة. وبواسطة هذه اإلشارة التي ال لبس في داللتها فإن الفشتالي يريد من ا تصديق أن أحمد المنصور كان في نفس الوقت على وعي وعلى ثقة بأنه سيكون سلطانا بل قد يكون مؤس سا لخالفة جديدة. فلم يكن المنفى إال حدثا عابرا ومؤذنا بنصر قريب. ولكي ي عطي 99 Henri de Castries, SIHM, France, t. I, p فيما يخص هجرة النبي انظر على سبيل المثال ابن هشام السيرة النبوية ص EI, t. III, p. 78 et Sup., p. 68 ; William Montgomery Watt, Mahomet, p ; Tor Andrae, Mahomet, p

92 لما يعرض من السيرة السلطانية مصداقية أكبر وتخييال أعظم قام المؤر خ الوزير بالتشديد على ضروب المعاناة التي لقيها مواله في هجرته من سجلم اسة إلى تلمسان. فقد كانت الرحلة طويلة ومضنية لقلة الزاد والماء مم ا جعل أولئك الذين يصاحبون أحمد المنصور في رحلته يزدادون قلقا. كان هو الوحيد الذي حافظ على رباطة جأشه وقورا واثقا في ما سيكون وحسن الخلق مع أصحابه. ولم يذق موالي أحمد شيئا من 0 الزاد واكتفى بشرب الماء طوال الرحلة دون أن يكف عن الصالة والدعاء. بعد وصوله إلى تلمسان دخل األمير موالي أحمد في خدمة أخيه عبدالملك وال نعرف إال القليل عن إقامته في األراضي العثمانية. ولكن بعض المعطيات تشير إلى أن األمير الشاب قد بقي على الحدود بين المغرب والجزائر لتجييش الناس وتجنيدهم والبحث عن الدعم في الداخل المغربي. العثمانية. ونحن نجهل إن كان قد تنق ل طويال داخل األراضي ولكن نظرا إلى ظروف رحلته فمن المستبعد جدا أن يكون المنصور قد سافر إلى أبعد من مدينة الجزائر. ويأتي اآلن موضع مناقشة ادعاءات األخباريين المتأخرين القائلة بأن موالي أحمد قد جاب أرجاء اإلمبراطورية العثمانية بل إنه قد وصل إلى اسطنبول. يؤك د أنطونيو دي سالدانيا الذي كان يكتب ذكريات أسره بعد سنوات من عودته إلى البرتغال أن موالي 0 أحمد كان موجودا بتلمسان. وفي القرن السابع عشر يذهب مصن ف أو باألخرى 0 مصن فو تاريخ الدولة السعدية إلى ما ذهب إليه سالدانيا. لقد كان اإلفراني وهو األخباري الذي سيتم االعتماد عليه من طرف كل األخباريين المغاربة فيما بعد هو من أك د أن موالي أحمد غادر سجلم اسة متوج ها إلى تلمسان مصحوبا بأخيه عبد الملك سنة وأشار اإلفراني ومن بعده الزياني 06 والناصري إلى أن األخوين قد جابا أرجاء اإلمبراطورية وشاركا في عد ة معارك خاصة معركتي ليبانتو وحلق 0 الفشتالي مناهل الصفا ص 6. 0 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p مجهول تاريخ الدولة السعدية ص اإلفراني نزهة الحادي ص الزياني الترجمان المعرب ص الناصري االستقصا ج 7 ص 74 و 0. 89

93 الوادي بل لقد سافرا لمقابلة السلطان العثماني. وقد حصل هذا اللقاء إما بحضور الل ة مسعودة والدة أحمد أو بحضور الل ة سحابة الرحمانية والدة عبد الملك. بل لقد ذ كر أن إحدى هاتين المرأتين هي من حملت بشرى النصر في حلق الوادي إلى السلطان مراد الثالث. إن االنتقال إلى تلمسان تحت عبد اهلل الغالب كان أمرا مستبعدا جدا وذلك ألن المصادر المعاصرة لألحداث خاصة الفشتالي والوثائق األوروبية تذكر أن موالي أحمد قد بقي في المغرب إلى سنة ولم يترك البالد إال عند موت أخيه. ورغم أن هذه المعطيات تطعن في روايات األخباريين المتأخ رين مثل اإلفراني والزياني والناصري فإننا سنعود إلى تلك الروايات لننظر فيها بصورة أكثر تدقيقا. لقد أعطى هؤالء لموالي أحمد دورا أساسيا دافعين بأخيه عبد الملك إلى وضعية ثانوية وذلك لتكملة تاريخ السلطان وبناء سيرة مجيدة له. وال شك أن هذه الروايات تستند إلى القصص الشعبية التي تكون عادة بعيدة عن الحقيقة. وإذا كان األخباريون المعاصرون للمنصور يسعون إلى إخفاء دور أخويه وإلى توجيه كل حركاتهما السياسية لفائدة أخيهم األصغر فإن األخباريين المتأخ رين كانوا يسعون عن جهل أكثر مما هو عن دعاية إلى مسح أدوار األخوين وإلى جعل الوثائق المعاصرة لألحداث من سنة أمير اسمه موالي أحمد. كل فعلهم السياسي يصب في مصلحة أخيهم األصغر إلى سنة 8775 ولكن كانت تجهل حتى وجود إذ كان المفاوضان المعترف بهما من طرف العثمانيين والقوى األوروبية هما على التوالي األمير عبد المؤمن ثم األمير عبدالملك. أم ا بالنسبة إلى المرأة التي صاحبت عبد الملك في سفرته العثمانية الطويلة فقد كانت أم ه سحابة 08 الرحمانية ال مسعودة الوزگيتية التي بقيت وال شك آمنة في مقامها السجلماسي. لم يكن النسب المتعالي والنبوءات والتأسي بالسيرة النبوية رغم قوتها اإلقناعية بكافية لتحقيق شرعنة تامة للسلطة السلطانية. وقد أظهر أحمد المنصور الذي كان عليه إثبات ذاته تكوينا علميا على درجة عالية من الجودة يؤهله للتصدر لشؤون الخالفة. 07 Henri de Castries, SIHM, France, t. I, p مجهول تاريخ الدولة السعدية ص وص

94 "سلطان العلماء وعالم السالطين" "من سلك طريق ا يطلب فيه علم ا سلك اهلل به طريق ا من ط ر ق الجنة إن العلماء ورثة األنبياء وإن األنبياء لم يورثوا دينارا وال درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ 09 وافر". اإلسالمية للعلماء. ينبئنا هذا الحديث المنسوب للنبي محم د باألهمية التي توليها الثقافة العربية وقد كان العلم إحدى الوسائل المفض لة لالرتباط بأزمنة اإلسالم األولى وبصراطية السلف الصالح. إن البنية الن س ب ية للعلوم اإلسالمية تيس ر بمعنى ما 0 ذلك االرتباط. فالسند المتواتر يربط راوي الحديث أو غيره من العلوم اإلسالمية عبر سلسلة من الرواة المعلومين بالن بي أو بالشخص الذي ي نسب إليه الكتاب أو التخصص أو المذهب. وكان هذا النمط من الرواية "المقدسة" يسمح لحامل العلم بأن يكتسب شرعية دينية واجتماعية باعتباره من ورثة األنبياء. كان أحمد المنصور الذي يطمح إلى احتكار اإلرث النبوي ال يجهل أن العلم خاصة الديني منه يمكن أن يكون أساسا هاما للشرعنة. تكوينه األول باعتباره عالما وأديبا ليضيف إلى عالقة نسبه وكدأبه استغل السلطان الشريف بالنبي عالقة "الدمية" نسب كانت هذه المرة علمية وليقوم باستمالة العلماء المبر زين في المغرب وحتى داخل الدولة العثمانية. للشرعية السلطانية كما وقد تبي ن أن العلماء باعتبارهم ذوي رأي مت بع قد كانوا سندا ثابتا كانوا د عاة فع الين بقصد أو بغير قصد ينشرون خصال السلطان في خطبهم وفي حلقاتهم ومصن فاتهم. لقد كان العلم وبالتحديد العلم الديني أحد الشروط األساسية لتولي الخالفة. ألم يكن الخليفة هو اإلمام األعظم الذي يقوم بتفويض سلطاته فحسب لم يكن سالح العلم أداة سياسية فحسب في نظر موالي أحمد بل كان العلم أيضا موهبة وشغفا لم يكف عن تنميتهما طيلة حياته. أمرين حقيقين. وكانت متانة تكوين موالي أحمد وموهبته لكنه استثمرهما لتكريس شرعيته وإبراز صورة السلطان الورع 09 Arent Jan Wensinck, Concordance et indices de la tradition musulmane, t. IV, p.. 0 Houari Touati, Islam et voyage au Moyen Age, p. 9. 9

95 والمتحض ر على غرار خلفاء بغداد وقرطبة الذين كان يزعم أنه امتداد لهم. وقد بدأ موالي أحمد تحصيله العلمي طبقا للعرف بحفظ القرآن الكريم بمدينتي فاس ومراكش على يدي مؤد ب األمراء محمد الد رعي وعلى الشيخ موسى التدماوي والقاضي سليمان بن ابراهيم. الدمناتي بتدريس األمير الفقه وفي نفس الوقت قام هذا األخير صحبة عبد العزيز بن ابراهيم على المذهب المالكي. وقد ع هد بتعليمه اللغة واألدب العربي تباعا إلى محمد بن عبد العزيز بن ابراهيم وأحمد القد ومي األندلسي ومحمد الحارثي. ونظرا لمتانة تكوينه األساسي كان من الطبيعي أن يتوج ه األمير الشاب إلى العلوم الدينية والفقهية. فكان أن تابع دروس خيرة علماء البالد. وبينما تول ى قاضي الجماعة بفاس عبد الواحد الح ميدي تدريسه الفقه المالكي تول ى رضوان الج نوي و محمد بن علي تدريسه الحديث وتعميق معارفه في بعض المسائل الفقهية. وتابع األمير تحت إشراف العالم شقرون بن هبة اهلل دروسا في التفسير وأصول الفقه وعلم الكالم. بل إننا نجده قد حضر حلقة الدرس الخاصة بمفتي فاس يحيى السراج. لكن األمير الزم المتكلم والفقيه أحمد المنجور. وقد كان هذا األخير مقد ما على علماء عصره. فقد تابع األمير تحت إشرافه دروسا في علوم مختلفة كأصول الفقه وعلم الكالم والحديث النبوي والمنطق والرياضيات. بل إن موالي أحمد تابع دروس شيخه حتى بعد تول يه الحكم إذ كان يستضيفه عد ة مرات في السنة خاصة في شهر رمضان ليلقي دروسا كان يحضرها السلطان الشريف في قصره. وفي سنة ب"االستدعاء" 878 أحس أحمد المنصور أنه قد أتقن كل ما قد مه هذا العالم فقام أي طلب إجازة في كل ما أخذه عن المنجور من المصن فات والعلوم. وقد قام هذا األخير في إجازته التي سم اها الفهرس بتعداد أسانيد كل مروياته الفشتالي مناهل الصفا ص 00 ابن القاضي در ة الحجال ج ص 865 اإلفراني نزهة الحادي ص 86 نفسه صفوة من انتشر ص 7 القادري نشر المثاني ج 8 ص الفشتالي مناهل الصفا ص 0-00 ابن القاضي در ة الحجال ج ص 865 نفسه المنتقى المقصور ج 8 ص وص 77 اإلفراني نزهة الحادي ص 86. ابن القاضي در ة الحجال ج 8 ص المقري روضة اآلس ص 7 الفشتالي مناهل الصفا ص 00. 9

96 4 ومؤلفاته. وبحصوله على هذه اإلجازة أصبح للسلطان الشريف نسب علمي ال يصله فقط باإلمام مالك بن أنس مؤس س المدرسة المالكية المهيمنة على المعترك االجتماعي المغربي منذ قرون بل يصله بالنبي نفسه. ولم يكن ذلك إال لي عز ز شرعيته السياسية والدينية. وفي السنوات الالحقة سعى السلطان الشريف إلى تحصيل العلم خارج المغرب. ونظرا لعدم قدرته على مغادرة البالد فقد قام المنصور بمراسالت هامة مع الكثير من العلماء المشارقة وخاصة مع المصريين بدر الدين الق رافي ومحمد البكري الصد يقي. وقد أجازه هذا األخير إجازة عامة سنة 874 بينما تحص ل على مثلها من األول سنة وباإلضافة إلى ذلك فقد عمل واسعة في كل العلوم خاصة في الرياضيات. السلطان على تحسين تحصيله العلمي وذلك بقراءات ويؤك د الكثير من المؤلفين أن السلطان قرأ بنفسه كتاب العناصر إلقليدس وأنه قد ألزم نفسه مهما كانت مشاغله بحل مشكل رياضي كل ليلة. كما كان ذا شغف بعلم الفلك والتنجيم والطب لذلك أمر بترجمة العديد 6 من الكتب والسيما في الفن العسكري وفي الطب. 4 المنجور الفهرس الرباط نفسه ص الفشتالي مناهل الصفا ص عبد اهلل گنون رسائل سعدية ص 46-4 وص -6 اإلفراني نزهة الحادي ص

97 سند أحمد المنصور إلى المذهب المالكي )م بس ط( النبي محمد عبداهلل بن عمر نافع مالك بن أنس ابن قاسم سحنون يحيى بن عمر ابن اللب اد ابن أبي زيد مكي بن أبي طالب أبو عبداهلل بن عتاب أبو محمد بن عتاب ابن بشكوال األندلسي أبو موسى المومناني صالح الهسكوري راشد الوليدي علي الزرويلي عبد العزيز القروي العبدوسي موسى الجناتي محمد القوري ابن غازي أبو محمد سقين أحمد المنجور أحمد المنصور 94

98 وكانت للسلطان محاوالت في نظم الشعر وكتابة النثر. وقد أجمع كت اب القرنين السادس عشر والسابع عشر على اعتبار أحمد المنصور سلطانا شاعرا ناسبين إليه عد ة قصائد ومقطوعات وقد كان المنصور قادرا على نظم الشعر العمودي وكذلك 7 الموش حات لكنه برع من غير شك في شعر الغزل. وكان الفشتالي يتباهى بأن سيده كان شاعرا عظيما مثل أبناء عمومته هارون الرشيد العباسي الرحمان بن الحكم األموي ]64-80[ ]7-[ والمعز لدين اهلل الفاطمي وي ظهر الذوق األدبي وخاصة الشعري للسلطان الشريف وعبد.]457-47[ ميله للتيار الكالسيكي. إذ كان يحاول بواسطة الشعر أن ي حيي المعاني التي اختفت منذ زمن طويل وأن يبعث وضعيات سابقة وذلك بإعادة إنتاج النماذج األدبية للعصر الذهبي اإلسالمي. وقد كان الهدف مرة أخرى بغض النظر عن البعد األدبي لقصائده هو أن يؤث ر في مخيال معاصريه خاصة النخبة منهم تلك النخبة التي كانت بقراءة قصائد السلطان وأعوانه تعتقد أنها تعيش ثانية ذلك العصر الذهبي الضائع. وكان التأثير فوري ا إذ قام العديد من أدباء المغرب والدولة العثمانية بإثبات قصائد المنصور في مختاراتهم األدبية وفي كتب التراجم. ولم يكن لشهرة السلطان إال أن تزداد ولم يكن لصورة األمير اإلحيائي الذي هو في اآلن نفسه شاعر وراع لألدب إال أن تضمن له إعجاب جزء ال يستهان به من الطبقة العالمة. وقد كان المنصور الذهبي معروفا بأنه راع لألدب وحام للعلم والعلماء. وقد كان هؤالء ي ستقبلون في البالط بكل مظاهر التشريف ويعاملون بكل االحترام الواجب تجاه 8 "ورثة األنبياء". وكان للمكانة الخاص ة الممنوحة للعلماء واألدباء ثالثة أسباب رئيسة هي حب السلطان الذي ال ي نكر للعلم وواقع أن العلماء كانوا هم ضمانة نسبه "العلمي" الموصول بالنبي إضافة إلى أنهم كانوا صن اع رأي ال مهرب منهم. وقد 7 الفشتالي مناهل الصفا ص 0 ابن القاضي در ة الحجال ج 8 ص 86 اإلفراني نزهة الحادي ص 86 وص 8 المقري روضة اآلس ص 0-7 وص 85 التمن ارتي الفوائد الجمة ص الفشتالي مناهل الصفا ص 8 وص ابن القاضي در ة الحجال ج 8 ص نفسه المنتقى المقصور ج 8 ص 8 وج ص المقري روضة اآلس ص 78-0 نفسه نفح الطيب ج 5 ص 6-5 القادري نشر المثاني ج 8 ص 86 الخفاجي ريحانة األلب ة ص

99 ظهرت هذه المكانة بادئ ذي بدء في المراسم المخزنية. إذ كان للعلماء األسبقية على كل رجال البالط بمن فيهم األمراء فقد كانوا يدخلون على السلطان متى شاؤوا وكان لهم شرف مؤاكلته وحق الحضور في المجلس السلطاني أو ما كان يعرف بالديوان. 9 وكان يخلع عليهم بصورة ثابتة وي قطعهم األراضي. توج هت رعاية السلطان بصفة خاصة إلى شيوخه المباشرين وإلى أولئك المنتمين إلى 0 النخبة مم ن صن فوا في مآثره سواء أكانوا من المغاربة أم من األجانب. وكان األجانب محل حفاوة في مراكش ألنهم يمكن أن يكونوا "دعاة" فعالين عند أوبتهم إلى مواطنهم األصلية. ولذلك نشير إلى أنه قد و جد في البالط المنصوري علماء من الجزائر وتونس ومصر وفلسطين والمدينة المنو رة ومكة المكر مة واليمن. وكان السلطان يكفلهم طوال إقامتهم في المغرب في جري عليهم رواتب شهرية وي نزلهم في مساكن فخمة وكانوا يصاحبون المنصور في والخلع. كل تنقالته وي نعم عليهم بالجوائز فأثناء إقامته بالمغرب التي امتد ت بين عامي 876 و 87 تلق ى العالم المك ي محمد بن أبي الفضل راتبا شهريا بلغ تسعمائة درهم فضال عن الهدايا. وقبل عودته إلى بالده تشف ع له الشريف عند السلطان العثماني ليجعله على قضاء اليمن. وقد طال كرم المنصور كبار العلماء الذين لم يستطيعوا القدوم إلى المغرب أيضا. إذ كانوا ي رسلون إليه ن سخا مهداة من مصنفاتهم ويقيمون معه مراسالت دائمة ولقاء. ذلك كانوا ينعمون بالجوائز السني ة من لدنه. وكان محمد بن أبي علي الحسن والجنابي والخفاجي واألبهري أشهر العلماء المنتفعين بهداياه. العلم حدود العالم اإلسالمي. والقش اش وبدر الدين الق رافي ومحمد البكري الصد يقي من بين وقد تجاوز صيت المنصور باعتباره راعيا ألهل إذ نجد أصداء تلك السمعة في األرشيف االنگليزي وخاصة في رسالة بعثها التاجر االنجليزي توماس برنر ]Thomas Bernher[ إلى 9 الفشتالي مناهل الصفا ص 4. 0 نفسه ص 7-4. المقري روضة اآلس ص 4 وص 4-0 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 المقدمة نفسه در ة الحجال ج 8 ص 865. نفسه ص نفسه ج 8 ص 76 4 و 4. عبد اهلل گنون رسائل سعدية ص 0-07 ص 5-5 وص اإلفراني صفوة من انتشر ص

100 مواطنه عالم الرياضيات وصانع الخرائط إدوارد رايت أن موالي أحمد كان شغوفا بعلم الفلك والتنجيم. 4 اختراعاته بسهولة إلى السلطان وذلك بثمن م جز. السلطان.]Edward Wright[ أورد فيها وأك د لصديقه أنه قادر على بيع ويجب أن نشير أيضا إلى أن الشريف قد طلب من فيليب الثاني بأن ي رسل له من يقوم برسم لوحات له ولعائلته. فخرج الرسام بالس ديل برادو سنين عديدة. ]Blas del Prado[ قاصدا مراكش حيث مكث 5 ومن سوء الحظ فإنه لم يصلنا أي عمل من أعمال هذا الفنان القشتالي. كان حب السلطان للعلم واألدب ورعايته لهما ال ينفصالن عن حب ه للكتب. وقد حرص على بناء خزانة كتب ثرية لم يكف عن تنميتها طوال فترة حكمه. ولهذا الغرض كل ف عد ة مبعوثين بأن يجوبوا الدولة العثمانية لشراء الكتب الالزمة. وش جع كذلك علماء عصره وأدبائه على أن ي رسلوا إليه مصنفاتهم نظير مكافآت م جزية. ومن المؤك د أ ن قسم الترجمة في القصر كان ي وف ر ترجمة للكتب األوروبية خاصة في علمي الفلك 6 والطب. وقد بلغ عدد الكتب في الخزانة السلطانية قبل نهاية فترة حكمه ما قارب 7 االثنين وثالثين ألف مجلدا حسب إحدى الروايات. كذلك حرص السلطان وأفراد أسرته على أن ي وف روا للمساجد والزوايا والمدارس عد ة آالف من المصنفات على شكل وقف. 8 وقد كانت الخزانة الكبرى في جامع القرويين أيضا من مآثر المنصور. ويذهب محمد حج ي إلى أن طائفة كبيرة من مخطوطات الخزانات المغربية تعود إلى 9 هذه الفترة. وال يمكن اختزال نشاط السلطان الشريف في مختلف مجاالت المعرفة على الشعر ورعاية العلم وعشق الكتب إذ أنه قد حاول ممارسة التأليف. وحسب ك تاب سيرة السلطان فإنه قد وضع ثالث مصنفات وشرح الكثير غيرها. وكان مصن فه األو ل الذي 4 Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p Louis Viardot, Notices sur les principaux peintres espagnols, p الفشتالي مناهل الصفا ص 0 وص 60 عبد اهلل كنون رسائل سعدية ص 8-5 وص المقري روضة اآلس ص 85 اإلفراني نزهة الحادي ص الشهاب الحجري ناصر الدين على القوم الكافرين ص المقري روضة اآلس ص. 9 محمد حجي الحركة الفكرية ص 8. 97

101 ص لم ي تم ه جمعا لقصائد العلويين. إن مشروع موالي أحمد هذا الذي لم يكن وقتها إال أميرا خامل الذكر ال يمكن إال أن ي ذك رنا بالكتب التي كان هدفها جمع قصائد وسير 0 أفراد بيت حاكم مثلما هو شأن مصنف الصولي المخص ص لقصائد العباسيين. ولكن األحداث السياسية التي عصفت بحياة األمير الشاب بعد موت السلطان عبد اهلل الغالب سنة 8754 األولى. حالت دون إتمامه الكتاب فلم تصلنا أي نسخة من هذه المحاولة نفس األمر حصل للكتاب الثاني للسلطان الشريف وهو الموسوم بكتاب العارف في كل ما تحتاج إليه الخالئف. ومن المرج ح أنه ينتمي إلى صنف اآلداب السلطانية حيث يقوم العاهل بعرض خبرته في المجالين السياسي والعسكري. وحسب ما يذكر الفشتالي فإن الكتاب موضوع أساسا في االستراتيجية العسكرية. وفيه يشرح السلطان كيفية بناء القالع والحصون وفن التكتيك العسكري وطريقة تنفيذ الحصار وتقنيات صناعة أسلحة حديثة وفع الة. كما بي ن السلطان أيضا أفضل السبل لتطبيق الحدود الشرعية وغيرها من المسائل. ومحصول القول حسب الفشتالي الذي كان يلوم حكاما مثل يعقوب المنصور الموح دي ] [ وأبي حم و الزياني ]84-874[ على إضاعة وقتهما في كتابة أشياء غير نافعة فإن السلطان كان ي قد م نصائح عملية تنفع الحكام في مزاولة مهامهم. فوزير القلم يلوم األو ل منهما على كتابة مصن ف في العقيدة رغم أنه لم يكن متكل ما بينما يلوم الثاني على كتابة مصن ف في اآلداب السلطانية جاء خلوا من كل حس عملي. نهج المنصور. ومع ذلك فقد كان هاجس التقليد واالستمرارية جليا في إذ كان هذا األخير يريد أن يدرج في الئحة األمراء العلماء الذين طبعوا التاريخ السياسي والثقافي للعالم العربي اإلسالمي. أما المصنف األخير للسلطان وهو الذي وصلتنا منه نسخة تامة ك تبت له بمراكش سنة 8068 فعنوانه الع و د أحمد. وهو و ر د مكو ن من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأحاديث.07 0 الصولي أشعار أوالد الخلفاء وأخبارهم بيروت 8454 الفشتالي مناهل الصفا ص 6. نفسه ص 6-68 المقري روضة اآلس ص 7 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 98

102 قدسية يراد بها دفع السوء وجلب المنفعة وبلوغ المعارف الباطنية. وقد تم ت اإلشارة إلى وجود هذا النوع من اإلنتاج الديني في المغرب منذ القرن الثاني عشر. فكان لكل شيخ صوفي مشهور ورده الخاص. وكان أشهر تلك األوراد من غير شك هو دالئل الخيرات الذي وضعه محمد بن سليمان مؤسس الطريقة الجزولية. النصوص كان السلطان الشريف يعد نفسه شيخا مرابطا ورعا. وبتجميع هذه يشتمل الورد على ثمانية أقسام عرض أولها بالتفصيل كل الصلوات واألدعية التي على المؤمن القيام بها في كل وقت من يومه. وفي األقسام الموالية قام بتفصيل األدعية التي على المسلم أن يستحضرها في كل وضع مخصوص. وختم الورد بذكر فضائل بعض السور وأفضل السبل للصالة على النبي والتوبة إلى اهلل سبحانه وتعالى. وحتى إذا لم يكن المنصور الذهبي العلماء وعالم السالطين" الذي عد ته طائفة من العلماء واألدباء "سلطان قد هيمن على المجال الديني والثقافي المغربي فإنه بال شك قد وج ه هذا المجال بالعمل على مركزة معارف عصره وعلى مراقبة التعليم وضمان والء العلماء. وخالصة القول إن السلطان الشريف قد وظ ف كل شيء إلحكام قبضته على معتركات المعرفة المغربية والفاعلين فيها وشبكاتها. وعمل بدأب عظيم على أن يكون له مؤي دون ومحب ون داخل الدولة العثمانية وفي بالد النصارى. ولم ا كانت الطبقة العالمة ال تهيمن إال على المناطق الحضرية فقد كان عليه تسخير القوى الريفية والشعبية بأن يفرض نفسه مرابطا أعظم في البالد. قطب الزمان: التصوف المنصوري كتب األسير البرتغالي أنطونيو دي سالدانيا أن "رجال الدين ]في المغرب[ وتحت غطاء الزهد والورع يمارسون نفوذا بلغ حد ا جعل أي تغيير في هذه الممالك يستحيل 4 ما لم يت بع هذا السبيل". إذا كان زوار المغرب طوعا أو ك رها على وعي بالدور الهام بل المركزي لشيوخ الصوفية المعروفين باسم المرابطين أو الصلحاء أو األولياء نفسه ص 84 وص 6-68 نفسه ص 7 نفسه ج 8 ص 07 اإلفراني نزهة الحادي ص 87 أحمد المنصور العود أحمد مخطوط الخزانة الحسنية رقم Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p

103 في المعترك السياسي الديني المغربي فإنه ال يمكن للحكم السلطاني أن يذهل عن ذلك. ومن الثابت أن نجاح الساللة الشريفة يرجع في جانب هام منه إلى الدعم الثابت من الشبكات الطرقية المرتبطة بالجزولية. ولكن لم يلبث الخالف أن دب بين الشريكين فقر ر السلطان محمد الشيخ المهدي في ظروف غير واضحة أن يهمش الجزولية بل 5 أن يعاقب كل من سولت له نفسه من شيوخها أن يظهر مخالفته. وقد تسب بت ذلك في حصول شبه قطيعة بين السلطة المركزية وبين جزء من الشبكة الجزولية. وإذا كانت سياسة المصالحة التي انتهجها عبد اهلل الغالب قد نجحت في استمالة بعض عناصر هذه الشبكة فإن عددا عظيما من مرابطي األرياف والمقاطعات الذين لم ينسوا اإلهانة التي تعر ضوا لها كانوا ينتظرون الفرصة المناسبة للتمر د. فأثناء حرب التوريث التي تواجه فيها محمد المتوك ل وعبد الملك ابتداء من سنة 8750 حاول الكثير من المرابطين استغالل الوضع سواء لمناصرة هذا الجانب أو ذاك أو للدخول في تمر د والكف عن دفع الضرائب. 00 وقد استطاع موالي أحمد عندما كل فه أخوه عبدالملك المعتصم بوضع حد لهذه النزعات االنفصالية أن يقف بنفسه بشكل عملي على الخطورة التي يمكن أن ي شك لها الصلحاء على كل عملية مر كزة دائمة. ولذلك ال نعجب من أن يكون أو ل ما قام به عند تول يه الحكم هو إرسال حملة تطهير بين قبائل الجبال والسهول أولئك الذين كان يقودهم في الغالب متصوفة. وطوال عصر المنصور تم إلى درجة ما مراقبة الزوايا كما تم قمع أي محاولة للتمر د بعنف. وخالصة القول فإن الحماسة الطرقية قد تم تنظيمها ومراقبتها دون أن يتم إخماد جذوتها. وعالوة على ذلك فقد كان لزاما على السلطان الشريف أحمد المنصور الذهبي الطامح الحتكار اإلرث النبوي أن يقوم بمقاسمة المتصوفة صالحياتهم وأن ينتسب إلى ساللة النبي لكن هذه المرة على الصعيد الروحي. على غرار العلوم اإلسالمي ة األخرى ال يمكن تحصيل علم الحقيقة ]التصوف[ إال من خالل سلسلة متواصلة من األسانيد تربط المريد بالنبي. وكان على المريد أن "يترب ى" على يدي شيخ مشهور ومشهود له من لدن نظرائه ومن طرف مجموع السكان 5 ابن عسكر دوحة الناشر ص 54 وص 867.

104 بالوالية. لقد سلك المنصور طريق الحقيقة لكن مساره هنا ليس بوضوح مساره في طلب العلم الظاهري لكننا سنحاول تتبعه. فباعتباره الزم الشيخ رضوان الجنوي أحد أشهر زه اد عصره فإننا نستطيع أن نفترض أن هذا األخير قد لقنه قواعد الطريقة الزروقية التي كان من أبرز أعضائها بفاس. السلطان الشريف بأحمد المنجور 0 كما أن العالقة الممي زة التي كانت تربط قد تكون دفعت به في لحظة أو أخرى إلى دخول الطريقة الزروقية المهيمنة داخل المجال الحضري منذ عقود كما أسلفنا. وفي المقابل ال توجد أي قرينة تسمح لنا بربط السلطان بأي صورة كانت بالطريقة الجزولية. ومع ذلك فإن انتساب السلطان أحمد المنصور إلى الطريقة البكرية في مصر هو أمر ثابت. استطاع السلطان بواسطة مراسالت مكثفة أن يحصل ال فقط على إجازة محمد البكري 6 بل على ملبوس أو مرق عة يرمز إلى نجاح مسار التلقين الصوفي. لقد أمسى موالي أحمد شيخا بكريا. ولكن لماذا بقيت المصادر غامضة جدا بالنسبة النتساب السلطان للزروقية وخرساء فيما يتصل بالجزولية إن أو ل جواب يتبادر إلى الذهن هو أن عاهل البالد ال يستطيع أن ينتسب إلى أية طريقة. فقد كان بمعنى من المعاني يطمح أن يكون المرابط األعظم أو ما يصطلح عليه قطب الزمان. ولكن لماذا كانت عالقته بالزروقية أكثر وضوحا فباإلضافة إلى أن هذه الطريقة كانت تهيمن على األوساط الحضرية التي تخر ج منها جزء كبير من النخب الدينية واإلدارية للبالد فمن المؤكد أن العقيدة الزهدية والمسالمة والقائلة بشرعية من غلبت شوكته التي اتسمت بها الزروقية قد دفعت سالطين األسرة الشريفة خاصة أحمد المنصور إلى تقريب أعضائها قصد إقامة توازن مع الجزولية التي ال يمكن الثقة فيها. فقد كانت العقيدة الجزولية بوجه من الوجوه على األقل في القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر "ثورية" نوعا ما وكثيرا ما تسعى إلى التغيير وهو ما سيحصل مباشرة بعد وفاة المنصور. ولتوضيح هذه المعارضة نستطيع أن ن مث ل لها ببعض التمردات ضد نفوذ السلطان والزيارات التي كان يقوم بها. فأثناء تمرد األمير داوود بن عبد المؤمن ابن أخ السلطان سنة 6 عبد اهلل گنون رسائل سعدية ص 0-4. دخل الكثير من 876

105 ص المرابطين الجزوليين بالجنوب المغربي في حزبه. وكانت األمور أشد خطورة ما بين سنتي 8747 و 8740 أثناء تمر د األمير الناصر وهو ابن أخ آخر للسلطان. فبينما كان العديد من المرابطين الجزوليين المشهورين مثل أبي الشكاوي يساندون التمر د جهارا كانت طائفة كبيرة من علماء الحواضر المنتمين إلى الزروقية مثل مفتي فاس محمد 7 القص ار ي حر ضون األهالي على التزام طاعة ولي األمر. كما تكشف زيارات السلطان هذه اإلرادة في الرغبة في تجاوزها. المغربي. "القطيعة" مع الجزولية أو باألحرى وقد كانت زيارة أضرحة األولياء ممارسة شائعة في اإلسالم بل إنها كانت جزءا من واجبات المريدين الذين يجهدون من خالل هذه الزيارات إلى االرتباط بتقليد وإلى الحصول على بركة صاحب المقام وربط عالقات روحية واجتماعية قوية بمشايخهم وزمالئهم. فهل من الغرابة أن نرى السلطان يؤد ي هذه الزيارات وهو الذي كان يريد امتالك اإلرث النبوي ولكن اختيار األضرحة التي تؤد ى إليها الزيارات هو في تقديرنا كاشف إلرادة المنصور في االنعتاق من الجزولية المقلق. إرث 57 وص اإلفراني صفوة من انتشر ص 0 0

106 سند أحمد المنصور إلى الطريقة البكرية )م بس ط( النبي محمد علي بن أبي طالب الحسين بن علي علي بن الحسين محمد الباقر علي الرضا معروف الكرخي سري السقطي الجنيد أبو بكر الشبلي عبد العزيز التميمي عبد الواحد التميمي الطرشوشي علي القرشي أبو سعيد المخزومي عبد القادر الجيالني السهروردي النجيب الضياء عثمان أحمد الكبرى المجد البغدادي علي الال أحمد الدرديادي عبد الرحمان الشرقي الشهاب الدمشقي أحمد الزاهد محمد الواسطي زكريا األنصاري محمد البكري الصديقي )األب ) محمد البكري الصديقي ) )اإلبن أحمد المنصور 0

107 ص تخبرنا المصادر أن السلطان زار مقام أبي مدين خالل إقامته في تلمسان ومقامات دارس بن إسماعيل بن ميمونة وعلي بن ح ر ز ه م وأبي بكر بن العربي في فاس وزار مقامات 8 بمراكش. الشيخ عبدالمجيد القائمة مالحظتين: وأبي العباس السبتي وأبي القاسم السهيلي والقاضي عياض 9 كما زار عدة مرات مقام أبي عبد اهلل الهزميري بأغمات. وتثير هذه األولى أن كل األولياء الذين زارهم السلطان ال ينتسبون إلى أي طريقة وإن كانت كل الطرق تنتسب إليهم من جهة أو من أخرى. وأم ا الثانية فم شتق ة من األولى وتخص غياب األولياء الجزوليين عن قائمة األولياء الذين تمت زيارتهم. ونستطيع أن نفترض أن السلطان أحمد المنصور قد عز ز طق س التبرك بأبيه وبالفقيه المالكي القاضي عياض المتوف ى قبل أربعة قرون للحد من شعبية ضريح محمد بن سليمان الجزولي. وال تظهر كذلك أسماء المرابطين الجزوليين في قائمة األولياء الذين ربط السلطان 40 عالقة بهم أو تبادل معهم الرسائل. كان الصلحاء وهم في الغالب أصحاب تكوين محدود أكثر قربا من الناحية العقائدية والثقافية إلى العوام منهم إلى األوساط الفكرية المتخرجة من المدارس وحلقات العلم في المساجد. ولم يكونوا في عين المنصور إال 4 دج الين ليست واليتهم الظاهرة إال ذريعة لالغتناء وامتالك السلطة. لم يكن التكوين الروحي والزيارات التي قام بها السلطان إال خطوات أولى نحو القداسة. وكان على السلطان كي ي كمل صورته باعتباره ولي ا صالحا ومرابطا معتبرا أن يعتمد ممارسات وأن يتلب س بلبوس شيوخ الصوفية أي أن تكون له نفس أحوالهم ومقاماتهم. 4 مشاهير الصوفية فباإلضافة إلى تقواه الصادقة وأعماله الورعة كان على السلطان مثل أن يكون له كما أشرنا أعاله و ر ده الخاص الذي كان يقرأه 4 باستمرار بالتناوب بينه وبين أوراد أخرى مثل ذاك الذي جمعه أبوه.. 8 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص الفشتالي مناهل الصفا ص 47 وص 8 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 40 نفسه ص 4. 4 نفسه ص 8. 4 عبد اللطيف الشاذلي التصوف والمجتمع: نماذج من القرن العاشر ص الفشتالي مناهل الصفا ص 84 وص 6. 04

108 يقوم كل زاهد صادق النية بتفويض أمره كل ه إلى اهلل ويطلب منه الس داد قبل أخذ أي 44 قرار حاسم في إطار ما ي سم ى باالستخارة. ومع أن هذا الطقس كان يمارس من طرف الكثير من المسلمين فإن ممارسته من لدن الصوفية كانت أكثر صرامة ونسقية وقد كان لهؤالء في أكثر األوقات كرامة الحصول على استجابة إلهية في المنام. ولنيل المراد يجب على المستخير أن يصلي ركعتين يدعو فيهما اهلل سبحانه ممجدا إياه ذاكر ا 45 س ؤاله. وكثيرا ما كان السلطان الشريف طوال فترة حكمه يلجأ إلى االستخارة خاصة في القضايا السياسية الهامة حسب زعمه. بل إن الفشتالي يكشف أن مواله قد لجأ إلى 46 االستخارة في كل المسائل المتعلقة بأمور الرعايا وسؤدد سلطنته. فقبل أن يجعل ابنه المأمون وليا للعهد سنة 876 اعتزل الناس عد ة أيام يسأل اهلل أن يوفقه ألفضل 47 اختيار لرعيته. كما لجأ موالي أحمد إلى نفس الطقس قبل غزو السودان الذي كان مسألة من أهم مسائل عهده. 48 معتادا على أمر تأويل حركاتها ورموزها. وسرعان ما جاءه الجواب في مواقع النجوم التي كان وكانت عادة إطعام الطعام ت مث ل ممارسة صوفية أخرى. لحاجتين: وكان هذا الفعل يستجيب احترام واجب الضيافة اإلسالمية وتأكيد كرم المرابط الذي كانت سمعته مرتبطة بكمية األكل التي ي قد مها. وقد بي ن عبد اللطيف الشاذلي وفرانشسكو رودريگس 44 ورد في دائرة المعارف اإلسالمية ]بالفرنسية[ التعريف التالي لالستخارة: "هو أن نترك هلل يختار لنا بين أمرين أو أكثر تكون في حكم الممكن سواء أكان ذلك بدافع التقوى والخضوع إلرادته أم بدافع العجز عن االختيار أو العجز عن معرفة األصلح ]...[ والمستخيرون هم أولئك الذين يرغبون في الخروج من حالة التردد بفضل اإللهام اإللهي".t EI,.IV, p الصيغة المشهورة هي التالية: عن ج اب ر رضي اهلل عنه ق ال ك ان ر س ول الل ه صلى اهلل عليه وسلم ي ع ل م ن ا االس ت خ ار ة ف ي األ م ور ك ل ه ا ك م ا ي ع ل م ن ا الس ور ة م ن ال ق ر آن ي ق ول إذ ا ه م أ ح د ك م ب األ م ر ف ل ي ر ك ع ر ك ع ت ي ن م ن غ ي ر ال ف ر يض ة ث م ل ي ق ل ]الل ه م إن ي أ س ت خ ير ك ب ع ل م ك واس ت ق د ر ك ب ق د ر ت ك وأ س أ ل ك م ن ف ض ل ك ال ع ظ يم ف إ ن ك ت ق د ر وال أ ق د ر وت ع ل م وال أ ع ل م وأ ن ت ع الم ال غ ي وب الل ه م إن ك ن ت ت ع ل م أ ن ه ذ ا األ م ر ]هنا تسمي حاجتك[ خ ي ر ل ي ف ي د ين ي وم ع اش ي وع اق ب ة أ م ر ي أ وق ال ع اج ل أ م ر ي وآج ل ه ف اق د ر ه ل ي وي س ر ه ل ي ث م ب ار ك ل ي ف يه الل ه م وإ ن ك ن ت ت ع ل م أ ن ه ذ ا األ م ر ]هنا تسمي حاجتك[ ش ر ل ي ف ي د ين ي وم ع اش ي وع اق ب ة أ م ر ي أ وق ال ع اج ل أ م ر ي وآج ل ه ف اص ر ف ه ع ن ي واص ر ف ن ي ع ن ه واق د ر ل ي ال خ ي ر ح ي ث ك ان ث م ار ض ن ي ب ه. وي س م ي ح اج ت ه [ وف ي رواية ]ث م ر ض ن ي ب ه [. البخاري الصحيح رقم الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص نفسه ص و 644 اإلفراني نزهة الحادي ص 4 Henri de Castries, «Conquête du Soudan par el-mansour», Hespéris, nº, 9,

109 49 مانياس أهمية هذه الممارسة في المجتمع المغربي منذ العصور الوسطى. الشاذلي أن الزوايا كانت تشبه إلى حد ما الجمعيات الخيرية في العصر ويذكر الراهن بما كانت تقدمه من خدمات في مغرب كان يعاني من األوبئة وسنوات القحط المتتالية. وقد قام المؤرخان بمعنى من المعاني بإعادة رسم تاريخ إطعام الطعام باعتماد أمثلة تمتد ما بين القرنين الثاني عشر والسابع عشر. ولكن الغريب في األمر هو أنهما ال يقدمان أي مثال حي لتلك الممارسة في عهد أحمد المنصور مما يجعلنا نتساءل عن عل ة ذلك. تماما على عهده بل وفي الحقيقة فإن هذه الممارسة لم تختف توارت وراء مراسم إطعام الطعام الفاخرة التي كان ي نظ مها 50 السلطان يوميا فضال عن المناسبات الدينية السيما العيدين والمولد النبوي ورمضان 5 وعاشوراء. بإعطائها طابعه الخاص. الكبرى" فلئن كان بعيدا عن احتكار هذه الممارسة فلقد هيمن عليها ويرجع ذلك إلى إرادته جعل القصر السلطاني للبالد وأن يظهر هو نفسه باعتباره 5 الكلمة أي محور العالم والمرابط األعظم. "قطب" "الزاوية زمانه بالمعنيين الذين تحملهما وإذا كانت الممارسات التي تحدثنا عنها تنتمي إلى علوم الظاهر فإن السلطان قد لجأ أيضا إلى الممارسات الباطنية وذلك باستدعاء العجائبية. ألم يكتب ميشال م يسالن أن "العجيب هو نمط التعبير األكثر مناسبة لإلشارة إلى العالقات المميزة التي تربط الحاكم باآللهة. فالسلطات التي يستمد ها الزعماء من اهلل تتجل ى بطريقة طبيعية عبر 5 أفعال خارقة للعادة البشرية". وبعبارة أخرى فإن السلطان على غرار األولياء يأتي بالكرامات. ومن دون أن تكون مشابهة لكرامات ملوك فرنسا وانگلترا التي وصفها م. بلوك ]M. Bloch[ فإن حالة المنصور تندرج في نفس السياق المنطقي. 49 عبد اللطيف الشاذلي التصوف والمجتمع ص Francisco Rodrigues-Mañas, «Charity and Deceit: The Practice of It âm al-ta âm in Moroccan Sufism», Studia Islamica, nº 9, 000, الفشتالي مناهل الصفا ص 78 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص نفسه ص كانت هذه الممارسة تبدو من خالل إسناد أمر تنظيمها البنه أبي فارس. أنظر ابن القاضي در ة الحجال ج ص Michel Meslin [dir.], Le merveilleux : l imaginaire et les croyances en Occident, p

110 لقد كانت "البركة" التي يتمت ع بها السلطان الشريف بحكم نسبه النبوي وبحكم تقواه هي 54 عل ة قدراته الخارقة. وكان الفاطميون ممنهج ومكثف في القرن العاشر. بإشاعة مفهوم "البركة" أو ل من استثمر هذه الميزة الروحية بشكل وقام الموح دون الذين تبن وا بعض العادات الفاطمية في بلدان المغرب بداية من القرن الثاني عشر. ولكن ابتداء من القرن الثالث عشر استولى رجال الدين خاصة الصوفية منهم على هذا المصطلح وحاولوا احتكاره. ولم تحاول السلطة السياسية استعادة هذه الميزة ضمن إطار سياسة "إضفاء القداسة" إال مع ظهور الزيدانيين في بداية القرن السادس عشر. وبفضل تقواه "الظاهرة" ومهارته السياسية نجح السلطان المنصور في أن يجمع بصورة شبه نهائية بين مصطلح البركة والمؤسسة السلطانية. وتكشف النصوص التاريخية المتوفرة اآلثار المادية والمعنوية البالد والعباد إذ يزعم 55 االزدهار السياسي واالقتصادي. لبركة السلطان على الخطاب الرسمي أنه لم يسبق للمغرب أن عرف هذا القدر من ففي كتاب البيعة الذي أرسله المنصور إلى أمير بورنو مثال أشار إلى أن األجر الدنيوي واألخروي لسكان هذا البلد سيتضاعف بفضل 56 بركته. كما وعد أثناء غزوه لبالد السودان أن بركته ستعم البالد والعباد حتى تصبح 57 ضفاف نهر النيجر أجمل وأعمر وأغنى من ضفاف دجلة والفرات. ومن جهة أخرى فباستطاعة السلطان أيضا أن يسحب بركته من السكان الذين يخلعون ربقة الطاعة. فأثناء الحركة أي الحملة التأديبية ضد منطقة سوس سنة رفضت 876 بعض العشائر دفع الضرائب التي عليها وانسحبت إلى قمم الجبال معلنة بذلك رفضها للنفوذ السلطاني فسحب السلطان عنها بركته ودعا على أهلها فما كان من اهلل إال أن 58 استجاب. 54 البركة كما ي عر فها ج. كوالن Colin[.G[ في دائرة المعارف اإلسالمية "هي القوة المباركة ذات األصل اإللهي تلك القوة التي ت حدث الوفرة في المجال الفيزيائي والرخاء والسعادة في النظام النفسي ]...[ ويستطيع اهلل أن يضع منها دفقا في شخوص أنبيائه وأوليائه. ويمكن اعتبار النبي محمد ونسله مختص ين بها. ويستطيع هؤالء أن يمد وا عامة الخلق بطيب طاقتهم فوق الطبيعية". انظر p. 06.EI, t. I, 55 الفشتالي مناهل الصفا ص p..mercedes García-Arenal, Cartas marruecas, 56 نفسه ص نفسه ص 88 وص الحس اني ديوان قبائل سوس ص 0. 07

111 ورغم أن بعض األخباريين قد تحدثوا بنوع من اإلسهاب عن بركة السلطان إال أنها تبقى إلى حد ما فكرة مجردة وغير قابلة للقياس. لقد كان على السلطان أن ي ظهر بعض الكرامات لترسيخ مكانته باعتباره ولي ا يملك "البركة" حق ا. وفي منطقة تعاني بشدة من الجفاف كان على السلطان الشريف أن ي جري كرامات على ص لة بالماء. ويؤك د مؤرخوه وكت ابه أن تدخ ل السلطان قد جن ب المغرب عدة مر ات موسما فالحيا "كارثيا". وقعت كرامة وقد كان ذلك هو الحال سنة "مائية" 874 أخرى للسلطان في قلب الصحراء. 59 التي س م يت ب"عام الثلجة". الصحراء في الحاالت العادية ال يتم إال في الخريف أو في الشتاء ليال. بركة أمير المؤمنين استطاعت قافلة 8748 كما يذكر الفشتالي أن عبور ولكن بفضل عسكرية تحت إمرة القائد محمود زرقون سنة أن تعبر الصحراء في وقت قياسي إضافة إلى أن ذلك قد حصل نهارا. ولم 60 يتوقف األمر عند النجاح بل و جد الماء بكثافة وهو سلعة نادرة في هذه المنطقة من العالم بسبب دعاء المنصور. وفي عين أنشاي حصلت معجزة صغيرة ذلك أن الماء الذي كان عادة غائرا في هذا الوقت من السنة انبجس دفعة واحدة بمجرد وصول القافلة العسكرية الشريفة. 6 فشرب الجنود وملؤوا ألف قربة من الماء. وال يمكن أال ي ذك رنا ذلك بحادثة انبجاس الماء من زمزم في مكة أو من الحجر الذي ضربه موسى فانفلق وخرج منه الماء. كما نجد كرامة أخرى مستلهمة من التاريخ المقدس لإلسالم. ذلك أن الجنود خالل نفس الرحلة حمتهم غمامة عظيمة من حر الشمس كما كان حال 6 األنبياء وكبار الصالحين سنة ولنترك سجل الماء لذكر كرامات أخرى للسلطان. ففي بقي موالي أحمد أثناء مطاردة السلطان المخلوع المتوك ل مستيقظا طيلة 6 خمسة عشر يوما وليلة ممضيا كل هذا الوقت وهو يقاتل. ويورد الفشتالي رواية ينقلها عن السلطان الشريف نفسه يذكر فيها أنه أثناء معركة وادي المخازن سنة 59 الفشتالي مناهل الصفا ص 4 عبد اهلل گنون رسائل سعدية ص نفسه ص 87 وص نفسه ص نفسه ص نفسه ص 8. 08

112 ص اخترقت رصاصة صدره لكنه سرعان ما ش في. وهذا األمر ي ذك ر بحادثة أخرى حصلت فيها للمرابط الجزولي أبي عبد اهلل الغزواني كرامة مماثلة أثناء 65 محاصرة الوط اسيين لمراكش سنة. 875 وقبل إخالء ثغر أصيلة سنة 874 قام اإلسبان بوضع متفج رات في أساسات القصبة وذلك بغية هدمها حال وصول المسلمين. ولكن بفضل الحضور "المقد س" للسلطان لم 66 يحصل أي شيء. وأخيرا أثناء تمر د األمير الناصر سنة 8747 قامت عد ة قبائل في الشمال المغربي بإعالن العصيان. ولكن أحمد المنصور قام بنفيهم إلى منطقة تامسنا ]الشاوي ة حاليا[ وذلك بعد أن أعادهم إلى الجاد ة بالقو ة. ولم يكتف السلطان بهذه العقوبة البشرية فسأل اهلل أن ي ريه فيهم كرامة أخرى بأن ي رسل عليهم نارا تأكل محاصيلهم ومنازلهم وتقتل عددا هاما منهم مشر دة من تبق ى منهم وهذا ما حصل فعال حسب 67 الرواية الرسمية. ولحماية أقاربه من سوء الطالع ولجلب البخت إليهم قام موالي أحمد بصناعة الطالسم والتمائم التي كانت ممارسة شائعة في عصره حيث تمتزج فيها عالمات فلكية وسحرية بأدعية قرآنية وعبارات توراتية.]kabbalistiques[ فأثناء معركة أساط س سنة 8750 مثال قام موالي أحمد وكان وقتها ولي ا للعهد وقائدا للجيوش بوضع تميمة حول رقبة مساعده سعيد بن فرج الد غالي كما أعطاه نسخة من ورده قبل أن يأمره 68 بشن الهجوم النهائي. هذا وقد الحظنا أن السلطان الشريف كان من ذوي الرؤى الصادقة وهو ما يمث ل عالمة أخرى من عالمات الوالية والصالح وفقا ل ما ورد في عدة أحاديث منسوبة 69 للنبي. وقد شد انتباهنا رؤيتان من تلك الرؤى. األولى مثلما ذكرنا في موضع سابق نفسه ص. 65 ابن عسكر دوحة الناشر ص ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 67 الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص. 69 مالك بن أنس الموطأ رقم

113 70 رؤية موالي أحمد النبي في المنام ي بش ره بأنه سيكون خليفة في الثالثين من عمره. والثانية أثناء التمرد الشهير لألمير الناصر. فبينما كان السلطان يستعد لقيادة جنده رأى نفسه يتجول في قصره برفقة الخليفة أبي جعفر المنصور ] [. وأثناء تفقدهما أحد أبراج القصر رأى السلطان امرأة من أجمل ما تكون النساء. والمرأة مثلما نعلم ترمز إلى النصر والغزو. وفي تلك اللحظة أشار عليه الخليفة العباسي أن ينزل بجنده على مسيرة خمسة أيام من مدينة مر اكش وأن ينتظر. وات بع المنصور نصائح ابن عم ه 7 البعيد فجاءته البشرى فعال في اليوم الخامس بهزيمة منافسه. وبقطع النظر عن البعد األسطوري لهذه الرؤيا يظهر هذا الخبر أن المنصور كان مهووسا باستلهام عصر االسالم الذهبي حتى في أدق التفاصيل. إذ تحدثنا مجموعة من الروايات أن الخليفة العباسي المذكور رأى نفس الرؤيا قبل ثمانية قرون عندما كان يحارب منافسا 7 علوي ا على خالفة جنوب العراق. صدفة. فيكون إذن وجوده بجانب السلطان ليس مجرد عند قراءتنا للنصوص التي و ضعت لتمجيد الفترة المنصورية شد ت انتباهنا مجموعة من المفاهيم والعبارات المتعلقة بالنور. أخرى موضوعة النور باعتباره رمزا لتجل ي األلوهة وتمظهرها على الموجودات. فاآلية المشهورة باسم آية النور تقول ان استعارة فقد استعمل اإلسالم مثل ديانات في الكون وتأثيرها "الل ه ن ور الس م او ات و ال أ ر ض م ث ل ن ور ه ك م ش ك اة ف يه ا م ص ب اح ال م ص ب اح ف ي ز ج اج ة الز ج اج ة ك أ ن ه ا ك و ك ب د ر ي ي وق د م ن ش ج ر ة م ب ار ك ة ز ي ت ون ة ل ا ش ر ق ي ة و ل ا غ ر ب ي ة ي ك اد ز ي ت ه ا ي ض يء و ل و ل م ت م س س ه ن ار نور ع لى ن ور ي ه د ي الل ه ل ن ور ه م ن ي ش اء و ي ض ر ب الل ه ال أ م ث ال ل لن اس و الل ه 7 ب ك ل ش ي ء ع ل يم ". ويرمز النور اإللهي في هذه اآلية إلى االستنارة والمعرفة الدينية واالهتداء إلى الصراط المستقيم. وخالصة القول إن النور يرمز إلى انفتاح الروح الفشتالي مناهل الصفا ص 0. نفسه ص 698. الكتاب المنسوب البن قتيبة اإلمامة والسياسة ص القرآن الكريم. 5/ 0

114 ص على الحقيقة السرمدية. ويؤك د الكثير من المفس رين على أن النور اإللهي يمكن أن يصل بعض البشر المصطفين عبر األنبياء واألولياء. ووفقا لتقليد تاريخي أسطوري م كر س منذ العصور الوسطى فإن النور اإللهي قد غشي النبي آدم. وور ثه هذا األخير نسله "النبوي" من جيل إلى آخر. وكان آخر محل لهذا 74 النور هو محمد خاتم األنبياء عند المسلمين. القرن الهجري األول من لدن أنصار الشرعية العلوي ة. ولكن موضوعة النور است عيدت منذ إذ زعم شيعة علي بن أبي طالب وذريته أن النور االلهي قد فاض على نسل النبي ليجعل منهم المالكين الوحيدين للحقيقة وبالتالي الشرعية األصلية. الموضوعة من التشيع وتوسيعها. يدعي تلق ي النور اإللهي وأن يهبه بدوره. النبي مرادفا لولوج الوالية. ولم يترد د التصو ف اإلسالمي في استعارة هذه ومنذ ذلك الحين صار في م كنة أي ولي صالح أن وأصبح امتالك النور اإللهي عبر وساطة إن رمزية النور التي استعملها أحمد المنصور تؤ شر في نفس الوقت على تحو ل روحي وتقوم مقام الضمانة له. فتجربة النور ت حدث تحو ال أنطولوجيا للشخص الذي يعيشها والذي يفارق بواسطتها العالم المدن س إلى العالم الروحي وهو ما يعرف في االصطالح الصوفي باألحوال والمقامات. وكان تدف ق النور اإللهي على موالي أحمد يرمز في نهاية التحليل إلى بداية تاريخ جديد بل إلى بداية عصر جديد. المتمث ل في وراثة النور يعني وجوب فعل ذلك أيضا. للرعية. فاالمتياز النبوي كان يعني بالنسبة إلى السلطان القدرة على نشره كما إذ كان ينبغي لهذا اإلشعاع أن يكون حامال لمنافع تلق ى السلطان الشريف النور اإللهي ثالث مرات في حياته حسب مزاعمه: األولى عند 75 والدته بحكم أنه قد ورثها عبر نسبه الشريف والثانية عند رؤية النبي في منامه وقد ذكرنا هذه الرؤية فيما سبق وأخيرا عند توليه أمر السلطنة إذ تلقى النور المت صل شمس الدين الشامي سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ج 6 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص 4.

115 76 بوظيفة الخالفة. دموي ا وصوفي ا وسياسيا. وبذلك يكون السلطان المنصور قد تلق ى النور من ثالثة طرق: وقد مك نه ذلك من تأكيد تعاليه عن كل الفاعلين السياسيين والدينيين ليس في المغرب فحسب بل في سائر دار االسالم. وقد جعل هذا النور الذي يتمت ع به المنصور من سلطنته "فخرا" ومن خالفته "سراجا" و"مصباحا" بفضل 77 يهدي نوره الخلق في الظلمات. "نور الخالفة" 78 الموروث عن النبي. بفضل الوجود المقدس للسلطان الم نو ر. وهكذا كانت السلطنة الشريفة محمية وهو ما يعني أن المغرب كان محمي ا وألن السلطان لم يكتف بحماية أراضيه فقد طمح إلى أن ي مت ع رعاياه الموجودين ومن سيأتي من بعدهم بنور الخالفة كما يؤكد 79 على ذلك الفشتالي. السكان الذين كانوا يطلبونه ويتلق ونه. المدينة ال لتحيته فحسب بل "ليقتبسوا" من وبذلك نجد ضربا من التفاعل بين السلطان الواهب للنور وبين ففي إحدى زياراته الرسمية لفاس جاء سكان 80 "أنواره النبوية". وعندما جاءت قبائل منطقة الهبط بعد تمر د فاشل تطلب الصفح من السلطان الشريف قام هذا األخير في نفس اليوم كعالمة عن الرضى بنشر النور الذي يخرج منه عليهم مبش را إياهم بأيام 8 مليئة بالخير والدعة. وفي الشأن السوداني استنجد المنصور أيضا بموضوعة النور. التقريضية "المقد س" إذ تذكر األدبيات أن مبعوث أمير بورنو كان له هو أيضا امتياز االقتباس من النور 8 للخالفة وذلك أثناء قدومه إلى المغرب طلبا للشرعية. بل أكثر من ذلك. ف"النور" قد تدف ق على أمير بورنو ورعيته الذين لم يعودوا منذ ذلك الوقت في وضع 8 غير شرعي ل ما تلق وا من مباركة ولي أمرهم الشرعي بعد مبايعته. وبعد االستيالء على أراضي شنقيط سنة 874 "خلع" السلطان على وجهائها خلعا سني ة وكساهم من 76 الفشتالي مناهل الصفا ص 0 وص 46 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص عبد اهلل كنون رسائل سعدية ص 86 وص ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 54 وص الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص نفسه ص نفسه ص نفسه ص 04 وص 5.

116 نور الهداية اإللهية أي أعطاهم زادا ماديا ومعنويا حتى تكتمل السعادة في المعاد 84 والمعاش. وبفضل حصافته التي تنهل من النور النبوي استطاع السلطان أن ي قنع 85 وجهاء السلطنة بإمكانية غزو إمارة سنغاي السودانية. إذ تدف ق النور السلطاني عليهم حتى رأوا في ما أراده السلطان أمرا حسنا. فالنور ي بر ر تماما غزو تلك البالد كما يبرر تلك الرواية وبذلك فإن االنتصار على قو ات أسكيا إسحاق الثاني سنة يمث ل انتصار النور على الظلمات. وهو ما كان أيضا بالنسبة إلى االستيالء النهائي على البالد. لقد حل نور االيمان محل ظلمات البدع واست بد ل الخلط بين أشياء العالم بالتمييز بينها وحل ت الشرعية محل الالشرعية. وفي صدد اخر يصل األمر بمؤرخ البالط وكاتب سر المنصور عبد العزيز الفشتالي إلى القول بنخوة إنه إذا كان 86 أعظم ك ت اب عصره فمرد ذلك تدف ق النور السلطاني المقدس عليه. وبناء على كل ما سبق فقد استنتج ابن القاضي ببساطة أن سيده وصل إلى أعلى مراتب الصالح 87 ليصبح قطب الزمان. الطموحات االنتظارية بين االجتهاد والتجديد بحكم وعيه الشديد بالتحديات العقدية لعصره وهو ما رأيناه على مدار هذه الصفحات فإن أحمد المنصور لم يترد د في تعزيز جهازه الخطابي وذلك بتبن ي األفكار االنتظارية ]messianique[ في القائمة على الجهاد والمهدوية تلك األفكار التي كانت تدور داخل األوساط الصوفية والعالمة المغربية منذ قرون عد ة. فالجهاد مشفوع بمشروع إصالحي تجديدي بل وثوري كان هو حجر الزاوية لعد ة مشاريع حكم م لكي وتوسعي المغرب وبالتحديد المشاريع المرابطية والموح دية. ومثلما بي نت ذلك إحدى 88 الباحثات فإن البيت الزيداني لم يشذ عن تلك القاعدة. إذ كانت المهدوية والجهاد ضد 84 نفسه ص نفسه ص 8 86 نفسه ص 8. وص 845 ابن القاضي المنتقى المقصور ج ص ابن القاضي المنتقى المقصور ج ص 44 وانظر أيضا ص Mercedes García-Arenal, «Mahdî, Murâbit, Sharîf : l avènement de la dynastie sa dienne», Studia Islamica, nº 7, 990,

117 الكفار اإليبيريين وضد السكان المحليين المعدودين من "الضالين" أو "المبتدعين" هي األسس الضرورية لشرعية الساللة الشريفة الصاعدة. فقد ول دت الحركة السياسية العسكرية التي قام بها محمد القائم وابناه آماال انتظارية بين سكان جنوب البالد الذين 89 أسندوا إليهم لقب المهدي تباعا. وانتهى األمر بأن صار هذا اللقب مرتبطا بالسلطان الشريف محمد الشيخ الذي أعاد توحيد المغرب ومنح السلم للبالد. نجله إال بتعزيز هذه الصورة. كان أحمد المنصور أبعد ما يكون عن اعتبار نفسه مهديا أي بعبارة أخرى ولم يقم مؤر خو "مرابطا 90 متشد دا مراقبا للعادات أو مجد دا لها يطمح إلى تأسيس جماعته الخاصة وإدارتها" ولكنه رغم ذلك كان يعتقد أنه منذور لتحقيق مهمة خاص ة في العالم. حاول بمساعدة حاشيته وأنصاره أن يخيط صورة مهدوية على مقاسه. الصورة من جهة أولى تساير مشروعه الواقعي للمركزة واإلصالح. ال تؤث ر في الصورة التي كان السلطان يجتهد في إعطائها ألبيه. المجتهد قد ومن أجل ذلك وكانت تلك ومن جهة ثانية وإذا كانت صورة بقيت تقريبا غير متغيرة في العقيدة المنصورية فإن صورة المهدي قد تم تخفيفها بل حتى تعويضها بصورة مجد د القرن وهي صورة أقل تشد دا وأكثر مالءمة لطموحات المركزة واإلصالح للسلطان الشريف. ولتمكين موالهم من صورة المجاهد المثالي في سبيل العقيدة وصورة الغازي الذي لم يكل عمل مؤرخو المنصور وكتبته على إعادة صياغة مراحل معينة من التاريخ المغربي مانحين لسيدهم الدور األول ومحاولين بطريقة متواصلة تبرير عمله العسكري. الحكم ما بين سنتي وقد كان ذلك هو الحال في كل األحداث الكبرى التي سبقت وصوله إلى 8750 و 875. فإذا كان موالي أحمد هو القائد العام للجيش ونائب السلطان بفاس فإنه قد بقي رغم ذلك تحت إمرة أخيه عبد الملك الذي كان بدون شك الشخصية المركزية في زمنه. وقد دأب الفشتالي على إخفاء ذكر عبد الملك بل 89 الجنابي البحر الزخ ار ص 4 ص Mercedes García-Arenal, «La Conjonction du sûfisme et du sharîfisme au Maroc : le mahdî comme sauveur», REMM, nº 55-56, 990, p

118 وعلى تشويه سمعته خدمة لسيده. فنجد أن قوات عبد الملك قد استطاعت بفضل شجاعة األمير الشاب وبراعته العسكرية أن تنتصر في المعارك الحاسمة بالر كن قرب فاس وبوادي الريحان قرب الرباط ضد قوات المتوك ل سنة وهكذا أخفى الفشتالي مثال عن قصد أن االنتصار في وقعة الر كن قد تم أساسا بفضل انشقاق كتيبة 9 األندلسيين القوية بقيادة سعيد بن فرج الد غالي. وبعد هذين النصرين الحاسمين كل ف عبد الملك أخاه بإعادة األمن إلى البالد وبتحييد ابن أخيهما المخلوع. فاستولى األمير على المناطق الفالحية بتامسنا ودك الة وسوس 9 واستغل الوضع لي عر ف بنفسه لدى القبائل. ولكن مطاردة السلطان المخلوع في جبال األطلس قد أعطت الفشتالي فرصة التغن ي بالفضائل الحربية لمواله. فأثناء المواجهة األولى التي وقعت بتينز ر ت كان على موالي أحمد الذي يقود ألف وثالثمائة أندلسي أن يواجه حشدا مستعرا من ستين ألف مقاتل يمتزج فيه أنصار المتوك ل وقو ات قبلية انفصالية. وبفضل العبقرية العسكرية لألمير وبفضل أناته 94 وإيمانه وبفضل عون اهلل ونجدته له كان النصر للقوات الشريفة. ومر ة أخرى يبدو تقليد السيرة النبوية واضحا في هذه الواقعة. فالفشتالي كان يعلم يقينا أنه بتقليصه أكثر ما يمكن من عدد القوات األميرية وبالمبالغة المتعم دة في قو ات العدو فإن معاصريه سيستحضرون بصورة آلية اآلية القرآنية التالية "ك م م ن ف ئ ة ق ل يل ة غ ل ب ت ف ئة ك ث ير ة ب إذ ن 95 الل ه والل ه م ع الص اب ر ين " وهي آية تتحد ث بطريقة غير مباشرة عن معركة بدر التي وقعت سنة 04 والتي كانت حدثا مؤسسا لإلسالم وفيها انتصر المسلمون الذين كان عددهم محدودا انتصارا مبينا على قوات قريش بمساعدة اهلل. 9 الفشتالي مناهل الصفا ص 5. 9 Henry de Castries, SIHM, France, t. I, p. 49 ; Bautista, «Chronica de la vida y admirables hechos de señor mouley Abdelmelech», Hespéris, t. XXIV, 986, p ; مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 78-4 اإلفراني نزهة الحادي ص 0-0 الزياني الترجمان المعرب ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p الفشتالي مناهل الصفا ص القرآن الكريم 44/. 5

119 تم ذكر عبقرية األمير السياسية والعسكرية مرة أخرى أثناء معركة فج أساطس. فبعد الهزيمة المفجعة بتينز ر ت انسحب المتوك ل مع مناصريه إلى قلعة ت طل على ش عب معروفة بمنعتها. وكان أن التحق به خليط من االنكشارية وزواوة الذين فر وا من قوات عبد الملك نتيجة تهو ره وتجاوزاته حسب مؤرخ البالط. وبحكم وعيه بقو ة العدو اعتزم األمير اعتماد الحيلة قصد تحقيق الغلبة أو على األقل الحد من قو ة العدو وذلك بأن بث إشاعة تتحدث عن انشقاق محتمل لالنكشارية. فتم استبعاد هؤالء من لدن المتوك ل الذي كان يسعى على وجه الترجيح إلى تجن ب كارثة مشابهة لتلك التي وقعت في الركن قبل بضعة شهور. مر ة أخرى يستعيد مخط ط المنصور المخط ط النبوي الذي استعمل في معركة الخندق سنة 05 ولو من الناحية الخطابية. وكيفما جرت األمور فقد تم خوض معركة دموية. كان كل شيء يدعو إلى االعتقاد بأن قوات المتوك ل ستكون لها الغلبة هذه المر ة ولكن ذلك ال يأخذ بعين االعتبار بسالة األمير الشريف. ودائما حسب رواية الفشتالي فإن األمير عندما تقهقرت قواته استل سيفه وطفق يقاتل ويصد العدو رفقة مجموعة صغيرة من أتباعه. وهو ما ي ذك رنا يقين ا بغزوة ح نين عندما وجد النبي نفسه في نفس الوضع مع قل ة من أنصاره. وعلى غرار السيرة النبوية عادت قوات موالي أحمد عند رؤيتها شجاعة أميرها الخارقة في ميدان 96 المعركة وواصلت القتال ليكون لها النصر المبين. وبإعادة صياغة هذا الحدث الذي ال شك في وقوعه بطريقة حماسية ي ضخ م الفشتالي من حكمة مواله وفضائله العسكرية مع االستنقاص من قيمة عبد الملك المعتصم الذي تم الرمي به إلى موقع ثانوي. ق د م موالي أحمد باعتباره الشخصية الرئيسية في هذه الفترة وباعتباره ذلك المحارب 97 الشجاع الذي وضع حدا للظلم والفوضى في البالد. أعطت معركة وادي المخازن التي جرت في تحسين صورة السلطان "المجاهد". 875 غشت 4 لموالي أحمد فرصة وقد تم تقديم هذه المعركة باعتبارها معركة بدر 96 الفشتالي مناهل الصفا ص مهما كانت مبالغات الفشتالي فإن المصادر األوروبية تؤك د أن األمير موالي أحمد قد طارد ابن أخيه في منطقة سوس مصحوبا بجيش قليل العدد. أنظر p..henri de Castries, SIHM, France, t. I, 6

120 ثانية أي باعتبارها حدثا تأسيسيا ومؤذنا بعصر جديد. كانت مشاركة عدد كبير من الشخصيات الورعة في المعركة وهو ما لم يحصل منذ عهد النبي وصحابته آية حسب المؤر خين المخزنيين. وقد بلغ البحث عن التشابه بين هذه المعركة وموقعة بدر حد ا 98 جعل الفشتالي وابن القاضي يؤك دان بكل ثقة أن المالئكة نفسها قد شاركت فيها. بل ذهب ابن القاضي الذي جعلته حمي ته وحماسته ينسى أن األسلحة الرئيسة للعصر كانت نارية وليست بيضاء إلى حد كتابة أن الكافر كان يقع ميتا قبل أن يضربه المقاتل 99 المسلم بالسيف. ومجاهد حقيقي. الجيش موالي أحمد. ولم يكن لهذه المعركة الفاصلة إال أن ت دار من لدن مقاتل ورع وقد تم إسناد الموقع المركزي والدور الرئيس إلى ولي الشريفة ومنحها النصر بفضل الحضور العهد وقائد ويذكر الفشتالي في أكثر من موضع أن اهلل قد أنجد القوات "المقد س" 00 لألمير الشريف بينهم. لقد قاد موالي أحمد "جند اهلل" إلى النصر بعزيمة ال تفل غير عابئ بطلقات العدو وال بقذائفه. وفي الواقع فإن الوثائق التاريخية األقدم تبقى غير دقيقة في تحديد الدور الحقيقي الذي لعبه موالي أحمد. فاإلشارات تبقى شحيحة وفي األغلب متناقضة. ومهما كان أهمية الدور الذي لعبه موالي أحمد في هذا الوقت الحاسم من التاريخ فمن المؤك د أن األمير الشاب قد عرف كيف يستفيد من النصر معلنا نفسه سلطانا من أرض المعركة نفسها. ومن باب العناية اإللهية فإن البيعة نفسها قد وقعت في ظروف استثنائية أقسم فيها "جنود السماوات واألرض" جميعهم وفي نفس اللحظة اليمين للسلطان الشريف الجديد. وفي عز نشوته بهذا النصر تلق ب موالي أحمد ب"المنصور باهلل". وبهذا اللقب ي برز السلطان العالقة الممي زة التي تربطه باهلل. كان ات خاذ اللقب بالنسبة إلى السلطان الشريف يعني في نفس الوقت انخراطا في تاريخ البيت الزيداني فأسالفه كانوا هم أيضا قد اتخذوا ألقابا وانخراطا في تاريخ خلفاء اإلسالم الذين التجؤوا بصورة نسقية 98 الفشتالي مناهل الصفا ص الحس اني ديوان قبائل سوس ص 88 وص 4 انظر أيضا السعدي تاريخ السودان ص 85 مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 07 ص 0 وص عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص

121 ص ص إلى اتخاذ األلقاب بدءا من العباسيين مرورا بأموي ي األندلس والفاطميين والموح دين. وقد كانت تلك األلقاب تصف مشروع الخليفة وطموحاته أكثر مم ا تصف شخصه. وبعد زمن قصير من تول يه الحكم تلق ى السلطان المنصور لقبا جديدا هو الذهبي. ونحن نرى على عكس ما كتبه بعض أصحاب الحوليات والمؤر خين في المسألة أن هذا اللقب ال يرجع إلى االستيالء على السودان بل إلى نصر معركة وادي المخازن وإلى الفديات التي استطاع السلطان الشريف أخذها من عائالت األسرى البرتغاليين. وي عز ز تحليل نا سجل قبائل سوس الذي يرجع إلى سنة 876 والذي تم فيه تلقيب السلطان 0 بالذهبي وذلك قبل غزو السودان بعشر سنوات. ونستطيع أخيرا أن نفترض أن لقب الذهبي إذا ما رجعنا إلى عد ة أحاديث منسوبة إلى النبي تتحدث عن الحاكم االستثنائي الذي سينثر الذهب على المؤمنين نثرا هو لقب يندرج في إطار االدعاءات االنتظارية تلك االد عاءات التي علينا أن ن ذك ر بأنها عملية إذ أزاح السلطان فكرة نهاية العالم واستبقى فكرة الكرم والخير. طوال فترة حكمه أعطى المنصور الذهبي مكانة عظيمة للجهاد. إذ يظهر الجهاد ضمن أهداف الم لك ونستطيع أن نعتبر أن "المجاهد" هو اللقب الثالث للسلطان. وربما نستطيع القول إن المنصور كان كثيرا ما يستخدم لقب المجاهد لي قل د وينافس السلطان العثماني الذي كان يتلق ب بفخر بلقب الغازي. ألغراض سياسية. لقد كان المجاهد ي ستعمل خاصة فقد استعمله المنصور في مراسالته مع ملوك النصارى ومع السلطات العثمانية وعلى الصعيد الداخلي وذلك خدمة لدعايته الخاصة. وفي كل رسالة من هذه المراسالت كان السلطان الشريف ي عر ف نفسه على أنه مجاهد في سبيل رب 0 العالمين. ولكن ما هو الجهاد الذي كان يعنيه على وجه الحقيقة لم يحصل حسب علمنا أي جهاد عسكري بعد معركة وادي المخازن الل هم إال إذا استثنينا المناوشات الشبه دائمة بين المجاهدين المتطو عين أو المحترفين من المغاربة وبين الحاميات الموجودة في الثغور 54 مجهول المخاطبات السلطانية و Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p نفسه ص

122 المحتلة خاصة في شمال البالد. ففي مراسالته مع العثمانيين لم يكن السلطان يريد من ذكره للجهاد وإظهار اإلستعداد الجيد لجيشه إال تحذيرهم من مغب ة أي هجوم محتمل 0 يأتيه من ق بلهم. أم ا مع ملوك النصارى فقد كان استعماله للقب المجاهد ووصفه لجيشه العظيم يهدف إلى أمر آخر. إذ نستطيع الحديث عن "جهاد" دبلوماسي. فنظرا لوعيه بأن أية مواجهة مباشرة خاصة مع إسبانيا ال يمكن أن تقوده في أحسن األحوال إلى أفضل مم ا هو كائن فقد قر ر المنصور اللجوء إلى الحيلة وذلك ل ي حقق أهدافه بفضل براعته الدبلوماسية. وقد حالفه النجاح في ذلك. فمن دون إطالق رصاصة واحدة أو خسارة أحد رجاله وهو ما سنراه الحقا استطاع المنصور انتزاع مدينة أصيلة من يدي فيليب الثاني سنة 874 وذلك بفضل الل عب الماهر على التحالفات والتحالفات المضادة. وهو ما يجعلنا نفهم جيدا ما ذكره أنطونيو دي سالدانيا عندما كتب متحد ثا عن موالي أحمد: "كان الشريف قد ع رف بأنه بارع في فن المراوغة واإليهام حيث ال ي بد د الشكوك عندما تكون في خدمة مخططاته بل كان يذكيها باعتباره ذلك الماكر العظيم الذي كان 04 إدارة سياسته". 05 سياسته". وحاصل القول ان الحيلة كانت في "ورقة القوة الرئيسة في وأخيرا كان استخدام لقب المجاهد عندما يستعمله للحديث إلى أهالي المغرب وعلمائه بمثابة أداة دعاية إضافية ت دمج نهجه وكل م لكه في منطق طاعة اهلل وفي إطار استمرارية أعمال أعظم خلفاء اإلسالم. وفي هذا الشأن كانت الموضوعة المتكررة للجهاد تعني على الصعيد الداخلي استعادة األندلس. وقد ظهرت هذه الموضوعة بمثابة األولوية كما هو الشأن اليوم بالنسبة للعديد من األنظمة العربية واالسالمية تجاه فلسطين ان جازت المقارنة. فقد كانت كل أنشطة السلطان العسكرية من بناء جيش 06 قوي وإنشاء أسطول تهدف إلى عبور المضيق وفتح األندلس مرة أخرى. ففي 0 Ibid., p الفشتالي مناهل الصفا ص 856. عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص 877. الفشتالي مناهل الصفا ص

123 رسالة بعث بها إلى أهل سوس الذين مث لوا دعما ثابتا للعائلة المالكة وذلك بعد الهزيمة التي م ني بها األسطول اإلسباني أمام السواحل البريطانية سنة االستعادة 07 القريبة لألندلس 08 سيخضع وسيتم استرجاع األندلس. 87 أعلن السلطان حتى قال أحد مادحيه بأن قيصر أي فيليب الثاني وفي رسالة أخرى توج ه بها هذه المرة إلى الصوفي المصري البكري يوض ح السلطان أن المجاهدين كان لهم عطاء حسن وأن 09 الجيش على استعداد تام وأن استرجاع األندلس قد أزفت ساعته. وقد ذهب المنصور إلى حد القول بأن غزو السودان ليس مقصودا لذاته ولكنه وسيلة جيدة والزمة لمأل الخزائن السلطانية وتعزيز الجيش للسماح باستعادة األندلس وجزر 0 األرجوان التي كانت في أيدي اإليبيريين. ولم تكن مشاريع االسترداد مجر د أدوات دعاية بل كانت حقيقية وهو ما تشهد له مراسالت السلطان مع الملكة إليزابيت األولى خالل السنوات األخيرة من حكمه. الهند واألمريكيتين بمساعدة االنگليز. بل كان األمر يتعلق باستعادة األندلس وغزو بالد هذا وي مكن أن نعتبر أن استرداد األندلس يتنز ل في المخططات االنتظارية للسلطان الشريف وذلك ألنه منذ سقوطها في أيدي اإلسبان ظهرت نبوءات تنص على أ ن المهدي المنتظر سيأتي الستعادتها. ومن غير أن يبلغ حد التصديق بأنه هو مهدي آخر الزمان فقد كانت للسلطان الشريف مخط طات انتظارية بدأ بالعمل على إنجازها منذ ظهوره. فالخطاب الرسمي يؤكد أنه أنقذ المغرب من الدمار. فقبل خمس سنوات من توليته كانت البالد على شفى الخراب وخلع الجند ربقة الطاعة وتضاعفت 4 حركات التمرد وكانت خزائن السلطنة خاوية على عروشها. ولكن الفشتالي الذي تم 07 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص 7 ص الفشتالي مناهل الصفا ص عبد اهلل كنون رسائل سعدية ص 7 ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p et p ; Henri de مجهول المخاطبات السلطانية و ; p. Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p. 4, p. 57 et 84. Henri de Castries, SIHM, Espagne, t. I, p. 9, p. 4, p. 9 et Angleterre, t. I, p. 68. الفشتالي مناهل الصفا ص 5 وص 0. نفسه ص نفسه ص 46 وص 5. 0

124 اعتماد نصوصه من طرف مؤرخين آخرين معاصرين له ومتأخ رين عنه يؤك د أن اهلل قد عافى البالد بإرسال "المجد د" المنصور. إذ حسب حديث نبوي مشهور ي رسل اهلل 5 لألم ة على رأس كل قرن من ي جد د لها دينها. وقد تم تطبيق هذا الحديث الذي كان في البداية على األقل ال يعني إلى العلماء على بعض الحكام خاصة الخليفة األموي عمر بن عبد العزيز 6. ]56-585[ ولكن بعض المؤلفين المتأخ رين بدؤوا تحت 7 التأثير المتعاظم للصوفية بحصر المجد د في نسل النبي خاصة من دون الناس. ونستطيع أن نفترض أن أحمد المنصور قد استعاد هذه الفكرة لشرعنة دوره باعتباره "مجد دا". ولتأكيد ذلك قام السلطان من جهة أولى بإعادة تشييد وحدة البالد وسيادتها كما قام من جهة ثانية بإعادة االعتبار للدين والشريعة اإلسالمية. وسخ ر كل شيء من أجل إعطاء بالده مرة أخرى البنى التحتية الضرورية ومؤسسات مستقر ة وظروف معيشة مقبولة. فأصلح جسورا وسدودا وبنى غيرها وجد د الطرق وأم نها وبنى معاصر السك ر وألغى القوانين غير اإلسالمية. ولم يقم المنصور فقط بتحسين ظروف الحياة وإعادة الوحدة للبالد بل قام بما هو أعظم من ذلك: إحياء الخالفة وبعث الدين الحق بفرض االحتكام 8 إلى القرآن والسن ة. وهكذا نقرأ في بعض رسائله: "الحمد هلل الذي جد د دينه بسيفه 9 أحمد" التي تجعل من أحمد المنصور سيف اهلل المجد د. كانت الطقوس الدينية المخزنية تؤكد على إظهار تدي ن السلطان الذي لم يكن ليقل قيمة عن أعظم ع ب اد الوقت. فقد كان السلطان يت بع حرفيا كل أحكام الشرع. ففضال عن الصلوات المفروضة التي كان يؤم ها باعتباره خليفة وفضال عن صوم رمضان كان موالي أحمد ي صل ي النوافل وي ديم الصوم تطو عا تعر ضا لنعم اهلل. كما كان يقيم بقصره في شهر رمضان ليال دينية يتم فيها قراءة القرآن وسرد األحاديث النبوية. وكانت تلك أبو دواد الس نن ج 4 ص Ella Landau-Tasseron, «The Cyclical Reform : A Study of the mujaddid Tradition», Studia Islamica, nº 70, 989, p EI, t. VII, p الفشتالي مناهل الصفا ص ابن القاضي المنتقى المقصور ج عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص 0 مجهول المخاطبات السلطانية و ص ص ص ص

125 0 القراءات الجماعية ت نظ م بالتزامن مع مذاكرات حول مختلف المسائل الدينية. وكان إحسان السلطان وإنفاقه في ولتحقيق ذلك وضع هذا األخير ومساعدوه وجوه البر أمرا مثاليا إن صدقنا الخطاب المخزني. "آلة" للبر لشحذ همم النخب والسكان ولمنافسة الزوايا ف"العطاء يظهر تفو قك أي أن تكون أرفع أن ت باهي بعلمك". وباإلضافة إلى طقس "إطعام الطعام" فقد كان السلطان حسب رواية ابن القاضي يوز ع فضال عن الصدقة اليومية صدقات استثنائية خالل األشهر الحرم في رجب وشعبان ورمضان وستة االف قطعة ذهبية كل أربعة شهور. وفي العاشر من محر م من كل عام الذي يوافق احتفاالت عاشوراء كان السلطان يسهر على تنظيم حفل ختان جماعي ألطفال العائالت الفقيرة بمراكش وضواحيها. وكان السلطان في نهاية االحتفاالت ي ه ب كل طفل ثوبا من الصوف ونقودا وقطعة من اللحم. كان العمل الخيري للسلطان الشريف يفيض حتى على أولئك األسرى المغاربة في بالد النصارى. فمن الثابت أن الكثير من األسرى بمن فيهم تاجر يهودي والقرصان القلفاط 4 والفقيه ابن القاضي قد تم افتداؤهم من طرف السلطان الشريف. وعلينا أن نضيف إلى ذلك المنشآت الخيرية التي أقامها المنصور في مناطق مختلفة من السلطنة وبشكل خاص المكتبة ونافورة المرمر اللتين أهداهما لجامع القرويين سنة يكون اإلسالم قد عاش عصرا ذهبيا جديدا عبر األفعال الورعة للسلطان الشريف. وإذا كان السلطان في حياته الخاصة ي طب ق األحكام الشرعية بحذافيرها وهكذا ويعمل على إظهار تقواه فقد حرص في المجال العام أيضا على فرض احترام المعتقدات والممارسات األكثر توافقا مع مقاصد الدين. وهكذا فرض المنصور نفسه باعتباره المدافع المستميت عن المدرسة المالكية والمقاالت الكالمية األشعرية نظريا على 0 الفشتالي مناهل الصفا ص ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 4 اإلفراني نزهة الحادي ص 845 Marcel Mauss, Essai sur le don, p. 69. ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 40. الفشتالي مناهل الصفا ص 7. 4 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 40 المقري روضة اآلس ص 46-4 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p اإلفراني نزهة الحادي ص 806.

126 األقل. إذ و جد على عهد السلطان تسامح حقيقي تجاه النزعات الدينية الشعبية والمبتدعة في اإلسالم المغربي بل و جد تسامح تجاه الممارسات الدينية لألسرى النصارى ولمماليك القصر. واستطاعت طوائف تعتبرها المؤسسة المالكية الرسمية من أهل البدع كاألندلسية والعكاكزة أن ت ظهر عقيدتها وأن تدعو بين الناس بكل حرية وهو ما لم ي ر ق لبعض علماء في ذلك العصر. كان ينبغي الستعادة العمل بالشريعة وتعزيزها ضمن إطار "التجديد" أن ينعكس كذلك على القطاع االقتصادي. فبعد تول يه الحكم ببضع سنوات ألغى السلطان كل الضرائب 6 غير الشرعية أي المكوس وخاصة الضريبة المعروفة باسم النائبة. ونستطيع أن نفترض أن رفع هذه الضريبة غير الشرعية قد أث ر إيجابيا على صورة السلطان سواء عند األوساط الدينية أو بين عامة الناس. وقد المست نسائم التغيير المنعشة التي هب ت على المغرب المجال القضائي أيضا وذلك منذ أن ظهر موالي أحمد. فمنذ أن تول ى مقاليد السلطة حرص السلطان بنفسه 7 على أن يفصل في المنازعات مر ة في األسبوع وذلك في إطار رد المظالم. وحسب الدعاية الرسمية فإن السلطان نفسه وأهل بيته لم يكونوا في مأمن من هذه العدالة النزيهة. يورد الفشتالي حكاية دال ة في هذا الشأن. ذلك أن الحرس كانوا قد اشتبهوا في أن أحد سكان مراكش قد سرق بغال من اإلسطبل السلطاني. وبلغ األمر إلى مسامع القائم على إسطبل القصر فقام برفع الدعوى لدى قاضي الجماعة أبي القاسم الشاطبي. وأمام إصرار الرجل على البراءة وغياب األدل ة وجد القاضي نفسه مضطرا ألن يطلب من السلطان الشريف أن ي قسم أن الدابة ملك له وذلك وفق اإلجراءات اإلسالمية. ويختم الفشتالي بأنه على خالف الردود العنيفة للمستبدين الطغاة فقد ابتهج السلطان بحري ة عبارة قاضي جماعته وحر ية 8 فعله آمرا بترك الدابة للمراكشي. ومهما تكن حقيقة هذه الحكاية فمم ا ال شك فيه أنها تكييف لحدث ذي طبيعة أسطورية الفشتالي مناهل الصفا ص 7 وص 84. عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 7 وص 464.

127 تاريخية كان قد وقع في صدر االسالم وهو حدث لم تكن شخصيته الرئيسة غير جد السلطان نفسه علي بن أبي طالب في نفس الوجهة. نهب مزرعة أحد األشخاص..] [ ويورد الت م ن ارتي كذلك حكاية تسير فقد عمد أحد أخوال السلطان الذي كان وقتها واليا على درعة إلى فقصد هذا األخير مر اكش ليعرض أمره على السلطان نفسه في إطار رد المظالم. وبعد أن أنصت إلى المشتكي قام أحمد المنصور بتعويضه عم ا خسر وأمر الد رعي بأن يحمل رسالته التالية إلى خاله حذر ه من يوم الحساب الذي 9 لن تنفعه فيه قرابته ومنصبه. 0 برسالته فندم على ما كان منه وأرجع إليه مزرعته. وعند رجوعه إلى بلده أبلغ الدرعي خال السلطان كانت السياسة اإلحيائية للسلطان مرتبطة بحقائق تاريخية معقولة أو على األقل معروضة بصفتها تلك أكثر مم ا هي مرتبطة بأحالم صوفية. فقد كان المستهدف هو المتخي ل "العقالني" للذين يتوج ه إليهم الخطاب أكثر من استهداف متخيلهم االخروي. ومن خالل تكييف الحكايات التقليدية ذات الهدف التأسيسي كان هناك سعي إلى إعطاء صورة مشرقة وإيجابية لشخص السلطان وللعائلة المالكة. ولم ا كان السلطان أبعد ما يكون عن اعتبار نفسه مهدي نهاية الزمان فقد كان هدفه إضفاء القداسة على شخصه وعلى ملكه وأسرته. الوظيفة السلطانية. وكان رهان هذا البناء العقدي هو القو ة والهيبة واستمرارية وباختصار فقد حاول الخطاب السلطاني أن ي م س ر ح عملية تجديد الماضي المجيد الثابت واألبدي وذلك الستهداف النخب التي كان فهمها للتاريخ دوريا وكذلك لالنخراط في المسار الطويل للتاريخ اإلسالمي. وقد استغل السلطان كذلك العبور إلى األلفية الهجرية األولى سنة صورته باعتباره مجد دا ويتو ج بهالة صوفية. ذلك إال أن ي حص ن مكانته وي قو ي هيبته. لتعزيز 8748 ولم يكن لغزو السودان قبل أشهر من وبعيدا عن كل نزعة وهي إحدى "ألفي ة" خاصيات المرابطين المجاهدين المنتمين إلى النخبة الهامشية كانت النزعة األلفية المنصورية تسعى إلى الرفع من الهيبة الدينية للسلطان ولألسرة الحاكمة تلك األسرة 9 0 نفسه ص 84. التمن ارتي الفوائد الجمة ص 4. 4

128 التي تم تقديمها باعتبارها آخر عائلة ستحكم إلى قيام الساعة. لم يكن المنصور بمعنى من المعاني يقوم بغير إت باع اإلرث االنتظاري الذي تم وضعه واستعماله منذ بداية القرن السادس عشر من لدن عد ة أفراد من أسرته. وآية ذلك أن الطموحات االنتظارية خاصة منها استعادة األندلس قد انصب ت على ابنه موالي زيدان بعد وفاته األشراف. وهو ما يسمح لنا بالحديث عن تقليد انتظاري أصبح أحد خاصيات الملوك لم يكن التوهج االنتظاري مقتصرا على المغرب في هذا القرن السادس عشر الموسوم باالضطراب والتحوالت العميقة. البحر المتوس ط. الساللة العثمانية. فبعد فتح القسطنطينية سنة العقيدة السياسية لألسرة الحاكمة. القانوني ذلك أنه تم ت معاينة نفس الظاهرة في سائر أرجاء 847 ] [ أحاطت هالة انتظارية بحكام وصارت تلك الهالة في بداية القرن السادس عشر إحدى أسس فقد تم اعتبار سليم األو ل ] [ وسليمان مجد د ين ومهديي ن جاءا قبل قيام الساعة. وبفضل حماسهما الديني سيدخل الشيعة والنصارى في اإلسالم لتسود الساللة العثمانية هذا العالم. وفي الهند أوجدت ملحمة مؤسس الساللة المغولية السلطان باب ر ] [ الطموحات االنتظارية. السلطان أكبر ] [. وسيتم تبني هذه االدعاءات نفس من طرف خلفائه خاصة منهم وقد ازدهرت االنتظارية السياسية كذلك في النصرانية. ففي فرنسا كانت هالة القدسية تتكثف يوما بعد يوم لتحيط بالملك شارل الثامن ]844-84[ ما كانت تعرفه أوروبا من تمز ق سياسي وتطاحن ديني أسندت 4 وبخلفائه. وفي ظل فرنسا لنفسها دور Cornell H. Fleischer, «Mahdi and Millennium : Messianic Dimension in The Development of Imperial Ideology», Kemal Çiçek [dir.], The Great Ottman, Turkish Civilisation, t. III, p ; le même, «The Lawgiver as Messiah : the Making of the Imperial Image in the Reign of Süleymân», Gilles Veinstein [dir.], Soliman le Magnifique et son temps, p Claude Markovits [dir.], Histoire de l Inde moderne, p Samuel Krauss, «Le roi de France Charles VIII et les espérances messianique», Revue des études juives, nº 5, 906, p Colette Beaune, Naissance de la nation française, p. 8, p. 0 et p. 5. 5

129 5 صاحبة الحق في حكم العالم حتى قيام الساعة لما تتمتع به من خصال خارقة للعادة. وقد اعت م د ت هذه العقيدة لمواجهة المطامح االنتظارية آلل هابسبورگ الذين كانوا منذ شارل الخامس ] [ يطمحون إلى تأسيس م لكية كونية. نبوءات كثيرة قد مت اإلمبراطور باعتباره مصلح العالم فقد كانت هناك ]restorator orbis[ الذي 6 سي نهي الخطر العثماني ويستعيد الوحدة الدينية المسيحية ويقيم إمبراطورية كونية. وقد تقاسم الفرعان اإلسباني و النمساوي لهذه العائلة هذا اإلرث. وقعت ظاهرة مشابهة في موسكو التي كان يعد ها أنصار النظام القيصري الصاعد بمثابة روما الثالثة وآخر اإلمبراطوريات الموعودة بالهيمنة على العالم قبل قيام 7 الساعة وفق النبوءات التوراتية. كما دفع التنافس الذي حصل طوال القرن السادس عشر بين البابوية وآل هابسبورگ من جهة والتاج االنگليزي من جهة أخرى بآل تودور إلى النسج على نفس المنوال. وإذا كانت االنتظارية االنگليزية قد عرفت النور تحت حكم الملك هنري الثامن ] [ فإنها قد عرفت أوجها على عهد ابنته إليزابيت األولى ] [. كانت الملكة عند مادحيها هي تجسيد اإللهة أستري ]Astrée[ التي أرادت إحالل السالم والعدالة الكون ي ي ن. وتم اعتبار انگلترا بمثابة إسرائيل الجديدة وشعبها شعب اهلل المختار الجديد لذلك كان ينبغي لها أن تتمت ع وفقا للعهد المبرم مع الر ب بالهيبة اإلمبراطورية كي تعيد العصر الذهبي وتحكم العالم 8 خاصة ما وراء البحار. لم تنأى البرتغال كذلك عن هذا الحراك فقد نما داخلها شعور انتظاري ال سابق له بعد الهزيمة النكراء في معركة وادي المخازن سنة التاريخ بعامين. 875 فمن خالل حركة ثقافية واسعة طو ر وخسارة استقاللها بعد ذلك الرافض للنهاية "الشعب" 5 Marjorie Reeves, The Influence of Prophecy in the The Later Middle Ages, a Study in Joachimism, p Léon Poliakov, Moscou, Troisième Rome. Les intermittences de la mémoire historique, p Frances A. Yates, Astrée, le symbolisme impérial au XVI e siècle, Paris, Yves-Marie Bercé, Le roi caché : sauveurs et imposteurs. Mythes politiques populaires dans l Europe moderne, p

130 المأساوية لعاهله ولفقدان االستقالل أفكار انتظارية ذات طابع قومي أطلق عليها اسم السيباستيانية نسبة إلى الملك سباستيان. وحسب هذه العقيدة فإن الملك لم يمت بل توارى عن األنظار في إطار نوع من الغيبة وسيرجع إلى ترؤس بالده ليعيد إليها القوة والمجد في مستقبل قريب. 9 األرض قاطبة للكاثوليكية. وستؤذن هذه العودة أيضا ببداية غزو العالم واعتناق وفي الوقت نفسه كانت الجاليات اليهودية من لشبونة إلى إسطنبول تعيش نفس حالة االنتظار. مولكو الموعود وهكذا طيلة القرن السادس عشر اد عى عدد من الشخصيات مثل س الومون ]Salomon Molcho[ كما وداوود روبيني ]David Reubeni[ أنهما المسيح كانت حركة التصوف األورياني ت مه د األرضية للهوس االنتظاري في القرن السابع عشر ولظهور حركة سبتاي زيفي 40. ]Sabbataï Tsevi[ إن مطامح السلطان أحمد المنصور في خالفة الغرب االسالمي ال تحتاج إلى برهان. فقد قام السلطان الشريف وأنصاره بوضع جهاز محكم للشرعنة وهو جهاز كانت حوامله هي الخطاب في كل أشكاله. ومن منظور مركزي احتكاري كان السلطان يسعى من خالل هذا البناء العقدي إلى أن يكون "مركز المجتمع وإلى أن يؤك د عالقته 4 بالشأن المتعالي وذلك بطبع مجال لعالمات طقسية للهيمنة". فبفضل العديد من البناءات البيانية والبرهانية والعرفانية استطاع السلطان أن يبني من جديد عالقة نسب مت صلة مع األزمنة المباركة لإلسالم وأن يحتكر على األقل نظريا اإلرث الزمني والروحي للنبي محمد. وإذا كان البناء الحجاجي للعقيدة الخليفية قد تم تداوله من طرف النخبة ولفائدتها فإن شارات الملك والمراسم كانت تعكس رغبة السلطان في إبداء قو ته و"قداسته" ألكبر 9 Amnon Linder, «L expédition italienne de Charles VIII et les espérances messianiques des juifs : témoignages du manuscrit BN. lat. 597 A», Studi Medievali, nº 6/, 975, p Amnon Linder, «L expédition italienne de Charles VIII et les espérances messianiques des juifs : témoignages du manuscrit BN. lat. 597 A», Studi Medievali, nº 6/, 975, p ; Gershom Scholem, Le messianisme juif, p Clifford Geertz, «Centres, rois et charismes : réflexions sur la symbolique du pouvoir», Savoir local savoir global. Les lieux du savoir, p

131 عدد ممكن من الناس وبالتالي نشر العقيدة الخليفية على نطاق واسع. وبعبارة أخرى كان هذان األساسان للشرعنة وإلضفاء القداسة ي ظهران عقيدة للمنصور السياسية وكذلك إرادته في بناء خالفة غربية قوي ة ومستقل ة. ولكن بأي معنى كانت شارات الملك والمراسم تعكس إرادة المخزن في أن يفرض قو ته التشكيلية واقعيا أو رمزيا وما هي اإلجراءات التي ات بعها السلطان الشريف وأعوانه لبناء "مجموع مراسمي 4 وإعطائه وظيفة سياسية" وما هي التجريدات الدينية والتاريخية والشرعية الموظ فة من أجل تجييش وعي معاصريه ونشر عقيدته وأخيرا بأي معنى استطاعت إجراءات الشرعنة هذه أن ت قو ي صورة السلطان الشريف وأن تجعل منه شخصية مركزية وكل ية الحضور. 4 Alain Boureau, «Les cérémonies royales françaises entre performance juridique et compétence liturgique», Annales ESC, nº 6, 99, p

132 إلظهار تطلعاته للخالفة الفصل الثاني: شارات وريث النبي وفرض نفسه باعتباره الوريث الروحي والتاريخي لعصر 4 اإلسالم الذهبي كان على المنصور أن يعتمد شعارات خالفة 44 أو شارات ملك مصبوغة بالقداسة وذلك قصد إبراز مقامه والتميز عن سائر الحكام المسلمين. فمن خالل سعيه الدؤوب إلى التأثير في عقول معاصريه اختار السلطان الشريف شعارات ذات قو ة إيحائية عالية. ولذلك نالحظ تشابها بين شعارات م ل ك المنصور وبين تلك الشعارات التي تبناها خلفاء و مشاهير ملوك االسالم في العصر الوسيط. فالشارات كانت تصلح باعتبارها رموزا خارجية لسيادة السلطان الدينية والسياسية والعسكرية للمراسم واالحتفاالت والمواكب الرسمية. وسواء أكان السلطان هو من يحمل الشارات أم يحملها أحد أعيان المخزن أثناء موكب رسمي فإن ها كانت تصلح لتمييز السلطان عن باقي البالط وذلك بطريقة ال لبس فيها باعتباره مركز السلطة وقلبها. فقد كان موالي أحمد يريد أن يظهر نفسه بمعنى من المعاني "القطب" أي المحور الذي تدور حوله السلطنة بل الكون كل ه. الخطبة والسكة وإذاعة المطامح الخليفية كان الخليفة باعتباره وريثا للنبي وقائد األم ة هو الشخص األقدر على إمامة الصالة خاصة صالة الجمعة وصالة عيدي األضحى والفطر. الخ طبة التي تتقد م تلك الصلوات وتلك التي تعقبها. كما كان مؤه ال ألن يتول ى وسرعان ما أصبح القيام بهاتين الوظيفتين وعلى وجه التخصيص الخطبة إحدى شارات الملك األكثر أهمية في 45 اإلسالم ورهانا سياسيا عظيما الماوردي األحكام السلطانية والواليات الدينية ص 84 أبو يعلى الفر اء األحكام السلطانية ص 6. ابن خلدون المقدمة ص 68. فيما يخص هذه الممارسة خالل الفترات السابقة انظر 9

133 كانت إمامة الصالة تسمح للخليفة بممارسة صالحياته وبإعطاء طابع ديني لوظيفته وبأن يظهر أمام المأل. وإذا كانت إمامة الخليفة للصالة بنفسه قد صارت نسيا منسي ا منذ عد ة قرون فإن السلطان الشريف قد سعى إلى إحياء هذه الممارسة المنتمية إلى قرون اإلسالم األولى وذلك لتأكيد عقيدته الخليفية وليتمي ز تبعا لذلك عن السلطان العثماني الذي أوكل صالحيته تلك إلى شيخ اإلسالم أي كبير علماء حضرته. المصادر هذه المسألة من غير لبس. وتؤك د فقد كان موالي أحمد يؤم صالة الجماعة في 46 الجامع الكبير ثالث مرات في األسبوع خاصة صالة الجمعة. وفي بقي ة أي ام األسبوع كان يؤم سائر الصلوات في مسجد القصر. ونستطيع أن نفترض بحكم غياب المصادر أن السلطان كان يؤم صالة العيدين كذلك. إذ كانت هاتان المناسبتان السنوي تان حيث يختلط آالف المغاربة والمسلمين القادمين من بلدان مختلفة تسمحان للسلطان بالقيام باستعراض عظيم لورعه وهو ما سيتكف ل عدد كبير مم ن شهد العيدين بنقله ألولئك الغائبين عنهما. 47 أخرى كذبح كبش العيد بنفسه. وإذا كانت إمامة كما كان السلطان يقوم على غرار أسالفه بشعائر دينية الصالة ترتبط بالمجال الرمزي ولم تكن تقوم في الواقع إال بإعالء الهيبة الدينية للسلطان الشريف فإن الخطبة كانت ت عد شارة حقيقية من شارات السيادة. وقد كان الجزء األخير منها هو مدار الشأن السياسي باألساس. ففي نهاية الخطبة كان يتم ذكر السلطان القائم مع إظهار االعتراف بفضله ولزوم طاعته. وكان الخطيب من أعلى منبره يدعو اهلل أن يبارك الحاكم وأن يهديه إلى سواء السبيل. كما كان يتضر ع إلى اهلل كي يكون في عون سيده وأن يهبه النصر من عنده. وكان اختفاء الدعاء للحاكم من الخطبة يعني بكل بساطة خلعه. EI, t. V, p. 76 ; Norman Calder,«Friday Prayer and the Juristic Theory of Government : Sarakhsî, Shîrâzî, Mâwardî», Bulletin of the School of Oriental and African Studies, University of London, vol. 49, nº, 986, p الجنابي البحر الزخ ار ص 74 الفشتالي مناهل الصفا ص 8-8 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 4 اإلفراني نزهة الحادي ص Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. 9. 0

134 كانت الخطبة إحدى الشارات الملكية الكبرى التي وظفها البيت الزيداني لتأكيد هيبته واستقالل أراضيه وتأكيد مطامعه الخليفية. وإذا كان الوطاسيون قد اعترفوا بالسيادة اإلسمية للعثمانيين بجعل الخطبة تقام باسم الخاقان وذلك قصد المحافظة على م لكهم والحصول على مساعدة عسكرية من اسطنبول فإن محمدا الشيخ المهدي -874[ ]8775 لموقفه. قد رفض كل شكل من أشكال التبعية للسلطات العثمانية ودفع حياته ثمنا ومع إظهارهما نوعا من المرونة تجاه العثمانيين مثل تبادل الهدايا الذي كان الباب العالي يعد ها رمزا للوالء محمد المتوك ل فإن عبد اهلل الغالب ] [ ] [ الخطبة للسلطان العثماني. ومن بعده ابنه قد بقيا على األرجح متشد دين في مسألة الدعاء في بل يبدو أن تشد د المتوك ل كان من بين أسباب سقوطه. فقد كان األمير عبد الملك قد تعه د باالعتراف بسيادة السلطان العثماني مراد الثالث ] [ المعتصم نظير مساعدة عسكرية. ] [ وبعد وصوله للحكم اعترف عبد الملك بالسيادة العثمانية وذلك بالدعاء في الخطبة للسلطان مراد الثالث وكذلك باعتماد الط وغ وهو لواء عثماني يتكون من رمح طويلة تعلوها خصلة 48 من ذيل فرس. وعند تول يه الحكم عمد أحمد المنصور إلى قطع عالقاته مع الدولة العثمانية على وجه التدريج ليظهر في نهاية المطاف باعتباره قائما على خالفة منافسة. وتح م لنا كل المعطيات والسيما الجفاء الذي قوبلت به السفارة العثمانية التي جاءت لتهنئته بنصر وادي المخازن على أن السلطان الشريف قد قام بقطع الدعاء للسلطان العثماني يوم الجمعة جاعال إياه محصورا في شخصه. ولكن ه لم يقطع عالقاته نهائيا مع الباب العالي إال بعد مرور أربع سنوات وذلك عندما قام بإنزال الطوغ على مشهد من العامة 49 وهو الذي كان يرمز قبل ذلك إلى السيادة العثمانية. 48 Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. III, p et p. et Angleterre, t. I, et France, t. I, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p

135 وقد دفعت العقيدة الخليفية بالسلطان المنصور إلى توظيف الخطبة لصالحه باعتبارها أداة للتوس ع الرمزي على األقل في الجهات التي ال تمتلك أهمية اقتصادية أو استراتيجية كبيرة. وآية ذلك أن الرباط الوحيد الذي جمع بين السلطان والعديد من المدن والقرى والقبائل البعيدة كان هو الخطبة باإلضافة إلى هدي ة سنوية تمثل ضريبة والء. 50 وقد كان ذلك هو حال إمارة بورنو البعيدة مثال. وقد أشار الكاتب البرتغالي 5 المجهول إلى نفس األمر فيما يتعل ق بقبائل الطوارق في الصحراء الكبرى. أن رباط السيادة مع قبائل شنقيط كان يخضع لنفس المنطق. منافسه العثماني وكي ينخرط مر ة أخرى في عقب الشريف "السلف الصالح" 5 "يخطب في الجميع بنفسه على هيئة الخلفاء والسالفين" األخباريين العثمانيين. ويبدو وحتى ي حك م تمي زه عن كان السلطان كما يذكر أحد استخدم المنصور المسجد بصفة عام ة والخطبة بصورة خاصة باعتبارها أداة فعالة للتواصل وذلك بهدف نشر عقيدته الخليفية وتأكيد قو ته. فكانت كل رسائل السلطان 5 المبل غة بمشروع أو المبش رة بنصر تنطلق في الغالب من أعلى منابر المساجد. وفيما وراء رهان الخطبة نفسها كان األمر يتعل ق بالسيطرة على المسجد باعتباره مركزا لصناعة المواقف ونشرها. يضمن نشر مواقفه ومعتقدات بين السواد األعظم من الناس. وبسيطرته على هذه األداة كان السلطان الشريف كانت العملة أو ضرب السك ة هي شارة الملك الثانية التي تسمح للسلطان بحمل عقيدته وتطلعاته إلى أبعد مدى. إذ كان ضرب السكة وهو حصري للعاهل يسمح له بأن يضع 54 على النقود كتابات تمجيدية ورسائل سياسية. وطوال مدة حكم المنصور قامت دور 50 الفشتالي مناهل الصفا ص Anonyme, Une description du Maroc sous le règne de Moulay Ahmed al-mansour, p. 8 5 الجنابي البحر الزخ ار ص نجد نماذج من الرسائل الموجهة إلى العامة عند عبد اهلل كنون رسائل سعدية ص 0-8 وص الفشتالي مناهل الصفا ص Henry de Castries, «La conquête du Sahara par Ahmed el Mansour», Hespéris, nº, 9, فيما يخص الفترة الوسيطية انظر على سبيل المثال

136 السكة الشريفة بضرب جميع أنواع العملة وذلك بمعد ل مرة كل أربعمائة وخمسة وعشرين يوما حسب ما هو متوفر لدينا. فعند دخوله فاس سنة 875 بضرب دنانير باسم السلطان. بعد نصر وادي المخازن قامت دار السكة في المدينة ونستطيع أن نقرأ عليها ما يلي: "بسم اهلل الرحمان الرحيم بأمر من عبد اهلل المجاهد في سبيل اهلل أمير المؤمنين أبي العباس ضرب هذا الدينار بمدينة فاس سنة 875 إعالم السكان بتول ي العاهل الجديد. 55. " بضرب دنانير ت صر ح بهوية السلطان الجديد. وكان دور هذه العملة هو بمعنى من المعاني وفي نفس العام قامت د ور السكة بمراكش وفاس لقد كان األمر يتعل ق ب: "]...[عبد اهلل أمير المؤمنين أبي العباس أحمد المنصور باهلل بن أمير المؤمنين محمد الشيخ 56 المهدي". بوضعه لقب أمير المؤمنين على عملته لم يعد السلطان الشريف يكتفي بإعالن استقالله بل صار يطرح نفسه خليفة منافسا للسلطان العثماني وهو وضع سيستمر لمد ة ست سنوات. مثلت سنتا منعطفا و كبيرا في حكم المنصور. فمن جهة أولى قام السلطان الشريف بقطع كل العالقات مع العثمانيين كما أصبحت مطامعه الخليفية من جهة ثانية تت ضح أكثر فأكثر وذلك من خالل الحملة العسكرية على توات وتيگورارين 57 وباستقباله لسفير أمير بورنو. أراضي موريتانيا الحالية. سنتي وفي سنة 874 و تم تجريد حملة على شنقيط وعلى وفي هذا السياق ضربت دور السكة السلطانية دنانير في نقرأ على وجهها ما يلي: "بسم اهلل الرحمان الرحيم. عبد اهلل اإلمام أبو العباس أحمد المنصور باهلل بن اإلمام الخليفة محمد الشيخ المهدي بن اإلمام القائم ]بأمر اهلل[" ونقرأ على ظهرها اآلية الثالثة والثالثين من سورة األحزاب Jere L. Bacharach, «Al-Ikhshîd, the Hamdânids and the Caliphate : The Numismatic Evidence», Journal of the AmericanOriental Society, vol. 94, nº, 974, p ; Salvador Fontenlla Ballesta, «Numismática y propaganda almohade», al-qantara, vol. 8, nº, 997, J. D. Brethes, Contribution à l histoire du Maroc, nº الفشتالي مناهل الصفا ص Ibid., nº

137 المعروفة بآية التطهير: "إنما يريد اهلل لي ذهب عنكم الرجس آل البيت وي طه ركم 58 تطهيرا". بهذه الكتابة التي يقوم فيها باستعمال لقب اإلمام بما هو لقب ديني محض وبإظهار نسبه الشريف أصبحت المطامح الخليفية للسلطان الشريف أكثر وضوحا مم ا سبق. لقد كان المنصور هو الحاكم الشرعي األوحد للعالم اإلسالمي وكان على المسلمين أن يقوموا بمبايعته على األقل نظريا. ولتخليد انتصاراته العسكرية والدبلوماسية قامت دور السكة بمراكش وفاس وتارودانت وسجلماس ة ودرعة بضرب دنانير وأنصاف دنانير ك تب عليها ما يلي: "أبو العباس أحمد المنصور باهلل الحمد هلل 59 رب العالمين". "الشرعي" ينبغي أن يسود على أرضه. لذلك يمكن القول أنه إذا كان اهلل هو سيد العالمين فإن خليفته كانت االستعدادات لغزو السودان هي األخرى فرصة لضرب نقود جديدة سنة 8746 نقرأ على وجهها: "بسم اهلل الرحمان الرحيم. عبد اهلل اإلمام أبو العباس أحمد المنصور باهلل أمير المؤمنين". ونقرأ على ظهرها ما يلي: "ال إله إال اهلل هلل األمر وال قو ة إال 60 باهلل". لقد كان المنصور وهو الخليفة "الشرعي" يطلب من اهلل بهذه الكتابة أن يهبه القوة الالزمة لغزو السودان ألن ه يمث ل خطوة أولى على درب وفي األم ة. "توحيد" المناسبة نفسها كان المنصور ي علم السكان والنخب المغربية المترددين في أمر الحملة السودانية أنه م سي ر بالقدرة الربانية وأنه ال يقوم إال بتنفيذ مشيئة اهلل في ملكه وملكوته. وبعد غزو السودان ضربت دار السكة بمراكش دينارا مرب ع الشكل لتخليد الذكرى. ونستطيع أن نقرأ عليه ما يلي: "بسم اهلل الرحمان الرحيم. عبداهلل اإلمام أبو العباس أحمد المنصور باهلل أمير المؤمنين بن اإلمام أبي عبد اهلل محمد الشيخ المهدي بن القائم بأمر اهلل الشريف الحسني". 6 كما نستطيع أن نقرأ على النقود أيضا آية التطهير. كانت هذه الكتابة ت جس د المطامح الخليفية للسلطان الشريف وهو في أوج مجده. في نفس الوقت "اإلمام" أي المرشد والقائد الديني وهو "أمير المؤمنين" فهو أي أمير 58 J. D. Brethes, Contribution à l histoire du Maroc, nº Ibid., du nº 469 au nº Ibid., nº Ibid., nº

138 الحرب الذي يقود المؤمنين إلى النصر وهو المنحدر من ساللة من الملوك العظام وهو أخيرا القائد "غير المنازع" يكن المنصور بذلك يعمل إال لخير األمة وسؤددها. للذر ية التي طه رها اهلل من كل األرجاس األرضية. ولم بل إن شكل الدينار المرب ع نفسه ي ذك ر بالدينار الموح دي. وقد كان هذا اإليحاء يسمح للسلطان المنصور بأن ي ظهر نفسه باعتباره امتدادا للساللة المغربية العظيمة. هكذا ظهر أن الخطبة والسكة قد كانتا من شارات الملك التي ال غنى عنها إلرساء السلطة ونشر العقيدة الخليفية ألحمد المنصور. وكانتا ت مثالن في نفس الوقت شعارات للملك وحوامل ممي زة لطموحات وذلك ألغراض دعائية وإلعالم األهالي وإليصال التمثالت المفروضة بقو ة التكرار واإللقاء المتتالي. وإذا كانت هاتان الشارتان تنتميان إلى الخطاب الموضوع في شخص السلطان فإن الشارات األخرى كانت "مرئيات" ي جل يها السلطان جسديا تؤث ر ب"بساطتها" إيحائية تطبع المخيال. المسلمين وتخلب بتعق دها وغرائبي تها ألباب الزوار األوروبيين. البياض شعار استقالل سلطان بال عرش وكانت تلك المرئيات التي وبإحالتها على ماض عريق في مخيال كانت المالبس التي يظهر فيها السلطان الشريف في المواكب الهامة واالستقباالت الرسمية التي كانت ت سم ى تجاوزا في أدبيات العصر الوسيط بثياب الخالفة وزي الخالفة وخلعة الخالفة وثياب الهيبة ت عتبر منذ العصر العباسي بمثابة شارات للملك وعالمات تمييزية لولي األمر. ورغم أنه لم تكن توجد قاعدة حقيقة في هذا األمر مثلما أشار إلى ذلك دومينيك سورديل بعادتين: ]Dominique Sourdel[ فقد كان على الخليفة االلتزام 6 أن يلبس الثياب السود وأن يضع البردة المنسوبة للنبي. ولكن ظهرت منذ القرن العاشر عد ة خالفات منافسة مثل الخالفة الفاطمية في إفريقية ثم في مصر والخالفة األموية في األندلس. وقد حاولت هاتان الخالفتان أن تقل دا الخالفة العباسية مع السعي إلى التمي ز عنها. ونظرا لعدم امتالكهما لبردة النبي المزعومة فقد تم تقليدها. 6 Dominique Sourdel, «Questions de cérémonial abbaside», Revue des études islamiques, nº 8 :, 960, p

139 6 كما قام األمويون مثال باتخاذ البياض لونا للمالبس الرسمية. لخالفة الغرب ومنافسين للعباسيين فقد اتخذ الموح دون اللون القرن الثاني عشر. وباعتبارهم ورثة األبيض لباسا لهم في ومنذ ذلك الوقت حمل كل الملوك المغاربة هذا اللون. ففي القرن الرابع عشر يذكر الرحالة المشرقي ابن فضل اهلل العمري أن البردة البيضاء كانت حكرا على العاهل المغربي دون غيره من رجاالت البالط أو األعيان. وباستثناء هذا 64 الزي فقد كانت مالبس السلطان مشابهة في كل تفصيالتها للباس رعاياه. وبعد قرنين من هذا التاريخ يؤك د الحسن الوز ان المعروف بليون اإلفريقي أن "الثياب التي يلبسها الملك ]الوطاسي[ ]...[ 65 يمكنه أن يمي زه عن غيره". هي ثياب متواضعة وعادية. لم يأت البيت الزيداني بأي جديد في هذه العادة المرتبطة باللباس. اإلسباني مرمول ]Marmol[ 66 السادس عشر. فمن ال يعرف الملك ال ويذكر األسير نفس الشيء فيما يخص زي عبد اهلل الغالب أواسط القرن ولكن وصول عبد الملك المعتصم إلى السلطة سنة هذه العادات في اللباس التي تعود إلى قرون خلت. خلخل 8750 فقد قر ر هذا األمير الذي عاش أغلب فترات حياته في األراضي العثمانية أن يعتمد عاداتهم في اللباس بل أن يفرضها على رعاياه. فباستعماله المالبس العثمانية الفاخرة واستغنائه عن اللباس األبيض لم يكن السلطان عبد الملك يتخل ى عن تقليد محل ي راسخ فحسب بل كان يعترف "واقعيا" 67 بالسيادة العثمانية. لكن وصول السلطان أحمد المنصور إلى سد ة الحكم سنة 875 كان إيذانا بالعودة إلى التقليد المحل ي في الل باس. وتندرج هذه العودة ضمن منطق عقيدته الخليفية كما يوض ح ذلك كاتب تقرير أو ل سفارة إسبانية إلى المغرب على عهد المنصور سنة Évariste Lévi-Provençal, Histoire de l Espagne musulmane, Paris, , t. III, p ابن فضل اهلل العمري مسالك األبصار في ممالك األمصار ص Léon l Africain, Description de l Afrique, Paris, 980, t. I, p Marmol, L Afrique, t. II, p الفشتالي مناهل الصفا ص ; 60 p. 67 Henri de Castries, SIHM, France, t. I, 6

140 بتأكيده أن ه 68 "كان يرتدي مالبس بيضاء على الطريقة المغربية وعلى رأسه عمامة". وتسمح لنا هذه المعلومة الهامة بأن نؤك د أن السلطان قام بعد أشهر من تول يه الحكم بإعادة االعتبار لل ون األبيض باعتباره شارة الخالفة الغربية. "مغربي" للحديث عن لباس إن استعمال مفردة السلطان ليس باألمر الفاقد للداللة وذلك ألنه يوض ح "التباين" مع نمط اللباس "التركي" لسلفه. لقد كان موالي أحمد المنصور بصنيعه هذا يؤك د استقالله وسيادته وينخرط في التقاليد العريقة للخالفة اإلسالمية الغربية. ونحن 69 نعلم أنه قد تم بعد ذلك اعتماد اللون األبيض في اللقاءات واالحتفاالت الرسمية. وانتهى األمر بهذا اللباس إلى أن فرض نفسه نهائيا ليبقى مستعمال حتى عصرنا هذا. لسوء الحظ فإننا ال نملك وصفا ولو جزئي لزي السلطان الشريف. ولكننا رغم ذلك نستطيع أن نقول بعض الكلمات باالعتماد على رسم تقريبي للسلطان أبي فارس ] [ ابن المنصور وأحد خلفائه أنجزه العميل اإلسباني خورخي دي هنين ]Jorge de Henin[ يلبس و"قميصا" "سرواال" بين سنتي و يظهر هذا الرسم أن السلطان كان عريضا مشدودا إلى خصره بحزام حريري مطر ز في جنباته وهو نوع من الثياب ذات أكمام ضيقة وأزرار في مستوى المعصم. وفوقهما كان يرتدي ق ف ط انا وهو نوع من الثوب الطويل ذي أكمام واسعة ي سم ى "المنصوري" ]المنصورية باللهجة المحلية[ ألنه ص نع خص يصا له. وفوق كل ذلك كان يلبس "الس لهامة" ]الس لهام باللهجة المحلية[ وهي بردة واسعة من غير أكمام وفيها غطاء للرأس. وال شك في أن السلطان كان يلبس 7 تمنطقها عمامة من النسيج الموصلي. "شاشية" من الصوف األرجواني 68 Ibid., t. II, p الفشتالي مناهل الصفا ص Jorge de Henin, Descripcion de los reinos de Marruecos, p فيما يخص المالبس الرسمية لبعض البيوتات األخرى انظر مثال Rachel Arié, «Quelques remarques sur le costume des Musulmans d Espagne au temps des Nasrides», Arabica, nº, 965, p ; L. A. Mayer, Mamluk Costume. A Survey, Genève, 95. 7

141 وإذا كان المنصور على مستوى اللباس يسلك سبيل االعتدال والبساطة اللتين تجعالنه في تناغم مع قيم العلماء الورعين وأرباب الزوايا فإننا نتساءل هل اتخذ المنصور عرشا مع العلم أنه شارة ال تتوافق مع تقاليد الورع المعمول بها منذ صدر االسالم ال ي قد م الفشتالي إال إجابة مراوغة عن هذا السؤال مستعمال مفردات عامة كالسرير 7 واألريكة دون توضيح آخر. كما أن 74 والمقري 7 التمگروتي الضبابية فيما يتعل ق بوصف مكان جلوس السلطان. حافظا على نفس أم ا ابن القاضي فإنه يعمد إلى الصمت في هذه المسألة. إال أن كاتب تقرير البعثة اإلسبانية لسنة 8754 ي خبرنا لحسن الحظ بطبيعة هذا المجلس. فأثناء المقابلة التي تمت مع مبعوث فيليب الثاني كان السلطان الشريف "يجلس على أربعة وسائد من الحرير المختلفة األلوان وسادتان منها طويلتان من الحرير وكان يت كئ على وسائد مطر زة بالذهب والفضة و ضعت خلفه" ويالحظ الكاتب أن كل ذلك كان على 75 "بساط صغير". وكان المؤرخ المشرقي ابن فضل اهلل العمري قد الحظ نفس الشيء فيما يتعل ق بالسلطان المريني أبي الحسن في 76 القرن الرابع عشر. وفي هذه المسألة أيضا يبدو هاجس تقليد المشارقة خاصة العباسيين منهم شديد الوضوح. بالف ر ش الذي استعمله أوائل الخلفاء ببغداد. االستقبال المهيب الذي أقامه هارون الرشيد بط و س "بساطة" الخلفاء فقد كان األمر بكل بساطة يتعل ق يالحظ دومنيك سورديل أن ه ]...[ مجموعه من أحد عشر ف ر شا مصحوبة بالوسائد والمخائد". كان الخليفة "أثناء يجلس على ويالحظ أيضا أن مفردة 77 فرش كانت ت ستعمل في القرن العباسي الذهبي مرادفا للسرير. وإذا ما تسل حنا بهذا 7 الفشتالي مناهل الصفا ص التمگروتي النفحة المسكية ص المقري روضة اآلس ص Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p ابن فضل اهلل العمري مسالك األبصار ص Dominique Sourdel, «Questions de cérémonial abbaside», Revue des études islamiques, nº 8 :, 960, p.. 8

142 التفسير فإن نا نستطيع أن نجزم بأن سرير الفشتالي ليس شيئا آخر غير الفرش الذي 78 وصفه الكاتب اإلسباني. تبقى بعد ذلك مسألة ما يورده األسير اإلسباني دييگودي توراس من أن السلطان محمد الشيخ المهدي كان أثناء حمالته العسكرية يجلس على ضرب من التخوت على الطراز 79 التركي مصنوعة من الخشب ومغلقة من كل الجهات. ورغم أننا ال نظفر بأية إشارة تتعلق باستعمال هذا التخت على عهد المنصور فإنه ال شيء يسمح لنا باستنتاج أنه قد تخل ى عنه لفائدة الفرش الذي كان أكثر تواضعا وأعظم رمزية. فمن المحتمل أنه قد واصل استعماله على غرار أبيه أثناء حمالته وتنقالته الكثيرة خارج عاصمته رغم ما يقوله األخباري المتأخ ر اإلفراني فإن الس تر الذي "ي خ ص ص لمنع الزوار من االقتراب من العاهل قبل أن يأذن الحاجب بذلك" كان من دون شك غير مستعمل خالل 80 اللقاءات الرسمية على عهد المنصور. ويرجع ذلك إلى أن هذا األخباري على عكس عادته ال يذكر مصدره كما أن المصادر المعاصرة سواء كانت محلية أم اوروبية ال تشير إلى وجود هذه الممارسة. وقد أثبت محمد بن شريفة أن الحكاية التي يوردها اإلفراني كانت موضوعة وذلك بأكثر من دليل. ففضال عن الغاية التأسيسية للرواية التي تأتي لت علي من شأن العلماء على األقل نظريا على حساب الماسكين بالسلطة فإن الشخصية الدينية للمنصور وكل بنائه العقائدي المؤس س على الواقعية ال 8 يبدو أنها تقبل بمثل هذه الممارسة. أدوات التبرك واالستمرارية لم يكن السلطان الشريف باعتباره الضامن للدين القويم ينفصل أبدا عن نسخة من المصحف ت نسب إلى فاتح المغرب عقبة بن نافع الفهري وكذا عن صحيحي البخاري 78 ال يزال ملك المغرب حتى العصر الراهن يجلس على فرش أثناء المناسبات الدينية السيما أثناء الدروس الحسنية خالل شهر رمضان واحتفاالت المولد النبوي. 79 Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. 8. يشبه هذا التخت ما كان يستعمله السالطين العثمانيون أثناء الحمالت العسكرية ونستطيع أن نرى نماذج منه في متحف توبكابي. 80 اإلفراني نزهة الحادي ص محمد بنشريفة "بين أحمد بابا وأحمد المنصور" المغرب وإفريقيا جنوبي الصحراء في بدايات العصر الحديث ص

143 ومسلم. فمنذ أواخر القرن العاشر كان الخلفاء العباسيون يعرضون في االستقباالت الرسمية نسخة من القرآن الكريم ت نسب إلى الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عف ان.] [ السن ية. وكان الخلفاء بسلوكهم هذا يجعلون من أنفسهم حر اسا للصراطية ذلك أنهم قد فرضوا المصحف العثماني باعتباره الرواية الوحيدة الصحيحة للقرآن. وقد قام الخلفاء األمويون باألندلس في ظروف غامضة بتقليد خليفة بغداد. ولو صد قنا المؤر خين فإن نسخة أخرى من المصحف العثماني كانت توجد في مسجد قرطبة وكانت تلك النسخة إحدى شارات الخالفة األموية. وبتأسيسه لخالفة مستقلة بالمغرب واألندلس في القرن الثاني عشر فرض العاهل الموح دي عبد المؤمن بن علي ] [ نفسه وريثا شرعيا لإلد عاءات األموية. العثماني إلى المغرب جاعال منها شارة من شارات ملكه. فقام بنقل نسخة المصحف فبعد أن تم تحليتها بزركشات فاخرة من الذهب وتزيينها باألحجار الكريمة كانت النسخة محفوظة في 8 صندوق عظيم الزينة كان يسبق دائما موكب الخليفة. 8 األثر المقد س من طرف المرينيين في القرن الثالث عشر القرن الخامس عشر. في ظل غياب النسخة العثمانية المصحف ت نسب إلى عقبة بن نافع. 84 وكان ابن خلدون آخر من تعر ض لذكره. وقد تم االستالء على هذا ولكنه اختفى فجأة في فإننا نفترض أن السالطين قد التجأوا إلى نسخة من وقد كان هذا األخير استنسخها من المصحف العثماني بالقيروان حسب الروايات المحلية. وبصرف النظر عن صدق هذه النسبة فإن هذه النسخة قد أصبحت أثرا مقد سا استعمله المرينيون والوطاسيون والزيدانيون على التوالي. الغرض. تدفعنا كل الدالئل إلى االعتقاد بأن المنصور قد استعمل هذه النسخة لنفس ولكن ه أضاف لهذا االستعمال الرمزي استعماال ماديا. إذ يذكر الفشتالي أنه أثناء حفل مبايعة األمير المأمون وليا للعهد تم وضع نسخة المصحف المنسوبة إلى 8 ابن صاحب الصالة المن باإلمامة ص 64 مجهول الحلل الموشية ص 87. وانظر أيضا Amira K. Bennison, «The Almohads and the Qur ân of Uthmân : The Legacy of the Umayyads of Cordoba in the Twelfth Century Maghrib», al-masaq, nº 9 :, 007, p ابن مرزوق المسند ص محمد المنوني "تاريخ المصحف الشريف بالمغرب" دعوة الحق العدد : ص

144 عقبة بن نافع وصحيحي البخاري ومسلم أمامه. ولم ي ؤد وجهاء السلطنة يمين البيعة 85 لألمير إال في ذلك الوقت. ويجوز لنا أن نذهب إلى أن األعيان قد أقسموا على هذه النسخة من المصحف. وإذا كان امتالك مصحف عقبة بن نافع يسمح للسلطان باالنخراط في تاريخ خليفي عريق وأن يمتلك بمعنى ما التاريخ المقد س لإلسالم فإن اعتماد مصن ف ي الحديث النبوي باعتبارهما من شارات الملك هو تقليد مغربي محض. ذلك أن السالطين المرينيين الباحثين عن الشرعية الدينية قاموا كرد فعل على العقيدة الموح دية بإعادة االعتبار للمذهب المالكي وأرجعوا للسنة مكانتها سبقهم. "المستهزئ بها" من طرف من وفي هذا السياق اإلحيائي للسنة النبوية قام السالطين المرينيون باعتماد صحيحي مسلم والبخاري باعتبارهما شارة م ل ك. ففرضوا أنفسهم بهذه الطريقة باعتبارهم حماة متميزين للصراطية السن ية وباعتبارهم العاملين المخلصين بالسنة 86 النبوية. وقد تم تجسيد إعادة االعتبار هذه للسنة النبوية من خالل احتفاالت رسمية 87 لقراءة الصحيحين خاصة منهما صحيح البخاري. وفي محاولته ترسيخ نفسه باعتباره الوريث الحصري للتراث الديني والدنيوي للنبي كان من الطبيعي أن يعتمد السلطان الشريف هذا التقليد الم لوكي. وعلى غرار مصحف عقبة كان لمصن فات الحديث النبوي استعماال مزدوجا على المستويين الرمزي والعملي. فكان ي حت ف ى بقراءة الحديث في مناسبات متعد دة مثل الدروس الرمضانية وخالل االحتفاالت بالمولد النبوي وقبل رحالت السلطان. مجالس لسرد وتدارس صحيحي مسلم والبخاري بصورة منتظمة. وكان السلطان يقوم بتنظيم بل إن السلطان قد 88 كل ف رسميا شخصا ال عمل له في القصر السلطاني إال سرد صحيح البخاري. والجدير بالذكر أنه في سنة 874 تم ت دعوة األعيان لبيعة األمير المأمون وكان ذلك بحلف اليمين على الصحيحين. وأثناء التمرد الخطير لألمير الناصر سنة 8747 جعل الفشتالي مناهل الصفا ص. ابن مرزوق المسند ص 470. النميري فيض العباب ص 0. الفشتالي مناهل الصفا ص 05 وص 88. 4

145 ص 89 األمير المأمون جنده ي قسمون يمين الوالء على المصحف وعلى صحيح البخاري. وهذا األمر يجعل من المقبول أن نفترض أنه كان من المعتاد في البالط المنصوري أداء يمين الوالء على هذا المصن ف في الحديث النبوي. وهكذا فإن السلطان العلوي إسماعيل ] [ لم يقم إال باستعادة هذا التقليد عند إنشاء جيش العبيد السود المسم ى تجاوز ا جيش البخاري. أسلحة أمير المؤمنين كان السلطان الشريف وهو الذي ي قد م نفسه باعتباره أميرا للمؤمنين وحاميا للملة والدين يستعمل في االستقباالت الرسمية والمواكب العامة ترسانة كاملة من األسلحة لي برز دور "المجاهد" وحامي السلم المحل ي. وكانت هذه األدوات المستعملة باعتبارها شارات للملك تحمل داللة رمزية عالية ألنها ت ذك ر بالسيرة النبوية وتؤك د على االستمرارية التاريخية بين البيت الزيداني وباقي السالالت الخليفية. ففي أواسط القرن السادس عشر الحظ مرمول ]Marmol[ أثناء موكب رسمي 90 للسلطان عبد اهلل الغالب أن ثالثة من حاشيته كانوا يحملون سيفه ودرعه ورمحه. وقبل قرنين من هذا التاريخ تم مالحظة نفس أسلحة األب هة في موكب السلطان المريني 9 أبي الحسن وهو الذي كانت له بالفعل مطامح خليفية. وإذا كن ا ال نستطيع أن ن حدد بدقة العصر الذي تم فيه اعتماد هذه الترسانة من طرف السالطين المغاربة فإن نا على يقين من أنها كانت ترمز لألسلحة التي كان يحملها النبي إذ يؤك د العديد من المؤر خين أن خلفاء المشرق خاصة العباسيين منهم قد ورثوا هذه الشارات النبوية. ويذكر المؤرخون القروسطيون أن الرسول كان أثناء خرجاته الرسمية إلحياء المناسبات الدينية ي كل ف شخصا يسبقه في الموكب الذي يرافقه بحمل حربته المسم اة 9 العن زة. ثم قام الخلفاء الراشدون باالقتداء بالنبي في هذه الممارسة. وبعد أن اختفت ج 5 89 نفسه ص القلقشندي صبح األعشى ج 7 ص ابن سعد الطبقات الكبرى ج 8 ج ص 0-7 ص 4. 9 الفشتالي مناهل الصفا ص 6. 0 الخزاعي تخريج الدالالت السمعية 4

146 تحت حكم األمويين قام أوائل الخلفاء العباسيين بإعادة استعمالها. ونظرا لكونها صالحية خليفية فقد تم استعمالها من طرف السالالت الطامحة إلى هذا المنصب. ونظرا ألنها كانت مستعملة في المراسم على عهد عبد اهلل الغالب مثلما أشرنا إلى ذلك 9 فال شك في أن المنصور قد استعمل الحربة. وقد حافظ هذا السلطان كذلك على استعمال الد رع الذي ي ذك ر بد رع النبي المسم ى درع الفضول وذلك على الرغم من أننا ال نمتلك أي شهادة عن هذه المسألة. كان السيف هو السالح األهم من بين أسلحة امارة المؤمنين من منظور رمزي. ويبدو أن ه قد تمت وراثة شارة الملك هذه هي األخرى عن النبي إذ كان يحمل الخلفاء والسيما بني العباس أحد سيوف الرسول خالل الحفالت واالستقباالت الرسمية. وبهدف تقليد العباسيين ومزاحمتهم قام الخلفاء الفاطميون باستعمال سيف أب هة كان ينسب لحمزة بن عبد المطلب عم النبي وهو الذي كانت ذكراه تستدعي في المخيال اإلسالمي صورة المجاهد في سبيل اهلل. فالسيف في هذه الحالة أثر ديني وأداة لنشر اإليمان كما أنه يرمز أيضا إلى سالح العدل الذي يفرق بين الحق والباطل ويضمن النظام والسلم األمر. وبعد االستيالء على مصر سنة 8785 من طرف العثمانيين تنازل اخر خليفة عباسي عن الحكم للسلطان سليم األو ل ] [ حسب األسطورة العثمانية. عندها قام هذا األخير بنقل بعض اآلثار النبوية إلى عاصمته ومنها السيف الذي نستطيع إلى اآلن مشاهدته في متحف توبكابي. ولكن السالطين العثمانيين لم يستعملوا البت ة هذا األثر باعتباره شارة للملك وهو ما يجعلنا نشك في صدق نسبته إلى الرسول. وعلى العكس من ذلك فإن سيف مؤس س الساللة العثمانية كان ي عد منذ قرون شارة 94 للملك يحملها السلطان السيما يوم توليه الحكم. ونظرا لعدم امتالكه سيفا يستطيع أن يكون بمثابة شارة أو أثر مقد س قر ر السلطان الشريف أحمد المنصور أن يصنع لنفسه سيفا يكون في مستوى طموحاته الخليفية. فقد دفع السلطان حوالي سنة 877 إلى الوكيل اإلسباني بلتزار بولو ]Balthasar Polo[ 9 94 الخزاعي تخريج الدالالت السمعية ص محمد فريد تاريخ الدولة العلي ة العثمانية ص

147 مبلغا عظيما من المال كي يشتري به أحجارا كريمة من الماسات واليواقيت والآللئ لتزيين سيف إثر شراء األو ل 95 "هو األجمل واألكثر فخامة من السيوف التي ص نعت في هذه البالد". ياقوتة الب لخ ش التي كانت م لك األميرة ماريا ابنة ملك البرتغال عمانويل ]Manuel I er [ بمبلغ قدره خمسون ألف كروزادو قام السلطان بتكليف بلتزار مرة أخرى بشراء ثمانين ألماسة تزن كل واحدة منها أربعة أقرطة أو ستة أقرطة 96 وذلك قصد إتمام زينة سيفه. وبعد مضي ثالث سنوات كان السيف غير جاهز بع د 97 وكان موالي أحمد يأمر بشراء المزيد من األحجار الكريمة. لم يتم االنتهاء من السيف السلطاني إال حوالي سنة الخمسمائة ألف كروزادو وهو ثمن مبالغ فيه وال شك. أصل إيطالي فقد كان السيف "أجمل سيف طلعت عليه شمس". وقد بلغت كلفته ما يناهز وحسب أقوال شاهد عيان من ففضال عن حجر البلخش الذي كانت تملكه األميرة البرتغالية واألحجار الكريمة كان السيف يحمل 99 ثمانية قطع من الذهب الخالص. ال شك أن السلطان بإنفاقه أمواال ضخمة للحصول على سيف يكون في مستوى طموحاته الخليفية كان يهدف فضال عن طلب األب هة إلى منافسة حكام عصره خاصة منهم السلطان العثماني الذي كان يمتلك سيفا ذا بعد أثري مقد س. وقد كان السلطان الشريف يعتقد أن القيمة المادية للسيف تستطيع أن ت عو ض قيمته الرمزية. وكيفما كان األمر فقد نجح السلطان في التأثير في مخيال معاصريه خاصة األوروبيين منهم الذين اعتبروا سيفه أجمل سيوف العالم. 400 بالمجوهرات واألحجار الكريمة التي كان يقوم بجمعها. وقد أك د الوزير المؤرخ الفشتالي ولع مواله ومع ذلك فإنه قد تجن ب تفصيل القول في المسألة كي ال يؤث ر في صورة مواله لدى النخبة الدينية التي كانت 95 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p.. 96 Ibid., p.. 97 Ibid., p Ibid., p Ibid., p الفشتالي مناهل الصفا ص 7. 44

148 هي المخاطب الرئيس بكتابه. وهو ما يجعلنا نطمئن إلى صدق المعلومات التي أوردها أنطونيو دي سالدنيا في شأن السيف الشريف. كان الكتاب المسلمون يعتبرون الرايات والطبول واألبواق أيضا من شعارات الملك كذلك. فمنذ أوائل العصر الوسيط استعمل أموي و األندلس راية عظيمة بيضاء اللون 40 وذلك لمباينة العباسيين الذين اتخذوا السواد لونا رسميا لهم. ومن المؤك د أن الموح دين قد تبنوا هذا التقليد وذلك عندما استعملوا راية بيضاء عظيمة مزخرفة وسم وها اللواء المنصور. مطابقا للوائهم. وفي إطار التواصل مع الموحدين استعمل المرينيون لواء ويذكر القلقشندي أن هذا اللواء كان مصنوعا من الحرير وعليه آيات 40 قرآنية منسوجة بخيوط من الذهب. وال يبدو أن تول ي الساللة الزيدانية للحكم قد أث ر في هذه العادة. إذ يالحظ مرمول أن ألوية الموكب السلطاني كانت من "نسيج حريري صقيل مقو ى مع شريط من األحرف 40 العربية التي تخترق اللواء من أدناه إلى أقصاه". مر ة أخرى نجد أن السلطان عبد الملك المعتصم كان هو من بدأ في تقويض هذا التراث الممتد على قرون خلت. فباعترافه بسيادة الباب العالي استبدل هذا السلطان اللواء األبيض بالط وغ العثماني. واستمر هذا الوضع حتى تول ي المنصور الحكم. وقد انتظر هذا األخير بضع سنين قبل أن يقطع عالقاته نهائيا مع الباب العالي. فبعد أن ثب ت وضعه داخل البالد وضمن التحالف مع اإلسبان قام السلطان الشريف بتنكيس الطوغ على المأل وأعاد استعمال 404 اللواء المنصور. ومنذ ذلك الحين سيكون هذا الل واء الذي يعبر عن االستفالل 405 واالستمرارية التاريخية حاضرا في كل المواكب السلطانية. فيما يخص رمزية هذه األلوان انظر Alfred Morabia, «Recherches sur quelques noms de couleur en arabe classique», Studia Islamica, nº, 964, p القلقشندي صبح األعشى ج 7 ص 6 ابن مرزوق المسند ص Marmol, L Afrique, t. II, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. et p الفشتالي مناهل الصفا ص 44. كان الموكب السلطاني يتقدمه دائما الطبل العظيم الذي كان ي عد هو أيضا من شعارات الملك. وقد كانت وظيفة هذا الطبل اإلعالم بوصول السلطان أو برحيله. وقد كانت تصحبه بعض الطبول الصغيرة األخرى. وتأتي بعد الطبل الغيطات ]مفردها غيطة[ والطرانبطات و هي مزامير وجعاب للتصفير ]النفار بالدارجة[. وقد تم مالحظة هذه االستعماالت على عهدي الموح دين والمرينيين. انظر الفشتالي مناهل الصفا ص 64 45

149 مظل ة ظل اهلل في األرض بعد كل ما تقد م تبقى المظلة هي شارة السلطنة الشريفة بامتياز. فهذه األداة المخصصة لحماية العاهل من الشمس والمطر هي مقبض يبدو أن ه يمثل محور العالم تعلوه قب ة 406 يبدو أنها تمثل الكون. فيكون الكون الذي يقف عليه ويدور حوله كل شيء. العاهل بذلك هو مركز وقطب السلطنة بل مركز إن استعمال المظلة هو أمر ثابت في الحضارات الشرقية القديمة خاصة في الحضارتين البابلية ومن بعدها الفارسية. ومصداق ذلك أن العديد من النقوش تجس د 407 الملوك البابليين واألشمونيين والساسانيين وهم تحت مظالتهم. ويبدو أن العباسيين قد استعاروا هذه الممارسة مثل الكثير من الممارسات األخرى من الحضارة الفارسية. ومن المرجح أن يكون الخليفة المأمون ]-8[ الذي استقر فترة طويلة بخراسان 408 كان أو ل خليفة عباسي يستعمل المظلة. وتؤك د العديد من المصادر المختلفة استعمال خلفاء بغداد لهذه الشارة الملكية بما هي عالمة على السيادة تحت اسم الم ش م س ثم بعد ذلك بالش م سة وذلك ما بين القرنين التاسع والثاني عشر. وقد تم استعمال المظلة بعد ذلك عالمة على االستفالل وذلك لما رسخ من كونها شارة للملك وعالمة تمييز للخليفة أثناء المواكب العامة. يذكر ابن خلدون انه بعد موت المتوكل العباسي سنة 08 أعلن والي اليمن اسحاق بن ابراهيم استقالله وقام باستعمال المظلة 409 للتدليل على ذلك. وبعد بضع سنوات جاء دور الفاطميين المنافسين الشرسين للعباسيين كي يستعملوا تلك الشارة تحت اسم المظل ة وذلك خالل استقرارهم.p 87 Marmol, L Afrique,.t II, ابن صاحب الصالة المن باإلمامة ص 74 مجهول الحلل الموشية ص 87 ابن فضل اهلل الع مري مسالك األبصار ص 700 القلقشندي صبح األعشى ج 7 ص Gérard de Champaux et Sébastien Sterckx, Introduction au monde des symboles, p Alfredo Rizza, Assyriens et Babyloniens, p. ; Romand Ghirshman, Parthes et Sassanides, p. 69, fig. 7, p. 99, fig الطبري التاريخ ج ص ابن خلدون العبر ج 5 ص يذكر المؤر خ المغاربي في الصفحة 45 أن كافورا اإلخشيدي قام بنفس الشيء عندما أعلن نفسه حاكما مستقال على مصر. 46

150 40 بإفريقية. 4 االحتفاالت والمواكب. وفي ظل هذه الساللة الحاكمة سيقع استعمال المظلة أثناء جميع انتشر استعمال هذه الشارة بعد ذلك في كامل أرجاء المشرق اإلسالمي خاصة في العالم التركي المغولي حيث ت عرف تحت اسم الج ت ر أو الش ت ر. وستستعمل هذه الشارة من لدن الغزنويين والبويهيين والسالجقة واأليوبيين والمماليك والمغوليين والتيموريين 4 وأخيرا من لدن الصفويين ومغول الهند خالل القرن السادس عشر. لكن يبدو أن الدولة العثمانية لم تعرف هذا التقليد إذ ال يأتي على ذكره أي مصدر تركي أو عربي أو أوروبي. كان استعمال المظلة أمرا مألوفا أيضا في العالم المسيحي. البيزنطيون وقع تبن يها في الغرب. فبعد ان استعملها الملوك ورغم أن العديد من الملوك الماسكين بالسلطة الزمنية قد استعملوا هذه الشارة فإنها تبقى شارة كنسية باألساس. ففي الل وحة الجدارية المعروفة باسم هبة قسطنطين: تقديم الشارات للبابا والتي تعود إلى ما بين سنتي 840 و 84 نالحظ أن اإلمبراطور قسطنطين يعطي الحبر األعظم مظلة باعتبارها 4 عالمة على حقه في ممارسة سلطة إمبراطورية. التتويج لصاحبها الكوب و ستيفانشي 44 الثالث عشر أو الرابع عشر. رسمها فت وريو كرباتشيو ]Lacopo Stefaneschi[ كما تظهر المظلة في لوحة تعود إلى القرنين وهي وتظهر كذلك في أسطورة القديس أورسول التي ]VittoreCarpaccio[ 45 حوالي سنة 8447 للسلطة البابوية. ونستطيع أن نشاهد المظلة في لوحة دومينكو باس ينيانو باعتبارها شارة Domenico [ 40 الحميري الروض المعطار ص 6. 4 Marius Canard, «Le cérémonial fatimide et le cérémonial byzantin. Essai de comparaison», Byzantion, nº, 95, p ; Paula Sanders, Rituals, Politics and the City in Fatimid Cairo, p. 9 ; Jocelyne Dakhlia, Le divan des rois. Le politique et le religieux dans l Islam, p EI, t. VII, p. 9 ; Michael Barry, L art figuratif en islam médiéval, p Rosa Giorgi, Symboles et cultes de l Église, p.. 44 Ibid., p Ibid., p

151 ]Passignano الراجعة إلى سنة 8084 وفيها يعرض ميشال أنجلو ]Michel-Angelo[ تصميم قب ة القديس بطرس على البابا. 46 وعلى الرغم من استعمال الفاطميين للمظلة طوال إقامتهم في إفريقية يبدو أن البيوتات المغربية واألندلسية الحاكمة قد أعرضت عن هذه الممارسة ألسباب غامضة وذلك خالل العصر الوسيط وفي بدايات العصور الحديثة. ومر ة أخرى كان السلطان ذو الشخصية الفذ ة عبد الملك المعتصم هو من أدخل استعمال المظلة إلى المغرب. ونحن نمتلك مصدرين معاصرين له أحدهما اوروبي واآلخر عثماني وهما معا يؤك دان هذا "االبتداع". 47 ورغم أن استعمال المظلة هو أمر ثابت على عهد عبد الملك فإننا ال نعرف النموذج الذي استلهم منه السلطان ذلك أكان اإلسالمي أم المسيحي إن الثقافة المزدوجة لهذا السلطان غير النمطي تدفعنا بقو ة إلى طرح هذا النوع من األسئلة. ويمكن أن نتحدث عن ثالث فرضيات ممكنة: فلرسوخ قدمه في الثقافة اإلسالمية كان يمكن للسلطان أن يعمل على إحياء التراث الفاطمي الذي بقي منه في كتب التاريخ ذكرى مضخ مة. كما يمكن أن يكون قد رغب في تقليد معاصريه الصفويين أو المغول الذين كانوا يت خذون المظلة شارة للملك. وقد يكون عبد الملك قد اط لع على هذه الممارسة عبر شهود كان قد التقاهم خالل تنق الته الكثيرة التي يجب التذكير بأنها دامت سبعة عشر عاما. ولعل عبد الملك قد أحيط علما بهذا الممارسة عبر شهادات مكتوبة قرأها بنفسه في اللغات التركية والبرتغالية واإلسبانية واإليطالية أو خالل فترة أسره في اوروبا بعد معركة ليبانتو. لذلك قد يكون األمير استلهم استعمال المظلة من االستعمال الكنسي لها خالل فترة إقامته اإلجبارية بأوروبا 48 والسيما في روما حيث قضى مدة من األسر شخصية السلطان عبد الملك المعقدة تجعل من الفرضيات الثالث فرضيات معقولة وهو ما ال يسمح لنا بتفضيل إحداها على األخرى. ونظرا لعدم توف ر شهادة قاطعة في المسألة فإنها تبقى مفتوحة. 46 Ibid., p الجنابي البحر الزخ ار ص 78 ; 60 p. 47 Henri de Castries, SIHM, France, t. I, 48 يذكر القادري في نشر المثاني ج 8 ص 0 أن المرابط أبا عمرو القسطلي األندلسي ]ت 8700[ كانت له مظلة يحتمي بها. 48

152 ومهما كان أصل هذه الشارة فقد تم تكريسها من لدن السلطان الشريف أحمد المنصور الذهبي وذلك سواء لالستعمال الرسمي أو الشخصي. وكان للمظلة وت سم ى أيضا المظل وظيفة تمييز السلطان الشريف خالل المواكب الرسمية وذلك بسبب مالبسه 49 المتواضعة التي ت شبه مالبس علماء البالط. فعندما كان موالي أحمد يمتطي جواده كان يحمل المظلة فوق رأسه أحد حراسه الشخصيين من فرقة العلوج المسماة باي ك ولكنه عندما يترجل للذهاب إلمامة الصالة أو يتنزه في حدائقه الخاصة كان رئيس 40 الحرس السلطاني هو من ي كل ف شخصيا بحملها. ولكن لماذا حافظ المنصور على استعمال المظلة وهو الذي كان شديد الحرص على نقض مبتدعات أخيه من المحتمل أن يرجع ذلك إلى كون المظلة على عكس سائر المبتدعات كانت تخدم مطامحه الخليفية. مزدوجة والذي كان يستطيع تقليد النموذج فعلى خالف أخيه الذي كان يمتلك ثقافة األوروبي من المؤكد أن أحمد المنصور بثقافته اإلسالمية المتينة وميوالته الكالسيكية كان يرى في استعمال المظلة شارة خليفية عريقة تم إحياؤها ووسيلة للتميز عن غريمه العثماني. ولو شئنا استعمال عبارة القنصل لوي شينييه السيادة الم ميزة" القصر المتحرك ]Louis Chénier[ 4 لملوك المغرب إلى أيامنا هذه. يذكر ابن خلدون في القرن الرابع عشر أن فسينتهي األمر بهذه الشارة ألن تصبح "عالمة "من شارات الملك وترفه ات خاذ األخبية والفساطيط والفازات من ثياب الكت ان والص وف والقطن بجدل الكتان والقطن في تباهى بها في األسفار وت نو ع منها األلوان ما بين كبير وصغير على نسبة الدولة من الثروة 4 واليسار". السلطاني ب"أفراگ". إن هذه اإلشارة تصدق أيضا على المغرب حيث ي سم ى الفسطاط وإذا كان المرابطون والموح دون قد استعملوا الفسطاط أثناء 49 الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص 6. 4 Louis Chénier, Recherches historiques sur les Maures et histoire de l empire de Maroc, 4 ابن خلدون المقدمة ص 64. t. III, p

153 حمالتهم العسكرية فإن المرينيين هم من جعله شعارا للملك. فقد كانت هذه العائلة الحاكمة ذات األصول البدوية ت غذ ي ضربا من الحنين لحياة البداوة. ويذكر ابن فضل اهلل العمري أن أعيان المرينيين كانوا على الرغم من امتالكهم منازل مشيدة ي فض لون 4 اإلقامة في الخيام. كما أن التنقالت العديدة والحمالت العسكرية التي كان يقوم بها المرينيون لتثبيت سلطانهم في مختلف المناطق كانت تحتاج إلى مكان إقامة يجمع بين الد عة واألب هة والعملية. يذكر األخباريون أن المحل ة أو المعسكر السلطاني منذ عصر ابن خلدون كانت ت شبه مدينة دائرية الشكل يوجد في وسطها فسطاط السلطان وهو قصر متحر ك ت حيط به 44 خيام األمراء واألعيان وهو ما سنعود إليه الحقا. وكان الفسطاط الذي يقام فيه المجلس السلطاني ي سم ى قب ة الساقة وهو ما ي حيل يقين ا إلى قاعة االستقبال المسم اة القب ة. كان الفسطاط على غرار باقي الشارات ي ذك ر بأن مركز السلطة كان حيث يوجد السلطان باعتباره قلب 45 السلطة ومحور العالم. وبداية من ذلك العهد أصبحت اإلقامة بضعة أشهر خارج الحواضر ضربا من التمرين الضروري الذي سيخضع له الملوك المغاربة. يذكر الحسن الوزان أنه في بداية القرن السادس عشر كان العاهل الوطاسي وقد كان أحد معاونيه يمضي جزءا كبيرا من السنة في محلته وذلك للقضاء على جيوب التمرد والمصالحة بين القبائل واالستجمام. وبهذه المناسبة ي قد م لنا المؤل ف وصفا مفص ال لألفراگ قائال :"وعندما ي عسكر الملك في البادية يشرع في إقامة سياج الفسطاط الملكي داخل المعسكر وهو سور من كت ان على صورة أسوار قصر بشرفاته مرب ع الشكل طول كل جهة خمسون ذراعا. ويقام في كل زاوية برج صغير بشرفاته وسقفه ويعلو كل سقف كرة جميلة تبدو كأنها من الذهب. وفي السور أربعة أبواب يقف عند كل واحد منها حرس من الخصيان. وت ضرب األخبية داخل السور وقد ص نع الخباء الذي ينام فيه الملك بكيفية تجعل نصبه ابن فضل اهلل العمري مسالك األبصار ص 705. نفسه القلقشندي صبح األعشى ج 7 ص 64 محمد المنوني ورقات عن حضارة المرينيين ص نجد وصفا مقتضبا ألفراگ السلطان المريني أبي عنان عند الن ميري فيض العباب ص -. 50

154 وطي ه 46 الملك". سهال يسيرا. وتقام حول السور خيام القواد ويقرب رجال الحاشية إلى إن هندسة األفراگ وهيئته ووظيفته لم تتغير تقريبا لمدة قرنين. وقد بلغ ثبات هذا الهيكل درجة جعلت مرمول ال يقوم بعد بضع سنين إال باستعادة الوصف الذي جاء في 47 كتاب الوزان. ومع المحافظة على بنية األفراگ هذه عمل المنصور على العودة إلى التقليد المريني الذي دشنه في الغالب السلطان أبو الحسن وذلك قصد تأكيد في 48 االستمرارية التاريخية للسالالت الخليفية في الغرب اإلسالمي. باإلضافة إلى الفساطيط القماشية المستوردة من الهند قام السلطان ببناء بعض أجنحة قصره المتحر ك من خشب شجر الصفصاف الذي يوجد بكثرة في جبال األطلس. وقام 49 بالمزاوجة بين الخشب والقماش في بعض الخيام. ويمكن الوقوف على هذه العودة 40 إلى التراث المريني بدءا من سنة. 874 فضال عن الحجرات الخاصة بالسلطان وحريمه وهي التي كنات وال شك أماكن محر مة على الكاف ة كان لألفراگ فسطاطان عظيمان مخصصان لالستقباالت وللمراسم وذلك للتأكيد المتجد د على أن مركز السلطنة كان هو األفراگ. كان أو ل الفسطاطين ي سم ى القب ة العربية وال شك أنه كان مثلما يشير إلى ذلك اسمه مصنوعا من وبر الجمال ولكنه كان فائق الزخرفة من الداخل. وكان لهذا الفسطاط وظيفة مزدوجة. فهو يقوم من جهة أولى بدور قاعة االنتظار حيث يستقبل األعيان والسفراء األجانب ومن جهة ثانية كان السلطان ي نظم فيه قراءات مهيبة لصحيح البخاري قبل 4 كل سفر. وهو ما يجعلنا نفترض أن السلطان كان يقيم أيضا في هذا الفسطاط مسامرات أدبية ومذاكرات دينية. 46 ليون اإلفريقي ]الحسن بن محمد الوزان الفاسي[ وصف إفريقيا ترجمه عن الفرنسية محمد حجي ومحمد األخضر دار الغرب اإلسالمي الطبعة الثانية ج 8 ص د.ت ]المترجمان[. 47 Marmol, L Afrique, t. II, p النميري فيض العباب ص الفشتالي مناهل الصفا ص. 40 نفسه ص نفسه ص 05 وص 88. 5

155 4 كان الفسطاط األعظم أو فسطاط الجلوس 4 والذي يسم ى أيضا فسطاط الجماعة بمثابة القاعة الرئيسة في قصر المنصور المتحرك. وكان الفسطاط المنصوري ويعلوه تفاحة من ذهب شب هها الفشتالي بالتاج مزي ن بإتقان وله أربعة أبواب. كان البابان األول والثاني وخروجهم. مثلما يدل عليه اسماهما باب الخروج وباب السفر مخصصين لدخول الزو ار ومن المرج ح أن الباب الثالث كان يفتح على المصالح الخاصة بالسلطان مثل المطبخ واإلسطبالت وغير ذلك. أم ا الباب الرابع فمن المؤك د أنه كان يوصل إلى حجرات السلطان وحريمه. كان الفسطاط 44 واالجتماعات الرسمية وللمجلس السلطاني الموسوم بالديوان. األعظم ي ستخدم حصريا للمقابالت 4 الفشتالي مناهل الصفا ص 05 وص ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص قبل أن يقود سفارته إلى السلطان العثماني سنة 874 زار التمگروتي أفراگ المنصور بينما كان هذا األخير ينزل بقواته خارج سور فاس. وقد وصفه وصفا شاعريا ال يخلو من طرافة. انظر التمگروتي النفحة المسكية ص 7. 5

156 الفصل الثالث: المراسم ومسرحة السلطة إذا ما اعتبرنا خطاب شرعنة حكم المنصور بمثابة سيناريو سياسي مثالي وإذا ما اعتبرنا شارات ملكه بمثابة ديكورات "تقديسية" فإننا نستطيع أن نعتبر المراسم م س ر حة لعقيدته الخليفية. ويستند هذا التطبيق على مجموعة من األلفاظ والحركات التي تم ت طقسنتها وهي تلك الموروثة من التراث اإلسالمي العريق وذلك بهدف تعظيم شخصية السلطان وتأكيد مركزيته. كما كان لها أيضا وظيفة تجييش مخيال النخبة والعامة وأن تأخذ بألباب الزائرين األجانب وأن تتجاوز في أب هتها الرسوم العثمانية. وفي مجتمع يميل إلى المشافهة كوسيلة للتواصل كانت المراسم أيضا أداة إعالمية مثالية للنشر الفوري لعقيدة السلطان الشريف لدى أكبر عدد ممكن من الناس. فمن خالل رسوم م طقسنة وآداب تعامل محبوكة كان السلطان الشريف يبحث عن إعادة إنتاج النظام اإللهي والنظام االجتماعي بجعل نفسه المركز أو النواة التي يدور حولها مجموع الكون بحكم أنه ي مث ل بفضل الهيبة الموروثة والورع الشخصي أداة الوصل بين العالم األرضي والعالم الغيبي. كانت المراسم إذن ضربا من مسرحة الفضاء االجتماعي للخالفة المتخيلة للمنصور تلك الخالفة التي يجد فيها كل فاعل اجتماعي وكل فئة اجتماعية موقعها المثالي في نظام شبه إلهي. وألنها لغة متعد دة المعاني كانت المراسم استعراضا للقو ة بالمعنى الذي ي غذ ي فيه السلطان الخوف والشعور بالحماية وذلك بفرض حضوره "المقد س". وكان هذا األخير يرمي إلى إظهار سلطته والمحافظة على إجالل الرعية وتنمية والئها له. وعالوة على ذلك فإن االحتفاالت العامة والمواكب الرسمية كانت مناسبات تعيد السلطة الشريفة فيها التفاوض مع مختلف الفئات االجتماعية ممث لة في نخبها وذلك عن طريق بناء نظام للتحالفات واالمتيازات والتنازالت التي كانت تتجد د دائما. وبذلك كان 5

157 للمراسم السلطانية وظيفة تجديد وإحياء الروابط بين السلطان ورعيته وذلك فضال عن إظهار الفخامة والعظمة. كانت المراسيم السلطانية تقام وفقا لرموز ثقافية في فضاءات مفتوحة يستطيع أكبر عدد ممكن من الناس بلوغها كما كانت تقام احتفاالت في أماكن مغلقة أو شبه مغلقة بحضور جمهور كان يتم في الغالب انتقاؤه. وتجدر اإلشارة إلى أن أغلب المواكب العامة واالحتفاالت الرسمية الدينية والمدنية كانت تكتسي باألساس طابعا عسكريا. فقد كانت طائفة كبيرة منها مناسبة لنشر القوات الشريفة والقيام باستعراض عسكري عام. على الرغم من ندرة المعلومات عن المراسم المنصورية وتناثرها في المصادر المغربية واالوروبية فإننا نمتلك وصفا للمواكب واالحتفاالت يسمح بأن نعيد رسم مالمحها وذلك من خالل األلقاب والتحيات ومراسم البيعة وتنق الت السلطان وأسفاره والمناسبات الدينية واستقبال السفارات. ولكن علينا بادئ ذي بدء تقديم الفضاءات التي كانت تنظم فيها هذه الطقوس السياسية الدينية خاصة قصر البديع مكان إقامة السلطان القارة والمحل ة مكان إقامته المتنق ل. قصر البديع: المركز الثابت كان أحمد المنصور قد أسر إلى الفشتالي أن ما بعثه على تشييد ذلك القصر هو أنه نظر إلى آثار أسالفه فوجد صروح الموح دين أكبر وأهم منها والمعالم المر ينية أجمل فأراد أن تكون آثار أسباط النبي أجود وأجمل وأرقى مما خلفته تلك الدولتين. في إطار هذه الروح المازجة بين االستمرارية والتنافسية انطلق السلطان الشريف في بناء قصره المس مى بالبديع. وقد اختير له هذا االسم "الحتوائه على كل نوع من أنواع البدائع وغرائب العجائب". فاسم البديع إذن ي ظهر أصالة اإلبداع وكمال المنج ز وهو تعبير عن الكمال السياسي الذي حصل بتول ي الشرفاء السلطة. "أصحاب الحق الحقيقيين" ذلك أنه من وراء منافسة السالالت المغربية السابقة كان السلطان يرغب في قصر يكون في مستوى اد عاءاته الخليفية ومطامحه الدولية. الفشتالي مناهل الصفا ص 7. نفسه ص 74. ففضال عن التنافس 54

158 الشرس الذي كان بينه وبين العثمانيين كان أحمد المنصور يرغب على غرار فيليب الثاني وإليزابيت األولى في أن يكون له أثر ي خل د أمجاده بل إن أنطونيو دي سالدانيا يذكر أن السلطان الشريف كان يتلق ى باستمرار معلومات عن تقد م أشغال قصر اإلسكوريال في ضاحية مدريد. فقد كان يريد أن يكون البديع مركز للسلطة "مخصص للحفالت وللقاءات العامة حيث يمكن للعظمة السلطانية أن تتجل ى للناس ولنخبة المملكة وكذلك للسفراء األجانب". فبعد أن استشار المنجمين والشخصيات الدينية مثلما كان يفعل حكام المسلمين في العصر الذهبي اختار السلطان الشريف أن يبني قصره الجديد في الزاوية الشمالية الشرقية من القصبة الموح دي ة إلى جوار باقي القصور. وباإلضافة إلى العملة والمهندسين المغاربة استعان السلطان بعملة وتقنيين اوروبيين خاصة منهم الفرنسيين واالنگليز واإليطاليين واإلسبان والهوالنديين. وقد كانت األجور الم جزية التي يعطيها السلطان ت شج عهم على وضع خبراتهم في خدمته. كما تم توظيف جزء هام من األسرى النصارى في معركة وادي المخازن بمراكش في موقع البناء الذي كان السلطان يتفق ده 4 بانتظام. لقد تم استخدام ماد تين في بناء أركان القصر وهما اآلجر لرفع األساسات والقواعد والطوب الطيني لبناء الهياكل المقب بة والمقوسة واألسس والممرات الموجودة تحت األرض. لكن المرمر كان يحتل الموقع األو ل بال منازع. وقد تم استيراده خاصة من 6 5 إيطاليا عن طريق المقايضة بالسك ر زنة بمثلها حسب ما يذكره اإلفراني. وقد الحظ ميشال دي مونتاني أثناء مروره بمدينة بيزا أن العم ال اإليطاليين كانوا يعدون المرمر 7 لنقله للمغرب. ولو صد قنا الفشتالي فإن عدد األعمدة المرمرية التي تدعم مختلف Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 8. Gaston Deverdun, Marrakech, t. I, p. 9.. الفشتالي مناهل الصفا ص 74 ; 84 p. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, 4 Ibid., p. 4. الفشتالي مناهل الصفا ص 06. اإلفراني نزهة الحادي ص Michel de Montaigne, Journal du voyage de Michel de Montaigne en Italie, p

159 المباني كانت تبلغ الخمسمائة عمود. وقد استعمل الحجر الجيري المستخرج من منجم ايمينتاال الواقع على وادي انوگال لرفع عرصات القباب. كما تم اعتماد الفسيفساء المعروفة باسم الزليج بكثافة لتغطية جدران كاألجنحة ومماشي القاعات الكبرى. واستعمل الجص لتزيين مختلف أجنحة القصر. أم ا السقوف واألبواب فقد التجأ مهندسو البديع إلى أنواع مختلفة من الخشب المستخرج من شجر األرز والصفصاف واألبنوس. تكسو األجنحة الشرفية. وتم استعمال الذهب واألحجار الكريمة في األشكال الزخرفية التي كانت انطلقت األشغال بعد خمسة أشهر من ت س ل طن المنصور أي في دجنبر أن الجزء األهم من األشغال قد انتهى سنة ورغم 877 كما يبينه الرسم البرتغالي للقصر الموجود بمكتبة اإلسكوريال فإن أعماال كثيرة للتهيئة والتجميل قد تواصلت إلى حين موت المنصور سنة ولسوء الحظ فإن هذا األثر الرائع للفن المغربي قد اندثر لما أمر السلطان العلوي إسماعيل بهدمه سنة تستند الدراسات المعدودة التي تناولت قصر البديع بشكل خاص إلى الرسم البرتغالي الموجود باإلسكوريال وهو يعود إلى سنة 877 كما تستند إلى المخطط الذي وضعه الهوالندي جاكوب گوليوس ]Golius Jacob[ سنة 80 وإلى أعمال التنقيب الجزئية التي قامت بها مديرية اآلثار في الخمسينات من القرن الماضي. كما اعتمدت هذه البحوث على األوصاف التي أوردها اإلفراني وعلى بعض الجزئيات الموجودة في بعض الوثائق األوروبية. استثمارها بعد. ولكننا نمتلك منذ عد ة سنوات ثالثة مصادر جديدة لم يقع يتعل ق األمر بأوصاف مقتضبة ولكنها مهمة أوردها أنطونيو دي سالدانيا والمقري وعبد العزيز الفشتالي. وسنحاول أن نعيد بناء القصر متسلحين الفشتالي مناهل الصفا ص 06. نفسه ص 08 Charles Allain, «La carrière saadienne et les chapiteaux d Imi N Tala», Hespéris, t. 4, 956, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p اإلفراني نزهة الحادي ص Ibid., p

160 باألعمال السابقة وبهذه األوصاف الجديدة وأن ن رجع إليه بذلك جزءا من تأل قه السابق الذي بهر الكثير من زو اره المغاربة واألجانب. ال بد من اإلشارة بدء ا إلى أن مهندسي البديع استلهموا المعمار األندلسي دون سواه خاصة منه قصر الحمراء بغرناطة. وكما سبق لجورج مارسي أن الحظ ان "المعمار العام للبديع يبدو مستوحى بشكل كبير من صحن األسود بأجنحته ذات النتوءات على جوانبها الصغيرة وبقبتيه على الجانبين الكبيرين كما كان القصر مستلهما من صحن البركة بحوضه الممتد بين األجمات". وباعتباره المركز السياسي للسلطنة والواجهة الدولية للهيبة الشريفة والمسكن الرئيس للسلطان وحريمه فقد كان قصر البديع وي سم ى أيضا بالعامية[ ]الدار الكبيرة الكبرى الدار متميزا مثل أغلب القصور اإلسالمية بالفصل بين المقر ات العامة وبين الحجرات الخاصة للسلطان. فإذا كانت األجنحة الشمالية والغربية مخص صة على وجه الترجيح لالستقباالت العامة واالحتفاالت الرسمية ولمقرات اإلدارة الشريفة فإن األجنحة الجنوبية والشرقية كانت مخص صة نظريا لالستعمال السلطاني الخاص. وعلى غرار معايير األمن المت بعة في ذلك الوقت كما تحث على ذلك كتب اآلداب السلطانية لم يكن للقصر إال بابا واحد. سالدانيا وال گوليوس إلى وجود أبواب أخرى. وال يشير المثال المعماري البرتغالي وال وكان هذا القيد األمني يسمح بمراقبة حركة الخدم واألمراء واألعيان والزوار وبمركزة دخولهم وخروجهم. سنة وحسب ما يذكر الفشتالي فإنه لم يتم الفراغ النهائي من هذا الباب الموجود في جنوب القصر إال ولبلوغ هذا الباب كان ينبغي المرور بمدخل مقو س وعبور زقاق على Georges Aimel, «Le palais d El-Bedi, à Marrakech et le mausolée des chorfas saadiens», Archives berbères, vol., 98, 5-6 ; Henry Koehler, «La kasba saadienne de Marrakech d après un plan manuscrit de 585», Hespéris, nº 7, -0 ; Jacques Menié, «Le grand riad du palais du Badî selon le plan publié par Windus», Hespéris, nº 44, 957, p. 9-4 ; Gaston Deverdun, Marrakech des origines a 9, p ; Marianne Barrucand, «La ville royale marocaine du XVI e siècle : Marrakech», Urbanisme princier en islam : Meknès et les villes royales islamiques postmédiévales, p. -.. Georges Marçais, Manuel d art musulman, t. II, p يؤك د دوفردان مستندا إلى إشارة االفراني أن اسم هذا الباب كان "باب المرمر". ولكن االفراني الذي لم يكن يقوم بأكثر من االستشهاد بنص للمقري قد سمح لنفسه بتغيير العبارة من "باب من المرمر" إلى "باب المرمر" وهو ما أوقع 57

161 مستوى شرق-غرب يبلغ طوله ما يقارب ثالثمائة وخمسين مترا قبل االنتهاء إلى مسلك طويل ينتهي مباشرة عند هذا الباب. ويشير تخطيط كبير من الساللم التي تضمن الربط بين مختلف أجنحة القصر. ش ي د البديع على أنفاق متينة تحت األرض وذلك لتيسير تدف ق گوليوس إلى وجود عدد الماء الذي كان ي زو د أكثر من ثالثين نافورة وعشرة برك وحم ام كبير. وكان مجمل البناء ي شرف بصورة طبيعية على فناء كبير مستطيل الشكل يمسح ما يقارب المائة وخمس وثالثين مترا طوال على مائة وعشرة أمتار عرضا وهو ما يجعل المساحة االجمالية تقارب الهكتار والنصف. ويتوسط هذه الرقعة بركة كبيرة طولها تسعون مترا وأربعون سم وعرضها واحد وعشرون مترا وسبعون سم. وفي قلب البركة كانت ترتفع نافورة عظيمة مرب عة الشكل يمكن الوصول إليها عبر مسالك رخامية. ويحيط بهذا الحوض سماطان يتوز عان على أربعة مرب عات تفصل بينها مماش خاصة من الزليج األبيض واألخضر. وكان السماطان مكسو ان باألشجار والزهور خاصة أشجار البرتقال. كما كانت توجد أربعة برك أخرى تحتل األركان األربعة للصحن وتبلغ مساحتها ثالثين 4 مترا طوال وعشرة أمتار عرضا. كان للبديع حسب الفشتالي ما ال يقل عن أربعة وعشرين قب ة أي قاعة كبيرة. ولكن أربعة منها كانت تتمي ز بحجمها الضخم وبوظيفتها الرمزية والسياسية. يرجع اسم قب ة الزجاج التي تقع شرقي القصر إلى سقفها الزجاجي متعد د األلوان. كان هذا الجناح الممتد على مائتين وأربعين مترا مرب عا مجه زا بأربعة أبواب عظيمة تنفتح ثالثة منها على الصحن الكبير ويفتح الباب الرابع على الحدائق الخاصة بالسلطان المستشرق في الخطأ. انظر المقري روضة اآلس ص ,I Gaston de Deverdun, Marrakech,.t.p. 9 الرسم البرتغالي في مكتبة اإلسكوريال الفشتالي مناهل الصفا ص 74. تمت اإلشارة إلى أهم المدارج على هذا الرسم بالحروف الالتينية التالية: k,a.,d g et كان السلطان يستطيع جلب الماء الالزم للقصر عبر الوادي الصناعي المسم ى وادي السلطان. انظر الفشتالي مناهل الصفا ص p.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, ومع ذلك فإن سالدانيا يبالغ في مقاسات البركة العظيمة وذلك عندما يؤك د أنها تمسح خمسمائة قدم على أربعمائة. 4 الفشتالي مناهل الصفا ص مخطط گوليوس Georges Marçais, Manuel d art musulman, t. II, p

162 المسم اة المشتهى وت سم ى اآلن عرصة الجاج أي الزجاج. وكان هذا الجناح من جهة الصحون محاطا بأروقة ذات أعمدة من المرمر ت سم ى البراطل مفردها برطال. كما تم وضع نافورات أمام األبواب الثالثة التي ت طل على الصحن. وفي مركز القب ة المعب د بالمرمر مثل سائر أجنحة القصر الكبرى تقوم نافورة كبيرة مغطاة بالمرمر ذي اللون األخضر الزمردي. وكانت القب ة التي تغطي قاعة الزجاج مصنوعة باألساس من زجاج متعد د األلوان ومن شجر الخالف الممو ه بالذهب. وإذا كانت هذه القبة تقوم على أعمدة من المرمر فإن هيئتها كانت تشبه القاعة المركزية الزيدانيين أو تلك التي للقرويين بفاس. ألضرحة السالطين أما القب ة الخمسينية التي كانت تقع في الجهة المقابلة فقد كانت أهم قاعات القصر. كان للخمسينية التي تقع على مساحة تعادل مثيلتها ثالثة أبواب كبيرة من المقرنس تقابلها ثالث نافورات مرمرية. ويحيط بهذا الجناح رواق كبير من المرمر كذلك. وحسب رواية الفشتالي كان تمثاالن لصقرين يزي نان جانبي الباب الرئيس للقبة. وكان الفضاء الداخلي وهو م بل ط بالمرمر قد ش ي د حول نافورة يحملها أسود مثل تلك التي بقصر الحمراء وعلى جانبي النافورة تم حفر بركتين صغيرتين. وقد تمت تغطية الجزء السفلي من الحائط بالزليج متعد د األلوان وتم فصله عن الجزء العلوى المغطى بالجص المنحوت بشريط من المرمر األبيض المرق ش بالمرمر األسود وقد أمر السلطان بأن ي كتب عليه أبيات شعرية نظمها الفشتالي في مدحه. كانت قب ة هذه القاعة التي ال تقوم على أية أعمدة مصنوعة من خشب األرز المطع م بالذهب اعتمادا على تقنية م ن قار وم ي جم المتمثلة في استعمال مطرقة و بيز ر من خشب. وفي الجانب الشمالي من القصر ترتفع قبة النصر وال تزال جدرانها الخارجية موجودة إلى اآلن. كان بابها الرئيس المقو ى برواق من األعمدة يطل على البركة. ويكاد هذا الفضاء أن يكون مطابقا للقاعتين األخريين. ففي أرضيتها نجد المرمر ونجد الزليج والجص على الجدران التي يفصل بينها شريط من المرمر تم ترصيعه بأبيات المقري نفح الطيب ج 0 ص 44. أنظر نفسه ص يجب اإلشارة إلى أن هياكل هذه القبة مازالت موجودة إلى اآلن. 59

163 للفشتالي. ومع ذلك فقد كانت قبة هذه القاعة تشكل طابعها المميز. فقد تم نحت قبتها المقرنسة من خشب األبنوس ومن العاج وتم تلوينها باألصفر واألخضر واألبيض. وال شك في أن هذه القاعة وتوابعه كانت تضم جزءا من اإلدارة السلطانية. يذكر الفشتالي فقد كان يوجد في قبة النصر وتوابعها وحسب ما "محاريب وتماثيل ومفاخر وخزائن ومساجد ومخازن ومغابن ومنافس". ونحن نعتقد أيضا أن الديوان واألرشيف السلطاني ومصالح الترجمة وفك الرموز والمكتبة كانت كل ها توجد في هذه الجهة من القصر. وترتفع قبالة قب ة النصر قب ة التيجان التي كان لها نفس الخصائص الفنية. االختالف الوحيد يقع مرة أخرى في زينة القبة. وكان ذلك أن القب ة المقرنسة التي تعلو القاعة كان ي زينها منمنمات ق د ت باألحجار الكريمة والذهب. وكانت هذه القب ة تض م هي األخرى مكتبة الشك أنها كانت مخص صة لالستعمال الشخصي للسلطان وتضم أيضا مسجدا صغيرا ومحرابا ومخازن. وي ظهر مخطط گوليوس ]Golius[ ]Matham[ هذه القبة باعتبارها مكان إقامة النساء أي الحريم. ورشمة ماتام ولكن األجنحة المخصصة للزوجات والمحظيات كانت توجد على عهد المنصور وراء قبة التيجان وليس داخلها بالمعنى الدقيق للكلمة. و في الجهة الشرقية من قبة التيجان بنى السلطان إقامة صيفية ذكر الفشتالي والمقري أنها ت سم ى القب ة الخضراء. وهو ما يذك رنا بالقباب الخضراء التي كانت في قصور خلفاء دمشق وبغداد. ومرة أخرى يبدو هاجس الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص 7. يذكر الفشتالي وسالدانيا أن المنصور أمر بحفر وادي اصطناعي يمد البركة العظيمة التي كان عبد اهلل الغالب قد بناها أو رم مها في جنوب حديقة المسرة وباقي القصر. وكان السلطان الشريف يسبح في هذه البركة صيفا ويركب فيها فلكا وضع تحت تصر فه. كما تم زراعة أنواع مختلفة من األشجار مثل النخل والعنب والبرتقال وغيرها. وكان يعتني بالحديقة في األغلب أسرى نصارى. ويذكر المقري أن هذه الحديقة كانت تحتوي على 8066 شجرة برتقال. وقد تم تأكيد هذا الرقم من طرف الدبلوماسي الهولندي أندري ماتام Matham[.]Andrei وبعد مضي سنوات على وفاة السلطان الشريف زار التاجر الفرنسي توماس لوجندر Gendre[ ]Thomas le هذه الحديقة وأعطانا الوصف التالي: "من هذه الجبال ]األطلس[ تنحدر الكثير من األودية ذات المياه الصافية والعذبة. وهي تأتي أساسا لسقي حديقة ت سمى المسرة الصغرى قبل أن تصب في بحيرة فائقة الجمال مساحتها ألف قدم مربع. وبعد ذلك تذهب المياه إلى حديقة عظيمة تسمى المسر ة وهي مآلى بصنوف شجر البرتقال والليمون والنخل والزيتون واللوز والتين والرمان التي تمتزج بشجيرات من الياسمين وغيرها من الزهور العبقة". انظر مناهل الصفا ص 0-0 المقري روضة اآلس ص 7 Antonio Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p. 45 de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 80 et France, t. III, p ; Pays-Bas, t. IV, p

164 االنخراط في التاريخ العريق للخالفة اإلسالمية جلي ا. ولم تكن هذه القب ة التي هي نسخة مصغرة من القبة الخمسينية إال مركز المجمع سكني كان جناحاه األكثر أهمية هما الدار البيضاء والدار الحمراء. وكان في هذه األجنحة عدد كبير من النافورات والبرك وكان له إطاللة على حديقة النهر التي كانت المصادر االوروبية في القرن السابع عشر ت سم يها المسر ة الصغرى وإطاللة على حديقة المسر ة الكبرى الوصول إليها عبر باب النهر. مخطط قصر البديع التي كان يمكن النافورة العظيمة 4 السماطان 86 بركة 88 حديقة المشتهى 8 حديقة المسر ة 8 المصري ة 8 قبة الزجاج قبة النصر قبة الخمسينية 4 قبة التيجان 7 القبة الخضراء 0 الحريم 5 البركة العظيمة Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 80 etp. 84. الفشتالي مناهل الصفا ص 0. 6

165 كان الحريم السلطاني يقع بين قبة التيجان والقبة الخضراء. المنصور قد بنى هذا الحريم الجديد سنة. 87 ويؤكد دي سالدانيا أن وهو ما يعني أن أعمال البناء استمرت عامين وذلك ألن هذا الجناح يبدو كامال في الرسم البرتغالي لسنة.877 وكانت إقامة الحريم الممنوعة على الرجال والمحروسة جيدا مكو نة من بناءين من طابقين في كل منهما لكننا ال نعرف شيئا عن توزيعهما وزينتهما. ورغم ذلك فإننا نعرف أن عدد الخادمات الالتي يشتغلن في الحريم يتجاوز األلف خادمة. ولكي يضمن رفاهية نسائه بنى السلطان داخل إقامة الحريم حم اما له أربعة أبواب ويقوم 4 على خمسين عمود. مختلف البرك في الحمام السلطاني. وكانت هناك قناتان تحمالن الماء الساخن والماء البارد إلى ي ظهر الرسم البرتغالي المحفوظ باإلسكوريال أبراجا على شكل أهرامات مبتورة في جوانب البديع األربعة. ولم تكن هذه األهرامات المبتورة غير سقوف الم صريات أو الحجرات العليا المخصصة للسلطان الشريف التي ذكرها الفشتالي وأك دها مخطط گوليوس. ويبدو أن المصريتين اللتين ترتفعان في الشمال الشرقي وفي الجنوب الشرقي كانتا أكثر أهمية وجماال من المصريتين األخريين. يستطيع التطل ع من المصرية الواقعة في الجنوب الشرقي وبينما كان السلطان والتي انتهت أشغالها سنة 875 الى حديقة المسرة الكبرى وجزء كبير من ضاحية مراكش حتى جبال األطلس كان يستطيع انطالقا من المصرية الواقعة في الشمال الشرقي أن ي سر ح بصره في 5 جمال حديقة المشتهى وأن ي شرف على جزء معتبر من المدينة الحمراء. كان قصر البديع إذن تعبيرا مكتمال عن المخيال الخليفي للمنصور أكثر منه أداة للحكم أو الظهور. ويعكس هذا القصر بهندسته وتنظيمه وأسماء مختلف مبانيه محاولة الفشتالي مناهل الصفا ص 74. يتم اإلشارة إلى الحمام بحرف "o" في مخطط گوليوس. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 84. الفشتالي مناهل الصفا ص المقري روضة اآلس ص نفسه ص بعد عودة السفير التمگروتي من اسطنبول سنة 8748 استدعاه السلطان بمناسبة االحتفال بالمولد النبوي. وقد ترك لنا السفير وصفا للبديع تغلب عليه الشاعرية ولكنه صادق في مالمحه العامة. انظر التمگروتي النفحة المسكية ص

166 السلطان الشريف الظهور بمظهر أحد كبار العالم المتوس طي وحامي اإلسالم كما يفصح عن دوره في استمرارية خالفة الغرب االسالمي في مواجهة الهيمنة العثمانية. وبعيدا عن داء الشعور بالعظمة كان بناء البديع مندرجا في استراتيجية تهدف إلى تمتين السلطة الشريفية وإضفاء القداسة عليها وضمان ديمومتها. المحلة: المعسكر الطائر كنا قد ذكرنا في الفصل السابق من فترة كبيرة من السنة خارج الحواضر هذه الدراسة أن وذلك في إطار "خليفية" سالطين المغرب كانوا يقضون الحركة التي تعني على وجه الخصوص حملة عسكرية ولكنها تعني أيضا فترة يقضي العاهل فيها وطرا من متعه كالصيد واالستجمام الخ. وكنا قد أشرنا أيضا إلى أن الحركات السلطانية كانت تتجسد في المحل ة أو المخي م الذي كان ضربا من مدينة متنق لة مركزها األفراگ. وعلى غرار الد و ار أي حي البدو الر حل وأشباه الرحل كانت المحلة ذات شكل دائري. كان الفسطاط السلطاني محاطا بخيام األمراء واألعيان والمصالح اإلدارية والخدم الذين كانوا ي شك لون درعا واقيا حول األفراگ السلطان. وخارج المخيم يلي ذلك مختلف الوحدات التي ترافق بالمعنى الدقيق للكلمة كان الباعة المتجو لون يستقر ون ويتبعون حركة المحل ة أن ى اتجهت. وكان الدور األساسي لهذه المؤس سة السلطانية منذ تثبيتها بشكل نهائي على يد المرينيين دور ا عسكري ا بالمعنى الذي يخرج فيه السالطين في حمالت إلنهاء تمر د بعض القبائل ورد ها عن غي ها أو استعراض القو ة لحمل بعد أن ثب ت سياسته التوسعية ابتداء من سنة 8746 قر ر السلطان أحمد المنصور أن ي شي د مدينة فخمة كتلك المدن الملوكية التي بناها قديما األمويون والعباسيون والفاطميون وغيرهم. بل إن ه قد اختار الجانب الجنوبي من حديقة المسر ة إلتمام البناء. وكان يريد أن يبني في الجنوب الشرقي من القب ة الخضراء جناحا لالستقبال أكبر وأكثر فخامة حيث يتجاوز طوله تسعة وستين مترا وذلك ب غية استقبال الضيوف واقامة المناسبات الرسمية. كما كان السلطان الشريف يرغب في تشييد مسجد عظيم في الجهة الشمالية من سور القصبة. وقد بدأت األشغال فعليا سنة 874. ولكن تمر د الناصر وظهور الطاعون أجبرا السلطان على وقف األشغال. وبعد وفاته خرب المسجد الذي كان يحمل مبدئيا اسم جامع الهناء وتم إعادة تسميته من طرف السكان بجامع الفناء النتشار الموت في مراكش بسبب األوبئة والحروب. انظر الفشتالي مناهل الصفا ص 0 المقري روضة اآلس ص 8- p. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, 84 السعدي تاريخ السودان ص 67. فيما يخص رمزية هذه المؤسسة وتاريخها انظر حليمة فرحات وعبد األحد السبتي المدينة في العصر الوسيط: قضايا ووثائق من تاريخ الغرب اإلسالمي ص 54-5 ابراهيم جدله "المحل ة في العهد الحفصي" الكراسات التونسية 8447 ج 4 ر ص 46-5 EI, t. V, p. ; Jocelyne Dakhlia, «Dans la mouvance du prince : la symbolique du pouvoir itinérant au Maghreb», Annales, vol. 4, nº, 988,

167 الرعايا على الطاعة لولي األمر. وبعد أن أصبحت أداة للحكم ذات فاعلية واضحة حافظ أواخر السالطين المرينيين ومن بعدهم الوطاسيون على المحل ة وهو ما يشهد عليه الحسن الوزان. ومن جهتهم ي عد لوا فيها شيئا. قام الزيدانيون باستعمال هذه المؤس سة في القرن السادس عشر دون أن وقد بلغ استقرار المؤسسة حد ا جعل مرمول ال يقوم بغير استعادة الوصف الذي قام به الحسن الوزان قبله بعقود طويلة. ومع ذلك مد نا األسير اإلسباني بجزئية على غاية من األهمية. فقد الحظ أن السلطان الشريف عبد اهلل الغالب "كان قليل التنق ل إذ كان يقيم ثالثة أو أربعة أشهر في قصره إم ا بفاس أو بمراكش فال يظهر إال في الجمعة عند الذهاب إلى المسجد وهو أمر لم يكن ثابتا. فكان السلطان يقوم على شؤونه بتوس ط أبنائه أو قو اده م عطيا أوامره جميعها من القصر كلما كان م هاب ا. وبما أن كل ما يعود إلى رعاياه هو م ل ك ا له احتجاج كما كان دأب الناس فيما مضى". كانت كل ضريبة يفرضها ت دفع دون تململ أو إن هذه المالحظة مهمة في شأن التطو رات الالحقة في وظيفة المحل ة. فمن خالل هذا المثال نقف على تطو ر في إدارة نحو ضرب من مركزة السلطة. "الدولة" ذلك أن األمور كانت تسير على األرجح لم يعد السلطان محتاجا للقيام بالحركة بنفسه إلعادة النظام أو إلزام خصم بالطاعة. فقد صار أكثر استقرارا وأصبح ملكه أكثر تجريدا شيئا فشيئا بالمعنى الذي لم يعد فيه الحضور الجسدي ضروري ا لضمان النظام. وآية ذلك أن ه طوال فترة حكمه التي امتد ت على سبعة عشر سنة لم يضطر عبد اهلل الغالب إلى الخروج في حملة إال مر ة واحدة وذلك للتصدي لهجمة عثمانية خالل سنة حكمه األولى. وهو ما يسمح لنا بأن نفترض أن السلطان كان يستعمل المحل ة بوصفها فقط أداة للتفاخر وإبراز أب هة الم ل ك. Léon l Africain, Description, t. I, p Marmol, L Afrique, t. II, p. 90. الجنابي البحر الزخ ار ص 40 اإلفراني نزهة ; 458 p. Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. II,.الحادي ص 76 64

168 خالل حرب التوريث التي تواجه فيها محمد المتوكل وعبد الملك المعتصم استعادت مؤس سة المحل ة دورها العسكري كما في الماضي دون أن تفقد قيمتها الرمزية باعتبارها شارة للسيادة. معركة الر كن سنة 8750 وعلى سبيل المثال فقد اعتبر عبد الملك بعد انتصاره في أن االستيالء على محل ة خصمه كانت أهم من مطاردته. وقد كان على عبد الملك بعد أشهر معدودة أن يخرج في حملة كانت هذه المر ة لمواجهة الخطر البرتغالي. وبحكم وجوده في مراكش عند اإلنزال الذي قامت به القوات البرتغالية بأصيلة انتقل السلطان الشريف نحو منطقة وادي المخازن بسرع ة شبه خرافية جعلت بعض الكتاب االوروبيين ي سم ون محلته ب"المعسكر الطائر". وبعد تول يه الحكم حافظ السلطان الشريف أحمد المنصور على استعمال المحل ة رغم أنه لم يخرج في حملة عسكرية إال مر تين االولى سنة 876 والثانية سنة 806 وذلك خالل مدة حكمه المديد الذي استمر خمسة وعشرين عاما. إحدى األدوات الممي زة لنشر عقيدة المنصور الخليفية. فأصبحت المحل ة بذلك وقد كان هذا األخير يستغل المساحات الشاسعة المحيطة بالمعسكر الطائر قصد تنظيم مواكب ومراسم مهيبة وفخمة بمناسبة األعياد الدينية وذلك قبل خروجه وبعد كل عودة إلى حاضرة ملكه. وكانت "طقوس الدولة" تلك تجمع اآلالف من األشخاص المنتمين إلى مختلف أرجاء السلطنة بل اآلتين من خارجها. وفضال عن دورها في نشر صورة ت ظهر حكما قوي ا ذا مطامح إمبراطورية فقد فرضت مؤس سة المحل ة نفسها باعتبارها د ي د نا ]habitus[ مخزني ا ونمطا في الحكم وذلك الحتياج الناس أن يشعروا بالوجود المادي للسلطان الذي كان ي عد رغم كل شيء مثل األب. وحاصل القول إن عرض المحل ة كان يضع على الر كح االتصال المباشر بين السلطان ورعاياه. فلم تعد وظيفة المحلة قمعية فقط بل وقائية وإدماجية كذلك. ومن دون أن نخوض في الوظيفة الرمزية لهذه المؤسسة فإن نا سنتناول المراسم التي كانت تقام أثناء التنقالت الرسمية للمنصور. Henri de Castries, SIHM, France, t. I, p. 46. مجهول تاريخ الدولة السعدية ص

169 كان السلطان خالل االحتفاالت بعيدي الفطر واألضحى يخرج في موكب من مدينة مراكش وي عسكر في وادي أغمات أو على ضفاف وادي تانسيفت على مسافة كيلومترين من المدينة الحمراء. وكان موالي أحمد أثناء إقامته في فاس يجعل محلته في رأس الماء أو في ظهر الزاوية. وكان السلطان مصحوبا في كل إقاماته خارج األسوار بما يقارب ستة عشر ألف راجل وما بين خمسة عشر وست ة عشر ألف فارس ولكن علينا أن نضيف إليهم كتائب قبائل المخزن المسم اة عرب الدولة وقد كان عددهم 4 يبلغ تسعة وعشرون ألف فارس. كان األعيان وعامة الناس يجتمعون في يوم المواكب الكبيرة وذلك على جانبي جادة عريضة قد تمت تهيئتها خصيصا ليستطيع الناس مشاهدة الموكب السلطاني. وحسب أنطونيو دي سالدانيا كان أحد أبناء السلطان يشق قبائل المخزن على ظهر جواده متبوعا ببعض الخدم. وكان األمير ي لقي التحية على كل قبيلة لترد عليه بدعاء " هللا 5 ي نصر سيدنا". بعد اطالق ثالثة طلقات مدفعية تعلن وصول السلطان تلتحق قبائل المخزن بموضعها بين الجمهور تاركة مكانها للموكب السلطاني. وكان هذا الموكب متكو نا التحديد من أهم كتائب القوات النظامية المسماة عساكر النار او على وجه االنكشارية والحرس السلطاني المسمى الداخلة كلهم يرتدون مالبس االستعراض. وفي المجموع كان هناك 6 أربعة آالف فارس وستة عشر ألف من المشاة. كانت كل كتيبة تنقسم إلى فريقين يفصل بينهما مسلك صغير. وعلى رأس كل كتيبة كان هناك قائد ترفع على رأسه رايات محاطا بمساعديه وكانوا جميعا على ظهور الخيل. كان هؤالء المساعدون الذين ي سم ون ب ل كباشي يفصلون بين مختلف الكتائب. الفشتالي مناهل الصفا ص 06 الفشتالي مناهل الصفا ص 04 وص الشهاب الحجري ناصر الدين ص الفشتالي مناهل الصفا ص 88 وص 6. وص 0 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 56. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p

170 وتبعا لتقليد راسخ كان نظام العرض كاآلتي: يفتح فريقان من كتيبة سوس العرض يتبعهما مباشرة فريقين من شراگة ثم تأتي بعد ذلك الكتيبتان األكثر أهمية في الجيش السلطاني وهما جيش األندلسي وجيش العلوج. وبحكم اشتراكهما في نفس القيمة في التراتبية العسكرية فقد كانت هاتان الكتيبتان تسيران جنبا إلى جنب. للعلوج حسب ما يذكر الفشتالي امتياز السير على التي تربطهم بالسلطان. ميمنة باقي األفواج وميسرتها. ومع ذلك كان يمين الموكب بفضل عالقة الوالء وكانت وحدتان من الصبايحية تسيران متأخرتين قليال على كان استعراض قوات النخبة في الجيش الشريف يفتح الطريق أمام الموكب السلطاني بالمعنى الدقيق للكلمة. والسوالق واللبردروش. وكان الموكب مكو نا من فرق "الداخلة" السلطانية وهم الب ياك كان البياك ي شك لون هالال خلف السلطان وكانوا على الجياد ويحملون رماحا يبلغ طولها حسب مرمول أربعة أمتار وثمانين سم المظلة السلطانية منهم. وكان الس والق يحيطون من الجانبين بالبياك. أنفسهم مؤط رين من الجانبين باللبردروش وهم يحملون مطارد. وكان حامل وكان هؤالء وكان يقود الجنائب أي خيل دون راكب عم ال مختصون ي سم ون السر اجة وتوضع جنبا إلى جنب في الفضاءات التي تفصل بين مختلف أفواج الحرس السلطاني. ومباشرة خلف السلطان كان يرف اللواء المنصور متبوعا بالعديد من األعالم التي كان أغلبها أحمر اللون. وكما ذكرنا سابقا كانت ترافق موكب السلطان العديد من آالت الموسيقى. فأمام الموكب كان يوجد طب ال يحمل الطبل الكبير الذي ي علن وصول السلطان وخلف هذا األخير كان يوجد عازفو الغيطات والمزامير. وبعد مرور الموكب السلطاني كانت الجياد والبغال والجمال المسرجة بإتقان والتي تحمل على وجه الترجيح أغراض 4 السلطان وأمتعته هو وحاشيته تقوم بختم االستعراض اظهارا لقوته وثرائه. Marmol, L Afrique, t. II, p. 8. نفسه ص 6. الفشتالي مناهل الصفا ص 6. 4 نفسه ص

171 وعندما ال يكون السلطان في مركز هذا الموكب كان ي نظ م قبل كل خروج للمحل ة سواء أكان ذلك في مراكش أو في فاس استعراضا عسكريا لقواته وذلك حسب نفس الرسم الذي وصفنا أعاله وكان ي شرف عليه من مكان مرتفع وهو ال يفارق مظلته وقد أحاط به لواءه األبيض العظيم. وكان عامة الناس يستطيعون مشاهدته هكذا من زاوية أخرى. وتجدر اإلشارة إلى أن أحمد المنصور وعلى خالف باقي السالطين المسلمين لم يكن يصطحب أي ا من وجهاء المخزن في موكبه. ويمكن تفسير ذلك بأن السلطان كان يريد أن يبدو في صورة المركز األوحد للسلطة والنقطة الوحيدة التي يجب أن تشرئب إليها كل األعناق. وعلى الرغم من أن الفشتالي يؤك د أن مواله كان هو من اخترع هذه المراسم فذلك بعيد عن الصحة إذ لم يقم المنصور إال بإحياء بعض الممارسات وتكييف أخرى كانت معروفة على عهد العباسيين وأمويي األندلس والفاطميين والموح دين ومن بعدهم عند المرينيين. كما أنه استلهم بعض الممارسات العثمانية من خالل أخيه عبد الملك. تكمن حصافة السلطان الشريف وأصالة عمله في استفادته من التجارب السابقة لوضع توليفة مراسمية تستوعب عقيدته الخليفية بكل ما تحمل من معاني القداسة والمركزية لتستوعبها الرعية. نفسه ص 44. نفسه ص

172 الموكب السلطاني 69

173 قبل مغادرته مراكش كان السلطان ينزل بمحلته في باب أغمات ويمكث عد ة أيام إلى أن يكتمل الجيش ويفرغ من المسائل اللوجستية. وإذا كانت المحلة تقصد فاس كانت تسلك طريقا معلوما وتتوق ف في أماكن محددة ت سم ى النازالت ومفردها نازلة. كانت المحلة تنتقل إلى وادي السد ثم إلى وادي الك رار قبل أن تصل إلى تادلة حيث ي ستقبل السلطان في موكب عظيم من لدن الوالي وهو أحد أبنائه. وقد كان الوالي أثناء رحلتيه سنة 878 و 87 هو موالي علي وكان الوالي أثناء رحلته سنة 806 هو موالي زيدان. كانت المحلة السلطانية تنزل على ضفاف وادي أم الربيع في نازلة حو اتة. وبعد استراحة أسبوع كان الموكب يعبر النهر. وإذا كان معد ل الماء مرتفعا كان البياك يسارعون إلى اإلحاطة بالسلطان وي غط ون رجليه بمالبسهم كي ال تبتال. وبوصولهم إلى الضفة األخرى يكون في استقبال السلطان ومن معه أعيان واليات الشمال. ويقع بالمناسبة تنظيم احتفاالت تستمر ثالثة أيام قبل أن يواصل الموكب طريقه إلى فاس مرورا بأبي الخمائر وعين أغبال فمكناس. وعند بلوغه فاس يستقبله ابنه محمد الشيخ المأمون في رأس الماء حيث ينزل بمحل ته عندها ت طلق مدافع المدينة ثالث طلقات إلعالم الناس بالخبر السعيد. وكان يتم تنظيم الل عب بالبارود [التبوريدة بالعامية] ترافقه صيحات وهتافات. وقد كان من الشائع في البالط الشريف تنظيم اللعب بالبارود قصد اإلعالم بخبر سار أو قصد التسلية أثناء االحتفاالت الدينية. وفي األخير كان يسبق الدخول الرسمي للسلطان إلى المدينة تنظيم استعراض للجيش المرافق له. كانت عودة السلطان تتم بنفس الطريقة تقريبا. السلطان ي عسكر في رأس الزاوية. وعوض أن ينزل برأس الماء كان وكان موالي أحمد ي نظ م في الفسطاط العربي من قصره المتحر ك سردا لصحيح البخاري وهو محاط بعلماء البالد قبل أن يأخذ طريق العودة. وعند وصوله إلى مراكش كان السلطان ي ستقبل بنفس الطريقة من لدن ابنه موالي أبي فارس. وبعد طلقات الترحيب واستعراض الجند كان األمير يترج ل Marmol, L Afrique, t. II, p. 88. الفشتالي مناهل الصفا ص 07-0 وص p. 6.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, 70

174 وينحني أمام أبيه قبل أن ي قب ل قدمه. ثم ي ردفه خلفه ليت جه إلى المحلة مرة أخرى. وكان السلطان يقب له على جبينه تعبيرا عن عطفه وكان المنصور يستدعي ليلة عيد الفطر أعيان البالط خاصة منهم العلماء والصوفية لحضور حفل ديني. ذلك أنه بعد شهر من السرد لصحيح البخاري والمذاكرات الدينية التي تنظ م حوله كان الذهبي يختم هذه الدورة الدينية بأدعية وصلوات. وكان يشكر جميع األعيان بإعطائهم هدايا قي مة ومبالغ كبيرة من المال. كما كان يخلع عليهم خاصة على قاضي الجماعة في مراكش الذي كان يلبس هذه الخ لعة من الغد وهو يلقي خطبة العيد. وكانت الخ لع ت وز ع بعد كل االحتفاالت الدينية الكبيرة وعند البشارة بأخبار 4 سار ة. ومن الغد كان السلطان يخرج في موكب حاشد من المدينة أو من المحل ة وذلك إلمامة الصالة في مكان رحب يستطيع أن يجمع اآلالف من المصلين الذين يرافقونه. وبعد انقضاء الصالة كانت ت نظم ألعاب البارود واستعراضات وت طلق قذائف من المدافع. وبعد ذلك كان السلطان يعود إلى قصره أو إلى األفراگ حيث يقيم مأدبة 5 لألعيان المدنيين والعسكريين والدينيين وزعماء القبائل. وكان االحتفال بعيد االضحى يجري على نفس الشاكلة تقريبا غير أن ه كان على السلطان أن ينحر أضحيته بنفسه. وبعد الفراغ من هذه الشعيرة كان يتم لف الكبش في قماش وي رسل على جناح 6 السرعة إلى القصر السلطاني كي تقوم النساء واألطفال بمشاهدة األضحية. 7 هذه االحتفاالت تستمر ثالثة أيام وذلك طبقا لعرف محل ي راسخ. وكانت نفسه ص ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 4. الفشتالي مناهل الصفا ص 4. 4 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 00 et p. 4.. التمگروتي النفحة المسكية ص ; 6 p. 5 Ibid., 6 Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p يمكن التنبيه إلى أمر ليس باله ام ولكنه ي ؤك د مرة أخرى الميول الكالسيكية للسلطان الشريف. فقد أورد االسير البرتغالي سالدانيا أن موالي أحمد كان في فصل الصيف يأمر بأن ي حمل إليه ثلج من جبال مراكش لتبريد الماء والفواكه. ومن المؤكد أنه بفعله هذا كان يسعى إلى تقليد الخليفة العباسي المهدي ]54-557[ الذي كانت ت حمل إليه أثناء موسم الحج في مكة قوالب من الثلج من منطقة الجبال بفارس كي ي بر د الماء. انظر Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 0. 7

175 قواعد مخاطبة السلطان إن ألقاب أحمد المنصور بالصيغ التي نراها في التواريخ الرسمية والمراسالت السلطانية ورسوم التحبيس وعلى السك ة تعكس جيدا مطامحه الخليفية. فقد اعتمد السلطان الشريف مثلما أشرنا إلى ذلك سابقا ما يسمى ألقاب الخالفة أو ألقابا سلطانية مستوحاة من العصر الذهبي لإلسالم. فقد كان المنصور في نفس الوقت اإلمام وإمام المسلمين والخليفة وخليفة رسول اهلل وخليفة اهلل وأمير المؤمنين والسلطان والملك. وكان ي سم ى أيضا في بعض الوثائق الرسمية كهف اإلسالم وظل اهلل في األنام والحضرة النبوية والمقام النبوي وغير ذلك دون أن ننسى اللقبين األثيرين عند السلطان وهما المنصور باهلل والمجاهد في سبيل اهلل. ورغم ما تورثه في النفوس من عظمة وتبجيل وخشية فإن األلقاب السلطانية كانت تنشد التركيز أكثر ما يمكن على العالقات المميزة التي تربط السلطان الشريف باهلل. يضع أمام العملة. اسمه ومن آيات ذلك أن السلطان كان لبيان تواضعه أمام اهلل صفة عبد وذلك في الوثائق الرسمية وعلى وفي بعض النصوص تقع اإلشارة إلى السلطان الشريف بلقب المخدوم وهو اللقب الذي استعملته من قبل المريني ون والن صريون المستعمل منذ القرن العاشر للحديث عن الخليفة العباسي. وهو يحيل أيضا إلى لقب الخ دمة وكان هذا المصطلح مثلما أشار إلى ذلك جيدا دومينيك سورديل فيما يخص الخليفة العباسي يستدعي فكرة المنصب الذي يجب أن يطاع وي خد م. لقبان آخران است عمال لتعيين السلطان وهما موالي وموالنا وسي دنا. موالي يسبق اسم كل شخص يد عي االنحدار من ساللة النبي وإذا كان لقب بما في ذلك السلطان نفسه فإن لقب موالنا كان مصروفا للسلطان وللبعض من كبار األمراء دون سواهم. ابن القاضي در ة الحجال ج ص 84 ص 74 ص 7. Dominique Sourdel, «Questions de cérémonial abbaside», Revue des études islamiques, nº 8 :, 960, p كان لألمراء كذلك لقب مشرقي األصل هو "بابا" أي الشيخ. ففي العالمين التركي والمغولي كان هذا اللقب يعكس التبجيل الذي يجب أن يكون للشيوخ والزعماء واألمراء وبعض المتصوفة. 7

176 وعلى خالف ذلك فإن لقب سي دنا أو س يد نا في اللهجة المغربية كان للسلطان دون 7 غيره. إن استعمال كلمتي موالنا وسيدنا يستدعي بعض المالحظات. لفظ فإذا كان م والي ي ستعمل لتعيين األشراف وأفراد األسرة السلطانية فإن لفظ س ي دي كان ي ستعمل لتعيين الوجهاء الدينيين في البالد وخاصة منهم العلماء والصلحاء. وباستحواذه على هذين اللقبين اللذين كانا في نفس الوقت عالمة تمييز وإجالل ورمز جلي النتساب روحي وبدني إلى النبي وبتعويض نون النسبة إلى المتكلم الجمع بدل ياء النسبة إلى المتكلم المفرد كان السلطان يفرض نفسه باعتباره المحتكر للميراث النبوي والزعيم الدنيوي والروحي لألم ة. رغم أننا ال نمتلك أية معلومة مباشرة عن صيغ التحية المستعملة من الحاشية واألعيان في مخاطبة السلطان الشريف يبدو أن هذه الصيغ كانت تشبه تلك المستعملة في اإلسالم الوسيط. فمن المرجح أن ه كان على الزائر عند الدخول إلى السلطان أن يقول: "السالم عليكم يا أمير المؤمنين". وعلى ضوء التحيات السابقة نستطيع أن نفترض أنه عند مرور السلطان كان ي سل م عليه بعبارات عامية مستوحاة من نماذج فصيحة مثل "اهلل يبارك فعمر سيدي" و"اهلل ينصر سيدي". كما نستطيع أن نفترض أن صيغة "نعم سيدي أعز ك اهلل" وكل خطاب يقرأ باسم السلطان. كانت تسبق كل جملة ت وج ه للسلطان وكل قراءة لرسالة سلطانية وإلى جانب صيغ التحية التعبيرية كانت توجد أيضا صيغ للتحية حركية وهي صيغ تذكرها مصادرنا بدق ة متفاوتة. ونجد أيضا نوعا من التشابه بين النظام الحركي المغربي وذاك الذي عرفه إسالم العصر الذهبي بالصورة التي وصفها ماريوس كانار ودومينيك سورديل في ما يخص المراسم الفاطمية والعباسية. وكان نمط التحية يختلف تبعا للمكانة االجتماعية للشخص الذي يقوم بتحية السلطان. فبالنسبة إلى األمراء واألعيان المدنيين والعسكريين في البالط كان الشكل الحركي للتحية هو التالي: عندما يكون المتوج ه بالتحية على جواده أثناء موكب رسمي كان عليه أن يترج ل وأن يتقد م نحو السلطان وأن ينحني عد ة الحس اني ديوان قبائل سوس ص 8. مر ات أمامه وي قب ل األرض بين يديه ثم يستوي واقفا

177 على مهل وي قب ل قدميه أو ركبتيه أو حتى ركاب جواده. السلطان نحو المسل م قليال. وللتعبير عن سروره يتقدم وإذا كان من ي لقي التحية هو أحد أبنائه كان السلطان الشريف ي قب له على جبينه وي ردفه خلفه إذا كان راكبا. وبينما كان العلماء وكبار الشخصيات الدينية يكتفون بتقبيل يد السلطان أثناء الحفالت الكبرى وذلك باالنحناء قليال لم يكن ي سمح لألعيان المدنيين والعسكريين من ذوي األصول النصرانية إال بتقبيل ركبته. كما ت قب ل الظهائر السلطانية الموج هة للعامة قبل تالوتها وكان عملية التالوة تلك الصيغة الثابتة أال وهي يسبق "نعم سيدي أعز ك اهلل". وكان على الزائر عند دخوله قاعة استقبال السلطان أن يخلع نعليه مثلما يفعل عند دخول المسجد إظهارا لقدسية وطهارة المكان وأن يتقد م وهو منحني صوب الفرش السلطاني. وهناك يتوق ف وي لقي التحية على السلطان مقب ال يده أو قدمه. 4 يخرج وهو يمشي القهقرى دون أن يدير ظهره أبدا للسلطان. استقبال السفراء كان وفي نهاية اللقاء كان على الزائر أن أحمد المنصور نشيطا جدا على الصعيد الدولي خالل فترة حكمه فاستقبل العديد من السفراء القادمين من إسبانيا والدولة العثمانية وانگلترا وفرنسا وهوالندا وبورنو والسودان ودول أخرى. دقيقة. وكان االستقبال المخص ص لهؤالء السفراء يخضع لمراسم فعندما يقدم السفراء عبر البحر كان يقع استقبالهم وتول ي شؤونهم في مرسى اسفي أو على أبواب ثغر مازاگان المحتل ]الجديدة حاليا[ وذلك بالنسبة إلى المبعوثين 5 األوروبيين وفي تطوان بالنسبة إلى المبعوثين العثمانيين. وكان العثمانيون يستطيعون دخول المغرب عبر البر. وفي هذه الحالة كان من المؤك د أنهم ي ستقبلون رسميا في الفشتالي مناهل الصفا ص 74 وص 06 وص Almançor, Antonio de Saldanha, Crónica de.p. 6 Antonio de Saldanha, Crónica de Almancor, p. 00 et p. 6. الفشتالي مناهل الصفا ص 6. 4 Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 5. ا لفشتالي مناهل الصفا ص 76 التمگروتي النفحة ; 4 p. 5 Henri de Castries, SIHM, France, t. II,.المسكية ص 59-5 ص

178 وما تازة. ومن المرج ح أن السفراء السودانيين كانوا ي ستقبلون في ل ك تاوة أو في سجلماس ة. ان يصل السفراء حتى تتم المسارعة بإرسال كتاب إلى السلطان أينما كان. وفي انتظار الرد كان السفراء يعاملون ببالغ اإلكرام ويتم تنظيم احتفاالت عديدة على شرفهم. ولكي ي عب ر عن تقديره لمكانتهم كان السلطان ي رسل إليهم جيادا من اصطبله الشخصي ودواب لحمل أمتعتهم. وكان السفراء بعد ذلك يلتحقون بمكان إقامة السلطان. وإذا كان السلطان في حركة كانت ت نصب لهم الخيام قريبا من األفراگ. أم ا إذا كان في الحاضرة فكان يتم إنزال السفراء المسلمين في منزل جميل من منازل القصبة بينما كان السفراء النصارى ي نزلون في الحومة اليهودية المسم اة المال ح. وأثناء إقامتهم بالمغرب يتولى المخزن نفقات هؤالء السفراء وكانوا ي ستقبلون مرات عديدة من لدن السلطان األمر الذي يسمح بإقامة مراسم رسمية. الستقبال سفارتين إحداهما اسبانية واألخرى من إمارة بورنو. وقد وصلنا وصف وقد تم تأكيد الجزئيات الواردة في هذين الوصفين عبر معلومات متناثرة هنا وهناك في مصادرنا العربية واالوروبية. وصلت سفارة إسبانية يقودها والي مليلية بدرو فانيگاس دي كوردوبا ]PedroVanegas de Cordoba[ إلى اسفي في.8754 يونيو 88 وعند اطالعه على خبر وصولها وخطورة مهم تها أرسل الوالي إليها عد ة زوارق ومركبا شراعيا مجهزا جيدا للسفير وأهم مساعديه. وما إن تحر ك المركب الشراعي الذي يحمل السفير حتى أطلقت ثالثة مراكب حربية اسبانية طلقات في الهواء. أحدها فرنسي واآلخر هوالندي والثالث صادف من وجودها في الميناء. وقامت ثالثة مراكب أخرى انگليزي بتقليد المراكب اإلسبانية وذلك لما وعند وصوله إلى الشاطئ وجد السفير في استقباله قائد حامية المدينة يرافقه ثالثة من حملة الرايات على الجياد ومائتي فارس بثياب االستعراض باإلضافة إلى جوقة موسيقية. النصارى أن يطؤوا التراب المغربي قبل أن يصدر وطبقا لعرف محل ي لم يكن يحق للسفراء اإلذن السلطاني بذلك. ولهذا تم حمل بدرو فانيگاس منذ أن بلغ الشاطئ من طرف عشرين مغربيا ووضعوه في الحال Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p

179 على جواد. اإلسباني. وفي تلك اللحظة بالذات توج ه قائد حامية المدينة بالتحية إلى الوفد تحرك الموكب ب عيدها في اتجاه المدينة مسبوقا بالرايات ومحاطا بالفرسان. وكان اإلعالن عن الوصول إلى القصبة بطلقة مدفعية. وبعد ذلك تم إنزال السفير في منزل جميل داخل المال ح. بوصول السفير اإلسباني. وبعث قائد الحامية في الحال برسالة إلى السلطان ي علمه فيها ولم يكن رد السلطان ليتأخ ر. كان يجب أن يعامل سفير فيليب الثاني بكل احترام وأن ي حضر له كل ما يحتاج إليه. بل إن السلطان قام بإرسال أحد المقر بين منه وهو القائد منصور ليرافق السفير إلى مراكش ومعه مائتي فارس من العلوج واألندلسيين. وعند بلوغه اسفي في 8754 يوليو 8 للسفير وبطانته وحرسه من ثالثين خيمة. الخاص. نصب القائد منصور خارج المدينة معسكرا وأرسل السلطان ستة جياد من اسطبله وبعد بضعة أيام من تبادل المجامالت أخذ موكب البعثة القشتالية طريق مراكش. وفي 0 يونيو وصلت البعثة إلى منتجع سلطاني بالمنارة بالقرب من مراكش حيث أمضى السفير اإلسباني ليلته. ووالي مراكش. دخل الموكب اإلسباني المدينة الحمراء يوم وقد كان في استقباله القائد رضوان قائد الجيش يونيو تحت حراسة القائد منصور حيث است قبل بحفاوة من لدن التجار اإلسبان واألوروبيين ثم من طرف فيلق من الحرس السلطاني يتكو ن من مائتين من حملة الطبر وأربعة وعشرين س والقا وأربعة عشرين بياكا وكان الجميع في مالبس رائعة وقد اصطف وا في شكل سماطين. وجاء من بعدهم عشرون قائدا من أهم قواد السلطنة وعلى إثرهم القائد رضوان ليؤد وا لهم التحية. وبعد محادثة قصيرة باإلسبانية جاب السفير برفقة طائفة من النخبة العسكرية 4 للبالد عدة شوارع قبل أن يبلغ المكان الذي خ ص ص إلقامته. Ibid., p Ibid., p Ibid., p Ibid., p

180 ومن الغد طلب بدرو فانيگاس رسميا الدخول على السلطان الشريف. ضرب له هذا األخير موعدا للقائه يوم الخميس صباحا وأرسل له جيادا عديدة لتنقله. وعند وصوله إلى باب القصر كان في استقبال السفير بعثة من القواد على رأسهم القائد رضوان. وعلى عتبة القصر كان على فانيگاس ومن معه أن يترج لوا إذ ال يحق إال للسلطان أن يدخل القصر وهو راكب. حراس القباب بالتركية. مر ت البعثة على باب أو ل يحرسه اثنان من القابجية أي ومن هناك مر وا برواق يوجد في طرفه باب آخر يحرسه أيضا اثنان من القابجية كذلك. وعبر ذلك الباب دخل السفير مرفوقا ببعض األفراد من بعثته وبالقائدين رضوان ومنصور إلى قاعة عظيمة حيث يوجد عدد كبير من األعيان. وبعد تبادل عبارات المجاملة كان على السفير ومرافقيه واألعيان أن يعبروا فناء ا عظيم الزخرفة قبل أن يصلوا أخيرا أمام القبة السلطانية أو قاعة االستقبال. ولم ي سمح بالدخول إلى قاعة االستقبال إال للسفير بدرو فانيگاس والوكيل د ييگو مارين ]Diego Marin[ ولخادم كان يحمل الهدايا وللقائدين رضوان ومنصور. استطاعة البقية أن يتمت عوا بالعرض انطالقا من ساحة مجاورة. القبة عبدان أسودان هما على األرجح من الخصيان. وكان في وكان يحرس أبواب وكان موالي أحمد يجلس على الفرش يحيط به ثمانية من كبار األعيان الذين ال شك في أنه كان من بينهم القائد ابراهيم السفياني قائد القصر السلطاني وعزوز الوزگيتي الحاجب السلطاني. وقبل أن يدخل القاعة قام السفير بخلع نعليه ونزع قب عته وانحنى مرة أولى ثم تقدم خطوات قبل أن ينحني مرة ثانية. بضع وعند وصوله إلى طرف السجادة السلطانية نزل السفير على ركبته وقام بتحية الملك الذي أمره بالجلوس على يمينه وبوضع قب عته على رأسه. وبعد تبادل للمجامالت رفع السفير رسالة الملك فيليب الثاني إلى السلطان الشريف وقد م له الهدايا التي بعث بها إليه سيده. وبعد مضي أربعة سنوات استقبل السلطان الشريف سنة سفير أمير بورنو 87 إدريس الثاني ] [ وذلك في محلته التي أقامها في رأس الماء بالقرب من فاس. وكان هذا األخير قد وصل إلى المغرب عبر مسالك القوافل بالجنوب التي تنتهي Ibid., p

181 غالبا في سجلم اسة ول كتاوة. وال شك أن سفير بورنو الذي نجهل اسمه قد است قبل من طرف سلطات المنطقة بمنتهى الحفاوة وأ نزل في أحد القصور المتناثرة في المنطقة. وقد كل ف السلطان شيخا ي دعى إيدير بمرافقة السفير اإلفريقي إلى حدود فاس حيث سيتم إنزاله في بيت من بيوت المدينة البيضاء. وفي اليوم المحدد الستقباله أقام أحمد المنصور فسطاطين توأمين أمام مدخل األفراگ وأقام هناك. وكان الحرس السلطاني موز عا إلى ص ف ين يبدآن من الفسطاطين التوأمين إلى الفسطاط العربي ومن هناك كان الصفان يمتدان من الفسطاط األعظم إلى الباب الجنوب-شرقي للمحل ة. ومن هذا الباب الذي يحيط به برجان قام السفير بشق طريقه بين الصف ين مت جها مباشرة صوب الفسطاط الكبير. السلطاني وقد ات خذوا أماكنهم المعلومة وهم صامتون. تخت السلطان الفارغ. ب"طريقة متدر جة" وهناك وجد سائر أفراد الديوان كان الجميع يتأم ل في إجالل وبعد أن توق ف في هذا الفسطاط تم حمل السفير اإلفريقي إلى الفسطاط العربي حيث سيجلس قبل إدخاله إلى السلطان. ال شك أن استعمال الفشتالي لمصطلح الترق ي للحديث عن السير المتدرج للسفير نحو فسطاط االستقبال السلطاني قد تم بطريقة متعم دة. فقد كان هذا المصطلح في التص وف اإلسالمي ي ستعمل للداللة على التطو ر أو على الترق ي المتدر ج للروح في طريق الحقيقة اإللهية. ألم يكن سفير بورنو بذهابه للقاء "المالك األوحد" للنور النبوي يدخل تدريجيا إلى الحقيقة اإللهية التي تتجس د في االعتراف بالسلطان الشريف باعتباره صاحب السيادة الشرعية ولو اعتبرنا البيعة فعال تأسيسيا فإن مبايعة أمير بورنو للمنصور كانت تنتقل به هو ورعاياه من عالم "الجاهلية" إلى عالم الحقيقة والشرعية. ومهما كانت الدوافع العقدية الحقيقية التي تختفي وراء هذه االستقباالت الفخمة فإنها ت ظهر ضربا من التشابه مع استقباالت السفراء التي كانت ت نظ م في العصور الوسطى ببغداد والقاهرة وقرطبة. فلم يكن السلطان الشريف يقوم بغير إحياء بعض الممارسات مع إدخال بعض التغييرات عليها. ولكن أصالة عمله تكمن في الجمع المتناغم بين عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص 0. الفشتالي مناهل الصفا ص 05 p. 58.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, 78

182 مختلف اإلسهامات ليجعل منها احتفاال محليا محضا كما قلنا سابقا. ويصدق هذا األمر على مراسم البيعة وعلى المواكب التي تقام بمناسبة المولد النبوي الشريف وهو العيد الذي كان األكثر أهمية في السنة بالنسبة إلى السلطان ومستشاريه. طقوس البيعة كانت المحلة أيضا هي المكان الذي تتم فيه كل سنة مراسم البيعة التي تقوم فيها القبائل واألعيان بتجديد يمين الوالء للسلطان. ومن المرجح أن ها كانت اللحظة المثالية للتفاوض مع السلطان في مراجعة مكانة أو تخفيف ضريبة أو استقطاع أراض. وكان الجند يطالبون بهبات استثنائية أو ما كان يطلق عليه البقشيش. لقد كانت البيعة إحدى اللحظات التي يكون السلطان فيها أكثر ضعفا على األقل على المستوى الرمزي. فقد كان عليه أن يستجيب لكل مطالب رعيته خوفا من إمكانية فقد دعمهم. ولذلك نالحظ تدفقا للهدايا المادية والرمزية التي تخرج من القصر السلطاني أو من األفراگ أثناء مراسم البيعة. وبغض النظر عن كرم السلطان كان األمر يتعلق هنا بشراء االجتماعي وشراء السلطة مقابل تعويضات مادية وتعيينات مدنية وعسكرية. السلم ومن سوء الحظ أننا ال نمتلك أية رواية تصف عملية مبايعة المنصور. ولكننا نستطيع أن نقول بكل ثقة انها كانت تجري في إطار المراسم التي وصفناها أعاله. ولكننا في مقابل ذلك نمتلك شهادة مراسم ولي ا للعهد. البيعة التي رافقت تعيين األمير محمد الشيخ المأمون قر ر أحمد المنصور بعد عل ة كادت أن تذهب بحياته بعد أشهر فقط من تول يه الحكم أن ي عي ن ابنه البكر محمدا الشيخ المأمون وليا للعهد وذلك أخذا بمشورة المقربين منه. وقد تم اإلعالم بالقرار السلطاني ولكن لم ت قم أية مراسم بينما كان ينبغي تنظيمها كي يصير التعيين شرعيا. ضفاف وادي تانسيفت يوم 4 فخرج السلطان من مراكش قصد تنظيم ذلك ونزل بمحلته على 876 مارس منتظرا قدوم األمير الشاب. ولم يصل هذا األخير إال يوم 8 يونيو من نفس العام مصحوبا بقواته وأعيان جهة فاس. وطبقا الفشتالي مناهل الصفا ص

183 أبيه. ألعراف البالط الشريف خرج السلطان من محلته لتنظيم عرض عسكري. وبعد ذلك انقسمت القوات إلى سماطين لتشك ل جاد ة. عند ذلك ترج ل األمير وتقدم على مهل نحو 80 فكان أن تقد م هذا األخير بضعة أمتار وهو على مطيته للتعبير عن تفر د مكانة ابنه. وعلى خالف بقية إخوته لم يكن على األمير أن ي قب ل األرض بين يدي السلطان بل اكتفى بتقبيل ركبته وركابه. وكدأبه دائما كان السلطان يقب ل ابنه بحنو على جبينه ويدعوه إلى الركوب لتحية القوات مر ة أخيرة قبل العودة إلى المحل ة. وبعد بضعة أيام من الراحة تمت البيعة في الفسطاط األعظم من األفراگ السلطاني. ومن المرجح أن األمير كان يتلقى وهو جالس على يمين تخت أبيه حلف الوالء من لدن أعيان البالد. بالحديث النبوي. ثانية وكان هؤالء ي قب لون يده اليمنى ويتلف ظون بصيغة البيعة المكر سة وبعد مضي أربعة سنوات أحس السلطان ضرورة تنظيم مراسم لمبايعة المأمون وتأكيد اختياره بشكل نهائي درء ألي سوء تقدير قد يؤدي إلى أزمة حول الخالفة كما عرفته العائلة مرات عد ة. وبالفعل ففي سنة بلغ أبناء 874 المنصور الثالثة اآلخرين سن البلوغ وكان عليهم االعتراف علنا بأحقية أخيهم البكر. و كانت تسمى هذه المراسم منذ العصرين األموي والعباسي بتجديد البيعة. وفي شهر أكتوبر من العام ذاته خرج السلطان في موكب عظيم من مراكش لينزل أياما معدودات عند نهر تانسيفت كدأبه قبل أن ينتقل إلى نازلة وادي السد. ومن مكانه ذاك أرسل حاجبه القائد عزوز الوزگيتي كي يأمر األمير المأمون بااللتحاق به في جهة تامسنا. السلطان طقس بيعة مهيب. وكان اللقاء عند نازلة الوديان. وبعد ثالثة أيام من االحتفاالت أقام وقد أك د الفشتالي أن هذه البيعة جمعت زعماء القبائل الكبرى وأهم علماء البالد وأشهر المتصوفة ووجهاء كل المدن الكبرى وممثلين عن كل الحاميات العسكرية في السلطنة. وبعد أن أخذ مكانه في الفسطاط األكبر الذي تمت تهيئته خص يصا للحدث إذ تم فتحه من كل الجهات كي يستطيع أكثر الناس رؤيتهم أمر السلطان الفشتالي بأن يقرأ بصوت عال عهد البيعة وأمر قاضي الجماعة بمراكش محمدا بن علي الشاطبي بأن يشرح العهد فصال فصال. نفسه ص وبعد الفراغ من هذه القراءة

184 التي ال شك أنها كانت ممل ة وغير مفهومة من أغلب السامعين بحكم األسلوب المتكل ف للفشتالي قام كبار األعيان الواحد تلو اآلخر بأداء يمين الوالء لألمير وذلك بالقسم على نسخة المصحف المنسوب إلى عقبة بن نافع وعلى صحيح البخاري. ومن الغد جاء دور إخوة المأمون كي يؤد وا يمين الوالء في الفسطاط العربي. وبعد قراءة أخرى مشفوعة بشرح ثان لعهد البيعة بحضور كبار علماء البالد أقر األمراء ما فيه بوضع أختامهم. الفرصة للتذكير بالمراجع الكالسيكية لمواله. وقد أعطت مناسبة بيعة المأمون للوزير المؤر خ الفشتالي يمين الطاعة إال لولي عهد واحد قصد تجن ب حرب توريث. فقد أك د الفشتالي أن المنصور لم يطلب كما فرض على أبنائه زيادة في التوثيق أن يعترفوا في حياته بأخيهم وريثا أوحد للملك. ويبدو التلميح واضحا إلى أوائل الخلفاء العباسيين وخاصة إلى هارون الرشيد.]64-50[ فقد جعل هذا الخليفة على والية العهد من بعده ثالثة من أبنائه. ورغم أنه قد أقام حفال مهيبا للبيعة أقر فيه كل الورثة أمام المأل بنظام التعاقب على الخالفة وذلك بوضع أختامهم على العهد الذي تم تعليقه بعد ذلك على أستار الكعبة فإن ذلك لم يمنع من نشوب حرب أهلية بعد موت الرشيد بين األمين ]8-64[ والمأمون.]-8[ كان تجن ب هذه العقبة يعني تأكيد تفو ق المنصور على الخليفة العباسي العظيم ذاك الذي وقعت بعد وفاته فتنة لط خت ذكراه وأث رت في األم ة. ومن منظور رمزي كان حفل البيعة ي مث ل إجماع الرعية حول االختيار والتفافها حول سلطانهم وحول العائلة المالكة كما يعكس الحفل إرادة لضمان استمرارية السلطة وشرعية نقلها. أم ا من المنظور العملي والسياسي فيمكن اعتبار الحفل بمثابة استعراض للقو ة وهو ما يعكسه الحضور المكث ف للجيش وذلك بهدف حمل الرعية على احترام الحاكم وكذلك بمثابة مناسبة جديدة لتجييش مخيال السكان ونشر العقيدة الخليفية بينهم. الفشتالي مناهل الصفا ص -8. انظر أيضا رواية ثانية لعهد البيعة ما بين الصفحتين 4-. 8

185 ا" المولد: احتفال بالرسول أو تعظيم لسبطه كان الفاطميون هم أو ل من خل د المولد النبوي في إطار احتفالهم بالموالد الست ة ابتداء من القرن العاشر. وكانوا بهذه المناسبة يقيمون مراسم في قصورهم يدعون إليها كبار العلماء والوجهاء والقواد بغرض التأكيد على نسبهم "الرمزية" وتكريس سلطتهم "المقد س" واالرتباط بنخب البالد التي يحكمونها عن طريق إقامة المآدب وتوزيع الهدايا النفيسة والعطايا السخية. وبعد زوال الدولة الفاطمية سنة 8858 وإعادة ادماج ممتلكاتها في العالم السن ي تحت رعاية صالح الدين األيوبي ] [ تم االحتفال بالمولد عند أهل السنة على وجه التدر ج. وال شك أن المولد النبوي قد أ دمج بصفة نهائية في التراث السني بتأثير من األمير مظفر الدين كوكب ري ]ت 8 [ أمير مدينة إربيل. فقد كان هذا األخير وهو من أصهار صالح الدين يقيم كل سنة حفال نخبويا على غرار الفاطميين ولكنه كان يقيم إلى جانبه حفال شعبيا يشد إليه الزو ار من المنطقة كلها. وكانت هذه الحفلة الشعبية مطبوعة بموكب للشموع تم استلهامه على وجه الترجيح من الطقوس المسيحية المحلية كما كانت مطبوعة بمأدبة عظيمة ومذاكرات دينية كبيرة. وقد تم إدخال هذه الممارسة الشعائرية إلى المغرب في القرن الثالث عشر عن طريق قاضي مدينة سبتة أحمد اللخمي العزفي ]ت 80 [. الحظ العزفي من موقع المدافع عن الصراطية السني ة في مؤل فه الدر المنظ م في مولد النبي األعظم أن مسلمي سبتة باإلضافة إلى المولد النبوي كانت السلطات الفاطمية تحتفل بمولد علي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين والخليفة الفاطمي الحاكم. فيما يخص المولد انظر EI, t. VI, p. 886 ; Pessah Shinar, Traditional and Reformist Mawlid Celebrations in the Maghrib, Myriam Rosen-Ayalon [ed.], Studies in Memory of Gaston Wiet, Jerusalem, 977, p. 7-4 ; Nicolaas Kaptein, Muhammad s Birthday Festival. Early History in the Central Muslim Lands and Development in the Muslim West until the 0th/6th century, Leyde, 99 ; Jocelyne Dakhlia, Le divan des rois, p ; عباس الجراري لمولد النبوي في األدب المغربي" المناهل عدد الطيب الوز اني "ظاهرة االحتفال بالمولد النبوي في عهد السعديين" المناهل عدد عبد الهادي التازي "لماذا عيد المولد في الغرب اإلسالمي" دعوة الحق عدد ابن خل كان وفيات األعيان وأنباء أهل الزمان ج ص ص ص ص

186 واألندلس كانوا يحتفلون كل عام بأعياد نصرانية كثيرة مثل ميالد المسيح األمر الذي يدخل في حكم البدعة. لهذه االحتفاالت الوثنية. فقر ر التحر ك بتيسير االحتفال بالمولد النبوي بديال "شرعيا" ولتحقيق ذلك قام بحملة مثاقفة حقيقية بين سكان المدينة وخاصة في الكتاتيب. بل إنه قد سعى إلى جعل المولد يوم عطلة. كان أصل هذا االحتفال في سبتة يكمن في أسباب ثقافية ودينية عميقة. فقد سعت النخبة الدينية بحكم إحساسها بقرب الخطر المسيحي إلى إيجاد رموز هوياتية سواء من أجل تعزيز التالحم بين المسلمين أو من أجل طمأنتهم على مستقبلهم. لذلك بدا المولد كأحد الوسائل الخالصية خصوصا بعد هزيمة معركة العقاب سنة التي فتحت 88 الطريق أمام تفت ت النظام العقائدي والخليفي الموح دي ولالنحدار التدريجي للوجود اإلسالمي في األندلس ومث لت نقطة البداية لتحول اجتماعي ديني طويل وألزمة سياسية عميقة. تحق قت رغبة القاضي أحمد العزفي في جعل المولد النبوي احتفاال دينيا شعبيا بعد بضع سنوات عندما أصبح ابنه محمد ]ت 854 [ أميرا على مدينة سبتة سنة 876. ألسباب دينية وسياسية جعل هذا األخير من المولد تظاهرة رسمية وشعبية. لفقدانه ألية شرعية سياسية انتهج األمير الجديد جعلت من تقديس النبي وتبجيل نسله أحد أركانها. إذ نظرا كما بي ن محمد قبلي سياسة شريفية ففضال عن االمتيازات المادية والمعنوية الممنوحة لشرفاء المدينة المنتمين إلى الفرع الصقل ي جعل محمد العزفي من المولد النبوي يوم عطلة يقيم فيه احتفاالت فخمة ويوز ع المال والطعام. بل إ ن الحماسة المفرطة لألمير دفعته إلى السعي في نشر المولد في سائر أرجاء المغرب فكان أن أقنع الخليفة الموح دي المرتضى ]800-84[ 4 مراكش. باالحتفال به رسمي ا في ال شك أن المؤل ف قد استلهم مصن ف ابن دحية الكلبي السبتي األندلسي المسمى التنوير في مولد السراج المنير الذي كان أهداه إلى مظف ر الدين كوك بري. محمد قبلي "مساهمة في تاريخ التمهيد لظهور دولة السعديين" مجلة كلية اآلداب الرباط العدد ص 5-74 ص 87-8 ابن عذاري البيان الم غرب ج ص المقري أزهار الرياض ج ص 4 ص 4 ص نفسه ص 46. 8

187 ومع ذلك فإن المولد لم ي صبح جزءا من األعياد المغربية إال تحت حكم المرينيين. فلفقدانهم ألساس عقدي كان على الحكام الجدد االستناد بصورة مركزية على المؤسسة الدينية المالكية. قبل ذلك بعشرات السنين. يعقوب بن عبد الحق كما انتهجوا على نطاق واسع السياسة الشريفية التي دشنها العزفي ون فبعد أن تم االحتفال به على استحياء في عهد السلطان ]80-87[ مؤس س الساللة المرينية تم توطيد المولد وتعميمه من لدن ابنه وخليفته يوسف ]865-80[ وذلك تحت تأثير أمير سبتة عبد اهلل بن محمد بن أحمد العزفي. كان تطو ر االحتفال بالمولد يسير جنبا إلى جنب مع تنامي السياسة الشريفية للمرينيين وتنامي مطامعهم الخليفية الساعية إلى الهيمنة. فلم يكن من المستغرب إذن أن نرى الشكل األكثر اكتماال لهذا االحتفال بالذكرى النبوية على عهدي السلطان أبي الحسن ]84-88[ وابنه أبي عنان ]874-84[ إلى أوجها. وهما اللذان وصال بهذه المطامح ولكن مطلع القرن الخامس عشر عرف النظام السياسي المريني ضعفا بسبب العديد من المشاكل البنيوية التي فص ل محمد قبلي القول فيها. فبحكم أنهم لم يعودوا يحملون أي مطامح خليفية وال مشاريع توس عية قام الحك ام المرينيون السيما أبي سعيد الثالث ]846-84[ بالتخلي شيئا فشيئا عن السياسة الشريفية وذلك 4 لكلفتها السياسية والمالية العالية وبالتالي إلغاء االحتفاالت الرسمية بالمولد. لم يكن إلغاء االحتفاالت الرسمية ليمنع تواصل االحتفاالت الشعبية طوال القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر. يذكر الحسن الوزان ما يلي "ينظم هؤالء الشعراء كل سنة بمناسبة مولد محمد قصائد في مدحه ]...[ ويحتفل األطفال أيضا بعيد المولد النبوي. ويكون آباؤهم ملزمون بإرسال شمعة إلى المدرسة. بشمعته ويحمل بعض األطفال شمعة تزن ثالثين رطال أو أكثر أو أقل. يأتي كل طفل وهي شموع ابن السك اك نصح ملوك اإلسالم ص 4. مقتطف من ابن أبي زرع الفاسي روض القرطاس مخطوط المكتبة الوطنية للمملكة المغربية رقم 87 د و 878. وقد بترت النسخة المطبوعة من هذا المقطع. فيما يخص االحتفال بالمولد النبوي على عهدي أبي الحسن وأبي عنان انظر ابن مرزوق المسند ص Mohammed Kably, Société, pouvoir et religion au Maroc à la fin du Moyen Age, XIV e - XV e siècle, Paris,

188 جميلة مزخرفة جدا مزدانة أطرافها بفواكه عديدة من شمع توقد في مطلع الفجر وتطفأ عند بزوغ الشمس. ومن عادة المعل م أن يدعو بعض المد احين لينشدوا أمداحا نبوية. وينتهي الحفل بمجر د طلوع الشمس]...[أم ا فواكه تلك الشموع وأزهارها فت عطى هدايا لألطفال والمنشدين". ال يبدو أن ظهور الزيدانيين قد أث ر في سير مظاهر البهجة والتظاهرات الشعبية التي تقام بمناسبة المولد النبوي. المصادر المحلية واألوروبية التي بحوزتنا. ورغم ذلك فال توجد أي إشارة إلى االحتفاالت في وهو ما يحمل على االعتقاد بأن أوائل السالطين الزيدانيين لم ينظروا بعين الرضا إلى االحتفال رسميا بالمولد بما يجعله احتفاال بالرسول وفي نفس الوقت بأحفاده المترب عين على سد ة الحكم. لذلك نستطيع القول بكل ثقة إن السلطان الشريف أحمد المنصور الذهبي كان هو من أعاد إدماج المولد النبوي باعتباره واحدا من أهم ممارسات المخزن المغربي. وألنه يصبو كما رأينا أكثر من مرة إلى احتكار الميراث النبوي لم يكن المنصور لي همل مثل هذه التظاهرة التي تسمح له بأن يضع على الركح متى يشاء مطامحه الخليفية وأن يقوم بتكريس الدولة المسرح التي كان ينوي تطويرها. ويتم ومن غير أن ن نكر الشعور الديني للسلطان الذي يبدو صادقا تم استعمال المولد أساسا باعتباره أداة سياسية لتأكيد شرعيته السياسية والدينية أمام النخبة وسندا فعاال لنشر العقيدة الخليفية بين السكان الذين يشاركون بكثافة في الحدث. بل إننا نستطيع أن نؤك د أن تعظيم شخص النبي لم يكن إال ذريعة إلظهار التبجيل لسليله الذي تتقو ى شرعيته "إضفاء القداسة" على أساس ملكه. إن حدثا سياسيا ودينيا بهذه األهمية بالنسبة إلى المنصور كان يحتاج إلى تنظيم دقيق ال يترك شيئا للصدفة ويمتد على أشهر عديدة. ليون اإلفريقي ]الحسن بن محمد الوزان[ وصف إفريقيا ترجمه عن الفرنسية محمد حجي ومحمد األخضر ج ص تم ت ترجمة بعض النصوص المتعل قة بهذه االحتفاالت إلى االنگليزية عن طريق يوشع فرانكلين Yehoshua Frenkel, «Mawlid al-nabî at the Court of Sultân Ahmad al-mansûr al-sa dî», JSAI, nº 9, 995,

189 قبل ستة أشهر تقريبا من إحياء ذكرى المولد تبدأ المصانع السلطانية المختصة في صنع الشموع بإنتاج عدد ضخم من الفوانيس والشمعدانات الخشبية المطلية بالورق األبيض والمطعمة بالدانتيل والمطر زة بألوان مختلفة من الشمع. ومع اقتراب شهر ربيع األول يرسل ديوان االنشاء دعوات بأمر من السلطان إلى المتصوفين والمؤذ نين الذين يملكون أجمل األصوات في البالد للمشاركة في مدائح النبي يوم المولد. نستطيع أن نفترض أن الدعوات كانت ت وج ه المدنيين والعسكريين من سائر جهات السلطنة. جوائز س ني ة على األشراف. كما إلى كبار رجال الدين وإلى األعيان وقبل المولد بيومين كان يتم توزيع وجرت العادة في ليلة الحادي عشر من ربيع األو ل أن ينتظم موكب رسمي داخل العاصمة السلطانية. كانت عد ة عشرات من هياكل الشمع يحملها ستة إلى ثمانية أسرى مع حمالين محترفين تحيط بهم حراسة كثيفة يقودها عريف األشغال وذلك في موكب ينطلق من مكان صنعها إلى قصر البديع مرورا بأهم طرقات المدينة. كان هذا الموكب المصحوب بفرقة من الموسيقيين يطب لون ويزم رون ما يشد حشدا كبيرا من الناس للتمتع بالعرض. وكانت نهاية المطاف في مسار الموكب القصر حيث يتم وضع هياكل الشمع على مدارج تم ت تهيئتها خصيصا أمام قاعة االستقبال الملكية أو الم شور. وكانت االحتفاالت الشعبية تتواصل الليل كله خاصة في المساجد واألضرحة 4 والزوايا. بعد آذان صالة الفجر يخرج السلطان من حجراته مرتديا مالبس بيضاء إلمامة الصالة في مسجد القصبة. ثم يجلسوه و محاط بحرسه الشخصي على فرشه في القب ة الفشتالي مناهل الصفا ص 0 p. 89.Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, حول تباث وتطور هذا الطقس انظر Loubignac, «La procession des cierges à Salé», Hespéris, t., 946, p. 5-0 ; Abderrafii Bahja, «La procession des cierges à Salé : une tradition annuelle unique au Maroc», Caroline Gaultier-Kurhan [dir.], Le patrimoine culturel marocain, Paris, 00, p نفسه 0. ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص نفسه ص 0 التمگروتي النفحة المسكية ص 84 المق ري روضة اآلس ص 8 Castries, Henri de.sihm, Angleterre, t. II, p

190 ص الخمسينية المعط ر ة بأنواع البخور. أماكنهم بحسب ر ت بهم االجتماعية. عندها كان ي سمح للوجهاء بدخول القب ة وأخذ ثم يأخذ ممثلو القبائل واألعيان األقل مكانة مع طائفة مختارة من العوام أماكنهم في الباحة الكبرى للقصر. يفتتح أحد الوعاظ الحفل الرسمي بخطبة عن والدة النبي وطفولته ومكارمه كما يقوم بقراءة كر اسة ابن عب اد. ثم يأتي من بعده جماعة المنشدين أو المسم عين الذين يتغن ون بقصائد في مدح النبي. ويعقبهم منتسبو نظمها بمناسبة المولد. الطرق الصوفية وهم ي نشدون قصائد للششتري كانت قصائد الششتري تختم الجزء الديني المحض من الحفل. ]ت 804 [ مفتوحا أمام شعراء البالط الذين نظموا قصائد خصيصا لهذا الحدث. كان قد عندها يكون المجال وكان نظام اإللقاء معلوما ومحترما بدقة. وهذا الترتيب يكون على الشكل التالي: قاضي الجماعة محمد الشاطبي ثم المفتي عبد الواحد الشريف ثم القائد علي الشيظمي ثم الوزير المؤر خ عبد العزيز الفشتالي ثم الكاتب محمد بن علي الفشتالي قاضي الجماعة في سوس ثم الكاتب محمد بن علي الهوزالي والكاتب الحسن بن أحمد الهوزالي. كبار شعراء البالط يتقدم شعراء آخرون والسيما األجانب. المسم اة "الم و ل د يات" عترته وخليفته في أمته. تنقسم إلى جزأين: وبعد وكانت هذه القصائد ثناء على النبي مشفوع بإشادة بالسلطان بقية وكان الجزء المخصص لمدح المنصور يرتبط عادة بتتب ع النسب المباشر للسلطان بجده األول بدنيا وروحيا وسياسيا. كما كان هذا الجزء يسعى إلى أن ينشر في األوساط العالمة وبين المثقفين عقيدة السلطان الخليفية وذلك بإبراز خصاله ومواهبه ومنجزاته السياسية وإلى صوغ التطلعات والطموحات ذات النزعة الكونية لموالهم بطريقة شعرية. وفي نهاية هذه الحصة األدبية يقيم السلطان لضيوفه مأدبة عظيمة كان يحضرها بنفسه ويتناول الطعام مع بعض األعيان المختارين. وفي.54.6 نفسه ص 0 نفسه ص 84. نفسه ص 5 المقري نفح الطيب ج 7 ص 76 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص نفسه ص 76- المقري روضة اآلس ص 8- ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 87

191 نهاية الغذاء يتم توزيع الحلويات على الضيوف. وكان الحفل ي ختتم بشكر اهلل سبحانه وبالدعاء للسلطان الشريف. وفي عصر اليوم نفسه كان السلطان يهب الجوائز للشعراء ويخلع على نخب السلطنة. كما كان يوز ع مبالغ عظيمة على المحتاجين في أرجاء مختلفة من البالد. كانت االحتفاالت ومظاهر الفرح الشعبية والرسمية تستمر مثلما كان الشأن على عهد المرينيين أسبوعا كامال. وفي اليوم السابع ت حمل الشموع في موكب مهيب إلى ضريح محمد الشيخ المهدي حيث يقام حفل ديني آخر. كان المد احون ينشدون بحضور أبناء السلطان واألعيان قصائد في مدح النبي ومن المحتمل أن المسمعين كانوا يدعون للسلطان صاحب الضريح. وفي الليل كان هؤالء الم سمعون أنفسهم ي ستدعون إلى القصر إلحياء أمسية دينية ال ي دعى إليها إال أقارب السلطان دون غيرهم. وكانت نهاية 4 السهرة مطبوعة بتوزيع جديد للجوائز والخ لع. تمك ننا إذن عملية إعادة بناء شارات الملك ومراسم البالط الشريف على عهد أحمد المنصور من الوقوف على إرادة جعل هذا العاهل المغربي في مركز الجهاز السياسي والديني والرمزي في السلطنة. فقد كانت الشارات "المقد سة" والمواكب الفخمة والجوالت الم م سرحة بمثابة مناسبات يؤكد فيها السلطان مركزيته وخاصية وقدرته الالمتناهية الشبه إلهية. فقد نجح السلطان في إظهار سلطته وبرع في التمك ن من تقنيات التواصل السياسي المعمول بها من ضفاف البوسفور وصوال إلى ضفاف التاميز. كانت تقنيات التواصل تلك تهدف إلى تحريك مشاعر النخب السياسية والدينية وإلى تجييش عقول الرعايا وذلك للتأثير فيهم مع تركهم في مقام االحترام للعاهل كما كان يهدف إلى األخذ بألباب حلفائه وأعدائه على حد سواء. الالزم نفسه ص 76 نفسه ص 8 نفسه ص 6 التمگروتي النفحة المسكية ص التمگروتي النفحة المسكية ص 847. نفسه الفشتالي مناهل الصفا ص 7-78 المقري روضة اآلس ص 84 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 6. 4 المقري روضة اآلس ص 8. 88

192 كان نظام التمثل الذي اختاره السلطان ومستشاروه قصد تكريس سلطته والتعبير عن مركزيته وعن عالقته الموصولة بالعصر الذهبي لإلسالم يتأس س على نموذج فارق وعلى رصيد متجانس من العالمات والطقوس: هو النظام النبوي والخليفي. كان هذا النظام يستعمل في الغالب المجاز والرموز التي تحيل إلى وضعيات تاريخية وإلى شخصيات مبج لة وإلى وقائع سياسية-دينية تنتمي إلى اإلسالم الكالسيكي. هكذا كان السلطان الشريف يظهر باعتباره هوية متعالية تحمل في ذاتها مجمل التاريخ المقدس لإلسالم وتجربة األم ة وكذلك باعتباره تجسيدا للدولة وتواصلها واستقرارها في الزمان والمكان. كانت الوظيفة السياسية لشارات الملك والمراسم هي أن تفرض على النخب وعلى الرعايا طريقة تمث ل السلطان. فقد تم وضع هذه الحوامل لعقيدة المنصور الخليفية في خدمة إحياء الماضي وفي تجسيد مشروع للحكم الثالثي األبعاد: شرعنة نظام الحكم بالمغرب ومركزته والتحص ن ضد الهيمنة العثمانية واإلسبانية وإنفاذ سياسة توسعية في الصحراء والسودان وربما أبعد من ذلك. وكانت الخصائص األساسية لهذه الطقوس السياسية التي كان السلطان الشريف إمامها وقبلتها هي اإليقاع الدوري لالحتفاالت والمواكب المنظ مة غالبا في مواعيد ثابتة مثل المولد والعيدين وغيرها وأماكن ثابتة أيضا مثل البديع أو المحل ة هذا من جهة ومن جهة ثانية كانت الحياة اليومية للرعايا تتوقف تماما خالل فترة االحتفالية وكان هؤالء يكتفون بتأم ل مظاهر الفخامة في الصورة السلطانية. وكان اإليقاع الدوري والتكرار من سنة ألخرى ينتهيان إلى تطبيع وتأصيل طرائق التمثل هذه وإلى مثاقفة النخب وفي النهاية إلى توسيع عدد كبير من ممارسات البالط لتشمل المجتمع بأكمله. 89

193 الباب الثاني م أ س س ة غير مكتملة إذا كان اعتماد العقيدة الخليفية يهدف قبل كل شيء إلى شرعنة سلطة أحمد المنصور الذهبي وكذلك إلى ضمان استقالل المغرب وتبرير تطلعاته التوسعية فإن ذلك لم يكن إال أداة من بين أدوات أخرى. اعتمد السلطان الشريف لتحقيق مشروعه الثالثي األبعاد آليات احتكارية وذلك بهدف تثبيت سيطرته ومركزة سلطانه. وكانت تلك الدينامية الحكومية للمركزة تقوم على خاصيتين رئيستين. الخاصية األولى هي احتكار العنف الشرعي وهو ما أعطى للسلطان الشريف نزوعا لحصر استعمال القوة العسكرية بين يديه. ونظرا لوعيه باالرتباط بين ازدهار الدولة الحديثة وبين التحديث العسكري فقد جعل أحمد المنصور الجيش في القلب جهازه المؤسساتي. ففضال عن سعيه إلى مد قواته بالتقنيات األكثر عصرية على غرار القوات العثمانية واإلسبانية فقد حرص على تمييز جيشه عن محيطه االجتماعي وذلك بجعل الجند أساسا من العلوج واألندلسيين. أم ا الخاصية الثانية فكانت االحتكار الضريبي ومركزة مجمل العائدات وهو أعطى للسلطان ضربا من االستقاللية المالية. تم استلهام بشكل واسع المؤسسات التي شك لت تنظيم السلطنة الشريفة في المجاالت السياسية واإلدارية والعسكرية واالقتصادية من التنظيم الذي ساد على عهد الدولتين الموحدية والمرينية. وقد كانت هاتان الدولتان قد قامتا هما أيضا باستلهام جزء كبير من مؤسساتها من أمويي األندلس والخالفة العباسية. ولم يمنع التنافس مع الدولة العثمانية السالطين الزيدانيين من اقتباس بعض المؤسسات خاصة في المجال العسكري. وقد أد ى تراكم أدوات الهيمنة والمركزة إلى ظهور منظومة للحكم متناسقة على عهد المنصور: المخزن. كان مصطلح المخزن في األصل يعني في مجال النفوذ العباسي منذ القرنين التاسع والعاشر مكانا يصلح لوضع كل األشياء الثمينة خاصة النقود واألسلحة والذخائر 90

194 والمؤن وأثاث الخلفاء ومالبسهم. المال ليشير إلى خزينة الخالفة ذات السلطات الواسعة. اإلشارة وعلى وجه التدر ج أخذ هذا المصطلح مكان بيت وفي نفس الفترة كانت تتم إلى الخزينة العامة في األندلس األموية بخزانة المال. تشير كل القرائن إلى أن المرابطين الذين كانوا على عالقة وثيقة بالعباسيين واألندلس كانوا أو ل من اعتمد هذه المؤسسة وإن كان ذلك بشكل جنيني وقد كان ذلك في إطار مسعاهم الرامي إلى توحيد السلطة ومركزتها. ولكننا مع األسف ال نمتلك أي مصدر يشير إلى هذه المؤسسة في نهاية القرن الحادي عشر وبداية القرن الثاني عشر. ومها كان من امر فقد ظهر المخزن للمرة األولى باعتباره مؤسسة مغربية في وثائق الديوان الموح دي وفي كتب التاريخ الراجعة إلى ذلك العصر. وأشار مصطلح المخزن بوضوح إلى الخزينة الخليفية أي إلى كل ما يت صل بإدارة مداخيل ومصاريف الخالفة الموح دية. وعلى الرغم من أن الخليفة كان له مخزن خاص يبدو أنه قد كان لكل والية ومدينة كبيرة مخزنها الخاص أيضا. ولم يتطو ر معنى المصطلح على عهد المرينيين أو على األقل خالل فترة ازدهار ح ك مهم. لقد بقي المصطلح في القرن الرابع عشر داال 4 على الخزينة السلطانية. وفي ظروف غير واضحة بسبب قلة المصادر أخذ مصطلح المخزن يعني تدريجيا قسما من التنظيم السياسي اإلداري الذي كان عمله مرتبطا بالخزانة السلطانية. ففي بداية القرن السادس عشر كان فرسان البدو الذين تم وضعهم في خدمة السلطان بصورة دائمة ويتقاضون رواتب من الخزانة السلطانية ي سم ون 5 م خ ز ني ة أو م خازني ة. وانتهى األمر بهذا المصطلح نتيجة انزياح داللي قد تكون جزئياته قد ضاعت منا بصورة نهائية لقلة المصادر إلى تعبيره عن مجمل التنظيم 6 الد والتي للسلطنة الشريفة على عهد المنصور. انظر على سبيل المثال ابن الجوزي المنتظم في تاريخ الملوك واألمم ج 87 ص 85 ج 85 ص 50 ص 866 ص 67. Évariste Lévi-provençal, Histoire de l Espagne musulmane, t. III, p أحمد عز اوي رسائل موح دية ج 8 ص 4 ص 4 ص 47 ص 4-45 ص 44-4 ص 44 ص ص 407 ص ابن صاحب الصالة المن باإلمامة ص 75 ص 54 ص ابن مرزوق المسند ص 8 ص 5 ص 55 ابن السكاك نصح ملوك اإلسالم ص Mamol, L Afrique, t. II, p. 8-8 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p مخطوط الخزانة الحسنية رقم 874 و

195 إن إعادة بناء مختلف دواليب المخزن تحت حكم السلطان الذهبي ودراستها وتحديد دور هذه المصالح وطريقة اشتغالها تبدو عمليات صعبة وذلك لشح المعلومات. فرغم امتالكنا لوثائق متنوعة يزيد عددها شيئا فشيئا إال أنها تبقى خرساء فيما يخص العديد من جوانب التنظيم المؤسساتي للمخزن المنصوري. باشتغال المخزن تبقى مبعثرة وفي الغالب شحيحة. التي بحوزتنا وقطع األرشيف التي تمك نا من العثور صورة واضحة إلى حد و 806. لالشتغال ما هذا وال يجب أن يعزب عن أذهاننا الطبيعة الم ل ك و ي ة كما أن المعلومات المتعلقة ومع ذلك فإن الوثائق المطبوعة عليها تجعلنا قادرين على وضع الداخلي للسلطنة الشريفة بين سنتي 875 ]patrimonial[ للسلطنة الشريفة. فهذا النوع من ممارسة السلطة يتمي ز بوجود خلط بين المجالين الخاص والعام وبين األشخاص االعتباريين واألشخاص الط بيعي ين في إدارة شؤون أيضا بتداخل الش أن السياسي بالشأنين االقتصادي واالجتماعي وجه الخصوص. وإجماال فإن صاحب الس لطة الم ل ك و ي ة وهو يتمي ز "الدولة". والشأن المحلي على "يعالج جميع المسائل السياسي ة واإلداري ة والقضائي ة كما لو كان األمر متعل قا بشؤون شخصي ة وبنفس الطريقة التي يتصر ف بها في أمالكه كما لو كان األمر متعل قا بممتلكات خاص ة". ووفقا لماكس فيبر من شأنها توليد الم ل ك و ي ة فإن ظواهر مثل المحسوبي ة والمحاباة والزبوني ة وهذا ما يمكن مالحظته بسهولة على جميع مستويات على عهد المنصور. بالمعنى الذي فقد كان هذا األخير يدير يقصده كلود ليفي ستروس البالد على طريقة تدبير. ]Claude Lévi-Strauss] "الدولة" "البيت" فتماسك البيت Max Weber, Économie et société, t. I, p. 0-0 ; Samuel N. Eisenstadt, Traditional Patrimonialism and Modern Neo-Patrimonialism, Beverly Hills, 97 ; Jean-François Médard, «L'État patrimonialisé», Politique africaine, 9, septembre 990, p. 5-6 ; le même, «l État néo-patrimonial en Afrique noire», Jean-François Médard [dir.], États d Afrique noire : formation, mécanisme et crise, Paris, 99, p. -5. Jean-François Médard, «l État néo-patrimonial en Afrique noire», Jean-François Médard [dir.], États d Afrique noire : Formation, mécanisme et crise, Paris, 99, p حسب كلود ليفي ستروس فإن البيت هو" شخص اعتباري متحي ز في مجال مكون في آن واحد من ممتلكات مادي ة وأخرى غير مادي ة وهو يستمر في الوجود من خالل توارث اسمه وثروته وألقابه من خالل نسب حقيقي أو وهمي. 9

196 يستند أساسا على على االتصاالت الشخصي ة التي تعلن عن نفسها عادة من خالل خطاب القرابة سواء كانت قرابة حقيقي ة أو وه مية دمية أو روحي ة. هذه الروابط تظهر كعامل حاسم للحراك االجتماعي إلى حد أن بعض المطالبات في مجال القانون والسلطة تعتمد "شبكة من عالقات النسب" على حد تعبير ألفريد رادكليف براون Alfred [. ]Radcliffe-Brown يمكن جعل مؤسسات المخزن مثلما هو الشأن في سائر دار اإلسالم أربعة أصناف كبرى ترتبط وإماما: جميعها بشخص السلطان الشريف باعتباره خليفة وأميرا للمؤمنين المؤسسات السياسية اإلدارية والمؤسسات القضائية والمؤسسات المالية والمؤسسات العسكرية. سنقوم إذن في الصفحات التالية بدراسة بنيات هذه المؤسسات وطرق عملها. ويعتبر شرعي ا شرط أن تكون تلك االستمراري ة قادرة على الت عبير عن نفسها في خطاب القرابة أو الت حالف وغالبا من خاللهما معا". Claude Lévi-Strauss, Paroles données, p. 90. Alfred Radcliffe-Brown, Structure et fonction dans la société primitive, p. 6. 9

197

198 األول: الفصل هشة ولكن مطلقة... سلطة من نافل القول التذكير بأن السلطان الشريف كان على غرار بقية الملوك المسلمين حجر الزاوية في كل النظام السياسي واالجتماعي للبالد بال منازع. كان السلطان باعتباره زعيما روحيا ودنيويا المحور الضروري الذي تدور حوله كل المؤسسات. وباندراجه في هذا التقليد التاريخي أحمد كان مصدر كل سلطة وكل شرعية على أراضيه. أراد المنصور منذ توليه الحكم أن يظهر كرجل قوي ال فقد تلق ى بعد النصر الذي حققه في وادي المخازن يوم 4 المنصور يزعم نظريا على األقل بأنه تغيب عنه ال شاذة وال فاذة. بيعة الجنود 875 غشت واألعيان المدنيين والدينيين الحاضرين على أرض المعركة وذلك في إطار ما ي سم ى بالبيعة الخاصة التي كانت محصورة في الشخصيات األكثر نفوذا في البالد. فترة قصيرة من دخوله المظف ر إلى مدينة فاس الجهات وزعماء القبائل والعلماء وسكان فاس ومراكش بالبيعة العامة. كما قام بإصدار عدد من القرارات السيادية. وبعد نظ م احتفاال رسميا بايعه فيه والة وذلك في إطار ما ي سم ى فقد ضرب عملة جديدة باسمه وأمر كل مساجد البالد أن ت لقى الخطبة باسمه وبعث برسائل ت علن بداية ملكه وذلك إلى كل الجهات وإلى الحكام األجانب وأمر بقتل بعض القادة العسكريين الذين كان متوج سا من أمرهم وعين والة وقوادا جددا. منذ تول يه الحكم قام السلطان بإعادة النظام وفرض سلطته على معظم جهات البالد. ولتحقيق ذلك قام بتفعيل كل السلطات. عد ة حمالت عسكرية ضد أقاليم ف ق ب ل أن يدخل مراكش سنة 875 الشمال والسيما جبال غ مارة والريف. قام بتنظيم وبعد مض ي 95 الفشتالي نفسه ص 4. مناهل الصفا ص 7 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 44 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 6 et p. 4.

199 سنة عدة أشهر ج ر د حملة كبيرة قادها بنفسه لفرض النظام في منطقة سوس. وابتداء من 876 أصبح المخزن يسيطر بطريقة فعالة على سائر أرجاء المغرب. استتباب األمن وتأمين الطرقات وشبكات التواصل من بين أكبر مشاغل السلطان. ولكي ي ح س ن إدارة أراضيه أمر السلطان بالقيام بإحصاء لسكان المغرب. وكان وتم حفظ االلتزامات الضريبية المتعلقة بكل مجموعة في سجالت المخزن. ولسوء الحظ لم ينج من تقلبات الزمن إال السجل الخاص بمنطقة سوس. وكان من الطبيعي أن توضع كل المداخيل تحت تصر ف السلطان شخصيا وكان هذا األخير ال ي م يز بين ممتلكاته الخاصة وما يعود للخزينة العامة إطالقا كما قلنا أعاله. وطبقا لتقليد أنشأه الموحدون السيادية ظهائر بإصدار كان السلطان الشريف طوال فترة حكمه يمارس سلطته ]مفردها ظهير[ ت صاغ بصيغة الضمير الغائب أو بصيغة المتحدث الجمع ]نون العظمة[ وكان توقيع السلطان أو خاتمه يدل على صحته وهو ما سنعود إليه الحقا. وكانت الرغبة في مركزة السلطة واضحة إذ أننا نمتلك ظهائر تبدأ من تعيين موظفين كبار إلى إلغاء بعض الضرائب أو تنظيم التعليم في مدارس دينية أو تنظيم توزيع الماء في بعض األقاليم أو كذلك تعيين قيمين على الصالحين وغير ذلك. أو عبيدا ]مفردها خ ديم[ مقامات األولياء كما كان جميع أعوان المخزن مهما على شأنهم ي عد ون خد اما ]مفردها عبد[ حياتهم كما يشاء. وفي المجال العسكري للسلطان وكان له عليهم حق التصرف في كان أمير المؤمنين يتمتع أيضا بسلطة تكاد تكون مطلقة وكان بعض األشخاص الذين يتجرؤون على التشكيك في سلطته يدفعون حياتهم ثمنا لذلك مثلما سنرى الحقا. وباإلضافة إلى صفته كإمام أي كزعيم ديني لألم ة كانت معارف السلطان في المجال الديني وهي معارف ال تقل رسوخا عن معارف علماء عصره تسمح له بامتالك سلطة دينية حقيقية في إطار تأويل النصوص المقدسة وإن كانت تلك السلطة محدودة. ففضال الحساني ديوان قبائل سوس ص نفسه ص الفشتالي مناهل الصفا ص

200 عن إصالح مقر رات تكوين العلماء حاول السلطان أن ي سيطر على الجهاز القضائي وذلك بمركزة عملية البت في الكثير من القضايا عبر فرض نفسه قاضيا أعلى يقوم كل أسبوع برد المظالم. كما حاول فرض نفسه باعتباره المرجع النهائي في مسائل الفتاوى. وخالصة القول إن السلطان الشريف أحمد المنصور كان يملك حرية تكاد تكون مطلقة في الحركة بشرط أال يعارض أحكام الشريعة وأن يتماهى مع نموذج األمير المثالي الذي تحدثت عنه األدبيات الغزيرة التي أ ل فت في اآلداب السلطانية منذ القرن الثامن. كانت السلطة الشريفة تقوم إذن على الضمير الديني وعلى العقل السياسي والخوف من مقاومة غير متوقعة من السكان أكثر من قيامها على معايير قانونية صريحة ومحددة. ومع ذلك كانت هذه السلطة المطلقة ظاهريا هشة للغاية ومحكومة من جهة أولى بالخصال الشخصية للعاهل وبتفانيه الشخصي في شؤون الحكم كما كانت من جهة ثانية مرتبطة بالظروف السياسية في الداخل وعلى المستوى الدولي. ورغم أن شخصية السلطان أحمد المنصور ومطامحه قد سمحت له بممارسة سلطة شبه مطلقة على سائر أرجاء السلطنة فقد كان عليه مواجهة العديد من المشاكل التي تطعن كل مرة في سلطته وخاصة منها تلك المتعلقة بتوريث الحكم. لقد أسالت قضية التوريث أو باألحرى مشكل ص ي غ التوريث الكثير من الحبر... والدم منذ ظهور اإلسالم في القرن السابع. إذ ال يبدو أن النبي قد حد د قبل وفاته سنة 0 أشكال الوصول إلى األمر من بعده مم ا ادى بعد ربع قرن إلى اندالع أول حرب أهلية وانقسام األم ة على نفسها نهائيا. ولم تستطع السالالت الحاكمة في دمشق ثم بغداد أن ت غير شيئا من هذا المعطى رغم الكثير من الجهود. وهو ما ول د العديد من حروب التوريث والصراعات السياسية والفكرية التي انضافت إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية هيكلية أدت في نهاية المطاف إلى إضعاف الخالفة واضمحاللها بدءا من النصف الثاني من القرن التاسع. ورثت الدول القطرية واإلمبراطوريات اإلقليمية التي تقاسمت أراضي الخالفة نفس المشكل الذي لم يقع تجاوزه أبدا. وذلك ألن مبدأ األفقية في تقاسم وانتقال السلطة يجعل من كل المنحدرين الذكور من المجموعة المسيطرة 97

201 متطلعين شرعيين إلى الحكم وكان الكثير منهم ينتظر الفرصة السانحة عليه. لالنقضاض طوال الفترة التي تهم نا كانت عدة سلطنات إسالمية تعاني من نفس المشكل كالمغول في الهند والصفويين في فارس وذلك بسبب النموذج األفقي. وبعد أن عانى من أضرار غياب الثاني قواعد التوريث منذ بداية القرن الثالث عشر اعتمد السلطان العثماني محمد ] [ "مصلحة الدولة". بموافقة عدد كبير من العلماء قانون قتل اإلخوة من أجل وبهذه الطريقة "الدموية" سلطانهم ورسوخه ونوعا من االستقرار على رأس الدولة. ضمن السالطين العثمانيون ديمومة وقد أ ث ر غياب قواعد للتوريث على المغرب أيضا خاصة على عهد الساللة الزيدانية. إذ يبدو أن الشريف محمد بن محمد بن عبد الرحمان قد قام بعد اعتالئه السلطة بإجراء قاعدة في التوريث مستوحاة من التقاليد المحلية. فبمقتضى هذه القاعدة يتولى األمر من بعده أكبر أفراد العائلة الزيدانية سن ا. ومن المرجح أن ابني الشريف قد قبال التنظيم الذي ي شج ع على تطوير نمط التوريث هذا. وتواصل هذا التفاهم بين األخوين إلى سنة.8746 ويبدو أن السلطان موالي واستبداله بابنه موالي زيدان. أحمد إن أو ل محاولة لالنتقال قد أراد خلع أخيه موالي محمد الشيخ من النظام القائم على توريث أكبر العائلة سنا إلى توريث االبن األكبر أي المرور من النظام األفقي إلى النظام العمودي قد تسب بت وال شك في أو ل حرب توريث بين أفراد الساللة الشريفة. وبعد أن طالب في مرحلة أولى باحترام قواعد التوريث التي أوجدها مؤسس الدولة انتهى األمر بمحمد الشيخ إلى خلع أخيه. بصورة نهائية سنة.874 المهدي بتعيين ابنه البكر عبد اهلل الغالب ولي ا للعهد. فتم هكذا إزاحة الفرع األكبر في الزيدانيين عن الحكم وللحيلولة دون خلو السلطة قام السلطان محمد الشيخ ولكن هذا األخير حاول عند فيما يتعلق بهذا الموضوع انظر Gilles Veinstein et Nicolas Vatin, Le sérail ébranlé. Essais sur les morts, dépositions et avènement des sultans ottomans [XIV e XIX e siècle], Paris, 00. Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. IV, p ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p ; Marmol, L Afrique, t. I, p

202 اعتالئه العرش سنة 8775 أن يخالف القاعدة األسرية وذلك بتعيين ابنه الشاب محمد وليا للعهد بدال من أخيه عبد المؤمن الذي كان يتمتع بحق البكورية. ولتمكين ابنه من الحكم لم يتردد عبد اهلل الغالب في اعتماد "قانون قتل اإلخوة" العثماني المشار إليه سابقا. فقام بقتل الكثير من إخوته وأبناء إخوته وهو ما أجبر عبد المؤمن وعبد الملك على الفرار إلى الدولة العثمانية. ومع ذلك كان على محمد المتوك ل رغم كل احتياطات عبد اهلل الغالب أن يواجه مرة أخرى عدة منافسين مطالبين بالحكم. وكان أن اندلعت حرب توريث حقيقية بين سنتي 8750 و 875. ففضال عن تمرد أخيه موالي الناصر الذي تم ت السيطرة عليه كان على المتوكل مواجهة عميه موالي عبد الملك أحمد وموالي المدعوم ين من العثمانيين. وفي إطار صراعات التوريث هذه قام السلطان المخلوع محمد المتوك ل باالستنجاد بملك البرتغال مع ما تبع ذلك مم ا سبق لنا أن تعر ضنا إليه. بعد وصوله إلى السلطة احترم عبد الملك المعتصم قاعدة التوريث األسري وذلك بتعيين أخيه موالي أحمد أكبر الزيدانيين سن ا وليا للعهد. ولكن ذلك لم يحل المشكلة وكان أن طرح موت عبد الملك أثناء معركة وادي المخازن مسألة التوريث الشائكة في قلب أرض المعركة ذاته. ورغم أن المتحم سين ألحمد المنصور يزعمون أ ن موالهم قد اعتلى سدة الحكم في ظروف إلهية استثنائية فإن المصادر المعاصرة التي بحوزتنا تؤكد عكس ذلك. فبعد االنتصار على القوات البرتغالية وإعالن نبأ وفاة عبد الملك انقسمت القوات المغربية إلى ثالثة فصائل. كان الفصيل األو ل يساند ولي العهد موالي أحمد والثاني يساند موالي داوود ابن األمير موالي عبد المؤمن والثالث يساند موالي اسماعيل ابن السلطان موالي عبد الملك. ويبدو أن موالي أحمد قد دخل في مفاوضات مع زعماء الفصيلين اآلخرين وتم التوص ل إلى اتفاق بعد عدة أيام من مجهول تاريخ الدولة السعدية ص - اإلفراني نزهة الحادي ص 44 وص 76 الجنابي البحر الزخ ار ص Marmol, L Afrique, t. I, p ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p.7. Henry de Castries, SIHM, France, t. I, p. 49 ; Bautista, «Chronica de la vida y admirables hechos de señor mouley Abdelmelech», Hespéris, t. XXIV, 986, p ; مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 78-4 الزياني الترجمان المعرب ص

203 المفاوضات. إن ذلك هو ما ي فس ر بعد تول يه األمر بعد ة أيام من جهة أولى أن السلطان لم يدخل مدينة فاس إ ال كما يفس ر من جهة أخرى أنه لم يستطع تنظيم حمالت الستعادة الحصون اإليبيرية في الشمال خاصة منها أصيلة وطنجة وسبتة رغم إلحاح الصلحاء. كان على السلطان بحسب االتفاق التنازل عن كامل غنائم المعركة للمقاتلين أي التنازل عن الخمس الذي كان يعود للخزينة السلطانية كان ذلك هو الثمن الذي تحو ل بموجبه موالي المنصور. أحمد وذلك مقابل والئهم له. إلى السلطان الشريف لقد أحمد ولكن اتفاق السلطان الشريف مع بعض قادة الجيش لم يكن إال مؤق تا. فبمجرد الوصول إلى فاس عادت المؤامرات بقو ة وأعاد كل فصيل تشكيل نفسه. األندلسي قد حاولوا القيام بتمر د لي نص بوا موالي اسماعيل. بل إن قواد الجيش ولكن السلطان الجديد وأنصاره أجهضوا المشروع وذلك بقتل أبرز قواد الفيلق األندلسي وبشراء والء اآلخرين وهو ما سنعود إلى الحديث عنه الحقا. ولم يكن هذا المشكل إال حلقة أولى في سلسلة طويلة من التمرد والمؤامرات المرتبطة بقضية التوريث التي كان على السلطان الشريف مواجهتها طوال فترة حكمه. التوريث العمودي أم األفقي بعد أشهر قليلة من توليه السلطة ألم بأحمد المنصور مرض شديد. ولم ا ظن المتطلعون إلى الحكم أنه في حالة النزع بدؤوا في التململ وبدا أن حرب توريث جديدة أمر ال مهرب منه. وبحكم وعيها باألضرار التي ستحملها حرب توريث ممكنة على استقرار البالد والمصالح االقتصادية قر رت النخب أن تتحر ك لمواجهة ذلك. فكان أن أرسلت إلى السلطان بعد تعافيه القائد مؤمن بن غازي العمري لترجوه أن يع ين وليا لعهده وذلك لتجنب أي أزمة توريث في المستقبل. وكانت حجة هؤالء بسيطة لكن ها حاسمة: استقرار البالد يرتبط بصورة كلية باستقرار مؤسستها العليا أي المؤسسة السلطانية. مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 86. اإلفراني نزهة الحادي ص 8. الفشتالي مناهل الصفا ص p..antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, 00

204 لقد كان تعيين وليا مطامعهم. اختيار المرشح لذلك. للعهد كفيال بضمان استمرارية الدولة وإثناء كل المتطلعين عن ونظرا القتناعه بهذه الحجة قر ر السلطان تعيين وليا للعهد ولم يبق إال كان على السلطان طبقا لألعراف العائلية أن يختار ابن أخيه موالي داوود ألنه أكبر أفراد العائلة الزيدانية سن ا. ولكن هذا األمر لم يحصل إذ فض ل عليه ابنه والي فاس موالي محمد الشيخ المأمون. وقد أصبح هذا االختيار رسميا في 4 شتنبر وهكذا للمرة الثالثة رغب أحد ملوك الساللة الشريفة ان ي غي ر نمط التوريث من األكبر سنا إلى ابنه البكر. وفضال عن ضمان بقاء الم لك في ذريته كان السلطان الشريف على وعي بأن "من بين كل أنماط التوريث كان التوريث في األعقاب وفي الع ص بة منهم هو األكثر مواءمة الستمرار بقاء الحكم والحيلولة دون وقوع االنقسامات الداخلية وخطر الهيمنة األجنبية" وذلك باعتماد بل إننا نجد أن العثمانيين قد حاولوا فرض هذا النمط من التوريث "قانون قتل اإلخوة" وهو القانون الذي أصلحوه فيما بعد بفرض على اإلقامة الجبرية مدى الحياة على كبار األمراء داخل الحريم األمر الذي دفع البعض إلى تسمية هذا المحبس بالقفص الذهبي. من الفائدة االقتصادية. ولم يكن هذا النمط في التوريث خاليا كذلك ففي نظام التوريث األفقي كان كل المنحدرين من العائلة يطالبون بلقب "األمير" وبكل ما يصاحبه من االمتيازات المالية والضريبية. وإذا كان هذا األمر مقبوال عندما يكون عدد "أصحاب الحقوق" محدودا فإنه يصبح عبئا ثقيال على خزينة الدولة عندما يبلغ ذلك العدد المئات بل األلوف من األمراء. فكان نمط التوريث في األعقاب يسمح من جهة أولى بإقصاء أكبر عدد ممكن من أفراد األسرة الحاكمة من شؤون الملك ويسمح من جهة أخرى بتقليص النفقات. وكيفما جرت األمور لم يكن لهذا االختيار أن يروق لألمير داوود وألنصاره الذين وجدوا أنفسهم يزاحون ببساطة عن شؤون الحكم. كان األمير داوود الذي قضى طائفة نفسه ص Antoine Louis Claude Destuit de Tracy, Commentaire sur l Esprit des lois de Montesquieu, p. 5. 0

205 كبيرة من طفولته ومراهقته بتلمسان والجزائر من األنصار األوائل لعمه عبد الملك. وقد شارك على غرار عمه موالي أحمد والمعارك التي أوصلت عمه إلى سد ة الحكم. واليا بصورة فعالة في جميع المفاوضات كما شارك موالي داوود في وادي المخازن حيث لعب دورا هاما على ما يبدو. بل إن فئة من الجند أرادت أن تنادي به سلطانا بعد انتهاء تلك المعركة. ونظرا لعلمه بطموحات ابن أخيه وشعبيته لدى طائفة من الجيش فقد قر ر السلطان الشريف تشديد المراقبة على موالي داوود. ورغم تعيينه "شرفيا" على مكناس فقد اصطحبه إلى مراكش وفرض عليه اإلقامة الجبرية. ولكن لم يكن هناك ما يدعو إلى افتراض أن موالي الوقت المناسب وليا للعهد جريا على العادة الشريفية أحمد لن يعين األمير داوود في لكن آمال األمير في الجلوس على الفرش السلطاني تبخ رت بتعيين ابن عمه محمد الشيخ المأمون وليا للعهد. فقر ر موالي داوود وكان محاطا ببعض األنصار الفرار من مراكش قاصدا سوس حيث تول ى قيادة تمر د كان قد اندلع قبل بضعة أشهر في جبال س كساوة. ونظرا ألهمية المتمر د تم تولية القائد أحمد الصغير الوزگيتي خال السلطان والحاجب محمد بن موسى على رأس قوات مزودة بأسلحة النار وذلك بهدف حمل األمير داوود على الخروج من الجبال. ولكن طرق المواصالت انقطعت نتيجة حالة الطقس السيئة في الشتاء األمر الذي منع القوات الشريفة من دخول المنطقة. ونظرا لعدم حيازته ألسلحة نارية فقد استغل األمير فصل الشتاء لمغادرة منطقة سوس واالستقرار بناحية د ر ع ة. وكان األمير يطمح انطالقا من هذه المنطقة الحدودية إلى ربط الصلة بالقوات العثمانية في الجزائر لطلب مساعدتها. ورغم أننا ال نمتلك أي وثيقة صادرة عن األمير المغربي يطالب فيها صراحة بالمساعدة العثمانية فإننا نمتلك لحسن الحظ رسالة محفوظة في أرشيف سيمانكاس رمضان باشا على األمير داوود التحالف معه. ]Simancas[ يقترح فيها الوالي ففي هذه الرسالة المؤر خة بشهر ماي Henri de Castries, SIHM, France, t. I, p. 59. Ibid., p. 58. الفشتالي مناهل الصفا ص

206 876 يؤك د رمضان باشا أنه يتابع بانتظام أخبار األمير ولكنه لم يكن يستطيع مد يد العون له أو أن يتراسل معه بحكم جهله بمكان نزوله على وجه الد قة. كما قام الباشا بتذكير األمير بالعالقات الجيدة التي كانت تربط أباه وعمه عبد الملك بالدولة العثمانية. وقد عب ر في األخير عن رغبة حقيقية في مد يد العون له بل عن رغبته في عقد تحالف. ولتحقيق ذلك كان الوالي ي زمع اإلقامة بتلمسان حتى يكون قريبا من مسرح العمليات. ومع ذلك جاءت المقترحات العثمانية متأخرة جدا. فللحيلولة دون أي تدخل عثماني يمكن أن يكل فه ملكه أرسل السلطان على عجل قواته لحمل موالي داوود على مغادرة هذه المنطقة الحدودية. والتحصن مرة وبعد عدة معارك غير حاسمة تمكن األمير من الهرب أخرى بالجبال التي يصعب الوصول إليها في منطقة سوس. حد لهذا التمرد الذي دام ما يقارب السنة أرسل السلطان اثنين ولوضع من أهم قواده وهما محمد بن إبراهيم بن بج ة ومنصور بن عبد الرحمان. وعند محاصرته فر األمير إلى جبال هوزالة وهرغة حيث سرعان ما أخرجه منها القائد وعندما طارده ابن بج ة. منصور التجأ األمير إلى جبال جط يو ة. ونظرا لتفرق األنصار من حوله لم يكن أمامه إال اختياران: اللجوء إلى األراضي العثمانية أو اإللتجاء إلى قبائل لود اي ا البدوية في انتظار تحسن األوضاع. وقد اختار األمير الحل الثاني ألسباب تبقى غامضة. وعوض أن ي عد حملة عسكرية للفراغ من أمر المتمرد قر ر السلطان هذه المرة استعمال سالح آخر ال يقل فاعلية عن الحرب أال وهو شراء الذمم. فمن المرجح أنه استطاع بفضل مبالغ عظيمة أن يقنع البدو الذين التجأ إليهم ابن أخيه بقتله وذلك من دون بذل مجهود أحمد بل إن كبير. عسكرية في شهر أبريل سوس. المنصور قد خرج قبل مقتل األمير داوود 876 على رأس حملة وذلك لإلشراف على نهاية العمليات وإعادة النظام إلى وقد تم في أقل من شهرين إشاعة األمن في المنطقة وإحصاء القبائل ووضع الضرائب وحمل بعض الرهائن إلى مراكش لضمان والء القبائل الجبلية. وقد تم رسالة رمضان باشا إلى األمير داوود 4.Archivo general de Simancas, Estado Legajo الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص 74. 0

207 االحتفال بالقضاء البيعة العامة لفائدة االبن على التمرد وتكريس نظام التوريث في األعقاب بتنظيم المحلة السلطانية على ضفاف وادي تانسيفت في 8 مراسم البكر للسلطان األمير موالي محمد الشيخ المأمون وذلك في 876. يوليو األمراء خطر دائم لم يكن لمقتل موالي داوود وتعيين المأمون وليا أمراء البيت السلطاني. للعهد أن ينهيا توجس المنصور من ففضال عن الطامعين في الفرش الموجودين بالمغرب كان ثالثة أمراء يعيشون في الخارج وكانوا يستطيعون الظهور في أية لحظة وهم موالي اسماعيل بن عبد الملك وموالي الناصر بن عبد اهلل الغالب وموالي الشيخ بن محمد المتوك ل. فخالل إقامته الطويلة في الدولة العثمانية تزوج موالي عبد الملك من ابنة القرصان الشهير الريس مراد. وكانت ثمرة هذه الزيجة هي موالي اسماعيل. وعندما مدت الدولة العثمانية يد العون لألمير عبد الملك ترك هذا األخير زوجته وابنه الصغير بالجزائر حيث ستتواصل إقامتهم إلى حين وفاته أثناء معركة وادي المخازن سنة.875 وعلى أرض المعركة ذاتها حاول جزء من الجيش السلطاني خاصة الفصيل العثماني أن ينادي عبثا باألمير اسماعيل ولي ا لألمر. السنوات األولى من حكما لحمله على االعتراف لسلطان المنصور أن يستعملوا بسيادة السلطان العثماني. وقد حاول العثمانيون خالل "ورقة" موالي اسماعيل وبينما تم نقل موالي إسماعيل إلى اسطنبول تزوج البايلرباي حسن فينيزيانو أم ه وأصبح بذلك ولي أمره الشرعي وحاميه. وقد سعى السلطان الشريف الذي كان بصدد قطع العالقات مع الباب العالي وهو ما سنراه الحقا أن يلط ف األجواء بإرسال الهدايا إلى األمير 4 وتبادل الشاب Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p Ibid., p. -. نفسه ص مجهول تاريخ الدولة السعدية ص

208 رسائل ودية معه. ولكن الخوف من تدخل عثماني بالمغرب سنة 878 بتعل ة تنصيب موالي اسماعيل دفع السلطان إلى العمل على اغتيال ابن أخيه. فأرسل سفارة إلى اسطنبول كان هدفها الرسمي هو التفاوض في تحقيق السالم مع الباب العالي بينما كان هدفها غير المعلن اغتيال األمير الصغير. سقوه السم. وده وبعد أن تمكن مبعوثو السلطان من كسب ورغم نجاته من الموت فإن األمير حسب ما يذكر األسير البرتغالي أنطونيو دي سالدانيا فق د عقله. وعلى الرغم من استمرار حسن فينيزيانو في التلويح من حين آلخر بالتدخل لصالح موالي اسماعيل بحكم قيامه على واليته فإن ه لم يكن 4 على السلطان أن يخشى شيئا من جهة العثمانيين بدءا من سنة. 87 لقد كانت مخاوف السلطان األقوى واألكثر دواما كانت تأتي من جهة فبعد اإلسبان. معركة وادي المخازن استطاع أميران مغربيان هما الناصر والشيخ أن يلتحقا بثغري أصيلة ومازاگان البرتغاليين. 5 وقد تم نقلهما بسرعة إلى لشبونة. ويبدو أن البرتغاليين كانوا ينوون استعمالهما في عملية التبادل مقابل العشرات من النبالء البرتغاليين الذين 6 بقوا في األسر بالمغرب. للبرتغال سنة اإلسبان ولكن وفاة الملك-الكردينال هنري ] [ 876 قلبت األوضاع. األميرين المغربيين للضغط على السلطان. فقد كان فيليب الثاني وضم ينوي استعمال وقد كان يريد منع التحالف بين السلطان 7 الشريف والدولة العثمانية والحصول على تنازالت ترابية خاصة مرسى العرائش. فانطلقت المفاوضات بين الجانبين اإلسباني والمغربي. وعد السلطان بقطع كل العالقات مع العثمانيين وهو أمر كان يخدم مصالحه بصورة جيدة كما وعد بتسليم مرسى العرائش إلى اإلسبان في أقرب وقت المطالبين بالحكم كانت تحضر مرات كثيرة في ممكن. وعلى الرغم من أن قضية المفاوضات فإنها لم تكن إال ورقة مجهول المخاطبات السلطانية و -5. وتعود الرسالة التي بحوزتنا إلى شهر مارس من سنة Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p Chantal de la Véronne, «Séjour en Andalousie de deux princes sa diens après la bataille d el-qçar el-kebir [ ]», REMM, nº 7, 970, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid., p. 8, p. 8 et p. 64 p

209 ضغط من بين ورقات أخرى. ونظرا لتخو ف السلطان من التي قد االضطرابات ت سببها عودة أحد المتطلعين للحكم فقد عمل على التحصن من ذلك بحكم عجزه عن قتلهما. بعد سنوات من المجهودات الدبلوماسية استطاع السلطان أن يحصل على رهينة ذات أهمية بالغة هو دون كريستوباو أنطونيو ]Don Cristóvão[. ]Don Antonio[ ابن المطالب بعرش البرتغال دون وبفضل براعته الدبلوماسية استطاع السلطان أن يضمن إبعاد المطالب ين بالعرش عن البحر وذلك سنة 874. فبينما تم نقل موالي الناصر إلى أوتريرا ]Utrera[ ن قل ابن أخيه إلى قرمونة. ]Carmona[ تنص ر موالي الشيخ بن المتوك ل وتم تعميده باإلسكوريال في عر ابه هو الملك فيليب الثاني وعر ابته هي الملكة إيزابيل. وبعد مضي أربعة سنوات واتخذ وكان 874 نونبر موالي الشيخ اسم دون فيليب الشريف وأصبح فارسا في جماعة سانتياگو وأحد كبار نبالء إسباني ا. ومن المرجح أن السلطان قد تلق ى هذا الخبر ببالغ السرور ألنه تخلص بذلك من مطالب بالحكم كان يستطيع أن يتسبب له في المشاكل. ولم يبق عندئذ إال موالي الناصر الذي تسبب فعال في العديد من المشاكل للسلطان وهو ما سن فص ل القول فيه الحقا. بعد القطيعة الحرب معهم. النهائية مع العثمانيين سنة فباإلضافة إلى االستعدادات 878 كان السلطان الشريف يتوق ع نشوب العسكرية عمد أحمد المنصور ومساعدوه قصد التحص ن ضد األمراء الذين يستطيعون في كل لحظة أن يطالبوا بالحكم إلى القبض على أكثرهم خطورة خاصة منهم ذرية عم ه موالي أحمد. فكان أن طلب من ستة عشر أميرا أن يرافقوه في زيارته إلى فاس سنة وعند توق ف المحل ة السلطانية على مشارف الدار البيضاء من جهة تادلة استدعى السلطان أهم مستشاريه أي ابراهيم السفياني ومؤمن بوك ر زي ة وعزوز الوزگيتي. عب ر موالي أحمد أثناء هذا الفشتالي مناهل الصفا ص 868 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 8 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid., p. 04 et Pays-Bas, t. I, p. 4 ; le même, «Princes musulmans convertis au christianisme», Mémorial Henri Basset, t. I, p الفشتالي مناهل الصفا ص

210 اللقاء عن مخاوفه من أن يخرج عليه أحد األمراء في الوقت الذي كان عليه أن يرك ز كل جهوده على إبعاد الخطر العثماني الذي ي حدق بالبالد. األمراء المرافقين له وذلك لتجن ب ابراهيم السفياني بالنموذج العثماني االضطرابات "السيء" المحتملة. فكان أن اقترح إيقاف كل وبينما استشهد القائد وذلك للتعبير عن رفضه للفكرة فإن القائدين اآلخرين وافقا على اختيار السلطان مقترحين حال نهائيا هو قتل األمراء أو سمل أعينهم األمر الذي يجعلهم غير مؤهلين شرعا للمطالبة بالسلطنة وفقا لألحكام الفقهية. وفي اليوم الموالي لهذا االجتماع لصيد األسود دعا إليها األمراء الستة نظ م السلطان الشريف بالتواطئ مع مساعديه رحلة عشر. وفي الليل دعاهم إلى مشاركته العشاء وتبادل أطراف الحديث. وما إن انسحب السلطان من الخيمة التي تم تنظيم العشاء فيها حتى دخل القائدان عزوز ومنصور بن عبد الرحمان صحبة رجالهما وقاما بإلقاء القبض على األمراء. وبينما تم قتل أحدهم في الحين فقد وقع تقييد الباقين وس وقهم إلى 4 مراكش حيث تم سمل أعينهم قبل إلقائهم في السجن. وما إن وصل إلى فاس حتى قام السلطان بنشر إشاعة تقول بأن السفير العثماني عبد الرحمان كتانيو لم يقدم إلى المغرب إال لتهريب أحد حفدة عمه السلطان موالي أحمد وهو المدعو أحمد األبيض. 5 واعتمادا على هذه التعل ة أمر السلطان بإيقاف الكثير من األمراء اآلخرين. وعلى الرغم من أن أحمد المنصور استطاع بين سنتي و أن يوط د ملكه داخل المغرب وأن يزيح بصورة نهائية الخطر العثماني وينطلق في سياسته التوسعية فإن مشكل التوريث كان يمثل هاجسا بالنسبة إليه خاصة وأن أبناءه كانوا يكبرون وتكبر معهم مطامعهم في وراثته. وفي هذا السياق نظ م السلطان بيعة جديدة البنه البكر محمد الشيخ المأمون في شهر يونيو 877 وذلك في جهة تامسنا. وحسب األدبيات Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 66. Ibid., p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid., p. 7. الماوردي األحكام السلطانية ص

211 المخزنية فقد نظ م صاحب المغرب هذا االحتفال لسببين رئيسيين: جمع كل وجهاء البالد وكل أبنائه كي يتم االعتراف بوالي فاس وريثا نهائيا وأوحدا للم لك وإجبار جميع أبنائه على االعتراف أمام المأل بأخيهم باعتباره كذلك. ن ظ مت المراسم على مرحلتين. د ع ي في البداية أغلبية أعيان البالد ألداء البيعة لألمير في حضور أبيه وفي الغد ن ظ م طقس ثان ليؤدي ابناء السلطان بدورهم ق س م البيعة ألخيهم األكبر. وبعد أن أك د على شرعية البيت الشريف وعلى طموحه في حكم األمة اإلسالمية جمعاء بفضل حقوقه المتعالية والفقهية والتاريخية إلى أن يرث اهلل األرض ومن عليها قام عهد البيعة الذي كتبه الفشتالي بأسلوب متكل ف بالتركيز على الطريقة شديدة الدقة التي اختار بها السلطان ولي العهد. فقد استخار اهلل في أمره وقام بأخذ رأي األعيان التزاما ب"الشورى". بل إن السلطان لم يكتف بالمشورة اإللهية والمشورة البشرية فقام باختبار ابنه في شؤون الملك ليقف في نهاية المطاف على جدارته بوالية األمر من بعده. كما قام السلطان في عهد البيعة هذا بتبني نظام التوريث العمودي مقصيا بصورة نهائيا كل أفراد البيت المالك خاصة منهم أبناءه اآلخرين. فقد كان من حق ولي العهد بعد تول يه الحكم أن يختار من يشاء ليخلفه. وهكذا ي ظهر رس م تجديد البيعة هذا بطريقة ال لبس فيها رغبة السلطان في إقامة قواعد للتوريث تكون واضحة أمال في تجنيب البالد الوقوع مر ة أخرى في فوضى حروب التوريث. وليضمن البنه الم ل ك استمر السلطان في مطاردة المتطلعين المحتملين للحكم واضطهادهم. وسمل أعينهم فأثناء إقامته بفاس سنة وهي 874 قام بإيقاف العديد منهم آمرا بتعذيبهم "عملية كان الكثير منهم يموتون على إثرها". وقد جاءت هذه المطاردات في سياق وطني ودولي مخصوص. ذلك أنه خالل سنتي 87 و 874 كان السلطان يستعد بفاعلية لغزو السودان الغربي بعد وذلك تغازى واستقبال أمير سوداني طامح إلى حكم بالده كما كان على منجم االستيالء ينهج أيضا سياسة الفشتالي مناهل الصفا ص -54. نفسه ص 4-. مجهول تاريخ الدولة السعدية ص

212 اوروبية حيوية انتهت في شهر شتنبر 874 بتحرير ثغر أصيلة. وباإلضافة إلى ذلك وعلى الصعيد الداخلي كان السلطان قد أنهى من جهة أولى تمرد القبائل البدوية بمقاطعة أزغار ]الغرب حاليا[ ووضع من جهة ثانية حدا لتمر د "الدعي " ابن قراقوش األمر الذي كان يسمح له عندها بالتفر غ الهتماماته السودانية واالوروبية. ثورة ابن قراقوش وتقوية النزعة الشريفية يبدو أن أصول هذه الشخصية الغامضة تعود إلى مدينة مكناس حيث كان يعمل في الحايك. صناعة وفي ردهة من حياته أصبح متصوفا يهيم على وجهه بين القبائل الجبلية شمال البالد بحثا عن المريدين. ثم استقر به الحال في قرية تيزيران في بالد غ مارة وتزوج ابنة أحمد بن موسى شيخ قبيلة بني خالد. وبعد أن جلب إليه عددا كبيرا من المريدين والدعم أعلن ابن قراقوش أنه من ساللة النبي بل ادعى أنه ابن السلطان الغالب باهلل التاريخية وأنه المهدي المنتظر جاء إلحالل السالم والعدل كما جرت عليه العادة "الوطنية". المنطقة بأسرها و السيما في بالد الهب ط. ولم يزده تصريحه ذاك إال تعزيزا لسمعته وتقوية تأثيره في وعلى شاكلة غالبية المتمر دين المغاربة استغل ابن قراقوش قساوة الشتاء التي تنقطع بسببها كل المواصالت تقريبا في العديد من المناطق ليعلن نفسه يوم 875 نونبر 5 الشريفة. سلطانا ويتخذ كل الشارات والمراسم وفي الربيع أرسل ولي العهد وحاكم فاس جيشا من ستة آالف رجل يتقدمهم القائد محمد بن بج ة. سحقوا قوات 87 وكانت الحملة مجرد سياحة ألن رجال ابن بج ة ومنذ شهر أبريل سنة المتمرد وهم في الواقع جبلي ون سي ء تسليحهم قليل انضباطهم. حاول ابن قراقوش في البداية االحتماء في أحد الثغور اإليبيرية شمال المغرب غير أن فطنة رجال المخزن في تلك المنطقة دفعته إلى التحص ن في نواحي وادي المخازن. وإضافة إلى اإلجراءات األمنية المعتادة يبدو أن رجال المخزن قد قاموا بحملة دعائية الفشتالي مناهل الصفا ص 88. نفسه ص 44. القادري نشر المثاني ج 8 ص 0. 09

213 حقيقية لتشويه المتمرد عبر نفي صفة الشرف عنه وانتمائه للعائلة السلطانية. ولذلك سم اه الف شتالي ببساطة الدعي وهو مصطلح انتقاصي كنا قد بي نا أعاله أبعاده السياسية والقانونية. وقد شارك األشراف األدارسة أنفسهم وكانوا ذوو شو كة قوية في تلك المنطقة في تلك الحملة بشكل حثيث. وال شك أنهم خافوا على امتيازاتهم وعلى ما يتمتعون به من تأثير على سكان ذلك المنطقة. وقد برز منهم بشكل خاص شخص ي دع ى عبد اهلل بن عبد الرحمان الذي يعود الفضل ليقظته في إيقاف السلطات المحلية للهارب. يروي الف شتالي أن ابن قراقوش أرسل ثالثة من أتباعه المتخف ين في زي المتصوفة للبحث عن طعام في أحد أسواق منطقة القصر الكبير. سوق صغير فضول قصبة سريف. وبعد االستجواب اختفاء شيخهم. القصر الكبير أحمد بن عبد اهلل وقد أثار حضور هؤالء األغراب الثالثة في الشريف عبد اهلل بن عبد الرحمان الذي أوقفهم وسلمهم إلى قائد الذي ال شك أنه كان عنيفا دل المشتبه فيهم رجال القائد على مكان فوقع اعتقاله مع زوجته دون اللجوء إلى القوة ووقع تسليمه إلى والي ولي العهد بإعدامه في 85 يونيو الكوش. وبسرعة تم نقل ابن قراقوش إلى فاس ليأمر. 87 وفي حين أن جثته ع لقت على الب رج الجديد بجانب باب الس بع فإن رأسه أرسلت إلى مراكش حيث ع رضت على رمح في الساحة المركزية للقصبة الموحدية. وبعد بضعة أشهر أعلن السلطان عن عفو 4 المنطقة جميعهم باستثناء قرية تيزيران التي تم تدميرها وتهجير أهلها. يشمل سك ان وإذا تجاوز الطابع الحدثي لتمرد ابن قراقوش يمكننا مالحظة تغير هيكلي في أساليب االستيالء المحلي. على السلطة. فقد تكرست النزعة الشريفية وتغلغلت في الديدن السياسي بالفعل فألجل استجالب الناس وتكوين قاعدة صلبة أحس المرابط ابن يتعلق األمر بال ريب بمختلف فروع األشراف الع ل م يين ح ماة زاوية الشيخ عبد السالم بن م شيش المربحة جدا ماديا ومعنويا. الفشتالي مناهل الصفا ص يروي القادري عن مصدر معاصر أن اإلعدام حصل يوم 4 يونيو الفشتالي مناهل الصفا ص 40. 0

214 قراقوش بالحاجة ال إلى اد عاء األصل الشريف فحسب بل ادعاء االنتماء للبيت السلطاني. أما قبيلة بنو خالد التي كانت ال شك تأمل في السيطرة على المنطقة لم يكن في وسعها تحقيق ذلك باالعتماد على العصبية القبلية فحسب. كان ال بد لها من عقيدة ما فوق قبلية وتوحيدية للتمكن من بسط هيمنتها ويبدو أن الشريفية كانت تلك العقيدة المؤل فة و"النافعة". وهكذا أضحت كل المشاريع السياسية الطموحة تجعل من الشريفية أحد أركان عقيدتها حتى القرن العشرين. والعي اشية وغيرهما اما المشاريع التي تتجاهلها مثل الد ال ئية لم تتمكن من تحقيق مرادها والسيطرة على البلد بأجمعه اعتمدت على العصبية القبلية وتدي ن الماسكين بزمامها وفكرة الجهاد. وإن لم يعمل انتصار الشريفية على التخفيف من مشكلة التوريث بل عمد إلى قصره على فئة اجتماعية محد دة. كان كل األشراف في البلد وعددهم يتزايد يوما بعد يوم وخاصة أعضاء البيت السلطاني ال يفر طون في أي فرصة للتعبير عن طموحاتهم السياسية بمحاولة االنقضاض على الحكم. فقد كان السلطان الشريف المنصور مجب ر ا طيلة حكمه على مواجهة عدد كبير من أفراد عائلته للحفاظ على سلطانه ومن بين تلك المواجهات على وجه الخصوص تصد يه للثورة الخطيرة التي قادها ابن أخيه موالي الناصر. الرجل الذي ارتعدت فرائص له المنصور ع ر ف ابن السلطان الشريف عبد اهلل الغالب هذا عشرين سنة قبل محاولته االستيالء على الحكم سنة 8747 بطموحه وتقلبه. فقد سبق أن حاول حين كان واليا على مكناس االنقالب على أخيه محمد المتوكل سنة وقد عمد هذا األخير إلى سجنه في جهة تادلة ثم جهة د ر عة قبل أن يطلق عم اه موالي عبد الملك وموالي أحمد سراحه بعد ذلك بسنتين وينضم إليهما في حمالتهما ضد أخيه بين سنتي 8750 و 875. ولكن قبل معركة وادي المخازن وظن ا منه أن البرتغاليين سينتصرون سارع األمير موالي على سبيل المثال فقد اد عى المرابط الثائر ابن أبي م ح ل ي االنتساب إلى العباسيين بعد بضع سنوات من وفاة المنصور. وفي بداية القرن العشرين اد عى الثائر بو حمارة الذي استولى على الشمال الشرقي للمغرب أنه أحد أبناء السلطان الح س ن األول. كما أن المعارض الص وفي عبد السالم ياسين في وقتنا الحاضر اد عى األصل الشريف.

215 الناصر بالهرب الفجائي من المحل ة السلطانية وااللتحاق بمخيم الملك سيباستيان. ووقع إجالء الهارب بشكل فوري إلى ثغر أصيلة حيث قضى أكثر من سنة قبل نقله إلى لشبونة. ومنذ وصوله إلى البرتغال حيث استقر مع ابن أخيه موالي الشيخ بدأت المطالبة بموالي الناصر في نفس الوقت من السلطان الشريف أحمد المنصور الخائف على ملكه ومن الملك فيليب الثاني الذي كان يعتقد أن األمير يمكن أن يشكل ورقة رابحة في المفاوضات مع الجار المغربي. وبالرغم من أن األمير المغربي قد أرسل إلى الملك فيليب الثاني منذ اعتالئه عرش البرتغال رسائل يؤكد له فيها رغبته الصادقة في خدمته إال أن هذا األخير لم يكن ليرتاح له ما دامت تربطه عالئق طيبة بالسلطان. وطيلة السنوات الثالثة التي قضاها في البرتغال حاول األمير اإلبقاء على صالته مع أعضاء من عائلته وبعض من أتباعه في المغرب. فقد استفاد من العودة المؤقتة لسفير البرتغال بالمغرب فرانشيسكو دا كوستا إلى لشبونة ليحمله برسائل إلى أتباعه وإلى أخواته الالتي بقين في مراكش. البرتغالي. وقد أرسلن له جوابات تأييد وأمواال مع الوكيل ولكن السلطات المخزنية اكتشفت األمر في التوقيت المناسب وعمدت إلى اعتقال الدبلوماسي البرتغالي ومصادرة المال والمكاتبات. السلطان من معرفة أمرين مطمئنين و في غاية األهمية: وقد مك ن ذلك على االطالع االعتقال المشاريع السياسية البن أخيه واكتشافه أن موالي الناصر ال يحوز على أي دعم جد ي داخل البلد أو خارجه. 87 سنة وفي وبعد أن يئس من الدعم اإلسباني حاول األمير إقناع السلطات الحاكمة في مدريد "بأنهما هو وابن أخيه موالي الشيخ م ر ض يان" عند المنصور وذلك حتى تسمح لهما بالعودة إلى المغرب. ولكن فيليب الثاني الذي كان يفضل إبقاءه وسيلة ضغط رفض ذلك العرض بكل لطف واقترح عليه القدوم لمقابلته في مدريد في شهر الفشتالي مناهل الصفا ص Henri de Castries, SIHM, France, t. I, p. 45 et p. 599 et Angleterre, t. I, p.. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 6-8.

216 يوليو. 87 ومنذ ذلك الحين ولمدة ست سنوات اختفى أثر األمير. ولم يظهر اسمه من جديد في السجالت الرسمية للحكومة اإلسبانية إال في سنة 874. ففي شهر ماي من هذه السنة غي ر الملك فيليب الثاني إقامة رهينته من البرتغال إلى مدينة أوتريرا وهي قرية أندلسية صغيرة بعيدة عن البحر حيث س ل م إلى عناية دوق مدينة سيدونيا. وبعد هزيمة األرمادا الشهيرة في 874 خشي فيليب الثاني أن يحاصره أعداؤه خاصة وأن السلطان الشريف يحتجز هو أيضا رهينة في شخص دون كريستوباو ابن األمير البرتغالي المتطلع دون مفاوضات مع السلطان. انطونيو. اضطر فيليب الثاني إذن إلى الدخول في ولضمان تحييد المغرب كان على إسبانيا التنازل عن ثغر أصيلة وإبعاد األميرين عن البحر لتفادي فرارهما. بتلك الشروط حرفيا. وقد التزمت السلطات اإلسبانية ونتيجة للظروف الصعبة جدا التي مر بها األمير موالي الناصر وللحجم الكبير لحاشيته التي كانت تعد 45 طلب زيادة نفقته ما يمك نه من العيش بكرامة. شخصا اضط ر في األشهر األولى إلقامته بأوتريرا إلى ولكن تلك المساعي فشلت. غير أن الصعوبات المادية التي كان األمير المغربي يعيشها لم تمنعه من مواصلة نشاطه السياسي. فقد تلقى في يونيو 874 رسالة من المتصوف فارس اله نتاتي من شمال شرقي المغرب يدعوه فيها إلى العودة الفورية لرغبة السكان في توليه الحكم. وقد أزعجت تلك التحركات السلطان ما دفعه إلى إرسال مترجمه اليهودي المسمى الر وطي الستئناف المفاوضات مع دوق مدينة سيدونيا بهدف تهدئة حماسة ابن أخيه. وبالرغم من تحس ن عائداته المادية في السنوات التالية إال أن المتطل ع المغربي لم يتخل عن حلمه في االنقالب على عم ه وواصل االتصاالت مع مناصريه في المغرب. وتروي بعض المصادر اإلسبانية أنه تمكن من ربط عالقات مع األندلسيين المسلمين في منطقة مدينة سيدونيا الذين كانوا يحلمون بظهور زعيم جديد يحيي أمالهم في Chantal de la Véronne, «Séjour en Andalousie de deux princes sa diens après la bataille d el-qçar el-kebir [ ]», REMM, nº 7, 970, p. 88. نفسه ص 84. نفسه ص p..mercedes García-Arenal, Cartas marruecas,

217 االستقالل بعد فشل ثورة البشرات سنة. 870 وقد دفعت تحركات األمير المغربي المريبة تلك بالملك فيليب الثاني إلى أن يطلب منه مغادرة اسبانيا في نونبر 874 مع التأكيد أنه لن يتلقى أي عون من السلطات اإلسبانية. ولكن المتطل ع المغربي لم يتمكن من ترتيب أمر رحيله عن ديار إسبانيا إال بعد سنة من ذلك. إذ باإلضافة إلى نقص موارده المالية التي عطلت الحصول على مراكب ضرورية لحمل حاشيته المتزايدة يوما بعد يوم فإنه يبدو أنه كان مضطرا لترقب نتيجة المفاوضات التي كان يقوم بها أعوان فيليب الثاني الرسميون وغير الرسميين مع السلطان ورؤوس المخزن. وبعد يأسه من نتيجة تلك المفاوضات قرر فيليب الثاني أخيرا كراء مراكب لحمل األمير والسماح له بمغادرة التراب اإلسباني نهائيا. وفي يوم األحد غادرت 8747 ماي 5 المراكب الحاملة لموالي الناصر وحاشيته التي تعدت 876 شخصا ميناء مالقة لتحط الرحال من الغد في مرسى ثغر م ل يل ي ة المحتلة. ومنذ وصوله إلى مليلية بايعته العديد من قبائل المنطقة وخاصة قبيلة أوالد ش عيب مدفوعين ال شك بتحريض من المرابط فارس الهنتاتي. وعندما تمكن من جمع محل ة كبيرة جديرة بالسلطان غادر موالي الناصر ثغر مليلية يوم 6 ماي ليستقر في جبال 4 غ ياثة ومطغرة شمالي البالد. فيليب بالخبر أمر لم يكن السلطان الشريف يتوقع مثل تلك الخطوة من 5 الثاني المعروف بحذره الشديد لذا كانت مفاجأته كبيرة. وفي اليوم الذي علم فيه أحمد 6 بحرسه وخواصه. المنصور أن تجهز محلته في باب أغمات حيث قضى ليلته محاطا Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 06. Chantal de la Véronne, «Séjour en Andalousie de deux princes sa diens après la bataille d el-qçar el-kebit [ ], REMM, nº 7, 970, p ; Mercedes García-Arenal, Cartas marruecas, p ; Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p. 90; عبد اهلل گنون رسائل سعدية ص 74. الفشتالي مناهل الصفا ص عبد اهلل گنون رسائل سعدية ص الفشتالي مناهل الصفا ص Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 04 ; 4

218 وفي اليوم الموالي بدأ بتعبئة قواته. كما أمر أتباعه الخ ل ص بتجميع فرسان قبائلهم في أجل ال يتجاوز الخمسة عشر يوما ووقعت دعوة كل كتائب الجيش التي انتشرت لتحصيل الضرائب. وفي غضون بضعة أسابيع تمكن السلطان من تعبئة حوالي عشرة آالف جندي نظامي وعشرين ألف فارس من البدو الذين أغدق عليهم مسبقا نفقة سنة كاملة. ولكن خطوته األولى لم تكن عسكرية بل سياسية. فقد حاول التفاوض مع المتصوف الهنتاتي حول اغتيال المتمرد مقابل مبلغ كبير من المال ولكن الشيخ لم يقتصر على رفض مقترح السلطان بل زو ج إحدى بناته موالي الناصر مؤكدا بشكل نهائي تحالفهما. وقد شكل فشل المفاوضات مع المرابط بداية األعمال العسكرية. فبعد أن أقنع أباه بعدم الخروج لمالقاة المتمرد بدأ ولي العهد محمد الشيخ المأمون مدعوما بقيادة عسكرية تتركب من العلج مصطفى باشا ومؤمن بوكر ز ية ومحمد بن بج ة وابراهيم بن گ وت ي يريس اإلستعداد للمعركة. جندي نظامي دفع المأمون رواتب ستة أشهر لخمسة عشر ألف قبل أن يرسل القادة محمد بن بج ة وإبراهيم بن گ وت ي يريس وعبد اهلل أعراس على رأس فرق ثالثة من الجنود النظاميين لتأمين الطريق 4 تازة البوابة الشرقية للسلطنة الشريفة. وتدعيم دفاعات ولكن الفريق الذي كان يقوده عبد اهلل أعراس وقع في كمين نصبته له قوات موالي الناصر عند ش عب الفر س غير بعيد عن تازة. وبينما فر جزء من الفريق انضم القسم اآلخر الذي قارب عددهم األلف وستمائة بحسب الفشتالي وخمسة آالف حسب سالدانيا إلى الثوار الذين استولوا بالمناسبة على كثير من األسلحة والمؤونة. التحاق حامية المدينة بهم. يوليو 8747 كل القبائل في المنطقة على االنضمام وبعد حصار قصير فتحت تازة لهم أبوابها ما أدى إلى وقد دفعت الحملة التي وقعت في األسبوع الثاني من شهر 5 إلى صفوف الثائر. وبذلك تمك ن Ibid., p. 08. Ibid., p نفسه ص الفشتالي مناهل الصفا ص 858. نفسه ص p. 08.Henri de Castries, SIHM, France, t. II, 5

219 موالي الناصر في أقل من شهرين من تكوين جيش تراوح مقاتلوه بين تسعة وخمسة عشر ألف رجل ومن االستيالء على كل الشمال الشرقي للبالد. ولما علم السلطان الشريف بالخبر وكان في محل ته على ضفاف تانسيفت يوم 7 يوليو 8747 أرسل في الحال أحد أصفيائه القائد جديدة لولي العهد. أحمد بن عادل مع مائة رجل وتوجيهات كان يريد االنتهاء من ذلك التمرد بشكل سريع ألن البوادي بدأت تتململ وأصبحت الطرقات أقل أمان ا بسبب اضطرابات القبائل البدوية. كما أن عددا متزايدا من المتصوفة المنتمين إلى الطريقة الجز ولية بدأوا بتقديم الدعم للمتطلع الشريف ما من شأنه أن يخلق مشاكل حقيقية للسلطان إذا لم يتمكن من التحكم في الوضع بسرعة. بيد أن العلماء والمرابطين الحضريين والسيما أتباع الطريقة الزروقية كانوا يساندون السلطان ويحرضون الناس على دعمه واالبتعاد عن الفتنة التي توشك أن تقسم األم ة. وفي الميدان انشق جزء من القوات المنتمية إلى كتيبة ش ر اگة مما اضطر األمير وحاجبه مصطفى باشا الى اعادة ترتيب الجيش الذي يصل تعداده إلى تسعة آالف وخمسمائة رجل وتعزيز تحصينات مدينة فاس. وثمانمائة رجل المنتمين إلى ش ر اگة وقت المعركة ولكن الباشا كان يخشى خيانة األلف بسبب العصبية القبلية وعدم رضاهم عن وضعيتهم المادية مقارنة مع وضعية نظرائهم من األندلسيين والعلوج كما كان يخشى خيانة أهالي فاس لذلك استدعى كل األعيان وهددهم بتدمير المدينة إذا ما بلغه أي خبر عن اتصالهم أو تواطئهم مع 4 "المتمرد". ومن ناحيته فقد كان أمام موالي الناصر خياران: إما أن يتوجه صوب منطقة القصر الكبير ليغنم موارد مالية أكبر ويضم أعداد ا من السكان إلى صفوفه أرهقتها سياسة المركزة التي يتبعها المخزن وذلك قبل مهاجمة فاس أو التوجه مباشرة إليها Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 08 et p. -4 ; Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p. 90. Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p نفسه ص

220 وخصوصا أنقادة ش ر اگة المتواجدين داخل المدينة أبدوا استعدادهم لاللتحاق به إذ أن سقوط هذه المدينة بين يديه يعني سقوط شمال البالد كله بشكل شبه آني. وبتحريض من ش ر اگة الذين خل فوا نساءهم وأطفالهم في فاس قرر المتطلع الزحف إلى العاصمة اإلدريسية. ويبين هذا االختيار أن موالي الناصر أمسى في الحقيقة رهينة ش ر اگة ال يقطع أمرا إال بمشورتهم. بيد أنه وعلى طول الطريق الرابطة بين تازة وفاس كان الغاضبون من السياسة السلطانية وعديد السكان البدو وقطاع الطرق الجبليون ينضم ون تباع ا إلى جيش موالي الناصر طمعا في الغنائم. عب أ األمير المأمون قواته وخرج من المدينة لمالقاة العدو. ووقع الن زال أسفل جبال مطغرة عند الموقع الذي يقال له عقبة ق بالة غير بعيد عن فاس يوم الخميس غشت.8747 قوات وبسرعة كان للتفوق الفني والتقني لقوات السلطان القول الفصل على شجاعة "المتمرد". ساعات قليلة من المعارك كانت كافية للقضاء على قوات موالي الناصر وإصابة هذا األخير إصابة خطيرة. وصل خبر النصر إلى مراكش في العاشر من غشت. ت ريلليو ]Pierre Treillault[ وروى الوكيل الفرنسي ب يار ذلك الحدث قائال "كان الملك أحمد مسرورا جدا بالنصر وأمر بإطالق المدفعية في محلته وهي ح ص ن الملك وبيته ]المتحرك[ وأطلق الجنود البارود من بندقياتهم ثالثة مرات كما لعب الق و اد بالحراب بل إن موالي أبا فارس األخ الشقيق للشيخ المأمون قد أخذ يلعب بالحربة بنفسه وكذا فعل القائد عزوز الرجل الثاني 4 بعد الملك". وأرسل السلطان جوائز سني ة للجنود واألمير والباشا والقواد. غير أن تلك الفرحة لم ت نس المنصور وأعضاده أن القضاء على موالي الناصر بقتله هو وحده الكفيل بإنهاء المشكلة. طارد القائد مؤمن بوك ر ز ي ة الثائر في الجبال الشرقية للبالد أياما متوالية. وبعد أن حاول المتطل ع االحتماء في مدينة تازة أمكنه اللجوء بالنهاية إلى نفسه ص 8-86 و 80. نفسه ص 8. الفشتالي مناهل الصفا ص ; 06-0 p. Henri de Castries, SIHM, France, t. II,.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p.. 7

221 منطقة دار ابن م ش ع ل في جبال بني ي زناسن على التخوم المغربية العثمانية م جب ر ا بذلك القائد إلى العودة من حيث أتى. ويمكن تفسير التجاء الناصر إلى التراب العثماني عوض ا عن الثغور اإلسبانية كو ن اإلسبان قد تخلوا عنه نهائيا. ولكن لماذا لم يطلب الدعم العثماني ألن مطلبه تزامن مع تصدي السلطات في الجزائر للمتمرد أحمد بن القاضي الزواوي الذي كان يتمتع بدعم قوي من اإلسبان وبالتالي فال مصلحة استراتيجية لهم في الوقوف إلى جانبه. ومن ناحيته وخوف ا مما قد ينجر عن تلك األحداث قام السلطان بحملة نشطة لدى باشا الجزائر والباب العالي نفسه لقطع الطريق أمام أي تحالف للمتمرد مع السلطات العثمانية. وبعد تبادل للرسائل وعد باشا الجزائر ليس فقط بعدم تقديم أي إعانة للناصر بل والسماح للقوات الشريفة بالدخول إلى األراضي العثمانية لمالحقة الثائر بشكل أفضل. وبعد أن اطمأن من جهة العثمانيين بادر السلطان بفرض األمن وبمعاقبة القبائل التي أعلنت العصيان واستخالص الضرائب. كما استفاد من تلك الحيادية ومن ضعف المتمرد ليقطع عالقاته الدبلوماسية مع إسبانيا. وليقينه بأن ابن أخيه كان لعبة بيد فيليب 4 الثاني أمر السلطان الشريف بإلقاء القبض على ممثل إسبانيا بلتزار بولو [ Balthasar اإلقامة الجبرية رهن ووضعه ]Polo ومنعه من االتصال 5 بالخارج. القطيعة مع اسبانيا نهائية على األقل إلى حدود وفاة السلطان سنة 806. ولكن الثائر كان ال يزال على قيد الحياة وإن أصيب بجراحات بليغة. وبذلك أصبحت وقد كانت التضاريس الوعرة للمنطقة ونفوذ المرابط فارس الهنتاتي في الجبال إضافة إلى صعوبة شتاء ذلك العام حائال دون الكتيبة السلطانية الصغيرة التي خرجت في طلب الثائر. وكان ال بد من انتظار عودة الطقس المعتدل الستئناف العمليات العسكرية. وقد نفسه ج ص 80. الفشتالي مناهل الصفا ص 854 عبد اهلل گنون رسائل سعدية ص نفسه ص عبد اهلل گنون رسائل سعدية ص Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p

222 مك ن ذلك كال الفريقين من إعادة ترتيب صفوفهما وإعادة النظر في استراتيجيتهما. ففي حين أن موالي المأمون وقادته قد استفادوا من الهدنة الشتوية النتداب حوالي خمسة آالف رجل خاصة من ش ر اگة وج بالة انتدب موالي الناصر الذي تماثل للشفاء حوالي خمسة آالف فارس إضافة لألربعة آالف الناجين من المعركة األولى. كما قام أيضا بمفاوضات مع الثغور المحتلة المقد م أبي الل يف بمنطقة الفحص أي جهة القصر الكبير. قائد أهم فرق المحاربين المتطوعين السترداد وقد عرض عليه هذا األخير وكان على خالف شخصي مع العامل أحمد الكوش االستقرار في جواره فيكثر أتباعه وتقوى شوكته ويحص ل عائدات مالية إضافية. ومع بداية الربيع بدأ موالي الناصر تعبئة قواته ليعاود الهجوم على منطقة القصر الكبير. وفي مستهل شهر أبريل 8740 بدأ الثائر الشريف محموال على سرير بسبب إصابته في حرب "استعادة" م لك أبيه. وكان جيشه إذا جازت تسميته بالجيش مكو نا من رجال يعودون إلى قبائل ش ر اگة والخ ل ط والح ياينة وشظ ة وبعض قبائل الصحراء الذين ال يبحثون بحسب المصادر المحلية واألجنبية على أكثر من الغنائم والتخلص من السلطة المركزية. كان السلطان فيما يبدو خائفا جدا من ابن أخيه بالرغم من ب عده عن مسرح األحداث. ولكنه قام بكل ما يلزم لتأمين األماكن الحساسة في البالد. فقد عم د موالي أحمد إلى س د كل مداخل إقليم سوس الغني تفادي ا لما قام به قبل عشرين سنة مع السلطان المتوكل. كما أرسل ابنه موالي ز ي دان مع جيش تادلة إلى سجلماسة لحماية الطرق التجارية 4 وقطع طريق الصحراء أمام المتمرد في حال هروبه. وأمر ولي العهد بمنع الثائر بأي وسيلة من المرور بمنطقة القصر الكبير حيث يستطيع التواصل المباشر والمستمر مع القبائل المستعدة للتمرد واإلسبان. الفشتالي مناهل الصفا ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p.. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p الفشتالي مناهل الصفا ص p..henri de Castries, SIHM, France, t. II, 9

223 تحر ك الجيش السلطاني من فاس ودخل المناطق الشرقية. وفي تازة انقسمت القوات إلى قسمين: فريق أخذ طريق تاف رتا وكان بقيادة ولي العهد شخصيا وفريق تول ى قيادته ابن بج ة وسلك طريق گارت ليتجنب التجاء المتمرد إلى غ مارة أو العودة إلى جبال م ط غ ر ة. وفي الطريق بلغ إلى مسامع ولي العهد أن من معه من ش ر اگة يتخابرون سر ا مع الناصر فحاول ثنيهم عن ذلك بكل الطرق وخاصة اإلغراءات المادية ولكنه لم يفلح. وفي ليلة الفاتح من ماي 8740 اجتمع قادة فرقة ش ر اگة في مجلس خاص وقرروا اغتيال قائدهم وااللتحاق بصفوف موالي الناصر. وبذلك فر أكثر من خمسة آالف من حملة البنادق ]الم كاح ل جمع م ك ح ل ة[ من الجيش السلطاني. غير أن العناصر األكفأ واألكثر انضباطا في جيش السلطان أي األندلسيين والعلوج بقوا على والئهم. ومع ذلك قرر األمير العودة إلى فاس إلعادة ترتيب الصفوف والقضاء على حالة التوت ر التي تعرفها المدينة بسبب تزايد أتباع المتطل ع. إلى نواحي فاس في الثامن من ماي 8740 المدينة. بدأت أحمد ووصلت القوات الشريفة وضرب األمير م ح ل ت ه تحت أسوار اإلشاعات تنتشر بسرعة في مراكش ب عيد انشقاق ش ر اگة الجديد. المنصور إلى فعندما عمد "ترتيب أوضاعه كخالص الجنود وتوفير الجمال والخيول والحمير والخيام وشرائح الحلوى والدقيق والبارود وغيرها من حاجيات جيشه وإمهال العساكر أربعة أيام للخروج من المدينة وااللتحاق بالمعسكر" قال الخر اصون أنه كان يستعد للهرب من العاصمة والذهاب إلى ناحية سوس ألن قوات موالي الناصر قد 4 سحقت جيشه قريبا من فاس وأنها في طريقها إلى مراكش مرورا بتادلة. وإذا كانت اإلشاعة قد اختلقت ال شك ألغراض دعائية فمن المؤكد أن السلطان الشريف كان قد أعد نفسه لكل االحتماالت عندما وصله خبر هروب شراگة يوم 86 ماي. Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 4. نفسه ص نفسه ص 0. 0

224 أرسل السلطان الشريف تعزيزات لفاس تمثلت في ألفي من حملة األسلحة النارية وألفين وخمسمائة من الفرسان وخمسمائة صبايحي كلهم تحت إمرة القائد مؤمن بوكرزي ة وأرسل ألفا وخمسمائة من الفرسان وخمسمائة صبايحي تحت إمرة الخص ي مسعود قائد قصبة مراكش. وكانت االستعدادات في فاس تسير على قدم وساق. فقد وز ع الباشا مصطفى مئات الرجال لتأمين أسوار المدينة وقام أيضا بإعدام كل أتباع "المتمرد" ومن ذلك مثال اغتيال حوالي ثالثمائة من ش ر اگة اتهمهم بالتجسس لصالح العدو. كما وقع االعتناء بالمدفعية كسالح حاسم اعتناء خاصا. لكن يبقى العدد الدقيق للقوات المخزنية عصي ا عن التحديد. فبينما ت مسك المصادر المغربية عن تقديم أي رقم في هذا السياق يتحدث سالدانيا عن سبعة آالف رجل ويذهب الوكيل الفرنسي ت ريلليو إلى أن العدد 4 السلطان. يصل إلى ثمانية عشر ألف رجل دون احتساب التعزيزات المرسلة من وفي غياب مصادر أخرى وبالذات المصادر اإلسبانية التي عادة ما تكون أكثر دق ة ال يمكننا ترجيح هذه أو تلك من الروايات. وفي 87 ماي وصلت قوات موالي الناصر إلى مشارف مدينة فاس وضربت خيامها على بعد ميل منها. كان عدد جيش المتطل ع يتراوح بين أربعة عشر ألف وثمانية عشر ألف رجل بحسب المصادر المتوفرة. ماي 8 في وبعد يومين من المناوشات ومن محاوالت االستقطاب وبث البلبلة من هذا الجانب أو ذاك اندلعت المعركة الحاسمة بين الطرفين 8740 عند منزل الحاجب في لمطة الواقع أسفل جبل ت غات على ب عد بضعة كيلومترات غربي فاس ما يفس ر تسمية المعركة اعتباطيا بتلك األماكن الثالثة. وقد تمكنت قوات السلطان مرة أخرى وبفضل قوات موالي الناصر سيئة التسليح وقليلة ومرة االنضباط أخرى اختلف األخباريون حول عدد الخسائر البشرية. تسليحها وتقنياتها العصرية من سحق في ساعة ونصف من المعارك. فبينما يذهب المؤلف المغربي المجهول إلى أن عدد الضحايا في صفوف قوات الناصر يصل إلى ألف Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 0-. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p.. نفسه ص.

225 ومائتي قتيل فإن الوكيل الفرنسي تريلليو يقدم رقما أرفع من ذلك بكثير ويتحدث عن خمسة آالف قتيل. ويؤكد هذا الوكيل أيضا على أن ألفي جندي من جيش السلطان لقوا حتفهم في هذه المعركة وهو رقم مبالغ فيه حسب اعتقادنا إذا ما أخذنا باالعتبار قصر مدة المعركة وقيمة األسلحة المستعملة لدى القوات المعادية. ورغم ذلك فقد تمكن المتطل ع من الهرب مع بعض أصفيائه إلى جبل الزبيب في أراضي قبيلة ل جاية على بعد خمسين كيلومترا من فاس. ولوعيه بأن القالقل التي تهز البلد ال يمكن أن تتوقف إال بموت موالي الناصر قرر ولي العهد إرسال أفضل رجاله على رأس قوات نظامية وصلت للتو من مراكش لتعقبه. انطلق الباشا مصطفى والقائد محمد بن ب ج ة والقائد مؤمن بوكرزية في حملة البحث بعد بضع ساعات فقط من انتهاء المعركة. وبعد يومين من البحث والمفاوضات وشراء ذمم شيوخ القبائل المحليين سل متهم قبيلة ل جاية موالي الناصر مقابل مبلغ كبير من المال وسارع هؤالء بإعدامه 4 على الفور. وبينما وصلت جثة األمير إلى فاس يوم الثالثاء ماي 8 5 رأسه أرس ل ت إلى مراكش حيث أقام السلطان مراسم ضخمة احتفاء بالحدث. فإن وعلى إثر استتباب األمن ومعاقبة القبائل والشيوخ المحليين مثل المقد م أبي الليف قام السلطان الشريف أحمد المنصور بإيقاف عدد من األمراء وسمل عيونهم ومن بينهم أبناء موالي الناصر ليتحصن من كل محاولة جديدة للتمر د من قبل أحد أفراد العائلة 7 السلطانية. ولكن هذه المرة ستكون الصفعة قوية إذ ستأتي من فلذات كبده. مشكلة أودت هل التوريث بحياة السلطان ص ص مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 44. Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 4. Ibid., p. 5 et p. 4-7 ; Antonio de Saldanha,Crónica de Almançor, p. 0- ; الفشتالي مناهل الصفا ص القادري نشر المثاني ج الفشتالي مناهل الصفا ص القادري نشر المثاني ج Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 6 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almancor, p. 6.

226 بداية من سنة بدأ التنافس بين أبناء السلطان يطفو على السطح شيئا فشيئا. فكيف يمكن اذا تفسير الحاجة إلى القيام بحفل ثالث ألداء البيعة يقوم فيه أمراء العائلة السلطانية وخاصة موالي علي وموالي ز ي دان وموالي أبو فارس بمبايعة أخيهم األكبر محمد الشيخ المأمون أمام كل أعيان البالد كان ال بد إذن من تجنب أي سوء فهم حول موضوع التوريث. ففي عقد البيعة أصر الفشتالي على التذكير وكان يتكلم باسم السلطان أن سي ده يرغب في تعيين ولي عهد لتفادي أخطاء الماضي التي تسببت في حروب كثيرة وفوضى عارمة. وكان الوزير المؤرخ يوحي إلى العائلة الزيدانية ولكن أيضا إلى العصور األموية والعباسية التي عرفت تعيين أكثر من ولي عهد ما أنتج في الغالب صراعات مسلحة. كان أحمد المنصور يريد إذا تجنيب البالد حربا جديدة وكان ال شك ي حس ريحها. ولكن إذا ما عمل السلطان كل ما في وسعه من الناحية القانونية والمراسمية لتجنب الحرب فإنه من الناحية العملية لم يفعل إال تقوية إمكانية وقوعها خاصة وأن ولي العهد أظهر مع الزمن ضعفا في إدارة شؤون الحكم. فبعد بضعة أيام من انقضاء حفل البيعة سنة 877 منح أحمد المنصور في إطار سياسته الم لكوية كما بين ا في بداية الفصل ألبنائه الثالثة والية عدة أقاليم. فقد أصبح موالي علي والي ا على تادلة وموالي زيدان واليا على مكناس وموالي أبو فارس واليا على سوس ونائبا للسلطان على مراكش. ولكن تلك التعيينات لم تهد أ حماسة األمراء الشب ان بل على العكس زادت من تأجيجها مع األيام وخاصة مع السلطات غير المحدودة التي يوف رها منصب األمير-الوالي. فإضافة إلى االمتيازات المالية كان األمراء يتمتعون بحاشية على شاكلة والدهم وبحكومة شبه مستقلة وبجيش ال والء له إال لشخوصهم. غير أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على تلك االمتيازات عند موت السلطان ولعدم االلتحاق به سريعا هي االستيالء على الحكم واقصاء االخرين. ففي هذه الحاالت يتوحد الطموح السياسي مع رغبة حقيقية في البقاء. ولم يزد سوء تصرف ولي العهد إال تشجيعا لتلك الطموحات. فقد تخلى هذا األخير عن تسيير الشؤون اليومية إلى مصطفى باشا والى القو اد األندلسيين ليتفرغ إلشباع نزاوته

227 التي صدمت أكثر من كاتب مسلم أو مسيحي معاصر موالي علي ومنذ لألحداث. 87 قد أبدى الرغبة في وراثة ملك أبيه. ويبدو أن األمير كان هذا األمير عكس إخوته اآلخرين صارما ونشط ا ويمتاز بنفس مواصفات أبيه. وي حكى أنه كان يدير كل شؤونه بنفس الدرجة من الدقة والقوة ما جعله يحصل على إعجاب السلطان الشريف. وقد استفاد من سمعته تلك ليشيع أنه ابن حر ة على عكس أخيه األكبر ابن الجارية وبالتالي فمن حقه المطالبة بوالية العهد توافقا مع العقيدة الخليفية التي تبناها أبوه. ومنذ ذلك الحين بدأ في تكوين جيشه الخاص عبر شراء األسرى من الجزائر وتونس مثلما كان يفعل أخوه األكبر. الشريف و الا بل إن إشاعات س ر ت في العاصمة مفادها أن السلطان "ال يرى مانعا في أن يكون خليفته هو موالي علي". ولم يفعل السلطان إال تأكيد تلك اإلشاعات من خالل مضاعفة إشارات المودة إثارة هتمام التي يصبغها على ابنه موالي علي. حفيظة ولي العهد الذي سارع ولم تتأخر إشارات التقريب تلك في باإلعالن أنه لن ينتظر موت أبيه للحلول محله 4 على رأس السلطنة خوفا من أن يسبقه أحد إخوته إلى ذلك. وال شك أن أحد األسباب غير المعلنة لرحلة السلطان الشريف إلى فاس سنة العهد. 874 كانت تأكيد أولوية ولي ولطمأنة ابنه األكبر الذي كان أي تمرد منه سيسبب اضطرابات كبيرة عمل موالي أحمد على إبعاد موالي علي من المغرب فعرض عليه غزو السودان الغربي. ولكن األمير اجتهد في التملص من تلك المهمة "الشاقة" السباق. بل إنه تمكن من إقناع أبيه بالتخلي عن تلك الفكرة. التي كانت ستزيحه عن وعلى أي فيبدو أن التنافس قد عاد بقوة بين األخوين بالرغم من افتقادنا لمعلومات حول الموضوع فيما بين سنوات 8746 وفجأة وبعد و 874. عديد تحدثت 874 المصادر عن المسألة وأعلمتنا أن األمير موالي علي اغتيل على يدي أحد جنوده يوم Bartolomé et Lucile Bennassar, Les chrétiens d Allah, p. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p مجهول تاريخ الدولة السعدية ص [نفسه ص 84. [نفسه ص 840 و

228 مارس. 874 وبحسب سالدنيا فقد اغتاله العلج المايوركي بيرو كليگو Pero [ ]calego ألسباب شخصية بحتة. ولكن هروب الع لج إلى فاس وليس إلى الخارج ورد ة الفعل الفاترة للسلطان توحي بأن ولي العهد كان متورطا بشكل من األشكال في قتل أخيه. وعلى كل حال فإن اغتيال موالي علي وإن أزاح أحد الطامعين المحتملين في الحكم لم يضع حدا لمشاكل التوريث. فبعد أشهر قليلة فقط من تمرد موالي الناصر دخل ابن آخر من أبناء المنصور إلى حلبة المنافسة. ابتداء من 8745 عمل األمير موالي زيدان الذي عوض أخاه موالي علي على رأس والية تادلة سنة 874 على تدبير المكائد لتشويه صورة أخيه األكبر. عمد أوال فقد إلى إغراق أبيه بتقارير تحذ ره من خطر مصطفى باشا أمين سر ولي العهد وعقله المدبر بغرض إحالل الفراغ حول موالي المأمون المشهور بعجزه. كانت هذه التقارير تؤكد أن مصطفى باشا يتبج ح بأنه صاحب الفضل في القضاء على ثورة األمير الناصر وأن ه بصدد تشكيل جيش قوي لالستيالء على الحكم واعالن ولي العهد سلطانا. وبعد محاوالت عدة تمك ن موالي زيدان من إقناع أبيه من صدق شكوكه. فأرسل هذا األخير مؤمن بوكزرية لتوضيح المسألة واستدعاء مراكش. مصطفى باشا إلى ارتبك األمير موالي المأمون لفكرة أن يتخلى عن ساعده األيمن فرفض االنصياع ألمر أبيه وزاد بأن طرد القائد بوكرزية بشكل عنيف. بدأت أزمة جديدة تلقي بظاللها في األفق المغربي. ولم يكن موالي زيدان ليترك الفرصة الذهبية تمر دون أن يزيد من توسيع الهوة بين السلطان وولي العهد. فاستغل مرور بوكرزية بتادلة ليزيد من التأكيد على أن مصطفى باشا السيد الفعلي لشمال 4 البالد يعد النقالب لمصلحة سي ده. أطبقت مكيدة موالي زيدان الذي أراد حرمان أخيه من أفضل قو اده ومستشاريه على السلطان الشريف أحمد المنصور فداخله الشك جديا ابن القاضي لقط الفرائد ج ; 88 p. Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p. 56 et t. II,.ص 8607 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid., p Ibid., p

229 في والء ابنه البكر. ولكنه اختار التفاوض دون القوة إليجاد حل لألزمة. فأرسل قائده محمد بن بج ة محم ال بعرض جديد: اللقاء في تامسنا إلعادة ربط الحوار ووضع حد ل"سوء التفاهم" ذاك. يبدو أن السلطان لم يكن يرغب في قتل مصطفى باشا الذي يكن له الكثير من التقدير بل كان يريد إبعاده عن ولي العهد فحسب. ولكن اقتراحه لم يلقى ردا من فاس. ولم يكن السلطان لييأس بل حاول القيام بوساطات جديدة عن طريق كبير مستشاريه القائد عزوز وعن طريق المتصوفة بل وحتى عن طريق أم األمير الل ة الجوهر المعروفة باسم الخيز ران. ولكن لم يفلح كل ذلك. لم يكن فشل كل محاوالت المصالحة يبشر بخير خاصة لما أقام السلطان الشريف محل ته خارج أسوار العاصمة وأمر والته بالعودة إلى أعمالهم وتأمين أقاليمهم في أبريل وشيئا فشيئا فرض السلطان نوعا من الحصار على مدينة فاس التي كانت تعاني وقتها من الطاعون. كان النزاع العائلي ثالثة احتماالت ممكنة: العرائش وتسليمها لإلسبان. أمام مصطفى باشا وهو الرهان الظاهر لذلك االستسالم لمصيره أو التمرد أو اإللتجاء إلى ولكن الطاعون الذي ضرب المنطقة في ذلك العام والمرض الذي ألم بفيليب الثاني أفشال مخططات الباشا فاغتيل على أيدي فرقة من جنود ش راگة وبأمر من األمير موالي المأمون الذي كان يريد الحفاظ على موقعه والكثير من أسراره. علم السلطان الشريف بالخبر واغتاظ لذلك أشد الغيظ ألنه لم يكن يبغي خسارة مصطفى باشا. على العكس كان يتمنى أخذه لخدمته واالستفادة من خبرته. على كل فقد استفاد السلطان من الوضع الذي كانت عليه والية فاس بعد عدة أشهر من االضطرابات ليرسل القائد مؤمن بوكرزية إليها إلعادة ترتيب وضعها وحكمها 4 ويستعيد ألف من جنود النخبة الذين كانوا مع ابنه. Ibid., p Ibid., p Ibid., p ; Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p Ibid., Crónica de Almançor, p

230 ولكن أشهرا قليلة بعد استتباب األمن رجع ولي العهد إلى عقد جلسات الخمر واالستهتار ونصر. وفو ض كل شؤون الوالية إلى قادة أندلسيين ثالثة هم سليمان وخي ران ودفعت التجاوزات التي ارت ك بت إلى طلب تدخ ل السلطان نفسه. أحمد ولكن وخاصة أثناء استخالص الضرائب بالسكان المنصور الذي كان مشغوال بإصالح ما دم رته أشهر عديدة من الطاعون اكتفى بإرسال القائد مؤمن بوكرزية سنة 8744 إلدارة الوضع. استقر هذا األخير في فاس محم ال بمهمة إعادة فرض النظام وإضعاف األمير بشكل نهائي وقد أصبحت أفعاله المخالفة لتعاليم الد ين مزعجة ومن للسلطان. بين اإلجراءات التي اتخذها القائد تقليص رواتب الجنود المتواجدين في فاس ما أد ى إلى اندالع عصيان في المدينة لصالح ولي العهد الذي استعاد سلطته بفضل دعم القادة األندلسيين وطرد بوكرزية من المدينة. وبفضل ذلك الدعم عاد القادة سليمان وخيران ونصر إلى سالف أعمالهم. وعاد االنتقام بأشد مما كان عليه واستقرت الفوضى من جديد في اإليالة. ولتعزيز موقعهم قام القادة األندلسيون بعد مباركة ولي العهد بتجنيد رجال ينتمون لقبائل شمال البالد المعروفة بانحرافها عن الدولة الزيدانية. من هب ودب " وقد حاول السلطان الشريف ثني ابنه عن تجنيد في الجيش وإدارة واليته بتلك الطريقة التعسفية. حفظها لنا األخباري اإلفراني الم أحمد "كل ففي رسالة توبيخ المنصور ابنه على تجنيد عناصر من أوالد طلحة والخ ل ط وأوالد حسين وأهل الجبل في جيشه ألن تلك القبائل كانت مصن فة كقبائل متمردة وغير وفية ال تبحث إال على النهب والفوضى. وبالتالي فقد أمره برفتهم جميعا وأن ال يضم إلى جيشه إال أهل مراكش وسوس ودرعة ومدينة فاس نفسها. كما الم ابنه أيضا على أسلوب رسائله الركيك التي كان يكتبها "جهلة" مذك را إياه أن ذلك ال يليق بولي للعهد م طالب بمراسلة ملوك العالم. كان على األمير إذا أن يأخذ بزمام Ibid., p Ibid., p اإلفراني نزهة الحادي ص

231 األمور وأن يعيد تنظيم إدارة واليته على صورة الحكومة المركزية وذلك عبر اختيار كاتب من أهل الثقة ومستشار وقائد لمحلته وقاض لرد المظالم. تواصل تبادل الرسائل والوفود دون نتيجة تذكر إلى حدود سنة 8068 العام الذي أوفد فيه السلطان مرة أخرى القائد عزوز محمال بعرض للمصالحة دون جدوى. وفي السنة الموالية أرسل السلطان الشريف مجموعة من الصلحاء إلى فاس وكانت مهمتهم الرسمية وعظ األمير ولي العهد وإقناعه بالعودة إلى الجاد ة. لكن مهمتهم الخفية كانت جمع القرويين أكبر عدد ممكن من المعلومات عن الوضع في فاس وربط وشائج مع علماء واالستماع إلى شكاوى أعيان الوالية إذ بدأ السلطان حينها في التخلي عن ابنه وإنكار أفعاله. ويوحي جمع المعلومات والتشاور مع علماء فاس بأن السلطان بدأ يفكر في تجريد ابنه من كل مهامه. فحال عودة الصلحاء إلى مراكش في يونيو 806 اتخذ السلطان قراره بعزل ابنه. وعندما توص ل بالخبر قرر األمير موالي المأمون تهدئة الجو وأرسل أم ه إلى مراكش لتتوسط له عند أبيه. وبالمناسبة كتب األمير رسالة قصيرة إلى السلطان يرجوه فيها قبول هذه الوساطة. وبالرغم من أننا ال نملك بهذا الشأن أي وثيقة فإننا نستطيع التأكيد على أن السلطان الذي شعر بنفسه في موقف قوة رفض اعتذارات ابنه وقد م له عرضا اعتقد في عدله: عرض عليه مقابل تخليه عن حقه في والية العهد وفي حكم فاس أن يعي نه واليا على جهة سجلماسة مدى الحياة وأن يتخلى له عن كل عائداتها. ويبدو أن 4 األمير قبل بالعرض السلطاني في البداية بل واستعد لشد الرحال إلى سجلماسة. ولكنه غير رأيه فجأة وأعلن التمرد ألسباب غامضة لم نتمكن من توضيحها النعدام في الوثائق. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 4-8 et p مخطوط الخزانة الحسنية رقم 6578 و 9. اإلفراني نزهة الحادي ص 86. مخطوط الخزانة الحسنية رقم 6578 و

232 اضط ر السلطان في تلك فبعد اجتماع استثنائي للديوان قرر المفاجأة طريق تافاللت الحالة إلى اإللتجاء إلى القوة لوضع حد نهائي للموضوع. أحمد المنصور مواجهة ابنه بنفسه. وإلحداث "أرسل السلطان لولده زيدان وكان بتادلة وأمره أن يبعث بمائة فارس على ]تسمية أخرى لسلجماسة[ مراكش إلى فاس يرد وه وأرسل مسعود قائد الدور وكل من توجه من الخطار من ناحية ]السلطانية[ إلى طريق سال يفعل كذلك". وبعث السلطان بحوالي ألفي جندي لحماية المفاصل الرئيسية للمواصالت في البالد تحس ب ا ألي عصيان أو تسرب للمعلومات. شيء عن تحضيرات أبيه. وهكذا لم يعلم موالي المأمون أي ومع منتصف شهر أكتوبر 806 توجه السلطان إلى فاس على رأس جيش تعداده بين ثمانية إلى اثني عشر ألف فارس مصحوبا بأهم رجاالت المخزن وابنه زيدان. وبفضل سرعة الخيالة أمكن للسلطان بلوغ بلدة الد اروج في نواحي مكناس في وقت قياسي 4 حيث أقام محلته. وقبل انطالق المعركة ونزوال عند مشورة القائد عزوز حاول السلطان إحداث تصدعات داخل معسكر موالي الشيخ. فأوصل رسائل إلى هذا األخير مفادها التحاق أهم القواد األندلسيين في جيش فاس بالمعسكر السلطاني. األمير المضطرب أصال. 5 الرسائل مجرد خدعة من السلطان. زاد ارتباك ولم يستطع القواد تهدئة روعه رغم تطميناته وتأكيدهم أن فقرر موالي المأمون في الهروب واالحتماء بزاوية أبي الشتاء في نواحي فاس بمعية 806 أكتوبر 8 6 أربعمائة جندي. وخشية أن يحتمي ابنه البكر باإلسبان أو بالعثمانيين ما يجعل األمر أكثر خطورة بالنسبة ألمن البلد واستقرار السلطة عهد أحمد بج و ذ ر باشا والقائد بوكرزية إلى جانب ثالثة آالف رجل باقتفاء المنصور إلى موالي زيدان مدعوما أثر موالي المأمون Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 46. مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 5. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 44. مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 5 اإلفراني نزهة الحادي ; p. 4 Jorge de Henin, Descripcion,.ص 86 5 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p نفسه ص 74 مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 5 اإلفراني نزهة الحادي ص

233 وإلقاء القبض عليه. وبعد ليلة من السير الحثيث وصلت القوات الشريفة في الفاتح من نونبر إلى مشارف زاوية أبي الشتاء وقامت بضرب الحصار عليها. بدأت مفاوضات االستسالم المأمون االستسالم عبر م قد م الضريح وهو ال شك من أبناء أبي الشتاء. أعطى موالي زيدان األمر بالهجوم على الزاوية. وأمام رفض موالي وإثر معركة قصيرة ذهب ضحيتها أكثر من مائة من أتباع األمير المخلوع قرر هذا األخير وضع نفسه تحت تصرف أخيه األصغر الذي رفض حتى التوجه له بالخطاب. علم السلطان باستسالم و ض ع رهن اإلقامة الجبرية. اهتم السلطان بعد هذه النهاية وبمجرد أن ابنه حتى أمر بجلبه إلى مكناس تحت حراسة مشددة حيث "المأساوية" لألحداث بإعادة النظام إلى هذا اإلقليم وتهدئة الخواطر. فقام بإعادة إدماج قوات ابنه في الجيش السلطاني دون عقابهم وسمح للمؤسسات الدينية وخاصة القرويين باستعادة أمالكها وتابع شخصيا رد المظالم التي تسبب فيها ابنه. كما أمر تجار المنطقة وفالحيها بالعودة إلى أنشطتهم العادية. وفي الجملة فقد كرس أحمد المنصور السنة األخيرة من حكمه للمسائل المتعلقة بوالية فاس. كان موالي أبو فارس وأم ه وبعض أعيان المؤسسة الدينية من أنصار إعادة االعتبار لموالي المأمون. فتم تفويض عدد من المتصوفة وخاصة أبناء أبي عمرو القسطلي وأبناء عبد اهلل بن ساسي وأبناء يحيى بن بكار للشفاعة لدى السلطان الشريف بشأنه. والستعداده للعفو أمر السلطان الشريف هؤالء المتصوفة "أن يختبروه وبعثهم إلى مكناسة ليتأملوا أحواله وأذن لهم أن يقعدوا معه ثالثة أيام فمشوا فدخلوا عليه فجعل يسألهم عن أهل هزله واألحداث فوجدوه كما كان من خراب العقل فخرجوا من عنده إلى أن وصلوا إلى فاس الجديد إلى السلطان فنافق أوالد سيدي بوعمرو وأوالد بن بكار فقالوا له يا موالي وجدناه يقرأ ]القرآن[ وأبى أن يقبل لك الملك ووجدنا أحواله قد صلحت. قال فكذبهم السيد ]ابن[ ساسي رحمه اهلل وقال له يا موالي واهلل ال غششتك وال غششت المسلمين واهلل ال أذنت لك أن تؤمره على بيت المال". لم يكتف موالي نفسه ص نفسه ص 5-54 نفسه ص 8 عبد اهلل گنون رسائل سعدية ص مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 57. وتؤكد الروايات األوروبية الخطوط العريضة لهذه القصة انظر 0

234 أحمد بشهادة المرابطين بل جمع ديوانه ألخذ رأي كبار مستشاريه. لم يختلف اثنان في وجوب قتل األمير لضمان األمن واالستقرار. لكن شعور األبوة جعل السلطان يرفض االقتراح بل يشد د الحراسة المخصصة البنه خوفا من أي محاولة الغتياله. هذا اإلجراء بأن السلطان وإن عي ن موالي العفو على موالي المأمون. يطمح في أن يصبح وليا للعهد. ويوحي زيدان واليا على فاس كان يفكر ربما في لم تكن تلك الفرضية لتروق إلى الوالي الجديد الذي كان على كل حال يبدو أن السلطان لم يحسم بشكل نهائي في مسألة خالفته أثناء تحضيره الحتفاالت المولد النبوي في 6 غشت 806 قبل أن يغادر فاس إلى الرباط ثم منها إلى مراكش. واحتراما للطقوس المصاحبة لالحتفال بالمولد كان الناس يذهبون "بالشمع إلى محلة السلطان فبينما هم ذاهبون بالشمع على رؤوس الصفاحين اذ انقرضت فيهم ]الشمعة[ البيضاء ]اللون األبيض شعار السلطان[ من النصف وسقطت إلى األرض فتحير الناس ألجل ذلك الفال". مهما كانت حقيقة هذا الخبر فمن المؤكد أن السلطان مرض في األحد 4 غشت. 806 اليوم التالي لالحتفاالت فتم نقله إلى القصر حيث توفي يوم وإذا كان العديد من األخباريين ومن بعدهم الباحثون المعاصرون يؤكدون أن السلطان قد توفي بسبب الطاعون الذي ضرب المغرب سنة 806 فإن كثيرا من الروايات المغربية واألوروبية المعاصرة لتلك األحداث تؤكد أنه قد س م من قبل زوجته عائشة الش بانية وذلك بتحريض من ابنها موالي زيدان. بر يتو ]Luis Barreto[ والعلج سيباستيان باييز الل ة فحسب شهادات العلج لويس ]Sebastian Paez[ المحفوظة في Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 60 et Jorge de Henin, Descripcion, p. -. نفسه ص 8. نفسه ص. اإلفراني نزهة الحادي ص 8 القادري نشر المثاني ج 8 ص 06 وص 867 ]بحسب مصدرين معاصرين[.يورد p. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, تاريخا مغلوطا هو شتنبر 8064 مع التأكيد على أن السلطان توفي بعد االحتفال بالمولد النبوي. كما يورد المستشرق ل. بروفنسال في مقاله المخصص للسلطان في دائرة المعارف اإلسالمية ج 8 ص 4-45 تاريخا مغلوطا هو 6 غشت 806.

235 أرشيفات محاكم التفتيش في جزر الخالدات فإن السلطان توفي بسم د س له في حبات تين أهداها له موالي زيدان. وقد أكد هذه الرواية سالدانيا والمؤلف المجهول. وحتى إذا قبلنا بفرضية موت السلطان بالطاعون فكيف نفسر إذ ا عدم ذكر أي مصدر من مصادرنا لموت أحد األعيان المدنيين أو الدينيين أو العسكريين المصاحبين للسلطان خاصة وأن هذا األخير كان دائما ما يحصن نفسه من األوبئة وكيف يمكننا تفسير أن السلطان استطاع اإلقامة بضعة أيام في قصر فاس بعد حمله إليه دون أن ي ع د ي أقرب معاونيه وكيف يمكن تفسير تنظيم جنازة للسلطان والشريعة اإلسالمية ال تجيز ذلك في حالة اإلصابة بالطاعون خوف العدوى وفي األخير كيف نفسر حمل جثة السلطان الى مراكش بعد إخراجها من قبرها دون أن يتعرض أحد للعدوى كل هذه األسئلة تنقض النظرية التقليدية للوفاة "المرضية" للسلطان. والمعلومات القليلة التي بين أيدينا والتي تشير الى رغبة قوية للسلطان في تعيين ابنه اآلخر موالي أبي فارس ولي ا للعهد تدعم نظرية االغتيال. فإحساسه بأن ثمرة سنوات عديدة من المكائد والصراعات الدموية للظفر بوراثة الفرش السلطاني ستؤول إلى أخيه غير الشقيق دفع موالي زيدان وال ريب إلى اتخاذ القرار باستباق القدر عبر اغتيال أبيه. وهكذا يبدو أن مشكلة التوريث المعقدة قد عصفت بالسلطان الشريف أحمد المنصور الذي حاول طيلة حكمه حل ها بطريقة أو بأخرى. ولعل ذلك يؤشر إلى أن حاكما واحدا م ه ما كان حرصه وقوته لم يكن يستطيع لوحده على تصفية معضلة بنيوية رافقت التاريخ العربي اإلسالمي منذ بدايته. Bartholomé et Lucile Bennassar, Les chrétiens d Allah, p مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 86 p. 66.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, نفسه ص p..jorge de Henin, Descripcion,

236 الفصل الثاني التنظيم اإلداري والقضائي للسلطنة الشريفة لم تكن طموحات أحمد المنصور للخالفة لتتحقق دون الحصول على اإلمكانيات المؤسساتية الالزمة لم ر ك ز ة الهياكل السياسية. وقد كانت تلك األجهزة جميعها مستوحاة من مؤسسات اإلسالم الكالسيكي. حاول السلطان الشريف فقط أن يجعل الموجود أكثر فاعلية وأكثر نجاعة لتسيير ومراقبة السلطنة بشكل أفضل. كانت مراكش أو المحل ة السلطانية في حال السفر هما قلب الجهاز السياسي واإلداري والعسكري للمخزن كما كانت المدن الكبيرة مثل فاس والقصر الكبير وتارودانت تلعب نفس الدور محلي ا. لكن ال بد من اإلشارة بدء ا إلى أن مختلف األجهزة والمرافق السلطانية لم تكن لها أطر قانونية أو عملية تحدد تخصصاتها ومخصصاتها بشكل دقيق كما هو الحال في العديد من األنظمة الم لكوية. فكل شيء على األقل نظريا يتوقف على اإلرادة السلطانية. فال يجب أن نستغرب إذن من الضبابية التي تحوم حول بنية وعمل الكثير من مؤسسات المخزن التي كان يختفي بعضها بسرعة ظهوره وبدون سبب ظاهر كما يجب أن ال نستغرب التداخل بل الخلط بين مهماتها. إذ كان قاضي الجماعة أو خازن بيت المال أو كاتب السر أو القائم على الحريم يجد نفسه بين عشية وضحاها سفيرا أو واليا أو قائدا عسكريا الخ. مع احتفاظه بمهمته األصلية. فتوسيع أو تقليص االختصاصات وتنوع المهمات يقف على العالقات الشخصية القائمة على الوالء والنسب والسيما مع السلطان. كانت الهيئات اإلدارية والمالية والقضائية والعسكرية على عهد أحمد المنصور تسمى مناصب ]مفردها منصب[ وخ طط ]مفردها خط ة[ وكانت التعيينات واإلقاالت

237 الموسومة بالتقليدات الشريفة تتم بواسطة مرسوم سلطاني يطلق عليه ظهير ]جمعها ظهائر[ منذ القرن الثاني عشر. هذا ولم تكن الظهائر فقط مستعملة للتعيين واإلقالة فقط بل كذلك لتنظيم وتأطير الكثير من الشؤون اإلدارية والمالية للسلطنة. قصبة مراكش مركز الحكم عندما تحدثنا في الصفحات الماضية عن قصر البديع تحاشينا اإلشارة إلى أنه كان يوجد ضمن مجم ع أكبر وذي وظائف متعددة وهو قصبة مر اكش التي كانت تعد بمثابة مدينة سلطانية بكل المقاييس. فمنذ نشأتها على و بين المرابطين أيدي تحولت مراكش شيئا فشيئا من معسكر صغير إلى مركز للحكم ثم إلى عاصمة. وفي عهد الموحدين أخذ الطابع الم لوكي للمدينة كل ألقه بتشييد القصبة مدينة سلطانية بامتياز. إذ كانت تحوي إضافة إلى القصر السلطاني والمنازل الملحقة به مجمل الدوائر المركزية المالية والعسكرية للخالفة الموحدية. والقضائية ولتصبح بالتالي المركز السياسي ولكن ظهور المرينيين في النصف الثاني من القرن الثالث عشر واختيارهم فاس عاصمة حكمهم قد أث ر بشكل كبير في مكانة مراكش التي ستعرف مسيرة طويلة من االنحطاط الحكم. وذلك إلى حدود بدايات القرن السادس عشر ووصول الزيدانيين إلى سد ة فبعد فتح السلطان الشريف موالي أحمد بن محمد القائم المدينة سنة 877 جعلها عاصمة لملكه الناشئ مم ا أعاد إليها حيويتها القديمة من جديد. وهو ما كرسه أخوه محمد الشيخ المهدي بعد توحيد البالد. وتجدر اإلشارة إلى أن هذين الحاكمين لم يزيدا عن استعمال المباني الموحدية دون تغييرات الل هم إال ما اختص ببناء مقر للجمارك داخل القصبة. وكان علينا ترقب فترة والية السلطان الشريف عبد اهلل الغالب لنشهد أعمال تهيئة وتجميل وإعادة تنظيم في الفشتالي مناهل الصفا ص 04 وص 64. Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. II, p. 66 ; Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. اإلفراني نزهة الحادي ص ; 4

238 المدينة السلطانية وإقامة العديد من المباني اإلدارية والعسكرية والدينية. وكان من الطبيعي أن تتوقف تلك األعمال التحسينية أثناء حرب التوريث التي واجه فيها محمد المتوكل عبد الملك المعتصم بين سنوات 8750 و 875. وبعد بضعة أشهر من معركة وادي المخازن عمد السلطان الشريف الذهبي إلى جعل قصبة مراكش مدينة سلطانية بأتم معنى الفخمة التي أقامها األمويون والعباسيون والفاطميون. المنصور أحمد الكلمة على صورة المدن وإضافة إلى بنائه لقصر البديع وإنشائه لحدائق المسر ة والمشتهى ولضريح العائلة الزيدانية اهتم السلطان بشكل خاص بإعادة تهيئة القصبة برم تها. بل فكر في آخر حكمه بتوسيع المدينة السلطانية توسعة كبيرة بإقامة مسجد الهناء الذي أصبح بعد وفاته ساحة جامع الفناء المشهورة هذا من جهة ومن جهة ثانية إنشاء حي سكني يخصص إلقامة قواته المسلحة وعائالتهم شرقي حديقة المسر ة. كانت قصبة مراكش تشك ل على عهد هكتارا. 44 القرن الثاني عشر السلطنة متجمعة داخلها. أحمد المنصور مستطيال تقريبي ا يمسح حوالي تماما كما نراها اليوم كانت القصبة محاطة بسور أقامه الموحدون في وكما في العهد الموحدي كانت كل الوظائف الالزمة إلدارة شأن وكانت قصبة مراكش في العصر الشريف على شاكلة كل المدن السلطانية األخرى في دار اإلسالم تقوم بوظائف عدة: وظيفة دفاعية إذ يؤم نها سور أوحد وحضور مكثف للحرس الشخصي للسلطان وألهم ورشات صناعة األسلحة في البلد. وظيفة دينية وثقافية تتاب ع من خالل وجود ثالثة مساجد كبرى وضريح العائلة المالكة ومدرسة للتعليم الديني والمكتبة السلطانية. وظيفة اقتصادية تتأكد من خالل وجود عدة مخازن ومقر الجمارك وبيت المال. Marmol, L Afrique, t. II, p المقري روضة اآلس ص 7. Henry Koehler, «La kasba saadienne de Marrakech : d après un plan manuscrit de 585», Hespéris, t. XXVII, 940, p

239 - وظيفة سياسية وإدارية يترجمها وجود أهم الهيئات المركزية التخاذ القرارات في السلطنة. - وظيفة إظهار األب هة والتسلية التي تظهر بجالء كبير مثلما رأينا أعاله في قصر البديع وفي مختلف حدائق القصبة. تعكس مختلف وظائف القصبة الميوالت الكالسيكية للسلطان الشريف أحمد المنصور وعقيدته الخليفية التي تهدف إلى جعل السلطان وعاصمته المحور أو القطب الذي يدور حوله مجمل النظام السياسي واالجتماعي في البالد. كان باب أگناو ]Porta da esquife garda dalcaçaba[ بحسب الرسم التمثيلي البرتغالي لسنة 877 والموجود في الشمال الغربي والبادي للعيان إلى اليوم هو الباب الرئيسي للمدينة السلطانية. مباشرة بعد الباب يوجد مكتب الجمارك فالجامع الكبير الذي يحمل اسم يعقوب المنصور الموح دي يليه مدرسة فالضريح األشراف الذي ي عتب ر مزارا مقدسا في األدبيات المخزنية المعاصرة ثم دار الصناعة السلطانية أو دار الع د ة فمخازن األسلحة المسم اة بحصن دار الجلد يليه سجن النصارى المسمى بالسجن الصغير. وبينما كان جنوب القصبة وشرقها مخصص للحدائق السلطانية فإن مركزها كان مخصصا لبنايات الجمارك والمطابخ والمخازن ومبنى بيت المال ومستودع الخيام السلطانية واإلسطبالت. وتأوي الجهة الغربية للقصبة في الغالب إقامات أهم األعيان المدنيين والعسكريين والدينيين في السلطنة. لمقر أمين التجار والمفتي. وال شك أن دار القضاء موجودة هناك كما هو الشأن بالنسبة وفي شمال القصبة نجد مجموعة من القصور المخصصة ألفراد العائلة السلطانية وخاصة أخت المنصور وأبنائه ونسائه. الجزء من القصبة أيضا مقر قاضي رد المظالم. كما يوجد في هذا وبين القصور والباب الغربي لقصر البديع توجد الساحة الكبرى المسماة آساراگ أو الم شور. وهي ساحة طولها 86 مترا وعرضها 46 مترا تقريبا وفيها تقام أهم المراسم. ففي قلب الساحة مثال كانت ت عر ض جثث المتمردين ورؤوسهم. Gaston de Verdun, Marrakech, t. I, p

240 وإذا كانت القصبة هي المركز السياسي واإلداري للسلطنة الشريفة فإن قصر البديع القائم في الشمال الشرقي منها ي ع د المركز الحيوي الفعلي لذلك التنظيم. السلطاني توجد أهم أجهزة السلطنة: ففي القصر المركز الرسمي لمجلس السلطان والقيادة العليا للجيش ومختلف المصالح االستشارية والخزينة السلطانية والمكتبة الكبرى وتوابعها ومخازن الطعام والذخيرة الخ. و بغض النظر عن الوظائف الرسمية للدولة التي سندرسها في الفصول الالحقة فإن الحماية والصيانة ومصالح القصبة والقصر السلطاني المسم اة بالدار الكريمة تستلزم وجود عدد كبير من الخدم. كان األسرى النصارى في عهد المنصور "سلعة" مطلوبة جدا للقيام بمهام مختلفة في المدينة السلطانية. ي ستعم ل ون في جميع الوظائف القائمة على الثقة. كما أن العلوج أما واألندلسيون واألفارقة العنصر المحلي عربيا كان أم أمازيغيا فقليال ما ي ستخد م حذر ا منه على غرار ما كان معمول به في الكثير من أصقاع األرض. وبينما كان عدد النصارى في خدمة السلطان حوالي ألفي شخص فإننا نجهل عدد األصناف األخرى بشكل دقيق. امرأة كما يؤكد سالدانيا أن ما ال يقل عن ألف كن في خدمة حريم السلطان. وال يبدو أن هذه األرقام مبالغ فيها إذا ما قارناها باألرقام األعلى بكثير لعدد العاملين في قصر السلطان العثماني في نفس الفترة أو في قصور العباسيين واألمويين والفاطميين في العصر الوسيط. وبفضل المصادر التي بين أيدينا نستطيع وضع قائمة الكريمة التي ال تختلف عن مثيالتها في الدور الملوكية اإلسالمية. متكاملة ألهم مصالح الدار وقد ع ه د بحماية القصبة على طول ح كم السلطان الشريف إلى مسعود بن م بارك الذي كان يحمل لقب قائد باب القصبة أو السقيف. وكان هذا األخير يستعين في مهامه بالعلج مسعود 4 النبيلي والقائد محمد بن موسى بن أبي بكر. وقد كان قائد الر واء والقائم على مراكب Ibid., p. 00. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 84. نفسه ص 846 الفشتالي مناهل الصفا ص 850 اإلفراني نزهة الحادي ص 8. اإلفراني نزهة الحادي ص

241 السلطان سليمان م هر باشا مكل فا كذلك بإدارة والحدائق الكبرى. الخيل 4 األشغال. اإلسطبالت السلطانية المسماة قصور كما كانت إدارة المباني السلطانية قد ع ه د ت إلى عريف وتحوي القصبة أيضا المصانع المنتجة لمالبس السلطان وأفراد عائلته والخ لع التي كان يمنحها في المناسبات الرسمية وف ر ش القصر. وفي حدود 806 كان 5 المسؤول عن تلك المصانع يسم ى ب ر گاض الس ال تي. داخل قصر البديع كانت إدارة الحياة اليومية معهودة إلى الخصي عنبر قائد القصر وكبير 6 العبيد الذي كان يقوم في نفس الوقت بدور القائم على المراسم. وال شك أن خزانة السلطان حيث ي حف ظ القسط األكبر من العائدات كانت واحدة من بين أهم وظائف القصر. 7 فكانت إدارتها توكل إلى أهل الثقة كما سنوضح الحقا. وكان محمود باشا زرقون قائد جيش العلوج ناظر مستودعات القصر أو خزائن الدار حيث 8 الطعام واألسلحة والذخيرة. ي خز ن 9 ويتوفر القصر على قي م على األثاث وهو مسؤول عن التجهيزات والبخور والعنبر. وكانت مالبس السلطان وأهل بيته محفوظة في بيت الثياب التي يقوم عليها صاحب 0 بيت الثياب. كما يحتوي القصر على صيدلية يشرف عليها طبيب من العلوج وآخر من األندلسيين يقدمان أنواع األدوية والمقويات. وكان الش نش ر ي ة الخاضعون الفشتالي مناهل الصفا ص 84. اإلفراني نزهة الحادي ص 87. وكان السر اجة مكلفين بصيانة اسطبالت السلطان. انظر الفشتالي مناهل الصفا ص 6. الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص 0. 5 اإلفراني نزهة الحادي ص الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص نفسه ص 868 وص 807 وص نفسه ص 5. 0 اإلفراني نزهة الحادي ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 80 et p. 0. هذه الكلمة تحريف لكلمة ت شاش ن يگ ير الفارسية التي تعني الخادم الذي يتذوق الطعام المقدم للسلطان للتأكد من خلوه من السم. 8

242 إلمرة العلج بخت يار كبير الذواقين م كل فون بالمطبخ وأعمال مائدة السلطان وضيوفه في المناسبات الكبرى. أما الحريم وكان مخصصا بالطبع للسلطان وحده فقد كان تحت إمرة قهرمانة أو عريفة اسمها أم المان يعينها على ذلك الخصي يوسف العبدي. وبينما كان الحريم يتكون حصرا من النساء والخصيان فإن بقية طاقم العاملين في القصر يتكون في أغلبه من غلمان أوروبيين تحولوا إلى اإلسالم حديثا وبعضهم مثل الف تيان البرتغاليين السبعة الذين أ عد موا سنة 877 قد بقي على مسيحيته. وكان هؤالء الغلمان يخضعون إلمرة 4 ج و ذ ر باشا قائد الجيش األندلسي وفاتح السودان الحقا. وكانت مسؤولية مراقبة سير عمل هذه األجهزة والمرافق والتنسيق بينها تقع على عاتق قائد الق و اد إبراهيم السفياني قائد البيت السلطاني وأحد أقرب المقربين منه ثم ابنه من بعده. دون وزراء ألقاب... ودون مهام محددة باإلضافة إلى السلطان الشريف الذي يملك نظريا على األقل كل السلطات الدنيوية والروحية فإن نواة المخزن تتكون من عدد من الق و اد والباشوات متعددي االختصاصات. فوظيفة الوزير وهي نوع من رئاسة الوزراء است عم لت من قبل ح ك ام البيت الزيداني األوائل. بل إنها في وقت من األوقات أوكلت إلى أحد أحفاد السلطان الشريف محمد الشيخ المهدي. ويبدو أن المنصور حافظ عليها في السنوات األولى لحكمه حينما كان وجود الوزير ر ضوان باشا في إدارة شأن جهاز الدولة حيوي ا. ولكن بعد أن دع م سلطته ورس خها اغتاله أحمد المنصور سنة 878 ولم يعو ضه أبدا خوفا الفشتالي مناهل الصفا ص 6.. اإلفراني نزهة الحادي ص 8 ; 7 p. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, Anonyme, Relation de la vie et de la mort de sept jeunes gens que Mouley Hamet, roi du Maroc, tua parce qu ils étaient chrétiens, desquels l un était fils de renégat et marocain de naissance, les autres faits musulmans par force, le 4 juillet 585, éd. H. Koehler, Rabat, Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p

243 ص من أن يتمكن غيره من الوزراء من الحصول على نفوذ كبير. وأصبح لقب الوزير الحقا تشريفيا محضا وي طل ق على عدد من أعيان البالط المنصوري من أبرزهم رئيس الكتاب ومؤرخ البالط عبد العزيز الف شتالي. ونجد من بين أكثر معاوني السلطان كل من علي الش ي ظمي ومؤمن بوكزرية ومحمد بن ب ر ك ة ومحمد بن بج ة ومنصور بن عبد الرحمان وج و ذ ر ومحمود زرقون وسليمان م ه ر ومنصور بن عبد الرحمان. كان هؤالء من بين أهل ثقته إذ كان يعهد إليهم بالمهام السياسية والعسكرية والدبلوماسية األكثر حساسية. وإذا كان السلطان ال يتخلى عن علي الشيظمي في حل ه وترحاله بسبب أدبه وظرفه فإن محمد بن بركة مثال وقد كان أمين سر موالي وفي سنة أحمد قبل وصوله إلى الحكم تقلد والية فاس وملحقاتها في قاد الحملة العسكرية التي أدت إلى فتح ت وات وتيگورارين. ونجده أيضا سنة 8748 في السودان الغربي يقدم خبرته في القضايا الصحراوية لوالي الجهة التي تمت السيطرة عليها منذ وقت قريب. وعند عودته إلى مراكش ع ه دت إليه مهام متعددة لعل أبرزها في عيون السلطان جباية الضرائب. وبذلك فإن السيرة المميزة لهذه الشخصية المخزنية المرموقة في عهد األعيان كما سنراه في الصفحات التالية. أحمد المنصور تشبه السيرة المهنية ألكثرية ومم ا ال شك فيه أن أرفع منصبين على عهد المنصور كانا هما الحاجب ويسمى كذلك الم ز وار وقائد القواد. وي عتبر صاحبا هذين اللقبين أقرب مستشاري السلطان ومعاونيه ويتمتعان بسلطة واسعة في شتى المجاالت. السلطنة كل من عبد الكريم بن موسى بن يحيى شغل هذين المنصبين في بداية 4 ومحمد بن سليمان رجاالت المخزن الذين ورثهم السلطان الشريف عن أخيه عبد الملك. أحمد استغل وفاتهما تباعا سنتي و عهد وهما من كبار ولكن موالي ليعي ن رجال ثقته وهم الحاجب عبد.7 4 الفشتالي مناهل الصفا ص 04. ابن القاضي درة الحجال ج الفشتالي مناهل الصفا ص 4. نفسه ص 5 وص 4. 40

244 العزيز بن سعيد بن منصور الملقب بعز وز الوزگيتي السفياني. سنة وقائد القواد إبراهيم بن محمد كان إبراهيم السفياني في خدمة السلطان م ذ أن كان هذا األخير ال يزال أميرا بعيدا عن دائرة السلطة. قاسمه المنفى وشاركه في كل حلقات المغامرة التي أوصلته إلى السلطة. 875 وبعد أشهر قليلة من تقلد أحمد المنصور الحكم كل فه قي م ا على ابنه األصغر موالي محمد الشيخ المأمون وقد عي نه وليا للعهد ونائبا على فاس. وفي سنة 87 4 القواد. است دع ي السفياني إلى مراكش ليشغل مكان محمد بن سليمان في وظيفة قائد 5 ومثلما أشرنا أعاله فإن امتيازات هذه الوظيفة يكشفها المقام ال المؤسسة. فإضافة إلى عمله رئيسا للبيت السلطاني متمثال في اإلشراف على جميع خدمات القصر فقد كان إبراهيم السفياني قائد جيش البدو الذين يسمون عرب الدولة ووالي و سنتي بين تادلة ووالي د منات من سنة إلى حين وفاته في كما ك ل ف من قبل السلطان مرات عديدة بقيادة المفاوضات مع اسبانيا في 7 السنوات األولى من حكمه لعقد حلف مضاد للعثمانيين. وبعد سنة 877 ك ل ف باجراء مفاوضات مع انگلترا وممثلي األمير البرتغالي دون أنطونيو. وكان إبراهيم السفياني أيضا الوسيط الضروري بين الوفود األوروبية والسلطان. لم يكن أي استقبال ليتم دون تدخله وتدبيره. وكان قائد القواد يهتم بإدارة شأن ملفات األسرى المسيحيين. وتجمع كل المصادر األوروبية على سماحته ووصفه ب"صديق المسيحيين". وباختصار كان السفياني يلعب دور الوزير المفوض للشؤون الخارجية إضافة إلى كل االمتيازات اإلدارية والسياسية التي كان يتمتع بها داخل القصر. ابن القاضي درة الحجال ج ص نفسه ج 8 ص 67. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Mercedes García-Arenal, Cartas marruecas, p ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص نفسه ج 8 ص 44 ج ص. الفشتالي مناهل الصفا ص 00. 4

245 أما القائد عزوز الوزگيتي وهو جده األعلى المنحدر من واحدة من أقدم البيوتات المخزية إذ كان مسعود بن أرگاس أحد قادة الخليفة الموحدي ي عت ب ر في جميع المصادر التي بحوزتنا الناصر "أهم األعيان بعد السلطان". ] [ وبحسب تقليد وضعه أمويو األندلس أصبح الحاجب أقرب المعاونين للسلطان وأصبحت الوظيفة التي يضطلع بها إلى جانب قاضيي السلطنة الشريفة. الجماعة في فاس ومراكش الرتبة األعلى في استهل القائد عزوز مسيرته المهنية في المخزن زعيما التحادية قبائل و ز گيتة. فقد كانت صلة القرابة التي تربطه بموالي أحمد من جهة األم دفعته إلى االلتحاق به سنة 8750 مم ا ساعده على االستيالء بسهولة على جبال األطلس وجنوب البالد عندما كان وليا للعهد. طردا نهائيا. كما مك نت نصائحه من طرد محمد المتوكل من الحكم وبفضل فطنته وذكائه تمك ن السلطان الشريف أحمد المنصور أيضا من تجاوز صعوبات أشهر حكمه األولى وبخاصة مؤامرة قادة الجيش األندلسي. أقرب المستشارين إليه فقد أصبح عزوز الو زگيتي بعد سنة 87 وألنه حاجب السلطان. بيد أنه لم يمارس الوظيفة األصلية للحاجب وهي الحيلولة دون الدخول على السلطان لكل من هب ودب وظيفة ك ل ف بها زمن المنصور العلج م و لود بل كان يضطلع بوظائف الصدر األعظم وهي القيام مقام السلطان في كل المسائل العسكرية والمدنية. فباإلضافة إلى إشرافه على اإلدارة وعلى المالية فإن السلطان قد عهد إليه عديد المهمات ذات األهمية الكبرى. ولم يكن إشرافه على تحضيرات غزو السودان الغربي ورئاسته المفاوضات مع األمير موالي المأمون كما رأينا أعاله إال أبرز المهمات التي ك ل ف بها. ويبدو أيضا أن السلطان كان يستمع إلى عزوز الوزگيتي أكثر من أي شخص آخر في البالط. فهو مثال الذي نصح السلطان بسجن كل المتطلعين للحكم من بين أفراد عائلته بل سمل عيونهم واغتيالهم. وبالرغم من أننا ال نملك إال القليل من المعلومات عن أهم شخصيتين في السلطنة الشريفة فإنه يمكننا التأكيد على أن إبراهيم السفياني وعزوز الوزگيتي قد لعبا دور Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p.. الفشتالي مناهل الصفا ص 6. 4

246 الوزير دون حمل اللقب. فقد كان الميل إلى لقب الحاجب أظهر وهو يعطي حامله التفوق على من عداه في القصر منذ عصر بني أمية في األندلس. كما كان لقب قائد الق و اد ذي اإليحاء العثماني يعطي حامله نفس الدرجة التي للحاجب تقريبا مع فارق أن األول يهتم أساسا بالقضايا المدنية والداخلية بينما يهتم الثاني بالقضايا العسكرية والدبلوماسية. ولكن ال وجود لحدود واضحة أو هو ة تفصل الوظيفتين بل إن كال الشخصيتين يمكن أن ي عه د إليها بمهمة تابعة لمجال صاحبه. ديوان االنشاء لسان حال السلطان بالرغم من أننا نتوفر على مئات الوثائق التي تعود إلى عهد أحمد المنصور فإن معلوماتنا تبقى ضعيفة عن بنية وعمال لدواوين أي مختلف المصالح اإلدارية المركزية. بيد أن المعلومات التي ت وف رها الوثائق التي بين أيدينا توحي بوجود إدارة مركزية إلى حد ما تضمن ح س ن سير السلطنة انطالقا من قصر البديع. كانت مختلف دواوين اإلدارة تحت إمرة موظفين كبار ي طل ق عليهم الك ت اب ]مفردها. كاتب[. وتنقسم االدارة المركزية إلى عدة دواوين يهتم كل واحد منها بمجال بعينه مثل المداخيل والمصاريف والسكة والتموين واألشغال الخ. غير أن أهم هذه الدواوين وأعظمها شأنا وأكثرها خطورة يبقى ديوان االنشاء لذلك سنخصه بالتقديم والتحليل في األسطر التالية. يتكون ديوان االنشاء من مصالح عديدة منها مصلحة المراسالت ومصلحة الخ ت م ومصلحة اللغات والترجمة والترميز. ويعمل فيها مستخدمون مختلفي الدرجات والتخصصات أبرزهم ك ت اب الس ر. وقد ظهرت هذه الوظيفة منذ صدر اإلسالم. وكان على صاحبها أن يكون حاذقا في فن الترس ل وأن يتوفر على معرفة جي دة في العديد من المجاالت السيما اللغة واألدب والتاريخ والفقه والحساب. وقد كان محمد بن عيسى التام لي هو أول من ترأس ديوان االنشاء على عهد المنصور. وإلى جانب وظيفته األساسية فقد ك ل ف هذا األخير من ق ب ل السلطان بكتابة تاريخ للدولة الزيدانية. فامتثل إلى أمر سيده ووضع كتابا أسماه الممدود والمقصور في 4

247 سني الخليفة المنصور. لكن السلطان لم يلبث أن عزله ونك ل به قبل أن يقتله سنة. 87 والسبب في ذلك هو ان ابن عيسى "تجاوز" مرتبته كما فعل مثال ابن المقفع قبل ذلك بقرون وقدم مجموعة من النصائح بطريقة مباشرة أكثر من الال زم. فقد كتب فعال عدة رسائل إلى المنصور ينتقد فيها الفوضى التي تعم البالط ومختلف المصالح المركزية. ولئن كانت انتقادات ابن عيسى ونصائحه مبررة جميعها وقد القت استحسان السلطان الذي أخذ بها فإن الطريقة التي توجه بها شابها الكثير من االستعالء. فالنصيحة في التراث اإلسالمي يجب أن تبقى خاصة بين الناصح والمعني بالنصيحة. وإعالنها يؤدي إلى المس من هيبة أمير المؤمنين. تم تعويض محمد بن عيسى بعبد العزيز بن محمد بن إبراهيم الف شتالي وتولى هذا األخير المنصب لحين وفاة السلطان سنة.806 وبفضل سعة معارفه وخصاله النثرية وإخالصه أصبح الفشتالي في نفس اآلن متول ي تاريخ الدولة والشاعر الرسمي للبالط. وهو بذلك يستحق لقب لسان حال المخزن. 4 ووزير القلم فباإلضافة إلى التأريخ الذي خصصه للبيت الزيداني والموسوم بمناهل الصفا ومئات قصائد المدح فقد كان قسم كبير من المراسالت والمخاطبات السلطانية بخط يده. كما كان الفشتالي أيضا من أقرب مستشاري السلطان وكان يملك حرية الوصول لكل أرشيفات السلطنة وأسرارها. فالتوصيف الوفي الذي وضعه للحالة السياسية والدينية في أوروبا القرن السادس عشر يؤكد مثال اط العه على التقارير التي حر رها جواسيس السلطان. كما كان من بين شخصيات المخزن القليلة جدا المخو لة ولوج بعض أجنحة قصر البديع والسيما الحريم 5 وقضاء ليال كاملة بها للعمل مع سيده. وللقيام بكل المهمات التي تتطل بها المراسالت السلطانية كان الفشتالي يستعين بعدد كبير من المعاونين القادرين نظريا على األقل على تأدية نفس األدوار الموكلة إليه. 4 5 ابن القاضي در ة الحجال ج ص 0 مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 5. عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص ابن القاضي درة الحجال ج ص 86. ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 80. الفشتالي مناهل الصفا ص 6. 44

248 بن وبالرجوع إلى العديد من المصادر التي بحوزتنا أمكننا تحديد قائمة بأهم ك ت اب ديوان االنشاء على عهد المنصور وهم محمد بن علي الفشتالي ومحمد بن عمر الشاوي وعبد العزيز السكتاني ومحمد بن يحي بن عيسى وعبد اهلل بن أحمد الوج اني وعيسى أحمد الش ي ظمي ويوسف الخصاصي 4 وسليمان بن إبراهيم التام لي وأحمد منصور الشيظمي ويوسف الخصاصي والحسن الم س فيوي ومسعود الوهراني. وعلى غرار بقية خ طط بن المخزن فإن ديوان االنشاء كان يفتقد وال شك لهيكلة محددة وذلك إلى حدود بدايات القرن العشرين كما لم يكن للك ت اب مسؤوليات ومهام معي نة وذلك بسبب النظام الملكوي السائد والنقص الكبير في الموارد البشرية كما أسلفنا القول. وكان بعض الكت اب مدعوون للقيام بمهمات خاصة. فقد أ رس ل محمد بن علي 9 الفشتالي على سبيل المثال في سفارة إلى اسطنبول سنة 874 وأرسل عبد الواحد بن 0 ع ن ون األصيلي إلى لندن سنة ويبرر النشاط الدبلوماسي للسلطان الشريف وبشكل واسع وجود مصلحة للترجمة داخل قصر البديع. وكانت هذه المصلحة وهيوال ريب تحت إمرة الفشتالي مكونة من عشرات الناقلين والمترجمين ذوي أصول مختلفة مثل األندلسيين والعلوج األوروبيين واألتراك واليهود وحتى األوروبيين المسيحيين. وكان هذا القسم م كلفا طبعا بترجمة الرسائل القادمة أو الصادرة إلى مختلف الدول المسيحية واإلسالمية. ومن شبه المؤكد أن اللغة األجنبية األولى المستعملة للتوجه الى ملوك أوروبا كانت هي اإلسبانية. فالجزء األكبر من الرسائل الصادرة من الديوان الشريف إلى أوروبا كان يترجم أوال ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 464 الفشتالي مناهل الصفا ص 84. نفسه ج ص 067 ابن القاضي درة الحجال ج ص 88. نفسه ج ص 065. ابن القاضي درة الحجال ج ص 8. نفسه ج 8 ص 85. نفسه ج ص 74. نفسه ج 8 ص 46. عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص 84. التمگروتي النفحة المسكية ص Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p

249 إلى اإلسبانية قبل الترجمة إلى لغة المخاطب. ونفس الشيء كان يحصل ال شك بالنسبة للرسائل القادمة من الحكام األوروبيين حيث يتم ترجمتها بدورها إلى اإلسبانية قبل أن ت نق ل إلى العربية في مرحلة ثانية. ولد وقد تمكنا من العثور على بعض أسماء المترجمين زمن المنصور مثل عبد الملك الع ل ج وعبد الرحمان كاتانيو وأحمد بن قاسم الحجري. ولحسن الحظ فإننا نملك بعض المعلومات عن هذا األخير. أحمد بن قاسم الملقب بالشهاب الحجري في بلدة هورناتشوس التي كانت تعرف في العصر االسالمي بالح ج ر األحمر في إقليم إكسترمادورا حوالي وألنه رأى النور في أسوأ فترات محاكم التفتيش فقد تلقى تربية مزدوجة مسيحية في العلن واسالمية في السر. وقد أخذ العلم في كل من مدريد وقرطبة وإشبيلية قبل أن يصبح مترجما محترفا وأحد وجهاء مسلمي األندلس. ولكن جو الريبة والتعصب الذي ساد في اسبانيا إب ان حكم فيليب الثاني دفع بالمترجم إلى مغادرة موطن أجداده سر ا نحو المغرب التي وصلها سنة واست قبل هناك استقباال حسنا ثم التحق مباشرة بقسم الترجمة عند السلطان وظيفة لم يغادرها إال في حدود. 800 ويبرز لنا كتابه المسمى ناصر الدين على القوم الكافرين مدى إلمام الشهاب الحجري بالحالة الدينية والثقافية التي كانت عليها أوروبا وهو ما أفاد سياسة المخزن وال شك. أما فيما يخص الترجمة الفورية ابان اللقاءات والبعثات الرسمية منها والسرية فقد كان يختص بها اليهود وبعض األندلسيين والقليل من العلوج. وال نعرف من بين هؤالء إال أسماء اليهودي يعقوب 4 الروطي واألندلسي عبد اهلل دودار. أورد كل من الفشتالي و األسير سالدانيا أن ديوان االنشاء كان يتوفر على مصلحة للترميز أي قسم مختص في وضع وفك رموز المراسالت والمخاطبات السرية للدولة 5 يقوم عليها علج انگليزي األصل. ولم نكن نملك خارج هاتين اإلشارتين المقتضبتين Richard Hakluyt, The Principal Navigations, chap. VI ابن القاضي المنتقى المقصور ج ص معلمة المغرب ج 5 ص Henri de Castries, SIHM, t. II, p الفشتالي مناهل الصفا ص 6-65 p. 6.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor,

250 أي مصدر آخر يمكن أن يخبرنا عن نظام الترميز المستعمل في المغرب على عهد أحمد الترميز المنصور. ولكن ج. كوالن نشر سنة وثيقة صغيرة عن 845 احد أنظمة التي استعملها السلطان الشريف للتواصل بسفيره عبد الواحد عن ون األصيلي أثناء مهمته في لندن سنة شك من قبل مستخدمي المخزن في العصر الذي يعنينا. أحمد لم يكن كما أننا وجدنا نظامين أخرين كانا يستعمالن وال المنصور بالتأكيد مخترع نظام الترميز كما يريد الفشتالي أن يوحي به إلينا ولكنه هو من أعاد العمل به ورس خه بشكل نهائي باعتباره ممارسة مألوفة في المغرب منذ القرن الثاني عشر على األقل. فقد كان كاتب الدولة الموحدية مل ول بن إبراهيم الصنهاجي قادرا على كتابة الرسائل باللغة السرية عبر استعمال "الرموزيات" وهو اللفظ المستعمل حينها. ويبدو أن تلك الممارسة المستعملة من قبل المخزن الموحدي والمر يني قد اختفت من ديوان االنشاء المغربي أثناء سنوات االضطرابات والحروب التي لحقت سقوط آخر حاكم مر يني سنة وال يشير أي مصدر محلي أو أجنبي وحتى إب ان حكم السلطان عبد الملك إلى وجود قسم للترميز في هيكلة المخزن طيلة القرن السادس عشر. وعلى أية حال فنحن نعلم اآلن يقينا أن نظام الترميز أعيد استعماله من قبل أحمد المنصور. ولعل السلطان ورجاله قد استفادوا من تجارب الدول "المعادية" و"الصديقة" أي ال عثمان واإلسبان واالنگليز. تؤشر المعلومات القليلة التي اقتنصناها من مختلف المصادر إلى أن السلطان كان يتوفر بطبيعة الحال على قسم للترميز واخر لفك ه. إذ كان ال بد من فك رموز الرسائل والبرقيات والتقارير المكتوبة باللغات األوروبية التي يقع اعتراضها من قبل السلطات المغربية. فالسفراء والتجار والجواسيس األوروبيين الذين كتبوا المئات من الرسائل والتقارير الرسمية إلى حكوماتهم كما تظهر ذلك مجموعة الوثائق الضخمة التي سهر على نشرها هنري دو كاستر ]Henri de Castries[ وزمالؤه كانوا يرسلون في الكثير Georges Colin, «Note sur le système cryptographique du sultan Ahmad al-mansûr», Hespéris, nº VII, 97, p. -8. Évariste Lévi-Provençal, Documents inédits d histoire almohade, p. 9 et trad. p

251 من األوقات هوبير حوالي سنة رسائل وتقارير م ر م ز ة. ]Étienne Hubert[ 8088 وقد اعترف الطبيب والجاسوس الفرنسي إ ت يان للكاتب والسفير الشهاب الحجري خالل لقائهما بباريس أنه وأثناء إقامته بالمغرب كطبيب للسلطان بين كان يبعث بانتظام برسائل مرمز ة إلى هنري الرابع باألوضاع السياسية واالقتصادية في المغرب ] [ نموذج ترميز غير مكتمل أ ح ص ت ث ع ط ب خ ف ي ج ذ ض ك د ز ق ل ه غ ر م و ش س ن ز كان ال بد من تأمين المراسالت السلطانية حفظا ألسرار المخزن. سنة و 8066 يعلمه فيها وال شك أن قسم الترميز كان تحت إمرة الكاتب عبد الواحد بن مسعود بن محمد بن عن ون األصيلي وهو نفس الشخص الذي ك ل ف من السلطان بقيادة السفارة الموجهة إلى الملكة إليزابيت.8066 المعلومات شحيحة بهذا الصدد غير أن تقريرا انگليزيا يخبرنا أن عبد الواحد بن عن ون األصيلي كان يتمتع بحظوة كبيرة في البالط "فنظرا لذكائه وخبراته في الكتابة ]...[ فقد كان سيدي عبد الواحد يتكلم قليال من اإلسبانية ]و[ يمتلك بعض الشهاب الحجري ناصر الدين ص 7. 48

252 ص المبادئ من علم الفلك وعلم التنجيم ]...[ وهو خطاط عبقري". ويؤكد ابن القاضي هذه المعطيات ويزيد عليها بمعلومة نادرة مفادها أن عن ون كان يمتلك معارف في فن الترميز الذي كان يسمى في الوثائق المحلية الز مام. ورغم أننا ال يمكن أن نؤكد أن عبد الواحد بن عنون هو من اخترع نظام الترميز المخزني وهو ما تسر ع ج. كولين في الذهاب إليه ولم يكن يملك حتى شهادة ابن القاضي فيمكننا القول إن معارفه الخط ية واللسانية ال شك قد مك نته من االستعانة بمساعدين مغاربة وأجانب لوضع نظام ترميز أصيل رغم بساطته. نموذج ترميز = 4 د = ج = ب = أ = 8 ه = 7 ح = 6 و = 5 ح = 0 ل = 0 ك = 0 ي = 9 ت = 60 ص = 50 ن = 40 م = 70 ع = 80 ف = 90 ض = 00 ق = 00 ر = 00 س = 400 ط = 500 ث = 600 خ = 700 ذ = 800 ز = 900 غ = 000 ش على غرار أنظمة الترميز التي عرفها البحر المتوسط في نفس الفترة يرتكز مبدأ الترميز المنصوري على استعمال الطريقة المسم اة باالستبدال والمتمثلة في الحفاظ على الترتيب العادي للحروف والكلمات واألرقام في الرسالة واستبدال كل حرف أو كلمة أو رقم بعالمة مقررة في قائمة تناظرية أ ع د ت سلفا. وبالتالي فكل حرف من حروف األبجدية وكل رقم تقابله عالمة محددة. كما يمكن أيضا استبدال األحرف باألرقام العربية مع الحفاظ على نظام التماثل البسيط. Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p ابن القاضي درة الحجال ج

253 نموذج الترميز المعروف باسم القلم الفاسي ال نروم هنا القيام بدراسة معم قة للوثائق الرسمية الصادرة عن ديوان االنشاء زمن أحمد المنصور ولكننا سنحاول رسم خصائصها الرئيسية. كان الكتاب يستعملون بين الفينة واألخرى الرق وفي الغالب الورق المصنوع في المغرب منذ القرن الثاني عشر على األقل ويعرف بالكاغد. وال شك أن تصميم الرسالة كان وفيا للتقاليد المستوردة من المشرق واألندلس من قبل الموحدين إذ يتم تقسيم الورقة إلى عمودين غير متساويين. وتبدأ الرسالة من منتصف الصفحة على العمود األيسر وهو األكثر عرضا. واذا وصل الكاتب إلى نهاية الصفحة ولما ي كم ل رسالته يواصل الكتابة على الط ر ة أي العمود األصغر صعودا بخط مائل. ولم يستعمل ك ت اب المنصور أي لون غير الحبر األسود حسب الوثائق المتوفرة في حين أن اللون األحمر القرمزي كان مخصصا للخ ات م الذي ت دمغ به الرسائل السلطانية واللون الذهبي كان مخصوصا بخ ات م السلطان. 50

254 وكما كان الشأن زمن ابن خلدون فإن الرسائل ت غل ق بطي ها مرات عديدة قبل شق ها لتمرير خيط من الحرير ت لصق أطرافه بختم من الشمع األحمر القاني. وكانت كل الرسائل الصادرة عن الديوان المنصوري تخضع لقواعد وأشكال تحريرية صارمة جدا حسب العينات المتوفرة. فصيغتي االستهالل التي تستفتح بها كل الرسائل هما دائما بسم اهلل الرحمان الرحيم أو الحمد هلل وحده مشفوعة على ب عد بضع سنتمترات بعبارة وصل ى اهلل على سيدنا وموالنا محمد وعلى آله وصحبه وسل م تسليما. وكانت العالمة السلطانية توضع إما بينصيغة االستهالل ونص الرسالة أو في اخر النص إلثبات صحته. ويختص بذلك أحد الكتاب الملقب بصاحب العالمة. نعرف إال اسم موظف واحد تقلد تلك المهمة هو عبد الرحمان العنابي. وال وإذا كانت صيغ االستهالل وعالمة االثبات مشتركة بين جميع الرسائل وتشكل جزءها األول فإن الصيغ المفتاحية في الجزء الثاني وتمثل النص ذاته تختلف بحسب الموضوع والمرسل إليه. "هذا ظهير كريم أو المؤمنين" وتستهل أغلب األوامر السلطانية بصيغة ]...[ 4 أم ر عبد اهلل تعالى أمير المؤمنين" 6 5 بحول اهلل تعالى وقو ته هذا الظهير" أو "صدر هذا األمر العلي ب...". "عن أمر أمير "يستقر أو أما الرسائل السلطانية الموجهة إلى الملوك األجانب أو أحد األعيان ذوي النفوذ فكانت تستهل بذكر أحمد اسم المنصور وألقابه قبل تسمية المرسل إليه مع إسباغ عدد من األوصاف والمدائح عليه. ثم تأتي بعد ذلك الحمدلة والتصلية التي عادة ما تتحول إلى ثناء على السلطان وتأكيد على أحقيته بالخالفة كما رأينا في الفصل األول من الكتاب. ويتغير أسلوب الرسائل السلطانية بتغير المواضيع والمخاطبين. إدارية يكون األسلوب عامة مبس طا وسهل المنال. فإذا كانت الرسائل في حين أن األسلوب والعبارة والصياغة تتغير بشكل كبير إذا ما انتقلنا إلى مواضيع دينية وسياسية ودبلوماسية. إذ ابن خلدون المقدمة ص الفشتالي مناهل الصفا ص 88. ابن القاضي المنتقى المقصور ج ص 064. مجهول المكاتبات السلطانية و حوالة تارودانت و 5 و 6. نفسه و 5-5. حوالة تارودانت و 48. 5

255 ص يتم استعمال المحس نات البديعية إلى والسج ع وااللتجاء إلى العبارات الجاهزة والمصطلحات القديمة الموحشة بكثافة مما يجعل أسلوب المراسالت والوثائق متكلفا أقصى حد وفهم فحواها أمرا مستعصيا. ونظ ن أن ذلك كان متعمدا ألجل ربح الوقت وترك المجال إما لالستفسار أو المفاوضات أو المؤامرات أو التجهيز للحرب. وهو ما وقع أكثر من مرة في عهد المنصور والسيما مع فيليب الثاني. وعلى عكس الوثائق االدارية التي تقدم لنا العديد من المعلومات المفيدة في شتى المجاالت فإن الوثائق الدينية والسياسية والدبلوماسية تبقى غامضة وال تتجاوز العموميات في غالب األحيان. وعادة ما ت ختم الرسالة بذكر التاريخ الهجري مشفوعة بحرف الهاء اختصارا لكلمة "انتهى" وهو في العربية ما يقابل نقطة النهاية. وقد وجدنا أيضا في أسفل بعض الرسائل من الناحية اليسرى بعض صيغ إثبات الصحة إذا كان أولها خ ل و من العالمة أو الطابع. وقد كانت صح ة المكاتبات السلطانية ت ضمن بثالث طرق مختلفة كما أورد: الطابع والعالمة وصيغ االثبات. كانت هذه األخيرة قليلة االستعمال في ديوان االنشاء المغربي في زمن المنصور. سيمانكس ولم نجد غير رسالتين موجهتين إلى الملك فيليب الثاني ]Simancas[ تحمالن صيغ االثبات باسبانيا "صحيح ذلك" ومؤرختين في ويخبرنا ابن القاضي أن صيغة "ث ب ت بتاريخه" على أي وثيقة تؤكد ذلك. أحمد محفوظتين في 4 أكتوبر 8744 و 8 يوليو 8747 مرسومة بالقلم الغليظ ومتبوعة بحرف الهاء. كانت مستعملة أيضا. ولكننا لم نعثر كان الطاب ع الذي يستعمله كتاب المنصور لتأكيد صحة المخاطبات أو التصديق عليها بيضوي الشكل وغني ا بالزخارف. ويمكننا قراءة اآلية ي ر يد اهلل ل ي ذ ه ب ع ن ك م الر ج س أ ه ل ال ب ي ت و ي ط ه ر ك م ت ط ه ير ا" من سورة األحزاب "إ ن م ا على حاشية أحد هذه الطوابع. نجد على حاشية اخر اآليتين 8 و من سورة الفتح "إ ن ا ف ت ح ن ا ل ك ف ت حا م ب ينا ل ي غ ف ر ل ك الل ه م ا ت ق د م م ن ذ نب ك و م ا ت أ خ ر و ي ت م ن ع م ت ه ع ل ي ك و ي ه د ي ك ص ر اطا م س ت ق يما "..064 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 5

256 وفي وسط كل طابع يمكننا رؤية العالمة السلطانية التي سنتحدث عنها الحقا مشفوعة بعدد ضخم من األلقاب التبجيلية. لبعض الوثائق وخاصة رقاع رد المظالم وبعض الظهائر ويخبرنا الفشتالي أن استعمال الطابع مخصص المهمة. كانت العالمة وهي ما تطلق عليه المصادر األوروبية المعاصرة اإلمضاء اليدوي تمث ل أهم وأشهر وسيلة لضمان صحة المكاتبات المنصورية وتقابلها الطغراء عند العثمانيين. وقد كانت مستعملة عند الخلفاء والملوك المشارقة ابان العصر الذهبي إلى أن أ دخلها الموحدون إلى المغرب في القرن الثاني عشر. وبعد قرنين يؤكد ابن خلدون وقد كان صاحب العالمة في البالط الحفصي أن وضع العالمة يعني "النهاية والتمام بمعنى صحة ذلك المكتوب ونفوذه كأن الكتاب إنما يتم العمل به بهذه العالمات وهو من دونها ملغى ليس بتمام. وقد يكون هذا الختم بالخط آخر الكتاب أو أوله بكلمات منتظمة من تحميد أو تسبيح أو باسم السلطان أو األمير أو صاحب الكتاب كائنا من كان أو شيء من نعوته يكون ذلك الخط عالمة على صحة الكتاب ونفوذه ويسمى ذلك في المتعارف عالمة ويسمى ختما تشبيها له بأثر الخاتم االصفي في النقش". على عكس أسالفه والسالطين العثمانيين كانت عالمة مما يجعل قرأتها صعبة للغاية. 4 خلدون وبخبرته الطويلة في المجال. أحمد المنصور معقدة الشكل وقد حاول دو كاستر فك لغزها مستعينا بنص ابن وبعد عدة سنوات توصل المستشرق األلمعي إلى أن عالمة السلطان ال تعدو كونها الحمدلة التقليدية التي توضع في صدر المكاتبات. ولكن ذلك والحجج التي قدمها اقل اقناعا. "االكتشاف التلقائي" كما يطلق عليه فاألسباب التي تجعلنا نشك في قيمة تلك القراءة عديدة. دو كاستر نفسه غير مقنع أولها هو إذا كانت العالمة مجرد حمدلة لماذا يلتجأ ك ت اب السلطان إلى حمدلة قبلها أو بعدها وهو ما يعتبر خطأ الفشتالي مناهل الصفا ص 60. Henri de Castries, SIHM, Pays-Bas, t. I, p ابن خلدون المقدمة ص Henri de Castries, «Les signes de validation des chérifs saadiens», Hespéris, t. III, 9, p

257 كبيرا من الناحيتين البيانية والبالغية وثانيها أن عالمات السابقين عن أحمد المنصور وكانت أكثر "وضوحا" لم تكن تحمل أي دعاء ولكن اسم السلطان المعني. وثالثها أن الفشتالي يورد لنا أن عالمة سي ده تحوي "اسمه الشريف المبارك المنيف". أال تدفعنا شهادة رئيس الكتاب ووزير القلم األعلى كما كان يسمى إلى التشكيك في تأويالت دو كاستر وجب البحث إذا في تلك العالمة عن اسم السلطان ليس أكثر. عالمة السلطان الشريف أحمد المنصور إن تفكيك عالمة أحمد المنصور ومقارنتها بعالمات أسالفه وخاصة بعالمة أخيه عبد اهلل الغالب تبدو مثمرة. ونحن نعتقد أن عالمة السلطان تحوي لقبه ونسبته. ويمكننا أن نقرأ فيها: المنصور باهلل الحسني والعبارة جميعها مغل فة في حرف هاء كبير ]مختصر انتهى[ يقوم مقام قاعدة العالمة وسنعود إلى ذلك في عمل مستقل الحقا. ويضع السلطان عالمته تلك على نوعين من الوثائق بحسب الفشتالي اال وهما الظهائر والرسائل الموجهة إلى الملوك والشخصيات األجنبية. والوثائق التي بحوزتنا تؤكد جزئيا مالحظة الوزير المؤرخ ألننا وجدنا بعض الظهائر الموجهة إلى شخصيات مغربية تحمل ختمه ذاك. ولقد أصبحت عالمة أحمد المنصور التي كانت في األصل الفشتالي مناهل الصفا ص 88. نفسه ص 60. حوالة تارودانت و 6. 54

258 خاتم تصحيح وإنفاذ "عالمة مميزة ومتوارثة" للزيدانيين بسبب شهرتها وفخامتها. فقد تبنى ورثته تلك العالمة ولم يغيروها إلى زوال ملكهم سنة وكانت المكاتبات السلطانية بشتى أنواعها يحملها إلى أصحابها شاو ش أو رق اص. ونحن ال نملك إال أخبارا قليلة جدا عن ديوان البريد أو الب ر د وكذا عن األشخاص المتول ين له في عصر السلطان المنصور. أحمد نعرف فقط أن الش واش كانوا "من الفرسان الذين يحملون الرسائل واألخبار في عربة مجرورة مصنوعة للغرض ويحملون قضيبا من حديد". ويؤكد الفشتالي هذه المعلومة ولكنه يخبرنا أن حمل البريد ال يعدو كونه مهم ة من بين مهمات أخرى كثيرة يكلف بها السلطان القائمين على هذا الديوان كتحرير تقارير حول حالة الجيش في األقاليم والتجسس على األعيان المدنيين والعسكريين الخ. أم ا الرق اص فكانت له مهمة واحدة وذلك منذ أن أنشأ أمويو األندلس هذه الخط ة وهي إيصال بريد السلطان وجلبه. وقد أخبرنا المجهول اإلسباني واإلفراني بمعلومة مهمة تتعلق ببريد المنصور. كان يوكل إلى ساع يستعمل جمال يسم ى الهيري. فقد ر و يا أن البريد السريع للسلطان وكان ذلك الجمل الذي يعني اسمه ريح الشمال أو ذكر النع ام سريعا لدرجة أنه كان قادرا في يوم واحد على قطع مسافة 4 يقطعها الماشي في عشرة أيام. تواصل أخرى سريعة ومأمونة. فإنه يمكننا افتراض أنه كان يلجأ إلى الحمام الزاجل. إدارة األقاليم كما أن ديوان البريد كان يستعمل وال شك وسائل وعلى الرغم من أننا ال نملك أي معلومة بهذا الصدد كان المغرب بحسب وصف الحسن الوزان م قسما في عهد المر ينيين والوط اسيين إلى سبعة عشر والية. ويبدو أن الزيدانيين احتفظوا بنفس التقسيم تقريبا. ففي منتصف Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 6. الفشتالي مناهل الصفا ص 6. Évariste Levi-Provençal, L Espagne musulmane au X e siècle, p اإلفراني صفوة من انتشر. ص 7. وقد بالغ المجهول االسباني في تقدير تلك السرعة عندما ادعى أن ذلك الجمل يمكنه قطع المسافة الفاصلة بين مراكش وفاس في يوم واحد. أنظر Henri de Castries, «La conquête du Soudan», p

259 القرن السادس عشر لم يفعل مارمول غير استنساخ أقوال الوزان التعديالت الطفيفة. إذا استثنينا بعض ومن المرجح أن األمور أمست أكثر تعقيدا زمن المنصور إذ تعرض أربعة مصادر مختلفة أربعة خرائط إدارية متباينة للبالد. فبينما يمدنا المجهول وسالدانيا البرتغالي واليات وتسع واليات. مقسما إلى ست عشرة والية. والفشتالي باألرقام التالية بالترتيب: يؤكد خورخي دي هنين ]Jorge de Henin[ اثنتي عشر والية و ثماني أن المغرب كان ولكن يجب التنويه أن هذا األخير لم يقم إال باجترار المعلومات المتوفرة عند مارمول كما استشعر محقق الكتاب كما أنه أهمل ذكر 4 والياتي ت وات-تيگورارين والسودان رغم معاصرته لألحداث. إن تقسيم دي هنين ال يستقيم وال بد من وضعه جانبا. يبدو أن التقسيمات اإلدارية التي اقترحها المجهول البرتغالي وسالدانيا والفشتالي أقرب إلى الواقع وتتوافق أكثر مع عقلية الم ر ك ز ة التي يتمتع بها السلطان الشريف المنصور. أحمد اتفق المؤرخون الثالثة على سبعة واليات هي سوس وفاس وتافاللت ومراكش والسودان وتادلة ود رعة. تحدث الفشتالي وسالدانيا وكثير من التقارير األوروبية المعاصرة لذلك الوقت عن والية الفحص. وكذا الشأن بالنسبة إلقليم ت وات- تيگورارين. بقيت مشكلة أربعة مناطق يقدمها المجهول البرتغالي بالد الطوارق والصحراء الكبرى بالمعنى الصحيح. كواليات. ]صحراء المغرب الحالي وموريتانيا[ تكن لم واليتين فقد كانت القبائل البدوية التي تعيش عليها تعترف بحكم السلطان الشريف مقابل إتاوة تبعية سنوية تسمى الهدية وإرسال عدد من الفرسان. ولكن لم يكن للسلطان ممثل دائم يقيم بين تلك القبائل. كانت بالد الطوارق والصحراء الكبرى إذ ا مناطق صحراوية شاسعة تحت الحكم القانوني والرمزي للسلطان الشريف أكثر منها واليات يديرها المخزن. السلطانية فإنها جزء من والية فاس. وإذا كان لمدينة مكناس و ال ة ينحدرون عادة من العائلة أما منطقة تامسنا فلم يسكنها غير قبائل ر ح ل Anonyme, Description du Maroc, p. 6. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p., p. 44, p. 86, p. 0 et 08. Jorge de Henin, Descripcion, p Ibid., p

260 وشبه رح ل ما يفسر غياب المدن اإلدارية الكبرى فيها. كان السلطان ينظ م كل سنة حركات ال هدف منها سوى استخالص الضرائب وكانت القبائل توفر له الفرسان في حال احتاج لها. ومع ذلك فإن غياب إدارة مناطقية ال يعني غياب اإلدارة. بالعكس فقد كان يتم دوري ا تعيين قضاة في المنطقة وكانت الحاميات الدائمة ترابط في أهم قصبات اإلقليم لتأمين الطرقات التجارية واألراضي الفالحية. Anonyme, Description du Maroc, p

261 الحسن الوزان جهات السلطنة حسب أهم مصادر القرن 4 وبداية القرن 4 عبد العزيز أنطونيو دي المجهول الفشتالي سالدانيا البرتغالي خورخي دي هنين حاحة سوس مراكش دكالة هسكورة تادلة تامسنا فاس أزغار الهبط الريف گرت الحوز درعة تافاللت توات بالد الجريد سوس مراكش تادلة تامسنا فاس درعة تافاللت توات و تيگورارين مكناس الصحراء بالد الطوارق السودان سوس مراكش تادلة فاس درعة تافاللت السودان الفحص سوس مراكش تادلة فاس درعة تافاللت توات و تيگورارين السودان الفحص حاحة سوس مراكش دكالة هسكورة تادلة فاس أزغار الهبط الريف گرت الحوز درعة الغرب جزولة

262 انتقل عدد الواليات المغربية إذن في عهد أحمد المنصور من سبعة عشر إلى تسعة وهي سوس وفاس وتافاللت ومراكش وتادلة ودرعة والفحص وتوات-تيگورارين والسودان. وال نحتاج إلى القول إن هذه الواليات كانت هي نفسها منقسمة إلى عد ة قيادات حضرية وريفية. وبينما تملك كل مدينة إدارة محلية شبيهة بتلك التي عرفتها مراكش فإن التجمعات الريفية الصغيرة لم تعرف في الغالب إال إدارة أو لية في المجال العسكري والمجال القضائي. غير أن للمدن الحدودية وخاصة المدن الساحلية وضعية قانونية خصوصية. اإلدارة المناطقية فهذه المدن ذات األهمية اإلستراتيجية الواضحة تخرج عن نطاق وتخضع مباشرة للسلطان. فقد كان قواد مدن الرباط-سال وأصيلة والعرائش وبادس وش فشاون وتطوان وهم من العسكريين في الغالب يعي نون مباشرة من السلطان وال يساءلون إال من قبله رغم وقوع مناطقهم في واليتي فاس والفحص. Ibid., p. 07, p. et p. 4 et p

263 ومنذ توليه الحكم سنة 875 كان السلطان الشريف أحمد المنصور يتبع تقليدا وضعه أبوه محمد الشيخ المهدي بتعيين ابنه موالي الشيخ المأمون خليفة له على والية فاس. وبقي هذا األخير في منصبه إلى وقت عزله سنة 806. وقد أ سندت المهمة بعده إلى موالي زيدان في السنة األخيرة من حكم سنة أحمد المنصور. كما ع هد إلى أخوال السلطان أحمد الكبير وأحمد الصغير واليتي درعة وسوس. وعند وفاة أحمد الصغير 874 و ل ي ابنه مكانه. 4 الفحص طيلة عهد المنصور. وقد تول ى القائد أحمد بن عبد اهلل الك وش ببراعة جهة أما تادلة فقد توالى عليها قائد الق و اد إبراهيم السفياني بين سنتي 875 و 877 ثم األمير موالي علي بين سنتي 877 و 874 ثم األمير موالي زيدان بين سنتي 874 و 806. ولم نعرف إال اسم حاكم واحد لتافاللت هو عمر بن محمد بن عب و الذي حكمها بين سنتي و 87. وقد حكم فاتح توات- تيگورارين محمد بن ب ر كة الوالية من سنة فتحها إلى نهاية حكم السلطان. وأخيرا فقد توالى على رأس إدارة السودان بعد فتحها سنة 6 ومحمود باشا وسليمان باشا وعم ار باشا عديد الوالة وهم ج و ذ ر باشا نالحظ أن أبناء المنصور لعبوا دورا مهما في إدارة واليات المغرب طيلة حكم أبيهم. فإضافة إلى ولي العهد الذي عين سنة نائبا للسلطان 875 وخليفته على فاس فإن 7 موالي علي وموالي أبا فارس ع ي نا وهما طفالن واليين اسميين على كل من مكناس 8 وسوس. وبعد تجديد البيعة لموالي المأمون سنة المنصور البلد أحمد قس م 877 بشكل ما بين أبنائه. فبينما استبقى ولي العهد في فاس وعهد مكناس إلى موالي زيدان الفشتالي مناهل الصفا ص 45 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص مجهول المكاتبات السلطانية و Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 0. اإلفراني نزهة الحادي ص نفسه ص 80 الفشتالي مناهل الصفا ص 4 4, p. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor,.p. 44, et p الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص السعدي تاريخ السودان ص عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص الفشتالي مناهل الصفا ص عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص

264 أوكل تادلة إلى موالي علي وسوس إلى موالي أبي فارس الذي كان يتقلد منصب نائب السلطان على مراكش عند غياب أبيه. وجيشه وكان يحكم واليته حكما ذاتيا. وقد كان لكل أمير إدارته الخاصة وخزينته وعلى أي حال فإن السلطان الشريف كان بإمكانه نقض القرارات التي يتخذها أبناؤه إذا ما تعارضت مع مصالح الدولة كما كان يسيطر على الشؤون المالية كلية. وفي المقابل لم االمتيازات. المجاالت القانونية يكن بقية الوالة الغير المنتمين للعائلة السلطانية يتمتعون بتلك إذ لم تكن سلطتهم تتجاوز نظريا المجالين اإلداري والعسكري. والمالية فال تعنيهم إطالقا. أما فالقضاة وعم ال الجباية وأصحاب بيت المال كانوا يعينون من قبل السلطان مباشرة وال يعودون في أمورهم إال إليه. سو لت النفس ألحدهم تجاوز مهامه فقد كان ي قال آلي ا ويسجن وتصادر ممتلكاته. وإذا 4 ينتمي غالبية الوالة إلى العائلة السلطانية أو إلى طبقة العلوج. ويمثل إبراهيم السفياني الذي ينتمي إلى قبيلة عربية خرقا للقاعدة نظرا للعالقة الحميمة التي تربطه بالسلطان. وتفسير ذلك بسيط جدا كان السلطان الشريف ال يثق في النخب المحلية عموما ألنه كان يعتقد أنهم يستطيعون استغالل السلطات الواسعة التي سيتمتعون لكسر عصا الطاعة ورفع علم االستقالل تجاوز البنيات العشائرية والنزعات والعلوج. وبعبارة أخرى التجأ مما يؤدي إلى الفتنة. وبعبارة أدق فقد حاول المنصور االستقاللية والفوضوية باللجوء إلى أفراد أسرته إلى عالج مشكلة تقليدية بوصفة تقليدية ال تخلو من عوارض خطيرة كما بينا ذلك في الصفحات المخصصة لمشكلة التوريث. الديوان: مجلس القرار اتخاذ يمكن إلى أي من خدام المخزن الذين تحدثنا عنهم انفا أن يستدعى إلى مجلس السلطان. فالتزاما بمبدئ الشورى كان كل الحكام المسلمين مضطرين ولو شكليا إلى استشارة الفشتالي مناهل الصفا ص 4 ابن القاضي درة الحجال ج ص 75 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 0 et p. 46. علي الفشتالي مناهل الصفا ص 00. نفسه ص ال نملك لألسف معلومات عن قواد المدن الصغيرة واألرياف. 6

265 أهل الحل والعقد أي النخبة. وعليه فقد وضع العديد من الملوك أجهزة استشارية أخذت أشكاال مختلفة بحسب مناطق دار اإلسالم. ومنذ القرن الثاني عشر ظهر هذا النوع من المؤسسات عند الموحدين اقتداء بالنماذج المشرقية واألندلسية. التي استحدثها الموحدون مجلس الخاصة أو وقد خلف الشورى الذي أقامه المرينيون. المجالس ويتألف هذا المجلس من أهم رجاالت السلطنة ويبحث كل المسائل السياسية والعسكرية واالقتصادية المهمة. ويبدو أن هذه المؤسسة قد صمدت ضد التقلبات السياسية التي عصفت بالمغرب طيلة القرن الخامس عشر وحتى بدايات القرن السادس عشر. تبناه الوطاسيون والزيدانيون األوائل دون صعوبة ت ذكر. لقصري مراكش وفاس كانت تحمل اسم الم ش ور أي مكان المشورة. فقد بل إن القاعة الرئيسية هناك أي قاعدة واضحة وال أي إطار صارم يحدد آليات عمل هذه المؤسسة. وبعد توليه الحكم يبدو أن السلطان الشريف أحمد ولكن لم يكن المنصور استعاد تقليد مجلس الشورى كما هو في السنوات األولى لحكمه على األقل كما يبدو من انتقادات كاتبه ابن عيسى. ولكنه وبعد اطمئنانه نهائيا إلى سلطته والى استقالل بالده في حدود 878 حاول جعل اشتغال المخزن أكثر نجاعة عبر إعادة هيكلة بعض األجهزة وخاصة منها المجلس السلطاني الذي أطلق عليه تسمية الديوان. جدا. يبدو التأثير العثماني هنا واضح كان ديواني ه مايون مجلسا مكونا من أهم أعيان الدولة العثمانية هدفه تدارس أهم القضايا في كل الميادين. وكان السلطان يرأس ذاك المجلس بنفسه. ولكن ابتداء من حكم محمد الفاتح ] [ وقع التخلي عن هذه المهمة لصالح الصدر األعظم. غير أن السلطان احتفظ نظريا بحق مراقبة كل مقررات الديوان. بل إنه يمكنه سماع اجتماعاته ومتابعتها من وراء نافذة مشب كة تفتح على القاعة وبالتالي كان بإمكان الوزراء تقديم الملفات األساسية لموافقة السلطان مباشرة إثر انتهاء مداوالت المجلس. Diego de Torrès, Histoire des chérifs, p. 7. محمد المن وني ورقات عن حضارة المرينيين ص. عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص 86 6

266 ومع بداية حكم سليمان القانوني أصبح الديوان المتكون من الصدر وبعض الوزراء ونظار المالية و قاضيي الجيش ووالي الرومل لي إذا كان حاضرا في العاصمة وأمير البحر يجتمع أربع مرات في األسبوع من السبت إلى الثالثاء. المسائل الرئيسية للدولة كان الديوان يلعب دور محكمة رد شكاوى الرعية. وإضافة إلى بحثه المظالم المنفتحة على كما يلعب دورا دبلوماسيا ومراسميا بإدارته لالستقباالت الرسمية والمفاوضات مع البعثات األجنبية. ال تختلف االمتيازات التي يتمتع بها الديوان الهمايوني إذا بكثير عن غيره من مجالس الشورى المعتمدة في بلدان اسالمية اخرى وفي أزمنة المغرب اسم مجلس الشورى مختلفة. فلماذا ع ث م ن سلطان رغم أن عبارة مجلس الشورى تحمل شحنة من وجهة النظر اإلسالمية إال أن المصطلح العثماني ديوان يحمل هو نفسه داللة القوة والبطش في مخيال العامة ولدى ممثلي القوى األجنبية. الخان وألنه يضع نفسه في مستوى منافسة العثماني فإن السلطان الشريف ال يجد حرجا في اعتماد ذلك االصطالح كما فعل أيضا في المجال العسكري إلعطاء قيمة رمزية مضافة لمجلسه. وعلى عكس السلطان العثماني فإن الذي ينعقد مرات ثالث في األسبوع: أحمد المنصور كان يرأس بنفسه جلسات الديوان السبت واالثنين واألربعاء. فبعد صالة الفجر وقراءة الو رد اليومي يأخذ السلطان مكانه في القب ة الخمسينية أو في الفسطاط األعظم بعد أن يكون أعضاء المجلس قد سبقوه إليه وهم قاضي الجماعة في مراكش ومفتي مراكش وكبار العلماء والحاجب عزوز وقائد القواد إبراهيم السفياني والكاتب عبد العزيز الفشتالي 4 وكبار قواد الجيش. وبعد بضع ساعات من النقاش حول مائدة الطعام ينسحب السلطان إلى جناحه الخاص ويغادر أغلب األعيان القصر. بيد أن أهم معاوني السلطان يظل ون في عين المكان بانتظار أن يعاود الخروج من حجراته. وبعد EI, t. II, p. 47 ; Robert Mantran [Dir.], Histoire de l Empire ottoman, p ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 7. الفشتالي مناهل الصفا ص يورد تقرير انگليزي قائمة بأسماء بعض العسكريين األعضاء في المجلس السلطاني وهم مؤمن بوكرزية وعبد الواحد بن سعيد وجوذر باشا ومحمود باشا وأحمد بن منصور. أنظر.p 0.Henri de Castries, SIHM,.t III, 6

267 صالة الظهر يجتمع السلطان لبعض الوقت مع أهم معاونيه قبل أن يلتحق بهم بقية أعضاء الديوان ليواصلوا النقاش إلى حدود صالة المغرب. وفي حالة تغيب السلطان فإن موالي أبا فارس يحل مكانه. وعلى غرار الديوان العثماني فقد كان المجلس السلطاني يتمتع بصالحيات كبيرة في المجاالت السياسية والقضائية االقتصادية والعسكرية ال يحدها إال السلطان. فقد كانت كل القرارات الكبرى للحكم تتخذ في الديوان مثل غزو واحات الصحراء والسودان أو عزل موالي المأمون الخ. أما المسائل الدبلوماسية وخاصة منها العالقات مع القوى األجنبية فلم تكن تناقش في الديوان ألن الواقعية السياسية المتبعة من قبل أحمد المنصور والقاضية بإقامة تحالفات مع القوى األوروبية إلبعاد الخطر العثماني يمكن أن تغضب أعيان المؤسسة الدينية المشاركين في المجلس. ولتجنب غضب أولئك رج ح السلطان أنه من األضمن عقد حلقات مضيقة للنظر في تلك المسائل يجتمع هو معها خارج االجتماعات الرسمية. كان السلطان أيام الخميس واألحد يتناقش مع عدد محدود من معاونيه وبعضهم أعضاء في الديوان حول الشؤون اليومية وبعض الملفات المهمة التي يجب أن ت عر ض على الديوان في األيام التالية. وفي كل يوم سبت بعد نهاية المجلس السلطاني يستدعي أحمد 4 المنصور زعماء القبائل واألشراف إلى مائدته. أما يوم الجمعة فهي مناسبة ليبرز المنصور سلطته الدينية عبر إمامة الصالة في جامع يعقوب المنصور الموحدي 5 وترؤس جلسة رد المظالم في ضريح أبيه أو في القبة الخمسينية داخل قصر البديع. التحكم في القضاء كانت للسلطان نظريا صالحيات قضائية واسعة بصفته خليفة وإماما والسيما رد المظالم. لكنه في الواقع كان يفوض جزاء ال يستهان به من هذه الصالحيات إلى الفشتالي مناهل الصفا ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p الفشتالي مناهل الصفا ص 60 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 7. 4 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 7. 5 نفسه ج 8 ص 7 و 464 الفشتالي مناهل الصفا ص

268 الفقهاء. فالقضاء يتمتع بحظوة عالية في دار اإلسالم منذ العصر الوسيط وغالبا ما كان المتول ون لهذا المنصب من العلماء األتقياء الذين يجمعون المزايا األخالقية إلى العلم بالشريعة. وكان المكلفون بتلك المهمة معتبرين لدى السلطان كما كان يعتبر كبيرهم نظريا ومراسميا الشخصية الثانية في البالد. وبتبنيه العقيدة الخليفية التي تجعل منه محور الكون والمركز األوحد الذي تتجمع فيه كل السلطات لم يعين أحمد المنصور أبدا قاضيا للقضاة على غرار الكثير من الدول اإلسالمية بل اختار تعيين قاضيا على رأس المدن المهمة كمراكش وفاس وتارودانت وشفشاون وتومبكتو لقبه قاضي الجماعة وهو مصطلح استعمله أمويو األندلس تمي زا عن العباسيين الذي كانوا يستعملون عبارة قاضي القضاة. الجماعة ال يملك ومع ذلك فإن قاضي إال أولوية أخالقية على بقية القضاة وال يمارس عليهم أية سلطة حقيقية على عكس القضاة األندلسيين والمشارقة. وكان السلطان هو من يعين القضاة بظهير دون الرجوع بالضرورة إلى قاضي الجماعة. ويحق للقضاة طلب اإلعفاء من حم ل هذا العبء. غير أن للسلطان واسع النظر في قبول أو رفض طلباتهم. فمهما بلغت سمعة القاضي وصيته فإنه يبقى تابعا للسلطان الشريف الذي يعتبر المرجع األعلى في المجال القضائي بما يمتلك من سلطة رمزية وردعية. وقع تعيين كثير من القضاة في منصب قاضي الجماعة على عهد أحمد المنصور. وقد تمكنا من العثور على أسماء القضاة الذين تولوا تلك المهمة في العصر الذي يعنينا. ففي مراكش ع ه د بقضاء الجماعة تباعا إلى أبي القاسم الشاطبي وأبي القاسم بن س و د ة 4 وأبي عبد اهلل الرگراگي. 5 وفي فاس تقلد تلك المهمة عبد الواحد الح م ي دي وعبد Évariste Lévi-Provençal, Histoire de l Espagne musulmane, t. III, p أنظر ظهير تعيين القاضي أبي القاسم الغساني في مكناس والقاضي أبي القاسم بن سودة على قبيلة بني حسان عند القادري نشر المثاني ج 8 ص المختار السوسي م ترعات الكؤوس في آثار طائفة من أدباء سوس و ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 464 الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ج 8 ص 464 ج ص 554 ابن القاضي درة الحجال ج ص

269 العزيز الم ركني وعلي الس السي وأبو القاسم الغساني. أما في تارودانت وشفشاون 5 4 فقد ع هد بها طيلة حكم المنصور إلى سعيد بن علي اله و زالي ومحمد بن عرضون. 6 كما لكل مدينة على قدر من االهمية وكل اتحاد قبلي قاضيا خاصا. ومن بين قضاة الجماعة الذين ذكرناهم كان عبد العزيز المركني وعلي السالسي الوحيدين الذين عزلهما السلطان ألسباب سياسية على عالقة وال شك بتمرد موالي الناصر وتمرد موالي المأمون. لمهمتهم. أما اآلخرون فإن الموت فحسب هو من وضع حدا كما يمكن اإلشارة إلى أن كل أولئك القضاة كانوا ينتمون إلى الطريقة الزر وقية التي تقول بطاعة ولي األمر بشكل مطلق. وفي السودان اعتمد السلطان نفس التنظيم القضائي وعي ن على رأس البالد قاضي قضاة في تومبكتو يشرف منها على كل القضاة اآلخرين في اإلقليم المفتوح حديثا كما 7 سنرى الحقا. 8 عائلته. 9 يغيب أبوه. وإذا تغيب القاضي يقع تعويضه بنائب أو معاون يمكن أن يكون من فقد تكفل مثال أحمد الشاطبي بمهمة قاضي الجماعة في مراكش عندما كان وعندما يتعلق األمر بقضايا بسيطة تخص الطبقات الدنيا أو األسرى والتجار األوروبيين كان القضاة يفوضون الحكم فيها إلى فقيه يطلق عليه منذ عصر القادري نشر المثاني ج 8 ص 87. نفسه ج 8 ص اإلفراني نزهة الحادي ص الفشتالي مناهل الصفا ص 7-4 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 45 ابن القاضي درة الحجال ج ص.44 5 ابن القاضي درة الحجال ج ص 5. القادري نشر المثاني ج 8 ص الفاسي قبيلة بني زروال ص 88 وص 0-05 مجهول المكاتبات السلطانية و السعدي تاريخ السودان ص 6 القادري نشر المثاني ج 8 ص 8 Évariste Lévi-Provençal, «Un document inédit sur l expédition sa dide au Soudan», Arabica, nº, 955, p ويمكننا ذكر أسماء بعض القضاة وهم عمر بن محمود آقيت وأحمد الفياللي وأحمد بن سعدون الشيظمي وأبو جعفر العقيل الصنهاجي ومحمد أند غ السوداني. 8 القادري نشر المثاني ج 8 ص ابن القاضي درة الحجال ج 8 ص

270 أمويي األندلس الح ك م. الصادرة عن السلطان أو عن القاضي. وال تختلف مسؤوليات القاضي وكان هذا األخير يفصل في الدعاوى الصغيرة وينفذ األحكام في المغرب على عهد المعروفة عند القضاة المسلمين منذ قرون عدة. فيها تلك التي ترتبط باألجانب المقيمين في المغرب. المنصور عن تلك أحمد إذ كان يبث في القضايا الجنائية بما حوكم الوكيل 87 ففي سنة اإلسباني دييگو مارين من قبل القاضي أبي القاسم الشاطبي على جريمة قتله لعدد من التجار االنگليز. كما كان يحكم القاضي أيضا في القضايا المتعلقة بالعقود التجارية واالرث والطالق والحجر وغيرها. كما كان يتولى تدبير حقوق اليتامى والقاصرين. وكانت المحاكمات في ذلك العصر تتم في جناح من بيت القاضي لذلك سمي المقر دار القاضي. وعلى غرار بقية أعيان المخزن كان يمكن للقضاة أن يجمعوا بين مهام عدة في نفس الوقت وأن يقوموا بمهام استثنائية. فقد كان القاضي الشاطبي مثال إمام وخطيب 4 الجامع األكبر بمراكش كما قاد سفارة إلى السلطان العثماني. وفي مقابل مهامهم كان القضاة يتقاضون أجرا من بيت المال أو من السكان في المناطق النائية كما يقبلون 5 العطايا والهبات السلطانية وهو ما يدل على انصياعهم التام للمخزن. وهو ما ال يتوافق مع األدبيات التقليدية التي كانت تحثهم على عدم قبول األجر المادي والسيما المكرمات الملوكية. فعل السلطان تقريبا نفس الشيء مع خطة االفتاء. كانت هذه الخطة معروفة في الغرب اإلسالمي منذ العصر األموي في األندلس. المر ينيين والوطاسيين. الدولة ونفوذ كبير إذ كان أصحابها لدى الناس كما تد ل على ذلك ولكنها أمست منصبا حساسا للغاية زمن يتمتعون بسلطة حقيقية على مختلف دواليب مثال س ير الونشريسي األب واالبن ص ابن عبدون رسالة في الحسبة ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p et p مجهول المكاتبات السلطانية و 58-8 القادري نشر المثاني ج 8 ابن القاضي درة الحجال ج.5 4 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص الزياتي الجواهر المختارة و ص

271 وأحمد الزق اق. على مبدئ فر ق تسد. وقد أراد المنصور التحكم في هذه الخطة والحد من نفوذها معتمدا فقد كان يعي ن مفتين مستقلين وعلى خالفات مع بعضهم البعض في التجمعات المهمة عوض مفت واحد أو اثنين كما كان الحال في العهود السابقة. وكان هؤالء الم فتون مطالبون بإصدار فتاوى وفقا للمذهب المالكي مذهب المغرب الرسمي منذ قرون خلت واحترام العادات والتقاليد المحلية. وعلى غرار القضاة كان الم فت ون يحصلون على أجورهم من المخزن أو من السكان المحليين في االقاليم النائية. وقد تمكن ا رغم قلة المصادر من التوصل إلى أسماء بعض الم فتين زمن المنصور. فبينما كان عبد الواحد الشريف السجلماسي يمارس مهمته في مراكش كان يحي السر اج ومحمد بن جالل وعلي السالسي ومحمد القص ار الغرناطي يتداولون على أداء تلك المهمة في فاس. وقد زاول ابن الوق اد التلمساني االفتاء في سوس ود رع ة 7 وناحية مكناس كما تولى عبد اهلل البصري هذه الخطة في ناحية مكناس. وبالرغم من أنهم ال يعتبرون من مستخدمي المخزن فإن الع دول ويسمون أيضا الموثقين والشهود كانوا منذ بداية العصر الوسيط ضروريين لعمل القضاء المغربي. ويعترف القاضي بهم بعد التثبت في أخالقهم الحميدة عدول إشهاد وموثقي عقود في شتى المجاالت مثل الزواج والطالق والميراث والهبات والمعامالت التجارية والدعاوى الخ. وقد كان تحرير بعض العقود يتطلب معارف خاصة في الفقه والرياضيات واألنساب والسيما فيما يخص علم الفرائض أي تقسيم االرث. عادة ما يشترك عدالن شرعيان في محل واحد يكون قريبا من دار القاضي ليستقبال الز بناء. 8 ويسمى الشارع الذي تتواجد فيه تلك المحالت بسماط الشهود أو سماط العدول ابن عسكر دوحة الناشر. ص التم ن ارتي الفوائد الجمة ص 4-7. ابن القاضي المنتقى المقصور ج ص ابن القاضي درة الحجال ج ص 846. المق ري روضة اآلس ص. نفسه ص -8. الت من ارتي الفوائد الجمة ص 4-7. ابن القاضي المنتقى المقصور. ج ص 8. 68

272 ص ويتلقى هؤالء العدول أجورهم من طالبي الخدمة بحسب طول العقود المحررة والشهادة المطلوبة. ويجب أن تكون العقود مكتوبة بأسلوب سهل ومفهوم وواضح. ولكن ما وصلنا من عقود شرعية ال يؤش ر إطالقا لذلك فهي نصوص غير واضحة ال خطيا وال إنشائيا. لم نجد معلومات عن وظيفة المحتسب في عصر أحمد المنصور ما يؤكد أن هذه األخيرة فقدت بريقها الذي اكتسبته طيلة العصر الوسيط. وقد كانت أهم مهامها تتعلق بمراقبة الحر ف وخاصة منها تجارة المواد الغذائية وفحص المكاييل والموازين وجودة األطعمة واألسعار والصحة العامة والبناءات باإلضافة إلى فرض احترام القيم اإلسالمية في المرافق العمومية. هذا وقد كان بمقدرة الرعية رفع قضاياهم أمام السلطان نفسه أو أحد ممثليه في إطار رد المظالم. وكان السلطان الشريف الذي يحاول الظهور بمظهر وريث النبي والسلف الصالح يحاول االستفادة من هذه المؤسسة لبيان قربه من مشاكل رعيته وتواضعه وعدله. فقد كان يعقد ما يسمى بمجلس الح ك م مرتين في األسبوع أيام االثنين والجمعة 4 يستقبل فيه شكاوى رعاياه وخاصة تلك المرفوعة ضد رجال المخزن. وفي حال غيابه كان األمير أبو فارس مصحوبا بقاضي الجماعة ومفتي مراكش والقاضي 5 المكلف برد المظالم هو من يرأس المجلس. ويكلف أحد كبار األعيان بتتبع المظالم يوميا وبالبحث في الملفات التي لم يجد السلطان الوقت الكافي للنظر فيها. وتكلف 6 بمهمة صاحب المظالم طيلة عهد المنصور علي بن سليمان التاملي في مراكش وابن 7 الغرديس التغلبي في فاس ابن القاضي درة الحجال ج ص 8. الزياتي الجواهر المختارة. و 8. نفسه و 864. الفشتالي مناهل الصفا ص 844. نفسه ص 60 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 8 ص 464. المقري روضة اآلس ص 58 ابن القاضي درة الحجال ج المراكشي اإلعالم ج ص 5. 69

273 ال نكاد نعلم شيئا عن جهاز الشرطة وعلى كل المنصور. أحمد على عهد فهي لن تختلف كثيرا عن تلك المؤسسة التي عرفها الغرب اإلسالمي منذ العصر الوسيط. وقد كان على رأس الجهاز في المدن المهمة صاحب الشرطة. وكان على هذا األخير الحفاظ على األمن في المدينة من خالل القيام بجوالت تفقدية مستمرة وتنفيذ األحكام التي أصدرها السلطان أو القاضي وتطبيق بعض أحكام التعزير. وللقيام بذلك و ضع تحت تصرفه عدد من المستخدمين كان يطلق عليهم الو ز ع ة أو خ د ام الش رطة. وكان لصاحب الشرطة كذلك أعوان رسميين وغير رسميين في مختلف األحياء يسمون مشايخ البلد وهم من كانت المصادر األوروبية تسميهم بالع قداء. ]les colonels[ لم نتوصل إال إلى أسماء ثالثة من أصحاب الشرطة في الفترة التي تهمنا وهم داوود بن علي ومحمد بن الحسن التودماوي المشهور بم سمار في مراكش ومحمد بن سالم في فاس. وكان هو الشأن بالنسبة لرجاالت المخزن االخرين كان السلطان يعهد ألصحاب الشرطة بمهام تخرج نظريا عن تخصصاتهم مثل جباية الضرائب أو قيادة حمالت عسكرية. فالحملة على شنقيط قادها محمد بن سالم وشارك داوود بن علي في قيادة حملة عسكرية ضد قبائل متمردة في جهة د ك الة. الفشتالي مناهل الصفا ص 0. نفسه ص 844. نفسه ص 4 و

274 الثالث: الفصل العائدات عصب المركزة تؤكد المصادر األوروبية أن السلطان الشريف العالم". المنصور كان أحمد وقد كانت هذه السمعة متجذرة حتى أن ملك فرنسا هنري الثالث "أغنى ملوك -8754[ ]874 أراد أن يقترض منه بمبلغ مائة وخمسون ألف أوقية وهو مبلغ كبير في تلك الحقبة كما أن المتطلع البرتغالي دون أنطونيو كان يعلق آماال كبيرة على دعمه المالي ليعيد مجد أسالفه والشأن نفسه بالنسبة لملكة انگلترا التي أرادت أن تعتمد على دعمه المالي لتهديد المصالح المالي. اإلسبانية وأمير بورنو بايعه خليفة بغية الحصول على دعمه وبعيدا عن التكهنات واالشاعات والتطلعات يجب أن نعترف أن المشروع الثالثي األبعاد الذي تبناه المنصور كان يتطلب سياسة م كلفة. التي تتطلبها الخ. فباإلضافة إلى النفقات المذهلة الشارات والمراسم والمواكب والتنقالت الرسمية وكل ما يخص قصر البديع كان يجب دفع أعطية الجيش ومختلف مستخدمي المخزن واستيراد العتاد العسكري وتشييد البنيات التحتية العسكرية والمدنية والدينية ورعاية الفنون واآلداب لذلك كان ينبغي أن تكون عائدات السلطنة الشريفة قادرة على مواكبة طموحات المنصور المحلية والدولية. اكتفى السلطان ومعاونوه باعتماد التنظيم المالي السائد في المغرب منذ قرون إال أنهم حاولوا جعله أكثر نجاعة عبر تقوية المركزة وتفعيل قدرات التنسيق والسيما بتعيين مستخدمين يرتبطون بشخص السلطان مباشرة وال يرجعون في أمورهم إال إليه. وسنحاول فيما يلي تتبع عائدات السلطنة ومصادرها وطريقة تنظيمها. ولكن يجب التنويه أننا ال نتوفر على معلومات دقيقة عن ثروة السلطان وعن التنظيم المالي لسلطنته وذلك لندرة المصادر. فالمصادر المحلية ال تفيدنا كثيرا في هذا الصدد كما أن Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p. 86 Ibid., France, t. II, p.. 7

275 المصادر األوروبية ال تحتوي إال على بيانات متناثرة. وبناء عليه سنحاول استغالل كل شاذة وفاذة لتقديم صورة واضحة قدر المستطاع عن هذا الجانب المهم من التنظيم المخزني في انتظار ظهور مصادر جديدة. ال جديد تحت الشمس يجب القول منذ البداية أن تنظيم العائدات كان ذا أهمية قصوى بالنسبة للسلطات المغربية منذ العصور الوسطى العتبارات يسهل تخيلها. ويكفي أن نتذكر أن مصطلح المخزن الذي يعني في األصل مكان إيداع الضرائب والغنائم ثم بيت المال أصبح يعني زمن المنصور مجمل النظام الحكومي المغربي. نشأتها "دولة مخزنا" وتعتبر السلطنة المغربية منذ كما يقول محمد قبلي إذ كانت تهدف إلى فرض هيمنتها وقوتها عبر تعميم الضرائب ومركزتها واالستئثار بها. وقد أمسى هذا المعنى متجذرا إلى ح د أن رفض دفع الضرائب أصبح رمزا مميزا للتمرد ورفض السلطة المركزية. ومنذ العصور الوسطى المبكرة كانت عائدات الدولة مركزية تدعى بيت المال أو خزينة المال أو المخزن. اإلسالمية ت دار عن طريق هيئة وال يجب أن يقع خلط عائدات هذه الخزينة على األقل من الناحية النظرية مع عائدات األوقاف والعائدات الشخصية للحاكم. ولم يقم السلطان الشريف عائدات السلطنة الشريفة. ظلت تعمل بشكل طبيعي تقريبا. أحمد المنصور كما قلنا سلف بأي تغيير في هيكلة فالهيكلة التي وضعها الموحدون و حافظ عليها المرينيون وعلى رأس الدواوين المالية نجد صاحب األشغال ويمكن اعتباره وزيرا مكلفا بالشؤون المالية. ولكن يبدو أن هذا المنصب لم يكن على نفس القدر من األهمية مثلما هو الشأن بالنسبة للموحدين والمرينيين ألن السلطان كان يتولى شخصيا إدارة الشؤون المالية أو عبر أحد ثقاته. وهذا التدني في أهمية هذا المنصب يصبح جليا عندما ندرك Mohammed Kably, «À propos du Makhzen des origines : cheminement fondateur et contour cérémonial», The Maghreb Review, vol. 0, 005, p. -. 7

276 أن هذا المنصب ومن يتواله لم يقع ذكرهما عدا مرة واحدة في المصادر المتاحة. و يمكن أن نشير إلى أن السلطان قد ألغى هذا المنصب بعد وفاة صاحب األشغال المخلص محمد بن مومن السوسي وتولى بعد ذلك إدارة العائدات المالية المودعة في بيت المال بنفسه أو عن طريق أبنائه ووالته. وبيت المال هذا وكان يوجد في المدن الرئيسية للبالد كان ي دار من طرف أمين أو مجموعة من األمناء أي يتم و مستخدمين مكلفين بالخزينة بمساعدة العشرات من الكتاب المكل فين بتدوين العائدات والنفقات الخاصة بالمخزن في السجالت والجرائد. وعلى ضوء المعلومات الشحيحة التي بحوزتنا نكاد نجزم أن بيت المال كان يضم العديد من الدواوين التي تتالءم عموما مع مصادر عائدات المخزن. وهكذا يمكننا اقتفاء أثر دار الع شر وديوان الجمارك الذي يسمى ايضا دار الدراهم وديوان الغنائم وهو ما يثبت قطعا وجود العديد من الدواوين األخرى التي تتولى إدارة مصادر العائدات األخرى مثل الخراج والجزية فضال عن عائدات معاصر تكرير السكر. وتوجد أيضا دواوين 7 تتولى إدارة النفقات مثل ديوان الرماة الذي ي عنى بدفع رواتب الجيش النظامي. تزويد بيت المال عبر طرق عديدة مثلما سنستعرضه الحقا. لكن الضريبة المباشرة بأشكالها المتعددة تظل أهم مصدر للعائدات. وإذا كانت ساكنة المدن والتجار المغاربة واألجانب يظهرون إذعانا تاما للمخزن ويتحملون عن "طيب" خاطر عبء الضرائب المفروضة عليهم فإن ساكنة المناطق الريفية والجبلية والبدو ال ضرائبهم إال مكرهين. يدفعون ك الفشتالي مناهل الصفا ص 7. وصلتنا أسماء عبد العزيز الد مناتي وسليمان بن إبراهيم كمكل فين بخزينة مراكش وأحمد الم فض ل كمسؤول عن خزينة تطوان. أنظر الفشتالي مناهل الصفا ص 6 و 7 ابن القاضي در ة الحجال ج ص 88 و 8 Antonio.de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 68 مجهول المكاتبات السلطانية و Henri de Castries, SIHM, France, t. III, p Ibid., t. II, p مجهول المكاتبات السلطانية و ابن القاضي المنتقى المقصور ج ص

277 و في الواقع فإن جامعي الضرائب الذين يحملون لقب العمال الذين يتم أو الجباة إرسالهم إلى هذه المناطق "المناوئة" للسلطة المركزية عادة ما يكونون من موالي دار السلطنة ألن موالي أحمد لم يكن يمنح ثقته للعناصر المحلية مثلما أشرنا إلى ذلك في العديد من المرات. وألداء مهمتهم التي تعتبر مالية وسياسية في اآلن نفسه وتتمثل في تعزيز أركان السلطة المركزية كان يوضع تحت تصرف جامعي الضرائب كتيبة من الجند النظامي تتراوح أعدادهم بين خمسمائة وكانت هذه الحمالت تنظم بين شهري أبريل وشتنبر من كل سنة. 4 وألف جندي حسب أهمية المهمة. وخالل فترات االضطرابات يجد السلطان نفسه مجردا من جزء كبير من العائدات وذلك بسبب استغالل القبائل للوضعية السائدة لرفض دفع 5 للمخزن. الضرائب المستحقة وكان هذا هو الحال بالنسبة لبعض قبائل سوس في بداية حكم المنصور وقبائل مناطق الهب ط والريف وغ مارة 87 في عام وقبائل منطقة الهبط في سنة 874 والجزء األكبر من قبائل المغرب خالل تمرد األمير موالي الناصر بين و إال أنه وبفضل االستئثار باألسلحة النارية إلى جانب انضباط رجاله فقد كان السلطان الشريف ينجح سريعا في بسط النظام واستخالص كل مستحقات المخزن على القبائل إلى جانب الغرامات ومصادرة األمالك. وقد شك ل إصرار السلطان على فرض سيطرته على كامل البالد من خالل تحصيل الضرائب محط أنظار الكت اب األوروبيين حيث يرون في هذا النهج أثرا باهرا يجب على كل أمير أن يسعى بنفس التفاني إلى تحقيقه. وتصديقا للجاسوس خورخي دي هنين فإن مركزة الجباية والحزم يعد ان من أبرز آثار اال أن األخباريين المغاربة أبدوا تباينا حول هذه المسألة. أحمد اإلسباني 7 المنصور. ففي حين يشاطر المقربون الفشتالي مناهل الصفا ص 07 و 888. مجهول المكاتبات السلطانية و 55. الفشتالي مناهل الصفا ص 50 و 54. p. 44.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, 4 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 44 et p Ibid., p الفشتالي مناهل الصفا ص 7 و 74. p. 6.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, 7 Jorge de Henin, Descripcion, p.. 74

278 من السلطان الشريف الكت اب األوروبيين الرأي فإن البعض اآلخر اعتبر أن السلطان كان يضطهد رعي ته. كما أدانوا أيضا عنف وابتزاز أعوانه وجنده. على الرغم من أن عملية تحصيل الضرائب كانت تتم عموما عبر الوسائل العنيفة فإن ه يجب معرفة أن ها كانت السبيل الوحيد آنذاك بالنسبة للمخزن لفرض السيطرة على قبائل متمر دة في أغلبها وساعية إلى حكم ذاتي. ويعني هذا أن السلطان كان يمارس سياسة واقعية. فقد كان يكتفي مثال باالعتراف الرمزي الذ ي يتلخ ص في البيعة والهدية السنوية في غياب إمكانية فرض سلطانه بقوة الس الح على هذه المنطقة أو تلك بسبب وعورة تضاريسها أو شدة مناخها أو قلة عوائدها الخ. وكانت موارد الجباية ت ر د على بيت المال وفق شكلين أساسا: ففي حين نقدا وعينا. 5 4 كانت القطع النقدية والذهب والجواهر توضع في ر بعات أو علب أو أكياس مختومة وم ع نونة وت حف ظ في خزائن حديدية في المبنى الرئيسي لبيت المال كانت الموارد العينية أي المواد الفالحية والماشية توضع في مطمورات ومخازن األقوات واألهراء 6 واإلسطبالت المعد ة خصيصا لذلك. إلى جانب ذلك فإن قصر البديع كان يضم خزائن السلطان المسم اة خزائن الد ار. وتنظيم هذه المصلحة التي يديرها أحد العلوج ال يختلف البت ة عن الخزينة العامة. إال أن موارد خزائن الدار ليست نفسها التي تتضمنها الخزينة العامة. فالموارد الشخصية للسلطان تتأت ى في جزء كبير منها من األراضي الزراعية. المساحات األكثر امتدادا وخصوبة في البالد. وتتضمن هذه األخيرة كما يعد السلطان من قبل المصادر األوروبية أكبر تجار البالد من خالل رجال ظ ل من أصل أندلسي أو يهودي على غرار األمين أحمد 7 المفضل في تطوان. وقد كان له بهذه الطريقة أن يحتكر تجارة 4 اإلفراني نزهة الحادي ص 87. مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 0. الفشتالي مناهل الصفا ص 7. اإلفراني نزهة الحادي ص مجهول المكاتبات السلطانية و Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 86 et p

279 العديد من المواد األساسية على غرار الملح والبارود والقمح ا خ.ل وكان يتحص ل أيضا على العديد من الهدايا من قبل كبار شخصيات السلطنة وتابعيها والقوى األجنبية. ومع ذلك فإن السلطان لم يكن يفر ق بين الخزينة العامة والخزينة الخاصة. فقد كان بإمكانه كونه خليفة وإماما و"حافظا ألمالك المسلمين" أن يتصرف بحرية في خزائن السلطنة والسيما أمالك األوقاف لتسديد حاجياته وتحقيق مشاريعه. و يبدو أن المنصور خالل فترة حكمه قد تصر ف في مناسبات عديدة في أمالك األوقاف مثال. الموارد االستثنائية كانت موارد الخزينة الشريفة تتأ تى من موارد عادية وأخرى استثنائية. وتتمحور هذه األخيرة أساسا حول فديات أسرى معركة وادي المخازن ومن خ م س غنائم كل الحمالت العسكرية الت ي قام بها الجنود والهدايا المقدمة من بعض األتباع أو القوى األجنبية واألمالك والسلع المصادرة من رجال المخزن أو المهربين. حيازتنا لألرقام اإلجمالية لهذه الموارد االستثنائية إال أنه األوروبية أن نرسم لها صورة إجمالية. ورغم عدم يمكننا بفضل المصادر ومن خالل المصادر المتوفرة يتبي ن أن هناك العديد من األسرى المسيحيين وخاصة من النبالء البرتغاليين الذين سقطوا أسرى في يد المغاربة. وانتهى األمر بأن امتلك السلطان أغلبية هذه األعناق التي تحرر قسم منها من خالل دفع فدية. وقد تصل فدية شخصية برتغالية كبيرة إلى مبلغ خمسين ألف كروزادو. وفي تقرير األسير جيرونيمو دي ميندوسا يقتضي تحرير أسير مسيحي في المتوسط مبلغ خمسة آالف كروزادو. وإن سل منا بهذا الرقم مع العلم بأن عدد األسرى الموجودين لدى السلطان يفوق عددهم األلفي رجل حسب بعض المصادر فإن السلطان يكون قد تحص ل نظريا على ما ال يقل عن عشرة ماليين كروزادو مم ا يفس ر دون شك لقب الذهبي الذي ص القادري نشر المثاني ج Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 04. Robert Ricard, «Le Maroc à la fin du XVI e siècle d après la Jornada de Africa de Jeronimo de Mendoça», Hespéris, t. XLIX, 957, p

280 أطلقته عليه العامة. ومهما كان مقدار المبلغ الذي تحصل عليه فإن ه من دون شك قد أضحى رجال ثري ا بعد المعركة إلى حد أن ملك فرنسا طلب منه قرضا سنة يعادل مائة وخمسين ألف أوقية كما قلنا سابقا وكانت غنائم حمالت السلطان التي تقام بأمره أو بتحريض منه تمأل أحيانا خزائن السلطنة الشريفة. فزيادة على الغنائم الهامة لموقعة وادي الخزائن فقد شكلت غارات القراصنة المغاربة على السواحل اإليبيرية والهجمات التي يشنها مجاهدو الشمال على الثغور المحتلة وغزو الواحات الصحراوية وأخيرا غزو السودان موارد إضافية. فبعد غارة القرصان القلفاط على جزر الكناري سنة 87 وقع ثالثمائة رجل في األسر عادت ملكية ستين منهم إلى بيت المال فيما ق د م البعض اآلخر هدية إلى السلطان. كما أرسل مجاهدو الشمال إليه سنة 87 أربعمائة أسير إيبيري بيعوا لفائدته. وبعد أربع سنوات من هذا التاريخ أرسل مقاتلو طنجة إلى السلطان عشرين أسيرا منهم أنطونيو دي سالدانيا ابن الحاكم البرتغالي لثغر طنجة وهو مؤلف كتاب تاريخ 4 المنصور. 5 ألف كروزادو. سنة السلطان وقد حددت فدية كاتبنا هذا واثنين من مرافقيه النبالء بملغ ستة وعشرين كذلك كانت الغنائم التي تم تحصيلها من السودان هامة غير أننا ال نمتلك سوى بعض الدالئل عنها. وعلى سبيل المثال فقد أرسل محمود باشا إلى مراكش رؤوس الماشية. مائة ألف دينار نقدا ومئات الحموالت من الملح واألثاث واآلالف من وقد تحصل السلطان الشريف أحمد المنصور طيلة فترة حكمه على عدد كبير من الهدايا ذات القيمة العالية من قبل القوى األجنبية وتابعيها. وال شك أن تلك الهدايا وقد اعتبرها السلطان جزية قد وقع اقتسامها بينه والخزينة العامة. وعلى سبيل المثال فقد أهدى الكاردينال هنري ملك البرتغال إلى السلطان ثالثين ألف دوقية والعديد من Ibid., France, t. II, p.. Bartholomé et Lucile Bennassar, Les chrétiens d Allah, p الفشتالي مناهل الصفا ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p السعدي تاريخ السودان ص Ibid., p

281 المجوهرات سنة.8754 كذلك كان األمر بالنسبة إلى فيليب الثاني الذي أهدى السلطان كمية هامة من المجوهرات والياقوت والزمرد. يقارب العشر ويطلعنا الفشتالي بعد ما سنوات من ذلك التاريخ أن األسكيا إسحاق كان قد أرسل إلى المغرب هدية تتمثل في عشرة آالف دينار ومائتي عبد. كما كان على أعيان المخزن أن يقدموا الهدايا للسلطان كدليل على الوالء وللمحافظة على مناصبهم. فعلى سبيل المثال أرسل محمود باشا إلى السلطان سنة 8748 باإلضافة إلى الغنائم والضرائب المحصلة ألفا ومائتين من الرقيق وأربعين حمولة من الذهب ومئات من حموالت العاج الخ. وعند عودته النهائية إلى المغرب جلب جوذر باشا مئات 4 العبيد وأربعمائة حمولة من الذهب وألف حمولة من العاج وأربعة ف ي لة الخ. كذلك كان والي القصر الكبير ومنطقة الفحص أحمد الكوش دائما ما يضيف إلى 5 ضرائب مقاطعته مبلغ أربعين ألف كروزادو كهدية. وفي نفس اإلطار كان على أبناء كبار رجاالت المخزن الذين وافاهم األجل أن يقدموا الهدايا إلى السلطان لخالفة آبائهم ففي سنة كان على حسن بن أحمد الكبير أن يقدم مبلغ ثمانين ألف كروزادو 6 ليقع تثبيته في منصب والده وذلك رغم القرابة التي تجمعه بالسلطان. وباإلضافة إلى ذلك فإن القبائل الكبيرة في البالد كانت تقدم أحيانا بعض الهدايا إلى أحمد موالي إال أننا ولألسف ال نمتلك إال بعض المؤشرات غير الواضحة حول الموضوع مما ال يتيح لنا أخذ فكرة دقيقة عنه. وكل ما يمكننا قوله إن هذه الهدايا كانت تتخذ عموما شكال عينيا وغالبا ما تتمثل في الخيول والجمال والعبيد. وأخيرا فقد شكلت الغرامات والم صادرات مصادر غير هينة للموارد االستثنائية. فالقبائل المتمردة الخارجة عن السلطان كانت مجبرة على دفع مغارم عالية بعد تأديبها بقوة السالح 5 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid., p الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص 845. السعدي تاريخ السودان ص. اإلفراني نزهة الحادي ص

282 وذلك إما نقدا أو عينا. ولكن إذا تمادت في العصيان تلجأ السلطة المخزنية إلى وسائل أكثر شد ة. فإلى جانب إلغاء االمتيازات الضريبية والنفي كان السلطان يصادر ببساطة األراضي والجياد الت ي تعد الثروة الرئيسية للقبائل الرحل وشبه الرحل في البالد. وقد كان ذلك ما حصل مثال لقبيلة الخ لط سنة 874 والتي وقع حرمانها من آالف الجياد باإلضافة إلى النفي على يد القائد ابن ب ج ة. كما أن أعيان المخزن لم يكونوا في مأمن من هذه النكبات التي تؤدي دوما إلى السجن والمصادرة. وقد أوردت السجالت عديد عيسى تعد األشهر. هذه الحاالت. إال أن واقعة كاتب الديوان ابن وقد كان هذا األخير كاتب سر عبد اهلل الغالب ومحمد المتوكل ثم أصبح صاحب ديوان االنشاء في عهد عبد الملك المعتصم وقد حافظ على هذا المنصب خالل السنوات األولى من حكم موالي أحمد. إال أن ابن عيسى حاول استغالل صغر سن السلطان وانعدام خبرته للسيطرة عليه وإقامة نوع من الوصاية على الخالفة مثلما حاول ذلك ابن المقفع ثمانية قرون قبل ذلك التاريخ مع الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور. ووفقا للتقاليد اإلسالمية المتعلقة بالنصيحة فإن على كل مسلم وخصوصا إن كان من الخاص ة إسداء النصح إلى األمير. إال أن المشورة يجب أن تكون متحفظة وسرية أيضا حتى ال يقع المس بهيبة السلطان أمام العام ة. ومثلما كان الشأن بالنسبة البن المقفع فإن كاتبنا لم يحترم هذا التقليد وأضحت نصائحه علنية عبر رسائل عتاب ينتقد فيها إهمال السلطان للمشاغل.5 حيث وقعت إقالة ابن عيسى من مهامه وحبسه بعد مصادرة أمالكه ويمكننا مم ا سبق أن نشك ل فكرة واضحة بعض الشيء للسلطنة الشريفية خالل حكم أحمد 4 العامة. ولم ينتظر الرد طويال عن أهم الموارد االستثنائية المنصور الذهبي والتي ال يمكن لنا أن نحصرها 79 الفشتالي مناهل الصفا ص 4 مجهول المكاتبات السلطانية و 6. Ibid., p. 0- ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 86. Ibid., p. 99 et p عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 5.

283 ص لألسف ولو تقديريا بسبب شح المصادر. تكون إال رافدا مهما للموارد األساسية. إال أنه ومهما كانت قيمتها فإنه ال يمكنها أن الضرائب: المخزن مورد األساسي تمثل الضرائب المصدر األساسي لعوائد السلطنة الشريفة حيث يحص ل أعوان المخزن سنويا عليها أشكاال عديدة من الضرائب: وهي ما ي عر ف بالوظيفة أو الضرائب التي نص عليها المكس. الشرع والتي لم ينص وقد كانت الضرائب الشرعية ضرائب مباشرة وتضم العشر والصدقات والضريبة على العقار المسماة في المغرب أم ا والجزية. غير المحددة شرعا النائبة فكانت غير مباشرة وتضم رسوم االستيراد والتصدير وضرائب المعامالت في السوق وضرائب الصناعة والتنقل والمطاحن والصيد الخ. والميراث وحتى لو كانت السلطنة زمن المنصور تضم بالمعنى الدقيق للكلمة كل ا من المغرب وموريتانيا الحالية والجنوب الغربي للجزائر والسودان الغربي فإن ساكنة المدن والسهول والواحات فقط كانت خاضعة للضرائب بانتظام. وكان البدو وسكان الجبال يكتفون بإرسال الهدايا أحيانا اعترافا بالسيادة. فباإلضافة إلى قلة موارد هذه الشريحة من السكان فإن تنظيم حمالت تحصيل الضرائب في الجبال والصحارى مكلفة جدا ما يجعل عائداتها المالية والسياسية غير مجدية. وبالتالي كان الوضع القائم مناسبا لجميع األطراف. وبسبب شح المعطيات حول هذا الموضوع تتنوع تقديرات تعداد سكان السلطنة زمن أحمد المنصور من باحث إلى آخر وذلك من مليونين وسبعمائة ألف إلى ست ماليين ونصف نسمة. يتجاوز الثالثة إال أنه ووفقا للتقديرات األكثر جدية فإن عدد سكان المملكة لم يكن ماليين نسمة. ومن خالل رسالة من أصدرها ديوان االنشاء فإن عدد Daniel Noin, La population rurale du Maroc, p محمد مزين فاس وباديتها ج 8

284 قبائل السهول كان يتجاوز المليون والنصف. كبيرة وصغيرة تقطن في د و او ير المعد ل. وينقسم هؤالء السكان إلى مجموعات ويضم كل د و ار من خمسين إلى ستين خيمة في ويجب إضافة سكان المدن والواحات الذين يقدر عددهم بحوالي مليون ومائتي ألف نسمة وبالتالي فإن عدد السكان الخاضعين نظريا للضرائب يبلغ تقديرهم مليونين وسبعمائة ألف نسمة. ولتسهيل تحصيل الضرائب فقد وقع تقسيم السكان إلى وحدات جبائية. من مكو ن خمسة أشخاص في المعد ل ويعد أساس الوحدة الجبائية الدنيا. فالكانون ويشكل مجموع خمسة عشر كانونا س ر جة أي ما يعادل تقريبا دو ارا في المجال القروي وحومة في المجال الحضري. ويجب على كل سرجة حسب مبدأ التضامن العصبي تسديد مبلغ إجمالي محد د مسبقا بغض النظر عن الحالة المادية لكل كانون. ونمتلك شهادة تتمثل أهميتها في كونها مقدمة من مصادر أجنبية معادية للمغرب حول مجموع عوائد الخزينة العامة من العائدات األساسية زمن المنصور. فحسب الجاسوس خورخي دي هنين يبلغ مجموع الموارد النقدية السنوية للمخزن قيمة خمسة ماليين وستمائة وخمسة وتسعين ألفا وستمائة وواحد وثمانين دوقية هذه الموارد كاآلتي : - ضرائب واليات الشمال: أونصة - ضرائب واليات الجنوب: أونصة.]704708[ الضرائب على تجارة اللحوم القمح والشعير والجياد: أونصة خ مس الغنائم من قراصنة اسفي: أونصة عائدات معاصر السكر: أونصة الضرائب على االستيراد والتصدير: دوقية وتتوزع عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p. 7 et France, t. III, p Jorge de Henin, Descripcion, p et p

285 وحسب المعطيات المقدمة من قبل األسير سالدانيا فإن الموارد النقدية السنوية للخزينة العامة تبلغ أربعة ماليين وسبعمائة وتسعة وثمانين ألفا وتسعين دوقية موزعة كاآلتي: ]454646[ الضرائب على الواليات: دوقية الضرائب على تحويل السكر: دوقية الضرائب على االستيراد والتصدير: 8555 دوقية موارد تجارة الملح: دوقية وعلى الرغم من أن األرقام المقدمة من قبل هذين المؤلفين تبدو متقاربة عموما مع جزء غير يسير من الموارد الحقيقية للمخزن فإنها قد أهملت مصادر أخرى للموارد القارة كإيرادات السودان ومناجم الملح بت غ از ى والجزية المحصلة من اليهود وضرائب المطاحن والصيد. فقد وفرت السودان منذ سنة 8748 حوالي أربعمائة ألف دوقية سنويا ومناجم الملح حوالي اثني عشر ألف دوقية والمطاحن حوالي مليون وستمائة وخمسين ألف دوقية سنويا والجزية حوالي مائتين وخمسين ألفا وخمسين ألفا بالنسبة للصيد. كما يجب التذكير إلى أن بعض القبائل تعطي جزءا من محاصيلها للمخزن كعشر سنوي. وبفضل سجل قبائل سوس نستطيع تكوين فكرة واضحة حول الضرائب العينية التي دفعتها قبائل هذه المقاطعة سنة.876 ونجمل في الجدول التالي المعطيات الموجودة في السجل من قبل الكاتب إبراهيم الحساني طبقا ألوامر السلطان المنصور. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 0 et p Jorge de Henin, Descripcion, p. 46 ; Henri de Castries, SIHM, France, t. I, p. 8. 8

286 الضرائب العينية التي دفعها أهل سوس سنة 45 الكميات المحصلة عدد الغنم )الرؤوس( الجبن )األطنان( الشعير )األطنان( القمح )األطنان( الوحدات الضريبية القبائل , هشتوكة هاللة 5, اد ولطيط 900,8 475, ماسة وتزنيت وگراوة و اد أو بل ل الل الخ , باعمران , يفرن وتزلمي واگشا الخ. 875, امسكين 4 6 9,4 4 4, 8 7, اد أوزال واد وريكي الخ , ,5 77 7, المجموع كان تحصيل هذه المواد الغذائية يؤمن للمخزن موادا أولية حيوية. فمن جهة يمتلك السلطان مخازن كبيرة وإسطبالت شاسعة حيث تخز ن هذه المواد والتي يمكن استغاللها في تموين الجيش وتوزع على السكان في فترات الجفاف وخالل األعياد الدينية الهامة. كانت المخازن الشريفة تحوي دوما على ما ال يقل عن ثمانية آالف وستمائة وثمانين طن ا من القمح ومثله من الشعير والذرة. ومن جهة أخرى يمكن ضخ جزء من هذه المواد سريعا في األسواق الداخلية والمتوسطية مم ا يمك ن من توفير عائدات مالية هام ة للخزينة. الفقيه االدريسي "التنظيم الجبائي في العهد السعدي: ضريبة النائبة نموذجا" مجلة كلية اآلداب عدد Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 86 ; Jorge de Henin, Descripcion, p

287 وباالستناد إلى أسعار بعض هذه المواد الزراعية التي أوردها سالدانيا يمكننا قياس أهمية األرباح التي كانت يجنيها المخزن من خالل بيعها. وحسب األسير البرتغالي يبلغ سعر بوشل القمح إحدى عشر أونصة والشعير ثالث أونصات والخروف اثنا عشر أونصة ونصف. وإذا اعتبرنا بيع نصف المواد فقط فأرباح هذه الوالية تكون كاآلتي: القمح 585 دوقية والشعير دوقية والخرفان دوقية. وإذا اعتبرنا أن والية سوس هي األغنى على مستوى البالد وتنتج ثلث المواد الزراعية فإن ه يمكننا تقييم المبلغ اإلجمالي لبيت المال خالل سنوات الرفاه ب دوقية. وبالتالي فإن مجموع موارد المخزن السنوية يمكنها أن تتجاوز مبلغ دوقية. وهذا المبلغ ال يمكن أن يساق إال على سبيل الذكر وذلك ألن سنوات الجفاف واألوبئة كانت تتعاقب على المغرب في تلك الحقبة وكان السلطان غالبا ما يعفي القبائل من الدفع ضمانا للسلم االجتماعي أو عرفان ا لهم على الخدمات التي يقدمونها. وأيا كانت األمور فإن موارد السلطنة كانت تماثل موارد القوى المتوسطية العظمى على غرار قشتالة فيليب الثاني. إال أن السلم واالستقرار النسبيين الذين كانت قد عرفهما المغرب خالل تلك الفترة وحسن تصرف السلطان الشريف أحمد المنصور في موارد المملكة جعله مشهودا له بين معاصريه الذين 4 اعتبروه األغنى في العالم. معاصر السكر: صناعة مخزنية لقد رأينا طوال هذا العمل أن االسرة الزيدانيين حاولت منذ وصولها إلى السلطة أن تبني حكم ا يتجاوز القبيلة وينفصل عن المجتمع. 84 وهي وإن قد اعتمدت في المستوى السياسي على تعاليها الشريفي وهالتها المقدسة لتفرض هذا التصور الجديد للسلطة Ibid., p. 0. الفشتالي مناهل الصفا ص 88. José Pérez, L Espagne de Philippe II, p بحسب.p 46 Jorgeفإن de Henin, Descripcion, الخزينة الخاصة في مراكش كانت تحتوي عند وفاة المنصور سنة 806 ما ال يقل عن دوقة نقدا وعلى مجوهرات بقيمة 88 8 دوقة وعلى 4666 زوج من اللباس وعلى كمية كبيرة من العنبر األسود و 866 قرطاس من الري ان وكمية كبيرة من القماش وحوالي 066 طن من القمح والشعير.

288 فإنها من الناحية العسكرية حاولت تكوين جيش محترف متكون أساسا من المرتزقة الذين ليس لديهم أي انضواء اجتماعي في البالد. ألم يحاول الملوك الزيدانيون القيام بنفس الشيء على المستوى االقتصادي وفي الواقع فقد حاول هؤالء السالطين تطوير األنشطة االقتصادية التي توفر لهم عائدات مريحة وقارة وتجنبهم االرتباط بالضرائب المحص لة من القبائل المتمردة في الكثير من األحيان. كان السالطين ينفردون كما ذكرنا آنفا بتجارة العديد من المواد الحيوية كالبارود والملح والنحاس أو القمح. إال أن هذه الموارد المتأتية من هذه المواد كانت قطعا غير كافية لضمان األمن المادي الذين يصبون إليه. ولمعالجة هذا النقص حاول السلطان الشريف محمد الشيخ المهدي منذ السنوات األولى من حكمه إرساء معاصر السكر في والية سوس حيث أن األسواق الخارجية كانت دائمة الطلب لهذا المنتوج الحيوي إضافة إلى أن المنطقة كانت تتمتع بتقاليد غارقة في القدم في هذا المجال. وبالفعل فقد وقعت اإلشارة إلى معاصر السكر في هذه المنطقة منذ القرن الحادي عشر. تطوير هذه الصناعة من ثمة من قبل الموحدين والمرينيين. وتم وفي القرن الرابع عشر أك د المؤرخ القلقشندي أن منطقة مراكش كانت تمتلك ما ال يقل عن أربعين معصرة للسكر. إال أن هذه الصناعة كانت على األرجح غير ذي فائدة خالل القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر بسبب الفوضى السياسية والتدخل اإليبيري. وخالل سنوات حكمه السبع على المغرب الموح د لم يكن للسلطان محمد الشيخ أن يتمكن من تطبيق مشروعه إال جزئيا. إذ كان يجب انتظار الحكم الطويل للسلطان أحمد المنصور إلنجازه. فتحقيق حلم الخالفة كان البد من إكثار الموارد. فكانت فكرة تطوير انتاج السكر عبر توسيع وانشاء المعاصر. ويفس ر الفشتالي أن هذه المعاصر كانت تدر ربحا كبيرا مع قليل من الجهد على عكس الضرائب التي رغم ارتفاع إيراداتها فإنها كانت تتطلب موارد ضخمة إلى جانب عدم شعبيتها..850 اإلفراني نزهة الحادي ص 04. القلقشندي صبح األعشى ج 7 ص الفشتالي مناهل الصفا ص

289 وقد تم اكتشاف عشرة معاصر للسكر في جهة تارودانت وأربعة بمنطقة الصويرة وسيدي الشيگر وشيشاوة على إثر بعثة تنقيب قام بها بول بيرت ييه سنة 8446 ما يؤك د ما ذهبت إليه مصادرنا. وقد أك د سالدانيا أن كل معصرة كانت تضم حوالي ألفي عامل يتشكل الجانب األكبر منهم من العبيد ويحرسه الجند النظامي وفرسان من البدو. ولن نطيل الحديث عن هندسة وطرق عمل هذه المعاصر الت ي وثقتها بإسهاب بيرتييه. إال أننا سنحاول قياس مساهمة هذه الصناعة في الخزينة الشريفة انطالقا من المعلومات الهزيلة التي بحوزتنا. وحتى يتمكن السلطان من تأمين عائدات قارة 4 ومنتظمة أج ر هذه المعامل إلى تجار يهود ومسيحيين وفقا لنظام االلتزام. مصدر إلى آخر تختلف قيمة عائدات هذه الصناعة. 5 كانت توف ر سنويا ستمائة ألف أونصة. ويتحدث ومن فحسب المصادر االنگليزية فقد 6 هينين عن مليوني أونصة 7 يقد رها سالدانيا بمليون دوقية أي ما يعادل مليوني أونصة وثالثين ألف. فيما وسنفترض ها هنا أن هذه األرقام تتحدث عن عائدات سنوات مختلفة والتي تتباين من ستمائة ألف أونصة إلى مليونين وسبعمائة وثالثين ألف أونصة حسب الموسم الزراعي وطلب األسواق على المادة. ومهما يكن من أهمية هذه الموارد فال يمكنها بأي حال من األحوال أن تعوض الموارد الجبائية وبالتالي يمكننا القول إن السلطان الشريف لم يتمكن من تحقيق االستقالل المادي الذي يصبو إليه باتباع هذا النهج منفردا. نفسه ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 84. Paul Berthier, Un épisode de l histoire de la canne à sucre : les anciennes sucreries du Maroc et leurs réseaux hydrauliques, vol., Rabat, 966 ; le même, «Les plantations de canne à sucre et les fabriques de sucre dans l ancien Maroc», Hespéris-Tamuda, vol. II, 966, p. -40 ; Andrzej Dziubinski, «La fabrication et le commerce du sucre au Maroc aux XVI e et XVII e siècles», Actae Poloniae Historiae, nº 54, 986, p الفشتالي مناهل الصفا ص 86 اإلفراني نزهة الحادي ص 85 Antonio de Saldanha, Crónica de.almançor, p Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p Jorge de Henin, Descripcion, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 8. Voir également Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p

290 ص نظام نقدي وقوي مستقر كان جهاز اإلصدار النقدي المسمى دار السك ة يشكل بطبيعة الحال أحد أركان التنظيم المالي والسياسي للدولة الزيدانية. وقد كان هذا الجهاز تحت المراقبة المباشرة للسلطان ألن اإلصدار النقدي كان أحد صالحيات الخليفة وأداة دعاية ال يستهان بها مثلما رأينا في الجزء األو ل باإلضافة إلى كونه أداة مراقبة وضبط للحياة االقتصادية. وكان ي عه د تسيير دار السكة المتواجدة على مقربة من قصر السلطان بمراكش إلى أمين أو ناظر كان في اآلن نفسه فقيها ومتمكنا من تقنيات صناعة النقود. ويساعد كل أمين شاهدان عدالن يراقبان جودة النقود وميزانها باإلضافة إلى مجموعة من الكت اب. أم ا صناعة النقود فقد كانت تعهد إلى عمال متخص صين. وكان االعتماد فيها على تقسيم حقيقي للعمل فقد كان الج ر اب يقوم بإعداد مقادير المعادن والخال ص يعمل على تنقيتها والسب اك يقوم بصهرها في المسابك والطر اق يحولها إلى أوراق رقيقة وقاطع الصفائح يقطعها إلى مرب عات ثم يعمل على تدويرها والنق اش ينقش الكتابة على األطراف والسك اك يقوم بتجليتها فيما يتعه د السو اق والعال ف بالفرن. وحسب العينات الت ي بحوزتنا فقد كانت كل من فاس وتارودانت وسجلماسة ول كتاوة تحتوي على ورشات لضرب السكة باإلضافة إلى أسماء أمينين فقط خالل فترة حكم دار السك ة بمراكش. ولم نتوصل لألسف إال إلى أحمد مر اكش ومحم د بن الطالب أمين دار فاس. المنصور وهما حمدون الجزنائي أمين دار وخالل فترة حكم المنصور واصلت الورشات السلطانية ضرب النقود الذهبية سنويا تقريبا إلى جانب تلك الفضية والنحاسية. وكانت النقود الذهبية وت دعى الدينار أو المثقال ت س ك بمعد ل مر ة كل أربعمائة وخمسة وعشرين يوما. وحسب العينات المتوفرة فقد تم ذلك سنوات و و 58 و 874 و 870 و 875 و 87 الجزنائي األصداف المنف ضة عن أحكام علم صنعة الدينار والفضة زغوان 84 J. D. Brethes, Contribution à l histoire du Maroc par les recherches numismatique, p القادري نشر المثاني ج 8 87

291 و 874 و 8746 و 8748 و 874 و 874 و 8744 و 8066 و 8068 و 874 و 806. خالل الفترة األولى كانت النقود الذهبية سيئة و 8744 الجودة و 8747 وال تزن سوى و و 8745 غرام ولم تتحس ن هذه الجودة ويرتفع وزنها ليتراوح بين 4.4 غرام و 4.77 غرام إال بعد غزو توات وتيگورارين سنة 87 والسيطرة على مسالك القوافل. وقد وف رت السودان إثر غزوها كمي ة كبيرة من الذهب حيث قامت الورشات الشريفة بسك دنانير مستوحاة من قطع الذهب الموحدية بجودة استثنائية تزن 4.0 غراما وسميت الدنانير الوافية. كذلك وقع سك دنانير مزدوجة تذكارية تزن أكثر من 86 غرامات بداية من سنة وقبل غزو الواحات الصحراوية والسودان كان المغرب يستورد جزءا كبيرا من حاجياته من الذهب من هذه المناطق ويستغل بعض المناجم المكتشفة في سوس واألطلس ويقوم باستعادة الحلي من السوق المحلية قبل أن يقع صهرها في الورشات الرسمية. وحسب الجزنائي فقد كان الذهب يخلط مع بعض المعادن األخرى خالل هذه الفترة من حكم المنصور مم ا يجعل معالجته صعبة ويقل ص من قيمته وجودته. كان هذا الذهب يسم ى الذهب الدق ات. وقد وفي المقابل فإن الذهب السوداني المعروف بالتبر كان ذا جودة أعلى وأسهل في االستخدام مم ا رفع من قيمة النقود المصنوعة من هذا المعدن. وباإلضافة إلى ذلك وإلى جانب القطع الذهبية الشريفية فقد كانت النقود الذهبية العثمانية متداولة في كامل أنحاء السلطنة شأنها شأن االنگليزية والفرنسية واإلسبانية والبرتغالية. وفي الواقع وبالرغم من عدم إلمامنا بالمقدار الحقيقي للنقود الذهبية فإن نا واثقون أن ك ال من خزينة السلطان وبيت المال كانتا تحتويان على كميات كبيرة من النقود األجنبية والت ي تعود إلى الفديات المدفوعة من قبل النبالء اإليبيريين والضرائب على التجار المسيحيين. ويمكن القول إن وجود عديد المفردات األوروبية الد ال ة على العمالت J. D. Brethes, Contribution à l histoire du Maroc, p Jorge de Henin, Descripcion, p

292 ذا الذهبية والفضية في اللهجة المغربية إلى اليوم مثل الضبلون والريال يؤكد أن العمالت األوروبية كانت مشهورة لدى المغاربة. كانت القطع الذهبية الشريفية عامة ذات جودة عالية وقي مة أكثر من مثيالتها األوروبية مم ا جعلها مطلوبة جد ا من قبل التجار المسيحيين ومم ا حدا بالسلطان إلى حظر استعمالها في المعامالت الدولية. وترجع المعادن المستخدمة في دور السكة لصناعة النقود الفضية والنحاسية أساسا إلى جهة سوس. ون اس وتاوريرت وناس وتاسكال وتاط اويت. 0. وتقع المناجم األساسية في إفران وكانت النقود الفضية تضم ثالثة أنواع. في حين كان الدرهم بسيطا ويزن.7 غرام أو مزدوجا ويزن 4. غرام أو ثالثيا غرام فإن األوقيات كانت تزن النقود النحاسية تدعى الفلوس وتزن إم ا 46 غراما خالل عهد موالي.0 غرام أو 7.7 غرام. وكانت أحمد. ومن خالل ما سبق يمكننا القول إن السلطان الشريف كان قد حاول طيلة فترة حكمه انتهاج سياسة نقدية واقعية تهدف إلى تحسين جودة وقيمة النقد المحلي كوسيلة تبادل تجاري وكرمز سيادة واستقاللية. Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p J. D. Brethes, Contribution à l histoire du Maroc, p

293

294 الرابع: الفصل الجهاز قلب الجيش... المخزني خالفا للبيوتات الحاكمة المغربية السابقة لم يصل البيت الزيداني إلى السلطة بفضل العصبية. فقد اعتمد المرابطون والموحدون أساسا على األقل للوصول إلى الحكم على قاعدة عقائدية قوية وعلى قوة وتالحم اتحادي صنهاجة ومصمودة. أم ا المرينيون وبسبب غياب قاعدة شرعنة عقائدية فقد اعتمدوا فقط على القوة العسكرية التحادية زناتة وحلفائها العرب. وأمام غياب الشرعية الدينية حاول المرينيون تدارك ذلك بتحالفهم مع علماء المالكية وانتهاجهم السياسة الشريفية كما بي نا ذلك آنفا. وكانت السياسة الشريفية التي انتهجها سالطين فاس وازدهار الحركة الصوفية قد ساهمت في إبراز صورة سليل النبي كشخصية فوق قبيلة ومحايدة تتمتع بهالة من القداسة. كما أن منظومة السيطرة ذات المراكز المتعددة الت ي أسسها المرينيون قد أد ت إلى تشظي النسيج القبلي إذ لم تعد أي عصبي ة تمتلك ما يكفي من الموارد البشرية لغزو كل األراضي المغربية فضال عن األراضي المغاربية والصحراوية. ويعد البيت الوط اسي الذي لميتمك ن من السيطرة إال على جزء من شمال البالد خير مثال على ذلك. استفاد البيت الزيداني كما ينبغي من الوضعية السياسية والعقدية التي كان يعيشها المغرب آنذاك. فمنذ ظهورها سنة 8786 حاولت تلك العائلة المالكة وهي التي لم تقم على عصبية قبلية إنشاء جيش عصري ومختلط لمواجهة أعدائها. و قد كان هذا الجيش يمث ل قلب النظام المخزني والجهاز الذ ي حظي بعناية خاصة من طرف السالطين. كان إنشاء جيش قوي وعصري أحد الهواجس الكبرى للسالطين الزيدانيين. وتؤك د كل المصادر الموجودة بين أيدينا المجهودات الت ي بذلها السلطان الشريف محم د الشيخ المهدي وخلفاؤه لتبني التقاليد العسكرية الحديثة وخصوصا العثمانية واإلسبانية. وقد 9

295 وجب انتظار وصول السلطان عبد الملك لنرى تسارع هذا النسق. قلب التقاليد العسكرية للبالد باعتبارها حاول هذا األخير بالية وتبني التقليد العسكري العثماني ما أد ى إلى رد ة فعل عدائية من قبل كبار الضباط واألعيان. ومر ة أخرى كان أحمد المنصور أكثر حذرا وتوفيقا مقارنة بأخيه. فقد حاول إدخال عناصر تنظيم جديدة كما يظهره استشراء المصطلحات العسكرية العثمانية مع المحافظة على التقاليد العسكرية المحلية. في مقال ممي ز خص صه المستشرق ودراسة تنظيمها. أندري دزيوبنسكي كل للجيش واألسطول المغربي في الحقبة الزيدانية استعمل األدوات المتاحة إلعادة رسم تاريخ هذه المؤسسة ولكن ه لم يكن يملك األدوات الالزمة لمتابعة تطو ر هذه المؤسسة طوال عهد المنصور مم ا يفس ر عدم ذكر حالة الجيش المغربي آنذاك إال في مناسبات قليلة. ولحسن الحظ وقع اكتشاف العديد من المصادر ونشر أخرى منذ صدور هذا المقال مم ا يمكننا من تكميل الصورة بتقديم عناصر جديدة عن تكوين الجيش الشريف وتنظيمه خالل هذه الفترة. جيش مختلط العناصر... منذ تكوينه في حدود سنة 8786 من قبل القائم بأمر اهلل كان الجيش الشريف يتشك ل من عناصر ذات أصول مختلفة. فقد كانت نواته تتألف من قبائل جزولة ومعقل إال أن ه ومع التوسع الجغرافي للمملكة تنو ع انتخال الجنود. وهكذا بدأ ظهور األندلسيين والعلوج في تشكيالت جيش السلطان الشريف محمد الشيخ المهدي ليلعبوا دورا رياديا في الجيش الزيداني. وفي عهد عبد اهلل الغالب كانت كل "عصبية" تشك ل فرقة مستقلة مثل جزولة واألعراب واألندلسيين والعلوج وز واوة والحراطين والعبيد األفارقة. وفي عهد عبد Andrzej Dziubinski, «L Armée et la flotte de guerre marocaines à l époque des sultans de la dynastie saadienne», Hespéris-Tamuda, nº XIII, 97, p

296 الملك المعتصم كان لألندلسيين والعلوج األفضلية على بقية التشكيالت وأصبحوا العناصر األقوى وفي عهد السلطان. في الجيش الشريف أحمد المنصور أصبح تنظيم الجيش وتركيبته "العصبية" أكثر وضوحا. فقد كان الجيش الشريف يتكون من فرق نظامية وأخرى غير نظامية وينقسم إلى عدة كتائب تحمل أسماء مناطق أو عصبيات كان أهمها كتائب سوس وشراگة واألندلسيين والعلوج كما كانت هناك كتائب أقل أهمية كز واوة واألفارقة. وكان أفراد الجيش النظامي يتقاضون أجورهم من المخزن لدى س م وا الم خ ز ني ة باللهجة المحلية. كانت كتيبة سوس وهي النواة التاريخية للجيش الشريف تتكو ن من عرب وأمازيغها. أو الم خ ازنية سوس وتضم هذه الكتيبة بشكل خاص أوالد جر ار وأوالد م طاع والشراردة والرحامنة وه س كيمة الخ. كتيبة وتتكو ن شراگة أي سكان شرق المغرب من قبائل عربية و مستعربة و أمازيغية رح ل وشبه رح ل السيما قبائل أش جع وبني عامر ور ياح ومطغرة الخ. أما األندلسيون الهاربون من محاكم التفتيش للحفاظ على دينهم أو المطرودون من اسبانيا إثر ثورة البشرات فقد شك لوا كتيبة اصبحت سريعا ذات أهمية بالغة. كما كان المرتزقة أو العبيد األوروبيون يشكلون كتيبة العلوج. وكان هؤالء في أغلبهم ينحدرون منشبه الجزيرة اإليبيرية. كان اإلسبان والبرتغاليون والباسك مم ث ل ون بكثرة بحكم القرب الجغرافي من المغرب. وفرنسيين وانگليز ويونان وأتراك وفرس. إال أنه يمكن أن نجد جنود إيطاليين أما أوالد يحيى القبائل في الجزائر الحالية فيشكلون الكتيبة الحاملة السمهم. الزواويين أصيلي منطقة ورغم كون األفارقة Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 0. الفشتالي مناهل الصفا ص 850. Jorge de Henin, Descripcion, p. 45, p , p. 7, p. 8 et p. 7 ; Henri de Castries, SIHM, France, p. 4-5 ; Bartholomé et Lucile Bennassar, Les chrétiens d Allah, p ويمكن إيراد أسماء علي زرقون المي ورقي وخ ي ران الباسكي وعلي الب رتغالي وكردين الم رسي ونبيل الب رتغالي ومحمود االشبيلي ولبيب الباسكي وخيران الباسكي وأحمد الك البري ومصطفى بومب ر د س الخ. 9

297 منخرطين في الجيش الشريف منذ عهد عبد الل ه الغالب إال أن نا ال نمتلك معلومات عنهم. أهم تشكيالت الجيش أحمد المنصور عرب الدولة األندلسيون العلوج شراگة أهل سوس أوالد مطاع اسبانيون أشجع أوالد جرار أوالد بوعزيز برتغاليون بنو عامر الشراردة أوالد العزفي فرنسيون رياح الرحامنة أوالد عمران إيطاليون مطغرة هسكيمة عبدة باسكيون الشبانات الشياظمة انگليزيون المنابهة سفيان الخلط أحمر وقد أد ى تباين أصول مكونات جيش المنصور إلى تنوع أساليب التجنيد. ففي حين كانت تشكيالت سوس واألندلسيين وشراگة وز واوة تجند مقابل أجور أو إقطاع أراض أو امتيازات ضريبية فإن تجنيد العلوج واألفارقة كان يتم بطريقة مختلفة. كان العلوج في عهد أحمد المنصور يؤسرون أو يشترون. يعرض األوروبيون خدماتهم طوعا على السلطان الشريف. ولكن لم يكن نادرا أن فبعد معركة وادي المخازن امتلك السلطان الشريف المئات من الشباب المسيحيين تم تجنيد جزء منهم الفشتالي مناهل الصفا ص

298 ص بعد مد ة من التعليم اإلسالمي. وقد تم أسر العديد من العلوج على إثر غارات المقاتلين المغاربة على وخصوصا جزر الخالدات. أحمد السلطان الثغور المحتلة أو هجمات قراصنة الرباط على المدن إال أن الغالبية العظمى من العلوج تم شراؤهم. اإلسبانية كان المنصور وأبناؤه يقومون بشراء العبيد الصغار من الجزائر وتونس ويستقدمونهم بر ا بفضل وساطة تجار مسلمين ويهود. وصولهم يتم ختانهم وبعد طوعا أو قسرا وكسوتهم على الطريقة المغربية وتلقينهم تعاليم اإلسالم. ولكن السلطان لم يكن يدقق في تدين العلوج. تكون لهم حرية ممارسة شعائر أي دين شاؤوا. محاكم التفتيش المعاصرة لألحداث هذا الرأي. فكان يكفي أن يحترم هؤالء تقاليد اإلسالم علن ا حتى وتؤك د المصادر األوروبية وسجالت ويبدو أن تجنيد األفارقة حصل إثر الحملة األولى لمحمد الشيخ المهدي على شنقيط. وفي كل الحاالت فقد كانوا يمثلون كتيبة صغيرة مستقلة خالل فترة عبد اهلل الغالب. ومنذ السنة األولى لحكم المنصور أشارت السفير السلطان كانوا من السود. السلطان العلوي إسماعيل اإلسباني أن حرس باب قصر وبعد حوالي قرن من ذلك تخبرنا المصادر المغربية أ ن ] [ كو ن جيشه الشهير المسمى البخاري بتجميع نسل العبيد السود الذين كانوا في خدمة السلطان أحمد المنصور. وتواصل نفس المصادر أن السلطان العلوي حاول شراء كل هؤالء العبيد من مالكيهم وتجنيد كل من 4 أعتق منهم طوعا أو كراهة. فهل كان هؤالء األفارقة فعال من نسل العبيد الذين تم جلبهم إلى المغرب بعد غزو السودان للعمل في جيش المنصور وهل كان مشروع السلطان العلوي جديدا وأصيال يجب القول بادئ ذي بدء إن غالبية العبيد الذين ت م جلبهم من السودان وكان عددهم قليل نسبيا تم استخدامهم في معاصر السكر أو التجديف في األساطيل. وبالتالي فإن كتيبة األفارقة لم تكن قد جيء بها من السودان. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 6 et p.. Ibid., p. 44. Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p وص الناصري االستقصا ج 5 95

299 فباإلضافة إلى بقية القوات السوداء الخاصة بعبد اهلل الغالب توجد مصادر أخرى للتجنيد بال شك. وقد تمكنا بعد بحث طويل من إيجاد وثيقة غير منشورة تسل ط الضوء على ناحية أخرى من مسألة تجنيد األفارقة. وتتمث ل هذه الوثيقة في رسالة تعود إلى سنة 874 يطلب فيها السلطان الشريف من علماء األزهر فتوى تبيح استخدام العبيد األفارقة في الجيش. فبعد أن شرح للعلماء أن المغرب برم ته يعتبر أرض جهاد بسبب خصوصياته الجغرافية أك د السلطان أن حك ام هذه البالد في حاجة دائمة إلى الجنود لحماية أرض اإلسالم ورب ما توسيعها. فقد وجدت كل العائالت الحاكمة عند وصولها جيشا قوي ا ومنضبطا تحت أوامرها إال أن ه وبعد ثمانين عاما من الفوضى لم تجد العائلة الزيدانية سوى مؤسسة عسكرية متهالكة. ويضيف المنصور أن سكان البالد غير قادرين على الحرب بسبب كسلهم وجبنهم وشهوانيتهم. لذلك تم إعفاؤهم من أداء الخدمة العسكرية مقابل دفع الضرائب الشرعية. وإلصالح ذلك الوضع يبين السلطان أنه استخدم وسيلتين تتمث ل األولى في شراء كل العبيد الس ود الذين تم جلبهم من السودان من مالكيهم أم ا الثانية فتتمث ل في البحث عن كل األشخاص ذوي األصول المملوكية كان قد استغلوا فترة االضطراب للتحرر وتجميعهم وتجنيدهم قسرا مع التقيد بأحكام الشريعة. ولتبرير هذا االختيار أك د السلطان الشريف أن هؤالء العبيد سيكونون جنودا مرموقين لشجاعتهم وانضباطهم. 96 وفي األخير أخبر السلطان العلماء المصريين أن نظراءهم من المغاربة قد وافقوا على هذا النهج وأن فتوى إيجابية ال يمكن لها إال أن تمك نه من المزيد من الشرعية. تؤك د هذه الوثيقة غير المنشورة إذن أن السلطان الشريف أحمد المنصور حاول قبل غزو السودان بسنوات تشكيل كتيبة من السود تأتمر فقط بأمره لشك ه في وفاء الس كان المحل يين. ومن أجل ذلك فقد حاول جمع السود كما كان يفعل العثمانيون في البلقان. ولكن السلطان لم يمض قدما في مشروعه هذا بل اقتصر في الغالب على تجميع بعض المئات من العبيد وذلك لتوفره على اآلالف من العلوج واألندلسيين. مخطوط الخزانة الحسنية رقم 874 و 0-06.

300 وبعد وفاة المنصور ودخول البالد في فترة االنحالل ابتعد األندلسيون شيئا فشيئا عن الجيش وأصبح وجود العلوج نادرا. وقد حاول السالطين العلويون األوائل بعد حوالي ستين سنة من رحيل السلطان الشريف إعادة إحياء مشروعه السياسي القائم على المركزية وما فوق القبلية وبالخصوص في المجال العسكري. وبسبب غياب األندلسيين والمرتزقة لم يكن للسلطان إسماعيل إال إعادة المشروع األصلي للمنصور من خالل إنشاء جيش عبيد البخاري. وقد كان حجم القوات النظامية للجيش الشريفي المسم ات االنكشارية على غرار التشكيالت العثمانية يقد ر وفق المصادر المعاصرة بين الثالثين واألربعين ألف رجل وقد بقي هذا العدد مستقر ا طوال فترة حكم المنصور. وقد وزعت هذه الكتائب على الجهات الرئيسية للسلطنة وتقد ر أعداد المجموعات المتركزة بمراكش بين ستة عشر وثمانية عشر ألف رجل وفي فاس بين عشرة وخمسة عشر ألفا وفي تادلة ألفين 4 وخمسمائة رجل وفي سوس تقد ر بألفي مخزني. وكانت كل مدينة ساحلية أو حدودية مثل الرباط والعراش وشفشاون وتازة تأوي حامية من الجيش النظامي تتراوح بين 5 المائة واألربعمائة رجل. ويبدو بإنصاف. وكان الجنود النظاميون أن كل الكتائب كانت بشكل من األشكال ممثلة 6 يحصلون على أجورهم مر ة كل ثالثة أشهر. ورغم عدم امتالكنا لمعلومات عن األجور إال أن ه وعلى ضوء المعطيات المتوفرة من قبل المصادر األوروبية في أواسط القرن السادس عشر فإن ه يمكننا القول تتراوح بين خمسين 7 وثالث مائة دينار كل ستة أشهر. أن ها كانت ال يشك ل تعدد مكو نات الجيش النظامي استثناء مغربيا بل هي سمة عند مجموع القوى المتوسطية في تلك الفترة وحت ى بعدها. وإذا كانت غالبية الجيش العثماني تتكو ن من 4 عبد اهلل گن ون Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p et p. -5. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 0, p. 96 et p. 44. Ibid., p. 56. رسائل سعدية ص Anonyme, Description du Maroc, p. 07, p. 4, p. 5 et p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Henri de Castries, SIHM, Espagne, t. I, p. 48 et Portugal, t. III, p.. 97

301 عناصر مختلفة األصول وخصوصا من البلقان فإن أكثر من ثلث الجيش اإلسباني كان يعود إلى أصول والونية ]Wallonie[ السويسريين واإليرلنديين واالسكتلنديين. السيما الفرسان األلبانيين. بورگينيين وألمان ومجريين وفرنسيين وحوالي ربع الجيش الفرنسي من المرتزقة كما التجأ الملوك االنگليز إلى المرتزقة وكانت المدن واإلمارات اإليطالية تتعاقد مع مرتزقة الخ. وإلى جانب الجيش النظامي فقد كان السلطان يعتمد على فرق غير نظامية مكو نة من الفرسان المنحدرين من أبرز القبائل البدوية في البالد. وحافظ عليه المرينيون والوطاسيون والزيدانيون. المدعو ة بعرب الدولة ضريبية السيما اإلعفاء من النائبة. هذا التقليد أسسه الموح دون كانت إذن بعض تقدم للسلطان عددا من الفرسان مقابل إقطاع أو القبائل البدوية امتيازات ويعتبر أوالد مطاع وأوالد جرار والشبانات وأوالد بوعزيز وأوالد الع ز في وأوالد عمران وعبدة والش ي اظمة والم ن ابهة وسفيان والخ ل ط 4 الخ أهم فصائل هذا الجيش غير النظامي. وتقد م كل من هذه القبائل بين ألف وخمسمائة وتسعة ]Henry Roberts[ آالف فارس. وعلى الرغم من أن االنگليزي هنري روبرتس يلفت نظرنا أنه بإمكان السلطان أن يجمع في حدود مائتي ألف 5 فارس إال أن كال من الشهاب الحجري وسالدانيا يؤك دان أن ه خالل المناسبات الكبيرة خصوصا عيد األضحى يمكن للسلطان أن يجمع بين تسع وعشرين ألفا وثالثين ألف 6 فارس. إال أن ه ولتجنب المصاريف العقيمة فإن ه لم يكن ي بق ي معه بشكل دائم إال على Edgard Boutaric, Institutions militaires de la France avant les armées permanentes, Paris, 86 ; Charles Oman, A History of the Art of War in the Sixteenth Century, New York, 97 ; M. E. Mallet and J. R. Hale, The Military organization of a Renaissance State : Venice ca. 400 to 67, London, 984 ; Gilbert John Millar, Tudor Mercenaries and Auxiliaries, , Charlottesville, 980 ; le même, «The Albanians : Sixteenth Century Mercenaries», History Today, nº 6 : 7, 976, p ال يعكس لفظ العرب هنا انتماء عرقيا أولغويا بل نمط عيش أي النمط البدوي. الفشتالي مناهل الصفا ص 886 و اإلفراني نزهة الحادي ص Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p... الشهاب الحجري ناصر الدين ص ; p. 6 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, 98

302 حوالي ستة آالف فارس يقودهم قائد القواد إبراهيم السفياني. النظامية تضم أهم الجهات تشكيالت غير نظامية. كان لديه باستمرار حوالي أربعة آالف فارس. وعلى غرار القوات وعلى سبيل المثال فإن أمير تادلة كما أن المدن الساحلية والحدودية كانت تضم فرقا من القوات غير النظامية يتراوح عددها بين المائة والثالثمائة رجل. وهكذا يمكن للجيش الشريف في حالة حدوث نزاع كبير أن يجمع بين الخمسين والستين ألف رجل. 4 أواسط القرن السادس عشر. قبلي بالمعنى التقليدي للكلمة. ويتقارب هذا العدد مع األرقام الت ي قد مها مارمول وطوريس في وقد كان يوجد زمن المنصور تسلسل عسكري ثنائي. إال أن جزءا كبيرا من هذا الجيش كان عصريا وغير ففي حين حافظت القوات غير النظامية على التقسيم والتراتبية التقليدية فإن القوات النظامية أضافت إلى ذلك عناصر عثمانية. كان فرسان الجيش غير النظامي وهم مجهزون بدروع حديدية وخوذات وت ر وس مستديرة من جلد الظبي وسيوف وحراب ينتظمون في أرحاء ]مفردها 6 5 رحى[ من ألف رجل ويقودها ضابط يطلق عليه قائد الرحى. وكل رحى ينقسم إلى فرق ثم إلى وحدات من مائة رجل يقودها م قد م. وكان مجموع الكتائب غير النظامية كما قلنا آنفا تحت قيادة قائد الق و اد إبراهيم السفياني. وإذا كان القواد المقيمين إلى جوار السلطان يحصلون على رواتبهم من المخزن فالحاميات المتواجدة في الواليات تتلقى راتبا إال وقت الحمالت العسكرية. ال وفي بقية األوقات يسند إليهم السلطان نصيبا من ضرائب المنطقة المتواجدين فيها إلى جانب العطايا بين الفينة واألخرى. وبالتالي فإن األغلبية الساحقة من المجموعات غير النظامية تتمت ع فقط مثلما ذكرنا سابقا باإلقطاعات واالمتيازات الضريبية. Ibid., p Ibid., p. 56. Anonyme, Description du Maroc, p. 4, p. 5 et p Andrzej Dziubinski, «L armée et la flotte de guerre marocaines à l époque des sultans de la dynastie saadienne», Hespéris-Tamuda, nº XIII, 97, p يعني لفظ رحى في االصطالح المغربي قبيلة ويستعمل في المجال العسكري للداللة على كتيبة متجانسة من ناحية األصل الحقيقي أو المزعوم. 6 حوالة تارودانت و 58 و و 6. 99

303 أما تنظيم كتائب الجيش النظامي فكان مستمد ا في جانب كبير منه من التنظيم العسكري العثماني وخاصة من التنظيم العسكري إليالة الجزائر حيث قض ى السلطان أحمد جيشا المنصور قرابة السنتين. وهو ما يقابل الوجق العثماني. وتنقسم هذه األفواج إلى كتائب "شبه عرقية" تدعى إال أن ه وخالفا للتنظيم العثماني فإن المغاربة يرتبطون مباشرة بالسلطان أو نائبه في والوالية مكان تواجد حاميتهم. وبعبارة أخرى فإن منصب آغا االنكشارية غير موجود في المغرب. وطبقا للمقولة السياسية "فر ق تسد" فقد كان السلطان يعي ن على كل كتيبة أحد الباشوات من أصل أجنبي يكون مستقال وال تكون له غالبا عالقات جي دة مع بقي ة القادة العسكريين. لنائبه في الوالية. وغني عن القول إن أعيان العسكر هؤالء ال يعودون إال للسلطان أو وتنقسم كل كتيبة إلى وحدات قريبة بعض الشيء من األورطة العثمانية وتخضع كل وحدة إلى قيادة بولكباشي الذي يأتمر بأمره مجموعة من األودا 4 باشيات والعشرات من اليولداش أي الجنود. وبالر غم من أن كتيبة تنظيمها كان متمي زا بعض الشيء. األندلسيين قد ع ه د بها إلى باشا ع لجي في أغلب األحيان فإ ن إذ يبدو أن الفرقة المكونة من أحرار وعلى وعي شديد بوضعيتهم الخاصة كانت تسعى إلى التميز عن العلوج والب د و وأهل الجبال. لذلك كان لهم تنظيم تختلط فيه التقاليد العسكرية العثمانية بالتقاليد الشريفية. وبالتالي فقد قس مت الكتيبة إلى أرحاء يترأسها قواد أندلسيون ينوب عنهم كاهيات من أصل أندلسي كذلك. كما تحصل األندلسيون على امتياز اإلقامة في حي منفصل هو رياض الزيتون في مراكش وإقطاعات 5 مع الحفاظ على رواتبهم الفصلية. كان منصور بن عبد الرحمان في بداية الح كم قائد األندلسيين ثم أصبح قائد الصبايحية. وقد تم تعويضه في ذلك المنصب بجوذر باشا. وبينما كانت قوات سوس تحت إمرة عمر باشا كان محمود باشا يقود العلوج. ويبدو أيضا أن قادة زواوة وشراگة كانوا أيضا من العلوج في أغلب األحيان. أنظر الفشتالي مناهل الصفا ص 6-68 ابن القاضي لقط الفرائد ج ص 865 p..jorge de Henin, Descripcion, الفشتالي مناهل الصفا ص 6-6. حرفيا البواب أو حارس البناية. 4 حرفيا رفيق الطريق أو صاحب أو شريك. 5 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص

304 هذا ويجب اإلشارة إلى أنه في زمن الحرب يرسل السلطان عادة قوات مكو نة من مجموع الكتائب والفصائل المذكورة تحت إمرة قواد تختلف أصولهم من حملة إلى أخرى. ولكن غالبا ما كان يفض ل قوادا من األندلسيين أو الموالي. لقد أد ى االحتالل اإليبيري لبعض المدن الساحلية المغربية منذ بداية القرن الخامس عشر إلى ظهور "مقاومة شعبية" بقيادة أمراء حرب محليين يدعون م قد مين. وشيئا فشيئا أضحى الجهاد تجارة مربحة مثل بيع العبيد والطعام ونوع من الجزية والهدايا مم ا أدى إلى إنشاء بعض اإلمارات المحلية المختصة عروس في القصر الكبير وبني راشد في شفشاون الخ. في الجهاد على غرار بني المنصور أحمد وفي عهد برزت عائلتان في هذا المجال الن قسيس في منطقة تطوان وسبتة وأبو الليف في جهة أصيلة وطنجة. ثغور الشمال. وقد جعل قادة تلك العائالت الحياة صعبة لحاميات الجند ولسكان فبعد غارة على ثغر سبتة سنة 87 تمكن مقاتلو تطوان من قتل المئات وأسر حوالي أربعمائة شخص أرسلوا إلى السلطان في فاس. وبعد أربعة سنوات قام مقاتلو منطقة طنجة بغارة على جزء من حامية طنجة انتهت بأسر مائة من بينهم ابن الحاكم البرتغالي أيرس دي سالدنيا وهو مؤل ف أحد أهم مصادرنا. بإمكانه خلق العديد من المشاكل... بالرغم من تجاوزه للعصبية القبلية فإن الجيش السلطاني كان ينقصه التجانس بصفة رهيبة. لقد كانت كل كتيبة متقوقعة على ذاتها 4 أصول متقاربة بل واحدة. األسوء و باعتبارها مجموعة تدعي االنتماء إلى من ذلك أن السالطين كما سنرى الحقا كانوا يشجعون التنافس بل العداوة بين مختلف فرق الجيش. وقد كان السلطان الشريف أحمد المنصور إب ان حكمه الطويل اآلخر. مضطرا للتعامل مع مطامح البعض وعصيان البعض وحت ى عندما كان ينجح في نزع فتيل األزمة وتجاوز التمرد فإن ه لم يكن يفعل الفشتالي مناهل الصفا ص 40 القادري نشر المثاني ج 8 ص 4-48 Antonio de Saldanha, Crónica.de Almançor, p. 5 الفشتالي مناهل الصفا ص 64. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid., p

305 شيئا إلضفاء التجانس على جيشه وجعله قو ة موحدة عوض أن يكون جيشا سلطاني ا فحسب. فبعد أسابيع فقط من وصوله إلى الحكم سنة 875 تمك ن السلطان الشريف من إحباط مؤامرة مدبرة من قبل قادة ثالثة فرق أندلسية وهم سعيد بن فرج الد غالي ومحمد زرقون وأبو الفضل الغري. وتؤك د المصادر المحلية واألوروبية الت ي في حوزتنا أن القادة كانوا يطمحون إلى مبايعة الفتى موالي إسماعيل ابن عبد الملك سلطانا للبالد تحت الخالفة العثمانية. وقد امتهن سعيد بن فرج القرصنة منذ استقراره بالمغرب زمن السلطان عبد اهلل الغالب وذلك بالرباط وتطوان قبل أن يدخل في خدمة المخزن بتوصية من الحاجب الحسن بن أبي بكر. وقد ك لف من قبل السلطان بإنشاء كتيبة لألندلسيين تحت قيادته. إال أن الموقف المراوغ للسلطان خالل ثورة البشرات سنة األندلسي. الكتيبة. األندلسيين فيها. 870 لم يستسغه القائد وفي السنوات التالية انضم العديد من الفاعلين في هذه الثورة إلى تلك وقد استغل المتطلع موالي عبد الملك الفرصة لدس بعض رجاله من أصبح أحد قادة الكتيبة. وتمك ن أحدهم وهو أبو الفضل الغر ي من التدر ج في المناصب حت ى كما كان له الفضل من دون شك في انضمام سعيد بن فرج الد غالي إلى معسكر عبد الملك أثناء موقعة الر كن سنة 8750 ما مك ن هذا األخير من االنتصار واعتالء السلطة. واستفاد عبد الملك أيضا من الخبرة السياسية والعسكرية لألندلسي محمد زرقون الملقب بالكاهية الذ ي شارك أيضا في ثورة البشرات قبل الل جوء إلى المغرب ليصبح أحد قادة الكتيبة األندلسية. 4 بالمتطل ع المغربي. ثم لجأ إلى الجزائر لاللتحاق الفشتالي مناهل الصفا ص 48. نفسه ص 4. نفسه ص نفسه ص

306 وبعد وصوله إلى الحكم عين عبد الملك هذه الشخصيات الثالثة في المناصب العليا للدولة. ففي حين كان الد غالي واليا على سوس والرباط أصبح زرقون قائدا للكتيبة األندلسية والغر ي أحد الشخصيات المقر بة من السلطان. وكان هؤالء القادة األندلسيون وبدافع من حنين إلى بلدهم األم يميلون إلى تعاون وثيق بين المغرب والدولة العثمانية للعمل على استعادة األندلس. وبعد وفاة عبد الملك سنة 875 عرف القادة أن خليفته كان أقل ميال إلى التعاون مع العثمانيين وإلى االعتراف بخالفة الباب العالي فقر روا قلب الحكم وتعيين ابن عبد الملك. وللوهلة األولى كانت األمور متاحة ففي حين أن الد غالي كان يخطط لثورة في سوس فإن زرقون أشعل تمر دا في فاس عبر دفع الجنود للمطالبة بالبقشيش أي هدية الت سلطن. وقد حاول السلطان ومساعدوه استباق األحداث إلحباط هذه المؤامرة الت ي من شأنها دفع البالد من جديد في أتون حرب أهلية. توزيع رواتب عد ة شهور إلى فاس على عجل. على الجنود قام السلطان باستدعاء سعيد بن فرج فبعد الد غالي وحت ى ال يثير شكوك القائد دعا السلطان كل والة الجنوب للمشاركة في احتفاالت معركة وادي المخازن. وبعد وصوله إلى فاس و ض ع الد غالي تحت اإلقامة الجبرية إال أنه تمكن من الفرار فأخذ طريق الرباط ليستقل احد قوارب القرصنة واللجوء إلى الدولة العثمانية. ويبدو أن السلطان بدأ سلسلة مفاوضات مع القائد األندلسي عبر قائد القواد محم د بن سليمان إال أنه أمام تعن ت الد غالي قر ر التخل ص منه. وبعث لهذا الغرض إبراهيم السفياني قائد سفيان وأحمد 4 االفراني قائدا شراگة. الزواوي وحد و الزواوي قائدا زواوة وعبد اهلل التلمساني وعبد العزيز 5 الفضل الغري نفس المصير. أحمد وفي نفس اليوم من شتنبر 875 لقي محمد زرقون وابو وباختياره قادة مختلف الكتائب لقتل قادة األندلسيين قام المنصور عن قصد كما يذكر الفشتالي بخلق عداوة دائمة بينهم. ولم يبق Henri de Castries, SIHM, Espagne, t. III, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p نفسه ص 4. 4 الفشتالي مناهل الصفا ص 4 نفسه ص 4. 0

307 لألندلسيين إال تحي ن الفرصة لالنتقام. هذا وقد قام السلطان بتعيين العلج منصور بن عبد الرحمان على رأس كتيبة االندلسيين وأغرقها في االمتيازات كما فعل مع العلوج. وقد تسببت االمتيازات الت ي منحها السلطان الشريف لألندلسيين والعلوج في غيرة التشكيالت األخرى وخصوصا زواوة الذين كان عددهم العشرة آالف رجل في جميع أنحاء البالد. األبيض حفيد السلطان الزيداني األو ل موالي تحص ن لبعض الوقت بجبل گليز بمراكش. يقد ر سنة بقرابة 874 وقد قر ر قادتهم مبايعة األمير عبد اهلل أحمد. بل إن جزءا من تلك الفرقة قد وأمام هذا الوضع قام السلطان بسجن كل الثوار بما فيهم عبد اهلل األبيض. الخواطر أمر بدفع منحة عام ة. والخطيرة. لذا قر ر إرسال حملة إلى بالد شنقيط. محم د بن سالم من زواوة فقط. ولتهدئة إال أنه كان يفك ر في التخلص من الفرقة الم ك ل فة وقد تكو ن الجيش الذي يقوده العلج وإذا كانت المهم ة الرسمية تتمثل في غزو هذا الجزء من السودان فقد كانت األوامر تهدف إلى ترك العسكر وسط الصحراء. وبالفعل فقد قام الدليل طبقا ألوامر السلطان بالفرار ما جعل الحملة تتيه في الصحراء وت باد عن آخرها. 4 السيف كما أن جزءا كبيرا من زواوة الذين بقوا بمراكش تم حت ى أن القضاء عليهم بح د االنگليزي هنري روبرتس يؤك د أن عدد زواوة في مراكش لم 5 يتجاوز األلف وستمائة رجل سنة ولم يمنع هذا اإلنذار السلطان واألمراء من مواصلة تمييز العلوج واألندلسيين على حساب بقية مكونات الجيش. وقد قامت مجموعات كبيرة من شراگة بسبب شعورهم بالحنق بااللتحاق بصفوف موالي الناصر سنة 8747 آملين في مستقبل أفضل. ورغم الفشتالي مناهل الصفا ص p. 6.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 46. مجهول تاريخ الدولة السعدية ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p.. 04

308 صفح موالي المأمون عنهم إال أنه وقع استبعادهم من الجيش الذي لم يعاودوا االنتماء إليه إال بعد وفاة السلطان الشريف سنة. 806 وإب ان حكم السلطان أحمد المنصور وقع التحكم بشكل كبير في قبائل المخزن أو عرب الدولة المعروفين بقالقلهم من خالل قوة النار التي كانت متوفرة لدى التشكيالت النظامية إضافة إلى االمتيازات اإلقطاعية والضريبية المغدقة من قبل السلطان. وحدها قبيلة الخ لط حادت عن هذه القاعدة. وبالفعل فقد كانت تلك القبيلة تمث ل منذ القرن الثالث عشر إحدى أهم الف ر ق في الجيوش المرينية والوطاسية. وقد وقفت إلى جانب الوط اسيين ضد الحكم الزيداني الصاعد مم ا دفع السلطان الشريف محمد الشيخ المهدي بعد أن أصبح سي د البالد بشطبهم من سجال ت الجيش وبمصادرة خيولهم ووضع حد المتيازاتهم الضريبية وتشتيتهم في عديد الواليات. وبقي األمر كذلك إلى ما بعد معركة وادي المخازن عندما قام أحمد المنصور كتعبير عن امتنانه بإعادة إدراج نصف رجال القبيلة في الجيش مع جميع االمتيازات المصاحبة كما أعاد القبيلة إلى أراضي األسالف بأزغار ]الغرب حالي[. ومع ذلك فقد ألحق بهم قبيلة أوالد م طاع المخلصة له لمراقبتهم. مستمرة بين القبيلتين ثم إلى حرب حقيقية. وأد ى ذلك إلى اندالع صراعات وتدخل السلطان في سنة الوضع وذلك لحاجته إلى فرسان الخ ل ط لفتح واحات لتوات وتيگورارين. أوالد م طاع المنطقة مقابل تعويضات مالية. وفي سنة لتهدئة وقد غادر أمر السلطان القبيلة بتوفير فرقة من الفرسان لمواجهة التمرد الذي اندلع في توات. ولكن الخ ل ط رفضوا األمر وأعلنوا العصيان وهو ما أدى إلى إقصائهم تلقائيا من النظام العسكري السلطاني. الذات الملكية تلك. فخالل إقامته في مدينة فاس سنة لم يتأخر رد السلطان على جريمة التعدي على 874 أرسل المنصور حركة Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 0. اإلفراني نزهة الحادي ص

309 بقيادة محمد وأهلكت أفرادها. بن ب ج ة لمعاقبة تلك القبيلة. وقد صادرت قوات السلطان خيول القبيلة وقد أتاح تمرد موالي الناصر الفرصة لقبيلة الخلط للعودة إلى الساحة السياسية. اختاروا االنضمام إلى المتطلع وقاموا بشراء الخيول وطردوا القبائل فشيئا. وفي هذه المرة كان انتقام السلطان بدون رحمة. فقد المخزنية شيئا لم يكتف الجيش النظامي بالقضاء على جزء كبير من السكان بل قاموا بترحيل غالبية من بقي على قيد الحياة إلى عديد الواليات وخاصة منها تامسنا والسودان. العلوج حماة النظام السلطاني إذا كانت جميع مكونات الجيش الشريف قد حاولت إيقاع الضرر بالسلطان مرة واحدة على األقل طيلة حكمه فإن العلوج لم يظهروا أي نوع من العصيان والتمرد. بل على العكس شكل هؤالء دعما مخلصا وثابتا مثل األندلسيين كما رأينا ذلك بمناسبة تمرد موالي الناصر على سبيل المثال. يثقون فيهم ثقة عمياء. الدولة. وفي المقابل كان السلطان وأبناؤه وكبار أتباعه لذا فقد تبو أ العلوج أغلب المناصب العسكرية والمدنية في ويوضح بعض الباحثين هذه الظاهرة بالقول إن "المجتمعات اإلسالمية في تلك الفترة والسيما المستقرة على ضفاف المتوسط كانت أكثر انفتاحا من المجتمعات المسيحية. و لم يكن شرف النسب يحسب أصال بل كانت الجدارة والجرأة و الدراية هي المعت م دة بشكل رئيس". وفضال عن انفتاح المجتمع اإلسالمي كان الحكام في حاجة ألشخاص ذوي خبرة في مختلف المهن المتعلقة بالحروب العصرية غير مرتبطين بالنسيج السكاني المحلي الذي كان دائما في محل المتهم. كما كان العلوج يبحثون عن ترقي اجتماعي سريع ومضمون وهو ما كان الحكام المسلمون يوفرونه لهم لضمان والئهم. الفشتالي مناهل الصفا ص p. 86.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, الفشتالي نفسه ص Bartholomé et Lucile Bennassar, Les chrétiens d Allah, p

310 لذلك فإن التحالف الذي يربط الحكام المسلمين بالعلوج تحالف موضوعي تحكمه المصلحة المشتركة. ويمكن القول إن االعتماد على العلوج ي عتب ر من الثوابت في التاريخ العسكري المغربي. فالحكام المغاربة ومنذ الحقبة المرابطية لم يتوانوا في التعويل على مرتزقة مسيحيين وأتراك وسود. ومع ذلك لم تنتشر هذه الظاهرة إال مع الحكام الزيدانيين. وألن هؤالء كانوا يفتقدون للعصبية فقد عمدوا إلى التعويل على فرق مخلصة وذات خبرة قتالية عصرية مثلما هو الحال بالنسبة للجيش العثماني. وقد تفاقمت هذه الظاهرة لتبلغ ذروتها في زمن المنصور حيث تجاوز عددهم العشرة آالف رجل. ومثلما استعرضنا في العديد من المناسبات كان العلوج يشغلون أعلى المناصب في الدولة سواء منها المدنية أو العسكرية. وباستثناء القوات غير النظامية التي وقع إسناد أمرها إلى زعماء القبائل فقد كانت جميع كتائب الجيش النظامي تحت قيادتهم. وكان أغلب قواد المناطق الحدودية وجامعي الضرائب وسفراء السالطين منهم أيضا. وعلى سبيل المثال فإن قيادة فتح السودان وحكومتها قد أسندت إلى عناصر من هذه الكتيبة. وحتى داخل قصر السلطان كان العلوج يتولون المهام الرئيسية مثلما استعرضنا ذلك من قبل وخاصة حماية السلطان. كانت تتكون فرق الحرس السلطاني والذي أطلق عليه الفشتالي الداخلة من العلوج فقط. فباإلضافة إلى القبجية الذين كان يقودهم الحاجب م و لود الموكولة لهم حماية قصبة مراكش وبوابات القصر كانت هناك ثالث فرق أخرى تالزم السلطان. وقد كان عدد أعضائها يتجاوز الثالثمائة رجل بحسب المصادر األوروبية. وألنها مستوحاة من حرس بني عثمان فقد كانت هذه المجموعات الثالث ترتدي زيا شبيها بالزي العثماني. فقد كان البايك وهم الذين يرتدون قلنسوة صفراء مزينة بالذهب ورأسية من ريش النعام من ألوان مختلفة حجراته. يحيطون بالسلطان في تنقالته ويحرسون وخلف هؤالء نجد فرقة السوالق الذين يرتدون قبعات طويلة بيضاء تتدلى Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p. 69. الفشتالي مناهل الصفا ص 6. 07

311 على أكتافهم وكانت تسريحات شعورهم موصولة في أعلى الجبهة بقصبات ص ف ر م ذه ب ة يضاف إليها بمناسبة االحتفاالت بعض من ريش النعام الطويل الذي يقع تثبيته في أعلى الجبهة ويرسل إلى الخلف. الفشتالي ل ب ر د ر ش ويسميها اسباني تقرير وخلف أولئك نجد مجموعة أخرى بحرس المطارد. يسم يها وكان جنود هذه الفرقة مسلحين بحراب ذي مقابض قصيرة وسميكة مزركشة بلوحات من حديد مثبتة بمسامير فضية. وكان الجذع الحديدي لتلك الرماح طويل وعريض وتنتصب في كل جانب من جنباته أنياب جميلة تشكل كل منها زاوية مستقيمة. إن المصطلح الغامض لبر در ش المستخدم من طرف مؤرخ البالط المنصوري قد استخدم من جديد من ق ب ل األخباريين المغاربة المتأخرين مثل اإلفراني والناصري دون تعليق. وبالمثل فإن مترجمي هذين الكتابين على اللغات األجنبية وناشر مناهل الصفا قد أعادوا استخدام المصطلح دون أدنى تفسير. "أهمل" بكل بساطة ذكر حرس السلطان. أم ا أندري دزيوبنسكي فقد وقد تأملنا فرق الجيش العثماني جميعها عل نا نظفر بمرادف لفرقة ل ب ر در ش. وظهرت أمامنا فرضيتان أدى إليهما البحث. الفشتالي ليس إال تعريبا للمصطلح وفأس. حامل المطرد. تتمثل األولى في كون المصطلح الذي استخدمه اإلسباني أ ل ا بار دو أي الم ط ر د المؤلف من رمح وفي الثانية يكون مصطلح ل ب ر داروش تحريفا للمصطلح الفارسي ت ب ر دار أي ويمكن أن يكون االختالف بين الالم والباء ناجما عن خطء الناسخ. وبالنسبة للشين يمكن أن تكون تحريفا لحرف السين الدال على صيغة الجمع في المصطلح اإلسباني: أ ل ب ر د رس أو تحريفا للمصطلح التركي باشا. وفي كل الحاالت فنحن على يقين بأن الفرق المعادلة لح م ل ة المطارد المغربية في الجيش العثماني واإلسباني هي على التوالي البالطجة وأ ل ب ر د روس. التسل ح والتجهيز والتحصين الفشتالي مناهل الصفا ص 68-6 p. 47.Henri de Castries, SIHM, France, t. II, 08

312 حظيت القوات النظامية تحت حكم السلطان الشريف است لهم من التقاليد العثمانية واألوروبية وتم السلطاني مجهزا أساسا بالبنادق فإن تسم ى في المراجع المغربية الم كحلة االنكشارية أحمد تعميم األسلحة الناري ة. المنصور بسالح متطو ر وإذا كان الحرس كانوا مجهزين ببندقيات الفتيلة التي ]بالعامي ة م كحلة أو م كحلة[. ال نملك مع األسف أي وصف لتلك المعد ات. لكن ها على األرجح ال تختلف عن األسلحة النارية المستعملة في الحوض المتوسطي في تلك الفترة بما أن معظمها كان يستورد من وهوالندا. انگلترا باإلضافة إلى ذلك حاول السلطان تصنيع أسلحة ناري ة في المغرب بمساعدة األندلسيين 4 والعلوج. فقد ج ه زت عد ة مصانع في تازة وفاس وتارودانت لهذا الغرض. لكن أكبر مصنع كان يوجد بمراكش ويسم يه الفشتالي دار الع د ة وكان يديره حرفيون قادمون من 5 انگلترا وفرنسا وهوالندا. مختلفة العيارات. 6 أنواعها. وفيه أيضا يتم صهر كثير من قطع الذخيرة من البرونز وكانت هذه المناصع مختصة في صناعة المدافع الحديثة بشتى لكننا لألسف ال نملك أي ة معلومات حول العدد االجمالي للمدافع التي كان يملكها الجيش الشريفي. وعلى سبيل التقريب نعرف أن حامية العرائش كانت تتوفر على حوالي ستين مدفعا مم ا يشير إلى أن الجيش يمتلك عشرات القطع الموزعة على 7 مجمل الحاميات. وباإلضافة إلى دار العد ة يوجد مصنع بارود أس سه السلطان عبد اهلل الغالب سنة 877 واخران في فاس وتارودانت. وبحسب األرقام التي يقد مها مارمول كان دار العدة في مراكش ت ص ن ع حوالي ستة عشر قنطارا من البارود في الشهر. 8 تخزين أكثر من ألفي قنطار. وفي سنة ويمكن تفسير هذا اإلنتاج الكبير باكتشاف تم 87 عد ة مناجم Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 0. Ibid., p.. 4 Anonyme, Description du Maroc, p.. 5 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid., p Ibid., p Ibid., p. 80. عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص

313 لنيترات البوتاسيوم أو ما كان يسمى ملح البارود في المغرب في القرن السادس عشر وقد استثمرها الملوك سواء في الصناعة المحلي ة أو في التصدير مقابل مواد مصن عة أو أسلحة عصرية. كان الجيش النظامي يستعمل أيضا األسلحة البيضاء. وكانت الرماح التي يبلغ طول قضيبها خمسة أمتار وثالثة وأربعون سنتيمترا رمزا من رموز الحرس السلطاني كما تؤك ده رسوم الجاسوس خورخي دي هينين. وكانت هذه الرماح تستورد أساسا على غرار السيوف من هوالندا لكن من المؤكد أن بعض العي نات صنعت في المغرب. أما السيوف وهي مستقيمة ومضروبة فيبلغ طولها حوالي ست ين سنتيمترا حسب قطعة معاصرة أمكننا فحصها ضمن مجموعة خاصة في المغرب. يستعملون سكاكين وخناجر وم ديات ذات نصل مقو س تدعى گوم ية. أما االنكشارية فكانوا أم ا القوات غير النظامية أو عرب الدولة فال تتلق ى أي تجهيز من السلطان أو من السلطات المخزني ة. ويلبس المحظوظون منهم كما ذكرنا سابقا زردا وخوذة ودرعا مستديرا من جلد المها ويحملون خنجرا ورمحا سي ئ النوعية باستثناء الخيالة الذين ال يفارقون السلطان وأبناءه. ويسكن الجنود في المدينة في ثكنات بجانب القصر أو يمتلكون بيوتا كما كان الحال بالنسبة لألندلسيين بينما يسكنون أثناء الحركات تحت الخيام أو قياطين مصنوعة من الكتان أو من جلد الجمل أو الماعز. وتمتلك كل حامية عسكري ة مخزونها الخاص من األسلحة والذخيرة والماء والطعام داخل القصبات. لكن خالل الحمالت العسكرية كان على سك ان المناطق التي يمر بها الجيش أن يوف روا كل ما يلزم للحامية من طعام ومالبس وخيام وحيوانات الخ مقابل إعفاءات المالية. السلطان أو قائد الحملة الحصول على ما يحتاج إليه الجيش وعندما يرفضون بإمكان 4 عن طريق المصادرة. Ibid., p. 8. Ibid., p. 00 et p. 506 ; Reinhart Dozy, Supplément aux dictionnaires arabes, t. II, p الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص 40 وص 880 p. Description du Maroc, p. 9Jorge de Henin, Descripcion, p. 75 et.97 ; Anonyme, 0

314 وقد تواترت هذه الممارسة القديمة التي تسم ى المؤونة ]بالعامية المونة[ أو العد ة في المغرب حت ى بداية القرن العشرين. فخالل حركة السلطان الشريف المنصور أحمد إلى سوس سنة 876 مثال تكف لت القبائل المحلي ة بالمؤونة طوال الطريق المقس م إلى عشرين مرحلة. يعقوب. لكن السلطان كان يظهر شهامته في بعض األحيان لحاجة في نفس ففي إحدى زياراته إلى فاس رفض موالي القبائل كانت تعاني سلفا من الجفاف. أحمد المؤونة طوال رحلته أل ن هذا وكان الجند يتمت عون بعناية صحي ة يوفرها الجر احون والحل اقون والصيادلة الذين في م ر س تانات يعملون قارة أو متحركة. ولنقل القوات والعتاد عادة ما يقع استعمال الخيول والجمال والبغال والحمير. ويمكن اللجوء أيضا في حاالت ظرفية الى العربات والمراكب لنقل الع د ة والعتاد والطعام. ويهتمون باألمور اللوجستية األوروبية إبودرارن و يعي ن أغلبهم من قبائل إد ا التي نظ مها السلطان الشريف سنة كان الحم الة والعم ال الذين يرافقون الجيش في العادة من الجبليين الذين يسم ون حسب المصادر أعقل وإد ا 4 ولطيط العسكري ة والوسائل اللوجستي ة المجن دة في مثل هذه الحاالت. ويمكن للحركة لفتح السودان أن تكشف لنا عن العد ة فقد كان عدد الجند يتراوح بين أربعة وخمسة آالف رجل أ عطوا ألفين وخمسمائة بندقية صغيرة وستين بندقية مخص صة لحرس قائد الحركة وست ة مدافع كبيرة وعدد غير محدد من المدافع الصغيرة وحوالي ألف وخمسمائة سيف ورمح. كما أعطوا عشرة قناطير من البارود المسحوق وثالثمائة قنطار من البارود ومثلها من الرصاص باإلضافة إلى الدروع والحديد والمشاقة والقطران والراتنج والقار والحبال والكتان والمر والمعاول واألدوات الالزمة لبناء وهدم حيطان الطين. وحسب مختلف المصادر فقد استعمل الجيش حوالي ثمانية آالف جمل وألف من خيل وعدد غير محد د من البغال والقوارب الصغيرة. الحس اني ديوان قبائل سوس ص -5. عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 44-4 p. 80.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, 4 Anonyme, Chronique de Santa Cruz, p. 97 ; Marmol, L Afrique, t. II, p. 5 et p. 8.

315 مع األسف ال توف ر المصادر التي بحوزتنا معلومات عن طريقة تزويد هذه الحملة بالماء والطعام الذي ال يتوف ر في الصحراء. ويمكننا افتراض أن القوات الشريفة كانت تتوفر على كميات ال بأس بها من الغذاء الذي يتمثل في فطائر التمر والخبز والفول المطبوخ والمجفف المملوءة بالماء. ]الب صار ة[ واللحم المجفف ]الخ ل يع[ باإلضافة إلى آالف القرب ويبدو ان قائد الحملة قد التجأ خالل رحلته إلى مصادرة الطعام من القبائل. وقد حصل هذا األمر مثال في منطقة أر وان حيث افتك عددا من الجمال التابعة لعبد اهلل بن شين المحمودي. لم يفتقر جيش الحملة المغربي إلى الماء وبفضل المرشدين ذوي الخبرة في المسالك الصحراوية وهو ما كان يرقى إلى درجة "المعجزة". ولكن الدعاية السلطانية لم تترد د في استعمالها كما سبق وأن بين ا في الجزء األو ل للتأكيد على قداسة السلطان. عمل حكام المغرب طيلة القرن السادس عشر وكانوا مهد دين بأنواع ك ث ر من األعداء على إنشاء نظام دفاعي فع ال قائم تراب السلطنة. على تشييد وترميم قصبات وحصون تمسح كامل وأس س السالطين على غرار الموحدين والمرينيين في أقصى الصحراء و شرق المغرب عشرات القصبات ذات الهندسة البسيطة الطين المخلوط حيطان من : بالحجر تدعمها أبراج مرب عة ويتوس طها فضاء فارغ حيث ينصب الجنود خيامهم. وحسب الجنابي ومرمول تجاوز عدد القصبات الثالثين كان أهم ها بك ل من فاس ومكناس ود بدو وتازة والقصر الكبير والرباط وت اف ت نا وازم ور واسفي وأصيلة وتطوان وت ز وطة. وكعادته واصل أحمد العرائش من األطماع سماهما النصر والفتح. المنصور عمل أسالفه في دعم الجهاز الدفاعي. اإلسبانية والعثمانية شي د السلطان سنة 87 فلحماية مدينة حصنين كبيرين كان هذا األخير وقد بني في ستة أشهر حسب فن التحصين المتداول في أوروبا آنذاك يحتوي على ما ال يقل عن ستين قطعة مدفعية باإلضافة إلى ثالثمائة جندي نظامي من أصحاب المكحالت موجودين على الدوام. ولحماية أفضل الفشتالي مناهل الصفا ص p..antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, نفسه ص 04 p. 04.Ibid.,

316 لقصبة الرباط المعروفة بصمودها قام السلطان بترميمها وببناء حصنين بارزين. كما تم تعزيز قصبة تازة وهي الباب الشرقي للمغرب ببناء حصن بارز يمكن أن يأوي قطعا مدفعية. لحماية المدينة وقام السلطان الشريف ببناء تسعة حصون بفاس عاصمة الشمال وذلك ومراقبتها من بينها خمسة حصون ال تزال قائمة الى اليوم. وتم ت إعادة ترميم قصبة العاصمة مر اكش إليواء الحامية العسكرية الرئيسية والقصر السلطاني كما أسلفنا. وعلى بعد إحدى عشر ميال إلى جنوب هذه المدينة شي دت قصبة تسم ى القاهرة لمراقبة فج ب د وان على الطريق الرئيسية الرابطة بين مراكش وسوس. ولكن است عيض عنها بقصبة تاج داشت ابتداء من سنة 806 ألسباب نجهلها. وبذلك مك نت هذه المجموعة من القصبات والحصون المخزن من مراقبة المدن الكبيرة ومراكز االتصال االستراتيجية ومنابع الماء الضرورية لقبائل البدو الرح ل وشبه الرح ل. وكانت أغلب هذه المنشآت العسكري ة رمزا لدولة في طور التمركز أكثر منه لدولة تسعى للحماية من هجوم محتمل من البلدان القوي ة المجاورة. ضعف األسطول السلطاني حافظت مختلف الدول المغربية في العصر الوسيط على أسطول كبير لقيادة العمليات العسكرية في األندلس ولحماية مضيق جبل طارق ونقل الجيش إلى المغرب األوسط 5 4 وافريقي ة. وقد حاول المرينيون الحفاظ على هذا التقليد. لكن تدمير األسطول المريني تحت حكم السلطان أبي الحسن ]844-88[ وتراجع المسلمين في األندلس مركز محمد مز ين فاس وباديتها ج 8 ص Anonyme, Description du Maroc, p. 00. Jorge de Henin, Descripcion, p Christophe Picard, La Mer et les musulmans d Occident au Moyen Age, Paris, 997 ; le même, «La politique navale des premiers califes almohades : un système de gouvernement et de souveraineté», Patrice Cressier, Maribel Fierro et Luis Molina [dir.], Los Almohades : problemas y perspectivas, p ; محمد شريف "األسطول الس بتي بين الجهاد والتجارة" البحث العلمي عدد ص أحمد عز اوي "األسطول: التجارة والقرصنة بين القرنين 8 و 84 " عثمان المنصوري ]إشراف[ البحر في تاريخ المغرب ص محمد المن وني ورقات عن حضارة المرينيين ص

317 التقاليد البحرية في الغرب اإلسالمي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر أعلن نهاية هذا التنظيم. وعلى الرغم من مجهودات السلطان أبي عنان ]87-844[ فقد عم ت الفوضى من الموانئ واالضطراب المغرب الذي أدار ظهره إلى البحر. ولم يساعد فقدان العديد اثر احتاللها أو تدميرها من طرف القوات االيبيرية في القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر في نمو النشاط البحري. الصغيرة كانت المالحة المغربية بالك بالمجال العسكري. فباستثناء بعض القوارب تتوقف على المراكب األوروبية بشكل حصري فما وبما أن اسبانيا والبرتغال كانتا تدركان أن نمو األسطول المغربي يمكن أن يمث ل خطرا على الحركة بين المستعمرات األمريكية واإلفريقية والهندية فقد فعلت ما بوسعها لمنع الملوك المغاربة من امتالك أسطول. كانت الموانئ المغربية في النصف األول من القرن السادس عشر تتعرض للهجوم بشكل منتظم وكانت السفن الحربية الراسية فيها تتعرض للتدمير وهو عرفته مراسي العرائش سنة سنة وبنو م ع د ن بالجنوب الشرقي لتطوان سنة 8744 وت ر كوكو 4 على سبيل المثال. ونتيجة ضعف األسطول المغربي توقف النشاط البحري تماما في ميناء اسفي وهو أهم ميناء في ذلك الوقت سنة بسبب مقاطعة السفن األوروبية. كما تؤك د المصادر األوروبية أن المغاربة يجهلون أبسط التقاليد البحرية مثل استخدام البوصلة والخرائط 6 المالحية وقيادة السفن وصناعة قطع الغيار. اسطول ولم يكن لها تقاليد بحرية راسخة. وعند بروز الزيدانيين لم يكن للبالد وبعد إعادة توحيد المغرب أدرك السلطان محمد الشيخ المهدي الذي لم يكن يملك أكثر من ثالث مراكب 7 شراعية أن تحقيق استقالل البلد وتحقيق المكانة الدولية يوجب عليه Henri de Castries, SIHM, Portugal, t. I, p Ibid., t. I, p Ibid., t. II, p Robert Ricard, Les Portugais et l Afrique du Nord, p Henri de Castries, SIHM, t. II, Espagne, p أحمد بوشارب "محضر محاكمة بح ار برتغالي كان يتاجر بأسفي" مجلة كلية اآلداب فاس عدد خاص 847 ص Henri de Castries, SIHM, Espagne, t. I, p

318 امتالك أسطول قوي و لتحقيق ذلك كان يعول على دعم عدد من البلدان الصديقة مثل فرنسا وانگلترا وعلى العلوج من أصحاب الخبرة في الشؤون البحرية. كما حاول أيضا إحياء التقاليد البحرية في بعض موانئ المغرب مثل الرباط وباد س. ففي الفترة الفاصلة بين 8776 الميناء الثاني. و 8775 تم ت صناعة ستة سفن في الميناء األول وأربعة في ورغم أن محمد الشيخ قد بذل مجهودات جبارة في هذا المجال فإن وتيرة اإلنتاج ظلت بطيئة وكانت النتيجة ضئيلة بالمقارنة مع اإلنتاج العثماني أو األوروبي. ويذكر ف. المتوسط ستين قاربا سنويا في نفس الفترة. ذاك المستوى. بروديل مثال أن ميناء بلوباك بألمانيا كان ينتج لوحده في وبذلك تكون الصناعة الشريفية بعيدة عن ولمجابهة الطموحات العثمانية وحماية السواحل المغربية واصل السلطان الشريف عبد اهلل الغالب العمل الذي بدأه والده. 4 ورشات الرباط وباد س وتطوان تقريبا أربعين قاربا وسفينة. وخالل سبعة عشر سنة من الحكم انتجت ويعود التحسن النسبي للصناعة البحرية بشكل رئيس إلى الوجود األندلسي القوي في موانئ السلطنة الشريفة. وهذا الوجود أعطى زخما جديدا للقرصنة التي ظهرت بشكل خجول في المغرب في القرن الخامس عشر. المغرب أصبح الباعث الحقيقي للقرصنة في الرباط بالفعل فبعد استقرار سعيد بن فرج الد غالي في وتطوان. وانطالقا من هذين 5 القاعدتين أطلق عشرات الغارات الناجحة على السواحل اإليبيرية وجزر الخالدات. وخالل فترة الحكم المضطربة لعبد الملك ظل عدد السفن الشريفية مستقرا. المعدات و قطع الغيار تستورد من انگلترا وكانت لما كانت العالقات بين البلدين وثيقة 6 والمصالح مشتركة. كان عبد الملك قد تأثر بفترة إقامته في إيالة الجزائر لذلك حاول Ibid., t. I, p. 99. Ibid., p. 87. Henri de Castries, SIHM, Portugal, t. IV, p et Espagne, t. I, p Henri de Castries, SIHM, Espagne, t. III, p. 7 ; Andrzej Dziubinski, «L Armée et la flotte de guerre marocaines à l époque des sultans de la dynastie saadienne», Hespéris-Tamuda, nº XIII, 97, p الفشتالي مناهل الصفا ص 4. 6 Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p

319 تشجيع القرصنة وتحقيق نشاط يحقق عائدات مالية وضمان المالي. نوع من االستقالل ورغم أن حجم األسطول المغربي كان يضاهي نظيره الجزائري فقد كان يفتقد القوة والجودة مقارنة بهذا األخير حيث أن البلد كان يفتقر للتقاليد والخبرات البحرية. وإلنجاز المشروع الثالثي األبعاد الذي وضعة أسالفه سعى السلطان الشريف أحمد المنصور إلى توفير أسطول قوي للمغرب طوال فترة حكمه. وإذا صدقنا الدعاية التي كان يقوم بها المخزن فإن جميع الحمالت العسكرية مثل غزو الواحات الصحراوية والسودان والمشاريع االقتصادية مثل إقامة معاصر السكر كانت تهدف إلى توفير المصادر المالية الضرورية إلنشاء أسطول قوي لحماية التراب المغربي وإعادة فتح األندلس. ومع ذلك فإن ندرة المعلومات ال تسمح لنا بمتابعة السياسة البحرية للسلطان الشريف. إذ ال تخبرنا المصادر المتوفرة إال عن بعض فصول تلك المحاولة وال تمكننا من الحصول على رؤية عامة. وليس بوسعنا إال أن نقر بأن السياسة البحرية ألحمد المنصور قد فشلت عموما ما عدا القرصنة التي بقيت مستمرة بفضل عزيمة قراصنة الرباط حتى بداية القرن التاسع عشر بشكل متقطع. ووفقا للمعلومات التي بحوزتنا كان يبلغ عدد القوة البحرية الشريفية ألفي رجل موزعين أساسا على موانئ الرباط والعرائش وتطوان واسفي وأگادير. ويمثل األندلسيون والعلوج ألسباب واضحة العمود الفقري لهذه القوة التي كانت تحت إمرة 4 الريس إبراهيم الش ط 6 المصادر األوروبية. 5 ثم الريس شعبان ثم الريس القلفاط األندلسي المشهور في باإلضافة إلى االسطول الذي ورثه عن أسالفه حاول السلطان بجميع الطرق المتاحة الحصول على سفن جديدة لتعزيز أسطوله. وتشير المصادر األوروبية إلى أن ورشة ص ص مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 7. Henri de Grammont, Histoire d Alger sous la domination turque, p الفشتالي مناهل الصفا ص 84 4 نفسه ص نفسه ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 0, p. 8. 6

320 الرباط أنتجت ستة سفن في 874 وثمانية في. 877 ولكن اإلنتاج المحلي لم يكن كافيا لتلبية احتياجات البحرية السلطانية على ما يبدو وهو ما دفع المنصور الذهبي إلى مواصلة استيراد المعدات وحتى السفن من أوروبا وال سيما من انگلترا. ففي وإذا كانت المعدات تستورد مقابل ملح البارود فإن السفن كانت تشترى بسعر باهض. 87 اقتنت السلطنة من انگلترا عشرة سفن تبلغ حمولتها مائتي طن بسعر 4 خرافي يبلغ مائتين وثمانين ألفا دوقية. ويدل الثمن الباهض لهذه السفن على أن السلطان الشريف كان يصر على امتالك أسطول ضخم وقوي لتحقيق مشاريعه. فتكلفة صنع سفن تبلغ حمولتها أربعمائة طن لم تكن تتجاوز في نفس الفترة الخمسة آالف دوقية. وبنفس هذا الثمن كان يمكن للسلطان شراء ستة وخمسين سفينة عوض عشر. هل كان السلطان يجهل هذه الحقيقة بالطبع ال ولكنه يفتقد ألي خيار آخر باعتبار عدم قدرته على الشراء من األسواق المتوسطية واألوروبية األخرى. فالعتبارات مختلفة كان اإلسبان والعثمانيون يمتنعون عن السماح للمغرب بامتالك أسطول يمكن أن يهدد مصالحهم في أي وقت كما أن العالقات مع دول الشمال األوروبي كانت مفقودة. وتبعا لذلك فإن انگلترا كانت تستغل الموقف لبيع سفنها بأسعار ملتهبة. وحتى هذه األخيرة لم تكن راغبة في أن يحصل المغرب على أسطول ضخم قد يهدد مصالحها االقتصادية واالستراتيجية وهو ما يفسر أن هذا النوع من المعامالت لم يحدث سوى مرة واحدة. ورغم ندرة المعلومات يمكن أن نجزم بأن األسطول المغربي في عهد أحمد المنصور ظل ضعيفا. ففيما يخص عالقاته مع العالم فإن البلد كان يعتمد على القوى األوروبية والمتوسطية وكانت حركة السفراء المغاربة تقوم دليال على ذلك. فالبعثات المغربية لم تتمكن طوال فترة حكم المنصور من السفر إلى الخارج إال عن طريق مساعدة السفن األوروبية أو العثمانية. وعلى سبيل المثال فقد ظل السفير الت م گر وتي محبوسا في Ibid., p. 94. Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p. 50. Ibid., p. 7 et p Ibid., p. III et France, t. II, p

321 ميناء تطوان عدة أشهر في انتظار وصول سفينة عثمانية السلطان الشريف من ملكة وفي سنة انگلترا أن تأجره سفينة لحمل البعثة المغربية. طلب 8066 وإذا كان السلطان قد عجز عن إنشاء أسطول قوي لتحقيق طموحاته الخليفية واالنتظارية في البحر المتوسط فقد استغل هذه التجربة لغزو السودان. فلتسهيل تنقل قواته ومفاجأة العدو قام المنصور بإنشاء العشرات من القوارب القابلة للتفكيك والتي تستطيع حمل المدافع. كانت هذه القوارب ناجعة هناك وقد مكنت القوات المغربية من االستيالء على العديد من المواقع الحصينة على طول نهر النيجر. أما القرصنة "تلك الصيغة التكميلية للحرب الكبرى" ظهرت في المغرب خالل القرن الخامس عشر السلطان عبد الملك. 4 بحسب تعبير بروديل فقد ولقيت دعما من الزيدانيين ال سيما وتبعا لذلك ظهرت العديد من معاقل القراصنة في باد س وتطوان والعرائش والرباط. وبعد توليه الحكم أدرك السلطان أحمد المنصور أن القرصنة كان يمكن استخدامها كوسيلة ضغط سياسي ناجعة أو كنشاط اقتصادي يدر عائدات ال بأس بها. لذا حاول تدعيمها و تنظيمها. وبالرغم من وجود العديد من معاقل القراصنة في كامل أرجاء التراب المغربي فقد أصبحت الرباط ]سال الجديدة حسب الك تاب األوروبيين[ القاعدة الرئيسية للعمليات في فترة حكم السلطان المنصور. كان قراصنة تلك المدينة وهم أساسا من األندلسيين 5 وبعض العلوج يوجهون عملياتهم ضد جزر الخالدات وشبه جزيرة إيبيريا. تقتصر ولم "هذه القرصنة على الهجمات في عرض البحر فالقراصنة كانوا ينفذون عمليات برية تهدف إلى االستيالء 6 على األموال وأ سر القرويين". ففي شهر يوليو 870 تمكن أسطول الريس القلفاط من الوصول إلى جزيرة النزاروت واستباحة أهم التمگروتي النفحة المسكية ص 5-0. Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p الفشتالي مناهل الصفا ص Fernand Braudel, La Méditerranée, t. II, p الفشتالي مناهل الصفا ص Alain Blondy, «La course en Méditerranée : le discours sur la captivité et la servitude», Sylvie Requemora [dir.], Les tyrans de mer, p

322 موانئها. وقد تم أسر أكثر من ثالثمائة شخص والعودة إلى الرباط بغنيمة ضخمة. وفي سنة 874 قامت غارة من رجال الريس شعبان بأسر أكثر من ستين رجال. و يبرز هذين المثالين الطابع الربحي للقرصنة في الرباط وهو أمر لم يكن ليغفل عنه السلطان. كان هذا األخير يرغب في السيطرة على مكامن القراصنة عبر ضمها مباشرة لدائرة نفوذه. ولتحقيق ذلك عين حاكما غريبا عن المجموعتين األندلسية والعلجية كما عين بنفسه الريس بظهير سلطاني. في رسالة غير منشورة أمر السلطان قائد الرباط مد القراصنة وكان يطلق عليهم تسمية المجاهدين والمرابطين والغزاة ومعاملتهم بشكل جي د. والتثبت من عدم نقصان بكل الدعم اللوجيستي الالزم لحمالتهم وفي نفس الوقت أصدر أوامره بمراقبة الميناء بشكل جيد قسم الغنائم الذي يعود إليه. ونتيجة لذلك اكتست مدينة الرباط أهمية قصوى ال سيما في مجال القرصنة وقد تنامت هذه المكانة بشكل مط رد بعدما احتضنت المدينة بعد عقد واحد فقط من وفاة السلطان الشريف "الجمهورية" األندلسية وقراصنتها الذائعي الصيت سال. الذين أطلقت المصادر األوروبية عليهم تسمية قراصنة Bartholomé et Lucile Bennassar, Les chrétiens d Allah, p نسخة من مخطوط خاص بحوزة المؤلف. 9

323

324 الباب الثالث: الدبلوماسية الشريفة بين المتوس ط والص حراء واألطلسي جاءت س ياسة أحمد المنصور الذ هبي الخارجية لتكم ل الوسائل العقدية والمؤس ساتية التي حر ص على إقامتها بهدف تحقيق مشروعه الثالثي األبعاد والذي كان ألسالفه فضل وضع معال مه وهو مشروع ظل رغم ذلك وفي ا للت اريخ الط ويل لخالفة الغرب اإلسالمي. فلتثبيت سيادته على البالد وضمان استقاللها بل تهج سياسة توسعية تبن ى الس لطان الش ريف سياسة الد وائر الثالثة التي بلورها أخوه عبد اهلل الغالب. وطبق ا لهذه الس ياسة كان على الس لطان استغالل كل ث غرات المنظومة المتوس طية- األطلسية لضمان مصالحه. فالصراع بين الدولة العثمانية واسبانيا من ناحية وهما القو تان العظمتان في تلك الفترة والتنافس بين اسبانيا وبعض الد ول األوروبية من ناحية أخرى وف را ف ر ص ا للس لطان لكي يناور كما يشاء ويحق ق مآربه. ليس من الخطء بالمر ة القول ان الظرفية الدولية مك نت الس لطان الش ريف من تقوية سلطته والتحر ك بفاعلية في المجال الدولي م ستغ ال التحالفات والتحالفات المضاد ة وصنوف ا من التقارب الظرفي. كان التحرك الديبلوماسي يتمحور حول أربعة محط ات : بحث السلطان في األولى مستغال التنافس بين اإلسبان والعثمانيين عن ضمان دوام سلطانه واستقالل أراضيه خصوص ا عن الباب العالي. وتمي زت الثانية بتوسيع دائرة عالقاته الديبلوماسية بالت قارب مع البروتستانت واالبتعاد عن اسبانيا وذلك بهدف إضعاف فيليب الثاني لكي يتسن ى جني الث مار في الص حراء وغنم أراضي بها. وقد سعى موالي أحمد في الثالثة إلرضاء طموحاته في الخالفة بغزو الس ودان. وأخير ا وفي ما يشبه ترك العنان لطموحاته الالمتناهية وأحالمه ابتعد الس لطان عن الواقعية التي مي زت حكمه وسعى إلى ضم أراض واقعة ما وراء البحار كما كانت القوى اإليبيرية تف

325

326 األول: الفصل إلى الهيمنة من الت وازن: المغرب بين الهبسبورگ والعثمانيين السفارات توالي ما عدنا نحتاج إلى البرهنة على أن معركة وادي المخازن لم تمث ل سوى نصرا رمزيا. فإذا كان الس لطان الجديد قد نجح في توظيف هذا الن صر سياس ي ا وديبلوماسي ا فإن ه لم يقدر على استغالله عسكري ا. إذ يبدو للوهلة األولى أن الس لطان لم ينجح بالمر ة في استثمار انتكاسة البرتغاليين وصدمة اإلسبان لتحرير الثغور المغربية المحتل ة منذ عقود بالرغم من تحريض العلماء والص لحاء. أن ها أكثر تعقيدا وحساسية مم ا يتبادر إلى الذ هن. ما أن ترب ع الس لطان وخارجية. أحمد وإذا دققنا النظر في المسألة ألدركنا المنصور على الف ر ش حت ى بدأ يواجه مشاكل داخلية ففي الد اخل كان عليه أن يفرض نفوذه بالقوة على جملة األراضي وأن يضمن اعتراف بعض الق واد وعديد شيوخ القبائل. فإضافة إلى تمر د القواد األندل سيين الذي كل ف قمع ه كثير ا من الد ماء كما رأينا سابقا فقد كان على المنصور كسب و د اسبانيا لمجابهة مشاريع العثمانيين التي كانت تهد ف إلى ضم المغرب. أخرى لم يكن يرغب في إضعاف البرتغاليين أكثر من ذلك ومن ناحية ألنهم كانوا يستضيفون اثنين من المتطلعين الجد يين للس لطنة ألن ذلك كان سيصب في مصلحة فيليب الثاني. فالهجوم على ممتلكات البرتغاليين كان يمكن أن يعج ل بالتدخ ل تدخ ل كان اإلسباني. الس لطان يجتهد في تجن به مهما كان الث من. بي د أن مواصلة الحرب كان يمكن أن ي ودي الرابح األكبر من االنتصار الشريفي هوال شك الملك فيليب الذي تمكن من االستيالء على عرش البرتغال سنة 876. أنظر على سبيل المثال رسائل المرابط رضوان الج نوي التي يحرض فيها السلطان الشريف على إعادة غزو الموانئ المغربية الواقعة في أيدي اإليبيريين في المرابي األندلسي تحفة اإلخوان ومواهب االمتنان في مناقب سيدي رضوان التاريخ وقد نشرها عبد الهادي التازي و ك رقم مخطوط المكتبة الوطنية للمملكة المغربية الدبلوماسي للمغرب ج ص مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 86 السعدي تاريخ السودان ص 6.

327 باقتصاد الس لطنة إلى اإلفالس كما يضر بالعالقات الت جارية والد يبلوماسية مع فرنسا وانگلترا الم ور د الر ئيسي لألسلحة. هكذا كانت إذن الظ روف الص عبة هي التي ألزمت الس لطان الش ريف بالت راجع عن ك ل عمل مسل ح ضد القوى اإليبيرية وفرضت عليه التزي بزي الد يبلوماسي. وتأكيد ا على هذا المنحى فإن الس لطان المنصور أرسل أي ام ا قليلة بعد االنتصار سفراء إلعالم "سادة العال م" ووضعهم في صورة ما حدث والسيما ملك اسبانيا وملكة انگلترا وملك فرنسا والس لطان العثماني. في نفس الوقت تقب ل تهاني ممث لي هذه القوى لدى المغرب وذلك بمحل ته بظهر الز اوية قرب فاس. وفي الوقت الذي كان فيه الس لطان يظهر نوايا طيبة لإلسبان والبرتغاليين بتسليم جثة المل ك سيبستيان وتحرير العشرات من الن بالء من دون مقابل وتمكين التج ار اإلسبان من اإلقامة بالمغرب كان يتجنب بل يهم ش ممث لي الباب العالي. وعند عودته إلى مر اكش بعد فرضه الس لم في الجهات الشمالية للبالد باشر الس لطان الش ريف بناء قصر البديع الذي حرص أن يحتفي فيه رسمي ا بوصوله إلى الحكم ونصره وذلك باستقبال ممث لي القوى الر ئيسية في زمنه. يذهب بكل هذه الس ياسات وجعل البلد متأرجح ا أشهر ا طويلة. ولكن أمر ا طارئ ا كاد أن فقد ألم بموالي أحمد مرض خطير. كان يبدو كما لو أن البلد سيدخ ل في أتون حرب توريث جديدة حت ى أن القوى التي كانت ت عد سفراءها لتقديم الت هاني ومفاوضة الس لطان الجديد بدأت تفك ر في 4 غزو البالد. تعافي الس لطان خالل األشهر األولى من سنة حول مستقبل الس لطة الشريفة. الجديد بداية من شهر يونيو 8754 وضع حد ا للجدل وهكذا بات من الضروري التعاطي مع سي د البالد.8754 استقبل الس لطان سفراء ملوك البرتغال وفرنسا الفشتالي مناهل الصفا ص 4 مجهول المكاتبات السلطانية و 5.t Henri de Castries, SIHM, France,.II, p. -5 نفسه ص 44. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 6 ; Dario Cabanelas, «Cartas del sultán de Marruecos Ahmad al-mansur a Felipe II», al-andalus, nº, 958, pp Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. -, p. 6-, p et p ; Angleterre, t. I, p et p

328 وانگلترا والس ودان واسبانيا والس لطان العثماني الخ. وبقطع الن ظر وبعيدا عن التكل ف الديبلوماسي والسياسي الذي يصحب هكذا مراسم فإن م مث لي القوى المتنف ذة كانت تحرص أساس ا وقبل كل شيء على تقوية المكانة الس ياسية و/أو االقتصادية لدولهم في الس لطنة الشريفة. بعث الملك هنري حاكم البرتغال ] [ يساعده الكاتب لويس فرنانداس دوارت. والخواص الذين قدموا لدفع فدية األسرى المسيحيين. وفد ا برئاسة فرانشيسكو دا كوستا ورافق الوفد عدد كبير من رجال الد ين نزلت البعثة بثغر مازاگان أو البريجة التي أصبحت اآلن تسم ى الجديدة واست قب لت بكل الحفاوة والت شريف. دون كان الهدف األساسي للبعثة إقناع الس لطان الش ريف بتحرير ثمانين من الن بالء البرتغاليين ومن أبرزهم دوق براگنس وكونت فيميوزو ودون أنتونيو االبن غير الشرعي لألمير لويس ابن الملك عمانويل األو ل. كانت الس لطات البرتغالية تعلم أن موت ملكهم العجوز وشيك وأن مملكتهم مهد دة بالتدخل اإلسباني في شؤونها بسبب الفراغ المنتظر في أعلى هرم الس لطة لذلك كان حرصهم على أن ت ج ن ب مساعيهم لدى الس لطان البرتغال المصاعب وتضمن لم لكه م االستمرارية المطلوبة. وألن أحمد المنصور كان يخشى من رؤية فيليب الثاني سي د ا أوحدا على اإلمبراطوريتين اإليبيريتين فقد سه ل تحرير هؤالء الر جال بل أن ه أضاف بأن طمأن م مث لي الملك أن المغرب لن يبادر إلى أي عم ل عسكري ضد الثغور البرتغالية في ملح المستقبل المنظور. كانت البعثة الفرنسية وهي أكثر تواضع ا بقيادة گيوم بيرار قد ك ل فت من ق ب ل الملك هنري الثالث بمناقشة الس لطان في دخول التج ار الفرنسيين إلى الموانئ المغربية وطريقة تحرير األسرى الفرنسيين وفي اإلذن بتصدير خمسة وعشرين ألف قنطار من البارود وأربعين ألف قنطار من الن حاس. ك ل ف بيرار أيض ا بمناقشة قرض بمائة Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 4. الفشتالي مناهل الصفا ص 76 ; 4-6 p. Ibid., 5

329 وخمسين ألف أوقية. الفرنسية. لكن نا ال نملك مع األسف أية معلومة بشأن نتائج السفارة من ناحيتها أرسلت ملكة انگلترا إليزابيت األولى وف د ا مكو ن ا أساس ا من تج ار وبح ارة للحصول على امتيازات تجارية جديدة وطمأنة الس لطان أن انگلترا ستبقى المزو د الر ئيسي لألسلحة المتطو رة واقتراح حلف سياسي وعسكري يمنع حلف ا محتمال للس لطة مع اسبانيا قد يضر بمصالح االنگليز بالمغرب. المقترحات االنگليزية لم تكن ل تغضب الس لطان المغربي فاألمر يتعل ق هنا بمكسب جوهري لديبلوماسية المنصور إذ أصبح بمقدوره متى حانت الس اعة اإلفالت من الهيمنة اإلسبانية. والجلي أن السفارتين اإلسبانية والعثمانية كانتا على كاف ة المستويات األهم واألبعد تأثير ا. هذا يفس ر بأن القو تين المتوس طتين العظيمتين في القرن الس ادس عشر لم تدخرا جهدا إلبهار حاكم المغرب الجديد على أمل الحصول على أكبر عدد م مكن من التنازالت السياسية واالقتصادية. دي كوردوبا مث ل اسبانيا والي ثغر منطقة مليلة بيدرو فانيگاس مصحوب ا بمساعده القس دييگو مارين الممث ل غير الرسمي إلسبانيا لدى المغرب منذ سنوات عديدة. نزل الوفد اإلسباني بتاريخ 88 يوليو 8454 بمرسى اسفي واست قب ل هناك بحفاوة كبيرة وبهرج عظيم كما في مر اكش وكن ا قد وصفنا ذلك في الجزء المخص ص للمراسم. واستقبل الس لطان سفير فيليب الثاني يوم خالل هذا الل قاء الر سمي األو ل بادر بإظهار الود تجاه اسبانيا. يوليو. فعندما مد بيدرو فانيگاس رسائل ملكه إلى موالي أحمد احتفظ بها هذا األخير ولم ي س ل مها إلى أحد من معاونيه كما فعل بالنسبة للعثمانيين والبرتغاليين والفرنسيين. وإذا كان الم علن من السفارة اإلسبانية هو افتكاك األسرى فإن ها مث لت فرصة جيدة للبلدين للت فاوض في أم ر Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. -5. Ibid., p. 49 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 6 ; Dario Cabanelas, «Cartas del sultán de Marruecos Ahmad al-mansur a Felipe II», al-andalus, nº, 958, pp Sur ce personnage voir Darío Cabanelas, «Diego Marin, agente de Felipe II en Marruecos», Miscelanea de estudios arabes y hebraicos, nº, 97, p

330 ح لف سياسي عسكري وتسليم العرائش لقوات فيليب الثاني و التباحث حول قطع المغرب عالقاته مع الباب العالي الذي تمث ل طموحاته التوس عية خطر ا على البلدين. وطبق ا لتعاليم األخو ة الدينية اعتبر الس لطان الشريف المنصور نصر وادي أحمد المخازن نصر ا لإلسالم ومباشرة بعد المعركة بعث بالبشرى إلى كل البلدان اإلسالمية وخصوص ا إلى الس لطان العثماني ووالي الجزائر. وكان الهدف من هذه الر سائل الر فع من قدر الس لطان وتأكيد قو ة وعظمة العساكر الشريفة المتأه بة لحماية استقالل الس لطنة. ورغم أن إسطنبول استقبلت الخبر بإيجابية فإن مراد الثالث اعتبر أن الن صر عثماني وال ي نس ب في شيء للس لطنة الشريفة مارس 0 رسالة بتاريخ موج هة إلى موالي الجهاد والت عاون مع الوالي حسن فينيزيانو. وقد أك د الخان على هذه الن قطة في أحمد يوصيه فيها باالستمرار في وهكذا فإن الت سلس ل الهرمي على األقل كما يفهمه مراد الث الث كان واض ح ا. فهو خليفة المسلمين وإمامهم أما الس لطان الش ريف 4 فليس إال خاد م ا ضمن خ د ام ك ث ر. وصلت السفارة إلى مر اكش في شتنبر العثمانية التي كان يقود ها مفتي الجزائر أبو الط يب الخضر البسكري وكان هدفها المعلن تهنئة الس لطان وتقديم مجموعة من الهدايا كانت عبارة عن خلعة سنية وعمامة وسيف وأسلحة كثيرة مرص عة بالذ هب وخاتم من أختام الس لطان العثماني. رمزية هذه الهدايا واضحة جل ي ة. فمراد الث الث يعتبر سلطان المغرب واح د ا من تابعيه يدين ل ه بالوالء تمام ا كما كان الخلفاء العب اسيون مع و التهم. في المقابل فإن الس لطان الذي لم تكن هذه الر مزية لتخفى عليه حاول تأويل ما قام به الخان لصال حه منطل ق ا من ق ص ة سليمان وملكة سبأ الواردة في 6 القرآن وكتب السير. هذه المقارنة مألت صدر الر سول العثماني غيض ا فر د على الفشتالي مناهل الصفا ص Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. -60 et Angleterre, t. I, p ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 8 et p. p Ibid., p. 48. DM, 6-6, f كان مراد الثالث يعتبر المنصور حاكما عثمانيا على ما كانت تسميه الوثائق العثمانية بوالية فاس. 5 الفشتالي مناهل الصفا ص حول هذه النقطة أنظر ما أورده ابن كثير من روايات تقليدية. ابن كثير قصص االنبياء ص

331 سلطان المغرب بهذه الكلمات: "إن قدرة سلطاننا وعظمته وفضله على الملوك يعلمه كل أحد وإنما بعث لك هذا محبة واستئناسا بك لكونك شريفا ومجاهدا بخالف إسبانية فإنهم ما جاءوا بهذا المال إال رعبا منك وأما سلطاننا فال يخاف من أحد بل واهلل كل الناس يخافون منه". مث لت هذه السفارة بداية القطيعة بين السلطنة الشريفة والدولة العثمانية. والت قاء الخطر الت ركي حرص أحمد المنصور على الت قر ب سياسي ا من اسبانيا فيليب الثاني مع مالزمة الحيطة. الت قارب مع اسبانيا... شهدت سنوات "تحو ال كبيرا في الس ياسة المتوس طية". انشغل اإلسبان طوال هذه المرحلة بالش ؤون البرتغالية والهوالندية واألطلسية كما انشغل العثمانيون بمشاكل فارس والبلقان والمحيط الهندي م م ا اضط ر هما للبحث عن هدنة قد ت طول أو تقصر تم ك نهم من االبتعاد عن مشاك ل البحر المتوس ط والتفر غ لقضاياهما األخرى. وهكذا باشر الط رفان مفاوضات طويلة وشاق ة. كانت الوضعية القانونية للسلطنة الشريفة من بين المسائل الخالفية بين القو تين. فبينما كان ح رص العثمانيين قوي ا من خالل موقف م م ث لهم الباشا عل وج علي أن يكون المغر ب ج زءا من الت فاهمات بوصف ه أرض ا عثمانية كان موق ف م م ث ل اسبانيا الس فير جيوفاني مرگلياني أن المغرب دولة مستق ل ة. بين المتنافسين على أرض الس لطنة الش ريفية. وهكذا ف إن "حرب ا بارد ة" حقيقية نشبت حر ص الس لطان ومعاونوه وكانوا على ع لم بتفاصيل المفاوضات على المناورة بما أمكن للحفاظ على استقالل البلد في ظروف صعبة من خالل توظيف الص راع بين القو تين وبالت أكيد على الموقع الجغراسياسي للمغرب بوصفه دولة فاصلة. وبالن ظر إلى أن الخط ر العثماني كان ج د ي ا وداهم ا ومؤرق ا أكثر من غيره من األخطار بالن سبة الجنابي البحر الزخ ار ص 7. Fernand Braudel, La Méditerranée, t. III, p. 0. Ibid., p. ; Eugène Charrière, Négociations de la France dans le Levant, t. III, p

332 للكيان الش ريفي فإن المنصور اختار الت قرب من اسبانيا خالل الس نوات األربعة األولى من حكمه. 876 يجب أن ن ضيف إلى هذا م عط ى هام ا هو استقبال م ل ك اسبانيا منذ سنة اثنين من المتطلعين وكانت خشية الس لطان من هذين المناف س ين كبيرة. وهكذا فإن التفاهم والت عاون الديبلوماسي والت بادل الت جاري المكث ف كانت هي العناوين التي طبعت هذه المرحلة األولى من العالقات المغربية حرص الس لطان موالي وأصحاب أحمد الس فن امتيازات تجارية كبيرة اإلسبانية وتأكيد ا على هذا فقد أشهر ا قليلة بعد تنصيبه على منح بعض التج ار كما حرص طيلة هذه الفترة على مراسلة فيليب الثاني بشكل منتظم وعلى استقبال وفوده في ج و من البذخ وذلك على حساب وفود أخرى. والت قاء الخطر العثماني تفاوض المغرب واسبانيا على اتفاقية تحال ف في الفترة ما بين يوليو 8754 ومارس 878 وذلك على قاعدة مقترحات الس فير بيدرو فانيگاس. وقد قاد هذا األخير المفاوضات بمساعدة دييگو المفاوضات عن الجانب المغربي ممثلو السلطان مارين باسم ملك اسبانيا بينما قاد الش ريف إبراهيم الس فياني وعز وز الوزگيتي ورضوان العلج. ودارت هذه المفاوضات باألساس في مر اكش وفاس. وإلى جانب الر فض الن هائي لكل أشكال الخضوع للعثمانيين كان على الس لطان المغربي تطهير جيشه من كل العناصر المشكوك في والئها. كما كان على الس لطان تسليم اإلسبان مدينة العرائش الميناء األبرز في شمال البالد. وفي المقابل فإن اسبانيا تعه دت بحماية الس لطنة عسكري ا من كل هجوم عثماني. وإذا كان باإلمكان تفه م المطلبين اإلسبانيين األو لين واعتبارهما شرعيين فإن الثالث القاضي بتسليم مدينة العرائش يبدو للوهلة األولى اعتباطيا بل خال من الل ياقة. لماذا الط لب من سلطان المغرب الت فريط في جزء من أراضيه ولماذا العرائش وليس ميناء ا Dario Cabanelas, «Cartas del Sultan de Marruecos Ahmad al-mansûr a Felipe II», al- Andalus, nº, 958, p. 9 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 8. الفشتالي مناهل الصفا ص Alonso de Castello, Lettres marocaines, BNE, manuscrit nº Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 8. 9

333 آخر كان هدف اإلسبان وهم يفرضون عليه التخلي عن جزء من بالده الحط من قيمته وخدش شرعيته وجعله في دائم الحاجة إلى سندهم السياسي والعسكري. إذ بتفريطه في جزء من دار اإلسالم للكف ار حت ى وإن تعل ق األمر بجزء صغير ف إن الس لطان يفقد في نفس الوقت الس ند الش عبي وسند العلماء والص لحاء الذين يصير بإمكانهم دعم منافسيه على الحكم والد عوة للث ورة وإصدار فتاوى ت خو ن ه وتخرجه من المل ة كما وقع في عديد البلدان اإلسالمية. وهكذا فإن الس لطان ولضمان البقاء في الس لطة يصبح محتاج ا إلى اإلسبانيين أكثر فأكثر ومضط ر ا لتقديم الت نازل تلو الت نازل لضمان دعمهم. لم يكن كذلك اختيار مدينة العرائش صدفة. فالميناء في مصب نهر لوكوس م م ا يجع ل الن فاذ إليه سهال في كل فص ل كما بإمكانه ايواء الكثير من الس فن. وعلى العكس فإن مينائي الر باط وتطوان األكثر شهرة في ذلك العصر كانا محدودي طاقة االستيعاب وكان بلوغهما أمر ا عسير ا. كان ميناء العرائش ي عتبر من أهم معاقل القراصنة المسلمين منذ القرن الخامس عشر. وكان هؤالء يمث لون خطر ا على الس واحل اإليبيرية وجزر األصور وجزر الخالدات. كما يمث ل هؤالء القراصنة خطر ا على الط ريق البحري الذي يربط شبه الجزيرة باألمريكيتين والهند والموانئ اإلفريقية. البرتغاليون الس يطرة على العرائش منذ سنة 844 أكثر من مر ة. وقد حاول وقد أعطى ظهور العثمانيين في الحوض الغربي من المتوس ط وفي األطلسي بداية القرن الس ادس عشر ميناء العرائش أهم ية أكبر. أمامية للتوغل في أوروبا وولوج العالم الجديد منذ سنة فقد حاول هؤالء جعل مينائها قاعدة. 878 ولعلمهم بنوايا الباب العالي حاول اإليبيريون استباق بتنظيم مجموعة من الحمالت لالستيالء على المدينة دون جدوى. وبعد معركة وادي المخازن فك ر قادة عسكريون أوروبيون ك ث ر وبجد ية في غزوها لقطع الط ريق على العثمانيين أو التعر ض لمصالح 4 كما أراد اإلسبانيين. الناصري االستقصا ج 4 ص 886. Henry de Castries, SIHM, Espagne, t. I, p. -. اإلفراني نزهة الحادي ص Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. -, p. 6-, p et p ; Angleterre, t. I, p et p

334 فيليب الثاني الذي كان يعتبر أن "العرائش تساوي كل إفريقيا" أن يستغل الوضع السياسي في المغرب ليحص ل بالديبلوماسية ما لم يحصل عليه أسالفه بالس الح. أحمد ولم يكن المنصور جاه ال بمناورات اضطرته للقبول بمطالب الملك الكاثوليكي. اإلسبان وأهدافهم البعيدة ولكن الظ روف وما أن تحس ن الوضع المغربي بفرض الس لم بين قبائل الش مال و سوس والن صر على األمير موالي داوود وبدء المفوضات المباشرة مع العثمانيين حت ى بدأ الس لطان بالمماطلة إلى ما ال نهاية للحيلولة دون سقوط المدينة بين يدي اإلسبانية للمنصور. العالي طيلة سنوات اإلسبان إلى غدت هذه المماطلة واح دة من الث وابت في الس ياسة فقد استغل الس لطان الش ريف مراسالته ومفاوضاته مع الباب إلى الجانب لي دخ ل الشك المغرب إلى إرسال ما ي ر د عليه بانتظام إلى فيليب الثاني. إلى الس لطان مقترحات من مراد الثالث بإقامة عمد عاهل اإلسباني. وتحوي رسائل العثمانيين "ح ل ف م ق د س" ضد اسبانيا. بل ذهب الس لطان حد اإلسرار إلى دييگو مارين أن الخان يريد أيض ا ميناء العرائش لي حارب "أخاه" ملك اسبانيا. وليزيد من الض غط على "أخيه" فيليب صر ح أن ه لم يع د يدري مع من من الملكين سيقطع. عندما أعل م فيليب الثاني "بتر د د " الس لطان الش ريف أعاد الت أكيد على أن ه م ست عد لحماية المغرب مع القبول بتأجيل تسليم العرائش. لقد كان م لك اسبانيا ح ذ ر ا وهو المتور ط في شؤون البرتغال وهوالندا ومفاوضات الهدنة مع الباب العالي ويريد تجن ب جبهة أخرى سرعان ما تتحو ل إلى مستنقع. لذلك رضخ لمناورات موالي أحمد وقبل بدعمه سياسي ا وعسكري ا من دون مقاب ل واقعي سوى حياد عطوف تجاه اسبانيا. انتصارات الس لطان الش ريف الدبلوماسية. خالل األشهر األولى من سنة 878 كانت تلك أو ل أمضى المغرب واسبانيا ات فاق سالم وصداقة. وبمناسبة إمضاء االتفاق ظفر الس لطان بنصره الدبلوماسي والر مزي الثاني وكان هذه المرة على الدولة العثمانية. فمنذ تول ي عبد الملك الحكم سنة كان الس لطان 8750 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p ال يزال جزء كبير من هذه الرسائل محفوظا في أرشيفات مدريد وسيمانكاس.

335 الشريف يحرص على أن ت حم ل الطوغ أمامه كعربون والء وإقرار بالت بعية للعثمانيين. كان هذا الت قليد يزعج المنصور الذي ما عادت خافية على أحد رغبته في أن يصير بدوره خليفة. وعندما تأكد نهائيا من دعم اإلسبان له أوعز إلى الس فير بيدرو فانيگاس بوساطة دييگو مارين أن يرفض علن ا إمضاء ات فاق الس الم ما دام حاكم المغرب يواصل بحضرته إبراز ما يرم ز للس يادة العثمانية. وهكذا كان. لم يبق للس لطان وهو المضطر في الظ اهر إال أن ي خر ج هذه القطيعة إلى العلن ليثير اإلعجاب ويطبع عقول رجال الد ين والعسكريين والمدنيين المغاربة الحاضرين بمحل ت ه. وقد استغل االحتفال الر سمي أحد رجاله لي س ق ط الطوغ العثماني المنتصب وسط المعسكر الس لطاني وإبداله بالل واء المنصور رمز س يادة خالفة الغرب اإلسالمي منذ القرن الثاني أصبحت الس لطنة الشريفة كيان ا م ستق ال. هكذا عشر. يشج ع على الدولة مع القطيعة العثمانية في نفس الوقت الذي كان فيه الس لطان الشريف يسعى لضمان دعم اسبانيا لم يتوانى عن محاولة احتواء الخطر العثماني بكل الوسائل. فالعالقات بين القو تين اإلسالميتين كانت من ضمن أكثر العالقات صخب ا طوال القرن السادس عشر كما رأينا ذلك في المقد مة. فخوف ا من أن يعمد العثمانيون إلى ابتالعهم اقتبست العائلة الش ريفية عقيدة الخالفة وكو نت جيش ا عصري ا وقادت سياسة خارجية ن شيطة. حاول العثمانيون مرار ا التدخل في الشؤون المغربية. ولكن بفضل دهاء ملوكها ومستشاريهم إضافة إلى سياقات دولية مواتية جدا استطاع المغرب الحفاظ على استقالليته. غير أن الس لطان عبد الملك المعتصم الذي يدين بالسلطة إلى الدعم العثماني اعترف في حركة غير مسبوقة بسيادة الباب العالي. وقد مث ل سلوك الس لطان الشريف تهديدا الستقالل المغرب على المدى الم توس ط. بعد معركة وادي المخازن كانت االت صاالت األولى بين الس لطان الجديد والس لطات العثمانية سيئة ج د ا. ففي الر سالة األولى التي بعث بها مراد الثالث إلى أحمد المنصور Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p

336 اعتبر هذا األخير حاك م ا القو ات البرتغالية يوم 4 وفد ا إلى مر اكش في شتنبر "عديم القيمة" غشت رمزية بتقديم هدايا ال تليق إال ب"خادم" الموانئ المغربية وخصوص ا ميناء العرائش. لمقاطعة لم يكن لها أي دور في الن صر على لم يكتف مراد الثالث بهذه "اإلهانة" فأرس ل لم يكن يقصد به فقط إهانة سلطان المغرب إهانة ولكن أيض ا المطالبة بالتنازل عن بعض وبسبب حنقه فإن الس لطان خص الوفد العثماني باستقبال بار د. ورغم ذلك فقد حاول أشهر ا بعد ذلك التقر ب من الباب العالي بإرسال وف د إلى إسطنبول. موقفه. ويبدو أن المسعى المغربي فشل وبقي كل طرف على كان للخشية من تدخ ل عثماني في شؤون المغرب مبر راتها الفعلية. فالعثمانيون كانوا يتمن ون حق ا إسقاط المنصور. وإلى جانب الر غبة في تولية األمير موالي اسماعيل بن عبد الملك على المغرب وقد تزو جت أم ه باشا الجزائر بتحضير انقالب سنة فإنهم كانوا يدعمون بشكل مكشوف تمر د األمير موالي داوود في السنة الموالية. ومن المحتمل ج د ا أو يكون هذا العداء هو الذي دفع الس لطان الش ريف للمضي ق د م ا في مسار عالقاته باسبانيا. وقد اضط ر الباب العالي بفعل تور ط القو ات العثمانية في حرب طويلة ببالد فارس وفقدان الحكم الستقراره بعد اغتيال الصدر محم د باشا سوق ل و إلى الت هدئة مع المغرب لمنع فتح جبهة أخرى. 876 األندلس. دعا مراد الثالث الس لطان الشريف إلى إقامة كما اقترح واستعادة شبه الجزيرة ففي رسالة مؤر خة في شهر يوليو-غشت "حلف مقد س" عليه ثالثمائة سفينة واآلالف من مقاتلي النخبة لمحاربة استباق ا للخطر الذي يمكن أن ينتج عن توحيد بهدف إعادة فتح اإلسبان إيبيريا تحت 5 سلطة فيليب الثاني. وبغاية ترسيخ هذا الحلف اقترح عليه أن يزو جه إحدى بناته لكي Abderrahmane El Moudden, «Qui a dirigé la bataille de Wad-Al-Makhazin? Présentation d un document ottomano-sa di», Hespéris-Tamuda, vol. 9, fasc., 99, p Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p. 56. DM, 40-4, f. 6 et 40-4, f رسالة من رمضان باشا إلى األمير داوود مؤرخة في ماي 8754 أرشيفات سيمانكاس مخطوط رقم Dario Cabanelas, «Proyecto de alianza entre los sultanes de Marruecos y Turquía contra Felipe II», Miscelanea de estudios arabes y hebraicos, nº 6, 957, p et p

337 "تصبح المملكتان كروحين في جسد واحد ". وكان قبول الس لطان هذا المقترح ال يعني فقط إقراره بتبعي ته السطنبول وإن ما أيض ا مقامرة بالد خول في حرب كانت ستمك ن األتراك بشك ل أو بآخر من التدخ ل في الشؤون المغربية مهما كانت النتائج. أم ا إذا ر ف ض المقترح فإن الس لطان قد ي صبح بفعل الد عاية العثمانية خائن ا ألن ه اختار الحلف مع الكف ار على الجهاد. ورغم أن نا ال نملك أي ة معلومة عن الرد الزيداني على هذه المقترحات فإن ه بإمكاننا القول ان الس لطان رفض هذا الحلف بعدما تأك د من دعم الس لطات اإلسبانية التي وضعها في الص ورة بأن بعث بجملة مجمل الوثائق إلى مدريد. بلغت األزمة العثمانية المغربية ذروتها في بداية على أبواب الحرب..878 كانت القو تان اإلسالميتان وتحت تأثير م عسكر أنصار الحرب الذي يقوده علوج علي أمر الس لطان مراد الث الث هذا األخير بقيادة أسطول من ست ين سفينة وثمانية آالف رجل لفرض الهدوء بالجزائر و"اإلضرار بحاكم فاس". الجزائر في يونيو ع ل م بتحر كات العثمانيين. وصل عل وج علي إلى مدينة. 878 فيما تمركز الس لطان الش ريف بفاس محاط ا بكل جيشه وقد ق س م الكتائب على ك ل البالد وحص ن كل الثغور والموانئ 4 خصوص ا ميناء العرائش الذي س ل م ق يادته ألقر ب م عاونيه إبراهيم الس فياني. الت حضيرات العسكرية تزامنت مع هجمة دبلوماسية مغربية. رغم اطمئنانه لدعم اإلسبان هذ ه حاو ل الس لطان الش ريف أن يف ك األزمة مع الباب العالي 5 ب أن أرس ل عد د ا من الوفود إلى إسطنبول أبرزها وف د بقيادة عبد الواحد عن ون وأحمد 6 اله و ز الي. حاول باشوات الجزائر كل ما في وسعهم لتعطيل مهم ة الوفود ومنع إبرام سالم بين الط رفين ألسباب تتع ل ق بالحرب والقرصنة والمصالح االقتصادية. بل وصل 4 رسالة جيوفاني مارگلياني Margliani[ ]Giovani وانظر كذلك الفشتالي مناهل الصفا ص 08 6 الفشتالي مناهل الصفا ص 0. Ibid., p إلى القائد األعلى في أبريل 878 أوردها Fernand Braudel, La Méditerranée, t. III, p. 4. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 6..Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p Ibid., p. 6 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p

338 الحد بعلي باشا إلى اعتراض سبيل المركب المق ل ل ر س ل الس لطان الش ريف في يوليو.878 لذلك أرس ل هذا االخير على عج ل قضاة الجماعة في مر اكش أبا القاسم الش اطبي إلى الجزائر لحل اإلشكال وحم له ر سالة ي حاو ل فيها الس لطان الت هدئة وإقناع الباشا بترك الوفد المغربي ي كم ل ر ح ل ته باتجاه إسطنبول. واإلسبان وتحت ضغوط المغاربة والعثمانيين أطلق علوج علي سراح السفراء المغاربة ولكن ه لم يسم ح إال لواح د منهم وكان األصغ ر سن ا واألقل خبرة بأن ي كم ل طريق ه إلى الباب العالي. لكن الش اب انجز مهم ته على أحسن وجه واستطاع التوص ل إلى هدنة بين القو تين اإلسالميتين. وإلى جانب اقتدار وبراعة الس فير المغربي أحمد اله و زالي ف إن الس يا ق الد ولي سه ل بشكل حاسم إنهاء حالة التأز م بين الس لطنة الشريفة والدولة العثمانية. فقبل وصول الس فير المغربي كان العثمانيون عمل ي ا باستقالل اإلسبان المغرب واستثنائه من االت فاق. والعثمانيون قد أمضوا هدنة أقر بموجبها وكانت الس ل طات العثمانية بالجزائر تواجه وباء رهيبا إلى جانب حال ة من عد م االستقرار الس ياسي سب ب ها تم ر د العساكر إذ لم يعد الحال إلى طبيعته تدريج ي ا إال بداية. 87 كما أن الثورة التي نشبت في بالد الحرمين المنطقة األكثر قداسة في دار االسالم اثارت اهتمام السلطان العثماني الذي كان أبرز ألقابه وأكثرها تشريف ا خادم الحرمين. كان ال بد من إعادة الهدوء بسرعة إلى هذه المنطقة الرمزية التي يؤمها االف المسلمين كل عام حتى ال تتزعزع شرعيته ومكانته. أوكلت المهمة إلى عل وج علي ألذ خصوم المغرب. وهكذا ف إن رمز الحرب الش املة في الحوض الغربي للمتوس ط غاد ر الر كح المغاربي بأسطوله ورجاله ولن يعود إليه أبدا. وفي الختام ال يجب أن نستهين بدور م عسكر الس لم العثماني في إعادة العالقات الط يبة بين دار المخزن والباب العالي. فبحسب المعلومات الشحيحة المتوفرة فإن سيگاال باشا 4 وهو واح د من م ق ر بي م راد الثا لث وثقاته دعم بشك ل مصيري الجهود المغربية. مجهول المكاتبات السلطانية و Fernand Braudel, La Méditerranee, t. III, p Diego de Haëdo, Histoire des rois d Alger, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p

339 الفاتح من غشت وفي 878 أمر الس لطان مراد الث الث سلطات طرابلس والجزائر بمعاملة سفير المغرب باحترام وتقدير وإعادة الس فينة التي صادرها علي باشا قبل ذلك بأشه ر. رسمي ا باستقالل 878 ويوليو تحس نت العالقة بشكل جلي بين الد ولتين ولكن الس لطان العثماني لم يعترف المغرب. حصلت مقابالت وكان هناك تباد ل للس فارات بين دجنبر. 87 ففي رسالة مؤر خة بشهر غشت 87 أ علم مراد الثالث أحمد المنصور بأن ه يقبل أن يكون الس لطان الش ريف يحصل االعتراف اال بعد سنة من ذلك وبيد عل وج علي خصم تول يه الحكم. أحمد وقو ي ا. ففي الر سالتين المؤر ختين في غشت ال بوصفه وال ي ا على "تحت حماية دولتنا الكريمة". 87 ولم الس لطان الش ريف منذ أصبح الباشا يعام ل موالي مقاطعة كما تعو د أن يفعل وإن ما بوصف ه سلطان ا م ست ق ال للمر ة األولى تعمد اإلدارة العثمانية إلى استعمال كلمات إمام وس لطان وخليفة لإلشارة إلى عاهل المغرب. وإذا كان الخطاب األول يشير إلى التزام علي باشا رسمي ا أمام أهم وجهاء الجزائر من عسكريين ورجال دين بأن ال يتدخ ل في الش ؤون المغربية فإن ه في الوثيقة الثانية يقتر ح على المنصور تحال ف ا مضاد ا لإلسبان هدف ه تحرير منطقة وهران. وهكذا فإن الس لطان الش ريف لم ينجح فقط في إبعاد الخطر العثماني بشكل نهائي بل نجح أيض ا في استغالل مقترحات اإلسبانية. وهي الن وايا التي كانت أيض ا تقلق مملكة انگلترا. العثمانيين الس لمية والت حال فية للت صد ي لنوايا الهيمنة... انگلترا ويقلق إذا كانت العالقات االقتصادية والت جارية بين المغرب وانگلترا قائمة منذ القرن الثاني عشر فإن ها لم تتحو ل إلى عالقة رسمية إال في الن صف الثاني من القرن الس اس عشر. كان الس لطان الش ريف عبد اهلل الغالب يرغب في اإلفالت من الهيمنة االقتصادية والس ياسية اإلسبانية والعثمانية فوجد في انگلترا وملكتها إليزابيت األولى التي كانت عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص 5-0 الفشتالي مناهل الصفا ص 00. DM, 48-86, f.. Alonso de Castello, Lettres marocaines, BNE, manuscrit nº 57. 6

340 تبحث عن أسواق لم صن عاتها الشريك االقتصادي الموثوق به. وهكذا أصبحت انگلترا بالنسبة للمغرب المزو د األو ل باألسلحة والذ خائر والمواد المصن عة وخصوصا النسيج. فيما كانت تستورد المواد االولية مثل الر صاص والجلد وقصب السك ر إلى غير ذلك. وبمرور السنوات تحس نت العالقات لتبلغ ذروتها على عهد الس لطان عبد الملك. بدأت سياسة التوافق مع اسبانيا التي انتهجها السلطان الشريف أحمد المنصور الحتواء الخطر العثماني تقلق التج ار االنگليز الذين كانوا يخشون من ذهاب امتيازاتهم. ورغم الخطابات المطمئنة للسلطان الجديد باتجاه السفارة االنگليزية التي قدمت فاس للتهنئة بالنصر فإن التج ار المنشغلين بالتنازالت الممنوحة لبعض التجار االيبيرين طلبوا من لندن التدخ ل للحفاظ على امتيازاتهم. بخصوص وضعية التج ار االنگليز بالمغرب اكتفى العاهالن في البداية بتبادل الرسائل ولكن الملكة إليزابيت قررت إرسال سفير إلى المغرب سنة 876 لتوضيح المسألة. طلب المبعوث من الس لطان الشريف وكان محم ال بعدد كبير من الهدايا المكو نة أساسا من أسلحة نارية وذخائر شرح موقفه من التج ار االنگليز. أوضح هذا األخير أن االمتيازات لن ت مس بسوء مادام هو سلطان المغرب بل إنه على العكس يفك ر في زيادتها وتحسين العالقات االقتصادية والسياسي ة مع بالده. اذ سيمك ن ذلك التعاون السلطان من الحصول على أسلحة نارية متطورة لدعم جيشه ما يمك نه من االبتعاد أكثر عن التأثير 4 اإلسباني والعثماني. دفع جواب السلطان المشجع الملكة إليزابيت إلى ارسال سفير اخر هو جون سيمكوت ]John Symcotts[ 5 إلى المغرب بداية سنة 878. كانت مهم ته أن يقنع السلطان باالبتعاد عن التحالف مع اسبانيا في مقابل وعد من الملكة بتوفير كل ما يحتاجه العاهل الشريفي من سالح متطو ر. كان هذا األخير على وعي بأن التحالف مع انگلترا Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p et p John Nichols, The Progress and Public Processions of Queen Elisabeth, t. II, p. 88. Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p. 5. الفشتالي مناهل الصفا ص 84. فيما يخص نشاط هذا التاجر االنگليزي بالمغرب انظر Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p et

341 ضروري إلبعاد الخطر اإلسباني على المدى المتوس ط فلم يكتف بالموافقة على اقتراح "سلطانة االنگليز" بل أرسل بعثة كاملة لمناقشة تفاصيل هذا الت حالف المحتمل. ومع نهاية 87 تمك ن المغرب من ضمان استقالله بشكل تام عن الع ثمانيين واإلسبان بفضل البراعة واالقتدار الدبلوماسيين للس لطان الش ريف أحمد المنصور ومعاونيه. اعتمد المغرب خالل الس نوات الس بعة الت الية استراتيجي ة دبلوماسية مرنة مك نته إضاف ة إلى اإلبقاء على توسعية حقيقية. استقالله من أن يصبح العب ا أساسيا يؤخذ بعين االعتبار بل قو ة Ibid., p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 4. 8

342 الثاني: الفصل استعادة إلى العرائش تسليم من أصيلة...بروز استراتيجية الت كيف بدايات الطموحات الص حراوية مك ن ابتعاد الخطر العثماني وتدعيم أواصر حكمه. أحمد المنصور من االهتمام بشؤون الس لطنة الد اخلية فعند إقامته كالمعتاد برأس الماء من نواحي فاس أرسل المنصور سنة 87 حمالت عسكرية عديدة لفرض الس لم نهائي ا في المناطق الجبلي ة وبادر إلى تسمية رجاالته الث قات على رأس أهم جهات البالد. وعندما اطمأن إلى وضعه داخل البالد فك ر الس لطان مواصلة الس ياسة الثالثية األبعاد التي أرساها وال ده لتمكين المغرب من عمق استراتيجي يسم ح له من ناحية باإلفالت من وضعية الد ولة العازلة بين القو تين العظمتين في المتوس ط ومن ناحية أخرى تدعيم طموحاته إلى الخالفة. وجب الت ذكير أن الس لطان محم د الشيخ المهدي اجته د ليمك ن المغرب من هذا العمق منذ ق دوم ه إلى الس لطة. عرفتها القرون الوسطى. والبحث عن آفاق أخرى. كان األمل أن يعاد بناء خالفة الغرب اإلسالمي التي ولكن القو ة العثمانية أجبرته على التخل ي عن هذه األحالم وعندها تحديد ا بدأ اهتمام محمد الشيخ بالشؤون الص حراوية. فخالل آخر سنوات حكم ه قر ر الس لطان الش ريف وكان م درك ا لما تمنح ه األسلحة الن ارية من تف و ق غزو الواحات الص حراوية والس ودان الغربي. ولتحقيق ذلك نظ م حمالت عديدة ضد األراضي الص حراوية وخصوص ا شنقيط وأرس ل بعثات عديدة إلى قادة القبائل الص حراوية طلب ا لبيعتهم. ولكن اغتيال محم د الشيخ سنة 8775 عل ق هذا التوج ه لمد ة ربع قرن وهكذا أفلتت واحات تو ات وتيگورارين من وصاية الس لطنة الش ريفة وهيمنتها. حول السياسة الصحراوية للملوك الزيدانيين األ وائل انظر Louis Mougin, «Les premiers Sultans Sa adides et le Sahara», Revue de l Occident musulman et de la Méditerranée, nº 9, 975, p

343 ولعل محاولة العثمانيين االستحواذ على واحات تو ات وتيگورارين سنتي و والتي يعتبر ها المخزن جزء ا من األراضي المغربية منذ بزوغ األسرة الش ريفية جعلت المغاربة يفك رون فيها أكثر ويتحم سون للعودة إلى هذه المناطق. كان السلطان يرى الس لطنة محاصرة من كل جانب ويوش ك أن يبتلعها الجاران القوي ان وهو ما فرض عليه تبن ي استراتيجية صحراوية كان أبوه قد وضع تصو ر ا لها سنة 876. اهتم الس لطان بداية وبشكل مقصود بواحتي تو ات وتيگورارين. ويبدو أن أسباب ا ثالثة حد دت هذا االختيار. األو ل أن السيطرة على هاتين المنطقتين تقط ع على العثمانيين طريق الص حراء وتحمي الجانب الجنوبي والجنوب شرقي للس لطنة الش ريفة. الث اني أن هذا الغزو يمك ن الس لطان من مراقبة طريق القوافل الت جارية التي تربط المزاب والجزائر وتلمسان بالص حراء. الثالث أن الس يطرة على هذه األقاليم سيمث ل انتصارا رمزي ا على العثمانيين وسيؤو ل على أن ه دليل مباركة إلهية للمساعي المنصورية. ات خ ذ قرار غزو تو ات وتيگورارين حسب القرائن الم توف رة سنة اإلسباني. الد عم ففي شهر دجنبر من نفس السن ة أي بعد ضمان 87 بعد أشه ر قليلة من رحيل عل وج علي استقبل الس لطان بمحل ته في رأس الماء قرب فاس والي سجلماسة عمر بن محم د بن عب و الخبير بالشؤون الص حراوية والذي ع ه د إليه بمهم ة غزو الواحتين. ولكن هذا األخير لم يقدر على إنجاز المهم ة ألسباب غامضة ال تفصح عنه المصادر. أظهر الس لطان قسو ة ناد رة إذ جر د الوالي من جميع وظائفه وحبس ه بمرا كش وصادر ممتلكات ه. وبعد أشهر نظ م حملة جديدة عهد بها إلى اثنين من أكثر رجال ه وفاء ا هما العلج محم د بن بركة والبدوي عساكر فاس إلى األو ل أحمد بن الحد اد العمري المعقلي. وقيادة عساكر مر اكش إلى الث اني. وقد عهدت قيادة والتقت المجموعتان قرب سجلماسة إلتمام الت حضيرات والتزو د بالمياه واألطعمة قبل اجتياز مسافة أربعمائة Henry de Castries, SIHM, Portugal, t. II, p ; A. G. P. Martin, Quatre siècles d histoire marocaine au Sahara de 504 à 90, p. 5 Anonyme, Description du Maroc, p. 6. الفشتالي مناهل الصفا ص

344 وخمسين كيلومتر ا وسط الص حراء. ال نملك إال شهادة واح دة تخ ص تجهيزات الحملة. فحسب العلج سيمون منداس ]Simon Mendès[ الذي شارك في الواحات كانت القو ات المغربية مكو نة من ثالثة آالف فارس. غزو هات ه عملية ويضيف أن أكثر من خمسة آالف جم ل ومئات الخيل المحم لة كانت تراف ق الحركة التي دامت قرابة الس نة. هذه األرقام تبدو واقعية خصوص ا إذا قارن اها باألرقام الخاصة بالحملة على الس ودان سنة وبفضل الر ح الة البرتغالي المجهول الذي جال في الس لطنة الش ريفة بين سنتي 8747 و 8740 نستطيع بسهولة رس م مسلك الجيش المغربي من سجلماسة إلى تينميمون واحة المنطقة الر ئيسية. خرج الجيش من سجلماسة فجر ا كما تفع ل قواف ل الت جارة عبر سهل الحمادة حيث تزو د بالماء قبل الوصول إلى قصبة الفئران حيث قضى الل يلة األولى. وخالل اليوم الث اني والث الث اجتاز الجيش سهول عين بوغنيم وخزائن الجريد. وفي اليوم الر ابع والخامس والس ادس عبرت القافلة العسكرية على األرجح منحدرات وادي گير وع ق لت ب ر دا والگل ت ه قبل أن تص ل إلى واحة بني عب اس في اليوم الس ابع. من المرجح أن تكون هذه الواحة الهادئة قب لت مبايعة الس لطان الش ريف دون مشاكل. وبعدها استأنفت العساك ر طريقها لتص ل بعد يومين من السير إلى منطقة ك ر زاز حي أحمد زاوية بن موسى وهي األهم في الجهة. ث وكان التحاق أحفاد المرابط بالحملة سي س ه ل مهم ة الجيش. وبقطع الن ظر فقد واص ل الجيش طريق ه إلى تينميمون. ويمكن أن يكون الجيش قد اجتاز في اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر مناطق أوالد عرفة والمنطقة المسم ات بالق ص ي بات وتسم ى اليوم القصابي معقل مطغرة. فصيل من قبيلة وفي اليوم الثالث عشر كانت العساك ر الش ريفة قد حق قت نصرها األو ل على الصح راء بوصول ها إلى ش روين أو ل واحات تيگورارين. كيلومتر ا لبلوغ تينميمون. إذ لم يبق سوى خمسين - نفسه ص p..anonyme, Description du Maroc, Bartholomé et Lucile Benassar, Les chrétiens d Allah, p. 48. Anonyme, Description du Maroc, p

345 يبدو أن منطقة ش ر وين المحليين. قد عرفت أو ل اتصاالت بين القائدين المغربيين والرؤساء رفض هؤالء االعتراف بالس لطان الشريف وطالبوا السك ان المحل يين بالمقاومة واالحتماء بقصور تينميمون. تحر كت العساك ر المغربية تجاه الواحة وفرضت عليها الحصار. وبفضل األسلحة الن ارية وتكتيكات الحصار الحديثة لم يحتج الجنود المغاربة لوقت طويل لسحق مقاتلي المنطقة ذوي التسليح السيء الناقصة. والخبرة خ ر بت تينميمون وذ ب ح مقاتلوها وأ س ر سادتها. ولكن بعض القصور بالواحة وخصوص ا منطقة الشط الظهراني تمك نت من تحم ل الحصار أي ام ا طويلة. وبعد محاوالت عديدة للت فاوض تمك نت القوات المغربية من الهجوم الن هائي والحاسم. هجوم تمخ ض عنه ذبح كل سك ان الشط الظهراني وتخريب قصبتهم الرئيسية. بعد غزو تينميمون وضواحيها تحر ك محم د بن بركة وأحمد المعقلي صوب واحة تيمنطيط القصر الر ئيسي لتو ات وحاصراها. بن الحد اد العمري كان على القائدين الت فاوض لضمان استسالم قصور تو ات من دون حرب تبع ا لتوصيات الس لطان. ك ل ف محم د بن أحمد الساوري أصيل المنطقة كما ي ظه ر اسمه بالتفاوض مع عمر بن محم د بن عمر بن عبد الر حمان أبرز األعيان المحليين. وحتى ال يصيبهم ما أصاب أهل تينميمون فضلوا مبايعة الس لطان أحمد المنصور خليفة. وللتقرب من السكان المحليين الفشتالي مناهل الصفا ص و 5 A. G. P. Martin, Quatre siècles d histoire marocaine au Sahara de 504 à 90, p. 6. Anonyme, Description du Maroc, p

346 والسيما األعيان حرص الس لطان على الز واج من الل ة سونة بوكرزية المنحدرة من أهم بيوتات الغنانمة القبيلة األبرز في المنطقة كلها وجعل أخاها مؤمن أحد أبرز قواده. يس ر استسالم الواحتين األبرز بالجهة إلحاق كل المنطقة التي كانت تع د ما ال يقل عن ثالثمائة وستون قصرا تختلف أحجامها. وأصبح محم د بن بركة أو ل وال للجهة التي تتمركز بها حاميتين عسكريتين واحدة بتينميمون وأخرى بتيمنطيط. وإذا كان غزو واحتي تو ات وتيگورارين مخط ط ا ل ه منذ زمن بعيد ومن ضمن برامج الس لطة المخزنية فإن حدث ا مست جد ا شج ع الس ياسة الص حراوية للس لطان ووط د 87 طموحاته الخليفية. عليه سفارة من إمارة فبينما كان هذا األخير مقيم ا برأس الماء في دجنبر بورنو طلبا للدعم العسكري والمالي. وكانت هذه اإلمارة وفدت وهي القو ة الس ياسية والعسكرية األبرز في الس ودان الغربي بعد إمارة سنغاي تعمل تحت حكم إدريس ألوما ] [ على تقوية مكانتها والسيما بتطوير سياسة خارجية نشطة. فبحجة أسلمة الوثنيين وتطبيق الش ريعة كان مسمى يقود هذا األمير حروب ا متواصلة تحت الجهاد ضد جيران ه المسلمين وغير المسلمين وخصوص ا ضد سنغاي. وإلى جانب الن وايا الدينية التي قد تكون صادقة فإن األمير إدريس كان يطمح إلى الس يطرة Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 8. Anonyme, Description du Maroc, p. 6. John Hunwick, «Songhay, Borno and Hausaland in Sixteenth Century», in J. F. Ajayi and M. Crowder [eds.], History of West Africa, London, 976, p ; le même, «The Dynastic Chronologies of the Central Sudan State in Sixteenth Century : some reinterpretations», Kano Studies, New Series, nº, 97, p. -5 ; G. R. Martin, «Mai Idris of Bornu and the Ottoman Turks», International Journal of Middle East Studies, nº, 97, p ; Ibn Fartuwa, History of the First Twelve years of the Reign of Mai Idris Alooma of Bornu [57-58], trad. H. R. Palmer, Lagos, 96 ; Dierk Lange, Le diwan des sultans du [Kanem-] Bornu : Chronologie et Histoire d un Royaume Africain, Wiesbaden, 977 ; le même, A Sudanic Chronicle : The Bornu Expeditions of Idris Alauma [ ], Stuttgard, 987 ; Zakari Dramani-Issifou, L Afrique noire dans les relations internationales au XVI e siècle, Paris, 98 ; Jean Claude Zeltner, Tripoli carrefour de l Europe et des pays du Tchad, , Paris, 99 ; Anne-Charles Froment de Champlagarde, Histoire abrégée de Tripoly de Barbarie 794, Paris, 00. 4

347 على الط رق التجارية التي كانت تربط إفريقيا جنوب الص حراء بتونس وليبيا ومصر. وكان يهدف أيض ا إلى وضع اليد على الواحات الخصبة والمناجم الثرية المتناثرة في الجهة. وكان يحتاج إلنجاز كل هذا إلى التفو ق العسكري على جيرانه. وبالتالي فإن الحصول على األسلحة النارية يصبح ضروريا في منطقة ال استعمال فيها إال لألسلحة البيضاء. كان من الطبيعي إذ ا أن يلتفت األمير إدريس إلى أكبر قو ة إسالمية في ذلك الز من وجاره األقرب: الدولة العثمانية. ويبدو بحسب المعلومات الش حيحة التي بحوزتنا أن أمير بورنو أرسل وفود ا عديدة إلى إسطنبول بداية من سنة 8750 وأبرزها وفد الحاج يوسف الذي كان يصبو إلى الحصول على أسلحة نارية واستقدام خبراء عسكريين والتخل ي عن األراضي جنوب فز ان والحصول على ضمانات تؤم ن حركة التج ار والحجيج القادمين من بورنو داخل األراضي العثمانية. وبعد أربعة سنوات من الجهد لم يحص ل الحاج يوسف من الباب العالي إال على أقوال يقتر ح فيها الس لطان مراد الث الث على إدريس تحال ف ا عسكري ا من دون تقديم توضيحا ت ويتعه د فيها بضمان أمن ت ج ار وحج اج بورنو. وفي المقابل فإن ه يستحيل ألسباب ال ي ف ص ل فيها ارسال خبراء عسكريين وال تمكينه من أسلحة نارية. لم يكن الباب العالي يرغب أو هكذا يبدو في المقامرة وتمكين حاكم طموح وغير منضبط كإدريس من أسلحة نارية يخشى أن يستعملها في التحرش بالممتلكات العثمانية جنوب طرابلس وبرقة وخصوص ا واحة فز ان الثرية واالستراتيجية. وبالفعل فإن سلطات هذه الواحة ما انفك ت تحذ ر الباب العالي من الخطر الذي يمث ل ه أمير بورنو على الحضور العثماني في المنطقة. كان رد مراد الثالث م حب ط ا إلدريس من دون شك ولكن هذا األخير واصل مجهوده لتجهيز قو اته باألسلحة المتطو رة. وفي هذا الس ياق تحديد ا أرسل سفارة أولى إلى مر اكش بعدما سمع عن نصر المغاربة في وادي المخازن. استقبل الس لطان هذا الوفد 44

348 في رأس الماء في دجنبر. 87 مبثوثة في تاريخ عبد العزيز الفشتالي. ال نعر ف شيئا عن هذه السفارة سوى إشارات وبحسب هذا األخير فإن سفراء بورنو طلبوا من الس لطان الش ريف مد هم بأسلحة نارية وإرسال خبراء عسكريين إلي بالدهم لتكوين جيش إدريس وتمكينه من الت قنيات العسكرية الحديثة. استغل الس لطان الشريف الموقف ليقترح على مبعوث حاكم بورنو أن يعترف به خليفة للمسلمين مقابل دعم عسكري. فما كان من الس فير إال التصريح أن ه لم يتلق أي تعليمات في هذا الش أن وأن ه يحتاج إلى استشارة سي ده. عادت البعثة لتقديم المقترحات السلطانية. وكل شيء يشير إلى أن إدريس وهو العاهل العملي قبل بمقترح المنصور إذا ضمن له الس الح الذي يمك نه من حماية وتوسيع أراضيه. وقد حر ر الفشتالي ميثاق بيعة لهذه الغاية يبر ز فيه طموحات المنصور إلى الخالفة بشكل جل ي كما سبق وأن رأينا في الجزء األو ل. وعلى أي ة حال وبالرغم من غياب معلومات عن تطو ر عالقات المغرب ببورنو فإن ه بإمكاننا الجزم بسهولة أن االتفاق بقي حبر ا على ورق. فالس لطان الشريف الذي كان بحاجة إلى كل الر جال والس الح المتطو ر الموجود بحوزته لضمان الن ظام وحماية ممتلكاته لم يقد م إلدريس أي ة مساعدة عسكرية. وفي نفس الوقت بقي االمير ادريس يعد نفسه ال حاك م ا مسلم ا مستق ال فحسب وإن ما "أمير ا للمؤمنين" و"خليفة اهلل في أرضه". وعلى كل فإن الت واص ل مع بورنو مك ن السلطان الش ريف من تقوية طموح ه إلى الخالفة كما مك نه من مواصلة سياسته الص حراوية إذ أدرك هشاشة إمارات الس ودان الهيكلية التي ما زالت تعيش على المستوى العسكري على مكتسبات القرون الوسطى. فكان بإمكانه بالت الي أن يستثمر هذا إلى أبعد الحدود وأن يفص ل لنفسه إمبراطورية بحجم طموحه دون عناء كبير. الفشتالي مناهل الصفا ص 05. نفسه ص نفسه ص

349 واحات فگيگ اخر بؤرة توت ر بين الزيدانيين والعثمانيين لم يكن العثمانيون ينظرون بعين الر ضا إلى الس ياسة الص حراوية للس لطان الشريف أحمد المنصور. المنصور يمكن أن تمث ل على فإلى جانب فقدان السي طرة على تجارة القوافل المربحة فإن تحر كات المدى البعيد تهديد ا جد ي ا للحضور العثماني في منطقة وهران وهي منطقة كانت مطمع ا للزيدانيين منذ قيامهم. لم يكن مراد الثالث وهو المتور ط في أوحال حرب بال نهاية ضد الدولة الصفوية ] [ ومواجهات في البلقان والحجاز والمحيط الهندي قاد ر ا على رد الفعل مباشرة. لهذا كل ف تابعه والي الجزائر بمعالجة المسألة المغربية. ولكن هذا األخير كان بمواجهة قالقل داخلية ولم يكن بإمكانه التدخ ل في المغرب بشكل فع ال. وللحد من الخسائر االقتصادية المترت بة عن غزو الس لطنة الشريفة لواحات تو ات وتيگورارين ولقطع الط ريق الص حراوي لتلمسان على القو ات المغربية قر ر الوالي أن يقود حملة لم تكن األولى ضد واحة فگيگ المغربية. مث لت هذه الواحة الشهيرة بنخيلها وأقمشتها الص وفية ملتقى طرق ومحط ة أساسية في الت جارة العابرة للص حراء إذ كانت تربط مدن وهران وتلمسان بواحات تو ات وتيگورارين. اهلل الغالب. وكان العثمانيون يهتم ون قبل ذلك بالمنطقة زمن الس لطان الش ريف عبد ففي سنة 8704 حاولت القو ات العثمانية بقيادة المتطلعين موالي عبد المؤمن وموالي عبد الملك السيطرة على الواحة ولكن دون طائل. ورغم أن وجود المتطلعين المغربيين أعطى مب ر ر ا سياسي ا للحملة العثمانية فإن المبررات االقتصادية كانت بال شك هي الس بب الر ئيس. فحكام الجزائر العثمانيون كانوا يفك ر ون منذ تلك الحقبة في الس يطرة على مسارات القوافل العابرة للص حراء. فبعد وضع اليد على منطقة فز ان جنوب ليبيا الحالية سعى والة الجزائر إلى الس يطرة على غدامس جنوب تونس الحالية وورغلة بشرق الجزائر الحالية. وكانال بد لهم إذا للتحكم في جمل ة Léon l Africain, Description, t. II, p. 45. Bautista, «Chronica de la vida y admirables hechos de señor mouley Abdelmelech», Hespéris, t. XXIV, 986, p. 77 ; DM, 6-97, f

350 المسالك إخضاع واحات فگيگ وتو ات وتيگورارين. ومنذ 8755 غزا العلج رمضان باشا الجزائر الواحة بنفسه وألزم س ك انها دفع ما ال يق ل عن أربعة عشر ألف فلورين. ولعدم قبوله بهذا االمر أبلغ الس لطان عبد الملك مراد الث الث باألمر. وكان هذا األخير مشغوال بمفاوضات الس الم مع اسبانيا التي انطلقت في نفس الس نة ولم يكن يرغب في رؤية سلطان المغرب يرتمي في أحضان فيليب الثاني خصوص ا وأن موالي عبد الملك كان يعترف منذ مقدمه للس لطة بتبعيته االسمية للعثمانيين. وفي المحص لة لم يكتف الخان فقط باإلخالء الس ريع للواحة بل عمد إلى تجريد رمضان باشا من وظائفه إلرضاء مطالب حليفه المغربي. لكن عثمانيو الجزائر واصلو جهودهم للس يطرة على الط ريق الذي يربط تلمسان بالص حراء والس ودان. وفي هذا الس ياق تحديد ا حاولوا الت مركز في واحات تو ات وتيگورارين وذلك من دون المرور باألراضي المغربية. ولكن وبسبب عدم توف ر محط ات لالستراحة والتموين والتواصل خصوص ا فگيگ فإن مقاتلي الجزائر لم يقدروا على المكوث إال أشهر ا قليلة. أجبرت القطيعة بين المغرب والباب العالي سنة 878 والس ياسة الص حراوية الن شطة التي اعتمدها الس لطان أحمد المنصور بداية من 87 سلطات الجزائر على رد الفعل للحفاظ على مصالحها الس ياسية واالقتصادية بالجهة. جنوب منطقة تلمسان وللرد على الخروقات المغربية سي ر باشا الجزائر حملة للس يطرة على واحة فگيگ. ولكن الحامية الشريفة في المنطقة تصد ت للمهاجمين وانتصرت عليهم بفضل مساندة السك ان المحل يين. دينار. وبعد مفاوضات عادت القو ات الجزائرية أدراجها بعد تعويضها بألفي وحت ى بعد هذه الهزيمة العسكرية سيستمر العثمانيون في الت صريح بسيادتهم على واحة فگيگ. ففي رسالة بعثها إلى باشا الجزائر بتاريخ أك د 874 يناير 0 الس لطان مراد الث الث على أن فگيگ كانت منذ زمن بعيد أرض ا خاضعة ألجداده 4 وعليه فإن من واجب الموظ فين العثمانيين أن يج بوا الضرائب منها. 4 DM, 5-59, f. 7. مجهول المكاتبات السلطانية و 4-5 و 5-0.DM, 6, décrets nº 49 et 4 الفشتالي مناهل الصفا ص 07. أحمد مزيان فگيگ: مساهمة في دراسة المجتمع الواحي المغربي ص 0. 47

351 ات خذ الس لطان الش ريف جملة من القرارات السياسية والعسكرية والد يبلوماسية لحماية هذه الواحة اإلستراتيجية والر مزية. فقد بادر على الص عيد العسكري إلى إقامة تحصينات جديدة بقصور الواحة الر ئيسية كما قو ى الحامية الد ائمة. أما على الص عيد الس ياسي فقد نجح في ضمان دعم كل الش خصيات الدينية والقبلية المرموقة بالجهة عبر إعفاءهم من الض رائب والت كر م عليهم. هذا ما فعله مثال مع الشيخ الصوفي أبي القاسم بن محم د بن عبد الجب ار الفگيگي المتوف ى سنة 806 والذي ساند أعوان المخزن. وأخير ا وعلى الص عيد الدبلوماسي حاول الس لطان أن يعيد ربط الص الت الحميمة بالس لطات العثمانية بالجزائر واسطنبول. فمن ناحية أرس ل بين عد ة و وفود رسمية إلى الس لطان مراد الث الث وإلى باشا الجزائر ومن ناحية أخرى فقد تمك ن السلطان وبشكل غير رسمي من رشوة عدد كبير من الوجهاء العثمانيين الذين أصبحوا عمليا سفراء القضي ة المغربية بالجزائر واسطنبول. وإضافة إلى ذلك فإن الفوضى التي استشرت في الجزائر وتمرد حك امها كانت عوام ل استفاد منها الس لطان الشريف. فقد رفض جزء كبير من قراصنة المدينة وألسباب اقتصادية جل ي ة االعتراف بما اتفق عليه فيليب الث اني ومراد الث الث من هدنة بين 878 وهكذا و 875. تواصلت الغارات في الحوض الغربي من المتوس ط بل وفي األطلسي أيضا دون االكتراث بأوامر الباب العالي وذلك بفضل ح ماية عل وج علي. فه م الس لطان مراد الث الث أن العصيان ي مك ن أن يتحو ل بسرع ة إلى مطالبة باالستقالل لذلك استغل وفاة عل وج علي سنة 875 ل يض ع حد ا لهذه الوضعي ة. بدأ الباب العالي بإزالة خط ة بايلرباي الجزائر أي والي الشمال االفريقي ويجعل من الجزائر على 4 غرار تونس وطرابلس باشوية يدير ه ا باشا يعي ن لمد ة ثالثة سنوات. وقد كتب أوگست كور أن "وفاة علي عل وج الذي صادف ما يمك ن تسميت ه بانقالب الت حال فات في مجهول المكاتبات السلطانية و 8-6. ظهير سلطاني اط لع عليه المؤلف في مجموعة خاصة في الرباط. عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص و Antonio de Saldanha, Crónica de.almançor, p. 8 4 Henri de Grammont, Histoire d Alger sous la domination turque, p

352 المتوسط مث لت نهاية المطامع العثمانية في من المغرب األقصى. فإيقاف العمل بخط ة بايلرباي في الجزائر وتعويضها بباشا لمد ة ثالث سنوات تمنع الوالة من بلورة سياس ة خاص ة بهم ومؤث رة على المدى البعيد". وهكذا ما عاد للس لطان الش ريف يخاف الباب العالي الذي غاد ر شيئ ا فشيئ ا المسرح الس ياسي بالحوض الغربي للمتوس ط. لذا أصبح بمقدوره فعال بعد تحال فه مع االنگليز أن يرك ز كل قو ته من أجل إبعاد الخطر اإلسباني. نحو تشكيل محور مر اكش لندن بفضل المصال ح الس ياسية والعسكرية المشتركة تسن ى توطيد العالئق االقتصادية بين انگلترا والمغرب. كانت انگلترا تحتاج لصناعة أسل حة وذخائر ضرورية لصراعها مع اسبانيا إلى المواد األو لية وخصوص ا ملح البارود الذي ي ع د المغرب واح د ا من أهم منتجيه. وفي المقابل فإن المغرب كان يبحث عن تجهيز جيشه بأسلحة نارية وتطوير قو ت ه البحرية للفكاك من الت أثير اإلسباني. وبداية من 878 تعاونهما االقتصادي في كاف ة الميادين وخصوص ا في القطاع العسكري. عمل البلدان على تقوية وبعد ثالث سنوات من المفاوضات أذنت الس لطات االنگليزية والمغربية بإنشاء الشركة المغربية ]Barbary Compagny[ 4 بهدف تنظيم التجارة بين البلدين. إن الن جاح الظ اهر للعالقات االقتصادية بين مر اكش ولندن دفع بهما إلى حلف سياسي وعسكري لمواجهة طموح اسبانيا الجامح للهيمنة. الذي كان يريد تج ن ب تسليم العرائش إلى اسبانيا على حرص الس لطان المنصور أحمد قبول المقترحات االنگليزية Auguste cours, L établissement des dynasties des chérifs et leur rivalité avec les Turcs de la régence d Alger [509-80], p.. في اواخر عهد المنصور هاجم الوالي العثماني على تلمسان واحة فگيگ وحاول فرض الضرائب على المناطق المحيطة. فكتب السلطان بذلك إلى باشا الجزائر لتذكيره ان الواحة تابعة للسلطنة الشريفة طبقا لالتفاقيات مع السالطين مراد الثالث ومحمد الثالث وينب هه أن أي تحركات في المستقبل يمكن أن تؤدي إلى نتائج وخيمة. أنظر مجهول المكاتبات السلطانية و 4-5 وو 5-0. Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p. 47 et France t. II, -. 4 Sur cette compagnie voir Henri de Castries, «La Barbary Compagny, introduction critique», SIHM, Angleterre, t. I, p ; Jacques Caillé, «Le commerce anglais avec le Maroc pendant la seconde moitié du XVIe siècle : importations et exportations», Revue africaine, t. LXXXIV, 940, p ; Thoms Willan, Studies in Elizabethan Foreign Trade, p

353 بسرعة. وص ل وف د إلى مر اكش يقود ه هنري روبرتس في شتنبر واستقبله 877 الس لطان بكل فخامة في قصر البديع. وفي نهاية المفاوضات التي أخذت أشه ر ا عديدة التزم الس لطان الش ريف بأمور ثالثة: حماية المصالح الت جارية االنگليزية بالمغرب ودعم انگلترا في صراع ها ضد اسبانيا ومساندة المتطلع البرتغالي دون أنطونيو. ورغم أن نتائج المفاوضات كانت في الظ اهر لصالح انگلترا فإن الن تائج في المحص لة كانت غير ذلك. ففي الميدان االقتصادي لم يق م الس لطان إال بتثبيت مزايا أقر ها أسالف ه لالنگليز. أما على الصعيد الدبلوماسي فقد وعد الس لطان بدعم انگلترا في سياستها المعادية إلسبانيا ولكن هذا لم يمنعه البت ة من قيادة مباحثات سالم طيلة هذه الفترة مع فيليب الث اني. بقيت مسألة دعم المتطل ع البرتغالي دون أنطونيو وهي مسألة توض ح لنا عملية الديبلوماسية المنصورية. كان موالي أحمد منذ صعود ه إلى الس لطة يخشى الجانب اإلسباني في أمرين: هجوم ا عسكر ي ا يستهد ف أحد الموانئ المغربية أو عدد ا منها وخصوص ا ميناء العرائش و/ وأ إطالق سراح أحد المتطلعين المغربيين الالجئين إلى البرتغال ثم إلى اسبانيا منذ 875. الخطر العثماني والخوف من المنافسين المغاربة والخشية من تدخ ل عسكري اسباني عوام ل فرضت على الس لطان الش ريف طيلة الفترة األولى من حكم ه أن يتقر ب من اسبانيا ويعدها بتنازالت اقتصادية وترابية. ولكن ما إن ضمن استقرار األمور في الد اخل لصالحه وزوال الخطر الت ركي حت ى سعى في التحر ر من ضغط "الش ريك" اإلسباني الخانق بالت حال ف مع انگلترا. كل الد الئل تجعل نا ن در ك أن المنصور وجد في Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p ; Richard Hakluyt, The Principal Navigations, t. II, p Richard Hakluyt, The Principal Navigations, t. II, p. 8. Gordon K. McBride, «Elizabethan Foreign Policy in Microcosm : The Portuguese Pretender, », Albion : A Quarterly Journal Concerned with British Studies, vol. 5, nº, 97, p. 9-0 ; Jean-François Labourdette, Histoire du Portugal, p , p et p Gordon K. McBride, «Elizabethan Foreign Policy in Microcosm : The Portuguese Pretender, », Albion : A Quarterly Journal Concerned with British Studies, vol. 5, nº, 97, p. 9-0 ; Jean-François Labourdette, Histoire du Portugal, p , p et p

354 مشكلة التوريث البرتغالية سالح ا يمك ن ه من تحييد فيليب الثاني أو على األقل التشويش عليه بشكل ج د ي. سعى دون أنطونيو بكل الوسائل البرتغال. لكنه لم يفلح في ذلك وفقدت البرتغال إلى منع فيليب الث اني من الجلوس على عرش استقالله يوم يونيو 84 اضطره إلى الهروب إلى فرنسا بعد عام من المقاومة غير المجدية وذلك بأم ل الحصول على د ع م عسكري. مما في يونيو وبعد محاوالت عسكرية عديدة لم تكن موف قة خصوص ا ضد جزر االصور سنة 87 ات جه الر ج ل إلى انگلترا سنة 877. منذ بداية سنة 870 ربط الس لطان الص لة بالمتطلع إلى حكم البرتغال مؤ ك د ا له دعمه المالي والعسكري في حال نشوب حرب مع اسبانيا. وتباد ل وفود استقبل الس لطان بمر اكش في ماي 875 وبعد مراسالت غير رسمية ماتياس بيكودو Matias[ ]Becudo سفير دون أنطونيو. وإلثارة قلق وكالء وعمالء اسبانيا بالمغرب خص الس لطان الش ريف رسول م نافسهم باستقبال أكثر من حار ي خص به في العادة سفراء القوى العظمى. وإبراهيم الس فياني. وبسرعة بدأت المفاوضات التي مث ل الط رفان فيها ماتياس بيكودو طلب م مث ل البرتغال عون ا عسكري ا ومالي ا من الس لطان لتمكين سي ده من استرجاع عرش أسالف ه وتحرير البرتغال. في المقابل فإن دون أنطونيو يتر ك ابنه رهينة لضمان سداد كل المال المقترض والت قاء خطر فيليب الث اني. الس لطان ل يفر ط في هذه الفرصة الذ هبية إلبعاد الخطر 4 مقترحات بيكودو. بعد هزيمة األرمادا الشهيرة في غشت 5 87 ولم يك ن اإلسباني فأسرع بقبول بأسابيع قليلة أرسل الس لطان الش ريف وف د ا يقود ه الري س مرزوق ليؤك د التزامه بجانب ملكة انگلترا والمتطلع البرتغالي. Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p.. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 6. Ibid., p اقترح ماتياس بيكودو وأعوانه االنگليز أيضا على السلطان تمكينهم من أحد موانئه ليجعلوا منه قاعدة خلفية لعملياتهم ضد اسبانيا. ولكن السلطان الذي كان الحفاظ على سالمة أراضيه من أسس دبلوماسيته لم يكتف برد عرضهم بل زاد بإغالق موانئ المعمورة والعرائش أمام المالحة البحرية ات قاء للمفاجآت غير السارة. أنظر Saldanha, Antonio de.crónica de Almançor, p أرسل دون أنطونيو بضعة أيام فقط بعد النصر مبعوثا إلى السلطان الشريف ليزف له الب شرى ويذك ره بالتزاماته. 5

355 وبحسب ما توفر من معلومات قليلة أك د الر سول المغربي للملكة أن سي د ه مستعد لتمكينها من المال والذ خيرة وحت ى الر جال وأن ه يضع على ذ م تها كل موانئه لدعم مجهودها الحربي. من ناحية أخرى طلب المنصور من ملكة انگلترا تمكين ه من أسل ح ة نارية ومن ذخائر ومعد ات وأيض ا من يد عاملة ذات كفاءة لبناء أسطول بحري تكون مهمته دفاعية. وباستثناء إعانتها المالية إلعادة دون أنطونيو على عرش البرتغال رفضت الملكة إليزابيت بلطف كل مقترحات أحمد هاجمه أي أمير من أمراء الكرة األرضية". المنصور وطلباته مع الوعد "بنجدته في حال ورغم أن السلطان كان بحاجة إلى السالح والذخيرة للدفاع عن أراضيه والنجاح في غزو إمارة سنغاي التي كان يعد لها منذ سنوات فإن المسألة البرتغالية وحدها هي ما كان يهم ه حينها. إذ اعتقد أنه باستقباله لرهينة في ش هرة وجالل ابن دون أنطونيو كان بوسعه امتالك ورقة جديدة للضغط على ملك اسبانيا الغارق أصال في مشاكل انگلترا والبرتغال وهوالندا. واصل السلطان في مغازلة ملكة انگلترا والطامع في عرش البرتغال عبر وعده لهم بالدعم المالي الضخم. كبيرة. وقد آتى الحرص المتواصل للسلطان الشريف أ ك له بسرعة فبعد أشهر قليلة من االنتصار على جيش فيليب الثاني بعثت إليزابيت رسالة إليه ت علمه فيها بمقدم األمير دون كريستوباو ابن المتطلع البرتغالي إلى المغرب قريبا 4 رهينة لديه مقابل دعمه لهم بمائة ألف دوقة. واعتبره خطوة 5 أولى في طريق انتصاره القادم على اسبانيا. ابتهج السلطان بالخبر أي ما ابتهاج وبالفعل قدم األمير البرتغالي إلى المغرب في األشهر األولى من سنة است قب ل في اسفي من قبل محمود باشا زرقون حيث 874 قائد العلوج ونزل في أحد القصور Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 5 et Angleterre, t. II, p ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 78. British Library, Lansdowne Mss. LIII, f. 7, cité par Yahya Dahiru, Morocco in the Sixteenth Century: Problems and Patterns in an African Foreign Policy, p. 6. Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص

356 السلطانية في نواحي مراكش. وأثناء لقائه األول بالسلطان طمأنه هذا األخير وأكد له دعمه. وكان عليه لترجمة ذلك الدعم معرفة كل المعلومات المتعلقة بحملة دون أنطونيو القادمة ضد البرتغال مدعوما بالبحرية االنگليزية. وبالرغم من الوعود التي قطعها ومقدم األمير البرتغالي إلى مراكش إال أن السلطان الشريف أمسك عن تقديم أي معونة للحملة االنگليزية التي قادها القبطانان دراك ونوريس استعادة ]Drake, Norris[ االستقالل ضد لشبونة في يونيو 874 البرتغالي 4 واقتصر على احترام حياد مشبوه. والتي كانت تهدف إلى وبعد كارثة لشبونة التي خسر فيها االنگليز أكثر من خمسة آالف رجل انتقدت ملكة انگلترا بشدة موقف موالي 5 أحمد. ولكن هذا األخير برر موقفه بنقص التنسيق وضبابية تاريخ الحملة. أي 6 أنه حم ل بشكل مبط ن ممثل إليزابيت بالمغرب مسؤولية سوء التفاهم ذاك. وفي الحقيقة فقد توصل السلطان إلى عقد اتفاق مالئم جدا مع فيليب الثاني كما سنبي نه الحقا. وعلى كل حال فإن السلطان الشريف احتفظ بحقه في اإلبقاء على ابن المتطلع 7 البرتغالي معه بالمغرب لسنوات ثالثة. وكان ذلك يكفيه لتحييد الخطر اإلسباني نهائيا وتحقيق غزو السودان الغربي. الفشتالي مناهل الصفا ص 868 Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p. 476 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 58. Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p. 50. voir R. B. Wernham, «Queen Elizabeth and the Portugal expedition of 589», English Historical Review, nº 6, 95, p. -6 et p ; Richard Bruce Wernham [éd.], The Expedition of Sir John Norris and Sir Francis Drake to Spain and Portugal, 589, Gower, Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p. 5 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid., t. II, p محمد بن تاويت "من زوايا تاريخ المغرب" مجلة تطوان عدد ص Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p et 50 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p

357 التنازالت اإلسبانية طبع التخلص من الخطر العثماني المهدد للمغرب بداية مرحلة جديدة من العالقات المغربية الشريف اإلسبانية. أحمد فمنذ نهاية عام 878 حاول الملك فيليب الثاني إقناع السلطان المنصور عبر ممثله في المغرب دييگو مارين بتسليم ميناء العرائش. وألنه وفي لسياسته اإلسبانية منحه السلطان الشريف موافقته المبدئية محاولة منه لربح الوقت للبحث عن حل يساعده على المحافظة على أهم موانئ شمال البالد. ومع اعتماد سياسة المماطلة بدأ في تحصين ميناء العرائش وحمايته. وكل ف العلج منصور بإعادة تأهيل قصبة المدينة وبناء أخرى. وبعد ستة أشهر كان حصنا الفتح والنصر جاهزين وركز السلطان فيهما ما ال يقل عن ستين قطعة من المدافع إلى جانب أكثر من ثالثمائة حامل بندقية. نجح موالي أحمد بفضل قراءة سياسية جيدة للوضع الدولي في مغالطة فيليب الثاني طيلة ثالثة سنوات. ففي خطوة أولى نجح السلطان في أن يبط ئ من وتيرة االتصاالت مع مدريد من خالل استبقاء المبعوثين اإلسبان في مراكش عد ة أشهر. ثم في مرحلة ثانية عمد السلطان آليا إلى إعادة الرسائل القادمة إليه من فيليب الثاني إلى مدريد مد عيا شك ه في صح تها. وكان هذا التمشي يستغرق عدة أشهر أيضا. وفي مرحلة ثالثة حاول السلطان وأهم أعضاده تبرير التأخر في التخلي عن العرائش بمشاكل داخلية. فقد كتب إبراهيم الس فياني أكثر من مرة في غضون سنة 87 إلى الملك فيليب الثاني وإلى دوق مدينة سيدونيا المسؤول عن الشؤون المغربية في الحكومة اإلسبانية وإلى دون بيدرو فانيگاس حاكم م ل يل ية لطمأنتهم مؤكدا لهم التزام سي ده بتعهداته ومعتذرا عن تأجيل تسليم العرائش إلى موعد الحق بسبب 4 أشهر. التمرد في جبال تادلة المندلع منذ ستة وبالتوازي مع ذلك ولدفع الوعد إلى مواقيت أخرى اقترح هذا األخير على الفشتالي مناهل الصفا ص p. 04.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, Alonso de Castello, Lettres marocaines, BNE, manuscrit nº 57 ; Mercedes García-Arenal, Cartas Marruecas, p نفسه عبد الحفيظ العلوي داء الع طب قديم مخطوط الخزانة الملكية رقم Mercedes García-Arenal, Cartas Marruecas, p

358 فيليب الثاني عقد اتفاقية سالم وصداقة لمدة عشرين سنة هذا من جهة مشتركة ضد والي الجزائر من جهة أخرى. وتنظيم حملة ولم ينتبه فيليب الثاني إلى أالعيب السلطان إال في 877. فقد كان هذا األخير يحاول عقد حلف مع االنگليز العدو التاريخي للملك الكاثوليكي وحليف المتمردين الهوالنديين األساسي. وألجل ذلك است قب ل السفير هنري روبرتس في مراكش. وحاول فيليب الثاني إخافة السلطان عبر تهديده بأخذ المدينة عنوة وتحرير المتطلع موالي الناصر وهو ما كان سيسبب له متاعب جم ة. االنگليزي ومستفيدا من استعار ا نيرن مراجعة وعده السابق لفيليب الثاني. ولكن السلطان الشريف وهو مرتاح إلى الدعم الحرب في هوالندا تجر أ ألول مرة على فقد أعلن إلى هذا األخير أنه لن يخاطر بم لكه وباستقرار ممالكه في مقابل تسليمه الميناء للنصارى. وأضاف أنه إذا ما اضط ر لذلك فإنه سيختار تسليمه إلى العثمانيين المسلمين مؤكدا لمخاطبه أن اسبانيا لم يعد لها ما تخشاه من خطر عثماني فالعرائش لم تكن يوما أكثر تحصينا وال أشد حماية مما هي عليه. وذك ره في النهاية أن ملكة انگلترا اقترحت عليه بوساطة هنري روبرتس أن يفتح لها موانئه الستعمالها في الحرب على اسبانيا ومساندة المتطلع البرتغالي دون أنطونيو غير أنه و"حفاظا على صداقته بأخيه الملك" لم يشأ إجابة إليزابيت إلى طلبها 4 بعد. ولوعيه بالخطر الذي يتهدد اسبانيا بفتحها جبهة جديدة ضد المغرب حاول فيليب الثاني تهدئة الوضع للحفاظ على حيادية السلطنة الشريفة. العرائش عرض عليه سنة 870 وعوض مطالبته بالتخلي عن 5 مبادلتها بثغر مازاگان البرتغالي. وإذا ما أبدى السلطان الشريف قبوله لذلك العرض الجديد في الظاهر من خالل وضعه لإلجراءات التنفيذية في رسالة بعث بها إلى فيليب الثاني فإنه واصل محاوالته ربح الوقت BNE, manuscrit nº 754, f Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p Roland Marx, Histoire d Angleterre, p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid., p

359 وعرض عليه خطة جديدة للهجوم على الجزائر. كما أن وفاة دييگو مارين الممثل الدائم إلسبانيا في المغرب في غضون تلك السنة شج ع ترتيبات السلطان الذي كان ينتظر وصول ماتياس بيكودو المبعوث الخاص للمتطلع البرتغالي دون أنطونيو لمضاعفة الضغط على الملك الكاثوليكي. ومنذ وصول ماتياس بيكودو إلى مراكش في ماي 875 اجتهد الوكالء والجواسيس اإلسبان القصر هما اختراق سر تلك السفارة. خيرونيمو دي أزم ب خا وليو كامي لو وع ه د بالمهمة إلى خادمين إيبيريين يعمالن في Jeronimo de Azambuja, Leo [.]Camelo عبر وبينما كان األول يحاول الحصول على معلومات من ماتياس بيكودو نفسه "إظهار التقرب من دون أنطونيو واإلشادة بذكره" معاوني السلطان للظفر بمعلومات منهم. فيليب الثاني فرانشيسكو دا فرناندس د وو ار تي كوستا فإن الثاني حاول رشوة أما على المستوى الرسمي فقد أرسل سفير ]Francesco da Costa[ ]Luis Fernandes Duarte[ السفياني. كاتبه الخاص لويس إلثارة الموضوع مع إبراهيم ولم يتوصل جواسيس فيليب الثاني إلى اكتشاف األهداف الحقيقية لمهمة مبعوث دون أنطونيو إال بعد عدة أسابيع من الجهد والحركة. أحمد بلقاء فشل فرنشيسكو دا كوستا في الظفر المنصور ولكنه تمكن في النهاية من مقابلة إبراهيم السفياني فقال له إن "حفاوة االستقبال التي حضي بها مبعوث دون أنطونيو ال تالقي ترحيب ملك اسبانيا". ولطمأنته أكد له القائد أن السلطان سيكتب لفيليب الثاني رسالة بخط يده يجدد له فيها صداقته ويذهب عنه التوجس. وهو أمر لم يحصل البت ة ألن ذاك لم يكن غير مناورة غايتها ربح الوقت والتوصل إلى اتفاق مع مبعوث دون أنطونيو وسفير إليزابيت األولى. Alonso de Castello, Lettres marocaines, BNE, manuscrit nº 57. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 8. Ibid., p

360 وعند اطالعها على االتفاق الذي عقده السلطان الشريف مع ملكة انگلترا والمتمرد البرتغالي أي المساعدة المالية والعسكرية في مقابل استقبال األمير دون كريستوباو حاولت السلطات مدينة سيدونيا اإلسبانية تبن ي لهجة تهديد حادة. ألونسو بيريس دي گوزمان ففي بداية سنة 87 ]Alonso Perez de Guzman[ الشؤون المغربية بتكليف الوكيل بلتزار بولو تذكير السلطات المخزنية بأن قام دون مسؤول "مشاغل الملك سيده تدفعه إلى غض الطرف عن حيل الشريف ولكن يمكن لهذا األخير أن يتحين ساعته" ألن "موالي الناصر يكثر من الضغط على الملك سيده لنقله إلى بالد المغرب حيث ينتظر أصدقاؤه وموالوه مقدمه" أسطول بحري عرفته المنطقة وأنه وأن "جاللته بصدد تجميع أكبر يذك ر الشريف كم هو مفيد مبادلة العرائش 4 بمازاگان ألن هذه األخيرة بحكم قربها الشديد من مراكش أفضل له من العرائش". وبالفعل فقد كان السلطان يلعب على "انشغاالت" ملك اسبانيا تلك بهوالندا والبرتغال وانگلترا ويعو ل عليها لربح مزيد من الوقت واتخاذ كل االحتياطات الالزمة الستبعاد الخطر االيبيري نهائيا. وبفضل شبكة كثيفة من الجواسيس اليهود واألندلسيين واألوروبيين كان موالي أحمد يعلم أن الحملة اإلسبانية تتجه إلى انگلترا وال تشكل أي خطر مباشر على السواحل المغربية لذلك ات جه إلى استبعاد التهديد الحقيقي الذي يمثله موالي الناصر وذلك بالحرص على استقدام ابن المتطلع البرتغالي إلى المغرب بأي ثمن. وإذا كانت الكارثة التي حلت باألسطول اإلسباني في غشت سنة قد شجعت 87 المنصور على المضي ق د م ا في سياسته االنگليزية-البرتغالية فإن الرفض اآللي للملكة إليزابيت لمقترحاته وفي ذلك مصلحة لها دفعه إلى إعادة النظر في سياسته اإلسبانية. فعوض ركوب موجة الحرب التي ال تحمد عاقبتها والتي تمثل مخاطرة بمشروع غزو السودان الغربي واستقالل البالد وسالمة اراضيها فإن السلطان الشريف اختار Francisco Caeiro, O Arquiduque Alberto de Austria, p. 6. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid.,. 4 Ibid., p

361 االلتجاء إلى الوسائل الدبلوماسية الضرورية لدفع فيليب الثاني إلى التراجع. ونحسب أن ذاك هو الهدف الوحيد الذي جعل أحمد المجهود االنگليزي ليستعيد دون أنطونيو المنصور يعيد التأكيد على التزامه بدعم عرش البرتغال. فالسلطان الشريف وقبل االلتزام بالوعد الذي قطعه حرص على استقبال دون كريستوباو الذي يمكن أن يصبح قطعة رئيسية في منظومة الضغط الذي يمارسه العاهل المغربي. وبداية من شهر شتنبر سنة 87 أنه على أتم االستعداد من جهة وللضغط على بدأ السلطان مناوراته الدبلوماسية ليؤكد لالنگليز اإلسبان من جهة أخرى. ففي العلن أعطى أوامره للمقد مين أي المجاهدين المحترفين في شمال البالد بتكثيف هجوماتهم على الثغور االيبيرية كما جمع السلطان الشريف القسم األكبر من جيشه مغادر ا مراكش إلى فاس في العاشر من نونبر سنة اإلسبان السر في اما. 87 عبر مقابلة مبعوثي فيليب الثاني وأعوانه الدبلوماسيين. فقد واصل طمأنة بل إنه منع الحكم باإلعدام على ابن أخ دييگو مارين ووريثه الذي قتل عددا من التجار االنگليز في خصومة دموية بشوارع مراكش بعد هزيمة األسطول اإلسباني. غير أن تنقل المحلة الذي ال يتجاوز عادة الشهر الواحد أو بضعة أيام في الحاالت القصوى دام أكثر من 4 أربعة أشهر بين مراكش وفاس.مما يمكننا من الجزم أن السلطان قد استغل وال ريب "ب ط أ" رحلته ليترقب دون ضغوط نتائج مهمة الريس مرزوق من جهة وليستقبل سر ا مبعوثي الملك الكاثوليكي دون أن يثير ذلك حفيظة أعوان القوى الخارجية وعيونها من جهة ثانية. وقد أعطى مقدم ابن المتطلع البرتغالي إلى مراكش في األشهر األولى من سنة 874 دف ع ا جديدا للمفاوضات المغربية اإلسبانية. فألو ل مرة طيلة حكمه بدا أحمد المنصور قادرا على التفاوض مع فيليب الثاني من موقع الند للند. ولتجنب فتح جبهة جديدة جنوب شبه الجزيرة االيبيرية ما يهدد بتشجيع األندلسيين على الثورة ويسبب تدخال الفشتالي مناهل الصفا ص 4. 4 الفشتالي مناهل الصفا ص 44. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid., p ; Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p

362 عثمانيا وهو المتورط أصال في وحل المستنقع الهوالندي ويخشى العمليات العسكرية االنگليزية اضط ر فيليب الثاني إلى التفاوض مع السلطان الشريف حول عقد اتفاق يقوم على شروط أساسية ثالثة: أوال إبعاد موالي الناصر عن المدن البحرية ووضعه تحت اإلقامة الجبرية ثانيا التخلي نهائيا عن مشروع التنازل عن العرائش وثالثا إعادة أحد الثغور اإليبيرية إلى المغرب. وافق فيليب الثاني وكان تحت ضغط التطور السريع لألحداث في هوالندا وانگلترا على شروط مدينة أوتريرا أحمد المنصور للبقاء على الحياد بدون تلك أ. ن ق ل موالي الناصر إلى وأعلن فيليب الثاني رسميا تخليه عن مطالبته بميناء العرائش. بي د أن المفاوضات حول إعادة أحد الثغور اإليبيرية كانت األكثر حساسية. وبالرغم من أننا ال نملك معلومات حول الموضوع فإننا نعرف أن السلطات الشريفة أصر ت في البداية على إخالء مدينة سبتة. ولكن اإلسبان الذين كانوا يرومون مواصلة التحكم في مضيق جبل طارق رفضوا إعادة ذلك الموقع االستراتيجي إلى المغرب. أصيلة جنوبي طنجة وهي أصغر وأقل قيمة استراتيجية من سبتة. الشريف على المقترح في ظروف نجهلها. وفي كل الحاالت فإن واقترحوا إخالء وافق السلطان ومن باب اإلسبان الحذر لم يخلوا الحصن إال بعد فشل العمليات العسكرية االنگليزية ضد البرتغال. وقد مك ن الحياد المتسامح الذي التزم به المغرب تجاه اسبانيا إب ان حملة القبطانان فرانسيس دراك وجون نوريس ضد لشبونة في يونيو سنة المنصور وفيليب الثاني. وفي ميناء أصيلة ودخلته القوات المغربية. 874 شتنبر من تقوية االتفاق بين أخلت القوات أحمد اإلسبانية-البرتغالية Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 8 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p Ibid., p Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p الفشتالي مناهل الصفا ص ابن القاضي المنتقى المقصور ج 4-45 Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. I, p. 4. ص 59

363 كان عقد من المناورات الدبلوماسية والمناورات المضادة كافيا ليربح المنصور معركة رمزية ضد اسبانيا فيليب الثاني. فبفضل حنكته لم يستطع فقط وضع حد لتطلعات الهيمنة اإلسبانية على المغرب بل نجح أيضا في الحصول على تنازالت دبلوماسية ومجالية. وقد تم تأويل ذلك االنتصار الرمزي من قبل األوساط المخزنية باعتباره عالمة على التوفيق اإللهي ما زاد من ترسيخ التطلعات الخليفية للسلطان الشريف ودفع هذا األخير إلى المضي ق د م ا في مشاريعه التوسعية. وبالفعل فبعد تخلصه من ضغط القوتين العظميين اللتين أدارتا ظهريهما إلى البحر المتوسط لتتفرغا لمشاكلهما السياسية واالقتصادية والدينية تمكن السلطان الشريف أحمد المنصور من التفرغ حصريا إلى غزو السودان الغربي. 60

364 الفصل المغامرة الثالث: السودانية نزعة المنصور التوسعية بعد أن أصبح سيد واحات توات وتيگورارين سنة 87 وبعد أن تلقى بيعة بورنو في نفس السنة اقتنع السلطان الشريف بضرورة مواصلة توسعه الجغرافي نحو إمارة سنغاي. وال شك أن تداخل عوامل دينية وسياسية واقتصادية عدة هو ما دفع إلى المضي في ذلك الطريق. الشمالية تأثيرا كارثي ا على االقتصاد لقد كان لالكتشافات الكبرى والتوسع العثماني في إفريقيا المغربي بسبب تغيير وجهة القسم الكبير من التجارة الصحراوية التي تمثل واحدا من أهم مصادر المداخيل للبلد منذ بداية العصر الوسيط. ومع ظهور الزيدانيين في المغرب بداية القرن السادس عشر عمل السالطين بشدة على ات باع سياسة صحراوية نشطة إلعطاء نف س جديد إلى هذه الحركة التجارية الضاربة في القدم. وهو اتجاه بعيد كل البعد عن االبتداع والتجديد. حاول السلطان الشريف محمد الشيخ المهدي طيلة السنوات األولى من حكمه تشجيع إعادة إحياء تجارة القوافل وتنميتها. ولكنه سرعان ما وقف على أن اإلمكانية الوحيدة لضمان تلك التجارة وتغيير مسالكها نحو المغرب هي في التحكم فيها سياسيا تأسست هذه اإلمارة على يدي أسكيا محمد الملقب بأسكيا الكبير حوالي سنة 844. وكان ذلك بدعم سياسي من العلماء وتأييد دبلوماسي من مماليك مصر. وقد أصبحت بسرعة كبيرة قوة إقليمية بعد غزوها مناطق حوض النيجر وتحكمها في المسالك الرئيسية لتجارة القوافل وتجارة العبيد. غير أن مشكلتين بنيويتين ستكونان قاتلتان لهذه اإلمارة هما مسألة توريث الحكم وتقليدية هياكلها العسكرية. أنظر Ousmane Sow, «Islam et tradition dans l Empire songhay», Ifriqya al-gharbiyya, Rabat, 00, ; Thomas A. Hale, «La Chute de l Empire songhay en 59 : une interprétation comparative à partir des tarikhs et l épopée d Askya Muhammad», Le Maroc et l Afrique subsaharienne, Rabat, 995, p. 05- ; Sékéné Mody Cissoko, Tombouctou et l Empire songhay, Paris, 996 ; Sékéné Mody Cissoko, «The Songhay from the th to the 6 th Century», Africa From the Twelfth to the Sixteenth Century, 984, t. II, p ; Ferran Iniesta Vernet, «Un aspect de la crise Songhay au XVIe siècle : les Askya et la fin de laroyauté divine», Le Maroc et l Afrique subsaharienne, Rabat, 995, p ; Zakari Dramani-Issoufou, L Afrique noire dans les relationsinternationales aux XVIe siècle : analyse de la crise entre le Maroc et le Songhai, Paris, 98. 6

365 وعسكريا. لذلك ولتحقيق التحكم بل واحتكار تجارة الملح والذهب والعبيد كان ال بد من التحكم سياسيا وعسكريا في مناجم الملح الخ. في غانا "الغنية" الدولة الزيدانية سيدة التجارة الصحراوية. "الغنية" في ت غازى وفي مناجم الذهب وبالمحصلة ال بد من االستحواذ على إمارة سنغاي لتصبح وهو ما جعل محمد الشيخ يحاول في السنوات األخيرة من حكمه السيطرة على شنقيط ومناجم ت غ از ى عسكريا. وك خ ي ر خ ل ف استعاد أحمد المنصور الذهبي مشروع أبيه وتبن اه مع إضافة ب عد جديد إليه ألن الدوافع االقتصادية لم تكن هي المحرك األساسي للطموحات التوسعية للحاكم المغربي وإن كانت جزءا منها. ويمكننا التأكيد بيقين أن إمارة سنغاي لم تكن بالثراء وال باالزدهار الذي توحي به المصادر التاريخية لذلك العصر والتي تناقلها مؤرخون معاصرون ك ث ر دون تمحيص. وال تمثل االثنتي عشر ألف دوقة عائدات مناجم تغ ازى واألربع مائة ألف دوقة التي كان يستخلصها أعوان السلطان الشريف من السودان سوى جزءا طفيفا من مداخيل السلطنة. كثيرا وأفضل محاربيه في تلك العملية. وبحسب موالي زيدان فإن أباه خسر ماال وال يمكن للعامل االقتصادي إال أن يكون واحدا من بين أدوات الخطاب الشريفي إلقناع قسم من النخب السياسية والدينية وخاصة العسكرية بصواب تلك الحملة. فعند الوصول الى عين المكان خاب ظن الجنود كما سنرى الحقا واكتشفوا أن البلد لم يكن بالثراء الذي رو جت له الدعاية 4 الشريفة. ال بد إذا من إزاحة العامل االقتصادي كسبب رئيسي لغزو السودان الغربي بشكل نهائي وإعطاء مكانة أكبر للعوامل السياسية والدينية. يبدو أن العقيدة الخليفية التي تبن اها المنصور والتي تختلط فيها المعتقدات الدينية بالمشاغل السياسية كانت أهم الفشتالي مناهل الصفا ص 86 السعدي تاريخ السودان ص p 6 Marmol, L Afrique,.t III,.et t. IV, p. 7 Jorge de Henin, Descripcion, p. 46 ; Henri de Castries, SIHM, France, t. I, p. 8. السعدي تاريخ السودان ص الفشتالي مناهل الصفا ص اإلفراني نزهة الحادي ص 4 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص 854 كعت تاريخ الفتاش ص

366 محرك للمطامع التوسعية للسلطنة الشريفة. والمصالح المغرقة في الدنيوية عادة ما يتوافقان". ألم يقل بول فين "إن اإلخالص الديني لقد كان السلطان الشريف يعتقد ال شك أنه مكلف بمهمة دينية مخصوصة. وبدون أن يدعي أنه المهدي المنتظر فقد كان على يقين مثلما بينا سابقا بأن اهلل أمره بتجديد دين األمة وتدشين األلفية الهجرية الجديدة وإحياء الشرع اإلسالمي. التي توافق سنة بإعادة توحيد األمة 8748 وبحسب النبوءات المنتشرة منذ بداية القرن السادس عشر فإن الشخص المعني بإعادة الوحدة اإلسالمية سيخرج من المغرب األقصى وسيبدأ بغزو بالد السودان إلقامة الشريعة. وألنه كان صاحب مشروعية دينية ومؤي د بالنبوءات المهدوية فلم يكن بوسع السلطان الشريف إال أن يعتبر السودان موعودة" ونقطة انطالق الستعادة الخالفة الغربية بل والخالفة الكونية. "أرضا ولكن تلك المثالية ال يجب أن تنسينا حقيقة كون السلطان الشريف "واقعي يملك حس الممكن والمستحيل" 4 لالستشهاد بإحدى أقوال فين مرة أخرى. فالعامل الديني وهو مهم جدا كان ال شك مشفوعا بمشروع سياسي محدد. فغزو السودان كان إذا يستجيب لحاجيات سياسية وعسكرية عد ة. أولها الحصول على عمق استراتيجي يمك ن المغرب من التخلص من الكماشة اإلسبانية العثمانيةحسب رؤيته. وثانيها قطع طرق الصحراء على هاتين القوتين العظميين لتجنب الحصار السياسي واالقتصادي. وثالثها أن السودانيين المهج رين إلى المغرب يمكن أن ي عتم د عليهم في أعمال الس خ رة وخاصة في معاصر السكر أو أن يشك لوا فرقة من الجنود ت لح ق بالجيش أو م جد فين في األسطول الذي اشتراه من انگلترا أو شي ده في الرباط. وأخيرا فإن غزو هذه البالد أسهل وأقل ك لفة من غزو واليات الشمال اإلفريقي التابعة للدولة العثمانية أو غزو Paul Veyne, Quand notre monde est devenu chrétien, p التمگروتي النفحة المسكية ص 85. الفشتالي مناهل الصفا ص اإلفراني نزهة الحادي ص 48 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص Paul Veyne, Quand notre monde est devenu chrétien, p. 4. 6

367 األندلس سواء من الناحية المالية بفضل التفوق التقني للقوات الشريفية أو من الناحية السياسية. تمكن السلطان الشريف والمقربين منه إذن عبر التلويح بثراء السودان "الفاحش" الذي ال يمكن إال أن ينعكس إيجابا على الجند والرعية ومن خالل استعمال قائمة من التعليالت الشرعية والالهوتية من إسباغ نوع من الشرعية على غزو أرض مسلمة. كان يهدف هذا الغزو بال شك ب غض النظر عن شرعيته و مدى جدواه استراتيجيا إلى تجاوز إطار اإلمارة الترابية لتكوين خالفة إقليمية على غرار ما فعله سالفا الفاطميون وأمويو األندلس والموحدون والمرينيون لمواجهة المخاطر االيبيرية والعثمانية. مناورات سياسية وبعثات أولية أرسل أحمد المنصور بين سنتي 875 و 87 سفارة إلى األسكيا داوود طالبا منه أن يتنازل له عن مداخيل منجم تغ ازى كل سنتين. ودفع هذا األخير مطلب المنصور بكل لطف وأرسل له هدية ضخمة من ذهب ال شك أنها فسرت في دار المخزن على أنها عالمة خضوع.. 87 وبقيت العالقات الودية بينهما مستقرة إلى حدود وفاة داوود سنة وفي حدود سنة 87 أرسل السلطان سفارة محم لة بهدايا ثمينة لتهنئة األسكيا الحاج. وبحسب الفشتالي والس عدي كان الهدف الحقيقي من تلك البعثة جمع معلومات عن تلك البالد. وع ه د بتلك المهمة الدقيقة إلى أحد متصوفة الصحراء مأمون بن موسى الع م ري 4 المع ق لي المشهور بذكائه وحيلته وخبرته. المغربي احسن استقبال. وقد استقبل صاحب السودان السفير وعند انتهاء مهمته أغدق عليه العطايا وأرسل الكثير من يذكر بعض األخباريين أن السلطان الشريف خطط لغزو السودان للتخلص من قسم من قواته التي أصبحت ال تحت م ل. ولكن هذا الرأي ال يستقيم لسببين رئيسيين: األول كون الجيش الذي أ رس ل لغزو السودان يتكون من العلوج واألندلسيين أي الفرق األكثر والء للسلطان طيلة حكمه. والثاني أن هذا األخير كان قادرا على التخلص من القوات غير المنضبطة بطرق أخرى أقل كلفة مثلما التجأ إلى ذلك في السابق مع زواوة وشراگة. الفشتالي مناهل الصفا ص 8 اإلفراني نزهة الحادي ص 4. السعدي تاريخ السودان ص الفشتالي مناهل الصفا ص

368 الهدايا إلى المنصور. وال شك أن الهدف اآلخر للمبعوث كان التفاوض حول التنازل عن منجم ت غ ازى. وفي نفس السنة أرسل السلطان جاسوسا على درجة عالية من الد ربة لتحصيل المعلومات الالزمة لغزو البلد. التسلل إلى بطانة األسكيا ليصبح من مقربيه. المغرب محم ال بالمعلومات الضرورية إلنجاز الحملة. السلطان الشريف في سنة 874 وبفضل حنكته استطاع هذا األخير وبعد سنوات قليلة عاد الجاسوس إلى حملتين إلى بالد شنقيط. ومن ناحية أخرى جه ز أرس لت األولى لمعاقبة شراگة والثانية لنهب المنطقة وإقامة روابط مع قادة القبائل المحلية واستعراض قوة السلطان واستكشاف الطرق الممكنة واألكثر استعماال. واصل السلطان سياسته السودانية حيث تختلط االنتظارية بالمصالح السياسية. طلب من األس ك يا مجددا أن يتنازل له نهائيا عن المنجم الصحراوي. مقابل كل حمولة من الملح ما يساوي قطعة ذهب. ولعله كان يريد في وأمام رفض حاكم السودان قرر السلطان تخطي الحاجز وإرسال حملة عسكرية مكونة من 66 فارس استولت على المنجم في شتنبر/أكتوبر 870. وبعد االستيالء على المنجم أمر السلطان ببناء حصن لحمايته من غارات البدو ومن هجمات مضادة محتملة لقوات سنغاي. ويبدو أن األسكيا قد أمر فورا بمقاطعة تلك المناجم محذرا من إعدام كل شخص يتخابر مع المغاربة. ويبدو أن االستيالء كانت ضامرة لسنوات عدة. على تغاز ى من قبل القوات الشريفة قد فتح الباب ألزمة شرعية ففي دجنبر 870 أطاح انقالب باألسكيا الحاج الذي ع و ض بأخيه محمد بانو. وقد اضط ر هذا الحاكم طيلة فترة م ل كه القصيرة إلى مواجهة كوارث طبيعية وسياسية عد ة: الطاعون والجفاف والمتطلعين من البيت الحاكم. وعند التوجه لمجابهة أحد هؤالء توفي األمير في معسكره يوم بايع األعيان أخاه إسحاق الثاني. ومن الغد 87. أبريل 4 لم يكن األسكيا الجديد بأحسن جد من أخيه. فقد كان عليه منذ اعتالئه السلطة أن يواجه تمر د محمد الصادق بل م ع أحد كبار األعيان. السعدي تاريخ السودان ص 86. الفشتالي مناهل الصفا ص 884. نفسه ص السعدي تاريخ السودان ص

369 وعندما تغلب عليه عاقب سكان تومبكتو على "خيانتهم". تمر د عديدة دبرها إخوانه. وكثير من هؤالء أوقفوا وح ب سوا. ثم واجه أيضا محاوالت وفي هذا السياق من االضطرابات وعدم االستقرار أصر السلطان على أن يكون على علم بكل تطورات الوضع في إمارة سنغاي. جاسوسا جديدا اسمه منصور بن بالمنطقة. وقد كان السبب الم عل ن لزيارته هو التجارة. ولتحقيق ذلك أرسل أواخر سنة 877 الفياللي زعيم قبيلة بني سليم البدوية وكان خبيرا ولكنه اعت ق ل وس جن وتعرض لالستنطاق المطول من قبل أعوان األسكيا. وفي النهاية تمكن من كسب ثقة السلطات السودانية بل وأن يصبح من المقربين في البالط. األسكيا االنقالب عليه. وفي هذه األثناء حاول أحد إخوة ولكنه اعت قل فنصح الجاسوس المغربي األسكيا بنفيه إلى المغرب. وبذهول تام عن التبعات الخطيرة التي يمكن أن يتسبب فيها مثل ذلك الصنيع أرسله إسحاق الثاني إلى تغازى ومن هناك إلى مراكش التي وصلها في شهر أبريل سنة. 874 كان السلطان سعيدا جدا عندما علم وهو في فاس بمقدم أخ األسكيا وكان ذلك إيذانا بأن يبدأ مناوراته. طلب من ابنه أبي فارس أن يشجع المتطلع السوداني علي بن داوود على مكاتبته وطلب مساعدته العسكرية ألخذ الحكم في بالده. وبسذاجة استجاب األمير الى تلك الدعوة وبعث برسالة في هذا الشأن للمنصور. استقوى هذا األخير بتلك الرسالة التي يمكن أن تزرع الشك في ذهن األسكيا وبعث له برسالة يطلب منه فيها رفع المقاطعة عن مناجم تغازى ويعلمه أن أخاه يطلب معونته وأنه لن يجيبه قبل أن يسمع رأي األسكيا. كان هذا األخير يجهل أن السلطان سيلعب ورقة األخ الرهينة لذا يبدو أنه رفض العرض الذي قد م له. اضط ر المنصور إلى أن يبعث له رسالة ثانية يعيد فيها مطلبه مدعوما بفتاوى العلماء المؤيدين لمسعاه ومرفقا برسالة األمير علي التي طلب فيها نفسه ص 8-88 Henri de Castries, «La conquête du Soudan par el-mansour», Hespéris, t. III, 9, p. 458, p. 464, p. 468 et p. 47. عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص

370 مساعدة السلطان. وركز في تلك الرسالة على أن المشروعية الخليفية تعطيه الحق في التمتع بعائدات المنجم لتزويد قواته وصنع أسطول قوي للدفاع عن دار اإلسالم واستعادة األندلس... لكن األسكيا أصم أذنيه عن ذلك وتأخر في الر د على السلطان لربح الوقت عساه يجد حال. وكان هذا األخير وهو الخبير بفن إضاعة الوقت يعرف بالتفصيل حركات حاكم سنغاي وسكناته. وبعد االنتصار الدبلوماسي الذي حققه على اسبانيا وإعادة العالقات الطيبة مع الدولة العثمانية كان المنصور على يقين بأن الفرصة مواتية تماما لغزو ذلك البلد. واحتراما لألصول أي االلتزام الحرفي بتعاليم اإلسالم في محاربة الب غاة بعث السلطان الشريف رسالة إلى األسكيا يطلب منه فيها أن يبايعه بصفته الخليفة الشرعي وفي حالة الرفض يكون التدخل العسكري جائزا شرع ا. ومثلما هو متوقع فقد رفض األسكيا أداء البيعة. وأكثر من ذلك فقد أجاب بكالم عنيف وقبيح وأرسل مع جوابه رماحا ونعلين من حديد حسب بعض الروايات. كانت الرسالة واضحة فالرماح ترمز إلى الحرب والنعال إلى سجن السلطان بعد أسره. وبقطع النظر عن صحة إجابة األسكيا فإن المنصور كان يستعد أصال لمهاجمة البلد. فمراسالته مع الملكة إليزابيت سنة لغزو تلك البالد. 874 تطرقت أكثر من مر ة الى االستعدادات ال مجال للوهم هنا فإن الحملة كان مخططا لها منذ زمن بعيد. تفعل تلك اإلجابة غير تقديم التبرير المناسب الذي سر ع األحداث. غزو إمارة سنغاي 4 احتراما لمبدأ الشورى عقد السلطان الشريف مجلسا استثنائيا. األعيان لتقديم "رأيهم". ولم ودعا إليه معظم كبار ورغم أننا ال نملك معلومات عن تركيبة ذلك االستثنائي فإننا نستطيع طبقا لما نعلمه عن ديوان السلطان وضع قائمة محتملة المجلس ألهم 4 الفشتالي مناهل الصفا ص عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص السعدي تاريخ السودان ص 8. الفشتالي مناهل الصفا ص 80-8 اإلفراني نزهة الحادي ص

371 أعضائه وهم الحاجب عزوز الوزگيتي وقائد الق و اد إبراهيم السفياني وأخوال السلطان الشريف أحمد الصغير وأحمد الكبير وقاضي الجماعة أبو القاسم الشاطبي وقاضي الجماعة عبد الواحد الح م ي دي ومفتي مراكش عبد الواحد الشريف ومفتي فاس يحيى السراج والقو اد منصور وجوذر ومحمود زرقون ومؤمن بوكرزية ومحمد بن ب ج ة ومحمد بن بر ك ة والك ت اب عبد العزيز الف شتالي ومحمد الف شتالي وغيرهم. وال شك أن بعض الص لحاء من ذوي النفوذ وزعماء قبائل قوية قد انضموا إلى هذا المجلس االستثنائي. كشف السلطان الشريف رسميا عن مخطط غزو إمارة سنغاي مقدما ذلك على أنها الخطوة األولى في مسار توحيد األم ة. وإذا كان جميع األعيان مؤيدين للطموحات الخليفية لموالي أحمد بل شارك بعضهم في رسم الخطة فإن قسما كبيرا من بين هؤالء كان معارضا للمشروع المعروض وذلك ألسباب فنية وتاريخية. بداية الهدف بعيد جدا واألحوال المناخية في غاية الصعوبة والتنظيم اللوجستي عسير التنفيذ. فإذا كان بعض التجار الم فردين ال يبلغون تلك البالد إال بعسر شديد فكيف لجيش بأكمله أن يشق الصحراء دون خسائر مادية وبشرية مهمة لماذا التفكير فيما لم تتجرأ عليه الدول الكبرى السابقة لم تكن تلك الحجج التي قدمها األعيان اعتباطية فهي توحي بعقلية تقول إن الماضي أفضل بالضرورة من الحاضر وأن المستقبل هو حتما تأخ ر عن الحاضر. ولتعطيل التدهور بل االنهيار وجب تقليد السلف بأي ثمن وعدم البحث عن البديل ألن النتيجة حسب هذه النظرة ستكون أسوأ ال شك. رد السلطان الشريف على اعتراضات وحجج األعيان واحدة بعد األخرى. فبخصوص صعوبة المسالك الصحراوية قال إن الت جار استطاعوا االنتصار على هذ الصعوبات منذ قرون فما بالك بجيش عرمرم مزو د ومجه ز بشكل جي د. أما الحجة التاريخية فقد أجاب عنها موالي أحمد باستعادة السياق الدقيق ليفسر الحاجة إلى التحرك. فالمرابطون اهتموا بفتح المغرب واألندلس وانشغل الموحدون إضافة إلى ذلك بمحاربة بني غانية في طرابلس ودخل المرينيون في حروب طويلة مع الزي انيين في تلمسان. لم تكن أولوية أولئك جميعا إذا غزو السودان. وحتى لو كانت األولوية تلك 68

372 فإن الممالك السابقة لم تكن تملك اإلمكانيات التقنية للقيام بذلك الغزو. فقد كانوا يملكون نفس األسلحة التي كانت بأيدي السودانيين إضافة إلى أن هؤالء كانوا أكثر منهم عددا وأحسن معرفة ببالدهم ما كان يؤدي إلى هزيمة القوات المغربية ال ريب. ولكن األمر تغير كليا بحسب السلطان الشريف فحتى إن كانت القوات المغربية أقل عددا من السودانيين فإن النصر سيحالفها المتالكها األسلحة النارية وتمرسها على فنيات الحرب المعاصرة ما لم يكن متوفرا بعد لدى السودانيين. وبعد أن بي ن أن غزو السودان ممكن التحقيق حاول البرهنة على الحاجة إلى تلك العملية. فذلك الفتح سيكون حسب رأيه المرحلة األولى إلعادة توحيد األم ة بحيث سيستفاد من عائدات تلك العملية لتمويل فتوح أخرى السيما إعادة فتح األندلس. استعمل المنصور حججه الموضوعية ثم خل ص إلى الحجة الذاتية التي لقيت قبوال لدى كل الحاضرين وهم من أصول أندلسية بالوالدة أو بالثقافة. اآلراء وشحذ الهمم. فاستعمال كلمة األندلس كان كافيا "السحرية" لتوحيد ودون مفاجأة قبل الجميع رأي السلطان ودعوا له بالنصر والسداد... ولكن هل كانوا يستطيعون غير ذلك كانت االستعدادات العسكرية لغزو إمارة سنغاي قد بدأت بحسب كل الدالئل قبل مصادقة المجلس السلطاني على قرار أحمد المنصور. وقد ذكر األخباري الزياني أن السلطات المخزنية استهلت استعداداتها تلك منذ سنة 875 على حد التقريب. وحتى ال يترك مجاال للصدفة أمر السلطان تركيز اإلعداد اللوجستي للحملة في مراكش. فباإلضافة إلى الص ن اع والفنيين والمهندسين واألطباء الذين وقع استجالبهم من أركان السلطنة األربع فإن جميع المواد األولية والمعادن واآلليات العسكرية والعتاد والمؤونة والدواب قد تم إيصالها إلى المدينة الحمراء أو ص ن عت في عين المكان. ولنقل القوات والمعد ات جمعت السلطات المخزنية ما بين أربعة و عشرة آالف جمل وحوالي ألفي الزياني الترجمان المعرب ص 4. الفشتالي مناهل الصفا ص

373 فرس وعدد ال محدود من الدواب. في منطقة د ر ع ة. كما ص ن عت القوارب المعد ة الجتياز نهر النيجر وإضافة إلى األسلحة البيضاء من سيوف ورماح وخناجر وسكاكين وأقواس وغيرها فقد و ض ع تحت تصرف قوات الحملة الشريفة حوالي ستين بندقية وحوالي ألفين وخمسمائة مكحلة وعشرة مدافع وأربعة من الصقور الصغيرة وستة راجمات وبعض المدافع الصغيرة. كما وف روا لها ثالثمائة قنطار من الذخيرة وثالثمائة قنطار من الرصاص وعشرة قناطير من المتفجرات ومائة من وثمانون خيمة. وإلى ذلك ال بد من إضافة كميات من الدروع والحديد واأللياف والصمغ والراتنج الصنوبري والزفت وحبال الكت ان وأدوات الحفر والفؤوس وآالت هدم حيطان الطوب والطين الجاف الخ. وبالتوازي مع تلك االستعدادات العسكرية حاول السلطان الشريف أن يستقطب عددا أعيان السودان وخاصة رجال الدين األكثر تأثيرا وذلك لتسهيل غزو البلد. فقد 4 كتب إلى عدد من أعيان المنطقة إلقناعهم باالنضمام إليه ووعدهم بالخير العميم. وبالرغم من أننا ال نتوفر على أي معلومة حول ردة الفعل المباشرة ألولئك األعيان إال أن سوء قبولهم للقوات المغربية التي حل ت بالمنطقة يؤشر إلى أن أغلبهم قد رفض عروض المنصور. وفي كل األحوال فقد واصل السلطان الشريف تحضيراته "بكل هدوء" وبدأ في اختيار القوات التي ستشارك في الحملة والتي عين على رأسها الباشا ج و ذ ر أحد معاونيه األوفياء. كما عي ن مجلسا عسكريا مكو نا من أحد عشر ضابط من 5 مختلف فصائل الجيش لمراقبة الباشا. و لد ج و ذ ر وهو من أصول أندلسية مسلمة ال شك في حدود سنة كويفاس شمالي ألم ر ية. في ضاحية 870 خ ط ف وهو ال يزال طفال من قبل القرصان سعيد بن فرج Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 64 ; Henri de Castries, «La conquête du.الزياني الترجمان المعرب ص 44 ; 478 p. Soudan», p. 469 et الفشتالي مناهل الصفا ص 84. Henri de Castries, «La conquête du Soudan», p. 470 et p الفشتالي مناهل الصفا ص 88-8 عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص السعدي تاريخ السودان ص 8 يسوق لنا األسماء التالية: مصطفى التركي ومصطفى بن عسكر وأحمد الحروسي األندلسي وعم ار الع لج وأحمد بن يوسف الع ل ج وأبو شي ب ة الع م ري وأبو الغيث الع مري وحسن فرير والقاسم ور د وي األندلسي. 70

374 الد غالي القائد المستقبلي لكتيبة األندلسيين في إحدى هجماته على شواطئ األندلس. وبعد أن أخصاه هذا األخير تربى داخل قصر السلطان في مراكش. وكان الدعم الذي قدمه للسلطان الشريف في األيام األولى من ح كمه سببا في أن يجعله هذا األخير رئيس الخدم في القصر السلطاني ولم ا يتجاوز الستة عشر سنة من عمره. وبسرعة تسلق الشاب ج و ذ ر بفضل والئه الدرجات ليصبح قائد كتيبة األندلسيين في منتصف سنوات. 876 على غرار جيش السلطان كانت القوات تتكون من األندلسيين والعلوج وعرب الدولة. عرضت المصادر المتوفرة أرقاما متناقضة عن عدد الرجال الذين تمت تعبئتهم تراوحت بين األلف والعشرة آالف. فبينما لم يقدم الفشتالي والمصادر المغربية المعاصرة أي ة أرقام يؤكد األخباري السوداني ك ع ت على أن عدد المشاركين في الحملة الشريفية لم يتجاوز األلف رجل. ويورد السعدي وهو مؤرخ سوداني آخر رقم تسعة آالف رجل منهم ثالثة آالف جندي. أما خورخي دي هينين وأنطونيو دي س ال د ان يا 4 فيد عيان أن السلطان الشريف جن د ما ال يقل عن عشرة آالف. وفي األخير فإن كاتبا اسبانيا مجهوال وهو شاهد العيان الوحيد يقترح في موضعين مختلفين من رحلته رقم 5 خمسة آالف رجل منهم ألف من رعاة اإلبل والحفارة. وبالرغم من أننا ال نملك معطى واحدا يسمح لنا بالقطع في المسألة فإننا نعتقد أنعدد أعضاء الحملة الشريفية كان يتراوح بين الثالثة والخمسة آالف رجل. بعد االنتهاء من التحضيرات تم تنظيم احتفال رسمي في أكتوبر 87 مناسبة الستعرض القوات وتعيين جوذر باشا رسميا على رأس الحملة. كان 8746 غادرت الحركة مراكش في بداية نونبر من نفس العام لتلتحم مع قوات فاس في بني ص ب ي ح من Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 4, p. 4, p. 6 et p ; Henri de Castries, «La conquête du Soudan», p كعت تاريخ الفتاش ص 0. السعدي تاريخ السودان ص 8. 4 Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 64 ; Jorge de Henin, Descripcion, p.. 5 Henri de Castries, «La conquête du Soudan», p. 468 et p

375 والية د رع ة. وفي الثاني والعشرين من دجنبر 8746 غادرت القوات الواحة لتبدأ مسيرة طويلة دامت اثنتين وثالثين يوما لقطع مسافة ألفي كلم من الصحراء. وفي حين أننا ال نملك خارطة طريق جوذر فإنه يمكننا بفضل كتب الجغرافية والرحلة واإلشارات المبثوثة في المصادر المعاصرة إعادة رسم خط مسير الحملة المغربية بي سر. فعند مغادرة واحة بني ص ب ي ح عبرت القوات الشريفة على ما يبدو فم زكيد وتيسين ت وطاطة وآقا قبل الوصول إلى واحة ت ندوف. ولكن قبل الوصول إلى الحدود السودانية كان على ج و ذر ورجاله أن يقطعوا ألفا وثالثمائة كلم من الصحراء. فقد مر وا بجوف البئر وبئر عب اس وبئر أگليف ومنجم تغازى ومنجم ت ن د ني وضواحي أروان للتوقف أخيرا عند كارابارا على مشارف إمارة سنغاي أوائل سنة بحسب رواية المؤرخ السوداني السعدي النهر وهناك قام جوذر بإقامة مأدبة كبيرة لالحتفاء بالوصول إلى 5 فمجرد وصول أولئك الرجال إلى تلك المنطقة يعتبر انتصارا في حد ذاته. و ما إن حل ت القوات الشريفة في السودان حتى بدأت المفاوضات السياسية. فامتثاال ألوامر السلطان الشريف كان على جوذر باشا في البداية أن يدعو األسكيا الذي يعتب ر ه الخطاب المخزني باغيا وخارجا عن الحق لمبايعته قبل الشروع في الحرب. وهذا ما كان. 6 جمع إسحاق الثاني أعيان دولته لمواجهة الوضع. وإذا ما أخذنا بالمؤشرات الهزيلة التي بين أيدينا ألمكننا القول إن قسما كبيرا من النخب السودانية وقد أدركت التفوق التقني للقوات الشريفة كانت مي الة للحل السلمي وذلك بالقبول بأداء البيعة الفشتالي مناهل الصفا ص p. 469.Henri de Castries, «La conquête du Soudan», Ibid., p. 6 ; Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 68. البكري المسالك والممالك قرطاج 844 جزآن اإلدريسي نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق ليدن 845 ابن بطوطة تحفة النظ ار في غرائب األمصار وعجائب األسفار الرباط 8445 القيسي رحلة الساري والسارب من أقطار المغرب إلى منتهى األعمال والمآرب الرباط 840 Léon L Africain, Description de l Afrique, Paris, 98 ; Marmol, L Afrique, Paris, 586 ; Anonyme, Une Description du Maroc, Paris, 909 ; Henri de Castries, SIHM, France, t. III, p Henri de Castries, «La conquête du Soudan», p السعدي تاريخ السودان ص 84 وترجمته ص 8. 6 Henri de Castries, «La conquête du Soudan», p

376 لموالي أحمد. غير أن الكلمة عادت إلى الفريق المنادي بالحرب بقيادة األسكيا نفسه. فأعلنت حالة التأهب العام بتسرع وارتجال.بالفعل لقد ارتكبت السلطات السودانية خطأ تقديريا فادح ا: كانوا يعتقدون أن السلطان الشريف ما كان لينف ذ تهديداته لما يعرفونه عن ات ساع الصحراء وعن طول المسافة الفاصلة بين البلدين وعن أوضاع الطقس غير المحتملة. إضافة إلى أنهم لم يفلحوا في توفير األسلحة النارية بالرغم من المجهودات الدبلوماسية التي قاموا بها ألن لتوفيرها لهم ألسباب سياسية عسكرية. اإلسبان والعثمانيين كانوا غير مستعدين وبذلك فقد تركت المفاوضات السياسية مكانها إلى االستعدادات العسكرية. أرسل الباشا ج و ذ ر جواسيسه إلى معسكر األسكيا إسحاق لجمع أكبر قدر من المعلومات عن حالة قوات سنغاي. كما أرسل قوارب لمحاصرة كاگو األسكيا إذا استدعت الضرورة ذلك. بين كارابارا وكاگو لمنع القوات المغربية من التزود. عاصمة الدولة بر ا وبحر ا ومالحقة ومن جهته أمر أمير السودان ردم كل نقاط الماء كما طلب من سكان عاصمته بحمل كل ما يمكنهم حمله معهم. كانت الحرب إذا اتية ال محالة وكانت االستعدادات على قدم وساق. بدأ هجوم القوات الشريفة على كاگو. قريبا من ت ند بي مقر اإلقامة الصيفية لحاكم السودان في كانت المواجهة مع قوات األسكيا في تينك ن د ب ع.8748 مارس 8 وتختلف المصادر التي بين أيدينا مرة أخرى بشأن عدد القوات التي عب أها إسحاق الثاني لتلك المعركة بالرغم من أن تلك المصادر كانت مجمعة على أنها كانت أكثر من القوات الشريفة. فبينما يذهب ك ع ت إلى أن القوات التي كانت على ذم ة األسكيا تتكون من ثمانية عشر ألف فارس وتسعة آالف وسبع مائة من المشاة يؤكد السعدي أنها تتركب من اثني عشر ألف وخمس مائة فارس و ثالثين ألف 4 من المشاة. أما حسب المجهول Henri de الفشتالي مناهل الصفا ص 80 السعدي تاريخ السودان ص 84 كعت تاريخ الفتاش ص 876.Castries, «La conquête du Soudan», p. 470 كعت تاريخ الفتاش ص 876. نفسه ص السعدي تاريخ السودان ص

377 اإلسباني فقد استطاع حاكم سنغاي جمع ثمانية آالف مقاتل فقط. وفي رسالة وج هها المنصور لسكان فاس يعلن لهم فيها النصر قد م رقم أربعين ألف مقاتل. وفي األخير فإن الفشتالي وإلبراز قيمة النصر الذي أحرزه سيده يؤكد أن عدد القوات السودانية بلغ مائة وأربعة آالف رجل. ومهما كان عدد القوات التي عب أها األسكيا فإن مصادرنا م جمعة على التأكيد أن ذاك االلتحام األول بين الجيشين كان بمثابة نزهة للقوات الشريفية. فبفضل األسلحة النارية وفنيات الحروب المعاصرة استطاع رجال جوذر باشا دحر الجيش السوداني بسرعة 4 خاطفة.هرب األسكيا وتحصن في عاصمته قبل أن يخليها في بداية شهر ماي سنة عندها دخلت القوات الشريفة دون إراقة دماء يوم 84 5 ماي من نفس السنة. وصلت أخبار النصر إلى مراكش بسرعة كبيرة فأعلن السلطان الشريف وكان في غاية االبتهاج ثالثة أيام من أقاليم السلطنة ليقاسم رعيته الفرحة. االحتفاالت العامة وبعث برسائل متشابهة تقريبا إلى كل وفي النسختين اللتين وصلتنا أكد السلطان الشريف على أن فتح السودان لم يكن إال مقدمة إلعادة توحيد دار اإلسالم واستعادة األندلس. "الخالصية" وبفضل الثروات غير المحدودة لتلك المناطق فإن مهمة المغرب 6 أصبحت أخير في حكم الممكن. لم تكن ثروات السودان غير القابلة للحصر التي يتحدث عنها السلطان الشريف في الواقع إال أداة دعائية وحلما سلطانيا. الشريفة على ت ومبكتو وكاگو: فقد كانت الخيبة كبيرة بعد سيطرة القوات كانت الغنائم هزيلة والبلد غارق في الفقر 7 لم الشديد. تكن كاگو إال قرية كبيرة دفع بؤسها جوذر باشا إلى القول حسب السعدي إن منزل Henri de Castries, «La conquête du Soudan», p. 47. عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص 847. الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص 84 السعدي تاريخ السودان ص 846 كعت تاريخ الفتاش ص مجهول تاريخ الدولة السعدية ص Henri de Castries, «La conquête du Soudan», p السعدي تاريخ السودان ص الفشتالي مناهل الصفا ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 70 ; Henri de Castries, «La Conquête du Soudan», p

378 أمين سائقي الح م ير في مراكش أرفع قيمة من قصر األسكيا. يكن ليحتمله الجنود المغاربة الذين بدأوا يتضررون كثيرا منه. ثم إن طقس المدينة لم وبعد أسبوعين فقط من الحركة أج لت القوات الشريفية كاگو وانسحبت إلى مدينة تومبكتو التي أصبحت عاصمة السودان. كان جوذر باشا في وضعية غير مريحة. فالغنائم المحص لة ال تغط ي بالتأكيد حتى جزء يسير من المصاريف التي وف رها المخزن ألعداد الحملة هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لم يكن يملك قوارب كافية الجتياز نهر النيجر والوصول بالفتح إلى مناجم الذهب. اغتنم األسكيا إسحاق الثاني الفرصة وعرض السالم على الباشا. فإضافة إلى االعتراف بالسيادة المغربية التزم األسكيا بمنح السلطان الشريف حاال عشرة آالف قطعة من الذهب وزن الواحدة 4 سنوية كعربون على تبعيته. غرام 4.5 وتوفير مائتي عبد. بدفع هدية كما التزم وكان حاكم السودان يتمنى من خالل ذلك المقترح أن يقبل المغاربة عرضه ويغادروا أرضه في أحسن الحاالت وفي أسوئها أن يربح مزيدا من الوقت لتجميع قواته وإعادة ترتيبها. لم يكن أمام جوذر باشا وكانت قواته في حاجة إلى الراحة إال القبول بمقترحات إسحاق الثاني. بيد أنه أعلمه أنه ال يمكن أن يعقد معه اتفاقا دون موافقة مبدئية من السلطان. وألجل ذلك أرسل الباشا علي العجمي إلى مراكش. 5 بالرحلة ذهابا وإيابا في أقل من أربعين يوما. عندما سمع السلطان الشريف بالخبر غضب أحمد 6 بن الحداد العمري. وكان على هذا المبعوث أن يقوم غضبا شديدا على ج و ذ ر باشا وكاتبه وللتعبير عن رفضه القاطع لعرض األسكيا استعار موالي السعدي تاريخ السودان ص 848. الفشتالي مناهل الصفا ص 840», Soudan.p. 47Henri de Castries, «La conquête du Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 7 ; Henri de Castries, «La conquête du ; 47.p Soudanالسعدي,«تاريخ السودان ص الفشتالي مناهل الصفا ص 845 والسعدي تاريخ السودان ص 848 ضخ ما األرقام كثيرا عندما رويا أن األسكيا وعد بدفع 866 ألف قطعة من الذهب وعشرة آالف من العبيد», Soudan Henri de Castries, «La conquête du.p السعدي تاريخ السودان ص Henri de Castries, «La conquête du Soudan», p

379 أحمد جواب الملك سليمان رمز الحكمة والعظمة في المخيال اإلسالمي: "ف ل م ا ج اء س ل ي م ان ق ال أ ت م د ون ن ب م ال ف م ا آت ان ي الل ه خ ي ر م م ا آت اك م ب ل أ نت م ب ه د ي ت ك م ت ف ر ح ون *ار ج ع إ ل ي ه م ف ل ن أ ت ي ن ه م ب ج ن ود ل ا ق ب ل ل ه م ب ه ا و ل ن خ ر ج ن ه م م ن ه ا أ ذ ل ة و ه م ص اغ ر ون ". فبعيدا عن المبررات السياسية واالقتصادية كان السلطان يعتقد دون أدنى شك أنه على شاكلة سليمان م بو أ لمهمة خطط اهلل لها. وكما ذهب إلى ذلك روالن مون ييه "فال بد من قبول وجود أشخاص مسألة العالقة مع اهلل عندهم مسألة في غاية األهمية بل هي القضية األهم في حياتهم". وبدون انتظار قام السلطان الشريف بعزل جوذر باشا عن مهامه وعي ن مكانه القائد محمود باشا زرقون ابن أحد العلوج اإلسبان الذي تربى في القصر السلطاني كذلك وكان يتولى اذ ذاك وظيفة أمين الخزينة السلطانية الخاصة وقائد الكتيبة األندلسية. لم يتلق باشا السودان الجديد غير أمر وحيد: ضم إمارة سنغاي. السودان فتح غادر محمود باشا متبوعا بمحمد بن ب ر ك ة والي توات مراكش بسرعة كبيرة وكان محروسا من ست ين صبايحي. وألداء مهمته على أحسن وجه أمر له السلطان الشريف 4 بالقسط األغلب من مداخيل د رعة وتغازى. وبعد أسابيع من السير الحثيث تحت لهيب 5 شمس الصحراء الحارقة وصل الوالي الجديد إلى تومبكتو في 85 غشت وفور وصوله عمد الباشا الجديد إلى تنحية جميع الموظفين المدنيين والعسكريين الذين عينهم سلفه وتعويضهم بغيرهم. كما بدأ االستعدادات العسكرية الالزمة لمواصلة الهجوم. وألجل ذلك وللتمكن من استعمال نهر النيجر لغزو البالد أمر محمود زرقون بصنع عدد كبير من 6 القوارب. غادرت القوات تومبكتو يوم 4 أكتوبر وكان Roland Mousnier, Les XVI e et XVII e siècles, p. 8. Henri de Castries, «La conquête du Soudan», p تاريخ السودان ص القرآن الكريم 5-0/ الفشتالي مناهل الصفا ص 844 السعدي نفسه ص 876. السعدي تاريخ السودان ص Soudan», p Henri de Castries, «La conquête du

380 اللقاء بقوات األسكيا الذي بحث عن تسليح رجاله باألسلحة النارية دون جدوى في منطقة ب ن ب. ومرة أخرى وبفضل التفوق التقني زيادة عن انشقاق عدة قبائل سودانية ألحقت القوات المغربية هزيمة نكراء بجيش األسكيا. وعند هروب هذا األخير أمر أتباعه بمغادرة كاگو وبحمل ما يستطيعون وإتالف المؤن وإحراق المراكب التي قد تساعد المغاربة على مطاردتهم. ولكن تلك االحتياطات لم تنفعهم في شيء. فبعكس جوذر باشا لم يحاول محمود باشا السيطرة على عاصمة سنغاي بل واصل مطاردة األسكيا إسحاق. بدأت إذا مطاردة طويلة ستدفع القوات الشريفة إلى السيطرة على عدة تجمعات سكنية على شاطئي نهر النيجر وخاصة مدينة كوكية. وبفضل بح ار سوداني استطاع المغاربة ليس فقط اجتياز النهر بل ورصد األحراش التي يختبأ فيها األسكيا ومناصروه. وبعد مناوشات ومفاوضات استطاع القائد المغربي إقناع أقارب األسكيا وعددهم حوالي الثالثمائة بحسب الفشتالي بالتخلي عن أخيهم وااللتحاق بالمعسكر الشريف. ولكن إسحاق تمكن مرة أخرى من الفرار. وبعد عدة أسابيع من البحث تمكنت قوات القائد األندلسي قاسم و ر د وي من مباغتة الفرقة الصغيرة المصاحبة لألسكيا في غسق الليل وإبادتها. ومن شدة اضطرابه لم يستطع إسحاق الثاني اإلفالت إال ببعض خدمه وإمائه واللجوء إلى حمى إحدى القبائل الوثنية في المنطقة. لم يجد أسياد البالد الجدد صعوبة في إقناع أعيان تلك القبيلة بقتل ضيفهم. إذ لم يتورعوا عن ذلك في حدود شهر فبراير 874. كانت تلك بحسب الفشتالي نهاية حتمية لزنديق كان 4 يرفض االعتراف بخليفة اهلل في األرض. استطاعت القوات الشريفة خالل مطاردتها لألسكيا إسحاق الثاني جمع غنائم كبيرة ما شجعهم ال شك على المضي ق دم ا في غزوتهم على أمل تكديس ثروات جديدة. فعلى سبيل المثال وأثناء المواجهة األخيرة مع حاكم سنغاي استحوذ المغاربة على كمية 4 نفسه ص الفشتالي مناهل الصفا ص 876 مجهول تاريخ الدولة السعدية ص 05. الفشتالي مناهل الصفا ص 876 كعت تاريخ الفتاش ص 878. نفسه ص السعدي تاريخ السودان ص نفسه ص نفسه ص كعت تاريخ الفتاش ص

381 كبيرة من الذهب والخشب واألثاث والدواب ولكن أيضا على أكثر من ألف من اإلماء الالتي تمت ع بهن رجال محمود. وإلنقاذ المظاهر وعدم صدم المشاعر "القومية" للنخب السودانية عي ن محمود باشا أسكيا جديدا على رأس البالد كان يعتقد أنه صوري في شخص محمد كاگو األخ غير الشقيق لألمير إسحاق الثاني. وعوض أن يدخل في صراع عسكري خاسر سلفا مع القوات الشريفة اختار هذا األخير طريق المفاوضات والتفاهمات. إذ قبل االعتراف بسيادة السلطان وعقد سالما مع السلطات المغربية المتواجدة على األرض. وفي المقابل يشركه محمود باشا في الحكم ويعي ن أتباعه في الوظائف اإلدارية والعسكرية العليا. كان األسكيا يهدف التسلل إلى النظام العسكري واإلداري الذي رك زه المغاربة في المنطقة ليحاول توظيفه لصالحه في الوقت المناسب. لم يكن محمود باشا مغفال فقد كان على علم مسبق بمخططات صنيعته وذلك بفضل شبكة مكثفة من الجواسيس. غير أنه كان يرمي إلى التخلص منه دون اللجوء إلى حرب مكلفة. وللوصول إلى غرضه سعى الباشا المغربي إلى شراء ذمم المعاونين األساسيين لألسكيا كاگو وخاصة ذمة أقرب مستشاريه الكاتب ب ك ر لن بارو. فقد تمك ن هذا األخير من ج ر "سيده" إلى كمين نصبه له القائد المغربي. إذ يبدو أن الكاتب لنبارو أقنع األسكيا كاگو بالذهاب إلى المحل ة المغربية للمفاوضة حول اتفاق السالم مع الباشا محمود. ولكن حالما حل ركب حاكم سنغاي بالمحل ة حتى اعت ق ل وأ عد م مع عدد كبير من إخوته وأبناء 4 عمومته. 5 ثم تم تعويضه بأسكيا صوري يدعى سليمان. األسكيا المقتول وأقاربه تمكنوا من الهروب من سجنهم. غير أن ستة من إخوة وأقاموا بمناطق متاخمة إلمارة سنغاي السابقة وفيها تزعموا حركات مقاومة للحضور المغربي. وتمكنت كعت تاريخ الفتاش ص 805. الفشتالي مناهل الصفا ص 874 السعدي تاريخ السودان ص 876. السعدي تاريخ السودان ص 87 كعت تاريخ الفتاش ص نفسه ص 87 نفسه ص نفسه ص

382 القوات الشريفية بعد حمالت عديدة من القضاء على خمسة منهم. واصل إحداث القالقل. وحده األمير نوح كان األمير نوح أحد الطامحين إلى الحكم الذين اعتقلهم األسكيا إسحاق الثاني. كان محت ج ز ا مع حاشيته في مدينة د ن دي إلى أن حرره األسكيا محمد كاگو. وبعد إعدام هذا األخير أجتمع حوله عدد غير قليل من أعيان السودان في منطقة دندي وأعطوه بيعتهم. وبغض النظر عن شجاعة مقاومي سنغاي ومضاء عزمهم كانت قوة الحركة التي يقودها األمير نوح تعود ال شك إلى الدعم الذي القته من القوى اإلقليمية وخاصة من عثمانيي مصر وإمارة كابي. فقد وفر بعض المتصوفين المصريين الدعم المعنوي للمقاومة/التمرد كما كان األمير داوود حاكم كابي يقدم لهم العون العسكري والمالي. وقد دفع الدعم الكبير الذي يوفره هذا األخير لقوات سنغاي بالسلطان الشريف إلى أن يبعث له رسالة تهديد شديدة اللهجة. وفي هذه الرسالة التي وصلتنا رغم تقلبات الزمن والسياسة عاب أحمد المنصور على األمير داوود ليس فقط مساندته لتمرد سنغاي مع علمه األكيد بأن أولئك ب غاة في عيون الشريعة برفضهم لسلطة الخليفة بل أيضا ألنه يمد هم بالمال والسالح. كما المه على منعه عديد الرؤساء المحليين من االعتراف بسيادته ومن بينهم خاصة أمراء كان و وك ن شا. وفي األخير أمره السلطان الشريف أن يبايعه إن كان مسلما حقا كما يد عي كخليفة وأن يؤدي له سنويا ضريبة رفض فهو يعر ض أراضيه 4 للغزو. وإذا الوالء. كانت خطط المقاتلين سنغاي بسيطة ولكنها ناجعة. فلقلة عددهم وتواضع عتادهم اعتمد رجال األمير نوح تكتيك الهجمات الخاطفة والكمائن لمحاولة جر القوات المغربية إلى مناطق جغرافية صعبة ال تستطيع فيها استعمال أنواع من األسلحة الحديثة كالمدفعية. وقد لقيت تلك العمليات نجاح ا كبيرا لدرجة أن األخباريين السودانيين يؤكدون أن الخسائر في األرواح التي خل فتها هذه العمليات في الصفوف الشريفة كانت أكثر مما 4 نفسه ص الفشتالي مناهل الصفا ص نفسه ص ص 87. كعت تاريخ الفتاش ص 80. عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص

383 خلفته كل المعارك المباشرة التي خاضها األسكيا إسحاق الثاني. نظ م الباشا محمود دون نجاح كبير ما ال يقل عن ست حمالت عسكرية لوضع حد لذلك التمرد. واألسوء أن الوالي نفسه راح ضحية إحدى تلك الكمائن التي نصبها األمير نوح سنة ولم يتمكن العلج منصور بن عبد. 874 الرحمان الذي خلف الباشا محمود زرقون من القضاء على ذلك التمرد بالرغم من ثالث سنوات من المجهودات السياسية والعسكرية. ولم يقض على تلك الحركة سنة إال العلج سليمان باشا 4 الذي ع ي ن واليا على السودان ولكن دون التمكن من إلقاء القبض على األمير نوح. وبالتوازي مع المجهودات المبذولة شرقي السودان الحتواء أتباع األمير نوح واصلت القوات الشريفة تقدمها والسيطرة على أهم قرى المنطقة. فقد أرسل القائد مصطفى التركي والي تومبكتو حال تعيينه سنة 8748 ممثال عنه ألخذ البيعة على سكان مدينة ج ن ي وهي نقطة تقاطع يلتقي فيها تجار الملح القادمين من مناجم تغازى وتجار الذهب 5 القادمين من مناجم بيتو. وقد تمكن و ال ة هذه المدينة المغاربة وبالذات القائد مامي بن 6 ب ر ون من طرد أتباع األمير نوح من كامل المنطقة والتوغل نحو الجنوب. كما تمكنت القوات الشريفة في شمال البالد من السيطرة نهائيا على منطقة رأس الماء التي يسكنها الطوارق بشكل رئيس. لتومبكتو ومسالك التجارة الصحراوية. وقد مك ن التحكم في تلك المنطقة من توفير الحماية وال شك أن العمليات العسكرية تواصلت إلى حدود سنة 8745 حيث تم ت السيطرة على الجزء األكبر من إمارة سنغاي. هذا ولم يكن قسم كبير من علماء وصلحاء بالد السودان المقربين من بيت األسكيا ينظرون بعين الرضا إلى الحملة المغربية بالرغم من المجهودات التي بذلها السلطان الشريف ووال ته لكسب ود هم. فمنذ بداية الحملة تبنى رجال الدين رغم مبايعتهم السلطان الشريف مواقف مراوغة بل معادية تجاه القوات المغربية. فبعد بضعة أشهر السعدي تاريخ السودان ص 877. نفسه ص 857 p. 7.Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, نفسه ص Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p السعدي تاريخ السودان ص نفسه ص

384 فقط على وصول الباشا محمود زرقون للسودان الحظ هذا األخير أن العلماء والمرابطين يدعمون بشكل من األشكال عائلة األسكيا. وتعكس فحوى رسالة مؤرخة ب 5 دجنبر 8748 ما قلناه. إذ يلوم الوالي قاضي تومبكتو عمر بن محمد على موقفه المتذبذب بل المتخاذل أثناء تمرد قام به أهل المنطقة ويحمله مسؤولية كل ما جرى ألنه كان يمتلك النفوذ الالزم لتفادي سفك الدماء ورجوع االضطرابات. وفي كل األحوال لم يت خذ الوالي أي إجراء عنيف ضد هذه الطبقة لعلمه بحظوتهم عند العوام بل زاد من تكريمهم بغية استقطابهم أو على األقل تحييدهم. ولكن بعد سنتين من التواجد المغربي في تلك البالد لم يتغير موقف أولئك العلماء والمرابطين وخاصة أولئك المنتمين إلى عائلة اقيت الصنهاجية ذات التأثير الكبير. ويبدو أن قسما كبيرا من تلك النخب الدينية قد بدأت ليس فقط في التشكيك في مشروعية االد عاءات الخليفية للسلطان الشريف أحمد المنصور ولكن أيضا في تأييد العمليات العسكرية لألمير نوح تأييدا علنيا. وقد دفعت تلك التحركات المعادية مراكش إلى حسم ذلك. ففي أكتوبر 874 دعا الباشا محمود زرقون النخب الدينية السودانية إلى تجديد البيعة للسلطان الشريف في المسجد الكبير بتومبكتو. وحتى ال يسبب اضطرابا حرص الباشا على االحترام الصارم لمراسم البيعة فأحضر مثال المصحف وصحيحي البخاري ومسلم. وعندما اطمأن العلماء والمرابطون لإلخراج الذي وضعته السلطات المغربية توجهوا إلى المسجد الكبير. باعتقالهم وصلوا يوم 8 ماي وما إن وصلوا حتى أمر الوالي ومصادرة أمولهم وتهجيره ما ال يقل عن سبعين منهم إلى المغرب حيث ولئن كان رجال الدين في المغرب والسودان استشنعوا هذا الفعل الذي لطخ نوعا ما ذكرى المنصور فقد مك ن السلطات المغربية حينها من Évariste Lévi-Provençal, «Un Document inédit sur l expédition sa dide au Soudan», Arabica, nº, 955, p كان أهم المعتقلين هم عبد اهلل بن محمود وعبد الرحمان بن محمود ومحمد سيف السن ة وعمر الحاج أحمد وقاضي تومبكتو عمر بن محمد وأحمد بابا. السعدي تاريخ السودان ص 88 كعت تاريخ الفتاش ص وبعد سنوات من السجن واإلقامة الجبرية أطلق سراحهم سنة

385 التخلص من زعماء رأي مزعجين واستبدالهم بآخرين أكثر السلطان الشريف من السيطرة على السودان الغربي. مرونة مما مكن رجال ومثلما رأينا في الصفحات السابقة فقد أصبح السودان والية يحكمها وال يلقب بالباشا فو ض له السلطان الشريف كل السلطات المدنية والعسكرية لمدة معد لها ثالث سنوات. وعلى صورة ما عرفه المخزن ات خذ والي الدائرة. السودان حراسة خاصة كانت تسمى أهل لم تكن المهمة الوحيدة ألفراد تلك الفرقة حماية شخص الباشا بل كان عليهم أيضا تبليغ أوامر الباشا وتعبئة القوات وتنظيمها وإعداد الطعام ومراقبته وتقديمه الخ. كما كان في خدمة والي السودان أيضا حاجب وك تاب كان بعضهم يتقن لغات عد ة ومستشارون. وكان الوالي يعقد مرة في األسبوع مجلسا يجمعه بأقرب معاونيه على شاكلة الديوان السلطاني. كانت كذلك اإلدارة القضائية والدينية تحت مراقبة الباشا الذي يعين قاضي قضاة وقضاة الجهات وقواد أهم مناطق ومدن الوالية. غير أن والي السودان ال يستطيع التدخل في المجال المالي. فحسب تقليد مخزني قديم توكل الشؤون المالية إلى أمين ال يأتمر إال بأوامر السلطان وهذا ما يخلق نوع من المنافسة بل النزاع بينه وبين الباشا. إذ يشرف األمين على تحصيل الضرائب ويدير أعطية الجند والمصاريف العسكرية ويراقب األوزان والمقاييس قسمة التركات واألسعار ويباشر الخ. فالباشا ال يستطيع فعل شيء دون األموال التي يوفرها له شريكه ومنافسه. فمبدأ "فرق تسد " كان أحد الوسائل التي اعتمدها السلطان الشريف كما رأينا في هذه الدراسة لتوطيد سلطته. فمن خالل هذا اإلجراء البسيط كان يحاول تجنب جمع كل السلطات بيد شخص واحد مهما كان وفاؤه خشية زعزعة سلطانه وبالتالي تقويض الصرح العقدي والمؤسساتي والسياسي الذي أنشئ منذ سنوات عديدة لخدمة المشروع الثالثي األبعاد. محمد الغربي بداية الحكم المغربي للسودان ص 08. السعدي تاريخ السودان ص 80. السعدي تاريخ السودان ص 854 ص وص 0 محمد الغربي ص 5 مجهول تذكرة النسيان ص 4 و 46. بداية الحكم المغربي للسودان 8

386 8

387

388 الرابع: الفصل العظمة جنون العثمانية الدولة مع العالقات بين التفاهم والدعاية إذا كان غزو السودان قد دعم التطلعات الخليفية للسلطان الشريف المنصور أحمد وأعطى للمغرب عمقا استراتيجيا وهيبة دولية فإنه لم يسمح للسلطان الشريف ورجاله بتغيير السياسة العثمانية التي اعت م د ت بعد ذهاب عل وج علي. كانت السلطات المخزنية تعتمد لعبة مزدوجة الحتواء الباب العالي. ففي العلن تواصلت العالئق الدبلوماسية بشكل طبيعي. أما في السر فقد كان أتباع السلطان الشريف يقومون بحملة دعاية نشطة لفائدة سيدهم في مختلف الواليات العربية للدولة العثمانية. لم يكن الهدف غزو تلك الواليات فذاك أمر مستحيل عملي ا بل كان المبتغى وال شك هو نسج شبكة عالقة قوية لتكوين نوع من قو ة الضغط المساندة للسلطنة الشريفة ت ست عم ل في حالة األزمات أو الصراعات مع الباب العالي. بعد موت عل وج علي أبرز مدافع عن التواجد العثماني في الحوض الغربي للمتوسط أدار العثمانيون ظهرهم للمنطقة. فإضافة إلى المشاكل السياسية والعسكرية الدائمة المرتبطة بوجودهم في البلقان فقد كان على العثمانيين مواجهة حرب دموية ومكلفة ضد الصفويين لم تتوقف إال في سنة كما أن اضطرابات دورية كانت تندلع في الواليات العربية التابعة للدولة. ففي ليبيا الحالية هزم القائد البدوي يحي بن يحي الس و يدي والمرابط ن ي ال انكشارية الباب العالي عدة سنوات. وفي الجزائر الحالية خلقت قبيلة زواوة مشاكل كبيرة للسلطات المحلية. وفي بالد الشام انتفض األهالي ضد الظلم "السياسي-االجتماعي". وفي جبل لبنان كان األمير فخر الدين ] [ يتوق إلى نوع من االستقاللية. بل إن قلب الدولة نفسه هز ه تمرد قاره يازجي. استغل التمگروتي النفحة المسكية ص

389 السلطان الشريف ذلك الوضع لقطع العالقة مع الباب العالي في سنة تلك القطيعة المتعم د ة من قبل موالي سلطنته. أحمد وكانت 875. التأكيد النهائي على سيادته واستقالل كما أن السياسة األوروبية واستعدادات غزو السودان قد ساهمت ال شك في إبعاد السلطات المخزنية عن الشؤون العثمانية. ولم يستعد المغرب عالقاته الدبلوماسية مع الدولة العثمانية إال سنة تلك العودة عن اعتراف بسيادة الباب العالي. وال تعبر 874. على العكس من ذلك فإن السلطان الشريف كان يؤكد في كل رسائله على استقاللية المغرب وعلى الندي ة بين السلطنتين التي يجب أن تساهم في مضاعفة جهودهما لصالح اإلسالم في إطار اإلسالمي". أحمد "التضامن كما تبدو إعادة العالقات الدبلوماسية منخرطة في ديناميكية أخرى. كان المنصور يهدف من وراء تلك المناورة الدبلوماسية إلى الحصول على وسيلة ضغط إضافية على اإلسبان للتخلص نهائيا من تهديداتهم وأيضا للحصول على امتيازات مثلما رأينا أعاله. يصبح معنى "التضامن اإلسالمي" عند السلطان الشريف دعم العثمانيين له في حالة نزاع مع اإلسبان الباب العالي للتفرغ للبرتغال وهوالندا وفرنسا. الذين يبحثون هم بدورهم عن هدنة مع وكانت انگلترا هي من شجع على ذلك التقارب خاصة بهدف جمع تحالف واسع للقضاء على األسطول االيبيري. غادرت سفارة يقودها المرابط علي بن محمد التمگروتي والكاتب الوزير محمد بن علي الفشتالي مدينة مراكش في 874 مارس 8 ووصلت اسطنبول في حيث بقيت هناك أكثر من نونبر ثمانية أشهر. ورغم أن التمگروتي ترك لنا تقريرا مفصال عن رحلته تلك فإنه لم ينبس ببنت شفة عن محتوى تلك السفارة وال عن نتائجها. ولكن كل شيء يشير وخاصة االستقبال الحار الذي خ ص به الوفد المغربي Robert Mantran, Histoire de l Empire ottoman, p ; Adel Ismail, Histoire du Liban du XVII e siècle à nos jours, t. I, «Le Liban au temps de Fakhr-ed-Din II», 590-6, Paris, 955 ; Henri de Grammont, Histoire d Alger sous la domination turque, p. 9-8 ; نوفان رجاء الحمود العسكر في بالد الشام في القرنين 4 و عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص -8. Fernand Braudel, Le Méditerranée, t. III, p. 9. التمگروتي النفحة المسكية ص ص

390 إلى أن السلطان الشريف قد حصل على دعم الباب العالي متأكدا من أن العثمانيين لم تعد لهم طموحات في أراضي المغرب وخاصة بعد وفاة حسن فينيزيانو وارث مشاريع عل وج علي في المتوسط سنة وفي آخر السنوات الخمس من حكم مراد الثالث استعادت العالقات بين القوتين اإلسالميتين المهيمنتين على البحر المتوسط مسارها الطبيعي على ما يبدو بالرغم من األزمة الصغيرة التي خلفها وجود ابن المتطلع البرتغالي دون أنطونيو بالمغرب. فعندما أمسك السلطان الشريف عن تقديم أي دعم لمجهودات االنگليز في إعادة الملكية البرتغالية مع االحتفاظ باألمير دون كريستوباو في مراكش قررت ملكة انگلترا رفع القضية أمام نظر الخان. فقد طلبت إليزابيت إلى مراد الثالث دعما عسكريا وممارسة الضغط على موالي أحمد حتى يطلق سراح األمير البرتغالي. ابتهج السلطان العثماني لفكرة الحصول على رهينة يمكن أن يجعل منها عملة رابحة في المفاوضات وحاول الضغط على السلطان الشريف لتسليمه دون كريستوباو منذ يونيو ولكن السلطان رفض "أوامره" ألنه أوال يحتاج إلى وجود األمير البرتغالي عنده ليدفع عنه الخطر سيادته واستقالليته. اإلسباني في وقت كانت قواته تغزو السودان وثانيا ألنه يريد أن يثبت تحسنت عالقات المغرب مع الدولة العثمانية بشكل ملحوظ أثناء حكم م حمد الثالث ] [ تولية هذا األخير. ألسباب مرتبطة أساسا بالمتغيرات السياسية والعسكرية التي رافقت ففي الجبهة المجرية التي لم تتوقف فيها العمليات العسكرية بصفة فعلية قط ازدادت حدة المعارك بين العثمانيين وقوات آل هابسبورگ بداية من 8748 لتنتهي إلى حرب طويلة وم ك ل فة دامت ثالثة عشر سنة ] [ وأنهكت Henri de Castries, SIHM, France, t. II, كان حسن فينيزيانو يدعم أيضا حقوق ربيبه اسماعيل بن عبد الملك منذ موت أبيه سنة 875. وللتصدي لهذا الخطر استقبل السلطان الشريف ودعم بنشاط التحرك السياسي والعسكري ألحد أمراء الدولة الزيانية في تلمسان واسمه محمد الواثق. أنظر خليل الساحلي "تقليد صالح باشا والية جزائر الغرب" المجلة التاريخية المغربية 8454 عدد ص Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 00-0, Angleterre, t. II, p ; Edwin Pers, «The Spanish Armada and the Ottoman Porte», HER, vol. VIII, 99, p Lettre de Murad III à Ahmad al-mansur, DM, nº 67/57, f

391 العثمانيين. وفي نفس المنطقة ثارت مقاطعات فاالشيا وترانسلفانيا ومولدافيا ضد السلطان. أما في شرق الدولة فقد استأنف الصفويون بقيادة الشاه عباس األول ]875- ]804 الهجوم في أذربيجان مستعيدين مدينة تبريز سنة.8066 وقد طالت االضطرابات قلب اإلمبراطورية نفسها. ففي حين تمر د االنكشارية والصبايحية مرات عد ة داخل العاصمة اندلعت انتفاضة دموية كبيرة في األناضول بداية من سنة يبدو النظام العثماني مع نهاية القرن السادس عشر إذ ا واهن القوى متهالك ا ينفرط عقده "حب ة حب ة" كما وصفه أحد السفراء لم تجبر هذه الوضعية اإلسبان سنة العثمانيين عن التخلي عن حلمهم في استلحاق المغرب فحسب بل اضطرتهم إلى االعتراف أخيرا باستقالل السلطنة الشريفة بم ن ح موالي أحمد لقب السلطان رسميا. ويعني ذلك االعتراف بأن األمير المغربي يساوي الخان في المرتبة. ولوعيه بذلك التطور كان السلطان الشريف ينوي االستفادة من ذلك االنتصار الدبلوماسي ليزيد من الضغط ويثبت تفوقه. وبالفعل ففي الرسالة األولى التي بعث بها المنصور إلى السلطات العثمانية على إثر صعود محمد الثالث إلى الحكم أسبغ على نفسه كل األلقاب الخليفية ذات العالقة بالسيادة في حين لم يستعمل سوى لقب السلطان للحديث عن العاهل العثماني. بل إن الدولة العثمانية أصبحت عنده مجرد إيالة أي مملكة أو مقاطعة ال تستطيع اد عاء أي وضعية متميزة. كما أن اللهجة األبوية للرسالة تعب ر جليا عن الوضعية الجديدة التي يريد السلطان تبنيها. مثال الوزير سنان باشا وكان يعتبره أحد مواليه االعتناء فقد أمر السلطان الشريف "بابننا السلطان محمد". وألنه أكبر الحكام المسلمين سن ا فهو يرى من واجبه االعتناء باألمير العثماني الشاب بالرغم من بلوغه سن الثامنة والعشرين والسهر على ممالكه. الشريف أي ارتياب فهو األقوى واألعظم من بين الملوك المسلمين. لدى السلطان لم يكن محمد فريد تاريخ الدولة العلية العثمانية ص يلماز أزتونا تاريخ الدولة العثمانية ص Fernand Braudel, Le Méditerranée, t. III, p Lettre de Franco de Vera à Philippe III citée par Fernand Braudel, La Méditerranée, t. III, عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص p

392 ص ص ص استأنفت القوتان المسلمتان طيلة هذه الفترة العالقات الدبلوماسية العادية وتبادلتا عددا كبيرا من السفراء. ورغم أننا ال نملك إال معلومات قليلة عن العدد الدقيق لتلك السفارات وأهدافها إال أنه يمكننا القول بحسب ما يتوفر لنا من األدلة أنها كانت مهمات شكلية ت تباد ل فيها الحفاوة ومقترحات طيبة للتحالف لم تر النور أبدا. كانت العالقات الرسمية أخوية وتدلل عديد الرسائل المتبادلة ذلك غير أنها بقيت سطحية ألن كال القوتين تملك مشاغلها الشخصية ومشاريعها الخاصة. وبالتوازي مع النشاط الدبلوماسي الرسمي لممثلي المخزن في الدولة العثمانية فقد كان السلطان الشريف يقوم بحملة دعاية مكثفة في الواليات المشرقية لهذه اإلمبراطورية ليثبت ع ل و قدره ويشك ل مجموعة ضغط تنفعه في حالة األزمة. فأثناء حكمه وخاصة بعد غزو السودان تبادل السلطان الشريف مئات الرسائل مع أبرز علماء المشرق حول موضوعات مختلفة. كان من جهة يطلب منهم كتبهم وإجازتهم لوصل حبل العلم مع الرسول كما رأينا في القسم األول من هذا الكتاب ومن ناحية أخرى إلخبارهم بالوضع في المغرب والمشاريع السياسية واالقتصادية المنجز ة إب ان حكمه ملتمسا منهم الدعاء بالتوفيق لما يقوم به وخاصة تطبيق شرع اهلل والجهاد في سبيله. ومن خالل تلك المراسالت كان أحمد المنصور يهدف إلى حيازة تعاطف تلك المرجعيات الدينية مع ما يقوم به مدلال ورعه وحبه للعلم وحرصه على تطبيق الشريعة. وهو يريد أن يثبت لهم أنه أهل لوراثة خلفاء العصر الذهبي ما يعني أحقيته بحمل لقب الخليفة وإقصاء السلطان العثماني الظالم والجاهل بحسب الدعاية المخزنية. كما كان يرسل عطايا سخية للعلماء والصلحاء ويقيم لهم احتفاالت استقبال فخمة في 4 المغرب. القت تلك السياسة النجاح المأمول. فقد اعترف أغلب العلماء بما فيهم أولئك الموظفين عند الدولة العثمانية بأن السلطان الشريف حاكم شرعي بل خليفة الغرب اإلسالمي نفسه ص 40-4 ص نفسه ص 4-5 ص نفسه ص نفسه ص ص

393 والمؤرخون من بينهم أو من وضع منهم كتب تراجم قد رسموا سيرة إيجابية جدا للسلطان ترقى إلى سيرة حك ام العصر الذهبي ما يزيد من دعم صورته وتطلعاته بشكل كبير. وفي نفس السياق أرسل السلطان الشريف عصبة من رجال دعايته متخف ين في زي الح ج اج أو العلماء أو التجار. وقد حفظت لنا الوثائق أسماء بعضهم مثل أحمد الوج اني وأحمد الماس ي وعبد العزيز الثعالبي وسعيد الماغوسي وأحمد التمگروتي ومحمد بن عبد الجليل وعلي الف شتالي. وعدا عن كونهم رجال دعاية في خدمة القضية الشريفية فإننا ال نعلم شيئا عن المهم ات الموكولة إليهم. ومن حسن الحظ أننا نملك بعض المعلومات عن مهام الدعاية التي أوك ل ت إلى الفقيه أحمد بن القاضي أحد أهم مادحي السلطان ما يمكننا من إعادة رسم الخطوط الكبرى لمهام الدعاية. ولد أحمد بن القاضي سنة 877 في عائلة من العائالت العلمية المرموقة وه ي ئ بشكل طبيعي إلى االنتماء لسلك العلماء. فبدأ دراسته األولية في فاس ومراكش حيث احت ك بالفقهاء والصلحاء األكثر شهرة. وعلى غرار كثير من الطلبة المغاربة في زمنه غادر بلده وتوجه نحو المشرق لتجويد معارفه واكتساب الوجاهة. بالجزائر وتونس وطرابلس ومصر وبالد األناضول والجزيرة العربية. وفي رحلته تلك أقام وعند عودته إلى المغرب التحق ابن القاضي بحاشية السلطان الشريف وأصبح أحد ندمائه. "فبفضل معرفته بالمشرق وعالقاته المميزة بالسلطات الروحية والدينية في األقاليم العربية بالدولة العثمانية ك ل ف تلك األقاليم[". بنشر أخالق أمير المؤمنين وفضائله يف] وعندما وصل إلى عين المكان كان على الداعية ربط عالقة وطيدة بأهم األعيان الدينيين والمعارضين السياسيين وزعماء القبائل. ولذلك يؤك د ابن القاضي أن عددا كبيرا من المشايخ في القاهرة والصعيد وجدة ومكة والمدينة قد أعلنوا نفسه ص 5-8 وص الم ق ري ز هر ة اآلس. ص 4-0. لمعرفة سيرة ابن القاضي انظر المق ري زهرة اآلس ص 44-4 ابن إبراهيم اإلعالم ج ص ابن زيدان إتحاف أعالم الناس ج 8 ص -0 محمد حجي الحركة الفكرية ص 0 Évariste Lévi-Provençal, Les historiens des chorfa, p Hind Loukili, «D une captivité musulmane à l autre : un lettré au XVI e siècle et une hajja au XVIII e», François Moureau [dir.], Captifs en Méditerranée, p

394 ص دعمهم للسلطان الشريف. كما أكد أن أحد الزعماء في المناطق الحدودية المصرية الليبية وعده أن يضع تحت تصرف السلطان أكثر من سبعة آالف فارس من البدو إذا ما عزم على غزو تلك المنطقة من الدولة العثمانية. كما أن يونس بن عمر صاحب إمارة بني عمر بصعيد مصر ساند السلطان الشريف ونشر فضائله في بين السكان المحليين. وإضافة إلى الورع والعدالة واإلنصاف التي يتمتع بها "خليفة المغرب" فضيلة لعب عليها ابن القاضي الستمالة أولئك الوجهاء هي عروبة سيده. فإن أهم بالفعل فإن موالي أحمد الذي يمثل صورة الحاكم العربي يمكن أن يكون األمل الذي طال انتظاره إلعادة انتصارات الماضي البعيد بالنسبة ألناس يعيشون تحت "ن ي ر الحكم التركي". كان الداعية المغربي يلعب إذا بشكل من األشكال على مخيال أعيان المشرق للحصول على دعهم المعنوي للسلطان. وكان العلم والتاريخ والعمل الخيري واالتصال المباشر أهم األسلحة التي استعملها دعاة السلطنة الشريفة. ويسمح لنا ما تقدم بالتأكيد مر ة أخرى على أن السياسة العثمانية للسلطان الشريف كانت تهدف باألساس إلى فرض صورة خالفة شرعية في بالد المغرب قوية ومستقرة ال إلى إنشاء حكم كوني يستحيل إقامته على األرض. ويعني ذلك أن السلطان الشريف لم يكن له أية أطماع توسعية في الدولة العثمانية ألن كل اهتمامه كان منصبا نحو الشمال أي صوب األندلس. األندلسي الحلم كانت استعادة "الفردوس المفقود" أحد أهداف حكم األسرة الزيدانية منذ قيامها في بداية القرن السادس عشر استجابة لالنتظارات المهدوية في المغرب واألندلس. وأصبح ذلك الهدف ح لم ا بل ه و س ا ساعد السالطين الشرفاء على اد عاء وضعية "ما فوق تاريخية". 40 ابن القاضي المنتقى المقصور ج 9

395 وعلى غرار والده خطط.875 أحمد المنصور لغزو األندلس منذ اعتالئه سدة الحكم سنة ورأينا أكثر من مرة كيف أن موضوع استعادة "األرض الحبيبة" الرافعات للدعاية المخزنية لتبرير اد عاءات السلطان الشريف للخالفة. محاوالت موالي أحمد كان أحد ولم تكن كل السياسية واالقتصادية والعسكرية سوى محطة أولى في مشروع إعادة بسط السيادة اإلسالمية على األندلس. وبقطع النظر عن اآلمال المهدوية التي تحركها األندلس والمكانة التي تحتلها في المخيال السياسي والثقافي اإلسالمي إلى يومنا هذا فال بد من األخذ بعين االعتبار استقرار عشرات األالف من األندلسي في المغرب ينخرط بعضهم في الجيش وفي المخزن وفي طائفة العلماء. ال شك أن هذه المجموعة القوية كانت تدفع السلطان الشريف إلى األخذ بذلك المشروع هذا من جهة ومن جهة ثانية كان هذا األخير يستعمل ذلك الموضوع للحصول على والء األندلسيين ودعمهم. وبقطع النظر عم ا يقال فإن السلطان الشريف لم يت خذ أي إجراء حقيقي لغزو األندلس طيلة السبع عشرة تحقيق حلمه. عاما األولى من حكمه. انتظر سنة فقد ليفكر عمليا في 8740 والقتناعه بأن الملك فيليب الثاني هو من دب ر عصيان موالي الناصر الذي كاد أن يذهب بملكه ترك السلطان الشريف لغضبه العنان مخالفا واجب الحذر. فاعتقل الوكيل اإلسباني بلتزار بولو يوم 4 غشت 8747 طيلة "أشهر ثالثة في سجن ضيق دون أن يكل م أحدا أو يكتب حرفا". وفي غمرة زهوه بسحق التمرد وانتشائه بالنصر الذي حققه جيشه في السودان وبالكفاءة الباهرة لدبلوماسيته واقتناعه بأن اسبانيا هي من كان وراء االضطرابات التي عصفت بالبالد في سنوات حان لعكس الهجوم وقد زاد من دعم موقف موالي قرر السلطان أحمد الشريف أن الوقت قد حدثان آخران أحدهما عسكري واآلخر دبلوماسي. ففي 8 يوليو 8740 دم ر األسطول االنگليزي-الهوالندي Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 7. الشهاب الحجري ناصر الدين ص عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص

396 تحت قيادة اللورد شارل هووارد وكونت إيس يكس [ Charles Howard, Comte ]d Essex األسطول اإلسباني في مرفأ قادس ونهب المدينة. وعلى إثر هذا االنتصار الخاطف فك ر الهوالنديون في مواصلة الغزوة عبر إشراك المغرب الذي عرض خدماتها منذ العمليات ضد المدينة يونيو. 7 فقد أرسل السلطان الشريف ثالث سفن للمشاركة في اإلسبانية. ولكن كونت إيس يكس رفض مشاركتها مكتفيا بالمؤن التي عرضها عليه الري س المغربي. ولشكره على دعمه قد م الوجيه االنگليزي للريس ثمانية وثالثين أسيرا مغربيا كانوا مسخ رين للتجديف على السفن البرتغالي بيدرو فر يري ا اإلسبانية. ]Pedro Ferreria[ 4 بسبب األلم الذي سببه له ملك اسبانيا". "سقوط قادس أبهج أن ويقول السلطان كثيرا وعلى المستوى السياسي عقدت فرنسا وانگلترا وهوالندا حلفا عسكريا بالهاي يوم أكتوبر ضد اإلمبراطورية االيبيرية. السلطان الشريف بفحوى التحالف وشددت على النقاط التالية وقد أخبرت القيادة العامة الهوالندية "نرجو من جاللتكم اإلمبراطورية بكل تواضع تمكين رعايا هوالندا الحاملين لجوازاتنا نفس الحرية على أراضيكم كتلك التي يتمتع بها الرعايا االنگليز ورعايا أصدقاء جاللتكم اإلمبراطورية حتى يجدوا لديكم الملجأ واألمان في حال الحقتهم السفن اإلسبانية ]...[ ما يزيدنا نحن 5 وبلدنا إصرارا على المضي في مقاومتنا لملك اسبانيا". والعتقاد السلطان الشريف أن الفرصة مواتية الستعادة األندلس بدأ في نهاية سنة 8740 حشد الرأي العام المغربي واإلسالمي للحصول على الدعم الروحي والمادي الضروريين للقيام سبيل اهلل". "بالجهاد في وقد كتب مثال إلى علماء المشرق يخبرهم أن جيوشه تستعد إلى مناجزة العدو أو ما كان يسميهم عبدة الصليب بغية استرجاع االندلس واحياء مراسم االسالم 6 فيها ويطلب منهم الدعاء لتحقيق هذ األمنية الغالية. ورغم أن الرسالة تشير إلى أن Ibid., t. II, p. 8. Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p. 9. Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p et Pays-Bas, t. I, p عبد اهلل گن ون رسائل سعدية ص Ibid., t. II, p Henri de Castries, SIHM, Pays-Bas, t. I, p. 7. 9

397 الجيوش المغربية كانت جاهزة الستعادة األندلس من فيليب الثاني فإن ذلك ال يعدو كونه صيغة مبالغة للحصول على دعم ثمين من العلماء وشيوخ القبائل. 94 وفي الحقيقة كان المنصور على وعي بأن حلفا بين ق و ى عدة وحده ما سيحسم هذا المشروع االيبيرية العظيم. ال شك أن المنصور رام في مرحلة أولى الحصول إلى دعم األندلسيين الذين كانوا يتعرضون منذ عقود عد ة لقمع حكام قشتالة والذين يستطيعون إشعال فتيل المواجهات من خالل القيام بانتفاضة على شاكلة التمرد الكبير الذي قام في البشرات سنة 870. وقد وجدنا رسالة أقل ما يقال أنها غريبة بعث بها السلطان الشريف إلى م ر كيز اسباني مسح الناسخ اسمه مع األسف. ففي هذه الرسالة التي كتب بين سنوات 8740 و 874 على وجه التقريب يؤكد السلطان الشريف للمرسل إليه أنه ينوي استعادة األندلس أرض اإلسالم منذ قرون عد ة. فعلى عكس البرتغاليين الذين تخلوا عن كل أراضيهم إلى أهل قشتالة فإن المسلمين لن يتخلوا عن أراضيهم أبدا. وللقيام بهذا العمل النبيل الذي اعترف أنه فك ر فيه سنوات طويلة كان السلطان يعتزم تعبئة أكثر من ثالثين ألف جندي ذوي أصول أندلسية إلى جانب قوات الجيش النظامي. ونظرا ألنهم خير من يعرف البلد ويمتلك روابط وثيقة مع عشرات اآلالف من ذويهم المستعدين للثورة ولكراهيتهم العميقة لفيليب الثاني فإن بمقدرة األندلسيين استعادة البلد بسهولة. على ذلك المركيز دعم ذلك التوجه وتسهيل تلك العملية "التاريخية". وكان ولهذا الغرض فقد وصلته تفاصيل المهمة مشافهة عبر المبعوث اليهود موشي باالش أحد خدام المخزن. تبقى هذه الرسالة الغريبة إشكالية وتدفعنا إلى طرح كثير من األسئلة: من يكون ذاك المركيز المستعد لتسهيل عملية غزو قوات إسالمية لبالده ولما يقوم بذلك وهل رد على المقترحات المغربية وهل كانت مقترحات السلطان الشريف جدية أم كان ذلك إحدى المناورات الالمتناهية لزعزعة الملكية اإلسبانية ما هي العالقات التي كانت تربط السلطان الشريف باألندلسيين وستبقى هذه األسئلة دون جواب ما لم نعثر على مجهول المكاتبات السلطانية و 6-8.

398 نسخ أخرى من تلك الرسالة أو مصدر آخر يكشف لنا هوية المركيز. وفي تلك الحالة فحسب نستطيع اإلجابة عن تلك األسئلة ولو مبدئيا. وبغض النظر عن جواب الوجيه اإلسباني فإن السلطان الشريف وهو الحذ ر الواقعي بحث حثيثا عن سبل أخرى لتحقيق حلمه. فمنذ شهر أكتوبر 8740 دخلت المخزن في عالقة مباشرة مع جمهورية هوالندا الناشئة بهدف عقد تحالف فبعد االستيالء معها. اقتصادي وعسكري على قادس من قبل القوات االنگليزية والهوالندية اكتشف أبناء المتطلع البرتغالي دون عمانويل ودون كريستوباو أن انگلترا غير جادة في توفير الدعم لهما الستعادة استقالل البرتغال. فغادرا لندن واستقرا في هوالندا ثم بدآ بتحريض السلطات على الدخول في عالقة مباشرة مع مراكش دون وساطة انگليزية. وبحسب األميرين البرتغاليين فإن هوالندا يمكنها الحصول على امتيازات سياسية وتجارية ضخمة إذا ما تحالفت مع السلطنة الشريفة. وبذلك أمكن لألسطول الهوالندي استعمال الموانئ المغربية في عملياته ضد اسبانيا كما أمكن للتجار الهوالنديين الحصول على وضعية ممي زة في السلطنة تساعدهم على التمتع بعدد كبير من االمتيازات التجارية. والقتناعهم بحجج دون عمانويل ودون كريستباو قررت القيادات العليا في هوالندا االنفتاح على السلطان الشريف وكان من أوائل الملوك الذين اعترفوا باستقالل بالدهم. وفي رسالة طويلة ذك ر فيها الهوالنديون أحمد المنصور بنضاالتهم التاريخية ضد "استبداد" ملك اسبانيا ثم اقترحوا عليه تكوين رابطة تضم إلى جانب المغرب هوالندا وفرنسا وانگلترا للدخول في حرب شاملة ضد المملكة االيبيرية. ولكن السلطان الشريف لم يكن يبحث البت ة على عقد تحالف عسكري مع هوالندا القتناعه بأن هذا "البلد الصغير" بالقيام بحرب على األراضي لم يكن على درجة من القوة العسكرية وال السياسية التي تسمح اإلسبانية. له ومن خالل هذه التجاذبات مع قادتها كان Henri de Castries, SIHM, Pays-Bas, t. I, p. -4. Ibid., p. 5-. Ibid., p

399 السلطان يهدف في الحقيقة إلى الحصول على شيئين اثنين: معدات عسكرية حديثة والحفاظ على األميرين البرتغاليين في هوالندا. وقد حاول المنصور بكل الطرق إقناع ابني المتطلع البرتغالي باالستقرار في المغرب واعدا إياهما كما سبق كل الدعم الالزم الستعادة عرش لشبونة. كما حاول دون نجاح إقناع الهوالنديين تسليمهما له. أراد السلطان الشريف من خالل تلك المناورات الحصول مرة أخرى على وسيلة ضغط ذات قيمة. ولكن هل كان ينوي تسليحهما حقيقة لمهاجمة البرتغال كما فعل عدوه اإلسباني مع األمير موالي الناصر قبل بضعة أشهر ال وجود ألي مؤش ر يدل على ذلك. وعلى كل فإن األميرين والقيادات العليا في هوالندا التي كانت تريد هي أيضا االحتفاظ بهما رفضوا العروض المغربية. وبالمقابل قامت هوالندا بربط عالقات متينة مع المغرب في المجاالت العسكرية واالقتصادية. وبسرعة أصبحت المزو د األول للسلطنة الشريفة باألسلحة الحديثة وأحد أهم شركائها التجاريين وذلك إلى منتصف القرن السابع عشر. 8 في ولنفس الهدف أرسل الملك هنري الرابع سفارة إلى موالي أحمد وقد وصلت مراكش دجنبر وعلى غرار الهوالنديين فقد اقترح الفرنسيون على المخزن إقامة تحالف عسكري ضد اسبانيا. وكان هنري الرابع من خالل ذلك التحالف يتطلع ال شك إلى فرض فتح جبهة جديدة على اسبانيا ما يخفف الضغط على الجبهة الفرنسية. ولكن السلطان الشريف وكان مطلعا على أدق تفاصيل الوضع الفرنسي كما توحي به المقاطع التي خصصها الفشتالي لهذا البلد كان يعلم جيدا أن هنري دي بوربون لم يكن يبحث من خالل عرضه إال عن توظيف المغرب لتحقيق مصالحه الخاصة. لذا لم يكلف نفسه عناء اإلجابة. وقد صد قت األحداث الالحقة حدس السلطان ففي سنة الشريف. 874 تخلى هنري الرابع عن حلفائه االنگليز والهوالنديين الفشتالي مناهل الصفا ص 844. Ibid., p. -4 ; Henri de Castries, SIHM, France, t. II, p Ibid., p

400 وأمضى وثيقة سالم مع فيليب الثاني في فيرفان ]Vervins[. وفي نفس الوقت الذي كان فيه يتحاور مع هوالندا وفرنسا كان السلطان الشريف يلتفت مرة أخرى إلى انگلترا القوة الوحيدة القادرة سياسيا وعسكريا المشاركة بشكل فاعل في استعادة األندلس. المغرب: وأمير بورتيا تحالف مستحيل إن الموقف الماكر الذي تبن اه السلطان الشريف أحمد المنصور خالل النزاع الذي نشب بين إليزابيت األولى وفيليب الثاني سنة 874 والذي اعتبرته لندن خيانة ألقى بظالله على العالقات المغربية االنگليزية لسنوات عديدة. فإذا كانت العالقات التجارية بعد هذه الحادثة تواصلت بشكل شبه طبيعي بين البلدين فإن العالقات السياسية توقفت تماما. لم يتم تبادل للرسائل وال السفارات رسمية كانت أم سرية في الفترة الفاصلة بين سنتي 8746 و لم يكن هذا البرود فقط بسبب التحركات "المشبوهة" التي كان السلطان الشريف بها يقوم للدفاع عن مصالحه كما تفعل إليزابيت ولكن أيضا بسبب النشاطات السياسية التي تقوم بهما القوتين. ففي حين أن المغرب كان مشغوال بمسائل الصحراء ثم بثورة موالي الناصر فإن انگلترا كانت مشغولة بمحاربة اسبانيا في هوالندا وبتنمية قوتها التجارية في شمال األطلسي والبلطيق. وبمناسبة الحملة االنگليزية الهوالندية ضد ميناء قادس في يوليو 8740 بدأت العالقات تعود على استحياء بين القوتين كما رأينا أعاله. ففي شهر دجنبر من العام نفسه كتب السلطان الشريف إلى ملكة انگلترا بشأن أحد خ د امه الذي ألقى عليه رجالها القبض أثناء نهب قادس. وبعد بضعة أسابيع اتصل السلطان الشريف بالبرتغالي بيدرو فر يرا وهو عميل في خدمة المتطلع البرتغالي وملكة انگلترا. وفي ذلك اللقاء أعرب موالي باستثناء سفارات هنري الثالث وهنري الرابع فإن العالقات الدبلوماسية المغربية مع فرنسا بقيت هزيلة ودون نتائج تذكر. إال أن وكالء فرنسيين بدؤوا باالستقرار في المغرب بل إن كبير أطباء القصر كان فرنسيا في أغلب األوقات. ولم تتبنى فرنسا سياسة مغربية إال تحت إلحاح الكردينال ريشوليو.]Richelieu[ أنظر Henri de Castries, Agents et voyageurs Français au Maroc [50-660], Paris, 9 ; Caillé, La représentation diplomatique de la France au Maroc, Paris, 95 ; Charles Penz, Les rois de France et le Maroc, Casablanca, 945. Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p

401 أحمد للعميل البرتغالي عن رغبته في التحالف مع ملكة انگلترا إلعالن الحرب على فيليب الثاني وغزو األندلس. وللتوصل إلى ذلك كان على ملكة انگلترا االستحواذ على جزر األصور لقطع طريق األمريكيتين على اإلسبان. ويبدو أن ذلك المقترح القى قبوال كبيرا في لندن ولكن مع نوع من الحذر والحق يقال. وإلثبات ح سن نيته ط لب من السلطان الشريف حرق كل األراضي الزراعية في محيط الثغور االيبيرية في شمال المغرب وفرض حصار تام عليها. وبالرغم من أن مجاهدي الشمال واصلوا هجماتهم على تلك الثغور إال أننا ال نملك أي معلومة عن جواب المغرب ألن البلد تعرض إلى كارثتين بيئيتين بين سنتي 8745 والطاعون. و 874 ولم تعد العالقات إلى طبيعتها إال سنة شغلتا السلطان الشريف:.8744 المجاعة ففي شهر ماي من تلك السنة أرسلت الملكة سفارة إلى مر اكش لتحريض السلطان الشريف على فتح موانئه 4 للتجار الهوالنديين وإطالق سراح عدد من األسرى. استفاد السلطان الشريف من وجود الوفد االنگليزي في المغرب ليعيد طرح مقترحاته حول التحالف خاصة وأن تغييرا كبيرا حصل على رأس المملكة اإلسبانية. فقد توفي الملك فيليب الثاني في 8 االستقرار الذي تمر به اسبانيا شتنبر كان ال بد إذا من استغالل وضع عدم ولهذا الغرض كل ف موالي عزوز الو زگيتي أحمد بمعاودة الحوار مع ممثلي الملكة بهذا الشأن. ولكن هؤالء وكانوا ال يعلمون شيئا عن 5 تلك القضية نصحوا السلطات الشريف بإرسال سفارة رسمية إلى لندن. Ibid., t. II, p. 0. Ibid., p.. الفوائد الجمة ص p. Antonio de Saldanha, Crónica de Almançor, p. 64 et التمنارتي.0 4 Henri de Castries, SIHM, Angleterre, t. II, p Ibid., p

402 لوحة للس فير عبد الواحد عن ون محفوظة في جامعة برمينگهام أعلن السلطان الشريف لملكة انگلترا في رسالة مؤر خة ب يونيو سفارة من لدنه إلى لندن لمناقشة بعض المواضيع معها مباشرة وبشكل سري. ك ل ف بتلك المهمة الكاتب عبد الواحد عن ون مستعينا بت اجري السلطان وأحمد بن ميمون والمترجم عبد اهلل دودار األندلسي. حجب األهداف الحقيقية للسفارة عبر نشر اإلشاعة التالية: أحمد قدوم وقد الماس ي نجح السلطان الشريف في لم تكن السفارة إلى لندن Ibid., p. 57. Ibid., p