الإهداء

النسخ

1

2 صفحات من التاريخ اإلسالمي في الشمال األفريقي )7( الحركة السنوسية في ليبيا اإلمام محمد بن علي السنوس ي ومنهجه في التأسيس )التعليمي والحركي والتربوي والدعوي والسياس ي( - الجزء األول - تأليف د.علي محمد محمد الصالبي 1

3 اإلهداء إلى العلماء العاملين والدعاة املخلصين وطالب العلم املجتهدين وأبناء األمة الغيورين أهدي هذا الكتاب سائال املولى عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته الع ال أن يكون خالصا لوجهه الكريم قال تعالى: ف م ن ك ان ي ر ج و ل ق اء ر ب ه ف ل ي ع م ل ع م ا ل ص ا ل ا ا و ل ي ش ر ك ب ع ب ا دة ر ب ه أ ح ادا ]الكهف: 110[ 2

4 املقدمة إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له. وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ي أ يه ا ال ذ ين آم ن وا ات ق وا ا لل ح ق ت ق ات ه و ل ت وت ن إ ل و أ ن ت م م س ل م ون ]آل عمران: 102[. ي أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا ات ق وا ا لل و ق ول وا ق و ا ل س د ي ادا ي ص ل ح ل ك م أ ع م ال ك م و ي غ ف ر ل ك م ذ ن وب ك م و م ن ي ط ع ا لل و ر س ول ه ف ق د ف از ف و ازا ع ظ ي ا ما ]األحزاب: 71-70[. أما بعد يا رب لك الحمد كما ينبغي لجالل وجهك وعظيم سلطانك لك الحمد حتى ترض ى ولك الحمد إذا رضيت. هذا الكتاب السابع يتحدث عن الحركة السنوسية في ليبيا وقد سميته )اإلمام محمد بن علي السنوس ي ومنهجه في التأسيس التعليمي الحركي التربوي الدعوي(. وقد ذكرت في مقدمة الكتاب األول من سلسلة )صفحات من التاريخ االسالمي في الشمال األفريقي( أن اهتمامي بالتاريخ كانت بدايته خلف أسوار السجن السياس ي في ليبيا وقد اكرمني هللا تعالى أن ألتقي في مدرسة يوسف عليه السالم ببعض وجهاء بالدنا في فترة الستينات من ذوي الثقافات املتنوعة والخبرات املتعددة واألتجاهات املتباينة وقد حرصوا على توريث تجاربهم وخبراتهم وتاريخهم لألجيال القادمة وقد استمعت الى بعض أبناء الحركة السنوسية وهم يتحدثون على ما قام به الدعاة واملجاهدون من أبناء الحركة في إعزاز دين هللا ونصرة أهله والدعوة إليه في الصحراء الكبرى وغرب ووسط أفريقيا وبالد الحجاز ومصر والشمال األفريقي وكان لذلك الحديث أثره في نفس ي ومن ثم اهتميت بجمع املعلومات عن كل ما يتعلق بالحركة السنوسية من أجل الكتابة عنها ودراستها دراسة تحليلية وافية وكنت شديد الفرح بكل معلومة أحصل عليها من أفواه رجال الحركة فأكتبها على أوراق الصابون 3

5 وأوراق البسكويت وأوراق حليب الكورنيش بواسطة أقالم الرصاص والجرافيت التي كنا نستخرجها من بطاريات الشحن الصغيرة ألنه كان من الصعوبة بمكان الحصول على أوراق أو أقالم في املعتقل. وبعد خروجي من السجن في 1988/3/3 م وقد أكرمني هللا بوضوح الهدف والشعور بوجوب الدعوة الى هللا تعالى واالستعداد للتضحية في سبيلها قال الشاعر: خرجنا من السجن شم األنوف نمر على شفرات السيوف ال كما تخرج األسد من غابها ونأت املنية من بابها وعندما خرجنا من املعتقل كانت الصحوة االسالمية قد امتدت في شرايين املجتمع الليبي لقد غمرتني سعادة كبرى بظهور التيار االسالمي وامتالء املساجد وانتشار الحجاب وظهور التدين في املناسبات االجتماعية إال أنه بعد احتكاكي ببعض أبناء الصحوة الحظت أنها عاطفة جياشة ينقصها العلم الشرعي من الكتاب والسنة كما وأنني ملست أنقطاعا واضحا عند هذا الجيل املبارك عن تاريخ أجداده وجهادهم ضد فرنسا في وسط أفريقيا والصحراء الكبرى وجهادهم العظيم ضد ايطاليا في طول البالد وعرضها وجهادهم ضد بريطانيا على الحدود املصرية الليبية ولألسف الشديد يتذكرون من فتوحات الصحابة والتابعين لليبيا والشمال األفريقي إال ثقافة ضحلة التسمن وال تغني من جوع لذلك ازدادت قناعتي بأهمية كتابة تاريخ بالدنا ليس من الحركة السنوسية فقط بل ليمتد من الفتح االسالمي الى العصر الحديث وبعد خروجي من بالدنا العزيزة لطلب العلم ألتحقت بالجامعة االسالمية باملدينة النبوية وكانت فكرة كتابة التاريخ قد استقرت في ذهني وشرعت في تنفيذها مستعينا باهلل العليم الحكيم ومتضرعا الى التواب الرحيم أن يلهمني الصواب وييسر لي األسباب وبعد عشر سنين ظهرت تلك الفكرة بفضل هللا ومنه وتوفيقه الى حيز الوجود في سلسلة صفحات من التاريخ االسالمي في الشمال األفريقي طبع منها ستة كتب وانتشرت في املكاتب العربية واملعارض الدولية ووصلت الى كثير من القراء فكانت 4

6 بين مادح وذام ومنتقد ومستدرك قال الشاعر: إن تجد عيبا فسد الخلال وقال الشاعر: من الذي ما ساء قط جل من العيب فيه وعال ومن له الحسن فقط وقد وصلتني مالحظات علمية قيمة أشكر أخواني على حسن نصحهم وجميل أهدائهم وتشجيعهم وأدعو هللا العلي الكبير ان يوفقني وأياهم لخدمة دينه وسنة نبيه وتاريخ االسالم املجيد. وها أنا اآلن أقدم للجزء األول للكتاب السابع وقد أطلع عليه بعض املختصين بعلم التاريخ وقد قال أحد املؤرخين: إن ما يقوم به هذا الباحث الشاب رد عملي على كل من يريد أن يفصل ليبيا عن جذورها االسالمية املمتدة في أعماق التاريخ ومن النوادر اللطيفة عندما كنت أكتب في هذا الكتاب طرق باب بيتي مجموعة من الشباب الليبي املهاجر فأدخلتهم وأكرمتهم وبدأت أحدثهم عن الدرر والجواهر واألمجاد العظيمة التي يزخر بها تاريخ بالدنا املعاصر فقال أحدهم لي أحدهم ال نريدك أن تكتب التاريخ وإنما نريدك أن تصنعه فقلت لهم: أنتم تصنعونه وأنا أكتبه فضحك الجميع وما كانت تلك الكلمة لتثنيني عن هدفي الذي هيمن على نفس ي ومشاعري وأحاسيس ي فبذلت له وقتي وجهدي ومالي سائال املولى عز وجل أن تكون أعمالي خالصة لوجهه الكريم. إنني كلما توغلت في دراسة التاريخ ازددت قناعة بأهميته في تكوين األمم وتربية الشعوب وتحقيق اآلمال وبناء الدول ومحاربة الباطل وإزالة الظلم ونشر العدل. إن هذا الجزء األول من الكتاب السابع يعر ف القارئ الكريم باإلمام محمد بن علي السنوس ي حامل لواء النهضة الحديثة في ليبيا ومرس ي قواعدها وموقد جذوة اإليمان في قلوب قبائلها. يتحدث هذا الكتاب عن حياة هذا اإلمام الذي بارك هللا في علمه وعمله واحيا هللا به 5

7 شعبا حمل لواء الدعوة والجهاد في الصحراء الكبرى ووسط أفريقيا ولم يتردد في بذل ماله ورجاله من أجل نصرة دين هللا تعالى. ويسلط األضواء على جوانب متعددة في منهج الحركة السنوسية ليبين للقارئ الكريم أن شعب ليبيا عندما أكرمه هللا تعالى بداعية رباني استطاع أن يفجر طاقته الكامنة تحول الى مجتمع اسالمي قوي حمل مشاعل النور في قلب أفريقيا املظلمة وبذل الغالي والنفيس في سبيل االسالم. ويوضح للقارئ الكريم أن ابن السنوس ي يعتبر رائدا من رواد مدرسة االصالح االسالمي في الشمال األفريقي ووسطها وغربها عمل على نشر االسالم الصحيح ومحاربة البدع والخرافات والشعوذة بأنواعها وأشكالها التي لحقت به في عصورها املتأخرة في مشرقه ومغربه على حد سواء. إن هذا الجهد املتواضع يزيل اللثام عن شخصية علمية دعوية ربانية كان لها أثر والزال في ليبيا خصوصا وافريقيا عموما ويجيب القارئ على كثير من األسئلة التي يحتاجها املهتمون بدراسة الدعوات االصالحية والتي يبحث عن إجابتها دعاة االسالم في ليبيا خصوصا. ماهي رحالت ابن السنوس ي العلمية وماهي العلوم التي درسها ومن هم شيوخه وما سر نجاحه وماهي صفاته وكيف تعرف على أحوال املسلمين واخالقهم وكيف استطاع أن يتصل بالكثير من القادمين من مختلف أنحاء العالم االسالمي وماهي خطة عمله التي سار عليها وهل استفاد من حركة الشيخ محمد بن عبد وتجربة محمد علي باشا حاكم مصر وما الوهاب هو اسلوبه في التعامل مع الدولة العثمانية وعلمائها وكيف تعامل مع الطرق الصوفية والقبائل البدوية والقبائل الوثنية وماهي حقيقة الزوايا السنوسية وهل استطاع ابن السنوس ي أن يجعل من قبائل ليبيا قوة اسالمية يحسب لها حسابها االقليمي والدولي وهل كانت مفاهيم الحركة السنوسية سلفية وماهي عالقة ابن السنوس ي بحركة الجهاد ضد ايطاليا وفرنسا وهل كان من املمكن أن يخرج أبطال الجهاد من أمثال أحمد الشريف وعمر املختار وغيرهم لوال هللا ثم جهود ذلك املصلح العظيم 6

8 نعم عالمات استفهام كثيرة نحاول االجابة عليها في الجزء األول ثم الجزء الثاني بذذن هللا تعالى. هذا وإنني لم آتي بجديد وإنما وفقني هللا تعالى للجمع والترتيب والتحليل فذن كان خيرا فمن هللا وحده وإن أخطأت السبيل فأنا عنه راجع إن تبين لي ذلك واملجال مفتوح للنقد والرد والتعليق والتوجيه كما أقرر بأنني قد استفدت كثيرا في كتابي هذا من الجهود التي سبقتني ككتاب )السنوسية دين ودولة( ملحمد فؤاد شكري والحركة السنوسية للدجاني وبرقة العربية أمس اليوم لألشهب والسنوس ي الكبير لألشهب والفوائد الجليلة في تاريخ العائلة السنوسية لعبدالقادر بن علي واملجموعة املختارة لإلمام ابن السنوس ي التي جمعها محمد عبده بن غلبون وإخوانه وغيرها من الكتب وقد دونت ما اختصرته من مباحث وأشرت إليه في هامش الكتاب لألمانة العلمية كما أنني انتهجت منهجا دعويا تاريخيا يعتمد على توسيع النقاط البيضاء املشرقة وتضييق النقاط السوداء املظلمة مساهمة مني في عالج الهزيمة النفسية التي يمر بها شعبنا املظلوم ومتضرعا هلل تعالى الحي القيوم أن يحي شعبنا وأمتنا باإليمان والقرآن الكريم وسنة سيد الخلق أجمعين. وقد قمت بتقسيم الجزء األول من الكتاب السابع في السلسلة التاريخية الى مقدمة وثالثة فصول وخاتمة وهي كاآلتي: الفصل األول : اإلمام محمد بن علي السنوس ي ويشتمل على ثالثة مباحث: املبحث األول: اسمه ونسبه وشيوخه ورحالته في طلب العلم. املبحث الثاني: اسباب اختيار ابن السنوس ي برقة مركزا لدعوته. املبحث الثالث: الفصل الثاني: ويشتمل على ثالثة مباحث: املبحث األول: البعد التنظيمي. املبحث الثاني: املنهج التربوي. إقامة ابن السنوس ي في الحجاز وعودته الى برقة. البعد التنظيمي واملنهج التربوي والبعد السياس ي عند ابن السنوس ي املبحث الثالث: البعد السياس ي. 7

9 الفصل الثالث: اسلوبه الدعوي وثروته الفكرية وصفاته الربانية ويشتمل على ثالثة مباحث: املبحث األول: األسلوب الدعوي. املبحث الثاني: الجانب الفكري عند ابن السنوس ي من خالل كتبه. املبحث الثالث: من أهم صفات ابن السنوس ي. ثم نتائج البحث. وأخيرا : أرجو من هللا تعالى أن يكون عمال خالصا لوجهه الكريم وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بكافة مايملكون من أجل إتمام هذا الكتاب. ))سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ال إله إال أنت أستغفرك وأتوب إليك وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العاملين((. الفقير الى عفو ربه ومغفرته علي محمد محمد الص البي 8

10 املدخل أحوال العالم االسالمي قبيل ظهور الحركة السنوسية بدأ الضعف واالنحالل يدب في أوصال األمة االسالمية بعد وفاة صالح الدين األيوبي الذي هزم الصليبين وطهر بالد املسلمين منهم ومما زاد األمر سوء احتالل التتار للمماليك االسالمية وتمزيقهم لألمة والعمل على إزالت معاملها الحضارية والدينية والعلمية وشاءت إرادة هللا النافذة أن يلطف بهذه األمة فأكرم هللا العثمانيين بالتمكين وكان قمة ذلك التمكين في زمن السلطان محمد الفاتح الذي أجرى هللا على يديه فتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية عام 857 ه/ 1453 م وبذلك عادت لألمة هيبتها وقوتها ومجدها وعزتها وتولى العثمانيون زعامة األمة االسالمية وكان الشعب العثماني قد تميز بالحماس وحب الجهاد وعشق الشهادة في سبيل هللا وسالمة الفطرة والبعد عن األمراض االجتماعية التي اصابت غيره من الشعوب أضف الى ذلك القيادة الربانية التي كانت تقود الشعب نحو ساحات الوغى وتعمل على نشر االسالم وتزيل العوائق من أمام األمم املفتوحة ليعرض عليها االسالم صافيا نقيا من كل شائبة وهيمن االسالم من جديد على زعامة العالم وقيادته وأصبحت الدولة العثمانية تحكم في ثالث قارات: أوروبا وأفريقيا وآسيا وتوغلت في أوروبا حتى بلغت الجيوش العثمانية أسوار فينا وكانوا سادة البحر املتوسط من غير نزاع وقد جمعوا بين السيادتين البرية والبحرية وبين السلطتين الروحية والسياسية )1(. )ولكن من سوء حظ املسلمين. أخذ الترك في االنحطاط ودب إليهم داء األمم من قبلهم: الحسد والبغضاء واستبداد امللوك وجورهم وخيانة األمراء وغشهم لألمة. وإخالد الشعب الى الدعة والراحة. وكان شر ما أصيبوا به الجمود في العلم والجمود في صناعة الحرب وتنظيم الجيوش( )2(. )1( انظر: امام التوحيد محمد عبدالوهاب ص 8 9. )2( انظر: ماذا خسر العالم بإنحطاط املسلمين للندوي ص

11 وأخذت مالمح القوميات العرقية تظهر على مسرح األحداث في الدولة وتفجرت الثورات في البلقان وشرعت في تشكيل جمعيات قومية سرا وعلنا وبدأت التوجيهات العلمانية تظهر في األمة وعمل اليهود والنصارى على تقوية هذه االتجاهات املفسدة فاليهود أرادوا االنتقام ألن العثمانيين منعوهم من فلسطين والنصارى يريدون أن ينتقموا لحمالتهم الصليبية التي فشلت في تحقيق أهدافها أمام جهاد عماد الدين ونور الدين وصالح الدين. كانت األحزاب العلمانية والجمعيات السرية والعصبيات القومية تنخر في كيانها الدولة العثمانية فظهر من يدعو الى القومية الطورانية والعربية والكردية...الخ وبدأت الثورات تتفجر في البلدان وأخذت الحركات االنفصالية تتكاثر وأخذت الدول األوروبية في دعمها وتعد املشاريع القتسام تركة الرجل املريض وكان العالم االسالمي آنذاك منضوي تحت لواء الدولة العثمانية التي فقدت عوامل النهوض واهملت شروط التمكين وتباعدت عن اسبابه وتخلفت عن ركب الحضارة فدخلت األقاليم االسالمية في دوامة التدهور والظالم الحالك واملحنة الشاملة والجهل املطبق والظلم الفادح والفقر املدقع فتفجرت الثورات بدوافع مختلفة فمرة بدوافع العرق والقومية واخرى دفاعا عن النفس ضد الجور والتعسف والظلم وتارة بدافع الحقد والتعصب وكانت اليهودية والصليبية خلف تمزيق السلطنة وإضعافها فكثرت مصائبها وتعددت جبهاتها وأصبح مركز الخالفة مفككا ضعيفا متدهورا منحال وقد اصيبت الواليات كالجزائر وتونس وليبيا ومصر والشام والحجاز بالضعف الشديد والتدهور املريع بسبب الظلم واالستبداد وانتشار الجهل وجمود العلم وغياب القادة وصاحب هذا االنهيار في كيان الدولة أحداث خطيرة كان لها أثر فعال على املسلمين وجميع جوانب حياتهم الفكرية والدينية والعلمية والسياسية فمن ذلك: أ. احتل الفرنسيون مصر عام 1798 م وظلوا فيها حتى عام 1801 م وتمكن محمد علي باشا من االنفراد بحكمها بعد خروج فرنسا ) م( وكان هذا الرجل مصيبة كبرى على األمة واستطاعت الدول األوروبية 10

12 واملحافل املاسونية أن تحقق اهدافها بواسطته فعمل على: تحطيم الدولة السعودية األولى التي كانت خنجرا مسموما البريطانية في الخليج العربي خصوصا واملشرق عموما. في ظهر االطماع فتح البالد على مصرعيها إلقامة مؤسسات معادية للدين االسالمي واملسلمين كاملحافل املاسونية واالرساليات التبشيرية واألديرة والكنائس ومدارس تتعهد التيارات القومية املعادية لالسالم وبث االفكار املعادية لألمة. اتاح الفرصة لشركات أوروبية تحكمت في اقتصاد البالد. منح امتيازات واسعة لألوروبيين ومنع املسلمين منها. خنق التيار االسالمي األصيل وضيق على العلماء والفقهاء ولم يسمح للمسلمين أن يتكتلوا من أجل أهدافهم السامية وغير ذلك من املساوئ. ب- وفي عام 1830 م احتلت فرنسا الجزائر وفشلت الدولة العثمانية في منعها وحاولت فرنسا جعل الجزائر قطعة منها ثم امتد نفوذها الى تونس عام ودخلت الى السودان الغربي. ج- احتلت بريطانيا عدن عام 1881 م 1839 م وبدأت في توسيع نفوذها وسلطانها على دول الخليج العربي وبعض بالد الشام وحاولت الدولة العثمانية وقف السرطان الصليبي الذي انهك جسم األمة ولكنها فشلت وأصبحت األمة تعاني من اآلثار املترتبة بسبب ابتعادها عن شرع هللا تعالى فمن الناحية االجتماعية تفش ى الجهل وأصبح عاما شامال لكل الديار االسالمية وضمر االيمان وتقاعست النفوس وكان النزاع بين األمراء مستمرا على حطام الدنيا وأصبح كل حزب بما لديهم فرحون ووالة الدولة العثمانية همهم جمع االموال وتكثير األمالك إال مارحم هللا وأخذ الظلم الذي استشرى يعجل بزوال الدولة العثمانية أما من الناحية العلمية أصبحت األمة في ليل حالك وظالم دامس وتفش ى الجهل في كل طبقات األمة وفي جوانبها الثقافية كاألدب والعلم والصناعات... وكان العالم االسالمي من شرقه الى غربه مصابا بالجدب العلمي وشبه الشلل الفكري وأصبح في حالة غيبوبة واستولى عليه النعاس الشديد ومات فيه النشاط والحيوية واألبداع واالجتهاد في العلم والدين واألدب والشعر 11

13 والحكمة ودخلت األمة في نفق التقليد األعمى وكان مظلما شديد الظلمة. وأصبحت الجامعات الكبرى كاألزهر والزيتونة تهتم باملتون وتترقى في الشروح ومن بلغ الذروة في العلم واملعرفة فهم ما في الحواش ي وعاش العالم االسالمي في عزلة سياسية وعلمية مخيفة فال عالقة له بشعوب االرض إال من خالل النزاع السياس ي والصدام العسكري فتجمدت حياته العلمية وانتهت الى ترديد كتب وعبارات األقدمين واملجتهد النحرير من يفهمها )1(. )وأصبح العلم مع الزمن احتكارا ألسر معينة وغدت طبقة العلماء طبقة اجتماعية ذات امتيازات خاصة واتخذت موقفا صلبا ضد كل تجديد في عالم الفكر فقد قاوموا إدخال املطابع الى الدولة وطباعة الكتب الدينية االسمية...( )2(. وكان العلماء هم املشرفون على التربية والتعليم في الدولة ولم يستطع العلماء أن يجعلوا للتعليم في املدارس واملعاهد برنامجا متطورا يتناسب مع عصرهم وقد تحدث بعض املفكرين عن عيوب التعليم متخذين من األزهر الشريف مثال على ما إليه فقد قال محمد خليل املرادي عن عيوب التعليم في األزهر ما يلي: 1.قبول أبناء األكابر واألغنياء في األزهر ممن ال يتمعون بمستوى تعليمي جيد. 2.تدني مستوى األساتذة. وصلوا 3.استئثار بعض االساتذة بتعليم كثير من املواد بحيث يعينون بدالء عنهم مقابل مرتب زهيد. 4.تحديد املوضوعات وضيق النظر في التدريس فقد كان الهدف في التعليم تلقي بعض املعلومات املحدودة أما تجاوز هذه املعلومات أو مجرد التساؤل عن صحتها فقد يثير الشكوك ومقاومة العلماء أو قد يصل الى حد العقاب والطرد من املعهد أو فقدان مصدر العيش ناهيك عن التشهير )3(. )1( انظر: امام التوحيد ص 17. )2( انظر: زعماء االصالح في العصر الحديث ص 6. )3( انظر: االتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة علي املحافظة ص

14 هذه أهم مالمح الحياة األدبية والعلمية في ذلك العصر. أما من الناحية الصناعية: فقد ضيع املسلمون األعمار وأخلدوا الى التقليد األعمى ورضوا بالجمود ولم يبتكروا في الصناعات بل أضاعوا ماكان لديهم من صناعات قديمة وفقدوا مهارتهم وحاول السلطان العثماني سليم الثالث أن يهتم باإلصالح الصناعي فأنشأ مدارس جديدة وكان يعلم نفسه في مدرسة الهندسة وألف جيشا على الطراز الحديث فثار عليه الجيش لغرابة ذلك وتم قتله. ومن الناحية الدينية: )كان علماء الدين في الدولة العثمانية يعتبرون أنفسهم حماة الشريعة والحريصين على التمسك بمذهب أهل السنة إذ كان دين الدولة االسالم ومذهبها الرسمي هو املذهب الحنفي وكان على رأس هؤالء العلماء شيخ االسالم ووظيفته شبيهة بوظيفة الخليفة العباس ي الذي كان يقيم في القاهرة في ظل حكم املمالك وكان مركزه معادال ملركز الصدر األعظم )رئيس الوزراء( ويتمتع شيخ االسالم بصالحية إصدار الفتاوى في القضايا الكبرى كأن يصدر فتوى بعزل السلطان أو أعالن الجهاد ولكنه من الناحية العملية يعين من قبل السلطان ويلي شيخ االسالم في منصبه )قاضيا العسكر( في الروملي واالناضول وقاض ي استانبول ويليهم عدد من القضاة يكونون جميعا مع شيخ االسالم )املجلس االعلى للعلماء( )1(. وجمد املسلمون في علوم دينهم فليس لديهم إال ترديد بعض الكتب الفقهية والنحوية والصرفية ونحوها وجمدوا على فقه املذاهب وجل همهم التعمق في الحواش ي وحفظ املتون دون القدرة على االجتهاد. وجعلوا لكل مذهب من املذاهب الفقهية مفتيا وإماما وتعددت الجماعات في املسجد الواحد كل ينتصر ملذهبه وكل يصلي خلف إمام حسب املذاهب املتواجدة في ذلك املسجد كما أن االفتاء في أي مسالة حسب مذهب السائل وحرم على الناس )1( انظر: االتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة ص

15 خروجهم عنها وأغلق باب االجتهاد بمغاليق من حديد وكان علماء الدين كما وصفهم املؤرخ الجبرتي: )انهم قد زالت هيبتهم من النفوس وانهمكوا في األمور الدنيوية والحظوظ النفسانية والوساوس الشيطانية ومشاركة الجهال في املآتم واملسارعة الى الوالئم في االفراح واملآتم يتكالبون على االسمطة كالبهائم فتراهم في كل دعوة ذاهبين وعلى الخوانات راكعين وملا وجب عليهم من النصح تاركين( )1(. أمور يضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها اللبيب وعندما دخل نابليون بونابرت مصر غاز يا استفاد من أمثال أولئك العلماء وألف منهم ديوان القضاء وقال: )إني استعين بهم التقاء أكثر العقبات إذ أن أكثرها دينية وألنهم ال يعرفون أن يركبوا حصانا وال أن يقوموا بأي عمل حربي وقد استفدت منهم كثيرا واتخذتهم وسيلة للتفاهم مع الشعب( )2(. لقد انتشرت في ذاك العصر الدعوات املنحرفة واألفكار املسمومة وكثرت مظاهر تقديس القبور وطلب الحاجات من أصحابها وبناء القباب الضخمة عليها والصالة حولها وارتكاب البدع الخطيرة وانتشر التصوف املنحرف في ارجاء البالد االسالمية شرقها وغربها عربيها وعجميها لقد ضاع مفهوم العبادة الصحيح والوالء والبراء وانحرفت األمة عن كتاب ربها وسنة رسولها فكان من الطبيعي أن تتعرض لضربات أعدائها وأطماعهم الشريرة فذذا نظرنا للدولة العثمانية نجدها قد انقلبت الى مطايا استبداد وفوض ى واغتيال وكثر السلب والنهب وفقد األمن وانحرفت بعض السالطين عن الصواب يقول محمد كمال جمعة: )وكانت قصور السالطين والوزراء وكبار رجال الدولة مملؤة بالجواري والسبايا وكان بعض أولئك السبايا أجنبيات من بالد أجنبية فكن عيونا لدولهن على الدولة العثمانية( )3(. )1( انظر: امام التوحيد ص 22. )2( انظر: انتشاردعوة الشيخ خارج الجزيرة العربية ص 12. ) 3 (انظر: انتشار دعوة الشيخ خارج الجزيرة العربية ص

16 )وقد تعالى سالطين هذه الدولة على الرعية فذذا خاطبوا الخطاب إليها مباشرة بل يقولون لوالتهم بلغوا عبيد بابنا العالي( )1(. الرعية كانوا اليوجهون وكانت الدولة العثمانية في آخر زمانها ال تحارب التصوف املنحرف بمختلف طرائقه وبصوره التي بعدت عن االسالم بعدا شاسعا وكانت قد دخلت من عادات بعضها نصرانية كالرهبانية والصياح والتصفيق...الخ. واللعب بذكر هللا وابتداع أساليب فيه كالرقص والغناء فذذا نظرنا الى بالد فارس نجد الدولة الصفوية الرافضية قد عاصرت الدولة العثمانية وكانت تدعي االسالم وهي دولة رافضية على مذهب االمامية وكانت تغالي في الرفض حتى أنها حاربت الدولة العثمانية ألنها منسوبة الى السنية أشد الحرب بتحريض من النصارى والصليبيين واستجابة ملعتقدهم الفاسد. أما إذا نظرنا الى بالد الهند فقد كانت الدولة املغولية لكنها كانت بقية ورثها أبناء ملك الهند املغولي أكبر خان وقد قرب الشاعر الشيعي املسمى املال مبارك ووليده أبا الفائز )وكان شاعرا متصوفا ) وأبا الفضل )وكان فيلسوفا على طريقة الصوفية املنحرفة( وجعل فتح اله الشيرازي من أكابر علماء الشيعة من فارس مستشاره الشرعي وهو شديد الوطأة على علماء أهل السنة وألغى اللسان العربي من بالطه وجعل الفارس ي مكانه وكان مياال الى التصوف املنحرف ويراه أرقى طريقة إسالمية وهو على طريقة تصوف أهل وحدة الوجود وله عقائد أخرى منها تناسخ األرواح - عن البراهمة )2(. أخذه مما دعا الشيخ العالم ولي هللا الدهلوي )ت 1176 ه( في نهاية هذا العصر املغولي أن يقوم بجهود تكسر الجمود وتطلق العقول لتتمش مع صالحية االسالم لكل زمان ومكان )3( لكن انتهت دولة املغول في الهند وطمعت البرتغال الكافرة في مسلمي الهند )1( املصدر السابق نفسه ص 13. )2( انظر: موجز تاريخ تجديد الدين واحيائه للمودوي ص )3( املصدر السابق نفسه ص

17 بسبب فساد ملوك هذه الدولة املغولية وقامت حروب داخلية كثيرة وتغلب فيها الهندوس واستعمرتها شركة الهند الشرقية االنجليزية حوالي 1175 ه )1(. وأما املغرب األقص ى: كانت دولة العلويين تعاني من خالفات القبائل وثورات البربر ونزاع الطامعين على العرش وتحاول جاهدة في الحفاظ على نفسها أمام أطماع الدول االستعمارية وقد كان لها قبل ذلك القرن اسطول بحري قوي حمى حدودها البحرية وفرض احترامها على الدول األوروبية ولكنها خسرته في عهد السلطان سليمان الذي اهمله واختار اتباع طريقة عقد املعاهدات مع الدول األوروبية وعندما حاول ابنه السلطان عبدالرحمن اعادة بناء االسطول وقفت له تلك الدول باملرصاد واجبرته على التخلي عن عزمه )2(. وبدأت الدول األوروبية تستقطع من العالم االسالمي دوال كلما اتيحت لها الفرصة لقد اهتز املسلمون الحتالل الصليبيين ألجزاء من الوطن االسالمي اهتزازا عنيفا كما أثر عليهم احتكاكهم بالغرب واطالعهم على تقدمه باالضافة الى إحساس بعضهم بتخلف املسلمين وانحطاطهم. ومن هذا نبعت حركات االصالح التي تتابعت في العالم االسالمي منذ النصف الثاني للقرن الثامن عشر بتأثير عوامل عديدة منها إحساس بعض العلماء الربانيين بسوء االوضاع في العالم االسالمي وتحدي العالم الصليبي األوروبي للعالم االسالمي احتالله أجزاء منه فقامت حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في نجد وكان الدافع لها إحساس مؤسسها بذنحطاط املسلمين وتأخرهم لقد أذن هللا سبحانه وتعالى بظهور دعوة اإلمام محمد بن عبدالوهاب بعد ما أطبقت الجهالة على األرض وخيمت الظلمات على البالد وانتشر الشرك والضالل واالبتداع في الدين وانطمس نور االسالم وخفي منار الحق والهدى وذهب الصالحون من أهل العلم فلم يبقى سوى قلة قليلة ال يملكون من األمر شيئا واختفيت السنة وظهرت البدعة وترأس أهل الضالل )1( انظر: انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ص )2( انظر : الحركة السنوسية ص

18 واألهواء واضحى الدين غريبا والباطل قريبا حتى لكان الناظر الى تلك الحقبة السوداء املدلهمة ليقطع األمل في اإلصالح ويصاب بيأس قاتل في اية محاولة تهدف الى ذلك. فكانت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه هللا- تعد البداية الحقيقية ملا حدث في العالم االسالمي من يقظة جاءت بعد سبات طويل وما تمخض عنها من صحوة مباركة ورجعة صادقة الى الدين )1(. لقد كان أثر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب عظيما في العالم االسالمي ويكفي في ذلك أن تكون عقيدة أهل السن ة آخذة في الظهور والزيادة والقوة بعد أن كانت غريبة ومحاربة في أكثر البالد وبدأت األمة تلتمس كتاب هللا وسنة رسوله االسالم الصحيح في حياتها. لتسير على هدى وظهر االمام محمد بن علي السنوس ي بدعوته االسالمية بعد وفاة محمد بن عبدالوهاب بعشرات السنين وكان لدعوته أثر في مسيرة األمة اإلسالمية في الشمال األفريقي وغربها ووسطها وكذلك في الحجاز وغيرها من أقطار العالم االسالمي ونترك للصفحات القادمة إعطاء القارئ الكريم صورة واضحة عن حياته ورحالته وأعماله وكيف عاش واقع املسلمين املؤلم وخطر األوروبيين املحدق فاندفع يعمل محاوال االصالح وماهي العوامل التي أثرت عليه ودفعته الى القيام بحركته وماهي مؤلفاته وأفكاره وماهو نظامه الحركي الذي سار عليه حتى وصل الى ماوصل إليه هذا ماسوف نتركه للكتاب لإلجابة على هذه األسئلة وغيرها. )1( انظر: االنحر افات العقدية والعلمية للزهراني )358/2(. 17

19 الفصل األول اإلمام محمد بن علي السنوس ي املبحث األول اسمه ونسبه وشيوخه ورحالته في طلب العلم أوال : اسمه ونسبه: هو الشيخ محمد بن علي بن السنوس ي بن العربي بن محمد بن عبدالقادر بن شهيدة بن حم بن يوسف بن عبدهللا بن خطاب بن علي بن يحيى بن راشد بن أحمد املرابط ابن منداس بن عبدالقوي بن عبدالرحمن بن يوسف بن زيان بن زين العابدين بن يوسف بن حسن بن ادريس بن سعيد بن يعقوب بن داود بن حمزة بن علي بن عمران بن إدريس بن إدريس بن عبدهللا الكامل ابن الحسن املثنى بن الحسن السبط ابن علي )1( بن أبي طالب الهاشمي القرش ي. ولد سنة 1202 ه صبيحة يوم االثنين املوافق الثاني عشر من ربيع األول عند طلوع الفجر ولذلك سماه والده محمدا تيمنا باسم النبي وكانت والدته بضاحية ( م ي ثا ) الواقعة ضفة وادي ش ل ف بمنطقة الواسطة التابعة لبلدة مستغانم في الجزائر )2( وتوفي والده بعد عامين من والدته وتولت عمته فاطمة تربيته وتنشئته تنشئة صالحة وكانت من فضيالت أهل زمانها ومتبحرة في العلوم ومنقطعة للتدريس والوعظ يحضر دروسها ومواعيظها الرجال )3( واهتمت السيدة فاطمة بابن أخيها الذي أظهر حبا عظيما لتحصيل العلوم فأخذ يطلب العلوم من شيوخ مستغانم وغيرها من البالد )1( انظر: املجموعة املختارة لإلمام السنوس ي ص 7. )2( انظر: الفوائد الجلية في تاريخ العائلة السنوسية عبدالقادر بن علي )8/1(. )3( انظر: السنوسية دين ودولة د. محمد فؤاد شكري ص

20 املجاورة لها مع تعهد عمته له ومن أشهر شيوخه في تلك املرحلة فمنهم من أخذ عنهم القرآن الكريم مع القراءات السبع محمد بن قعمش الطهراوي زوج عمته وابنه عبدالقادر وكانا عاملين جليلين صالحين وابن عمه الشيخ محمد السنوس ي الذي تواله بعد وفاة عمته في الطاعون عام 1209 ه وعمره لم يتجاوز السابعة واتم على ابن عمه حفظ القرآن الكريم برواياته السبع مع علم رسم الخط للمصحف والضبط وقرأ عليه الرساالت اآلتية مورد الظمآن املصباح العقيلية الندى الجزرية الهداية املرضية في القراءة املكية حرز األماني للشاطبي وغيرها مما هو من وظائف قارئ القرآن )1( وبعد أن أتم مايلزمه من لوازم حفظ القرآن واتقانه شرع ابن عمه الشيخ محمد السنوس ي في تعليمه العلوم العربية ثم الدينية بالتدرج وتربيته على العمل بما تعلم وكان يزوده بتراجم العلماء والقادة والفقهاء وتوفي ابن عمه عام 1219 ه فجلس محمد بن علي على شيوخ من مستغانم وهم: محي الدين بن شلهبة ومحمد بن ابي زوينة وعبدالقادر بن عمور ومحمد القندوز ومحمد بن عبدهللا وأحمد الطبولي الطرابلس ي وكلهم من جهابذة العلماء في زمانهم ومكث يطلب العلم في مستغانم سنتين كاملتين )2(. وفي أوائل 1221 ه خرج من مستغانم إلى بلدة مازونه ومكث بها سنة واحدة وتتلمذ على مجموعة من املشائخ هم محمد بن علي بن أبي طالب أبو رأس املعسكري وأبو املهل أبو زوينه )3(. وبعد ذلك رحل إلى مدينة تلمسان وأقام بها مايقارب من السنة وتتلمذ على كبار شيوخها )4(. )1( انظر: الفوائد الجلية )10/1(. )2( انظر: الفوائد الجلية )10/1(. )3( املصدرالسابق نفسه (.)11/1 )4( املصدرالسابق نفسه )11/1(. 19

21 ثانيا : نبوغ مبكر: كان الشيخ محمد بن علي السنوس ي في صغره يميل إلى اإلنزواء واإلنفراد ويمض ي وقتا طويال في التفكير العميق ويتألم من حال األمة وما وصلت إليه من الضعف والهوان والضياع وكان يبحث عن عوامل النهوض وأسباب توحيد صفوف األمة واحياء امللة اإلسالمية وحدث ذات مرة أن وجده بعض العلماء جالسا فوق كثيب من الرمال تظهر على صفحات وجهه املشرق عالمات التفكير العميق فلما سألوه عن السبب في ذلك أجاب بأنه ( يفكر في حال العالم اإلسالمي الذي اليعدو عن كونه قطيعا من الغنم الراعي له على الرغم من وجود سالطينه وأمرائه ومشايخ طرقه وعلمائه فمع أن هناك عددا كبيرا من املرشدين وعلماء الدين املوجودين في كل مكان فذن العالم اإلسالمي اليزال مفتقرا أشد االفتقار إلى مرشد حقيقي يكون هدفه سوق العالم اإلسالمي أجمع إلى غاية واحدة ونحو غرض واحد والسبب في هذا إنعدام الغيرة الدينية لدى العلماء وا لشيوخ وإنصرافهم إلى الخالفات القائمة بينهم قد فرقتهم شيعا وجماعات فأصبحوا اليعنون بنشر العلم واملعرفة واليعملون بأوامر الدين الحنيف وهو دين توحيد أساسه االتحاد وجمع الكلمة. زد على هذا أن على هؤالء العلماء والشيوخ واجب عظيم في حق امللة اإلسالمية إذ أن الشعوب املجاورة في السودان والصحراء من افريقية الغربية - التزال تعبد األوثان ومع هذا فانهم بدال من وعظ هذه الشعوب الوثنية وإرشادهم إلى الدين القويم مازالوا يفضلون القبوع في كل مسجد من مساجد املعمورة غير عاملين بعلمهم الهم لهم إال راحة أجسامهم حريصين على لذاتهم غير قائمين بواجبات مراكزهم الضمائر لهم تؤنبهم على إهمالهم إرشاد هؤالء املساكين الوثنيين )1(. ومع ذلك فقد بلغ السيد من القوافل الواصلة إلى بلده مستغانم أن اإلسالم مغلوب على أمره في كل محل ( وأن املقاطعات والخطط املعمورة تذهب من أيدي املسلمين في كل وقت وبسرعة البرق فاإلسالم في حالة التدهور املخيف. تم ختم كالمه بقوله: ( هذا ما أفكر فيه! فلما سألوه وماذا يجب على املسلمين عمله لتالفي ماذكرت أجاب: سأجتهد )1( انظر: السنوسية دين ودولة ص

22 سأجتهد( )1(. لقد كان تفكيره في حال األمة مبكرا واجتهد في البحث عن العلل واألسباب التي أدت إلى التدهور والضعف املخيف في كيان األمة وذكر أن من أسباب هذا الضياع فقدان القيادة الراشدة وغياب العلماء الربانيين وانعدام الغيرة الدينية واإلنشغال بالخالفات التي فرقتهم شيعا وجماعات والتفريط في حق دعوة الناس إلى اإلسالم وضياع األقاليم اإلسالمية ولذلك اهتم بالبحث عن عوامل النهوض فرأى أن بدايتها في اإليمان العميق الذي هو أساس كل خير وسبب لحصول البركات ونزول األرزاق قال تعالى: و ل و أ ن أ ه ل ال ق ر ى آم ن وا و ات ق و ا ل ف ت ح ن ا ع ل ي ه م ب ر ك ات م ن الس م اء و ا ل ر ض ]األعراف: 96[. إن اإليمان هو القضية األولى واألساسية لهذه األمة فذذا تخلف املسلمون عن غيرهم في وسائل الحياة الحرة الكريمة فمرد ذلك إلى انحرافهم عن فهم اإلسالم فهما سليما وعن ضعف إيمانهم بقيمه ومثله والسبيل إلى إصالح حالهم ومآلهم إال باإليمان على الوجه الذي بينه هللا في كتابه ورسوله في سنته. وهو أن يكون طاقة دافعة إلى العمل وقوة محركة للبناء وحافزا طبيعيا للتفوق )2(. وقد وصل إلى حقيقة مهمة أال وهي أهمية العلم في نهوض األفراد والجماعات واألمم ألن العلم ظهير اإليمان وأساس العمل الصالح ودليل العبادة )3(. فبعد أن قطع املرحلة األولى من طلب العلم في بلده الجزائر اشتاقت نفسه للمزيد: قال أبو اسحاق األلبيري - رحمه هللا - : فلو قد ذقت من حلواه طعما ولم يشغلك عن هوى مطاع آلثرت التعلم واجتهدت وال دنيا بزخرفها فتنا )1( انظر: السنوسية دين ودولة ص 13. )2( انظر: التمكين لألمة االسالمية محمد السيد ص 41. )3( انظر: التمكين لألمة االسالمية ص

23 وال ألهاك عنه أنيق روض والخدر بزينتها كلفتا فقوت الروح أرواح املعاني وليس بأن طعمت والشربتا ثالثا : الرحلة إلى فاس : وكانت املرحلة الثانية في الطلب حيث قصد مدينة فاس في املغرب األقص ى ومكث فيها سبع سنوات تقريبا فأخذ العلم بالرواية عن أفاضل علماء فاس مثل حمودة بن حاج حمدون بن عبدالرحمن والطيب الكيراني محمد بن عامر املعواني وأبي بكر األدريس ي وادريس بن زيان العراقي ومحمد بن منصور ومحمد بن عمر الزروالي ومحمد البازعي والعربي بن أحمد الدرقاوي وكان العربي الدرقاوي من شيوخ الطريقة الشاذلية وتبحر ابن السنوس ي في معرفة الطرق الصوفية إلى جانب التفقه في علوم الدين وتحصل على إجازات من علماء راسخين وأصبح مدرسا بالجامع الكبير بمدينة فاس ونال املشيخة الكبرى بها )1( وأقبل الناس عليه ملا رأو من صالحه وتقواه وفهمه الدقيق لعلوم الشريعة وروحه الفياضة وعقله املتنور وفكره الناضج وخشيت حكومة السلطان سليمان من نفوذه وبدأت العراقيل ووجد أن الفائدة ترجى من بقائه بفاس وقرر االرتحال عنها بعد أن تبلورت أصول الدعوة في ذهنه وعزم على محاربة األوهام والخزعبالت التي أبعدت االسالم عن حقيقته وحجزته بينه وبين أتباعه من أن يحقق لهم ماحققه في عهده األول من رفعة وتلك هي الوسيلة الوحيدة التي تمنح املسلمين القوة وتمكن لهم من دفع عدوهم عنهم كما أن تجربته مع السلطان أكسبته خبرة في التعامل مع الحكام في املستقبل ولقد الحظ في فاس تباعد األمة عن دينها وعقيدتها وانحرافها عن كتاب ربها وسنة نبيها وكيف بدأ الغزو األوروبي يؤثر على )1( انظر: السنوسية دين ودولة ص

24 املدن املغربية وكيف دخلت البالد في الصراعات والخالفات الداخلية ولعل الذي جعله يبقي في املغرب األقص ى مدة سبع سنين متتالية جامع القرويين الذي وجد فيه جماعة من العلماء الذين ذكرت بعضهم وكان يتشوق الى لقائهم )1( ولقد تعمق أحساسه بالخطر األوروبي وشعر باالخطار التي كانت تتهدد هذه البالد من الدول الصليبية ولقد سمع بعض الناس يتحدثون عن النكبات التي حاقت بها من هذه الدول منذ قرنين من الزمن حين احتل االسبان أجزاء كثيرة منها كاملرس ى الكبير ووهران وعنابة وتنس ومدينة الجزائر ومستغانم )مسقط رأسه( ومازالت أعمالهم الشنيعة وأفعالهم القبيحة يرويها جيل عن جيل من القتل الذريع والسبي الشنيع وإهدار كل حرمة وتحويل املساجد الى كنائس كانت تلك األمور محل تأمل وتفكر من قبل ابن السنوس ي )2(. لقد كانت تجربة فاس ثرية بالنسبة البن السنوس ي وقد نقل لنا شكيب ارسالن عن أحمد الشريف السنوس ي مادرسه جده في فاس والشيوخ الذين أخذ عنهم فقال : )ومنهم العالمة الهمام سيدي محمد بن الطاهر الفياللي الشريف العلوي قرأت عليه مختصر السعد وجمع الجوامع السلم وجملة صالحة من مختصر الشيخ خليل وهو يروي عن الحافظ بن كيران والعالمة الزروالي وشيخهم العالمة ابن الشقرون باسانيدهم السابقة وغيرهم من أماثل علماء فاس. ومنهم العالمة املتقي املتفنن ابو املواهب سيد أبوبكر بن زياد االدريس حضرته في علوم كثيرة وقرأت عليه الفرائض والحساب واالربعين ومضاعفاتها واالسطرالبيين وصناعتها والعلوم االربعة الرياضة والهندسة والهيئة والطبيعة واالرثماطقيقي واصول قواعد املوسيقى واملساحة والتعديل والتقويم وعلم االحكام والنسب والوقف والتكسير والجبر واملقابلة وغيرها الخ...( )3( ولقد بقي ابن السنوس ي مهتما بهذه العلوم وقام بتدريسها لبعض طالبه )1( انظر: دراسات وصور من تاريخ الحياة األدبية للحاجري ص 278. )2( املصدر السابق نفسه ص 279. )3( انظر: الحركة السنوسية للدجاني ص 47 نقال عن حاضرالعالم االسالمي. 23

25 ومريديه. ويمكن للباحث أن يالحظ عدة عوامل أثرت في شخصيته ملا كان في الجزائر وظهور خطوط واضحة بعد انتهاء تجربة املغرب األقص ى في فاس أما العوامل التي أثرت في شخصيته ملا كان بالجزائر منها: -1 تأثر ابن السنوس ي مما كان يراه من ظلم الوالة العثمانيين ومن الثورات التي كانت تقوم بها القبائل ضدهم. 2- ملس أطماع الدولة األوربية في بالده. 3- والدته في بيت شريف مشهور بالعراقة واألصالة وتأثره بتاريخ أجداده األدارسة الذين حكموا املغرب ولذلك صمم على السير في طريق أجداده ولقد برز اهتمامه بتاريخ أجداده في الكتاب الذي ألفه فيما بعد عنهم وسماه " الدرر السنية في أخبار الساللة االدريسية ". -4 نشأته في بيئة علمية حببت اليه العلم وفتحت عينيه على حقائقه الكثيرة فأبوه وعدد من أجداده كانوا من الفقهاء والعلماء. -5 تأثره بعمته فاطمة التي أشرفت على تربيته في طفولته األولى وقد بقى ابن السنوس ي في كهولته يذكر بعض توجيهاتها له. -6 التقاليد واألعراف التي ورثتها أسرته ساعدت في صقل شخصيته من ذلك اهتمام األسرة بتربية علمية عملية فيها الدراسة وفيها الفروسية )1(. وأما الخطوط العريضة التي اتضحت في شخصيته بعد اإلقامة بفاس فمنها: 1- الصوفية التي تعمق ابن السنوس ي في دراستها وساعدته الظروف على ذلك حيث كانت فاس مركزا نشطا للطرق الصوفية وميدانا خصبا لنشاطها ومعلوم لدى الباحثين أن الشمال االفريقي على وجه خاص حافل بالحركات الصوفية ولدى أهلها اهتمام كبير بها. وكان من الطبيعي أن يتأثر ابن السنوس ي بالنظام املغربي للصوفية. ولقد استمر اهتمامه بالصوفية حتى آخر حياته وبقى خطها واضحا في شخصيته حتى )1( انظر: الحركة السنوسية للدجاني ص

26 انه نظم طريقة خاصة عرفت باسمه وكتب كتابا سماه ( السلسبيل املعين في الطرائق األربعين ) تحدث فيه عن الطرق الصوفية عامة ووصف الطريق املثلى التي رض ى بها والتي عرفت بنسبتها إليه )1( وكانت تجربته في الصوفية قد أعطته خبرة في التعامل معها فهو لم يقبل الصوفية على اطالقها ولم يرفضها بالجملة بل قيدها بالكتاب والسنة وجعل طريقته مبنية على ( متابعة السنة في األقوال واألحوال واالشتغال بالصالة على النبي في عموم األوقات ) )2( وقد اهتم بالصوفية اهتماما كبيرا وظهرت هذه النزعة في منهجه التربوي الذي جعله ألتباعه والذي سنفصله في الصفحات القادمة بذذن هللا تعالى. -2 اهتمامه بالدراسة الفقهية فقد واصل ابن السنوس ي في فاس دراسته الفقهية على املذهب املالكي ودرس كتب الفقه على يد شيوخه وقد ذكر في مقدمته للموطأ انه أخذه على طريقتي املغاربة واملشارقة وذكر اثنين من شيوخه املغاربة وهما محمد بن عامر املعداني ومحمد بن عبدالسالم الناصري ولقد ظهرت سعة اطالعه في الفقه املالكي وفقه املذاهب األخرى في تأليفه ولقد بقى اهتمامه بالجانب الفقهي حتى آخر حياته واستمر على املذهب املالكي مع اجتهاده فيه ومخالفته للمالكية في مجموعة من املسائل سنبينها في الصفحات القادمة ان شاء هللا ونالحظ بأن اهتمام ابن السنوس ي بالتصوف والفقه اكسبت حركته طابعا متميزا فهو لم يغل في صوفيته ولم يغرق في شطحاتها كما انه لم يغل ولم يقف عند الحروف الفقهية ولم يتجمد في فهم احكامها بل زاوج بين دراستها فأكسب صوفيته طابع السنة ولجمها بحدود الشرع وأعطى فقهه رونقا وروحانية متألقة بعيدة عن الجمود. -3 اهتمامه بالحركات اإلصالحية والوقوف في وجه الحكام ضد انحرافهم والوقوف معهم لتحقيق اإلصالح وتنظيم تكتل شعبي يسند هذه املطالبة ويعززها فقد زاد هذا )1( امام التوحيد محمد بن عبدالوهاب للقطان ص 109. )2( انظر: السلسبيل ص 7. 25

27 االهتمام بفاس عاصمة الدولة املغربية ومركزها املهم في نشر الوعي وإشعاع العلم )1( يقول الدكتور محمد فؤاد شكري: ( وملا كان حبه ملنفعة املسلمين ورغبته في أن يرى العدل باسطا جناحيه على أهل السلطنة وعلى شعوب اإلسالم طرا هي كل مايريد في حياته فقد أكثر من املوعظة الحسنة في أثناء دروسه وجرب مع األهلين وأصحاب الشأن في فاس طرق اإلرشاد بالحسنى تارة وبالشدة أخرى ولكن دعوته إلى العدل والخير وجمع كل املسلمين وتطهير النفوس واالبتعاد عن املنكر لم تثمر ثمرتها بل إن كل ماحدث هو تنبه حكومة السلطان موالي سليمان إلى هذه الدعوة وتلمس الخطر من جانبها خشية أن تنقلب الدعوة الدينية إلى أخرى سياسية فقد تعصف بالسلطنة.. وعلى ذلك فقد شددت الحكومة في مراقبة السيد فوجد أال من بقائه في فاس وقرر االرتحال ) )2(. فائدة ترجى رابعا : األسباب التي جعلت ابن السنوس ي يغادرفاس: في عام 1235 ه )3( غادر ابن السنوس ي فاس إلى الجزائر وقد ذكر املؤرخون عدة أسباب جعلته يغادر فاس منها: 1- أن فتنا كثيرة ثارت في فاس حيث عمت الفوض ى املدينة واضطر أهل الحل والعقد أن يقوموا بضبطها. ثم حدثت فتنة أخرى بسبب نزاع جرى بين القاض ي واملفتي رفع أمره للسلطان سليمان فأخر املفتي عن الفتوى فغضب للمفتي جماعة من املدرسين وطلبة العلم وتحزبوا على القاض ي فكتبوا يتضمن الشهادة بجوره وجهله رسما )4( ثم اضطرمت نار الفتنة حتى انتهت بخروج أهل فاس على السلطان سليمان وعزموا على بيعة املولى ابراهيم بن يزيد زوج ابنة السلطان فامتنع أوال فهددوه قائلين " إن لم )1( انظر: الحركة السنوسية للدجاني ص 51. )2( انظر: السنوسية دين ودولة ص 14. )3( انظر: سياحتي في صحراء أفريقيا الكبرى لصادق املؤيد ص 66. )4( انظر: االستقصاء للناصري )146/8(. 26

28 نبايعك بايعنا رجال من آل املولى ادريس وكان من العلماء الذين حضروا البيعة محمد " فخاف خروج األمر من بيتهم فوافق )1( العربي الدرقاوي وهو أحد أساتذة ومشايخ ابن السنوس ي ولم يكن دور ابن السنوس ي كبيرا في تلك األحداث وكانت األحوال في فاس تدعو ابن السنوس ي للمغادرة وخصوصا بعد أن استطاع السلطان سليمان استعادتها ودخول شيخه الدرقاوي إلى السجن وتزعزع مركز العلماء والطالب الذين وقفوا ضد السلطان سليمان والشك أن تلك األحداث أكسبته خبرات كثيرة وأضافت إلى رصيده تجارب مهمة في حياته املستقبلية )2(. 2- ومن األسباب التي شجعت ابن السنوس ي على مغادرة فاس انه كان قد اخذ حظا وافرا من الدراسة على علمائها وتاقت نفسه لألخذ على علماء جدد ولذلك نراه في طريق عودته من فاس يدخل في أعماق صحراء الجزائر ليتعرف على أشهر الزوايا وليقابل مقدميها حتى بلغ عين مهدي )3( ومكث فيها مدة قصيرة ثم قصد " األغوات " التي كانت تمتاز بموقعها في جنوب الجزائر بوصفها ملتقى القوافل اآلتية من السودان الغربي. وفيها مكث بعض الوقت يلقى دروسا في الفقه والشريعة ثم ارتحل منها إلى مسعد ثم إلى جلفة ثم إلى بوسعده وهو في أثناء رحلته يوعظ ويدرس ويفقه الناس بأمور دينهم )4( وكانت لرحلته في جنوب الجزائر أثر في انضاج شخصيته وفي إعداده ملا أخذ نفسه به فهاهو ذا يشهد ذلك العالم الذي يختلف إلى حد بعيد عن العالم الذي عهده في مدن الجزائر وفي فاس باملغرب األقص ى وهاهو ذا يرى ميادين جديدة للدعوة واإلصالح تتفتح له عالم بدوي بعيد عن صور الحضارة وتعقيداتها ثم هو في الوقت نفسه ملتقى اإلسالم والوثنية. ولقد كانت تلك البوادي على سكونها وهدوئها تضطرب بألوان من الحركات الدينية )1( انظر: االستقصاء للناصري )150/8(. )2( انظر: الحركة السنوسية ص 55. )3( انظر: السنوسية دين ودولة ص 14. )4( انظر: الحركة السنوسية ص

29 واالقتصادية وكانت الزوايا الدينية التي يقوم عليها أصحاب الطرق الصوفية هي أهم مراكز هذه الحركات أو لعلها املراكز الوحيدة لها وكانت هذه الزوايا أو هذه املراكز الثقافية تضع في الغالب على طرق التجارة التي تربط السودان بالشمال وتنتقل بواسطتها السلع في قوافل ماتزال رائحة وغادية. وفي هذه الزوايا يلتقي رجال القوافل القادمون من الجنوب والعائدون من الشمال يجلسون إلى شيوخها ويستروحون بالتلقي عنهم واالنغمار في جوهم وبتبادل األحاديث املختلفة عن البالد التي جاءوا منها أو مروا بها وبذلك كانت تلك الزوايا محال ثريا غنيا باملعلومات )1( وأخبار الشعوب اإلسالمية وفي هذه الزوايا كان نشاط ابن السنوس ي في السودان الغربي يقوم بواجب الدعوة إلى هللا تعالى وقد أيقن أن من عوامل نهوض األمة القيام بهذا الدور العظيم فذن اإلسالم الذي آمن به ابن السنوس ي اليكتفي بأن يكون في نفسه صالحا مهتديا وإنما يريد منه أن يكون مصلحا هاديا متسلحا بالعلم ومتحليا بالحلم ومتجمال بالصبر ومتحررا من كل القيود التي تشده الى األرض وتقعد به عن كلمة الحق وأظهار االسالم لكل أنواع البشر وفي كل البقاع لم يبالي ابن السنوس ي بالتعب والنصب في سبيل رسالته ودعوته بل كان محتسبا األجر واملثوبة عند هللا تعالى وكان يرى أن شرفه منوط بأداء تلك الرسالة املقدسة. وقد مكث في تلك الديار مايقارب العامين معلما ومربيا وداعيا. ولقد استفاد من هذه التجربة دروسا عظيمة جعلته يركز في مستقبله على دعوة البداية ملا رأى فيهم من صفاء الفطرة وجمال الخلق وحب التدين وبعدهم عن الفساد وتعقيد الحياة االجتماعية وسيطرة األهواء السياسية كما الحظ ذلك في املدن التي عاش فيها )2(. -3 ومن األسباب التي جعلته يغادر فاس رغبته امللحة لحج بيت هللا الحرام وزيارة )1( انظر: دراسات وصور للحاجري ص )2( دراسات وصور للحاجري ص

30 مسجد النبي ولذلك غادر بالد السودان الغربي في رفقة قافلة ذاهبة الى املشرق )1(. خامسا : رحلته الى املشرق: كان التفكير عند ابن السنوس ي للسفر الى مكة طبيعيا فهو من ناحية البد وأنه تاقت نفسه الى بيت هللا الحرام وحلم طويال بالعيش في األراض ي املقدسة وقضاء فريضة الحج. كما أنه رأى في اإلقامة بمكة فرصة لقاء كبار علماء العالم االسالمي وقد استقرت في نفسه نصيحة أحد شيوخه إذ قال له: )إن االرتحال املستمر صعب فذذا أردت أن تستزيد من العلم فما عليك إال السفر الى مكة حيث يلتقي جميع علماء املسلمين( )2(. باإلضافة الى التعرف على الشعوب االسالمية عن قريب. وقد ذكر بعض املؤرخين )3( أن ابن السنوس ي قبل أن يسافر الى املشرق رجع الى بلده مستغانم وفيها قام بذتمام أول زواج له إذ بنى باحدى بنات عمومته ثم نشب بينه وبين أقاربه األدنين خالف حول أمالكه وذلك ألنهم كانوا قد وضعوا أيديهم عليها ولم يرسلوا له بش يء من ريعها طيلة مدة غيابه وطالب أوالد عمه بالريع وتسليم امللك له فامتنعوا عن ذلك فرفع عليهم قضية وربحها فسلمت له الحكومة أمالكه أما الريع فلم يجدوا منه شيئا يدفع له لذا قامت الحكومة بسجن اوالد عمه فتنازل ابن السنوس ي عن طلبه وطلب اخالء سبيلهم فكان له ذلك. ثم انه بعد ذلك صفى أمالكه وانتقل الى جهة قسطنطينية وجاء عند عرب اسمهم اوالد نايل كانوا في جنوب شرق القسطنطينية فبنى عندهم زاوية ومارس هناك الوعظ والتعليم واالرشاد. وقرر بعد ذلك )ابن السنوس ي( االرتحال الى مكة وعرض على زوجته ان ترافقه فلم ترغب في ذلك فرأى أن يطلقها لعلمه بطول املدة التي يرغب فيها باالنقطاع عن )1( املصدر السابق نفسه ص 283. ) 2 (انظر: الحركة السنوسية ص 59. )3( منهم احمد الدجاني. 29

31 بلده )1( وولد له من زواجه األول طفل توفى وهو صغير ثم ماتت أمه بعد ذلك )2(. وغادر ابن السنوس ي الجزائر ودخل تونس وقابس وجامع الزيتونة واستفاد من شيوخها واستفاد الطالب منه وطلب منه التدريس ولبى الطلب ثم واصل سيره ودخل طرابلس الغرب وكان ذلك في حكم يوسف القرمانلي الذي كان مستقال عن الدولة العثمانية فأكرم نزله ومكث في مدينة طرابلس وضواحيها مدة للوعظ واالرشاد والتعليم ونفع العباد ولم يترك بها مسجدا معروفا إال ألقى فيه دروسا وتعلق به آل املنتصر وأصبحوا فيما بعد هم النائبون عنه في طرابلس وسافر الى زليطن للوعظ واالرشاد والدعوة واستطاع أن يكسب لدعوته انصارا من مصراته وزليطن وطرابلس ومن أشهر األسر التي أصبحت من ركائز الدعوة السنوسية فيما بعد آل املحجوب وآل اآلشهب وآل الدردني وآل عمران بن بركة وآل يوسف وآل بن فرج هللا وآل املقرحي وآل الثني وآل الغرياني وآل العيساوي وآل الغزالي وآل الهوني وآل الزناتي )3( الناس به خلق كريم وطلعة بهية وقبول من رب العاملين. وساعده على تعلق ونستطيع أن نحدد تاريخ دخول ابن السنوس ي بطرابلس الغرب من حديث حفيده احمد الشريف الذي تحدث عن اجتماع جده بأحد مريديه وهو عمران بن بركة )فكان اجتماعه به اثناء مروره عليهم قادما من املغرب الى املشرق سنة ثمان وثالثين بعد املئتين وااللف في بلده زليتن بغرب طرابلس الغرب( )4(. ومن خالل مروره على طول الساحل االفريقي تعرف على احوال مسلمي املغرب وكون فكرة عن أوضاعهم واتاحت له تلك الرحالت التعرف على اناس كثيرين وعلى اماكن كثيرة وقد استفاد من هذا التعارف فيما بعد عند عودته من الحجاز وكان من طبيعة ابن السنوس ي ان يوطد عالقاته بمن يتعرف عليهم ووثق صلته بأشخاص كثيرين ونجح في كسب قلوب الكثيرين حتى ان رجال كعمران بن بركة كان يريد مرافقة )1( انظر: الحركة السنوسية للدجاني 58. )2( انظر: الفوائد الجليلة )13/1(. )3( املصدر السابق نفسه ) /1(. )4( انظر: احمد الشريف ص 8 نقال عن الدجاني ص

32 ابن السنوس ي ولكنه طلب منه التريث واالنتظار حتى يرسل له )1(. ووصل ابن السنوس ي سيره ودخل برقة وقبل وصوله الى مدينة اجدابيا مر على نجع شيوخ املغاربة الشيخ علي لطيوش فأكرمه وقام بخدمته خير قيام دون سابق معرفة ورافقه الى اجدابيا وجهزه الى اوجله ولم يمر ببنغازي وال الساحل وتعرف على الشيخ عمر بوحوا االوجلي وكان في رفقته عبد له وعبدهللا التواتي واستمر في رحلته مع الصحراء بواسطة القوافل حتى وصل القاهرة )2(. سادسا : دخوله القاهرة: دخل ابن السنوس ي مصر وكان الحكم آنذاك ملحمد علي باشا وكان صاحب الجولة والصولة وكان ذلك في عام األمور في مصر بقوة منذ سنة 1239 ه/ 1824 م وكان محمد علي باشا قد قبض على زمام 1805 م وكانت فرصة البن السنوس ي ليتعرف على تجربة محمد علي باشا عن قرب وقد الحظ ابن السنوس ي عدة أمور جعلته اليرتاح الى نوع الحكم الذي أقامه محمد علي باشا وطريقة االصالح وازدادت قناعة ابن السنوس ي فيما بعد بخطورة حركة محمد علي باشا التي كانت سياسته تخدم أعداء االسالم وهيئة سياسته املنطقة بأكملها ملرحلة استعمارية مازالت آثارها تعاني منها االمة حتى اليوم لقد استطاعت السياسة النصرانية األوروبية ان تحقق أهدافها اآلتية بواسطة محمد علي باشا: تحطيم الدولة السعودية األولى التي كادت أن تكون خنجرا مسموما في ظهر األطماع البريطانية في الخليج العربي خصوصا واملشرق عموما. فتح األبواب على مصراعيها إلقامة مؤسسات معادية للدين االسالمي واملسلمين في محافل ماسونية وإرساليات تبشيرية وأديرة وكنائس ومدارس في بذر التيارات القومية املعادية لإلسالم وبث االفكار املعادية ملصالح االمة االسالمية. )1( انظر: الحركة السنوسية للدجاني ص 60. )2( انظر: الفوائد الجليلة )15/1 الى 21(. 31

33 إتاحة الفرصة لشركات أوروبية تتحكم في االقتصاد. منح امتيازات واسعة لألوروبين ومنع أهالي مصر والشام من تلك االمتيازات. خنق التيار االسالمي األصيل وضيق على العلماء والفقهاء ولم يسمح للمسلمين أن يتكتلوا من أجل اهدافهم النبيلة )1(. وأما حالة األزهر في ذلك الوقت فقد كان في انحطاط فالعلوم التي تدرس فيه تراكم عليها الغبار لقدمها وفقدت ملعانها وبريقها النعدام اإلبداع فيها والتزام التقليد أما علماء األزهر فقد عمل محمد علي باشا على اضعاف دورهم ووقعت بينهم املنافسات والضغائن واستعان بعضهم بالحكام واستعداء السلطة على بعضهم وعمل محمد علي باشا على تقويض صف العلماء كالخالف الذي وقع بين الشيخ عبدهللا الشرقاوي شيخ األزهر وبين بعض املشايخ اآلخرين حيث ترتب على ذلك الخالف صدور األمر من محمد علي باشا الى الشيخ الشرقاوي بلزوم داره وعدم الخروج منها وال حتى الى صالة الجمعة )2( وسبب ذلك كما يقول الجبرتي: )أمور وضغائن ومنافسات بينه وبين إخوانه... فأغروا به الباشا ففعل به ماذكر فامتثل األمر ولم يجد ناصرا وأهمل أمره( )3(. وقد أصيبت العلوم الدينية في األزهر بالجمود والتحجر نتيجة لعدة عوامل منها سابعا : دخول الحجاز: دخل ابن السنوس ي الحجاز عام 1240 ه/ 1825 م ونزل بمكة املكرمة وكانت تلك الزيارة ملكة ذات اثر كبير في قيام الدعوة السنوسية وظهور شأنها و ساعد على هذا جملة اسباب: 1- استطاع ابن السنوس ي ان يتحصل على انباء عظيمة عن احوال واخالق املسلمين )1( انظر: الدولة العثمانية عوامل النهوض واسباب السقوط لعلي الصالبي ص 590. )2( املصدر السابق نفسه ص 590. )3( انظر: عجائب اآلثار )134/3(. 32

34 الوافدين الى مكة. -2 اتيحت له فرصة طيبة لإلحتكاك بعلماء وفقهاء ومفكري االمة وتبادل معهم اآلراء واالفكار في كيفية النهوض وإعادة مجد االمة. 3- كانت مكة منبرا مهما للدعوة ولذلك اشتغل ابن السنوس ي بنشر العلوم وتحصيلها و املناظرة فيها واجتهد في دراسة املذاهب االسالمية حتى حذق مخاطبة جميع العالم اإلسالمي. -4 اتيحت له دراية بحركةالشيخ محمد ابن عبدالوهاب عن قرب وعاشر اتباع الدعوة السلفية ومريديها وتتلمذ على علمائها وشيوخها ودرس الحركة السلفية دراسة واعية في مواقفها السياسية واجتهاداتها العملية ثامنا : رحلته من الحجاز الى املغرب: تضافرت عدة اسباب دفعت ابن السنوس ي ملغادرة مكة منها توفي استاذه احمد بن ادريس عداوة شيوخ مكة وعلمائها ملا كان يطرحه ابن السنوس ي خوف الحكومة العثمانية من عالقته بأبناء احمد بن ادريس في عسير وهي أرض تابعة ألتباع الحركة الوهابية دعوة مريديديه من أهالي املغرب لزيارة بالدهم )( وأضاف عبدالقادر بن علي رغبة ابن السنوس ي للجهاد في بالده ضد الفرنسيين فعقد النية وصمم على السفر لالشتراك في جهاد فرنسا في الجزائر والتحق بركبه عدد كثير من اتباعه واخوانه وعين الشيخ عبدهللا التواتي على زاوية ابي قيس بمكة للقيام بشؤون االتباع وكان سفره ذاك في آخر عام 1255 ه في 26 ذي الحجة حسبما هو مذكور في مذكرة مرافقيه الشيخ محمد بن صادق البكري ثم سافر الى مصر من مكة ومعه عدد كبير من االخوان وذلك آخر عام 1255 ه ودخلها أول عام 1256 ه وزار الجامع األزهر وألقى دروسا نافعة ووقف احد كبار مشايخ األزهر وقال : )انصتوا أيها العلماء لقد حل بين أظهركم عالم األمة املحمدية ونبراس الشريعة املطهرة وشمس سماء املعارف اإللهية: إذا صلصل الباز فال ديك صارخ 33

35 وال فاخت في ايكة يترنم أال وهو الشيخ الكامل سيدي محمد بن علي السنوس ي الحسني األدريس ي فارتج الجامع بعلمائه ولم يمكث الشيخ بمصر غير مدة قليلة ثم سافر( )1(. وتعرض ابن السنوس ي لهجوم الشيخ عليش املالكي بسبب دعوة ابن السنوس ي لفتح باب االجتهاد وقد ذكر محمد عبده في كتابه االسالم والنصرانية أن ابن السنوس ي تعرض للقتل: )ألم يسمع السامعون ان الشيخ السنوس ي كتب كتابا في أصول الفقه زاد فيه بعض املسائل على أصول املالكية وجاء في كتاب له مايدل على دعواه أنه ممن يفهم األحكام من الكتاب والسنة مباشرة وقد يرى ما يخالف رأي مجتهد أو مجتهدين فعلم بذلك أحد املشايخ املالكية وكان املقدم من علماء الجامع األزهر الشريف فحمل حربة وطلب الشيخ السنوس ي ليطعنه بها ألنه خرق حرمة الدين وتبع سبيل غير سبيل املؤمنين وربما كان يجترئ االستاذ على طعن الشيخ بالحربة لو القاه وإنما الذي خلص السنوس ي من الطعنة ونجى الشيخ املرحوم من سوء املغبة وارتكاب الجريمة باسم الشريعة هو مفارقة السنوس ي للقاهرة( )2(. وقد تعرض الشيخ ابن السنوس ي في مصر ملرض اضطر على أثره أن اليأكل شيئا من الزاد سوى مقدار بسيط من الحليب صباحا ومثله مساء فقط وكان الذي يقدم له الحليب رجل تركي فوضع له سما في الحليب فلما شرب منه سقطت اسنانه في اإلناء واشتد به األلم حتى يئس منه جميع االخوان وأخيرا من هللا عليه بالشفاء بعد معالجات إال أنه سبب له مضاعفات من جسمه تخرج على جلده جبة ( أي قشرة تشبه جبة الحنش وصارت له عادة يسلخها رأس كل عام وقت أخذه لذلك الحليب وملا تحسنت صحته أرسل للشيخ عبدهللا التواتي في مكة وملا حضر إليه ارسله الى قابس بتونس يرفقه بعض االخوان ومعهم زوجته الحبشية وأمر بعض األخوان أن )1( انظر: رحلة الحشائش ي ص 150. )2( انظر: االسالم في القرن العشرين للعقاد ص

36 يواصل رحلته الى الجزائر )1(. وكان ابن السنوس ي في سفره ذلك قد قصد املدينة املنورة للوداع ثم نزل ببدر في الصالة وإن حصلت في اثناء سفره يقصر ويجمع في الصالة وإن حصلت له اقامة ببلد أو غيرها واستمر على ذلك يقصر ويجمع إلى تسعة عشر يوما تارة يجمع جمع تقديم وتارة جمع تأخير وهو في عمله هذا يخالف املالكية ويتبع االحاديث الواردة في قصر الصالة وجمعها بعد ان اعتقد صحتها )2(. وبعد الشفاء من مرضه اجتهد في الدعوة الى هللا وتعليم الناس وارشادهم واقام مددا متفاوتة في عدد من املدن والقرى فترك في كل منها ركائز وأنصارا وقد تميز أسلوبه الدعوي بالبساطة وباتفاقه مع مستواهم العقلي )3(. وواصل ابن السنوس ي رحلته برا من سيوه الى جالوا ثم أوجله وكان برفقته الشيخ عمر بوحوا ومحمد الشفيع واملهدي الفياللي ثم توجه الى برقة ونزل على نجع عائلة اللواطي من العواقير ففرحوا وقاموا باكرامه ورفقائه ورافقوه الى منتجع قبيلة املغاربة فنزل على الشيخ علي لطيوش فأكرم ابن السنوس ي ورافقه الى محل يسمى الهيشة مابين سرت ومصراته وهناك قابله آل املنتصر ومعهم اعيان مصراته فدخل معهم إليها وبعد مدة قليلة واصل سيره الى بلدة زليتن ومنها الى طرابلس ونزل في بيت احمد املنتصر وترك عنده بعض االخوان وولي سفره الى زوارة ودخل حدود تونس )4( وشعرت املخابرات الفرنسية بخطورة ابن السنوس ي منذ فترة طويلة وحاولت ان ترصد تحركاته مع الحجيج الجزائري واملغاربة عموما فبثت املخابرات الفرنسية عيونها وآذانها على طول الحدود وجاءته األخبار بذلك وتقرر ان اليواصل شخصيا سيره وندب محمد بن صادق وحم له بعض االموال واالسلحة لتوصيلها الى األمير عبدالقادر )1( انظر: الفوائد الجليلة )47/1 الى 50(. )2( انظر: الحركة السنوسية ص 75. )3( انظر: الحركة السنوسية ص 76. )4( انظر: الفوائد الجليلة )50/1(. 35

37 الجزائري) 1 ( وعاد الى طرابلس وتبنى ابن السنوس ي دعم حركة الجهاد في الجزائر باالموال واالسلحة والرجال ما عددا من تالميذه النجباء من أمثال محمد بن استطاع الى ذلك سبيال وقد أوفد في فترات متفاوتة الشفيع وعمر الفضيل املعروف بأبي حواء والشيخ ابو خريص الكزة )2( وقد نقل محمد الطيب االشهب عن دوفربيه الفرنس ي مايشير الى اعتقاد الفرنسيين بتدخل ابن السنوس ي في اعمال املقاومة في الجزائر فدوفرييه يقول: )إن السنوسية هي املسؤولة عن جميع اعمال املقاومة التي قامت ضد فرنسا في الجزائر وانها السبب في الثورات املختلفة التي قامت ضد فرنسا كثورة محمد بن عبدهللا في تلمسان وصحراء الجزائر سنة محمد بن تكوك في الظهرا عام 1881 م... الخ( وقد بين املؤرخ الليبي عبدالقادر بن علي الذي رافق احمد الشريف السنوس ي وعصيان حوالي اربعين سنة أن بعض االخوان من السنوسية شاركوا في الجهاد الجزائري حتى ان بعضهم أكل تمرات غرس نواها وطلع وكبر وأثمر وأكل من ثمرها وهو في ميدان الجهاد )3(. وقد عثر املؤرخ احمد الدجاني على خطاب ارسله احد تالميذ ابن السنوس ي من الجزائر الى مدير غدامس التركي )غدامس في ليبيا( وارشدنا الخطاب الى ان دعوة ابن السنوس ي بلغت الجزائر وان عددا من اتباعه كانوا يقاتلون الفرنسيين فيها ومنهم مرسل الخطاب وتاريخ الخطاب سنة 1268 ه. وقد كان ابن السنوس ي في الحجاز في ذلك التاريخ. ومن بين ما جاء فيه )...وأما انا عبدهللا حين قدمت بالد وارقلة ففتح هللا علينا بها وصارت محمدية بعد ما كانت في يد الرومي دمره هللا وخليفة الرومي فيها سبحان من حكم الضعيف في القوى وصار القوي من عبده مخذوال مذموما لكن من بركة الشريف شيخنا سيدي محمد بن علي السنوس ي ونفعنا وإياكم به آمين. وصاروا عربان )1( املصدر السابق نفسه )50/1(. )2( انظر: الحركة السنوسية ص 78. )3( انظر: الفوائد الجليلة )51/1(. 36

38 وارقلة وقصورها وقبائل الشعامبة وقصور تغورت وعربانها واألرباع والخرزلية والحجاج وكثير من عربان الظهيرة وقصور بني مصاب كلهم تحت طاعة هللا ورسوله وطاعتنا واملجاهدين كل يوم في الزيادة...وبعث لنا الرومي دمره هللا في هذه الساعة ثالثة أمحل... تالقينا معهم وصرنا مثل الشامة البيضاء في ثور اسود فنصرنا هللا نصرا عزيزا واعلننا على اعدائه ووقع القتال بيننا بالبارود والسيوف حتى كسرناهم كسرة عظيمة وقتلنا منهم نحو ثالثة ماية وستة وثمانون رجال وقلعنا من الخيل كثير والبنادق بال عدد والخزنة واالبل واألخبية والحمدهلل على ذلك...( )1(. إن الحقائق التاريخية تثبت للباحث اهتمام ابن السنوس ي بالجهاد في الجزائر ضد فرنسا وحاول أن يشارك بنفسه إال أن الظروف منعته من ذلك وعمل على ارسال تالميذه باالسلحة واملال وتحريض اتباعه في الجزائر على القتال وقد استمر اتباع السنوسية والشعب الليبي في الجزائر وتحصلت الجزائر على استقاللها عام 1962 م. تاسعا : ابن السنوس ي في طرابلس: دعم حركة الجهاد حتى تم دحر االحتالل الفرنس ي من عاد ابن السنوس ي من قابس الى طرابلس مع صحبة مجموعة من االخوان في عام 1257 ه ونزل ضيفا عزيزا على عائلة املنتصر وتخوف الوالي العثماني من ابن السنوس ي واستطاع عميد عائلة املنتصر أن يقنع الوالي علي عشقر بأن ابن السنوس ي من املخلصين واملحبين للدولة والخالفة وعمل على جمع الوالي العثماني بابن السنوس ي وقد تأثر الوالي بورعه وقد فص ل محمد الطيب األشهب في هذه النقطة فقال: )فبعد أن وصل قابس عاد الى طرابلس وذلك في أوائل 1257 ه وكان حاكم طرابلس يومئذ علي باشا عشقر الذي وصلته انباء مشوهة عن دعوة السنوس ي وحركته التي قيل على لسان رواة الحاكم العثماني انها ترمي الى ما يبعث على قلق السلطات العثمانية وكان رواية هذه االتهامات هو احد شيوخ الطرق الصوفية سامحه هللا. فأمر علي عشقر بالقبض على رفاق االمام السنوس ي املوجودين بمنزل الحاج احمد )1( انظر: نص الرسالة الكامل عن سجل رقم 501/3/196 دار املحفوظات-طرابلس. 37

39 باشا املنتصر ريثما يتسنى القبض على شخص االمام. وتقدم املنتصر بوساطته في ان يبقى االخوان السنوسيون في منزله وقدم بذلك ضمانا شخصيا متعهدا أن يخبر الحكومة عن اإلمام السنوس ي حينما يعود. وشاء هللا أن يصل االمام فجأة وماكان يعلم عما حدث فلما علم أصر على رؤية الوالي وهناك اجتمع بمجلس علمي وقف فيه الوالي على حقيقيته فاعتذر له وانضم إليه اثنان في املجلس املقرحي والقزيري...( )1(. وكان العالمة املقرحي من طليعة علماء طرابلس وقد كلفه اشقر باشا مع غيره من العلماء بمناقشة االمام ابن السنوس ي فما كاد يستمع إليه حتى تأثر به واصبح من اتباعه ومريديه. وكان رأي العلماء الذين ناظروا ابن السنوس ي بأنه نعمة من هللا ساقها إليهم وفرح الباشا بذلك واعتذر البن السنوس ي وقال له هذه بالدك واالهل اهلك فأنفعهم بقدر استطاعتك ونحن في الحاجة الشديدة المثالك فأقام ابن السنوس ي في طرابلس مدة يعل م الناس ويذكر هم ويبصر هم بأمور دينهم وتعلق الناس به وسارت إليه الركبان )2(. ويذكر بعض املؤرخين أن الوالي العثماني علي عشقر أخذ عن ابن السنوس ي طريقته وصار من أتباعه ويبدو أن الدولة العثمانية كانت في حاجة ماسة الى يد قوية تستعين بها في ضبط األمور على أساس استتباب األمن واخماد الفتن واملصادمات في داخل )3( البالد التي استمرت سبع سنوات مضت قريبا وأن األحداث في تلك السنة كانت على أشدها حيث كانت الثورة مشتعلة في جبل نفوسة بقيادة غومة املحمودي وسيف النصر في سرت ضد الدولة العثمانية واستطاع غومه املحمودي وسيف النصر أن يستقل كل منهما بمنطقته لفترة من الزمن مقابل دفع مبلغ معين للوالة ثم تفاقم أمرهما فعمل الوالي العثماني على الخالص منهما ونجح في القبض عليهما فأما غومه )1( انظر: السنوس ي الكبير لألشهب ص 104. )2( انظر: الفوائد الجليلة )30/1(. )3( انظر: السنوسية دين ودولة ص

40 فنفاه من طرابلس وأما عبدالجليل سيف النصر فقطع رأسه )1(. ولذلك حرص الوالي العثماني من االستفادة من نفوذ ابن السنوس ي في ليبيا وخصوصا بعد أن ظهر منه حرصه على األمن واجتماع الكلمة ونبذه للتنافر والخصام بين جميع املسلمين وشعوبهم )2( وقد كانت نظرة الوالي العثماني تدل على وحرصه على األمن واستقرار البالد وحبه للدعوة الى هللا تعالي. بعده السياس ي عاشرا : ابن السنوس ي في برقة: واصل ابن السنوس ي سيره الى سرت وبرفقته امراء من آل املنتصر بأمر عميد األسرة وأعيان من مصراته ودخل سرت ووجد هناك كوكبة من الفرسان في انتظاره هم بعض اعيان وشيوخ ووجهاء برقة من العواقير واملغاربة واهل الجبل االخضر ومدينة بنغازي فرحبوا بسيادته ورافقوه في رحلته ومر في طريقه بالكثير من القبائل وبعد وصوله الى بنغازي تنافست بيوتات بنغازي البارزة في اكرامه كعائلة الكيخية وآل شتوان وآل منينة وقام في بنغ ازي شهر رمضان كامال وبعد العيد جاء رجالن من قبيلة العواقير لشراء الكفن للشيخ ابي شنيف الكزة زعيم قبيلة العوافير عموما الذي مرض مرضا تحقق اقاربه منه باملوت وملا وصل الرجالن الى بنغازي دخلوا على الرجل الصالح علي خريبيش وكانت لهم به معرفة واخبروه بمرض الشيخ ابو شنيف وطلبوا منه الدعاء له بالشفاء فقال لهم هنا رجل صالح عالم نزوره أنا وأنتم ونطلب منه الدعاء له بالشفاء فلما التقوا بابن السنوس ي اظهر لهم عدم االنزعاج واطال لهم في املجلس وهم كأنهم على نار فألحوا في طلب األذن لهم بالخروج فقال لهم: ربما هذا املريض يدفن بعض الحاضرين ثم قال لهم نخرج معكم إليه ففرحوا وفعال ترك بعض اخوانه وثقل اثاثه وخرج معهم مخفا وكان الشيخ أبي شنيف نازال بأهله بمكان يسمى الظاهر يبعد عن بنغازي بمسافة يوم كامل فلما وصل الى الشيخ ابي شنيف وكان في )1( انظر: الحركة السنوسية ص 80. )2( انظر: السنوسية دين ودولة ص

41 حالة غيبوبة ومرضه في بطنه وهي منتفخة فوقف عليه ووضع يده الشريفة على بطنه فأنتفشت كأنها قربة منفوخة وافاق في الحال وتكلم فعلت اصوات النساء بالزغاريد وسرت القبيلة بشفاء عميدها العظيم )1(. الشك أن ابن السنوس ي قد أخلص في دعوة هللا لشفاء هذا املريض وقرأ عليه بعض األدعية النبوية املباركة وربما سورة الفاتحة وقرأ عليه القرآن الكريم وهذا جائز في الشرع فعن ابي سعيد الخدري أن ناسا من أصحاب رسول هللا كانوا في من أحياء العرب فاستضافوهم. فقال لهم: هل فيكم راق فذن سفر فمروا بحي سيد الحي لديغ أو مصاب فقال رجل منهم: نعم. فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب فتبسم وقال : )وماأدراك أنها رقية ( ثم قال: )خذوا منهم واضربوا لي بسهم معكم( )2( وقد عل م رسول هللا األمة كيف يفعلون مع مرضاهم فكان إذا أتى املريض يدعو له ويقول: )أذهب الباس. رب الناس واشف أنت الشافي. ال شفاء إال شفاء اليغادر سقما ) )3(. لقد كانت حادثة شفاء زعيم قبيلة العواقير على يدي ابن السنوس ي مدخال عظيما للدعوة الى هللا في قبائل برقة واعتبره املؤرخ عبدالقادر بن علي اول فتح البن السنوس ي في برقة والجبل األخضر وأقام في نواجع العواقير مايقرب من الشهر واجتمعت على سيادته الناس من انحاء برقة لزيارته وطلب الدعاء منه )4( وقد انتشرت بين الناس كرامات نسبت البن السنوس ي وقد ذكر الحشائش ي أن ابن السنوس ي عندما قدم من املغرب الى الحجاز على طريق قابس من أعمال تونس نزل بحي من أحياء العرب ولم يظهر الشيخ انه من العلماء وليس معه إال أربعة أنفار فأكرم نزله رب الحي املذكور ملا رأى عليه من املهابة فلما أراد املسير من عنده أهداه رب املكان بغلته ليركبها بالطريق )1( انظر: الفوائدالجليلة )53/1(. )2( انظر: مسلم كتاب السالم باب جوازأخذ األجرة على الرقية )1727/4( رقم )3( انظر: مسلم كتاب السالم باب استحباب رقية املريض )1722/1( رقم )4( انظر : الفوائد الجليلة )53/1(. 40

42 فأخذها الشيخ من عنده وملا ركبها في اليوم األول من سفره عثرت به فسقط من أعالها وانكسرت ذراعه األيمن من حينه ورجع الى رب الحي املذكور فتلقاه مذعورا وفي الحال أحضر له أناسا عاملين بجبر الكسر فطفقوا يعالجون الشيخ بمطارق من الحديد تحمى في النار ثم تجعل على محل األلم ومع ذلك فذن النار لم تؤثر في ذراعه فتعجب الناس من ذلك وعرفوا فضله ومن هناك أخذ الشيخ في االشتهار )1(. إن املفتاح الكبير لقبائل برقة هو قناعتها بأن ابن السنوس ي ولي من أولياء هللا الصالحين ولذلك سمعت لنصائحه واطاعت أوامره فأرشدهم الى كتاب هللا وسنة رسوله وعلماء األمة يثبتون الكرامات للصالحين: )فأولياء هللا املتقون هم املقتدون بمحمد فيفعلون ما أمر به وينتهون عما عنه زجر ويقتدون به فيما بين لهم أن يتبعوه فيه فيؤيدهم بمالئكته وروح منه ويقذف هللا في قلوبهم من أنواره ولهم الكرامات التي يكرم هللا بها أولياءه املتقين وخيار أولياء هللا كراماتهم لحاجة في الدين أو لحاجة باملسلمين كما كانت معجزات نبيهم حصلت ببركة اتباع رسول هللا...( )2(. كذلك. وكرامات أولياء هللا إنما )ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بسبب حاجة الرجل فذذا احتاج إليها الضعيف اإليمان أو املحتاج أتاه منها مايقوي إيمانه أو يسد حاجته ويكون من هو أكمل والية منه مستغنيا عن ذلك فال يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها ال لنقص واليته ولهذا كان هذه األمور في التابعين أكثر منها في الصحابة( )3( ومن عقيدة أهل السنة والجماعة اإليمان بكرامات األولياء )4(. إن ابن السنوس ي صحت معرفته باهلل ورسوله ودينه وصدقت متابعته للشرع ظاهرا وباطنا ونحسبه كذلك وال نزكي على هللا أحد ولذلك فتح هللا عليه بما لم يفتح على )1( انظر : رحلة الحشائش ي ص 145. )2( انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية )274/11(. )3( املصدر السابق نفسه )283/11(. 4 انظر: االنحر افات العقدية والعلمية )508/1(. 41

43 غيره من إلهامات صحيحة وفراسات صائبة وأحوال صادقة قال تعالى: و ل و أ ن م ف ع ل وا م ا ي وع ظ ون ب ه ل ك ان خ ي ا ا ل م و أ ش د ت ث ب يتاا و ل د ي ن اه م ص ر اطاا م س ت ق ي ا ما ]النساء: ]68-66 و إ ذاا ل ت ي ن اه م م ن ل د ن أ ج ا را ع ظ ي ا ما وكان عمر بن الخطاب يقول: )اقتربوا من أفواه املطيعين واسمعوا منهم مايقولون فذنه تتجلى لهم أمور صادقة( )1(. وقال ابن عثمان النيسابوري )من أم ر السنة على نفسه قوال وفعال نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه قوال وفعال نطق بالبدعة ألن هللا تعالى يقول في كتابه الكريم: و إ ن ت ط يع وه ت ت د وا ]النور: 54[. )2( وقال الكرماني )من غض بصره عن املحارم وأمسك نفسه عن الشبهات وعم ر باطنه بدوام املراقبة وظاهره باتباع السنة وعود نفسه أكل الحالل لم تخطي له فراسة( )3(. بعد شهر من بقائه في نجع العواقير واصل سيره متوغال في برقة الحمراء ومنها الجبل االخضر وبصحبته جمع غفير من االخوان ومشايخ مختلف القبائل من الحاربي والعواقير حتى وصل الى مكان يسمى ماسة وتقدم من ماسة الى محل يسمى دنقلة حيث مكان الزاوية البيضاء بالقرب من ضريح الصحابي االنصاري )4( الجليل رويفع بن ثابت وقد شرع االخوان السنوسيون في تأسيسها قبل مجيء ابن السنوس ي وذلك بتوجيه منه وهي أول زاوية يؤسسها ابن السنوس ي خارج الحجاز ولها مقام كبير عند السنوسية ويطلق عليها أم الزوايا وقد بنيت زاوية البيضاء خارج البلدة وعلى بعد حوالي ثالثة كيلومترات منها ويالحظ الباحث أن ابن السنوس ي اختار لها موقعا استراتيجيا جيدا يتميز بسهولة الدفاع عنه وصعوبة الوصول إليه. كما يالحظ أيضا أنه أحسن بناءها. ولقد تميزت كل الزوايا التي أنشئت ببرقة باملوقع االستراتيجي كما أنها )1( مجموع فتاوى ابن تيمية ) /10(. )2( انظر: الجامع ألخالق الراوي باب أدب الطلب )80/1(. )3( انظر: قواعد التحديث للقاسمي ص 149. )4( انظر: الفوائد الجليلة )54/1(. 42

44 تتتابع بانتظام مما يدل على أن ابن السنوس ي كان يرمي الى جعلها كالقالع لتقوم بصد املعتدين في الحروب ألنه كان يتوقع هجوم األعداء عليها )1( وال ننس ى زعيم البراعصة الشيخ أبو بكر بوحدوث الذي وقف بجاهه وماله ونفسه مع الحركة السنوسية وكان من تواضعه يشارك العمال في كافة أعمالهم بنفسه فضال عن اتباعه وكان بجاللة قدره ممن يخلط الطين للبنائين الذين يبنون املسجد والزاوية البيضاء رغبة في الثواب )2(. وشرع ابن السنوس ي من الزاوية البيضاء يعلم الناس ويذكرهم باهلل ويرشدهم الى طريق النجاة في الدنيا واآلخرة وبدأت القبائل تتوافد إليه وتطلب زيارته لها تب ركا به وتطلب اقامة زوايا لها اسوة بالزاوية البيضاء فكان يتوجه بنفسه الى القبيلة أو املكان املطلوب اقامة الزاوية فيه وأحيانا ينتدب بعض االخوان لذلك وهكذا بدأت القبائل تتسابق والزوايا تنتشر )3(. وظل في نواحي برقة والجبل األخضر يزور القبائل ويؤسس الزوايا حتى تم تأسيس ماينوف عن عشرين زاوية كما كان طيلة هذه السنوات يتردد مابين القبائل ويصلح ما بينها ويزيل ما تأصل بينهم من االحقاد واملشاجرات التي طال أمدها رغم ضررها وكان يعظهم ويذكرهم ويرشدهم الى إخوة االسالم ورابطة االيمان ويحثهم على التعاون على البر والتقوى ويأمرهم بترك العقائد الفاسدة والعادات القبيحة مثل التبرج واالختالط وقتل النفس بأتفه األسباب وعدم االنقياد ألوامر الدين والدولة وكان يأخذ منهم العهود واملواثيق على أنهم ينقادون ألوامر مشايخ الزوايا ويرجعون إليهم في مختلف قضاياهم وحل مشاكلهم ويدخلون ابناءهم في الزوايا ليتعلموا القرآن وأمور دينهم كما كان يأخذ عليهم عهودا باحترام الزوايا ومشائخها واالخوان وان يبذلوا جهودهم ملساعدة الزوايا واالخوان فيما هو ضروري لبقائها عامرة وكل قبيلة تطالب )1( انظر: الحركة السنوسية ص 83. )2( انظر: الفوائد الجليلة )56/1(. )3( املصدر السابق نفسه )58/1(. 43

45 اقامة زاوية لها تقيمها لهم بالشروط املتقدمة )1(. والزوايا التي تم تأسيسها خالل السنوات األربع املتقدمة في الجبل األخضر وبرقة )البيضاء شحات بنغازي درنه ماره ام الرزم والعرقوب توكرة طلميثه الطيلمون الفائدية املخيلي القصور املرج ام ركبه في )فزان( مرزق زويلة هون سوكنه )في طرابلس( مزده طبقة الرجبان تونين مصراطه ازليتن زله وفي تونس زوايا الجريد. وعلى الحركة االسالمية املعاصرة في بالدنا وغيرها أن تراجع حسابتها وتتفقد االماكن التي كانت منارات للعلم والتربية والدعوة وتعمل على احياء مااندرس منها على منهج صحيح وسليم وقويم من عقيدة السلف ومنهج أهل السنة والجماعة مع االستفادة من خبرات الحركات املعاصرة وتجديد الوسائل لعل هللا ينفعنا وينفع بنا ويهدينا سواء السبيل. زواجه الثالث: في أواخر عام 1258 ه جمع ابن السنوس ي اخوانه في ليلة من الليالي وقال لهم تعلمون اخواني انني تقدمت بي السن )وكان سنة آنذاك سبعة وخمسون سنة( وضعف جسمي وقوتي بعد شربي للسم ولم يبقى لي مأرب في النساء غير اني رأيت سيدنا محمد في منامي وقال لي خذ احدى بنات هذا الرجل أي السيد احمد بن فرج هللا تأتيك بولدين يكونان من املهاجرين واالنصار وانني امتثاال المره اريد ان اخطب من اخينا السيد احمد احدى بناته ثم عقد على فاطمة وهي الوسطى من البنات )2(. إن الرؤية الصالحة في املنام بشرى تزف لعباده الصالحين وأمر رسول هللا في املنام إذا لم يخالف الشريعة اليوجد ما يمنع من تنفيذه وكانت بشرى صادقة وقد وقعت كما رآها ابن السنوس ي. )1( انظر: الفوائد الجليلة )59/1(. )2( انظر: الفوائد الجليلة )58/1(. 44

46 إن أمر الرؤية في حياة ابن السنوس ي واضح وجلي ويستأنس بها في رحالته واعماله وبالنسية لرؤية رسول هللا في املنام فال خالف بين أهل العلم فيها فعن ابي هريرة أنه قال: سمعت النبي يقول : )من رآني في املنام فسيراني في اليقظة وال يتمثل الشيطان بي( )1( وفي رواية عن أنس قال: قال النبي )من رآني في املنام فقد رآني فذن الشيطان ال يتمثل بي( )2( من رآني فقد رأى الحق( )3(. وفي رواية عن ابي قتادة قال : )قال النبي )1( انظر: البخاري فتح الباري كتاب التعبير باب من رأى النبي رقم )2( املصدر السابق نفسه رقم )3( املصدر السابق نفسه رقم

47 املبحث الثاني أسباب اختيارابن السنوس ي برقة مركزا لدعوته إن أقليم برقة أحد أقاليم ليبيا الثالثة )برقة طرابلس فزان( بل أكبر هذه األقاليم من حيث املساحة )700 الف كيلومتر مربع( وإن لم يكن أكثرها سكانا ويمتد هذا االقليم من هضبة السلوم شرقا وحدود طرابلس غربا وكان يعرف عند الرومان باقليم )سيرينة( التي سماها العرب )قيرين( أو )قرناه( ثم أصبح يعرف منذ الفتح االسالمي باقليم برقة )1(. وسطح االقليم متنوع بين سهل ساحلي يضيق في الجزء األوسط بحيث يتكون من جيوب ساحلية تنحشر بين رؤس صخرية تصل الى الساحل ولكن في جناحي برقة: في البطانان شرقا وفي برقة البيضاء والحمراء غربا يتسع هذا السهل الساحلي بحيث يمتد عشرات االميال الى أن يلتقي بالصحراء )2( والى جانب هذا السهل الساحلي يوجد الجبل األخضر الذي يرتفع عن مستوى سطح البحر بحوالي ألف متر وتكسوه الخضرة الدائمة ويرتفع الساحل ارتفاعا مباشرا ولكنه ينحدر تدريجيا نحو الصحراء في الجنوب وبه األراض ي الصالحة للزراعة املساحات الكبيرة التي الغزيرة. ترويها مياه االمطار والى الجنوب من الجبل األخضر توجد الصحراء الواسعة التي تكون معظم مساحة األقليم وهذه الصحراء مستوية وان وجد بها بعض الكثبان والهضبات فهي مستوية أيضا وفي صحراء برقة توجد أودية عميقة بعضها يمتلئ باملاء فترة ما وبعضها يكون )1( انظر: النجوم الزاهرة )282/8(. )2( انظر: د.نقوال زيادة: ليبيا ص 1. 46

48 جافا طول السنة )1( كما توجد بعض اآلبار والينابيع املتناثرة وسط الصحراء تحيط بها واحات فقيرة مثل الجغبوب والكفرة وجالو وأوجلة )2(. وسكان برقة يعيشون في تنظيم قبلي اتضحت صورته منذ الفتح االسالمي ثم عندما زحفت قبائل بني هالل وبني سليم من مصر الى املغرب منذ القرن الخامس الهجري - الحادي عشر امليالدي أصبحت هذه القبائل تنقسم الى قسمين رئيسين: القبائل السعدية وقبائل املرابطين ويذكر البعض أن السعديين هم قبائل بني سليم وأن املرابطين هم بقية القبائل العربية اليمنية التي جاءت مع الفتح االسالمي والتي اختلطت مع سكان البالد وعربتهم وأن ثمة قبائل من املرابطين لها شرف في النسب الى بيت الرسول ومن أهم القبائل السعدية العبيدات وعائلة فايد والحسا والبراعصة والدرسة والعبيد وعرفة والعواقير واملغاربة وأهم قبائل املرابطين: املنفة والقطعان والحوطة والفواخر والزوية )3(. وقبائل برقة تعيش نفس التنظيم القبلي العربي من حيث انقسامها الى عشائر وبطون وأفخاذ وللقبيلة أرض تملكها وتنتقل في ارجائها وأفراد كل قبيلة متضامنون في أداء ما عليهم من واجبات وفي الحصول على مالهم من حقوق ولكل قبيلة رئيس أو شيخ له الرياسة العامة على أفرادها. ومنذ أيام الفتح االسالمي حتى العصر الحديث كان الحكم في برقة يأخذ القبيلة بعين االعتبار في تقسيم البالد الى وحدات ادارية بحيث تكون القبيلة أساسا لتطبيق النظام ومساعدة الحكام )4(. كان القبائل في برقة تعيش حياة غير مستقرة فيما عدا الواحات وكثيرا ما أجل املراعي أو مياه اآلبار )5(. تتقاتل من )1( انظر: الجغر افيا السياسية ألفريقيا د. فيليب رفلة ص 338. )2( انظر: في تاريخ العرب الحديث د.رأفت الشيخ ص 240. )3( انظر: في تاريخ العرب الحديث ص 240. )4( املصدرالسابق نفسه ص 240. )5( املصدرالسابق نفسه ص

49 وقد توفرت في برقة ظروف مالئمة لظهور الحركات السنوسية بوصفها حركة اسالمية شاملة: أن برقة منفصلة عن االقطار املجاورة بالصحارى والفيافي التي تحيط بها. تتألف برقة من قبائل عربية بدوية تربطها أنماط حياة اجتماعية متجانسة. يقوم النظام القبلي في برقة على )عصبيات( دموية مشتركة وتقاليد وأعراف متشابهة. التزال املناطق الريفية بعيدة عن سيطرة املدن. لم يمارس الحكام العثمانيون إال سيطرة ضعيفة على املناطق الداخلية )1(. إن النظام القبلي في برقة كان حلقة مفقودة في خطة ابن السنوس ي ووجد ضالته في ذلك املجتمع فقد أوجد النظام القبلي القواعد السياسية التي اقيمت عليها الحركة السنوسية إن النظام القبلي في برقة تميز بالتعقيد ووجود مؤسسات متطورة لها مصالحها االقتصادية وتركيبتها االجتماعية ويرجع نجاح الحركة السنوسية في برقة في بعض جوانبه الى التكيف مع هذه التركيب القبلي املعقد )2( إن الحركة السنوسية وجدت بنية اقتصادية وتركيبية اجتماعية استطاعت أن تتفاعل معها الحركة لقد استطاع ابن السنوس ي أن يشيد على البناء القبلي تنظيما ارشاديا ووعظيا ولم يكن من املمكن اقامة مجتمع جديد بدون ذلك البناء القبلي )3(. لقد وجد ابن السنوس ي ضالته في قبائل برقة ووجدت القبائل ضالتها املنشودة في دعوة ابن السنوس ي. كانت قبائل برقة قبل مجيء ابن السنوس ي تتخبط في دياجير الظالم حيث استفحل الجهل في تلك القبائل رغم اعتناقها االسالم الذي تنتسب إليه اسميا وبالفطرة ولم يبقى لها من االسالم إال اسمه ومن القرآن إال رسمه وإليك بعض الصور من هذا )1( انظر: املجتمع الليبي د. عبدالجليل الطاهر ص 244. )2( انظر: املجتمع والدولة واالستعمار في ليبيا د. علي حميده ص 116. )3( انظر: املجتمع الليبي ص

50 االنحراف الخطير: اتخذت بعض القبائل مواقع من برقة لتأدية فريضة الحج بدال من الحج الى بيت هللا الحرام. كانت بعض القبائل ال ترى ضرورة صيام رمضان فتكلف ثالثين شابا قويا فيصومون يوما واحد ويرون بذلك قد أدوا واجب الصيام على املسنيين والعجزة وارباب األعمال من أهل القبيلة. كثر األدعياء والدجالين الجهلة الذين يدعون ألنفسهم مقام الوالية والصالح دون معرفة أصول الدين وعلى غير علم به وكان حقهم في هذا املقام هو بالتوارث خصوصا إذا ماكان بين هؤالء األدعياء من له صلة بنسب شريف ولهؤالء مكانتهم في نظر العامة التي اعتقدت أنهم يتصرفون في ملكوت هللا أحياء وأمواتا وأنهم في حالة الغضب أو الرض ى يشقون ويسعدون. لقد غابت كثير من شعائر الدين بين تلك القبائل )1(. كانت القبائل يكثر بها الجهل قلما تجد من يعرف القراءة والكتابة فكل من يصل إليه كتاب يذهب به الى اقرب املدينتين إليه بنغازي أو درنة لقراءته. كان القوي منهم ال يتورع في الحصول على ماتصبو إليه نفسه بالقوة حتى أن الضعيف ال يرى له حقا. كانوا اليرون في شن الغارات والغزو والقتال عيبا فكل قبيلة من القبائل العربية تعمل ما يعزز مركزها ويقوي شوكتها في نظر القبيلة االخرى. كانت الحروب تندلع بين القبائل بأقل االسباب واتفهها فتارة من أجل شخص حلب ناقة غيره بدون استئذانه وتارة من أجل شخص ضاف آخر فلم يكرم وفادته ومرة من أجل بهيمة أكلت زرعا وحينا من أجل رجل تزوج ام رأة ولها ابن عم ال يريد زواجها منه...الخ فبمثل هذه االسباب كانت تقع الحروب الكثيرة التي جرت القبائل الى هاوية الخراب والدمار ولم يمر وقت طويل بدون حرب ومن أهم الحروب التي وقعت )1( انظر: السنوس ي الكبير محمد الطيب ص

51 ببرقة قبل مجيء ابن السنوس ي حرب العبيدات وأوالد علي وحرب قبائل الجبارنة مع الفوائد ثم الجبارنة مع الحرابي املعروف بحرب )بياض( وحرب املغاربة مع الزواوات الى غير ذلك من الحروب الكثيرة )1(. ولكن الدعوة السنوسية استطاعت أن تزكي النفوس وتقوى االيمان وتنشر العلم وتزيل الجهل وتحارب الظلم وتحبب العدل الى نفوس تلك القبائل وبعد فترة من الزمن اصبح من تلك القبائل علماء عاملون يدعون الى الخير وبه يعدلون ولقد استطاع الشاعر أبوسيف مقرب حدوث البرعص ى أن يصف الحالة التي كان عليها قومه وكيف تحولوا عنها نتيجة للدعوة السنوسية: وكم من حريم قد أباحوا واجحفوا بمال غني اليخافون عاديا وكم جهول أسود اللون خلقة كساه لبوس العلم ابيض صافيا وكم بدوي في الفال خلف نوقه يبول على االعقاب أشعث حافيا تالفاه في مهوى الضاللة هاويا فأصبح نجما بالهداية عاليا فتاهوا به فخرا على كل حاضر ومن جاور األعلى يحوز املعاليا )2( وهذه قصيدة الشاعر األديب االستاذ احمد شنيب املعروفة ب )عقيدة وخلود( توصف حال املجتمع الليبي فتقول: ارض الجدود وقد جفاك بنوك حتى استحل دم العروبة فيك )1( انظر: برقة بين األمس واليوم لألشهب ص )2( انظر: السنوس ي الكبير ص

52 ماخطبهم باعوا الهداية بالدجى وتشتتوا في األرض ال من غاية شعب تفرق شمله وقبائل ياوحيهم ماجاء عمرو غازيا وتفرقوا وبجهلهم خذولك غير التناحر والدم املسفوك لم يدركوا )التعارفوا( فرموك إال لنشر الحق في ناديك ودم الصحابة لم يرق عفوا ولم وهبوا حياتهم لنصرة ربهم عادت عصور الجاهلية بينهم يستشهد االبرار حين غزوك والدين والقرآن كي يحموك وتصدع االسالم بين يديك واحسرتاه على الحنفية كم غدت ال الدين أصبح يهتدي بجالله واملسلمون أدلة ليست لهم تبكي كرامة مجدها املهتوك ال السنة العصماء تسعد فيك من دينهم غير اسمه ياسوك ساءت موازين الحياة وبالهوى ساسوا األمور وخسفهم ساموك وتطلع الغرب الغريب توثبا ابناء روما في الشمال تحفزوا واعد عدته لكي يرو يك 51

53 وبنوا فرنسا في الجنوب قلوك هللا يارض الجدود ومن سوى رب السماء من األذى ينجيك ان الذي بعث النبي محمدا ياابن السنوس ي الكبير تحية جاءت إليك تحط كل رجائها او لست سيد عصره وامامها في لينه حزم وفي ايمانه وغناه في قصد وفاقته على ياارض قرى خاطرا وتقدمي حملت آثاما فجاء مطهرا وغدوت اشتاتا فاقبل هاديا ويلم شعث املسلمين ويبتني للتائهين اعز من يهديك من أمة في عصرها املنهوك وتطوف حول ركابك املبروك والقائد االعلى بغير شريك كل اليقين بنصر خير مليك اسمى التجمل في اعف سلوك بتحية االكبار من هاديك اكرم به من مؤمن يحبوك ومبشرا والى العال يدعوك ركنا يقام وامة تفديك 52

54 ويعيد للدين القويم بهاءه ويقيل عثرة شعبك اململوك )1( إن اختيار ابن السنوس ي لبرقة كان قرارا حكيما يدل على معرفته للمنطقة جيدا فقد اتصفت برقة بفراغها السياس ي وبجهلها العلمي وبكونها مخرجا ألواسط أفريقيا )2(. وظل ابن السنوس ي خمس سنين وقيل ستة في برقة ينش ئ الزوايا وينظمها ويرسم مناهج الدعوة ومبادئها ويبث دعوته االصالحية عن طريق هذه الزوايا. ثم عاد بعد هذه السنوات الخمس الى الحجاز املركز األول لدعوته ومنذ ذلك الوقت كان للدعوة عنده مركزان رئيسيان : شرقي في الحجاز وغربي في برقة وعن هذين املركزين أخذت الدعوة السنوسية تنتشر بواسطة الزوايا هنا وهناك )3(. إن سفر ابن السنوس ي الى مكة يدلنا على إنه كان لديه مشروعات دعوية كثيرة في العالم االسالمي وأن هدفه فتح أراض ي جديدة لدعوته لقد استطاع ابن السنوس ي أن يرس ي قواعد الدعوة في برقة ويثبت أسسها فغادر برقة وهو مطمئن الى أن دعوته ستنتشر وقد خلف وراءه عددا من االخوان لالشراف على الحركة. لقد كان ابن السنوس ي يخطط في تنظيمه بحيث يكفل وجوده أو عدم وجوده )4(. االستمرار بغض النظر عن )1( انظر: املهدي السنوس ي لألشهب ص )2( انظر: الحركة السنوسية ص 88. )3( انظر: دراسات وصور للحاجري ص 290. )4( انظر: الحركة السنوسية ص

55 املبحث الثالث إقامة ابن السنوس ي في الحجاز وعودته الى برقة سافر ابن السنوس ي الى الحجاز واستمرت مدة اقامته حوالي ثماني سنوات وحفلت هذه السنوات بنشاط دعوي عاملي البن السنوس ي دل على قدرته التنظيمية وذكائه في تصريف شؤون الحركة وشرع في إنشاء الزوايا وكثر دخول الناس في الدعوة وتعرض ملتاعب من قبل بعض العلماء وقد تحدث الصادق املؤيد عن ذلك فقال: )مع أن املرحوم ابن السنوس ي عندما كان في الحجاز لم يتعرض للهجوم على الطرق الصوفية األخرى فذنه اصبح هدفا لنقمة اآلخرين ونقدهم. ومع ذلك فقد توسع نفوذ السنوسية ودخلت الصحراء جزيرة العرب حيث اعتنقها عدد من القبائل كبني حارث وبني حرب كما انتشرت الطريقة بواسطة الحجاج: وهذا سر انتشارها بسرعة خارقة في الحجاز واليمن على الخصوص. وعلى الرغم مما وقع للسيد السنوس ي من رقابة ومنافسة وعداء فقد كان عدد املريدين في ازدياد ولذلك أسس زوايا أخرى عدا الزاوية الرئيسية التي في جبل ابي قبيس في املدينة والطائف والحمراء وينبع وجدة( )1(. وكانت كل زاوية من هذه الزوايا عمل خاص )فزاوية أبي قبيس فيها مسجد شريف ومدرسة للتعليم ومساكن لقبول الزوار واملسافرين وتكتظ هذه الزاوية بالناس في موسم الحج خاصة. أما زاوية جدة فكانت تستقبل الوافدين من املنسوبين للطريقة وغيرهم وتتولى إسكانهم وإعاشتهم مجانا فهي محل ضيافة عامة( )2(. واستطاع ابن السنوس ي أن يساهم في تربية وتعليم القبائل من الحجاز وارشدهم الى دينهم وعمل ابن السنوس ي باالضافة الى تأسيس الزوايا على تعليم مريديه بنفسه )1( انظر: الحركة السنوسية ص 89. )2( انظر: سياحتي في صحراء أفريقيا ص

56 سهم الفقه والعلوم األخرى. كما ألف لهم عددا من الكتب منها فجلس في مكة يدر كتابه )بغية املقاصد وخالصة الراصد( املسمى باملسائل العشر. وقد انتهى كما تشير الى ذلك النسخة املطبوعة سنة 1264 ه أي مقدمة لكتاب موطأ االمام مالك في أول سنة أثناء اقامته في الحجاز ومنها رسالة كتبت 1267 ه )وذلك حين بداءته لقراءة املوطأ( بغية إعطاء طالبه فكرة عن الكتاب )1( وربما قد كتب بعض مؤلفاته األخرى في تلك الفترة كذيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن والدرر السنية في أخبار الساللة االدريسية والسلسبيل املعين وقد ظهر في كتبه هذه اتجاهه الصوفي واعتماده على الكتاب والسنة وقوله باالجتهاد. وكان طوال إقامته في الحجاز يحرص على الحج كل عام ويتصل بالناس ويدعوهم الى دعوته ويضم من يستجيب منهم وكان على اتصال مستمر بأتباعه في برقة يوجههم ويصدر إليهم تعاليمه وارشاداته بواسطة الرسائل. ويذكر األشهب : )أنه كان يندب سنويا من يزور مختلف الزوايا إلبالغ توصياته وتوجيهاته( )2(. وكان ابن السنوس ي قد ترك زوجته وولديها محمد املهدي ومحمد الشريف في برقة وكان على اتصال بهم عن طريق الرسائل وكان قد عين عمران بن بركة ومحمد بن ابراهيم الغماري لألهتمام بشؤون أهله وولديه وقد ذكر عبدالقادر بن علي بأن ابن السنوس ي عندما بشر بمولوده الجديد قال )اآلن ظهر الصباح وخفي املصباح( وكان يقصد بالصباح ابنه واملصبح نفسه )3(. وعندما بلغ محمد املهدي الخامسة من عمره )أرسل ابن السنوس ي الى االخوان الكافلين له وقال لهم أدخلوه الكت اب وعلموه الوضوء والصالة ففعلوا كما أمر( )4(. وعندما بلغ محمد املهدي السابعة من عمره أرسل إليهم ليوجهونه إليه مع زوج )1( انظر: النسخة املطبوعة من املسائل العشر. )2( انظر: السنوس ي الكبير ص 43. )3( انظر: الفوائد الجليلة )60/1(. )4( احمد الشريف املخطوط ص

57 خالته فارتحل به وملا اجتمع ابن السنوس ي بولده سر به سرورا عظيما وطلب ل وح قراءته فوجد أوله )وإنك لعلى خلق عظيم( فازداد سرورا وزو ره الروضة الشريفة ولقنه ماعنده من الدعاء ثم زو ره املآثر كلها التي باملدينة كمسجد املائدة ومسجد القبلتين وجبل أحد وقبور شهداء احد وقبر حمزة )1(. وكان قبل مجيء ابنه قد تزوج ابن السنوس ي زوجته الرابعة واألخيرة )ابنة حسن البسكري(. وكانت بدرنة مع أختها وأخواتها وتوفي والدها فأرسل ابن السنوس ي الى ابن أخ حسن البسكري أن يأتي باألم وبناتها وكانت أكبر البنات تحت عبدهللا البسكري ابن أخ حسن البسكري فرحل بها الى الحجاز وتزوجها ابن السنوس ي ورزقت منه بولد وتوفي صغيرا ولم يفارقها حتى مات )2(. وعندما بلغ محمد املهدي التاسعة غادر والده املدينة الى مكة وتركه مع زوجة أبيه البسكرية فأعتنت به كثيرا. وفي جمادي من سنة 1269 ه طلب ابن السنوس ي ابنه محمد املهدي من املدينة وأرسل يطلب من األخوان في برقة بذرسال ابنه محمد الشريف. وذكر احمد الشريف رحلة والده فقال : )فأرتحل محمد الشريف من الجبل وهو ابن سبع سنين ومعه والدته وجده السيد أحمد بن فرج هللا ومروا على العقبة ثم منها الى االسكندرية ثم الى كرداسة ثم نزلوا بمصر ببيت الشيخ عمر الزروالي أقاموا بها أياما ثم الى السويس وركبوا البحر قاصدين جدة.. وأتتهم ريح عاصفة قبل نزولهم قلعت باملركب حتى أيقنوا الغرق. وتقطعت األشرعة وآخر األمر سلمهم هللا ورمتهم الريح على الينبع فنزلوا بها وأقاموا أياما لالستراحة. ثم ارتحلوا الى املدينة املنورة فزاروا الروضة الشريفة واجتمعوا بالباشا الذي رحب بهما وأعطاه ساعة تساوي مئة وبعد ذلك بني جامع الزاوية التي باملدينة بناء متقنا من نفسه جزاه هللا خيرا. وكان باملدينة يومئذ السيد عبدهللا التواتي وأكرمهم غاية االكرام. وأقاموابها ثالثة أشهر ونصف ثم ارتحلوا )1( أنظر: احمد الشريف املخطوط ص 78. )2( انظر: الحركة السنوسية ص

58 منها الى مكة املشرفة منتصف ذي القعدة سنة تسع وستين بعد املئتين واأللف صحبة السيد التواتي.. وتخلف السيد عبدهللا لوجع في رأسه وحمى معه آخر فناما ليستريحا ويلحقا بالقافلة فلم يشعروا إال وهبت الريح.. وقطاع الطريق قد أحاطوا برواحلهما لينهبوا ماعليها فقاموا إليهم للمدافعة عما أرادوه فضربوا السيد عبدهللا بفأس على رأسه فسقط على األرض وجرحوا صاحبه وأكتشف رجال القافلة األمر بعد أن أرسلوا رسوال ينظر سبب تأخر الرجلين فتوقفوا لدفنه وساروا في خوف وحزن يحرسهم العسكر الذي أرسله الباشا الى أن وصلوا مكة املكرمة )1(. وقد حزن ابن السنوس ي على مقتل عبدهللا التواتي الذي كان من أوائل رفاقه وكان املسؤول األول عن نشاط الحركة في الحجاز وقد أمر ابن السنوس ي بنقله الى بدر حيث دفن بجوار الشهداء رض ي هللا عنهم أجمعين )2(. كان عبدهللا التواتي من كبار العباد في الحركة السنوسية وقد حدثني استاذي في اللغة العربية الشيخ راشد الزبير السنوس ي عندما كنا معا في املعتقل السياس ي بطرابلس الغرب بأن عبدهللا التواتي كان يقول وهللا الزاحمن اصحاب النبي على ابواب الجنان بركبتي وكان عبدهللا التواتي شديد االخالص البن السنوس ي حتى أنه دعا هللا أن يكون فداء له وألنجاله )3( وقد أصاب قاتليه مرض مزمن وماتوا ميتة بشعة وانتشر خبر وفاتهم بين قبائل الحجاز فأصبحوا يتحاشون السنوسية واتباعهم وال يمسونهم بسوء أبدا حتى أن أهل مكة واملدينة كانوا اذا أرادوا الحج أو الزيارة فال يخرجون إال مع الركب السنوس ي لكي يأمنوا حياتهم وامتعتهم )4(. أوال : عودة ابن السنوس ي الى برقة: بعد وصول محمد الشريف ابن السنوس ي الى مكة وكان بصحبته جده ألمه احمد بن )1( انظر: أحمد الشريف املخطوط ص 79. )2( انظر:الفوائد الجليلة )72/1(. )3( انظر: الحركة السنوسية ص 90. )4( انظر: الفوائد العلية )73/1(. 57

59 فيها: فرج هللا ووالدته وعمران بن بركة الفيتوري وكثير من االخوان وحج الجميع مع ابن السنوس ي وقدم من برقة في هذا الحج كثير من اعيانها ووجهائها ومشائخ القبائل منهم )1( الشيخ ابو شنيف الكزة والشيخ عمر جلغاف وعبدهللا ابو سويحل والحاج محمد كاهية وغيرهم ليلتمسوا من السيد عودته الى البالد املتعطشة لدعوته فكان يعدهم خيرا ومما يلفت النظر أن الشيخ ابو شنيف الكزة الذي تجشم مشاق الطريق لرؤية السيد كان عمره يتجاوز املائة سنة لقد كان شوق االخوان في برقة الى ابن السنوس ي عظيما فهذا احمد الطائفي يرسل من درنه قصيدة الى ابن السنوس ي جاء يامن نأو عني وشط مزارهم نار الجوى بين الجوانح اضرمت وتجددت لبعادهم احزاني والروح فارق بعدكم جثماني ال كان يوم البين ال كان النوى حر النوى أوهى قوى تجلدى وأطال سهري والخالئق هجع ياليتني أدرجت في اكفاني واعل جسما طبه اعياني واثار وجدا كامنا بجناني وسقى رياض الشوق يوم وداعهم فطويت حينئذ بساط مسرتي فاليك ياموالي أشكو علتي بسواكب العبرات من اجفاني ونشرت بعدكم ردا احزاني )1( املصدر السابق )78/1(. 58

60 وعظيم شو قا بعضه أضناني وحتى أفوز بنظرة تطفى الجوى وأقول ياعيني انظري وتمتعي استاذنا ومالذنا وغياثنا سلطان أهل هللا ذاك محمد ابن السنوس ي املعظم قدره اكرم به من سيد ذي سؤدد وتزيل كرب حشاشة الولهاني بجمال موالنا عظيم الشان منجي الغريق ومهدي الحيران العالم العالمة الرباني لم استطع تعداد بعض صفاته يارب فارزقنا سلوك طريقه وأطل بفضلك عمره وأدم به من خص باالسرار والعرفان ومناقب جلت عن التبيان ولو استطعت لكل عنها بياني فسلوكها ينجي من النيران نفع العباد والفة االخوان )1( وبعد أن ألح زعماء برقة على رجوع الشيخ ابن السنوس ي معهم استخار هللا سبحانه وتعالى وسأله ارشاده الى الطريق التي يرضاها سبحانه وتعالى وفيها نفع لألمة املحمدية فاراه هللا ما ألهمه وقوى عزيمته على العودة الى برقة فرتب األمور بالحجاز وعين مشائخ للزوايا وزودهم بما رآه وحرضهم على سلوك طريقته في ارشاد العباد وداللتهم )1( انظر: برقة العربية أمس واليوم لألشهب ص

61 على هللا والتمسك بسنة سيدنا رسول هللا وبذل النصح للمسلمين اينما كانوا وأناب عنه في زاوية ابي قبيس الشيخ محمد ابراهيم الغماري وابقي ابنيه ووالدتهم وجدهم في مكة وأمر محمد الغماري وأحمد البقالي بتعليم ابنية القرآن الكريم وغيره من العلوم وحمل معه جميع كتبه وأثاثه ورافقه جميع األخوان املالزمين له واالعيان والشيوخ القادمين من برقة وتوجه من مكة الى املدينة وأقام بها مايزيد عن مدة شهر )1( وقد ذكر بعض املؤرخين أسباب خروجه من الحجاز فقال بعضهم: كان لديه رغبة لزيارة الشام. وقد أثبت امللك محمد ادريس هذه الرغبة فقال: )إنه كان يفكر بزيارة الشام بعد إقامته الثانية وهم بالتوجه إليه ولكن أهل برقة اصروا على اصطحابه معهم الى الجبل األخضر( )2(. ويذكر األشهب أنه عندما طالت مدة غياب ابن السنوس ي في الحجاز )اشتد القلق في ليبيا لطول غيبته وسافر الى الحجاز أكثر من وفد ليبي ليلتمس منه ان يعود وكانوا يسافرون غالبا في موسم الحج( )3(. أما غرضه من زيارة القدس والشام فأغلب الظن أنها كانت لزيارة املسجد األقص ى لنشر دعوته ولكن هذه الزيارة لم تتم )4(. وقد ذكر ابن السنوس ي )كان العزم الذي خرجنا له زيارة القدس ثم في أثناء السفر أتانا االذن بالذهاب الى هنا )يقصد برقة( )5(. وانفرد البستاني بالقول انه خرج من مكة خائفا من تهمة مشاركته مع الشريف عبداملطلب شريف مكة الذي عص ى الدولة العثمانية: )لذلك خاف من اإلقامة في مكة بعد هذه التهمة فرحل منها عائدا الى الجبل االخضر عن طريق مصر( )6( إال أن هذا القول يسقط ويتهاوى امام حرص ابن السنوس ي االبتعاد عن الصدام مع السلطة العثمانية واصل ابن السنوس ي سيره من املدينة متجها الى مصر ودخلها عام 1854 م )1( انظر : الفوائد الجليلة )79/1(. )2( انظر: الحركة السنوسية ص 96. )3( انظر: السنوس ي الكبير ص 43. )4( انظر: الحركة السنوسية ص 97. )5( املصدرالسابق نفسه ص 96. )6( انظر: البستاني دائرة املعارف مادة سنوس ي. 60

62 وغادرها الى الجبل األخضر )ونزل بمحل يعرف بالغزيات وهو قصر قديم فرممه وأصلحه وسماه بالعزيات وأقام هناك سنتين( )1( وكان في تلك الفترة يشرف بنفسه على تنظيم وإنشاء الزوايا وكان يرسل مندوبين عنه لتفقد احوالها وكان كبار االخوان يقدمون على العزيات لزيارة ابن السنوس ي فكان يسمع أخبار الزوايا ويصدر إليهم تعليماته )2(. وبعد أن أقام ابن السنوس ي عامين في العزيات عزم على التحول الىالجغبوب وكان قصده التوغل في الصحراء حتى يكون أكثر أمنا )3(. ثانيا : اسباب اختيار الجغبوب: إن اختيار ابن السنوس ي للجغبوب كمقر لقيادة الحركة السنوسية دليل على بعد نظره وثاقب فكره ورجاحة عقله وحسن تصرفه وقد ذكر املؤرخون اسباب ذلك االختيار فقالوا: أراد أن يجعل من الجغبوب مركزا للتوفيق بين قبائل الصحراء املختلفة ونشر راية دعوة االسالم بينهم جميعا وكان الجغبوب مركزا أحسن اختياره وكان صالحا ألغراضه في وسط قبائل في الشرق والغرب وكان النزاع بينهما مستمرا ومن ثم أمن للحركة السنوسية أن تبسط نفوذها في املتنازعين وأن تصلح ذات بينهم. االهتمام بأبواب الصحراء املترامية األطراف من نواحي الغرب والجنوب والشرق ولذلك كانت زاوية الجغبوب نقطة مهمة واعقبتها عدة زوايا فيما بعد تخدم نفس الهدف من أجل ضمان السالمة واألمن في الصحراء وضمان املحافظة على طرق التجارة إذ كانت طرق القوافل تربط بين الجزائر وطرابلس وتشاد وبرقة ومصر. كان البدو في ليبيا يضطرون أحيانا الى ترك دواخل ليبيا بسبب خالف يقع بين قبيلة واخرى او مع الدولة العثمانية فتكون وجهة النازحين من سوء ولذلك فكر ابن )1( املصدر السابق نفسه. )2( انظر: الحركة السنوسية ص 99. )3( انظر: الحركة السنوسية ص

63 السنوس ي ونظر الى هذا األمر ببصيرة نافذة فأوجد هذه الزوايا في املواقع البعيدة ليأوى إليه النازحون عن دواخل البالد فيجدوا أمنا وأمانا )1(. ازدادت عداوة علماء استانبول والقاهرة ألفكار ابن السنوس ي الدعوية فرأى أن يبتعد عن الساحل ويتوغل في الصحراء بعيدا عن السلطات العثمانية. كان ابن السنوس ي قد شعر بدنو استيالء النصارى الصليبين على السواحل فاختار االبتعاد الى الجنوب واإلقامة في الصحراء )2(. وكان الجغبوب في تلك اآلونة )واحة ملحة يأوى إليها الدعار واللصوص والتجسر القوافل أن تمر بها من جراء العبث في أنحائها. فلما اختارها )السيد( مقرا له وبني بها زاويته الكبرى صارت مهد أمان ومركز عبادة ومشرق أنوار ومعلم هداية. فغرس بها األشجار ونسق الجنان واستنبط العيون وتوسع في البناء وأسس مدرسة لتخريج مريدي الطريقة أجلس للتدريس فيها جلة العلماء( )3(. )لم تكن الجغبوب مكانا يصلح لحياة فخمة ولكنه مركز له عدة مزايا سياسية فهو خارج قبضة الترك والفرنسيين واملصريين وهو على خط الحج الرئيس ي القادم من شمال افريقيا الغربي عبر مصر الى مكة وهذا الخط مقطوع عند الواحة بخط تجاري آخر من الساحل الى الصحراء الى السودان وباالضافة الى ذلك فذنها كانت أكثر النقط توسطا في برقة التي تشكل شبه جزيرة حتى أنه منها مايكون على مقربة من زواياه في برقة وطرابلس والصحراء الغربية في مصر والسودان( )4(. )1( انظر: السنوس ي الكبير الطيب األشهب ص )2( انظر: حاضر العالم االسالمي شكيب أرسالن )142/2(. )3( انظر: السنوسية دين ودولة ص 36. )4( انظر: بريتشارد ص 15 نقال عن الحركة السنوسية ص

64 ثالثا : األخوان السنوسيون الذين حملو مع ابن السنوس ي الدعوة: كان ابن السنوس ي في تجواله بين األقطار االسالمية يقوم بدعوة الناس وتعريفهم باالسالم وسلك منهج القرآن الكريم في دعوته فكان يقوم بوظيفته الدعوية امتثاال لقوله تعالى: أ- ك م ا أ ر س ل ن ا ف يك م ر س وا ل م ن ك م ي ت ل و ع ل ي ك م آ ي ت ن ا و ي ز ك يك م و ي ع ل م ك م ال ك ت ا ب و ا ل ك م ة و ي ع ل م ك م م ا ل ت ك ون وا ت ع ل م ون وتمثل هذه الواجبات األمور التالية: ]البقرة: 151[. تبليغ وحي هللا الى الناس وتعريفهم به { يتلو عليكم آياتنا{ وكان يقوم بالتبليغ باألمور اآلتية : شرح أصول االسالم وقواعده للناس. تفسير نصوص القرآن والسنة تفسيرا ملنهج السلف ومالئما لعصره من حيث األسلوب والوسيلة. جمع الناس على االسالم ومبادئه وأخالقه وتوجيههم نحو الفهم والعمل. استهدف كل الناس بالدعوة سواء كانوا مشركين أو نصارى أو يهود أو مالحدة أو منافقين...الخ. ب- بيان األخطار التي تواجهها األمة االسالمية من أعدائها. تزكية الناس: حيث قام ابن السنوس ي بتربية الناس على الصفات املحمودة وتذكيرهم بخطورة االخالق الذميمة. ج- التعليم حيث قام ابن السنوس ي بتعليم الناس القرآن والحكمة ونقلهم من ظالم الجهل الى نور العلم ومن ظالل الباطل الى هداية الحق. واستطاع أثناء تحركه بدعوته أن يختار من بين املسلمين مجموعة خيرة من العلماء والفقهاء والدعاة ممن اتصفوا بالتميز االيماني والتفوق الروحي والرصيد العلمي والزاد الثقافي ورجاحة العقل وقوة الحجة ورحابة الصدر وسماحة النفس وأصبحوا من أعمدة الحركة السنوسية أثناء حياته وبعد وفاته فبعضهم أصبح مشرفا ومعلما في الزوايا املنتشرة في ليبيا وتشاد والحجاز ومصر وبعضهم أصبح 63

65 من أعضاء هيئة التدريس العلياء في الجغبوب وكان هؤالء األخوان الذين ساندوا الحركة السنوسية منهم من هو من الحجاز كالشيخ فالح الظاهري ومحمد بن الصادق الطائفي ومنهم من هو من الجزائر كأبي القاسم التواتي ومنهم من هو من تونس كعلي بن عبداملولى ومنهم من هو من السودان كالسيد محمد بن الشفيع ومنهم من هو من برقة كعبدالرحيم املحبوب ومنهم من هو من طرابلس كعمران بن بركة الفيتوري )1(. واختار ابن السنوس ي من كبار علماء الحركة للتفرغ للتدريس في معهد الجغبوب )...وجلس كبار العلماء للتدريس بمعهد الجغبوب حيث تدرس جميع أنواع العلوم )2( فال ينحصر التعليم على حفظ القرآن )وهذا شرط اساس ي( وبعض العلوم الدينية والعربية كما هو الحال في كثير من املعاهد وقتذاك وحتى اآلن بل إن التعليم قطع بالجغبوب شوطا بعيدا وسار خطوات واسعة فتناول أهم العلوم العقلية والنقلية وكان يجلس للتدريس فطاحل العلماء واألعالم تحت اشراف السيد ابن السنوس ي نفسه الذي يضع برامج التعليم ويقرها فتخرج من هذا املعهد العدد الكبير بقسط وافر من العلوم...فمنهم العلماء والكت اب واملصنفون )3(. وقد ذكر محمد الطيب أسماء بعض العلماء الذين قاموا بذلقاء الدروس في معهد الجغبوب تحت إشراف ابن السنوس ي فمنهم: عمران بن بركة الفيتوري أحمد عبدالقادر الريفي فالح الظاهري أحمد التواتي عبدالرحيم أحمد املحبوب محمد بن أحمد الشفيع أبو سيف مقرب حدوث البرعص ي حسين املوهوب الدرس ي محمد صادق الطائفي أحمد الطائفي محمد مصطفى املدني محمد القسطيني محمد حسن البكري )4(. )1( انظر: دراسات وصور للحاجري ص 298. )2( ينبغي أال نلقي بأال ملثل التعليمات واملبالغات التي ال دليل عليها. )3( انظر: دراسات وصور ص 297. )4( انظر: السنوس ي الكبير ص

66 لقد قام عدد كبير بنصرة وتأييد الحركة السنوسية من العلماء والفقهاء والقادة والشيوخ ومن أشهر هؤالء اإلخوان الذين ساندوا الواسعة: ووقفوا مع ابن السنوس ي في حركته محمد عبدهللا التواتي وهو من أوائل اخوان ابن السنوس ي وتالميذه وقد قام بعدة أعمال كلفه بها ابن السنوس ي في كل من الحجاز واليمن وليبيا وقتل في الحجاز ودفن بزاوية بدر وقد مر ذكره. أحمد أبو القاسم التواتي من الجزائر وقد تولى مشيخة زوايا سيوة والزيتون وزوايا فزان وكان أحيانا ينتدبه ابن السنوس ي للتفتيش على الزوايا ومراقبة أحوالها ومما قاله ابن السنوس ي في حقه في كتاب أرسله الى أعيان واحة سيوة قوله: )وولدنا الشيخ احمد التواتي قد أقمناه مقامنا وما أرسلناه إال ملنفعتكم خاصة وإال فغيره يقوم مقامه وأسمعوا لنصيحته فذنه نصوح أمين وقد هدى هللا به أمما عديدة( )1(. توفاه هللا بزاوية الطيلمون وقد رثاه زميله العالمة فالح الظاهري بقصيدة عصماء مطلعها: على مثل من أوقاته حلية الدهر بصالح أعمال دموعك فتلجري كما رثاه شاعر السنوسية أبوسيف مقرب بقصيدة مماثلة جاء فيها: سل الدهر هل يبقي سعيد مخلدا ولو كان أبقاه ألبقى محمدا يكر علينا ليله ونهاره شجاعين ال يثنيها من تجلدا )2( ومنها : أال ليت شعري كيف صاروا بنعشه )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 58. )2( املصدر السابق نفسه ص

67 حوى نعشه علما وفخرا الى القبر وهو الطود ذو املجد والندى وسؤددا وحلما وتقوى ماسواها تزودا علي بن عبداملولى من تونس تولى مشيخة الجغبوب وكان وكيل خاصة بن السنوس ي واستمر في عهد محمد الثاني وكان معروف بالصالح والتقوى توفي بالجغبوب. أحمد بن فرج هللا من طرابلس وهو والد أم محمد املهدي ومحمد الشريف وقد توفاه هللا بالبيضاء ودفن بمقبرة الصحابي الجليل رويفع بن ثابت االنصاري ولم يترك عقبا من الذكور. محمد بن الشفيع من سنار السودان كان من بين تالميذ العالمة احمد بن ادريس الفاس ي دفين )صبيا( تعرف على ابن السنوس ي أثناء حضوره عند أحمد بن ادريس وسمع ماشهد به ابن اد ريس إلبن السنوس ي وقد تولى أعماال كثيرة منها مشيخة زاوية املدينة والقيام بالتفتيش على الزوايا في كل من الحجاز وليبيا وكانت آخر اعماله مشيخة زاوية سرت )خليج سدرى( وكان من أجل العلماء علما وتقى وشدة في الحق وشجاعة )1( وكان يهابه حكام االتراك وزعماء العرب لشدة تحرشه معهم في الحق رغم جميع املجامالت وكانت له مواقف مشهورة مع الفريق الحاج رشيد باشا عندما كان هذا األخير حاكما لبرقة وكان يحترم ويجل ابن الشفيع وذات مرة سافر رشيد باشا الى الجغبوب وكان يصحبه بن الشفيع وشرع رشيد باشا يتلو القرآن وبن الشفيع يستمع حتى وصل القارئ لقوله تعالى: إ ن ج ه ن م ك ان ت م ر ص ا ا دا ل لط اغ ني م آ ا ب 22-21[ ]النبأ: فقال ابن الشفيع أتعلم يارشيد أن جهنم خلقت ملن فقال رشيد هللا أعلم يا سيدي فأجابه قائال : إنها لك وألمثالك مالم تأخذوا بكتاب هللا فضحك رشيد وقبل يد ابن الشفيع وتوفي بن الشفيع بسرت سنة 1324 ه )2(. )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 60. )2( انظر: برقة العربية بين أمس واليوم ص

68 أحمد املقرحي وقد سماه ابن السنوس ي باملفرحي من بادية طرابلس وكان من طليعة علمائها الذين يرجع إليهم على باشا اشقر الحاكم العثماني وفي بعض الروايات أنه تولى االفتاء في والية طرابلس وقد مر ذكر املناظرة التي قامت بين علماء طرابلس وابن السنوس ي وقد توفي املقرحي بالزاوية البيضاء عام 1263 ه ودفن بمقبرة رويفع االنصاري ولم يترك عقبا. عمران بن بركة الفيتوري من زليطن اسندت إليه مشيخة الزاوية البيضاء وقام بالتدريس في معهد الجغبوب وكان مدرسا ملحمد املهدي السنوس ي وكان يتمتع بمكانة مرموقة بين زمالئه وتالميذه توفي بالجغبوب عام السنوسية أبوسيف مقرب البرعص ي بقوله: لقد سرت ياموالي للقبر نيرا وال عجب فلنيرات تسير وان جار دهر في انتهابك واعتدى فما زال قدما يعتدى ويجور له كلف باالكرمين فكاسه ويعتامهم بين االنام فنبله أال أن للدنيا مصائب جمة تدر عليهم عاجال وتدور يصيب وأما خليه فتغير ولكن مصابي بالكبير كبير مصاب له فاضت نفسيات أنفس فيا واحدا ضج الجميع لفقده والن له )رضوى( والن )ثبير( وعج كبير بالبكاء وصغير قضيت حميدا وانقض ى العلم والتقى 1310 ه ورثاه شاعر الحركة 67

69 وآض ى جناح الدين وهو كسير )1( وقد تزوج االمام محمد املهدي كبرى بناته وتزوج محمد الشريف بالثانية فأنجب منها املجاهد االسالمي الكبير أحمد الشريف )2(. عبدهللا بن محمد السني -من سنار السودان- كان من تالميذ العالمة احمد بن ادريس وتولى أعماال كثيرة منها إلقاء الدروس في مختلف العلوم وتولى مشيخة زاوية مزدة حيث توفاه هللا بها. فالح الظاهري - من الحمراء بالحجاز- ينتسب لبني حرب التحق بأبن السنوس ي سنة 1243 ه في مكة وتفرس فيه ابن السنوس ي نجابة وذكاء كان من طليعة املدرسين باملعهد الجغبوبي زار استانبول مندوبا عن ابن السنوس ي كما زارها في عهد السلطان عبدالحميد ونزل في ضيافته معززا مكرما ثم زار الهند وجلس للتدريس في جميع البالد التي زارها ومما يلي نذكر بعض ماورد في رسالة منه الى العالمة احمد الريفي رحمها هللا: )وفي هذه السبع سنين بعد قدومي من البالد الرومية حصل لي من إفادة العلوم غطوس ما أفقت منه إال وأعضائي بها خلل من طول الجلوس لكنني وهلل الحمد حصلت من تبليغ العلم الى أهله غاية األرب ولم يبق قطر من األقطار إال وحمل عني إليه دفتر )مفالحه( شيخنا األستاذ وهذا أقص ى أمنيتي من كوني جعلت في الخافقين لشيخنا املذكور أعال صيت حتى في الهند والسند..( )3( كان العالمة فالح الظاهري متضلعا في العلوم الدينية والفقهية والحديثية والتاريخية واللغوية وكان شاعرا يقرض الشعر توفاه هللا سنة 1327 ه بالحجاز )4( وله عدة تآليف لم تطبع منها انجح املساعي وحسن الوفا ألخوان الصفا وصحائف العامل بالشرع الكامل )5(. عبدالرحيم بن أحمد املحبوب )البنغازي( تتلمذ على يد ابن السنوس ي وتولى مهاما )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 61. )2( انظر: برقة العربية بين أمس واليوم ص 145. )3( انظر: السنوس ي الكبير ص 62. )4( املصدر السابق نفسه ص 62. )5( انظر: برقة العربية أمس واليوم ص

70 كثيرة أسندت إليه منها مصاحبة محمد املهدي من الحجاز الى الجغبوب وكان مفتشا على الزوايا وتولى مشيخة زاوية بنغازي وانتدب لزيارة استانبول في عهد ابن السنوس ي كما زارها في عهد محمد املهدي وقام بذلقاء الدروس بمعهد الجغبوب توفاه هللا بزاوية بنغازي 1305 ه )1(. حسين الغرياني تتلمذ على يد ابن السنوس ي وانضم الى مجلس االخوان وعرف عنه الصدق واالخالص والحزم في جميع اعماله وتولى رئاسة الزاوية البيضاء ثم عين لرئاسة زاوية جنزور وعرف عنه الصالح والتقوى والتفاني في عمله وتوفي بزاوية جنزور املعروفة باسم زاوية دفنه )2(. أحمد بن عبدالقادر الريفي من تلمسان بالجزائر التحق بابن السنوس ي سنة 1267 ه فالزمه مالزمة صادقة وقام بكثير من أعمال الحركة السنوسية وأخذ عنه محمد املهدي السنوس ي الكثير من العلوم ثم أصبح املستشار الخاص ملحمد املهدي وكان معروفا بالحلم والورع ولين الجانب وذكر بعض املؤرخين أن محمد املهدي السنوس ي كان يتلو القرآن الكريم وعندما مر بقوله تعالى: و ع ب اد الر ح ن ال ذ ين ي ش و ن ع ل ى ا ل ر ض ه و ا ن و إ ذ ا خ اط ب ه م ا ج اه ل ون ق ال وا س ل ا ما و ال ذ ين ي ب يت ون ل ر ب م س ج ادا و ق ي ا ا ما ]الفرقان: 64-63[ قال : إن معنى هذه اآلية ينطبق على السيد أحمد الريفي )3( وكان مستشار الحركة السنوسية الخاص وتولى رئاسة مجلس االخوان بالجغبوب توفى عام 1329 ه/ 1911 م فشق موته على افراد البيت السنوس ي وجميع االخوان وعامة أهل برقة ورثاه الشعراء والعلماء ومن بينهم تلميذه أحمد ادريس األشهب حيث قال: صبرت وماقلبي عليك بصابر فانت امام االولياء االكابر تركت دموع العين تجري صبابة )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 64. )2( انظر: برقة العربية أمس واليوم ص 151. )3( انظر:السنوس ي الكبير ص

71 مكثت بجغبوب وتاج ومكة محمد الصادق وسرت الى أهل العلى واملقابر وأنت تفيد القوم أهل املحابر )1( -من الطائف- التحق بابن السنوس ي بالحجاز واسندت إليه أعمال كثيرة وقد أرسله ابن السنوس ي الى الجزائر أكثر من مرة بمهمات خاصة تتعلق بدعم حركة الجهاد في الجزائر وتولى مشيخة زوايا الجريد بتونس كما كان حلقة الوصل بين املجاهدين في الجزائر والزوايا السنوسية وقد توفى بالجريد. عام محمد بن مصطفى حامد املدني - من تلمسان- التحق بابن السنوس ي في الحجاز 1267 ه وتولى اعماال كثيرة في الحركة السنوسية منها تعليم القرآن الكريم وإلقاء الدروس واالشراف على شؤون الطلبة والعمال في الجغبوب ثم مشيخة زاوية تازربو حيث توفاه هللا هناك. عمر محمد األشهب من زليطن - تعرف على ابن السنوس ي مع زميله عمران بن بركة تولى زاوية درنة ومشيخة زاوية مارة ثم مشيخة زاوية مسوس توفاه هللا بها. مصطفى املحجوب من مصراته وقد تعرف على ابن السنوس ي والتحق به في الزاوية البيضاء سنة 1258 ه تولى مهام كثيرة آخرها مشيخة زاوية الطيلمون. أحمد بن علي أبو سيف من بادية طرابلس تولى أعماال كثيرة منها التدريس ومشيخة زاوية مسوس وزاوية مارة وتوفي بالحجاز 1294 ه. أبو القاسم العيساوي - جبل طرابلس - تولى مشيخة زاوية الرجبان وانتدب إلى دار الخالفة. محمد ابراهيم الغماري من املغرب األقص ى )مراكش( تولى أعماال كثيرة منها مشيخة الزاوية البيضاء واألشراف على صناعة تجليد الكتب الخاصة بمكتبة الجغبوب وتنظيمها. إبراهيم الغماري - مراكش - تولى مشيخة زاوية دريانة ضمن األعمال املناطة به. )1( انظر: برقة العربية امس واليوم ص

72 مصطفى الغماري - مراكش - تولى أكثر من زاوية بالحجاز حيث توفاه هللا هناك. محمد حسن البسكري كان يقوم بالسكرتيرية ملحمد املهدي فيما بعد. عمر أبو حواء الفضيل األوجلي كان من أوائل رفاق ابن السنوس ي وقد اشتهر بالصالح والتقوى واالستقامة وقد ندبه ابن السنوس ي إلى أكثر من مهمة في كل من الحجاز وليبيا والسودان وشمال إفريقيا وقد تولى مشيخة زاوية الجوف بواحة الكفرة التي توفاه هللا بها. شحات. مصطفى الدردفي - محمد بن حمد الفياللي من مصراته - - من املغرب - كان من رفاق ابن السنوس ي تولى مشيخة زاوية كان من رفاق ابن السنوس ي وقد انضم إليه من الجزائر وتولى أعماال كثيرة منها رئاسة مجلس اإلخوان في برقة وقد وصفه ابن السنوس ي بالرئاسة )1( إال أنه بعد سفر ابن السنوس ي األخير إلى الحجاز انفرد )بن حمد( في عمله وأساء التصرف واستبد عن رأي مجلس األخوان كما أخذ يهددهم ويهينهم بمختلف اإلهانات وهم يتحملون ذلك ويرون طاعته مع الصبر على املكاره شيئا ضروريا ألنه الوكيل عن ابن السنوس ي وملا ظهرت تصرفاته البن السنوس ي أمر بفصله ثم سافر إلى الحجاز وهناك استقبله ابن السنوس ي وقال له :) اتعبتنا يا أخينا بن أحمد فما من كلمة سوء وجهتها ألحد إخواننا إال وقد وجهت لنا بالذات وما من ضربة سوط أصابت جسم أحدهم إال وقد أصابتنا مباشرة ) )2(. محمد أحمد السكوري - من صنهاجة باملغرب تولى مشيخة زاوية الواحات البحرية وأوفده ابن السنوس ي في مهمة إلى الحجاز ثم واله مشيخة زاوية املرج ورث عن أبيه ثروة ضخمة ومحبة البدو الذين عرفوا والده وأحبوه )3(. املرتض ى فركاش: ينتسب إلى نوح املسماري الشريف الحسني كان من كبار )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 67. )2( انظر: برقة العربية امس واليوم ص 153. )3( انظر: برقة العربية امس واليوم ص

73 الشخصيات املحترمة بالجبل األخضر يمتاز بين قبائل العرب بالدهاء وكثرة التجارب واملرونة وكرم األخالق وحسن التصرف وله شهرته االصالحية وقد ساعدته ثروته الطيبة وقتذاك على االحتفاظ بمركزه االجتماعي واألدبي وكان يعيش الحضر والبادية فيأوي مدينة درنة في وقت الصيف ويختلف إلى سكنى البادية في موسم الشتاء والربيع وعندما وصل ابن السنوس ي إلى الزاوية البيضاء التحق به وأخذ في خدمته بكل إخالص فنال حظوة عند سيادته وكان يالزمه في تنقالته داخل برقة وحج معه البيت الحرام وحفظ القرآن وتفقه في الدين بقدر االمكان انجب أوالدا كانوا جميعا في خدمة الحركة السنوسية وكان ألمر هؤالء األوالد دورا بارزا في الجهاد ضد ايطاليا وتميزت عائلة فركاش من بين قبيلة املسامير بخدماتها الجليلة لإلسالم من خالل الحركة السنوسية وارتبطت بصالت املصاهرة مع كثير من اإلخوان منهم األشهب املحجوب عبداملولى الغرياني )1(. أبوسيف مقرب: هو من أشهر بيوتات السعادي ينحدر من عائلة طامية البراعصة وفي بيته رياسة قبائل البراعصة وهو من خيرة رجال الحركة السنوسية سلمه والده طفال إلبن السنوس ي وكانت تبدو عليه امارات الذكاء والنجابة وكان من بين العمال الذين قاموا ببناء زاوية البيضاء فزلقت رجله وتصادم رأسه بالحجر فشج حتى قيل أن دماغه ظهر للعيان فجيء الى ابن السنوس ي فضمد رأسه بقطعة من عمامته قائال هذا الرأس سيملؤه هللا علما وحكمة( وصدقت فراسة ابن السنوس ي ونبغ املصاب الذي كان اقرب الى املوت منه الى الحياة وأصبح من أبرز العلماء كما كان في طليعة أدباء األخوان وكان من كبار املدرسين في معهد الجغبوب توفى رحمه هللا بزاوية الجوف )الكفرة( وصلى على جثمانه محمد املهدي الزعيم الثاني للحركة السنوسية وكان ذلك عام 1315 ه )2(. الحسين الحالفي من املغرب- تولى من األعمال مشيخة زاوية املخيلي. - )1( املصدر السابق نفسه ص 158. )2( انظر: برقة العربية امس واليوم ص

74 املختار بن عمور - من أشراف الجزائر- كان من تالميذ ابن السنوس ي تولى مشيخة زاوية قفنطه. محمد حيدر الهوني اشتهر باجادة تالوة القرآن ترتيال حتى روى عن ابن السنوس ي أنه كان يقول: )ياهوني قراءتك للقرآن تقول اسمعوني(. عمر جلغاف حدوث من زعماء قبائل برقة -أخلص للحركة السنوسية وكان ضمن الوفد الذي ألتمس من ابن السنوس ي عندما كان في الحجاز أن يرجع الى برقة وكان ضمن مجلس االخوان في البيضاء وأوفده ابن السنوس ي لتفتيش الزوايا والقيام ببعض املهام فيها. الفضيل أبو خريص الكزة - أحد زعماء قبائل برقة- انضم الى ابن السنوس ي وكان حظه من التعليم قليال إال أنه قام بمهمات كبيرة في السودان والحجاز والجزائر )1(. باإلضافة الى هؤالء مجموعة طيبة من أعيان وزعماء برقة من الحضر والبادية ومن بينهم األمين بك شتيوي متصرف بنغازي ومحمد بك كاهية وجميع افراد اسرته والشيخ علي القزيري والحاج عبدهللا بن شتوان والشيخ محمد االسمع والحاج سالم عثمان وكبار عائلة منينة وبن زبلح وهؤالء من وجهاء وعيون بنغازي أما من درنة فقد انضم إليه جميع اعيانها ورؤسائها منهم وقتذاك عائلة جبريل وعائلة ساس ي وستيته ومن شيوخ البدو علي بك االطيوش والحاج محمد قادربوه والشيخ حمد اللواطي وابوبكر بك حدوث وعمر جلغاف وعبدهللا سويحل عمدة عائلة مريم واضرابهم من ا لشيوخ والعمد واالعيان وعامة االهالي هؤالء جميعا كانوا من انصار الحركة السنوسية انصهروا في بوتقتها وتبنوا تعاليمها واصبحوا من دعاتها. كان هؤالء االخوان من شتى بقاع املعمورة فآخى بينهم ابن السنوس ي وهم لم يتعارفوا قبله إذ ال صلة تربطهم غير االسالم فأصبحوا كجسد واحد غير قابل للتجزأة جاءوا من تونس والجزائر ومراكش والريف وسوس االقص ى وطرابلس الغرب وباديتها وبرقة وباديتها ومصر وصعيدها والسودان والحجاز واليمن ونجد فأصبحوا الهم لهم إال )1( انظر: السنوس ي الكبير ص

75 خدمة االسالم )1(. رابعا : األخذ بأصول الوحدة واالتحاد واالجتماع عند ابن السنوس ي: لقد استطاع ابن السنوس ي بتوفيق هللا تعالى أن يجعل من اإلخوان والقبائل في الصحراء الكبرى مجتمعا متماسكا متوحدا في عقيدته وتصوراته ومنهجه فانعكس ذلك في توادهم وتراحمهم فيما بينهم وأصبحوا كالجسد الواحد الذي يخفق فيه قلب واحد وتسري فيه روح واحدة ويتأثر كل عضو فيه بما يصيب بقية األعضاء أو هو كالجدار املتين الذي تجتمع لبناته لتشكل فيما بينها وحدة واحدة متماسكة متراصة. قال تعالى : و اع ت ص م وا ب ب ل ا لل ج ي ا عا و ل ت ف ر ق وا و اذ ك ر وا ن ع م ت ا لل ع ل ي ك م إ ذ ك ن ت م أ عد اء ا ف أ ل ف ب ني ق ل وب ك م ف أ ص ب ح ت م ب ن ع م ت ه إ خ و اا ن ]آل عمران: 103[. إن طريق الوحدة والتعاون والتآخي واالجتماع على البر والتقوى الذي سلكه ابن السنوس ي هو طريق أهل السنة والجماعة الذي التزموا في كافة أمورهم بما كان عليه رسول هللا وأصحابه في العقائد واألخالق والعبادة واملعامالت وكافة شؤون الحياة إن املنهج الذي اجتمع عليه االخوان السنوسيون هو كتاب هللا وسنة رسول هللا ألن ذلك طريق االعتصام بحبل هللا وهذا األصل من آكد األصول في هذا الدين العظيم ولذلك أمر هللا تعالى ورسوله وألفتهم ونهيا عن كل ما بكل يعكر صفو هذا األمر العظيم. ما يحفظ على املسلمين جماعتهم إن ما حصل من فرقة بين املسلمين وتدابر وتقاطع وتناحر بسبب عدم مراعاة هذا األصل وضوابطه مما ترتب عليه تفرق في الصفوف وضعف في االتحاد وأصبحوا شيعا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون. وهذا األمر وإن كان مما قدره هللا عز وجل كونا ووقع كما قدر إال أنه سبحانه لم - يأمر به شرعا فوحدة املسلمين واجتماعهم مطلب شرعي ومقصد عظيم من مقاصد الشريعة بل من أهم عوامل النهوض ونحن مأمورون بالتواص ي بالحق )1( انظر: برقة العربية امس واليوم ص

76 والتواص ي بالصبر قال تعالى: إ ن ا لل ل ي غ ي م ا ب ق و م ح ت ي غ ي وا م ا ب ن ف س ه م ]الرعد: 11[. لقد تضافرت جهود دعاة الحركة السنوسية وقاداتها وعلمائها وطالبها إلصالح ذات البين إصالحا حقيقيا ال تلفيقيا ألن أنصاف الحلول تفسد أكثر مما تصلح وكأنهم اعتقدوا أن : )الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صالح املسلمين وإصالحهم في عقائدهم وأخالقهم وآدابهم وجميع شؤونهم الدينية والدنيوية وفي تربيتهم العلمية وهذا النوع هو الجهاد وقوامه وعليه يتأسس النوع الثاني وهو جهاد يقصد به دفع املعتدين على االسالم واملسلمين من الكفار واملنافقين وامللحدين وجميع أعداء الدين ومقاومتهم وهذا نوعان: جهاد بالحجة والبرهان واللسان وجهاد بالسالح املناسب في كل وقت وزمان( )1( )إن من أعظم الجهاد السعي في تحقيق هذا األصل في تأليف قلوب املسلمين واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية والدنيوية( )2(. إن األخذ باألسباب نحو تأليف قلوب املسلمين وتوحيد صفهم كانت من أهداف الحركة السنوسية ألن قادة الحركة ايقنوا بأهمية هذه الخطوة في إعزاز املسلمين وتحكيم شرع ربهم وتقوية دولتهم إن ابن السنوس ي عمل على وضع منهج سار عليه علماء الحركة من أجل توحيد املجتمع على كتاب هللا وسنة رسوله ولذلك اهتم باآلتي : أ- وحدة العقيدة: أيقن ابن السنوس ي أنه ال يمكن أن تقوم وحدة للمسلمين مالم تجمعهم عقيدة واحدة وكان يعلم بأن العقيدة تشكل أساسا مهما في البناء الفردي واالجتماعي وهي القاعدة التي تقوم عليها األعمال والعالقات فذن البناء ال يستقيم وال يستطيع أن يواجه األعاصير والفتن حتى ينهار. وإن العقيدة تصلح لجمع شتات املسلمين هي ما منبعها كتاب هللا وسنة رسوله كان ويمكن التدليل على كل أصل من أصولها أو جزئية من جزئياتها ثم إن السلف الصالح الذين استقاموا على عقيدة اإلسالم الحق دونوا )1( انظر: وجوب التعاون بين املسلمين للسعدي ص 5. )2( انظر: وجوب التعاون بين املسلمين ص 5. 75

77 هذه العقيدة تدوينا يميزها عن عقائد أهل الفرق والضالل )1(. إن سالمة االعتقاد وصحته هي الطريق الوحيد إلقامة املجتمع املسلم املترابط املتآلف وال سبيل إلى إجتماع األمة اإلسالمية قاطبة ووحدة صفها وعزها وسعادتها في الدنيا واآلخرة إال بالعودة الصحيحة إلى اإلسالم الصافي النقي الخالص من شوائب الشرك والبدع واألهواء والتعصب واتباع العوائد الفاسدة. إن طريق النهوض باألمة البد فيه من وحدة الصف اإلسالمي ووحدة الصف ليس لها من سبيل إال اإلسالم الصحيح واإلسالم الصحيح مصدره القرآن الكريم والسنة النبوية والطريق لفهم القرآن الكريم والسنة املطهرة هي طريق رسول هللا وأصحابه الكرام والتابعون بذحسان ومن سار على نهجهم وطريقتهم إلى يوم الدين. قال تعالى: و م ن ي ش اق ق الر س ول م ن ب ع د م ا ت ب ني ل ه ا ل د ى و ي ت ب ع غ ي س ب يل ال م ؤ م ن ني ن و ل ه م ا ت و ل و ن ص ل ه ج ه ن م و س اء ت م ص ا يا وقال تعالى: ع ن ه م و ر ض وا ع ن ه ]النساء: 115[. و الس اب ق ون ا ل و ل ون م ن ال م ه اج ر ين و ا ل ن ص ار و ال ذ ين ات ب ع وه م ب ح س ان ر ض ي ا لل. ]التوبة: ]100 فوعد من اتبع غير سبيلهم بعذاب جهنم ووعد متبعهم بالجنة والرضوان )2(. وعن ابن مسعود رض ي هللا عنه قال: قال رسول هللا : " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" )3(. وعن ابن مسعود قال: " اتبعوا وال تبتدعوا فقد كفيتم" )4( وعنه : " من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول هللا فذنهم كانوا أبر هذه األمة قلوبا وأعمقها علما قوم اختارهم هللا لصحبة نبيه وإقامة وأقلها تكلفا وأقومها هديا وأحسنها حاال )1( انظر: فقه التمكين في القرآن الكريم للصالبي ص 255. )2( انظر: فقه التمكين في القرآن الكريم ص 255. )3( انظر: مسلم كتاب الصحابة باب فضل الصحابة )1963/4( رقم )4( انظر: املوطأ رقم

78 دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فذنهم كانوا على الهدى املستقيم " )1(. لقد اهتمت الحركة السنوسية بجانب العقيدة وكانت رسالة أبي زيد القيرواني العلمية ضمن مقررات مناهج الحركة وتعتبر هذه الرسالة من أنفع التآليف في الفقه املالكي قاطبة وذلك ملكانة مؤلفها العلمية من ناحية ولسهولتها ويسرها وجمعها ألصول العقيدة والفقه واآلداب من ناحية أخرى. وهي كما وصفها مؤلفها ابن أبي زيد في مقدمتها: " جملة مختصرة من واجب أمور الديانة مما تنطق به األلسنة وتعتقده القلوب وتعمله الجوارح وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها وش يء من اآلداب منها وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب اإلمام مالك بن أنس رحمه هللا تعالى وطريقته مع ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين وبيان املتفقهين ملا رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان كما تعلمهم حروف القرآن ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين هللا وشرائعه ما ترجى لهم بركته وتحمد لهم عاقبته" )2(. وهذا النص الكامل ملقدمة أبي زيد القيرواني في العقيدة: وتعتقده األفئدة من واجب أمور الديانات: )باب ما تنطق به األلسنة من ذلك اإليمان بالقلب والنطق باللسان بأن هللا إله واحد ال إله غيره وال شبيه له وال نظير له وال ولد له وال والد له وال صاحبة وال وال شريك له. ليس لواليته ابتداء وال آلخرته انقضاء ال يبلغ كنه صفته الواصفون وال يحيط بأمره املتفكرون يعتبر املفكرون بآياته يتفكرون في ماهية ذاته وال السموات واألرض وال يحيطون بش يء من علمه إال بما شاء وسع كرسيه يؤده حفظهما وهو العلي العظيم.. العالم الخبير املدبر القدير السميع البصير العلي الكبير وإنه فوق عرشه املجيد بذاته وهو بكل مكان يعلمه خلق اإلنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد وما تسقط من ورقة إال يعلمها وال حبة في ظلمات األرض وال رطب وال يابس إال في كتاب مبين: على )1( انظر: حلية األولياء )379/1(. )2( انظر: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لألمين الحاج ص 9. 77

79 العرش استوى وعلى امللك احتوى وله االسماء الحسنى والصفات العلى لم يزل بجميع أسمائه وصفاته تعلى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة كلم موس ى بكالمه الذي هو صفة ذاته ال خلق من خلقه وتجلى للجبل فصار دكا من جالله وأن القرآن كالم هللا ليس بمخلوق فيبيد وال صفة ملخلوق فينفد واإليمان بالقدر خيره وشره.. حلوه ومره.. وكل ذلك قدرة هللا ربنا ومقادير األمور بيده ومصدرها عن قضائه علم كل ش يء قبل كونه فجرى على قدره ال يكون من عباده قوال وال عمل إال وقد قضا وسبق علمه به أ ل ي ع ل م م ن خ ل ق و ه و الل ط يف ا ل ب ي ]الملك: 14[ يضل من يشاء فيخذله بعدله ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله فكل ميسر بتيسيره الى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد تعالى أن يكون في ملكه ماال يريد أو يكون الحد عنه عنا خالقا لكل ش يء إال هو رب العباد ورب اعمالهم واملقدر لحركاتهم وآجالهم الباعث الرسل فيهم إلقامة حجة عليهم ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه فجعله آخر املرسلين بشيرا ونذيرا وداعيا الى هللا بذذنه وسراجا منيرا وأنزل عليه كتابه الحكمي وشرع بدينه القويم وهدى به الصراط املستقيم وان الساعة آتية ال ريب فيها وان هللا يبعث من يموت كما بدأهم يعودون وان هللا سبحانه ضاعف لعباده املؤمنين الحسنات وصفح لهم بالتوبة عن الكبائر وجعل من لم ي ت ب من الكبائر صائرا الى مشيئته }إن هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما بناره أخرجه منها بذيمانه فأدخلها به جنته }ومن بشفاعة النبي دون ذلك ملن يشاء{ ومن عاقبه هللا يعمل مثقال ذرة خيرا يره{ ويخرج منها من شفع له من أهل الكبائر من أمته.. وأن هللا سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود ألوليائه وأكرمهم فيها بالنظر الى وجهه الكريم وهي التي هبط منها آدم نبيه وخليفته الى أرضه بما سبق في سابق علمه وخلق النار فأعدها دار خلود ملن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيته وإن هللا تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة وامللك صفا صفا لعرض األمم وحسابهم. وتوضع املوازين لوزن أعمال العباد ]المؤمنون: 102[ ف م ن ث ق ل ت م و از ين ه ف أ ول ئ ك ه م ال م ف ل ح ون ويؤتون صحائفهم بأعمالهم ف م ن أ و ت ك ت اب ه ب ي م ين ه ف أ ول ئ ك ي ق ر ء ون ك ت ا ب م و ل 78

80 ي ظ ل م ون ف ت يا ل ]اإلسراء: 71[ و ي ن ق ل ب إ ل أ ه ل ه م س ر و ا را و ي ص ل ى س ع ا يا ]االنشقاق: ف أ م ا م ن أ و ت ك ت اب ه ب ي م ين ه و أ م ا م ن أ و ت ك ت اب ه و ر اء ظ ه ر ه ف س و ف ي اس ب ح س ا ا ب ي س ا يا ]12-7 ف س و ف ي د ع و ث ب و ا را. وان الصراط حق يجوز بقدر اعمالهم فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم واإليمان بحوض رسول هللا ترده أمته ال يظمأ من شرب منه ويداد عنه من بدل وغير وان االيمان قول باللسان واخالص بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بزيادة األعمال وينقص بنقصها فيكون بها النقص وبها الزيادة وال يكمل قول اإليمان إال بعمل وال قول وال عمل إال بنية وال قول وال عمل ونية إال بموافقة السنة. وإنه ال يكفر أحد بذنب من أهل القبلة وان الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة الى يوم يبعثون وأرواح أهل الشقاوة معذبة الى يوم الدين. وأن املؤمنين يفتنون في ي ث ب ت ا لل ال ذ ين آم ن وا ب ل ق و ل الث اب ت ا ل ي اة الد ن ي ا و ا ل خ ر ة ]إبراهيم: 27[ قبورهم وي سألون وان على العباد حفظة يكتبون اعمالهم وال يسقط ش يء من ذلك عن علم ربهم وان ملك املوت يقبض األرواح بذذن ربه وأن خير القرون الذين رأوا رسول هللا وآمنوا به ثم الذين يلونهم. وافضل الصحابة الخلفاء الراشدون املهديون أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رض ي هللا عنهم أجمعين. وان ال يذكر أحد من صحابة الرسول إال بأحسن ذكر واالمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس ان يلتمس لهم املخارج ويظن بهم أحسن املذاهب والطاعة ألئمة املسلمين من والة أمورهم وعلمائهم واتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم واالستغفار لهم وترك املراء والجدال في الدين وترك كل ما أحدثه املحدثون وصلى هللا على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم تسليما كثيرا ) )1(. هذه العقيدة السنية البهية كانت تدرس في مناهج الحركة السنوسية ويتربى عليها القادة والجنود وكان علماء الحركة السنوسية يحاربون العقائد الفاسدة بين القبائل )1( انظر: شرح مقدمة ابي زيد القيرواني ص

81 في الصحراء الكبرى ويرشدون الناس الى حرمة الغلو في تقديس املشايخ األحياء واألموات وال تأذن ألتباعها أن يذكروا ميتا عند قبره بغير الدعاء له والترحم عليه )1( ويعلمون الناس أوامر القرآن والسنة الشريفة وأصول التوحيد ويحرمون التضرع لألولياء ويربون الناس على أن يكون التعبد هلل وحده )2( كانت بعض القبائل في الصحراء الكبرى وافريقيا قد انحرفت عن عقيدتها الصحيحة فجاء إليهم علماء الحركة السنوسية يبينون لهم عقيدتهم ويتلون عليهم آيات هللا والضار هو هللا وحده ويفسرون لهم ذلك كقوله تعالى: ي ن ف ع ك و ل ي ض ر ك ف إ ن ف ع ل ت ف إ ن ك إ ذاا م ن الظ ال م ني وقال تعالى: ]يونس: 106[. التي تبين أن النافع و ل ت د ع م ن د ون ا لل م ا ل و إ ن ي س س ك ا لل ب ض ر ف ل ك اش ف ل ه إ ل ه و و إ ن ي ر د ك ب ي ف ل ر اد ل ف ض ل ه ي ص يب ب ه م ن ي ش اء م ن ع ب اد ه و ه و ال غ ف ور الر ح يم ]يونس: 107[. وقال تعالى : و م ن أ ض ل م ن ي د ع و م ن د ون ا لل م ن ل ي س ت ج يب ل ه إ ل ي و م ال ق ي ام ة و ه م ع ن د ع ائ ه م غ اف ل ون وقال تعالى: ا لل ]النمل: 62[. و إ ذ ا ح ش ر الن اس ك ان وا ل م أ ع د اء ا و ك ان وا ب ع ب اد ت م ك اف ر ين. أ م ن ي يب ال م ض ط ر إ ذ ا د ع اه و ي ك ش ف الس وء و ي ع ل ك م خ ل ف اء ا ل ر ض أ إ ل ه م ع كما قامت الحركة السنوسية بمحاربة عقائد الصوفية املنحرفة كاالتحاد ووحدة الوجود والحلول إن عقيدة االتحاد من عقائد الصوفية الفاسدة املتأثرة بالنصرانية املنحرفة والديانة الهندية القديمة ومعنى ذلك أن املخلوق يتحد بالخالق تعالى هللا ذ ل ك م ا لل ر ب ك م ل إ ل ه إ ل ه و خ ال ق علوا عظيما قال تعالى: ك ل ش ي ء ف اع ب د وه عن قولهم و ه و ع ل ى ك ل ش ي ء و ك يل ل ت د ر ك ه ا ل ب ص ار و ه و ي د ر ك ا ل ب ص ار و ه و الل ط يف ا ل ب ي ]األنعام: [. )1( انظر: االسالم في القرن العشرين ص 132. )2( انظر: انتشار االسالم في القارة األفريقية حسن ابراهيم ص

82 أما وحدة الوجود فذنهم يعتقدون أن كل ش يء في الوجود هواالله سواء كان حيوانا أو جمادا أو انسانا أو غير ذلك وهي عقيدة فاسدة مضمحلة ال أساس لها من عقل وال شرع ولكنها من وحي الشيطان إن الحركة السنوسية حاربت هذا املعتقد الفاسد الباطل وسارت على مذهب أهل السنة والجماعة الذي يقول بأن هللا سبحانه بائن من خلقه اليشبهه ش يء من مخلوقاته متصف بصفات الكمال فله األسماء الحسنى والصفات العلى: ل ي س ك م ث ل ه ش ي ء و ه و الس م يع ال ب ص ي ]الشورى: 11[ فهو املتفرد بالجالل املتصف بصفات الكمال املنزه عن النقائص والعيوب فمن اعتقد أن هللا سبحانه تعالى متحد بمخلوقاته وأن العبد عين الرب والرب عين العبد فقد كفر بما أنزل على محمد وخالف الفطر والشرائع وقد كف ر هللا تعالى النصارى الذين قالوا: إن هللا اتحد بعيس ى عليه السالم فقال سبحانه : ]المائدة: 17[ ل ق د ك ف ر ال ذ ين ق ال وا إ ن ا لل ه و ال م س يح اب ن م ر ي فكيف بمن يقول إن هللا متحد مع جميع مخلوقاته فهو أولى بأن يكون كافرا ألنه يعتقد إن هللا متحد بجميع ما في هذا الكون )1(. إن عقيدة وحدة الوجود عقيدة إلحادية بحته ليست من االسالم في ش يء وأن علماء الحركة السنوسية وقفوا ضدها بكل حزم وعزم قال تعالى: ق ل ه و ا لل أ ح د الص م د ل ي ل د و ل ي ول د و ل ي ك ن ل ه ك ف ا وا أ ح د ]اإلخالص: 4-1[. ا لل وحاربت الحركة السنوسية عقيدة الحلول التي تقول بأن هللا يحل في االشخاص تعالى هللا عن قول الحلوليين علوا كبيرا. )والحقيقة أن القول باالتحاد بين الخالق واملخلوق يأبه العقل الذي سلم من الشبهات ويدل داللة واضحة على أنها باطلة ألن أي إنسان تسمح له نفسه أن يدعي بأنه دخل به اإلله وصار مع هللا وحدة واحدة وال انسان له عقل سليم أو به ذرة من ايمان( )2(. يمكن أن يخرج مثل هذا االدعاء الباطل من )1( انظر: مظاهر االنحر افات العقيدية عند الصوفية ادريس محمود ص 285. )2( انظر: املؤامرة على االسالم للجندي ص

83 لقد حاربت الحركة السنوسية العقائد الفاسدة ودعت الى العقائد الصحيحة لتجتمع القبائل والشعوب االسالمية عليها كما حرصت على تحكيم كتاب هللا وسنة رسوله على نفسها ودعت غيرها بااللتزام بذلك. ب- تحكيم الكتاب والسنة: أيقن ابن السنوس ي وأخوانه من العلماء أن املسلمين ال يكون لهم شأن وال عز وال نصر وال فالح في الدنيا وال نجاة في اآلخرة إال بتحكيم كتاب هللا وسنة رسوله على مستوى االفراد واألسر والجماعات والقبائل ومن ثم على مستوى الدولة. واسترشد ابن السنوس ي فيما ذهب إليه بقوله تعالى: ف إ ن ت ن از ع ت م ش ي ء ف ر د وه إ ل ا لل و الر س ول إ ن ك ن ت م ت ؤ م ن ون ب لل و ال ي و م ا ل خ ر ذ ل ك خ ي و أ ح س ن ت و يا ل ]النساء: 59[. وبقوله في حجة الوداع: )يا أيها الناس: إني تركت فيكم ما أن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب هللا وسنتي( )1(. إن ابن السنوس ي حرص على تحكيم شرع هللا تعالى على نفسه واسرته ومجتمعه وكان يرى أن ذلك خطوة اصيلة نحو وحدة األمة واقترابها من نصر هللا تعالى وأن للتحاكم الى كتاب هللا وسنة رسوله آثار دنيوية كاالستخالف والتمكين واألمن واالستقرار والنصر والفتح والعز والشرف وبركة العيش ورغد الحياة والهداية والتثبيت وانتشار الفضائل وانزواء الرذائل وأما اآلثار األخروية كاملغفرة وتكفير السيئات والثواب العظيم عند هللا تعالى والحياة الحقة الدائمة وعلو املنزلة ومعية التكريم وإليك هذه الرسالة التي ارسلها ابن السنوس ي الى أهل وجنقة في تشاد لتدلنا على ما ذهبنا إليه. قال -رحمه هللا- بعد البسملة: )إنه من عبد ربه سبحانه محمد بن علي السنوس ي الخطابي الحسني اإلدريس ي. الى املكرم األجل العمدة األفضل الفقيه النبيه ولدنا الشيخ فرج الجنقاوي وكافة جماعة بلد وجنقة كبيرا وصغيرا ذكر وأنثى )1( انظر: مسلم كتاب الحج باب حجة النبي )890/2( رقم

84 سلم هللا جميعهم وأنالهم من خير الدارين مرامهم آمين السالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته وتحياته ومغفرته ومرضاته وبعد فالقصد املطلوب واألمر املرغوب هو السؤال عنكم وعن كلية أحوالكم جعلها هللا جارية على منهاج كتابه وسنة نبيه محمد وشرف وكرم وعظم وثانيا فذنا ندعوكم بدعاية االسالم من طاعة هللا ورسوله قال تعالى في كتابه العزيز: ي أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا أ ط يع وا ا لل و أ ط يع وا الر س ول ]محمد: 33[ وقال تعالى ]النساء: م ن ي ط ع الر س ول ف ق د أ ط اع ا لل 80[. وقال تعالى: و م ن ي ط ع ا لل و الر س ول ف أ ول ئ ك م ع ال ذ ين أ ن ع م ا لل ع ل ي ه م م ن الن ب ي ني و الص د يق ني و الش ه د اء و الص ا ل ني و ح س ن أ ول ئ ك ر ف ياقا ]النساء: 69[ والطاعة هي امتثال أمر هللا ورسوله من إقامة الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وأداء زكاة األموال وحج بيت هللا الحرام واجتناب ما نهى هللا عنه من الكذب والغيبة والنميمة وأكل أموال الناس بالباطل وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق. وشهادة الزور وغير ذلك مما حرم هللا ورسوله فبذلك تنالون الخير األبدي والربح السرمدي الذي ال يعتريه خسران وال يحوم حول حماه حرمان وقد طلب منا أناس من ذلك الطرق أن نبعث معهم بعض إخواننا يذكرون عباد هللا ويعلموهم ما فرض هللا ورسوله عليهم ويهدوهم الى سبيل الرشاد وعزمنا على ذلك لكون هذه الوظيفة هي التي أقامنا هللا عليها ننبه الغافل ونعلم الجاهل ونرشد الضال. ولكن نحن اآلن بالحرمين الشريفين وعندما قدمنا لهذه النواحي اشتغلنا بداللة العباد الى هللا وما رأينا أحدا من ناحيتكم حتى نوجه معه من يعلم الناس دينهم الذي ارتضاه واآلن فذن أتباعنا -جماعة زوية- الذين هم أهل تزور )موقع( املعلومة عندكم قدموا إلينا وتابوا على أيدينا وطلبوا منا بناء زاوية بموقع تزر املذكورة. وقصدنا في ذلك مجاورتكم وتعليمكم أنتم وأبناءكم كتاب هللا وسنة نبيه محمد وإصالح ذات البين. بينكم وبين هؤالء العربان الذين يغيرون عليكم ويأخذون أبناءكم وأموالكم عاملين بقوله تعالى: ]الحجرات: و إ ن ط ائ ف ت ان م ن ال م ؤ م ن ني اق ت ت ل وا ف أ ص ل ح وا ب ي ن ه م ا 9[ و أ ط يع وا ا لل و ر س ول ه إ ن ك ن ت م م ؤ م ن ني ]األنفال: 1[. وبقوله تعالى : ل خ ي ك ث ي م ن ن و اه م إ ل م ن أ م ر ب ص د ق ة أ و م ع ر و ف 83

85 ]النساء: م ر ض ات ا لل ف س و ف ن ؤ ت يه أ ج ا را ع ظ ي ا ما أ و إ ص ل ح ب ني الن اس و م ن ي ف ع ل ذ ل ك اب ت غ اء 114[. فبذلك يحصل التعاون على البر والتقوى كما أمر هللا بذلك في قوله تعالى: و ت ع او ن وا ع ل ى ال ب و الت ق و ى و ل ت ع او ن وا ع ل ى ا ل ث و ال ع د و ان ]المائدة: 2[. وبقول رسول هللا : "كونوا عباد هللا إخوانا وعلى الدين أعوانا" وأما الفتنة واملنازعة ال خير فيها بل لقد نهى هللا عنها في كتابه العزيز بقوله : و ل ت ن از ع وا ف ت ف ش ل وا و ت ذ ه ب ر ي ك م و اص ب وا إ ن ا لل م ع الص اب ر ين ]األنفال: 46[ وإن شاء هللا إذا امتثلتم أمرنا وتبعتم نصيحتنا فسيقدم عليكم بعض أبنائنا يعلمون أبناءكم كتاب هللا ويعلمون رجالكم سنة رسول هللا وال تخافون بعد ذلك إن شاء هللا من أحد وترون فضل هللا ورحمته ما ليس عليه من مزيد. وبلغوا سالمنا وكتابنا هذا الى كل من حولكم ممن يريد طاعة هللا ورسوله وأتباع الكتاب والسنة وربنا تبارك وتعالى يجعلكم هادين مهديين دالين على الخير وبه عاملين بمنه وكرمه آمين. ودمتم بخير عافية. ونعم متواترة ضافية( )1(. وهذه الرسالة تعطينا منهجية ابن السنوس ي في دعوته واسلوب عرضه وطريقة خطابه وجزالة ألفاظه ورعة بيانه. ج- صدق االنتماء الى االسالم: أيقن ابن السنوس ي أن من أسباب جمع صفوف األمة وتحقيق الوحدة بينها الدعوة الى االلتزام باإلسالم عقيدة وشريعة ومنهج حياة واالعتزاز باالنتساب الى هذا الدين ونبذ كل ما يخلفه ويضاده. لقد تربى اتباع السنوسية على أن االسالم منهج للحياة والعبودية هلل معلم كبير في حياة املسلم واملسلمون وفق هذا املنهج والفهم يشكلون أمة واحدة في مقابلة التجمعات البشرية ولقد تربى أتباع السنوسية على االعتزاز باالنتساب الى االسالم: و م ن أ ح س ن ق و ا ل م ن د ع ا إ ل ا لل و ع م ل ص ا ل ا ا و ق ال إ ن ن م ن ال م س ل م ني ]فصلت: 33[. )1( انظر: السنوس ي الكبير ص

86 لقد كان االنتماء الى االسالم في التربية السنوسية فوق االنتماء لألوطان واألقوام والنعرات الجاهلية. د- طلب الحق والتحري في ذلك: إن هذا األصل العظيم أال وهو طلب الحق والتحري للوصول إليه يقوي وحدة صف العاملين لتحكيم شرع هللا وهي من أهم سمات الربانيين الذين صفت نفوسهم وتطهرت قلوبهم بكتاب هللا وسنة رسوله. إن هللا تعالى في كتابه الكريم يبين أنه ال توجد منزلة ثالثة بين الحق والباطل فقال سبحانه وتعالى: ف ذ ل ك م ا لل ر ب ك م ا ل ق ف م اذ ا ب ع د ا ل ق إ ل الض ل ل ]يونس: 32[. قال القرطبي -رحمه هللا- : )"قال علماؤنا" : حكمت هذه اآلية بأنه ليس بين الحق والباطل منزلة ثالثة في هذه املسألة التي هي توحيد هللا تعالى وكذلك هو األمر في نظائرها وهي مسائل األصول فذن الحق فيها في طرف واحد( )1(. ولذلك نجد ابن السنوس ي وهو املالكي املذهب والثقافة يخالف مذهب مالك في بعض املسائل عندما تبين له أن الحق خالف مذهب االمام مالك فكان يقبض في صالته ويقنت بعد الركوع ويقصر في الصالة اثناء السفر...الخ وقد حذا اتباعه حذوه وهذا يدلنا على تحري ابن السنوس ي واتباعه للدليل الشرعي والتمسك به ونقد كثيرا من آراء التصوف املخالفة لكتاب هللا وسنة رسوله وكانت وسائل الوصول الى الحق تقوى هللا والتجرد واالخالص. ه- تحقيق األخوة بين أفراد املجتمع: أيقن ابن السنوس ي أن بتحقيق األخوة بين القبائل واتباع الحركة تتحقق وحدة الصف وقوة التالحم ومتانة التماسك بين أفراد الحركة كما كان على علم بأن )1( انظر: الجامع ألحكام القرآن )336/8(. 85

87 األخوة منحة من هللا عز وجل يعطيها هللا للمخلصين من عباده واألصفياء واألتقياء من أوليائه وجنده وحزبه قال تعالى : ه و ال ذ ي أ ي د ك ب ن ص ر ه و ب ل م ؤ م ن ني و أ ل ف ب ني ق ل و ب م ل و أ ن ف ق ت م ا ا ل ر ض ج ي ا عا م ا أ ل ف ت ب ني ق ل و ب م و ل ك ن ا لل أ ل ف ب ي ن ه م إ ن ه ع ز يز ح ك يم ]األنفال: 63-62[. إن األخوة في هللا بين اتباع الحركة السنوسية أورثتهم شعورا عميقا وعاطفة صادقة ومحبة وودا واحتراما فيما بينهم قال تعالى : إن األخوة في هللا مالزمة لإليمان وال إ ن ا ال م ؤ م ن ون إ خ و ة ]الحجرات: 10[. يذوق حالوة االيمان إال من أشرب هذه األخوة ولذلك حرص عليها السنوسيون واتباعهم قال رسول هللا : )ثالث من كن فيه وجد حالوة اإليمان أن يكون هللا ورسوله أحب إليه مما سواهما وان يحب املرء ال يحبه إال هلل وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار( )1(. لقد حرص السنوسيون أن يطبقوا تلك الصورة الجميلة ألصحاب رسول هللا قال تعالى: م م د ر س ول ا لل و ال ذ ين م ع ه أ ش د اء ع ل ى ال ك ف ار ر ح اء ب ي ن ه م ت ر اه م ر ك ا عا س ج ادا ي ب ت غ ون ف ض ا ل م ن ا لل و ر ض و اا ن س يم اه م و جوه ه م م ن أ ث ر الس ج و د ]الفتح: 29[. إن األخوة في هللا من أهم االسباب التي جعلت الحركة السنوسية تصمد في وجه أعتى املحن التي تعرضت لها. )1( انظر: البخاري كتاب اإليمان باب حالوة اإليمان )11/1(. 86

88 الفصل الثاني البعد التنظيمي واملنهج التربوي والبعد السياس ي عند ابن السنوس ي املبحث األول البعد التنظيمي عند ابن السنوس ي إن البعد التنظيمي يظهر في شخصية محمد بن علي السنوس ي في بناء الزوايا التي يتربى فيها اتباعه واملنهج التربوي الذي سار عليه فأما الزوايا فهي ركيزة نظام الحركة السنوسية وهي التطبيق العملي ألفكارابن السنوس ي التي دعا إليها. إن نظام الزوايا كان معروفا في العالم االسالمي والشمال األفريقي خصوصا كلمة الزاوية تطلق عند الطرق الصوفية على مكان يختلي فيه أتباع الطريقة والقائمون عليها بأنفسهم ويتقربون الى هللا بالعبادة ليال ونهارا منقطعين عن الناس وعن الحياة مكتفين بكفالة الناس لهم على يد رجال القوافل الذين يضربون في الطرق الصحراوية وينزلون بهذه الزوايا التي غالبا ما كانت مواقعها في أماكن خلوية بعيدة عن العمران أو ما يوقف على الزاوية من أوقاف يحبسها مشايخ القبائل املجاورة للزواية تقربا الى علمائها املشرفين على طريقتها الصوفية. أما الزوايا السنوسية فهي تختلف عن غيرها من الزوايا األخرى من حيث الشكل واملضمون أي من حيث مواقعها وبنائها ومن حيث تنظيمها ورسالتها )1( لقد استطاع ابن السنوس ي بعقليته التنظيمية أن يطور مفهوم الزوايا بحيث أصبحت تمثل النواة األولى ملجتمع تحكمه سلطة وعليه واجبات اجتماعية واقتصادية وسياسية ودعوية وجهادية وقد تحدث ابن السنوس ي في إحدى رسائله عن الزاوية فقال: )والزاوية في الحقيقة إنما هي بيت من بيوت هللا ومسجد من مساجده... والزاوية إذا حلت بمحل )1( انظر: في تاريخ العرب الحديث وجهاد االندلسيين د. رأفت ص

89 نزلت فيه الرحمة وتعمر بها البالد ويحصل بها النفع ألهل الحاضرة والباد ألنها ما أسست إال لقراءة القرآن ولنشر شريعة أفضل ولد عدنان( )1(. وقال في رسالة أخرى: )وأما نحن فقد ألفنا ما أعتدناه ورضيت به نفوسنا فنريد أن تكون تلك العمارة مستمرة ونفوس سكانها مستقرة ليحصل املقصود منه )يعني الزاوية( ويدوم من تعلم العلم وتعلميه وإقراء القرآن وتفهيمه إقامة شعائر الدين للوافدين عليها واملقيمين بها( )2(. وقال في رسالة ثالثة: )رتبنا لكل واحدة خليفة يقوم فيها بما ذكر من الجمعة وتعليم القرآن ودرس العلم وداللة الخلق على دينهم وعودتهم الى ربهم.. وبذلك تبتهج األرض حولها بأنواع األشجار ويكثر بها السكان لكثرة الثمار وتنتشر العمارة وتتسع اإلدارة( )3(. لقد استطاع ابن السنوس ي أن يؤسس تنظيما هرميا للحركة فكان تشكيله كاآلتي: شيخ الطريقة او رئيس النظام وهو الرئيس األعلى لها. مجلس األخوان )الشورى( ومهمته مساعدة شيخ الحركة في تعيين شيوخ الزوايا. شيوخ الزوايا. االخوان ومهمتهم كسب االعضاء العاديين الى الحركة )4( كما أصبحت في أواخر حياة ابن السنوس ي زاوية الجغبوب تمثل عاصمة الحركة وجعل في البناء التنظيمي في الحركة زوايا رئيسية أو زوايا عليا يراسها شيوخ الحركة السنوسية الكبار كزاوية أبي قبيس بمكة وزاوية البيضاء وزاوية درنة وزاوية بنغازي وكان لها األشراف على ما حولها من الزوايا كما كانت مجالس الدرس فيها أعلى مستوى وأكثر تنوعا واستجابة للحاجات الدينية والعقلية )5(. استطاع ابن السنوس ي أن يربط بين جميع زوايا الحركة برباط متين من املخابرات )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 143. )2( انظر: الحركة السنوسية ص 237. )3( املصدر السابق نفسه ص 237. ) 4 (انظر:تاريخ ليبيا املعاصر محمود عامر ص 133. )5( انظر : تاريخ املغرب العربي الحديث )ليبيا( محمود عامر ص

90 واملخاطبات ولجان التفتيش وفق نظام دقيق تلتقى أسبابه عند الزاوية الكبرى املركزية وكانت تلك الزوايا قد انتشرت في تونس والجزائر وبرقة ومصر والحجاز واليمن والسودان الغربي )تشاد( وكانت تقارير هذه البالد ترد أوال الى بنغازي ثم ترسل الى الجغبوب بواسطة الهجن وبسرعة عظيمة )1(. وكانت العقلية التنظيمية عند ابن السنوس ي تهتم بالتخطيط السليم واالدارة الناجحة وكان تخطيطه يعتمد على تحفيزه التباعه واالستعداد ملا سيواجههم في املستقبل وكان فهمه لقوله تعالى: و اب ت غ ف يم ا آ ت ك ا لل الد ار ا ل خ ر ة و ل ت ن س ن ص يب ك م ن الد ن ي ا ]القصص: 77[. وقوله تعالى: و أ ع دوا ل م م ا اس ت ط ع ت م م ن ق و ة و م ن ر ب ط ا ل ي ل.. ]األنفال: 60[. جعلت من الزوايا خاليا حية تمتد منها الحياة الصالحة الى سائر جسم األمة االسالمية فأصبحت مراكز تربية وتهذيب وتعليم وإيقاظ للعاطفة الدينية السليمة وتوجيه الحياة العاملة توجيها سديدا فأصبحت مراكز إصالح إنساني متكامل من الناحية الدينية والعقلية واالجتماعية واالقتصادية )2(. إن البناء التنظيمي للزوايا في الحركة السنوسية يدلنا على أن ابن السنوس ي استفاد من سنة األخذ باألسباب استفادة كبيرة وكان مقتنعا بأن نهوض األمة يستلزم من العاملين من اجل هذا الهدف أن يستوعبوا سنة األسباب وأن يحسنوا التعامل معها بحيث يستطيعوا أن ينزلوها على أرض الواقع. إن مفهوم التوكل عند ابن السنوس ي يعني األخذ باألسباب املادية املتاحة مع االعتماد على هللا سبحانه وتعالى ولذلك استطاع أن يبني البناء التنظيمي البديع املتين وفق أسس ونظم رائعة وإليك تفصيلها: أوال : األسلوب الذي تبنى به الزاوية: تبنى الزاوية باالتفاق بين أحد القبائل التي ترغب في بنائها مع ابن السنوس ي ويكون )1( انظر: السنوسية دين ودولة ص 50. )2( انظر: دراسات وصور ص

91 البناء وفق االسلوب اآلتي: تبنى الزاوية في قطعة من األرض املختارة باالتفاق مع القبيلة التي تملك الناحية ومع ممثل ابن السنوس ي أو ابن السنوس ي نفسه. يعين ابن السنوس ي لهذه الزاوية رئيسا يلقب ب)الشيخ( اذا كانت الزاوية قد بنيت وان لم تكن فيختط الشيخ زاويته في املوضع املتفق عليه وتكون ارضها وقفا وعادة تكون على ربوة عالية تشرف على ماحولها ويتوخى فيها املناخ الصحي )1(. تكون تكاليف بناء مسكن الشيخ واملسجد واملدرسة من األهالي. للزاوية حرم كبير يحيط بها من الجهات االربع يكون آمنا ملن دخله واستجار به وال يجوز أن يطلق داخله الرصاص أو يشهر السالح وكذلك املشاجرة وإعالء الصوت بالغناء أو الخصام كما يمنع فيه رعاية الحيوانات )2(. من املألوف أن يرسل ابن السنوس ي عددا من )األخوان( بينهم من يشتغل بالبناء والعمارة والتجارة وكل املهارات التي تحتاج إليها القبيلة في تشييد الزاوية )3( ومن الطبيعي أن يستغرق البناء وقتا يطول أكثر من العام ومن ثم يهتم الشيخ ورجال القبيلة ببناء املسجد أوال ثم دار القامة الشيخ وأسرته ويتبع ذلك استكمال بقية البناء لتشمل الزاوية في النهاية بيوتا لوكيل الزاوية ومعلم االطفال ومساكن للضيوف والخدم ومخزنا لحفظ املؤن واسطبل وبستان ومتجر على األقل وحجرة خاصة بالفقراء الذين ال عائل وال مأوى لهم وفرن لسد حاجة السكان بالخبز )4( وتقوم حولها مبان أخرى يقوم بذنشائها أغنياء األهالي ليأووا إليها في موسم الصيف ويكون لها متسع من األراض ي الزراعية واآلبارالجوفية والصهاريج لحفظ املاء )5(. )1( انظر : السنوس ي الكبير ص 31. )2( انظر: السنوس ي الكبير ص 31. )3( انظر: املجتمع الليبي ص 314. )4( انظر: السنوس ي الكبير ص 24. )5( املصدرالسابق نفسه ص

92 ثانيا : مو اقع الزوايا: تميزت مواقع الزوايا بصفات سياسية وتجارية وعسكرية فمن الناحية السياسية نجد الزوايا تنتشر في الدواخل أكثر من انتشارها في السواحل وذلك راجع الى حرص ابن السنوس ي عن االبتعاد عن نفوذ السلطة الحكومية ولذلك فضل ابن السنوس ي أن يتوغل بزواياه في الصحراء وحرص على أن يوضع غرضه الدعوي من بناء الزوايا لسلطات الحكم العثماني في ليبيا تفاديا للصدام بها فكتب الى مصطفى باشا حاكم فزان عند بناء زاوية هناك : )أن الزاوية في الحقيقة إنما هي بيت من بيوت هللا ومسجد من مساجده والزاوية اذا حلت بمحل نزلت فيه الرحمة وتعمر بها البالد ويحصل بها النفع ألهل الحاضرة والبادية ألنها ما أسست إال لقراءة القرآن ولنشر شريعة أفضل ولد عدنان( )1(. وأوضح نفس الغرض الديني للزاوية للمشير محمد أمين باشا والي طرابلس الغرب العثماني فقال: )وأما نحن فقد ألفنا ما اعتدناه ورضيت به نفوسنا فنريد بذلك أن تكون تلك العمارة مستمرة ونفوس سكانها مستقرة ليحصل املقصود منها ويدوم من تعلم العلم وتعلميه واقراء القرآن وتفهيمه واقامة شعائر الدين للوافدين عليها واملقمين بها( )2(. والى جانب األهمية السياسية ملواقع الزوايا فقد كانت لهذه املواقع أهمية تجارية واقتصادية بصفة عامة فقد أقيمت معظم الزوايا في طريق تجارة القوافل وكان هناك ثالثة طرق رئيسية في األراض ي الليبية الطريق األول للقوافل يتجه جنوبا من الساحل الليبي عبر واحة فزان الى بحيرة تشاد والطريق الثاني ينعطف جنوبا غربا عبر غدامس وغات الى تمبكتو والطريق الثالث يسير جنوبا شرقا عبر واحة الجفرة ثم سواكن وزيال الى واداي ودارفور الغني بخصبه وثروته واملتتبع ملواقع هذه الزوايا في األراض ي الليبية مثال يالحظ ارتباطها بطرق قوافل التجارة مما جعل ابن السنوس ي يستخدم زواياه والقبائل التي توجد الزوايا في أراضيها الستغالل التجارة وتنشيطها مما )1( انظر : السنوس ي الكبير ص 24. )2( املصدر السابق نفسه ص

93 كان له أثر كبير في تحريك عجلة البالد االقتصادية بسبب دور الزوايا في تشجيع تجارة القوافل التي كانت تعتبر حتى بداية القرن العشرين موردا هاما في حياة البالد االقتصادية )1( زد على ذلك االهتمام بالزراعة الذي حث عليه ابن السنوس ي أهل القبيلة أو القبائل الواقعة في أراضيها الزاوية أو الزوايا )2(. والتقل األهمية العسكرية ملواقع الزوايا عن األهميتين السياسية واالقتصادية فقد وجدنا معظم الزوايا تقام على مناطق مرتفعة حصينة حتى يمكن لإلخوان السنوسية الدفاع عنها ضد املغيرين من الداخل أو األعداء من الخارج ومن ثم بنيت الكثير من الزوايا على أنقاض األطالل االغريقية والرومانية فيما مض ى والعثمانيين فيما بعد. من الضروري بناء محطات وقرى لتثبيت سيادتهم بصد الهجمات التي تقوم بها القبائل املتوغلة في الصحراء هذا إلى جانب أن ابن السنوس ي اتبع في إنشاء الزوايا نظاما خاصا يدل على األهمية العسكرية للمواقع التي اختارها للزوايا فبدأ من مواقع على شاطئ البحر املتوسط وبنى بهذه املواقع الحصينة زوايا تبعد كل زاوية عن التي تجاورها مسافة ست ساعات ثم أنشأ خلفها زوايا مقابلة لها تبعد كل منها عن األخرى املسافة نفسها حتى إذا هوجمت الزوايا األمامية التي بالشاطئ استطاع األخوان وأهل الزواية أن ينتقلوا بسهولة إلى الزوايا الخلفية )3( وبمعنى آخر استطاع ابن السنوس ي أن يقيم من الزوايا خطوط دفاع متتالية تساند الخط الثاني الخط األول ويساند الخط الثالث الخط الثاني وهكذا وكل هذا تم بدون أن يثير ابن السنوس ي ثائرة أو شكوك الحكومة العثمانية )4(. يقول بريتشارد: ( إن من درس توزيع الزوايا السنوسية في برقة يالحظ أنها أقيمت وفق خطة سياسية اقتصادية فقد بنى عدد كبير منها على منشآت يونانية ورومانية )1( انظر: دراسات في التاريخ اللوبي مصطفى بعيو ص 60. )2( انظر: في تاريخ العرب الحديث ص 258. )3( انظر: السنوسية دين ودولة ص 22. )4( انظر: في تاريخ العرب الحديث ص

94 وأسست على طرق القوافل الهامة وفي مواقع دفاعية قوية( )1(. وقال شكيب أرسالن: ( وأغلب هذه الزوايا مختار لها أجمل البقع وأخصب األرضين وفيها اآلبار التي التنزح من كثرة مائها وفي الجبل األخضر هي بجانب عيون جارية وأنهار صافية وقل أن مررت بزاوية ليس لها بستان أو بستانين فيها من كل أنواع الفواكه( )2(. ثالثا : وظائف الزاوية: كانت األعمال التي تقوم بها الزوايا كاآلتي: 1- التنفيذ العملي ألحكام ومبادئ الحكم الشرعي بين املواطنين والتربية الدينية والخلقية لألتباع واإلخوان واعداد الدعاة. 2- الدعوة الى االلتزام بالفضائل وتجنب الرذائل والقدوة الحسنة التي وجدها الناس في شيوخ الزوايا. 3- اإلهتمام بدعوة الشعوب الوثنية وهذه وظيفة الزوايا املتغلغلة في الصحراء الكبرى والتي وصلت في قلب افريقيا الغربية والسودان ولقد اهتدت هذه القبائل الى اإلسالم طائعة مختارة. 4- تنقية اإلسالم مما علق به على يد الغالة من املتصوفة من بدع وتعاليم تبعده عن سماحة عقيدته وأصوله املحكمة. 5- قامت بدور تعليمي فقد كانت أشبه باملراكز اإلسالمية املنتشرة في العالم وكانت الزاوية تمثل مدرسة قرآنية لتحفيظ األطفال القرآن الكريم ومبادئ الدين اإلسالمي واللغة العربية ومن يتميز من األطفال يلتحق بعاصمة الزوايا سواء كانت البيضاء أو الجغبوب التي صارت مناخ العلوم ومنبع القرآن الكريم والتي حوت مكتبتها على ثمانية آالف مجلد من تفاسير وأحاديث وأصول وتوحيد وفقه وغير ذلك من العلوم املعقولة )1( انظر: عشر سنوات في بالط طرابلس ص 78. )2( انظر: حاضر العالم االسالمي )298/1(. 93

95 والعلوم الطبيعية )1(. وكانت املناهج التربوية في الزوايا تشتمل على جميع العلوم اإلسالمية من تفسير وحديث وفقه وأصول الفقه والفرائض والتصوف والتوحيد والنحو والصرف والبالغة واألدب وغيرها. 6- كانت الزوايا تدرب تالميذها على اتقان الحرف والصناعات مثل صناعة البارود واألسلحة. 7- قامت الزوايا بدور اجتماعي مهم أال وهو ماضمنته القبائل من أمن وطمأنينة ومصالحة بين القبائل وتشجيعها على االستقرار إذ بحكم استقرار هذه الزوايا اضطرت كل قبيلة أن تحافظ على صلتها الدائمة بزاويتها الخاصة بها وقد اقتض ى منها هذا املوقف عدم البعد عنها حتى يسهل لها االتصال بها كلما دعت الضرورة إلى ذلك وبمرور الزمن تعودت القبيلة نوعا من حياة االستقرار واالقامة بعد أن كانت التعرف لذلك سبيال. 8- شجعت الزوايا الحركة التجارية والزراعية وعمرت الطرق بالقوافل املحملة باملواد والسلع وكانت تقوم بتقديم مساعدات وتسهيالت إلراحة املسافرين التجار مما شجع على التبادل التجاري بين منتجات الزاوية وبين ماتحمله القوافل من سلع التتوفر في أرض الزاوية. 9- قامت الزوايا بدورها الجهادي في مواجهة الغزو الفرنس ي املتقدم وسط افريقيا وفي الكفاح ضد االحتالل االيطالي في ليبيا ولوال هللا ثم استعداد الزوايا الجهادي ملا استطاع الليبيون أن يصمدوا ضد ايطاليا أكثر من عشرين سنة )2(. رابعا : السلطة في الزاوية: تتألف السلطة في الزاوية من شيخ الزاوية وهو املسؤول األول ومن مجلس يضم وكيل الزاوية وشيوخ وأعيان القبيلة املرتبطة بها ووجهاء املهاجرين ومهمة هذا املجلس هي )1( انظر: في تاريخ العرب الحديث ص 262. )2( انظر: في تاريخ العرب الحديث ص

96 النظر في مشاكل األهالي وفض املنازعات وشيخ الزاوية يطلق عليه اسم املقدم وهو - كما يقول أرسالن ( القيم على الزاوية الذي يتولى أمور القبيلة ويفصل الخصومات ويبلغ األوامر الصادرة من رئيس النظام ويليه وكيل الدخل والخرج واليه النظر في زراعة األراض ي وجميع األمور االقتصادية وباالضافة إلى هذين هناك الشيخ الذي يقيم الصالة في مسجد الزاوية ويعلم أطفال القبيلة ويعقد فيها عقود النكاح ويصلي على الجنائز ) )1(. وال يخطب هذا الشيخ الجمعة ألنها من مهام شيخ الزاوية ( مقدمها ) ومن مهام شيخ الزاوية التي ذكرها بريتشارد ( هو الذي يمثل رئيس النظام ويقود رجال القبيلة في الجهاد ويصل بين القبيلة ورجال اإلدارة العثمانيين ويقوم بضيافة املسافرين ويشرف على حصاد الزرع ويؤم صالة الجمعة ويساعد في الوعظ والتعليم ) )2(. خامسا : طريقة فض املنازعات في الزاوية: يتخذ رئيس الزاوية مجلسا من الشيوخ واألعيان فيدرسون القضية من كل وجوهها فما كان يفض منها بطريقة شرعية يصدر رئيس الزاوية التي يتولى فيها منصب القضاء الحكم في القضية وما كان يفض بطريقة التقاليد املتبعة والعادات فيحسم أيضا بذلك ومنها ما يفض بطريقة الصلح فيتفق املجلس على مايجب اجراؤه ويصبح األمر نافذ املفعول. وكل مشكلة عويصة تحدث بين القبائل ويخش ى بسببها وقوع الفتن والفساد يتعاون رئيس الزاوية بشيوخ القبائل وأعيانها ورؤساء الزوايا أو الزاوية املتاخمة له ويضرب لذلك موعد يحدد زمانه ومكانه وهناك يحسم بدون عناء وما صعب من ذلك وتشعبت املداولة فيه واألخذ والرد بين رؤساء الزاوية والشيوخ يرفع إلى الجغبوب حيث يصدر القرار النهائي )3(. وقد عثر املؤرخ احمد الدجاني على وثيقة بتاريخ رجب 1297 ه 9 تتحدث عن خصام )1( انظر: حاضر العالم االسالمي )298/1(. )2( انظر: عشر سنوات في بالط طرابلس ص 80. )3( انظر: املجتمع الليبي ص

97 وقع بين أهالي هون وسوكنه استطاعت زاوية هون السنوسية أن تزيل األشكال والوثيقة مقدمة من ثمانية عشر رجال من أعيان هون إلى متصرف فزان يخبرونه بانتهاء الخالف )1(. سادسا : أراض ي الزاوية: كانت أراض ي الزاوية موقوفة عليها فال تباع والتشترى وتبقى مرتبطة بالزاوية. ويتم وقفها عادة بعد امتالكها الذي يكون عن طرق مختلفة منها الهبة والتبرع ومنها الشراء ومنها احياء األراض ي البور وإصالح اآلبار الخربة ومنها نزع املواقع املتنازع عليها بين األفراد والجماعات برضا املتخاصمين وتحويلها للزاوية )2( احدى الرسائل التاريخية تبين كيف تتحول األرض املحيطة بالزاوية إلى وقد ذكر املؤرخ الدجاني وقف. والوثيقة هي عبارة عن رسالة بعث بها أحد اإلخوان إلى أحد علماء طرابلس يحدثه فيها عن بعض مسائل تتعلق بالحركة ويرد فيها " وأيضا نخبركم أنه في محل ببرقة يقال له أجدابية قصرين معلومات والعرب الذين بجوار ذلك هم املغاربة وزوية راغبين في االستاذ أن ينش ئ لهم زاوية هناك وكتبوا حجج في إعطاء تلك األرض ومهدوا إلى كل املشايخ وأرسلوا منهم واحد مخصوص إلى حضرات جنابة رض ي هللا عنه ( يعني ابن السنوس ي ) )3( والقصد اليتعدى على األرض وتاريخ الرسالة محرم م أي قبل وفاة ابن السنوس ي بشهر فاألرض في هذه املثل أعطيت للزاوية هبة وتبرعا من مشايخ القبيلتين ثم صدر فيها مرسوم بتحويلها إلى وقف )4(. وكانت مساحة أراض ي الزاوية كبيرة نسبيا وتصل أحيانا إلى "2500" هكتار بعضها مزروع والبعض اآلخر يترك للرعي. وقد ذكر ريتشارد أن مجموع أراض ي الزاوية في برقة يبلغ نصف مليون هكتار )5(. )1( انظر: الحركة السنوسية ص 239. )2( املصدر السابق نفسه ص 240. )3 ) انظر: دار املحفوظات بطرابلس نقال عن الحركة السنوسية ص 241. )4( املصدر السابق نفسه ص 241. )5( انظر: عشر سنوات في بالط طرابلس ص

98 ويقوم بزراعة األرض سكان الزاوية تحت إشراف شيخها ويساعدهم في الزرع والحصاد رجال القبيلة وقد ذكر شكيب أرسالن أن من عادة سكان الزوايا أن يتبرع كل فرد من أفراد القبيلة بحراثة يوم وحصاد يوم ودراسة يوم في أرض الزاوية ولذلك يسهل العمران بدون نفقة كبيرة )1(. وكانت الزوايا مختلفة من حيث الكبر وعدد السكان وذلك بحسب أهميتها وكان يبلغ عدد السكان في أصغر الزوايا حوالي الخمسين بما في ذلك األطفال والنساء ويصل العدد في زوايا أخرى إلى املئة أما الزوايا الكبيرة كالجغبوب فيتجاوز األلف ولم تكن "الزاوية" مقصورة في تنظيماتها على هذا العدد من سكانها وإنما على القبيلة التي تقيم في منطقتها فسلطاتها تسي ر شؤون أفراد القبيلة الذي يبلغ عددهم أضعاف عدد سكان الزاوية )2(. سابعا : موارد الزاوية: تتكون موارد الزاوية املالية من الزراعة وتربية املواش ي والهبات الخيرية والزكاة الشرعية )3(. وقد كانت الهبات الخيرية تقد م من أهالي القبيلة. كما كانت الزاوية تجبي الزكاة من القبيلة رسميا بعد أن أعفت السلطات العثمانية الزوايا من الضرائب وأعطت لها حق جباية الزكاة وكانت "الزاوية" تنفق بعض هذه املوارد على احتياجاتها وفق نظام معروف فيها أما مايتبقى فيبعث إلى املركز الرئيس ي حيث يتصرف فيه رئيس النظام )4(. ثامنا : التعليمات الخاصة بنظام الزوايا: كانت هناك تعليمات وأعراف وعادات تلتزم الزوايا بتطبيقها ومن ذلك ماذكره األشهب )1( انظر: حاضرالعالم االسالمي )298/1(. )2( انظر: الحركة السنوسية ص 242. )3( انظر: السنوس ي الكبير ص 33. )4( انظر: الحركة السنوسية ص

99 من أن شيخ الزاوية اليتزوج إال بعد استشارة رئيس النظام وأخذ موافقته وتكون الزاوية ملزمة بنفقات هذا الزواج واإلنفاق على الزوجة وأوالدها. أما في حالة ما إذا تزوج الشيخ بأخرى فنفقات ذلك على حسابه الخاص كذلك حدد بدقة مايأخذه شيخ الزاوية سنويا : -1 يتألف كساء شيخ الزاوية سنويا من عشر بدل وتتكون البدلة من )قميص وسروال وغطاء الرأس وحذاء ) شريطة أن اليكون منها حرير أو جوخ وكذلك حرامين صيفي ومثلهما شتوي وبرنس ولشيخ الزاوية الحق في شراء سالحه وفرسه الخاصين به من أجود األنواع وله أيضا مهر ونفقات زوجة واحدة وإذا ما أراد أن يتزوج مثنى أو ثالث أو رباع فيكون ذلك على نفقته الخاصة لشيخ الزاوية الحق في تعيين معلم الصبيان واملنادي للصالة )املؤذن( وعدد من الخدم والعمال حسب مقتضيات الضرورة وتكون نفقاتهم وأجورهم من موارد الزاوية. من واجبات شيخ الزاوية إحضار الطعام الكافئ لعشرة أشخاص يوميا في موعدي الغذاء والعشاء وذلك باسم الضيوف املحتمل مجيئهم للزاوية فذن نقص هذا العدد فعلى شيخ الزاوية أن يكمل العدد من الفقراء ومجاوري الزاوية وإذا تجاوز الضيوف هذا العدد فعليه إحضار مايكفي في وقته واليتجاوز الطعام نوعا واحدا إال في الحاالت الخاصة. 4- إذا تجاوز عدد الضيوف خمسة أشخاص ورأى الشيخ أن ينحر لهم فله ذلك لشيخ الزاوية الحق في أن يختص بالعشر من محصوالت الزاوية وذلك لإلنفاق منها في حاالته الخاصة وفيما يترتب عليه ألقاربه الذين الحق لهم من موارد الزاوية. على الشيخ أن يحتفظ بما يكفي لنفقاتها سنويا من مجموع الواردات وإرسال الباقي منها إلى املركز الرئيس ي. -7 الحق لشيخ الزاوية أن يضيف أقاربه على حساب الزاوية وتفاديا لضيق ذات يده فقد منح عشر الواردات وسمح له بامتالك املواش ي وتعاطي الزراعة لحسابه الخاص كي يواجه بذلك نفقاته الخاصة التي الحق له في أخذها من أموال الزاوية. وله الحق في أن ينحر لنفسه وزوجته األولى وأوالده منها شاتين أسبوعيا. 98

100 -8-9 للعمال وخدم الزاوية الحق في أكل اللحم كل يوم جمعة من األسبوع. لكل زاوية حدود تفصل بينها وبين الزاوية املتاخمة لها واليجوز لشيخ الزاوية أن يتعدى هذه الحدود. 10 -على شيوخ الزوايا أن يجتمعوا سنويا ( كلهم أو بعضهم ) إذا مارأوا وجوب ذلك وعليهم أن يتشاوروا في تحديد موعد االجتماع ومكانه إن لم يكن أحد شيوخ الزوايا هو الداعي لعقد االجتماع. 11 -إذا التجأ شخص او أشخاص الى احدى الزوايا لسبب مافعلى الزواية والحالة هذه حمايته والسعي إلزالة السبب الذي دفعه لأللتجاء بموجب عليه من العرف والتقاليد املتبعة. نصوص الشريعة أو مايتفق 12 -تتكون موارد الزاوية من الزراعة وتنمية املواش ي والهبات الخيرية الزكاة الشرعية )1(. تاسعا : اسماء بعض الزوايا التي انشأها ابن السنوس ي: 1 -زاوية أبي قبيس بمكة املكرمة وهي أولى الزوايا السنوسية على االطالق عام تم تأسيسها 1242 ه وكان أول شيخ لها العالمة عبدهللا التواتي ومن بين من تولى مشيختها السادة: مصطفى الغماري حامد غانم املكاوي علي حامد الشارف حامد الصادق السنوس ي حامد. 2 -زاوية املدينة املنورة تم إنشاؤها عام 1266 ه وكان أول شيخ لها هو العالمة محمد الشفيع ومن بين من تولى مشيختها العالمة مصطفى الغماري ومحمد عبدهللا الزوي عبدالسالم فركاش. 3 -زاوية جدة )الحجاز(. 4 -زاوية الطائف )الحجاز(. 5 -زاوية منى )الحجاز(. 6 -زاوية بدر )الحجاز(. )1( انظر: السنوس ي الكبير ص

101 7 -زاوية البيضاء )برقة( أنشأت عام 1257 ه وهي أول مركز رئيس ي في ليبيا وكان أول شيخ لها هو العالمة محمد بن حمد الفياللي ومن بين من تولى مشيختها األعالم عمران بن بركة الفيتوري حسين الغرياني محمد بن ابراهيم الغماري العلمي الغماري محمد العلمي الغماري. 8 -زاوية مارة )برقة( وكان أول شيخ لها هو العالمة عمر األشهب وكان من بين من تولى مشيختها أحمد علي أبو سيف احمد ابن ادريس األشهب عبدهللا أبويوسف. 9 -زاوية درنة )برقة( وكان أول شيخ لها هو العالمة عمر األشهب ومن بين من تولى مشيختها مفتاح خوجة السنوس ي الغرياني عبدالرحمن العجال. 10 -زاوية الجوف )واحة الكفرة( كان ابن السنوس ي قد عهد ببنائها الى املشايخ الحاج مصطفى ابوشايدة الحاج محمد أبو حليقة عقيلة الحليق وذلك عقب إجالء قبائل التبو البربرية بضغط من قبائل زوية العربية وكانت الكفرة يومذاك مأوى للدعارة واللصوص ومعقل حصين لقطاع الطريق وكان يتناوب غزوها ثالثة قبائل كل منها يدعي ملكيتها وهي : قبائل الجهمة من مصر وقبائل التبو من شمال السودان وقبائل زوية من برقة وبذلك فقد كونت خطرا على السابلة وقوافل التجارة الى أن أنشئت بها زواية السنوسية فأصبحت دار أمن وسالم ومشرق الهداية والعرفان وفي وصفها قال العالمة محمد عبدهللا السني من قصيدة عصماء امتدح بها محمد املهدي السنوس ي: طابت وطاب بها املأوى لذي شجن دار السالمة لالسالم مهتجر تأوي الوفود لها من كل ناحية مأوى الحجيج اذا ماجاء يعتمر وكان أول شيخ لها هو عمر أبو حواء الفضيل ومن بين من تولى مشيختها عبدالهادي الفضيل ثم محمد عمر الفضيل. 11 -زاوية قفنطة )برقة( وكان أول شيخ لها هو املختار ابن عمور وبقيت مشيختها في عقبه. 100

102 12 -زاوية شحات )برقة( أنشئت عام 1261 ه وكان أول شيخ لها هو العالمة مصطفى الدردفي ومن بين من تولى مشيختها محمد الدردفي رافع بدر فركاش مصطفى محمد الدردفي. 13 -زاوية العرقوب )برقة( وكان أول شيخ لها هو محمد الجبالي. 14 -زاوية مسوس )برقة( وكان أول من توالها بالوكالة الشيخ فهيد العاقوري وكان أول شيخ لها هو أحمد علي أبوسيف وفي سنة الى سنة وفاته سنة 1271 ه تولى مشيختها العالمة عمر األشهب 1297 ه حيث توفاه هللا فتولى مشيختها ابنه السيد السنوس ي األشهب وبعد 1332 ه تولى مشيختها ابنه محمد يحيى وفي سنة محمد عثمان ابو عريقيب ه تولى مشيختها 15 -زاوية الطيلمون )برقة( كان أول شيخ لها هو مصطفى املحجوب ثم العالمة علي املحجوب فالسيد أحمد محمد املحجوب. 16 -زاوية القصور )برقة( كان أول شيخ لها هو العالمة محمد املبخوت التواتي ثم محمد مقرب حدوث فالشهيد الكبير عمر املختار. 17 -زاوية املرج )برقة كان أول شيخ لها هو أحمد بن سعد فالسيد علي العابدي فالعالمة محمد السكوري فالعالمة محمد ابن عبدهللا التواتي فعمران السكوري فأبنه أحمد. 18 -زاوية بنغازي )برقة( وكان أول من تولى مشيختها هوالعالمة عبدهللا التواتي فالعالمة عبدالرحيم بن أحمد املحجوب وكان من تولى مشيختها السادة: محمد ابو القاسم العيساوي فالسيد صالح العوامي فالعالمة احمد ابو القاسم العيساوي. 19 -زاوية مرزق )فزان( كان أول شيخ لها هو العالمة أحمد ابو القاسم التواتي. 20 -زاوية واو )فزان( وكان أول شيخ لها هو العالمة أحمد ابو القاسم التواتي ومن بين من تولى مشيختها بالوكالة العالمة محمد بن الشفيع ثم أسندت مشيختها الى محمد علي بن عمر األشهب فأبنه نجم الدين. 21 -زاوية زويلة )فزان( كانت تحت اشراف العالمة احمد ابوالقاسم التواتي. 22 -زاوية هون )واحة الجفرة( كان أول من تولى مشيختها احمد بن علي بن عبيد. 101

103 23 -زاوية مزدة )طرابلس( كان أول شيخ لها هو العالمة عبدهللا السني وقد بقيت مشيختها في عقبه. 24 -زاوية طبقة )طرابلس( وكان أول شيخ لها هو العالمة محمد االزهري وبقيت مشيختها في عقبه. 25 -زاوية العزيات )برقة( أنشئت سنة جالو ه وكان من بين من تولى مشيختها عمر 26 -زاوية املخيلي )برقة( وكان أول شيخ لها هو العالمة الحسين الحالفي وتعاقب ورثته على مشيختها. 27 -زاوية تازربو )واحات الكفرة( وكان من بين من تولى مشيختها العالمة محمد املدني. 28 -زاوية ربيانة )واحات الكفرة( وكان أول شيخ لها هو حسين بازامه وبقيت مشيختها في عقبه. 29 -زاوية دريانة )برقة( وكان أول شيخ لها هو العالمة ابراهيم الغماري فابنه السيد الحسن فالسيد محمد الحسن الغماري. 30 -زاوية سيوه )مصر( كان اول شيخ لها هو العالمة احمد ابوالقاسم التواتي. 31 -زاوية الزيتون )سيوه( تابعة ملشيخة احمدابوالقاسم التواتي. 32 -سوكنة )واحات الحضرة(. 33 -زاوية الرجبان )طرابلس( وكان أول شيخ لها هو العالمة ابو القاسم العيساوي وبقيت مشيختها في عقبه. 34 -زاوية الواحات البحرية )مصر( وكان أول شيخ لها هوالعالمة محمد السكوري. 35 -زاوية الداخلة )مصر( وكان أول شيخ لها هو العالمة حسين املوهوب الدرس ي. 36 -زاوية حوش عيس ى )مصر(. 37 -زاوية الفيوم )مصر(. 38 -تونين غدامس )طرابلس( وكان أول شيخ لها هو الشريف الغدامس ي. 39 -زاوية طلميثة )برقة( وكان من بين من تولى مشيختها محمد الكليلي. 40 -زاوية توكره )برقة( وكان من بين من تولى مشيختها عبدهللا الجيالني عبدهللا عمر 102

104 الفضيل يونس املوهوب. 41 -زاوية أم ركبة )برقة( وكان من بين من تولى مشيختها علي ابن عبدهللا. 42 -زاوية الفايدية )برقة( وكان أول شيخ لها هو العالمة اسماعيل الفزاني وبقيت مشيختها في عقبه. 43 -زاوية ترت )برقة( وكان أول شيخ لها هو عبدالقادر الغزالي وبقيت مشيختها 44 -زاوية أم الرخم )مصر(. 45 -زاوية النجيلة )مصر(. 46 -زاوية الحقنة )مصر( في عقبه. 47 -زاوية دفنه )برقة( وكان أول شيخ لها هو العالمة حسين الغرياني وبقيت مشيختها في عقبه. 48 -زاوية ام الرزم )برقة( كان أول شيخ لها هوا ملرتض ى فركاش فأبنه املرتض ى الثاني فاألمين فركاش فمحمد األمين فركاش. 49 -زاوية مصراته )طرابلس( وكان أول شيخ لها خليفة شنيشح. 50 -زاوية زليتن )طرابلس(. 51 -زاوية زلة )طرابلس(. 52 -زاوية الجريد )تونس( وكان أول شيخ لها هو العالمة محمد ابن الصادق )1(. هذه بعض املراكز االصالحية التي تمكنت من ذكرها في زمن ابن السنوس ي وال ازعم أني استطعت حصرها كلها وهذا يدلنا على انتشار الحركة وتوسعها واقبال الناس عليها وقوة نظامها وحسن إدراتها. إن القدرة التنظيمية عند ابن السنوس ي تظهر للباحث في ركيزتها األولى أال وهي نظام الزوايا حيث طور نظام الزوايا املتعارف عليه في الشمال األفريقي. إن ديننا االسالمي حثنا على النظام في كل ش يء فالبد إذا من تعويد النفس وضبطها على النظام فاملسلم اليتربى تربية منظمة إال إذا كان في جماعة منظمة ذات ارتباط )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 33 الى

105 ونظام ودقة في كل ش يء وفي كل أمر كما أن هذه الجماعة لها هدف جماعي يتحقق بتعاون الفرد وأخوانه في بوتقة الطاعة والنظام. ويالحظ الباحث أن جل الزوايا ترتكز في الصحارى وهذا يرجع الى اهتمام ابن السنوس ي بالبوادي ألنه اراد أن يعمل بحرية بعيدا عن متناول يد السلطة فأوغل في األماكن وألنه رأى في أهل البادية تربة خصبة يزرع فيها أفكاره االصالحية ووجد فيهم نفوسا متهيئة لحمل الدعوة كما كانوا أكثر استجابة واندفاعا من غيرهم لحمل تعاليم الحركة لذلك وقع اختيار ابن السنوس ي على برقة كمركز لنشاطه حيث كانت تقطنها عدة قبائل بدوية تحمست للدعوة اإلسالمية وكانت مؤسسات الحركة تناسب البادية واحتياجات أهلها فأوجد الزاوية السنوسية ونظمها لتكفي حاجات املحيطين بها التعليمية والقضائية واالقتصادية والسياسية والتربوية ولذلك نجحت الحركة في البوادي ولم تنتشر الدعوة في املدن فأهل املدن لم يكونوا بحاجة إلى مؤسسات الحركة فعندهم املؤسسات الحكومية التي تؤدي لهم الخدمات التعليمية والقضائية واالقتصادية والسياسية ولذلك نالحظ أن الزوايا التي أسست في املدن لم تكن تقوم بوظائفها كما تقوم بها زوايا البادية كما أنه كان دورها كحلقة وصل بين الحركة في البادية والحضر كزوايا بنغازي ودرنة وطرابلس )1(. إن االهتمام بدعوة القبائل مهم جدا وحصر الدعوة في املدن وطبقات معينة من املجتمع يتنافى مع أصول دعوة اإلسالم الخالدة ولذلك البد وكل طبقات املجتمع لتوصيلها دعوة هللا تعالى. )... كثيرا ما العاملين في الحقل اإلسالمي ال باالهتمام بالبدو واألرياف حصرت الدعوة اإلسالمية الحديثة في املدن حتى إن بعض يع رفون شيئا عن قرى مدينتهم وال عن ريفها وال عن القبائل البدوية املوجودة حولها إن كانت وهذا إخالل بواجب شرعي.. ) )2(. )1( انظر: الحركة السنوسية ص 264. )2 ) انظر: جند هللا تخطيطا ص

106 ( إن التخطيط للعمل اإلسالمي للريف والقبائل البدوية مهما جدا وأعظم ش يء نخدم به في هذا املجال هو العثور على ناس من أهل القرى ومن البدو ويدرسون الدراسة الشرعية اإلسالمية ليرجعوا إلى أهليهم دعاة وإنه ألجر كبير أن يتولى بعض أغنياء املسلمين اإلنفاق على أمثال هؤالء فهذا النوع من التخطيط يحقق )1( قوله تعالى : و م ا ك ان ال م ؤ م ن ون ل ي ن ف ر وا ك اف ةا ف ل و ل ن ف ر م ن ك ل ف ر ق ة م ن ه م ط ائ ف ة ل ي ت ف ق ه وا الد ين و ل ي ن ذ ر وا ق و م ه م إ ذ ا ر ج ع وا إ ل ي ه م ل ع ل ه م ي ذ ر ون ]التوبة: 122[. ومن التخطيط الذي ينبغي أن يسعى إليه أن توجد العالقات وصدقات بين أهل املدينة وأهل الريف بحيث تكون زيارات متبادلة ينزل فيها عند أخيه الحضري وينزل الحضري فيها عند أخيه الريفي واألصل في هذا الحديث الشريف " زاهر باديتنا ونحن حاضرته " )2(. إن زهرا األشجعي صحابي جليل كان رسول صلى هللا يحبه ويمازحه وهو من أهل البادية وعندما يأتي للمدينة على ساكنها أفضل الصالة والتسليم ينزل عنده. لقد تحدث الدعاة عن ضرورة اإلهتمام باألرياف والقبائل واملقصود من الحديث أن أهل البادية أصحاب فطرة سليمة ومحبة للدين عظيمة ويحتاجون لإلرشاد والتوجيه والتعليم والتربية ثم ينتظر منهم بعد ذلك خير عظيم في مجاالت عديدة وهذا ماحدث مع ابن السنوس ي عندما اهتم بالقبائل والبوادي. )1( املصدر السابق نفسه ص 135. )2( املصدر السابق نفسه ص

107 املبحث الثاني املنهج التربوي انتهج ابن السنوس ي منهجا تربويا استمده من كتاب هللا وسنة رسوله ومن خبرته بالطرق الصوفية التي درس جلها وانتقد اخطائها وعمل على طريقة خاصة يسلكها اتباعه وفي كتابه السلسبيل نالحظ أنه كانت لديه مالحظات على عدد من الطرق وحدد معالم الطريقة التي تتقيد بالكتاب والسنة إن ابن السنوس ي كان يؤمن بالصوفية املوافقة للكتاب والسنة والصوفي الحقيقي في رأيه من يتقيد بالكتاب والسنة وقد قال في ذلك " فاعلم أن سبيل القوم اتباع النبي في الجليل والحقير وأعمالهم موزونة بميزان الشريعة " )1( مراتب السلوك قال بعون هللا وتوفيقه. وقد فصل رحمه هللا تعالى في تدريج املريد في أوال : ( يتعين على املريد أن يصحح عقيدته بميزان اعتدال أهل السنة والجماعة كثر هللا سوادهم وأدام امدادهم ) )1(. ولقد بينت مجملها عندما تحدثت عن رسالة أبي زيد القيرواني كجزء من املنهج الذي كان يتعلمه أتباع الحركة السنوسية. إن منهج أهل السنة والجماعة يبين املفهوم الصحيح لتوحيد هللا عزوجل ألنه اعتمد على كتاب هللا عز وجل وسنة رسوله وقد تتبع علماء أهل السنة والجماعة نصوص الكتاب والسنة وخرجوا بالنتيجة التالية أال وهي أن توحيد هللا سبحانه وتعالى يعني إفراد هللا سبحانه وتعالى في توحيد ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وقد قسموا التوحيد إلى ثالثة أقسام وهي: )1( انظر: الحركة السنوسية. 106

108 -1 توحيد الربوبية: ومعناه إفراد هللا بالخلق والرزق وامللك والتدبير والتصريف وال يشاركه فيها أحد من خلقه وهذا مركوز في الفطرة ال يكاد ينازع فيه أحد حتى املشركين الذين بعث فيهم رسول هللا آلهتهم شريكا هلل في ربوبيته. قال تعالى : كانوا يقرون بذلك وال ينكرون وال يجعلون أحدا من ق ل م ن ي ر ز ق ك م م ن ال سم اء و ا ل ر ض أ م ن ي ل ك الس م ع و ا ل ب ص ار و م ن ي ر ج ا ل ي م ن ال م ي ت و ي ر ج ال م ي ت م ن ا ل ي و م ن ي د ب ر ا ل م ر ف س ي ق ول ون ا لل ف ق ل أ ف ل ت ت ق ون وقال تعالى: ق ل ل م ن ا ل ر ض و م ن ف يه ا إ ن ك ن ت م ت ع ل م ون ق ل م ن ر ب الس م او ات الس ب ع و ر ب ال ع ر ش ال ع ظ يم ]يونس: 31[. س ي ق ول ون لل ق ل أ ف ل ت ذ ك ر ون س ي ق ول ون لل ق ل أ ف ل ت ت ق ون ق ل م ن ب ي د ه م ل ك وت ك ل ش ي ء و ه و ي ي و ل ي ار ع ل ي ه إ ن ك ن ت م ت ع ل م و ن س ي ق ول ون لل ق ل ف أ ن ت س ح ر ون ]المؤمنون: 89-84[. ولكن ملا وجد في الناس من ينازع في توحيد هللا بالربوبية ويجعل لغير هللا عزوجل شيئا من الشركة معه في الخلق والرزق أو قرره أبدع التقرير )2( التدبير لم يهمل القرآن الكريم االحتياج له بل في قوله تعالى: م ا ا ت ذ ا لل م ن و ل د و م ا ك ان م ع ه م ن إ ل ه إ ذاا ل ذ ه ب ك ل إ ل ه ب ا خ ل ق و ل ع ل ب ع ض ه م ع ل ى ب ع ض س ب ح ان ا لل ع م ا ي ص ف ون ]المؤمنون: 91[. 2- توحيد األلوهية: هو إفراد الخالق جل وعال بالعبادة وإخالص الدين له وحده )3(. قال تعالى: و ل ق د ب ع ث ن ا ك ل أ م ة ر س وا ل أ ن اع ب د وا ا لل و اج ت ن ب وا الط اغ وت ]النحل: 36[. وقال رسول هللا : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن محمدا )1( انظر: السلسبيل املعين في الطرائق األربعين ص 8. )2( انظر: مظاهر االنحر افات العقدية عند الصوفية ادريس محمد )195/1(. )3( املصدر السابق نفسه )199/1(. 107

109 رسول هللا( )1(. ولهذا كان الصحيح أن أول واجب على املكلف شهادة أن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا )2(. 3- توحيد األسماء والصفات: هو اإلقرار بأن هللا بكل ش يء عليم وعلى كل ش يء قدير وأنه الحي القيوم الذي ال تأخذه سنة وال نوم له املشيئة النافذة والحكمة البالغة وأنه سميع بصير رؤوف رحيم على العرش استوى وعلى امللك احتوى وأنه امللك القدوس السالم املؤمن املهيمن العزيز الجبار املتكبر سبحان هللا عما يشركون إلى غير ذلك من األسماء الحسنى والصفات العلى )3( والقاعدة في هذا الباب عند أهل السنة أن يصفوا هللا بما ( وصف هللا من نفسه وسماه على لسان رسول هللا سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه ال هذا وال هذا ال نجحد ما وصف وال نتكلف معرفة مالم يصف ) )4(. أما طريق الراسخين في العلم في هذا الباب : " والراسخون في العلم الواقفون حيث انتهى علمهم الواصفون لربهم بما وصف من نفسه التاركون ملا ترك من ذكرها ال ينكرون صفة ما ترك وتسميته ما مصيرا ) )5(. سمى منها جحدا وال يتكلفون وصفه بما لم يسمع تعمقا ألن الحق ما سمى ( ويتبع غير سبيل املؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت )1( انظر: صحيح مسلم مع النووي )212/1(. )2( انظر: مظاهراالنحر افات العقدية عند الصوفية )201/1(. )3( انظر: مظاهراالنحر افات العقدية عند الصوفية )204/1(. )4( مجموع الفتاوى البن تيمية )44/5(. )5( املصدرالسابق نفسه )46/5(. 108

110 ثانيا- ( أن اليقدم املريد على فعل ش يء حتى يعلم حكم هللا فيه فيتعلم مايحتاج إليه من املسائل الفقهية املتعلقة بظاهر البدن على مذهب من املذاهب األربعة ) )1(. ولهذا كان اتباع الحركة السنوسية يتدارسون رسالة أبي زيد القيرواني في العقائد وفي الفقه املالكي وأضاف ابن السنوس ي بعض الكتب املهمة في هذا الباب كصحيح البخاري واملوطأ وبلوغ املرام. 1- صحيح البخاري: إن اإلمام البخاري - رض ي هللا عنه - واحد من أعظم علماء هذه األمة الذين رفع هللا لهم ذكرهم وأجرى ألسنة الخلق بالثناء عليهم والدعاء لهم. سبق الجميع في العناية بحديث رسول هللا ووقف عمره عليه فأصبح أمير املؤمنين في الحديث وترك للمسلمين من بعده أصح كتاب بعد القرآن الكريم كان آية في الحفظ وغاية في الشجاعة والسخاء والورع والزهد في الدنيا والرغبة في اآلخرة )2(. - مكانة الجامع الصحيح بين كتب السنة الستة: اتفق علماء هذه األمة على أن جامع البخاري أجل وأعظم من جميع كتب السنة. قال العالمة القسطالني : " أما فضله: فهو أصح الكتب املؤلفة في هذا الشأن واملتلقى بالقبول من العلماء في كل أوان. فقد فاق أمثاله في جميع الفنون واألقسام وخص بمزايا من بين دواوين اإلسالم شهد له بالبراعة والتقدم الصناديد العظام واألفاضل الكرام ففوائده أكثر من أن تحص ى وأعزز من أن تستقص ى " )3(. وقال البخاري: "ما وضعت في الصحيح " حديثا إال اغتسلت وصليت ركعتين وأرجو أن يبارك هللا تعالى في هذه املصنفات )4(. وقال ابن تيمية: "ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد )1( انظر: السلسبيل املعين في الطرائق األربعين ص 8. )2( انظر: االمام البخاري د. تقي الدين الندوي صفحة الناشر. )3( املصدرالسابق نفسه ص 88. )4( انظر: االمام البخاري ص

111 القرآن" )1(. إن كتاب الصحيح البخاري جمع بين الفقه والحديث وعلوم متعددة. إن وضعه في املنهج التربوي عند ابن السنوس ي يدل على حرصه على اتباع النبي. 2- موطأ اإلمام مالك: إن حب ابن السنوس ي لإلمام مالك ابن أنس وكتابه املوطأ يظهر للباحث جليا في املقدمة التي كتبها لطالبه والتي تدلنا على قدرة ابن السنوس ي في تعليم وتفهيم تالميذه فيقدم لهم املادة الغزيرة بأسلوب سلس بسيط مليئ بالعلوم التاريخية والفقهية والحديثية والتربوية. ولقد تحدث عن مدح العلماء للموطأ فقال: فاعلم أن كتاب املوطأ لإلمام املجمع على جاللته من أجل املصنفات وأنفس املؤلفات )2(. دار الهجرة وعن محمد بن حرب املدني (.. ثم إن مالكا عزم على تصنيف املوطأ فصنفه فعمل من كان باملدينة يومئذ من العلماء املوطآت فقيل ملالك: شغلت نفسك بعمل هذا الكتاب وقد شركك فيه الناس وعملوا أمثاله فقال: ائتوني بما عملوا فأتى بذلك فنظر فيه ثم نبذه فقال: لتعلمن أن اليرتفع إال ما أريد به وجه هللا. قال فكأنما ألقيت تلك الكتب في اآلبار وما سمع لش يء منها ب ع د ذكر يذكر.. ) )3(. وذكر سبب وضعه فقال: فقد روى أبو مصعب أن أبا جعفر املنصور قال ملالك: ضع للناس كتابا أحملهم عليه فكلمه مالك في ذلك فقال: ضعه فما أجد اليوم أعلم منك فوضع املوطأ فما فرغ منه حتى مات أبو جعفر. وفي رواية أن املنصور قال له: ضع هذا العلم ودو ن فيه كتابا وتجنب فيه شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود وأقصد أواسط األمور وما أجمع عليه )1( املصدر السابق نفسه ص 89. )2( انظر: مقدمة األمام مالك البن السنوس ي ص 13. )3( انظر: مقدمة االمام مالك البن السنوس ي ص

112 الصحابة واألئمة )1( وقد ذكر ابن السنوس ي مارأى في املوطأ من البشائر فقال: عن مصعب بن عبدهللا الزبيري قال: سمعت أبي يقول: كنت جالسا مع مالك بن أنس في مسجد رسول هللا إذ أتاه رجل فقال: أيكم مالك فقالوا: هذا فسلم عليه واعتنقه وضمه إلى صدره وقال: وهللا لقد رأيت رسول هللا البارحة جالسا في هذا الوضع فقال: ائتوني بمالك فأتى بك ترتعد فرائصك فقال: ليس بك بأس يا أبا عبدهللا وكناك وقال: اجلس فجلست قال: افتح حجرك ففتحه فمأله مسكا منثورا وقال ضمه إليك وبثه في أمتي قال: فبكى مالك وقال: الرؤيا تسر والتغر وإن صدقت رؤياك فهو العلم الذي أودعني هللا تعالى )2(. منها: إن في الروايات السابقة معاني تربوية عميقة كان اتباع الحركة السنوسية يتربون عليها اخالص األعمال لوجه هللا وأن دوامها وقبولها من شروطه هذا الركن األصيل وأن العلماء املخلصين يتكفل هللا بحفظ علمهم ونشره بين الناس. إن منهج اإلعتدال والحكمة واالستقامة املتمثل في الوسطية التي سار عليها اإلمام مالك كانت منهجية أصيلة في حياة ابن السنوس ي وإخوانه. إن ابن السنوس ي كان يرأى أن الرؤى الطيبة لعباده الصالحين تسر والتغر وأحب أن يغرس هذا الفهم في أذهان تالميذه ولذلك ساق لهم رؤية ذلك الرجل لإلمام مالك. وقد أفرد ابن السنوس ي في مقدمته للموطأ بابا في التعريف بمؤلف املوطأ اإلمام مالك وثناء الناس عليه ونقل قول النووي: ( قد اجتمعت طوائف العلماء على إمامة مالك وجاللته وعظم سيادته وتبجيله وتوقيره واإلذعان له في الحفظ والثبات وحديث رسول هللا فقد جمع بين شرفي الحديث والفقه فهو إمام األئمة وشيخهم قد روى عنه سائر األئمة خصوصا األربعة أما أبو حنيفة فبال واسطة فقد حكى غير واحد أنه لقى مالكا وأخذ عنه... وأما الشافعي فأمره مشهور معه حتى قال ابن األثير: كفى )1( املصدر السابق نفسه ص 17. )2( انظر: مقدمة االمام مالك ص

113 مالكا شرفا أن الشافعي تلميذه وكفى الشافعي شرفا أن مالكا شيخه. وأما اإلمام أحمد فقد أخذ عن الشافعي فهو شيخه بواسطة ومناقب هذا اإلمام وفضائله رض ي هللا عنه تخرج عن أن تحص ى وال يمكن فيها الحصر وال االستقصاء )1(. وذكر ابن السنوس ي املناقب التي اجتمعت ملالك ولم تجتمع لغيره وأسند هذا القول للذهبي فقال: 1- طول العمر وعلو الرواية. 2- الذهن الثاقب والفهم وسعة العلم. 3- اتفاق األئمة على أنه حجة صحيح الرواية. 4- تجمعهم على دينه وعدالته واتباعه السنن. 5- تقدمه في الفقه والفتوى وصحة قواعده )2(. وذكر ابن السنوس ي كالما يكتب بماء الذهب اسنده إلى مالك ليتربى عليه إخوانه وتالميذه منه: قول مالك: ال يؤخذ العلم من أربعة ويؤخذ ممن سواهم: ال يؤخذ من سفيه وال من صاحب هوى يدعو إلى بدعته وال من كذاب يكذب في أحاديث الناس وإن كان اليتهم في حديث رسول هللا وال من شيخ له فضل وصالح وعبادة إذا كان ال يعرف ما يحمل وما يحدث به )3(. وقال مالك: قل ما كان رجل صادق واليكذب في حديثه إال م تع بعقله ولم تصبه مع الهرم آفة والخرف )4(. ومن قوله: القول بالباطل ب عد عن الحق والخير في ش يء وإن كثر من الدنيا يفسد دين )1( انظر: مقدمة االمام مالك ص 28. )2( املصدرالسابق نفسه ص 29. )3( انظر: مقدمة املؤطأ البن السنوس ي ص 30. )4( انظر: مقدمة املؤطأ ص

114 املرء ومروءته )1(. لقد كان كتاب املوطأ حافال بالحديث واآلثار وقد جعله ابن السنوس ي ضمن منهجه العلمي التربوي ألتباعه. 3- بلوغ املرام: - وهو كتاب جامع لألحكام ألفه العالمة أحمد بن علي بن محمد أبو الفضل الكناني الشافعي املعروف بابن حجر العسقالني وقد نال كتاب بلوغ املرام رض ى العلماء فهو كتاب مفيد مع صغر حجمه حوى ما يغني عن التطويل وأقبل عليه العلماء قديما وحديثا فال تجد حلقة عالم إال وكتاب بلوغ املرام على رأس القائمة وأقبل عليه الطالب بالحفظ والتداول واستغنوا به عن غيره من أمثاله فصار له القبول وعليه إقبال حتى استفاد منه في كل عصر الجم الغفير وقد جعله ابن السنوس ي ضمن منهجه التربوي التعليمي ويتعلم الطالب من هذا الكتاب: بين مؤلفه مرتبة الحديث من الصحة والحسن والضعيف بما يغني الطالب عن الرجوع إلى غيره. - - اقتصر من الحديث على الشاهد من الباب بما ال يخل باملعنى املقصود فخلص من هذا اإليجاز والفائدة. انتقى أحاديث الكتاب من دواوينه املشهورة وأمهاته املعتبرة التي أشهرها مسند أحمد والصحيحين والسنن األربع. - يصدر الباب - غالبا - بما في الصحيحين أو أحدهما ثم يتبعها بما في السنن أو غيرها لتكون األحاديث الصحيحة هي العمدة في الباب واملرجع في املسائل والباقي مكمالت ومتممات. - رتب املؤلف كتبه وأبوابه وأحاديثه على كتب الفقه ليسهل على الطالب مراجعته. - جعل في آخره نخبة طيبة من أحاديث جامعة في اآلداب ليستفيد منه الطالب في )1( املصدر السابق نفسه ص

115 األحكام والسلوك )1(. هذه بعض الكتب القيمة التي جعلها ابن السنوس ي في منهجه العلمي التربوي. ثالثا : ( ثم يتوجه إلى تزكية النفس وتهذيب األخالق وتصفية القلب وتنقية السر (: إن دعوة ابن السنوس ي إلى تزكية النفس وتهذيب األخالق من صميم القرآن الكريم والهدي النبوي الشريف. قال تعالى: ي ش اء و ا لل س يع ع ل يم و ل و ل ف ض ل ا لل ع ل ي ك م و ر ح ت ه م ا ز ك ى م ن ك م م ن أ ح د أ ب ادا و ل ك ن ا لل ي ز ك ي م ن ]النور: 21[. جاءت هذه اآلية بعد قصة اإلفك وبعد اآليات التي نهت عن إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا وبعد النهي عن اتباع خطوات الشيطان وجاءت قبل قوله تعالى: و ل ي ت ل أ ول و ال ف ض ل م ن ك م و الس ع ة أ ن ي ؤ ت وا أ و ل ال ق ر ب و ال م س اك ني و ال م ه اج ر ين س ب يل ا لل و ل ي ع ف وا و ل ي ص ف ح وا أ ل ت ب ون أ ن ي غ ف ر ا لل ل ك م وذلك يؤكد ما يلي: -1-2 من -3 ]النور: 22[. أن موانع التزكية من القوة بحيث تستحيل معها التزكية لوال فضل هللا وهذا يقتض ي شيئين: بذل جهد في التزكية وسؤال هللا إياها واالعتماد عليه فيها وفي الحديث: " اللهم آت نفس ي تقواها وزك ها أنت خير من زكاها أنت وليها وموالها " )2(. أن من تزكية النفس العفو والصفح عمن أساء إلينا ألن األمر جاء بمناسبة الحديث عن مسطح بن أثاثة الذي كان ينفق عليه أبو بكر رض ي هللا عنه والذي خاض في اإلفك فمنع عنه أبو بكر رفده فجاءت اآلية واعظة و فاء أبو بكر إلى سيرته وما أرقاه مقام!! وما أعلى ما يراد بكلمة التزكية!!. إن من تزكية النفس عدم اتباع خطوات الشيطان ألنه يأمر بالفحشاء واملنكر )1( انظر: توضيح األحكام من بلوغ املرام عبدهللا البسام ص )2( رواه مسلم. 114

116 وإذن فالتزكية تعني - -4 تجنب الفحشاء واملنكر وتجنب خطوات الشيطان وأولى خطواته الحسد والكبر فقد حسد آدم وتكبر عن السجود له. عدم محبة إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا وعدم السير في طريق ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. -5 إمساك اللسان عن األعراض وترك املشاركة في كل ما شهادة وتعي نت )1(. يؤذيها إال إذا توفرت شروط هذه القضايا الخمس لها صلة بالتزكية فالتزكية باب واسع وقد تحدث ابن السنوس ي عن النفس فمن حديثه عن: - البشرية وأنواعها وأمراضها وكيفية عالجها حديث العالم الخبير في تحقيقها النفس األمارة: وهي صاحبة الجهل والبخل والحرص والكبر والغضب والشره والشهوة والحسد وسوء الخلق والخوض فيما ال يعني من الكالم وغيره واالستهزاء والبغض واإليذاء باليد واللسان وغير ذلك من القبائح... فكن أيها األخ منها على حذر وال تنتصر لها إن أحد آذاها بل كن معينا له عليها وتخلص من هذه اآلفات.. بالذكر الكثير القوي وتقليل الطعام واملنام وحساب النفس كل ساعة وخوفها باملوت وعذاب القبر وما بعده من األهوال إال إذا أوصل الخوف إلى درجة القنوط فيجب عليك حينئذ تذكر أسباب الرجاء وسعة رحمة هللا تعالى وعليك بالتذلل والخضوع والتضرع له تعالى واطلب الخالص بلطفه واحسانه من األوصاف الذميمة والتحلي بالصفات الحميدة كالصدق والتواضع واملحبة واإلخالص والخمول ونحو ذلك ألنك إذا اشتغلت في خالص نفسك من اآلفات وتبدلت باألوصاف الحميدة شاهدت بعض العجائب املكنونة واألسرار املخزونة في صدفة البشرية وأقبل على من ال غنى لك عنه بمعامالت االحسان قبل أن تساق إليه بسالسل االمتحان وقد قال لك من تقرب الي بشبر تقربت منه ذراعا الحديث فاترك التواني واعرض عما يشغلك عن موالك واستغن بالقناعة بما في يدك ودع اللذات الفانية ألهلها وال تسوف التوبة واالقبال على هللا تعالى فذنك ال تدري ما )1( انظر: املستخلص في تزكية األنفس سعيد حوى ص

117 بقي من عمرك وقد نقل السنوس ي االجماع على أن التوبة واجبة على الفور ويلزم من تأخيرها تضاعف الذنوب على من لم يتب وليس هذا التضاعف كتضاعف الحسنات بل اذا لم يتب صار عليه ذنب الفعل وذنب ترك التوبة وهاذان الذنبان تجب التوبة منهما أيضا واذا لم يتب منهما على الفور صاحب اربعة وعلى هذا القياس واذا نظرت بعين االنصاف والشفقة على نفسك رأيت احتياجك الى التوبة أشد من احتياجك الى املأكل واملشرب واملسكن ألنها قد حجبتك عن مطالعة الغيوب وحالت بينك وبين كل محبوب وعالمة خالص النفس من اآلفات املارة أن يكون الخلق كلهم عنده على السوية ال - يحبهم محبة طبيعية تميله إليهم في منكر وال يكرههم كراهة تغير باطنه عليهم في معروف ويستوي عند جميع املأكل وجميع املالبس فمن رأى في نفسه شهوة لبعض دون بعض وجب عليه املجاهدة الى أن يستوي ذلك عنده وإال كان حيوانا في صورة انسان بل الحيوان خير منه ألنه ليس عليه تكليف وال حساب وال عقاب )1( وما و م ا أ ب ر ئ ن ف س ي إ ن الن ف س آنفا تفسيرا لقوله تعالى: ل م ار ة ب لس وء إ ل قاله ابن السنوس ي م ا ر ح م ر ب إ ن ر ب غ ف ور ر ح يم ]يوسف: 53[. النفس اللوامة: وقد تحدث ابن السنوس ي عنها فقال: وهي التي لها رغبة في املجاهدة وموافقة الشرع ولها أعمال صالحة من قيام وصيام وصدقة وغير ذلك من أفعال البر لكن يدخل عليها العجب والكبر وكذا الرياء الخفي بأن يحب صاحبها أن يطلع الناس على ما هو عليه من االعمال الصالحة كاإلخالص وغيره ويحمده عليها مع أنه يخفيها عنهم ويعمل هلل ويكره هذه الخاصة لكن ال يمكنه قلعها بالكلية والخالص من ذلك الرياء يكون بالفناء عن شهود اإلخالص بشهود أن املحرك واملسكن هو هللا تعالى شهود ذوق ويشهد أن املنة هلل تعالى عليه حيث فتح له أبواب العبادات ومكنه من الدخول الى حضرته وأهله للقبول في خدمته والخالص من األولين يكون باملجاهدة وهي ترك العادات ومعظمها يكون بستة أشياء تقليل الطعام وتقليل املنام وتقليل الكالم واالعتزال عن األنام والذكر املدام والفكر التام فمن فعلها بصدق نقلته الى )1( انظر: املسائل العشر البن السنوس ي ص

118 الباقي واملطلوب من هذه االشياء االعتدال ولذا لم يقولوا ترك الطعام بل ال يأكل حتى يجوع وإذا أكل لم يشبع... فعالج نفسك بالشريعة وخلصها من أمراضها وأعظمها الكبر والعجب اللذان هما أصل الغضب الذي ينشأ عنه الحقد الذي يتفرع عنه الحسد وال يزول الكبر والعجب إال إذا انقطع املدد عنهما وهو امتالء البطن وللحسد اسباب أخر كحب الرياسة وخبث النفس وكثيرا ما تكون هذه االسباب بين أهل الطريق املتصوفين فيتمنى زوال ما على أخيه من املشيخة أو الخالفة وما هو عليه من االستقامة والتوجه الى هللا تعالى إذا عرفت ذلك فعليك بمعرفة أربعة أشياء والتأمل فيها. األول: أنه تعالى ال يعجزه ش يء. الثاني: احاطة علمه بكل ش يء الثالث: أنه تعالى أرحم الراحمين الرابع : أن جميع أفعاله خير فذن إليه والطلب منه مع اليقين باإلجابة والطلب على هذا املنوال ال تحقق األول يزيد همتك بالتوجه يرد اصال وتحققك بالثاني واألخير يحقق لك مقام التوكل والرض ى والشوق واملحبة وغير ذلك وتحققك بالثالث يدفع عنك خوف االنس والجن )1( وهذا شرح لقوله تعالى: و ل أ ق س م الل و ام ة ]القيامة: 2[. وقال ابن السنوس ي عن النفس املطمئنة: -النفس املطمئنة : وهي التي ال املصطفى ب لن ف س تفارق األمر التكليفي شبرا وال تتلذ إال بأخالق وال تطمئن إال باتباع اقواله وتتلذ بصاحبها أعين الناظرين وأسماع السامعين وعلم معنى قوله تعالى: ك ل م ن ع ل ي ه ا ف ان ]الرحمن: 26 [ فيجب عليه االجتماع مع الخلق في بعض االوقات ليفيض عليهم بما أنعم هللا به عليه من علم الصدور العلم السطور وليكن في بقية االوقات مع هللا تعالى ليرقى الى املقامات الباقية وليكثر من الذكر وال يلتفت الى ما يظهر من أنوار أو كماالت أو كرامات ألن حضرة القرب ال يدخلها إال العبيد الخلص وكل ما سوى هللا قاطع عن املقصود فهو فتنة فال تقف عنده وإن الى ربك املنتهى ومن وصل الى حضرة القرب صارت الكرامات طوع يده ومن تعرض لكرامة أوال فقد طلب الش يء قبل أوانه فيعاقب بحرمانه فيكون )1( انظر: املسائل العشر ص

119 - مشغال بما ال يعني واالنسان مدة حياته متعرض للمحن فينبغي التحرز من اآلفات الى املمات واياك وحب الرياسة والشهرة والتعرض للمشيخة واالرشاد )1( السنوس ي عن النفس الكاملة فقال: وتحدث ابن النفس الكاملة: وهي التي ال يفتر صاحبها عن العبادة إما بجميع البدن أو باللسان أو بالقلب أبو بعضو من األعضاء وصاحبها كثير االستغفار كثير التواضع سروره ورضاه في توجه الخلق الى الحق وحزنه في ضد ذلك وهو كثير االوجاع قليل القوى قليل الحركة ليس في قلبه كراهة ملخلوق من املخلوقات مع أنه يأمر وينهي وال تأخذه في هللا لومة الئم ويظهر الكراهة ملستحقيها واملحبة ملستحقها فيضع كل ش يء في محله متى ما وجه همته الى كون من االكوان أوجده هللا تعالى على وفق مراده وذلك الن مراده في مراد الحق سبحانه وتعالى )2(. لقد كان ابن السنوس ي مربيا من الطراز األول وكان عليما بأمراض النفوس وخبيرا بعالجها ولقد نجح في تربية أصحابه على االخالق الرفيعة وحقق نجاحا باهرا ورسم ألتباعه طريقة تعتمد على كتاب هللا وسنة رسوله أسباب التي تعين العبد على تصفية نفسه وتزكيتها فقال: رابعا : أسباب تزكية النفس ومن أسباب حصولها طيب املطعم فذن لقد تحدث ابن السنوس ي عن من أكل حراما ف ع له في ظاهره أو باطنه ال محال ومن أسبابه سماع أحاديث الترغيب والترهيب وحكايات الشيوخ في مجاهداتهم وشريف معامالتهم فذنها جند من جنود هللا كما يشير الى ذلك قوله تعالى: ن ق ص ع ل ي ك م ن أ ن ب اء الر س ل م ا ن ث ب ت ب ه ف ؤ اد ك ]هود: و ك ا ل 120[ وليشتغل املريد باألعمال املسرعة به الى حضرة الفالح والفوز بالكمال كالصالة على النبي فقد قال بعضهم إنها اليدخلها الرياء وبعضهم انها مقبولة مطلقا وهي على هذا من الغنائم )1( انظر: املسائل العشر ص 290. )2( املصدر السابق نفسه ص

120 الباردة املبذولة لسالكي طريق املجاهدة في هللا...( )1(. طيب الطعام واالبتعاد عن الحرام: إن ابن السنوس ي يبين التباعه أن من اسباب تزكية النفوس والتخلق باالخالق الرفيعة وتصفية القلوب أن يحرصوا على طيب الطعام وأن يبتعدوا عن الحرام. إن آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي ناطقة بربط قبول سائر العبادات من دعاء وصالة وصيام وزكاة وحج وصدقة وغير ذلك من صالح االعمال بتحري الحالل من الكسب: - الدعاء: ففي الدعاء وهو مخ العبادة يقول تعالى : و إ ذ ا س أ ل ك ع ب اد ي ع ن ف إ ن ق ر يب أ ج ي ب ]البقرة: 186[. ف ل ي س ت ج يب وا ل و ل ي ؤ م ن وا ب ل ع ل ه م ي ر ش د ون د ع و ة الد اع إ ذ ا د ع ان وعباد هللا الذين استجابوا له هم من يفعلون الحالل ويتركون الحرام فيكونون أهال لإلجابة قال تعالى: و ق ال ر ب ك م اد ع و ن أ س ت ج ب ل ك م ]غافر: 60[. وإجابة الدعاء منوطة بأكل الحالل وترك الحرام وتوقي الشبهات. أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة عنه قال : قال رسول هللا : )يا أيها الناس إن هللا طيب اليقبل إال طيبا وإن هللا أمر املؤمنين بما أمر به املرسلين. فقال : ي أ ي ه ا الر س ل ك ل وا م ن الط ي ب ا ت و اع م ل وا ص ا ل ا ا إ ن ب ا ت ع م ل ون ع ل يم وقال تعالى: ]المؤمنون: 51[. ي أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا ك ل وا م ن ط ي ب ات م ا ر ز ق ن اك م 172[ ]البقرة: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده الى السماء يارب يارب! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ( )2( الدعاء من الوسائل املهمة في تزكية نفس العبد وتهذيب أخالقه وحياة قلبه. - الصدقة: والشك أن قبول )1( انظر: السلسبيل املعين ص 9. )2( انظر: مسلم )703/2( رقم

121 وهللا تعالى طيب ال يقبل إال طيبا والحرام سواء أكان ماال أم متاعا أم غير ذلك غير طيب ألنه خبيث ومن مصدر خبيث غير مشروع فهو بالتالي غير مقبول. قال تعالى: ي أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا أ ن ف ق وا م ن ط ي ب ات م ا ك س ب ت م و م ا أ خ ر ج ن ا ل ك م م ن ا ل ر ض و ل ت ي م م وا ا ل ب يث م ن ه ت ن ف ق ون ]البقرة: 267[. وكذلك الشأن في سائر العبادات فكيف يقبل هللا تعالى الصالة ممن تغذى بالحرام وكانت أنفاسه التي يناجي بها ربه تمتد طاقتها من الحرام وكل جسم غذي بالحرام فالنار أولى به )1(. إن من وسائل تزكية النفوس العبادات عندما يتقبلها هللا ويجعل لها آثارها في نفس العبد وقلبه وعقله وجسده. 2- سماع أحاديث الترغيب والترهيب: فذن لها أثر في تزكية النفوس واحياء القلوب فعن ابن عباس قال سمعت رسول هللا يقول: قال هللا تعالى في الحديث القدس ي : )يا ابن آدم مادعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك وال أبالي. يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب األرض خطايا ثم لقيتني ال تشرك بي شيئا ألتيتك بقرابها مغفرة( )2(. وإما في الترهيب فعن أنس قال : خطب رسول هللا خطبة ما سمعت مثلها قط فقال : )لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليال و لبكيتم كثيرا فغطى أصحاب رسول هللا وجوههم ولهم خنين( )3(. إن ابن السنوس ي -رحمه هللا- يرى أن ألحاديث الترغيب والترهيب أثرا في تزكية النفوس كما يرى لسير وتراجم الصالحين أثرا في صفاء القلوب وتطهير النفوس بل يرى أن تلك السير جند من جنود هللا يثبت هللا بها من يشاء من عباده. )1( انظر: طلب الرزق بين الحالل والحرام احمد الطويل ص 147. )2( انظر: الدارمي )322/2( حسنه األلباني رقم 127. )3( انظر: البخاري كتاب الرقاق )319/11(. 120

122 3- املسارعة للخيرات: يرى ابن السنوس ي أن من وسائل التزكية املسارعة في الخيرات واالعمال الصالحة كالصالة على النبي ويراها من الغنائم الباردة لسالكي طريق املجاهدة في هللا. قال تعالى: إ ن ا لل و م ل ئ ك ت ه ي ص ل ون ع ل ى الن ب ي أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا ص ل وا ع ل ي ه و س ل م وا ت س ل ي ا ما ]األحزاب: 56[. إن صالة هللا ومالئكته على النبي معناها الثناء عليه وإظهار فضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه وقد جاءت األحاديث الصحيحة في فضل الصالة على النبي ومنها عن يعقوب بن زيد بن طلحة التميمي قال : قال رسول هللا : )أتاني آت من ربي فقال : ما من عبد يصلي عليك صالة إال صلى هللا عليها بها عشرا ) فقام إليه رجل فقال: يا رسول هللا أجعل نصف دعائي لك قال : إن شئت. قال : أال أجعل ثلثي دعائي قال : إن شئت. قال : أال أجعل دعائي كله. قال : )إذن يكفيك هللا هم الدنيا وهم اآلخرة( )1(. قال ابن السنوس ي: إذا أكثر السالك من الصالة على النبي أنقذه هللا بها من املهالك وأخذ بناصيته الىأحسن املسالك ودعا ابن السنوس ي تالميذه الى دراسة سيرته وبيان أحواله وحياته )2(. إن الصالة على النبي لها ثمرات كثيرة وفوائد عظيمة منها: وموافقة - امتثال أمر هللا سبحانه وتعالى وموافقته سبحانه في الصالة عليه مالئكته فيها. - حصول عشر صلوات من هللا عز وجل على املصلي بالصالة مرة واحدة على النبي. أنها سبب لشفاعته إنها سبب لكفاية العبد ما أهمه. إذا قرنها بسؤال الوسيلة أو أفرادها. - - )1( انظر: مسلم ابوداود )1516(. )2( السلسبيل املعين ص

123 - أنها ترمي بصاحبها على طريق الجنة. - أنها سبب إلبقاء هللا سبحانه الثناء الحسن والبركة للمصلي ألن املصلي طالب من هللا أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه ويبارك عليه وعلى آله وهذا الدعاء مستجاب فالبد أن يحصل ملصلي نوع من ذلك والجزاء من جنس العمل. - أنها سبب لدوام محبة العبد لرسول هللا وزيادتها وتضاعفها وذلك عقد من عقود اإليمان الذي اليتم إال به )1(. هذه بعض األصول التي توضح منهج ابن السنوس ي التربوي وقد الزم أتباعه باوراد الطريقة فهي عبارة عن تالوة القرآن الكريم ثم االستغفار والتهليل والصالة على النبي )2( وقراءة بعض األدعية التي تحمل في طياتها معاني التوسل والتضرع الى هللا وحمده جل جالله وتسبيحه )3(. وكان أتباع الحركة السنوسية يحافظون على أورادهم ولم تكن معهم موسيقى وال حركات راقصة وكانوا بعيدين عن األعمال البهلوانية كأكل الزجاج وطعن الصدور بالسيوف واللعب مع األفاعي )4(. وكان ابن السنوس ي يلقن طريقته للمريدين بقصد تعليمهم الشريعة الغراء ويلح عليهم بالتمسك بأحكامها ويأخذ عليهم العهد بأن اليخالفوا في أعمالهم الشرع الحنيف )5(. خامسا : ابن السنوس ي ونقده ألخطاء الصوفية: لقد وقعت كثير من الطرق الصوفية في انحرافات كثيرة وقد تعرض ابن السنوس ي لبعض الطرق ووضح االخطاء التي وقعت فيها ففي حديثه عن الطريقة الصديقية )1( انظر: البحرالرائق احمد فريد ص 121. )2( انظر: الحركة السنوسية ص 249. )3( انظر: السنوس ي الكبير ص 99. )4( انظر: الحركة السنوسية ص 251. )5( املصدرالسابق نفسه ص

124 يقول: )دخل الغلط في األخالق على جماعة من هذه الطائفة وذلك من قلة معرفتهم باألحوال واتباعهم حظوظ النفس ولكنهم لم يتأدبوا بمن يروضهم ويخرجهم من الرعونات ويجرعهم املرارات ويدلهم على املناهج الرضية في عالج عيوب النفس وطريق دوائها فمثلهم كمثل من يدخل بيتا مظلما بال سراج إال من أراد هللا هديته بجذب عنايته فاهلل هو الولي الحميد( )1(. وانتقد ابن السنوس ي بعض دخالء املتصوفة: )... ومنها ماكثر به تبجح كثير من بعض املتنسكين من دخالء املتصوفة وغالة املتورعين من األعجاب بأعمالهم والتمدح بأحوالهم وكونهم مخصوصين بينابيع االمداد ومواهب الكرامة اليبالون بمن عداهم ولو كانوا على محض االستقامة...( )2(. وعمل على تصحيح مفاهيم االسالم التي انحرفت بعض طرق الصوفية عنها كالعبادة والتوكل والجهاد. أ- العبادة: إن من عوامل النهوض التي سار عليها ابن السنوس ي تصحيح مفهوم العبادة في أذهان أتباعه ونجد ذلك في قوله لبعض تالميذه وأخوانه ألي ش يء نأمركم بقراءة النحو إلصالح ألسنتكم لكتاب هللا وحديث الرسول ( ثم قال : )بالكم تقولون الذي يقرأ النحو ما نوصله الى هللا. بالكم تقولون الذي يخدم الحجر والطين مانوصله الى هللا بالكم تقولون الذي يرعى االبل مانوصله الى هللا وهكذا وعد أشياء كثيرة( )3(. وقد اتضح مفهوم العبادة الشامل عند اتباع الحركة السنوسية وكان طالب الزوايا في يوم الخميس من كل اسبوع يخصصونه للشغل باأليدي فيتركون الدروس كلها ويشتغلون بأنواع املهن من بناء ونجارة وحدادة ونساجة وغير ذلك ال تجد فيهم إال )1( انظر: الحركة السنوسية ص 143. )2( انظر: املسائل العشر ص 9. )3( انظر: الحركة السنوسية ص

125 عامال بيده وكان محمد املهدي السنوس ي الزعيم الثاني للحركة يشوق الطلبة واملريدين الى القيام بالحرف والصناعات ويقول لهم جمال تطيب خواطرهم وتزيد رغبتهم في حرفهم حتى اليزدروا بها أو يظنوا طبقتهم هي أدنى من طبقة العلماء فكان يقول لهم: )يكفيكم من الدين حسن النية والقيام بالفرائض الشرعية وليس غيركم بأفضل منكم(. وأحيانا يدمج نفسه بين أهل الحرف ويقول لهم وهو يشتغل معهم: )يظن أهل الوريقات والسبيحات أنهم يسبقوننا عند هللا ال وهللا مايسبقوننا( )1(. إن مفهوم العبادة عند السنوسية وافق تعريف ابن تيمية عندما قال : )العبادة اسم جامع لكل مايحبه هللا ويرضاه: من األقوال واألعمال الباطنة والظاهرة فالصالة والزكاة والصوم والحج وصدق الحديث وأداء األمانة وبر الوالدين وصلة األرحام الوفاء بالعهود واألمر باملعروف والنهي عن املنكر والجهاد للكفار واملنافقين واإلحسان الى الجار...وأمثال ذلك من العبادة( )2(. ب- التوكل: كان ابن السنوس ي يحب للمسلم أن يعيش من عمل يده وعرق جبينه ليغرس في نفسه حب التعفف قلما رواه عنه كبار االخوان انه كان يقول: )الذهب في األرض فغوصوا الستخراجه باملحراث( وكان يقول: ( الدرر في غرس الشجر أو تحت ورق الشجر( ويقول: )اليد العليا خير من اليد السفلى واالستقامة كنز اليبلى والعفة حسب دائم( )ومن مد يده متسوال قصر لسانه( )3(. وهذه التوجيهات تدلنا على فهم ابن السنوس ي ملفهوم التوكل فدعا الى مباشرة االسباب مع تفويض األمر هلل تعالى وحارب التواكل الذي انتشر في كثير من الطرق الصوفية. )1( انظر: الحركة السنوسية ص 193. )2( انظر: الفتاوى )150/10(. )3( انظر: برقة بين األمس واليوم ص

126 ج- الجهاد: قامت كثير من الحركات الصوفية بصرف الناس عن القتال في سبيل هللا وجهاد أعداء األمة االسالمية وعمل ابن السنوس ي على تربية أتباعه على االستعداد للجهاد في سبيل هللا وكان كثيرا مايدعو للجهاد ويأمر به ضد كل معتد على ارض املسلمين فقد قام بتنبيه وتحذير الليبيين من غزو الطليان لليبيا قال مرة للشيخ الكاسح أحد زعماء قبيلة العواقير )ماذا أعددت ياشيخ الكاسح للنابلتان إذا غزو بالدك ليأخذها ( فقال له الشيخ الكاسح أعددت له جرابا من البارود وشيئا من الرصاص فقال له ابن السنوس ي اذا كنت وأنت شيخ القبيلة ولم يوجد عندك إال هذا املقدار القليل فماذا يوجد عند أفراد القبيلة ( وأخبره ابن السنوس ي أن النابلتان آت للبالد ال محالة وسيصيبكم منهم أذ ى كبيرا وأن هللا مع الصابرين وال تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار( وكان ابن السنوس ي ي ف ه م ذلك لكل من يجالسه من األخوان ورؤساء الزوايا وشيوخ القبائل واالعيان ويأمروهم أن يحذروا من ذلك وأن يحتاطوا له وأن يأمروا معلمي الصبيان بالقاء الدروس في هذا الشأن وكان يأمر رؤساء الزوايا باقتناء جميع أنواع السالح ما استطاعوا الى ذلك سبيال ويحتفظوا به في مخازن خاصة )1( وذات مرة قال ألحد شيوخ القبائل أن النابولتان سيغزوا هذا البلد ويقف أهلها للدفاع عنها موقفا مشرفا وسيتخذ النابولتان جميع الوسائل الخضاعهم ومن بين هذه الوسائل سيقدمون األموال لألغراء فماذا أنتم فاعلون في هذه الحالة فقال الشيخ: أننا سنأخذ املال وننثنى عليهم نقاتلهم فكان جواب ابن السنوس ي: من يقبل هديتهم اليقاتلهم وقد صح ذلك كله فعال )2(. وكان يتصيد الفرص لبيان أهمية االستعداد وجمع الذخائر الحاجة فعندما وصل الى العزيات عام واالحتفاظ بها لوقت 1269 ه قادما من الحجاز وأخذت وفود القبائل تتوافد على زيارته من جميع أنحاء برقة وطرابلس زرافات ووحدانا وكان من )1( انظر: برقة بين األمس واليوم ص 179. )2( انظر: السنوس ي الكبير ص 144 نابلتان أي ايطاليا. 125

127 تقاليد البدو في مثل هذه الحالة أنهم يطلقون األعيرة النارية من بنادقهم دليال على فرحهم وابتهاجهم وفي ليلة من الليالي كان يتصدر مجلسا من األخوان وشيوخ الزوايا وزعماء العشائر وذلك بعد صالة العشاء فسمع طلقا متواصال من البارود وسأل عن السبب فقيل له أن )مزارا ) من قبائل العواقير قد وصل اآلن )وكلمة مزار تطلق عند البادية على الزائرين( فقال: لقد نبهنا أكثر من مرة للمحافظة على الرصاص والبارود والعناية بذدخال األسلحة كي التستعمل إال عند الحاجة وأن الوقت الذي ندخر له السالح آلت ونود من إخواننا وشيوخ العشائر أن يواصلوا أسداء النصح بذلك فاجابه محمد بن الشفيع بقوله: أتنتظر غزوا خارجيا قريبا فألتفت ابن السنوس ي عنه الى الشمال - وكان يستقبل القبلة- وقال : وقد تقطب وجهه أكاد أقول لكم أنني أرى العدو رأي العين ومن مد هللا في عمره منكم سوف يقاتله وهو آت من هنا وأشار الى جهة البحر فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا هللا لعلكم تفلحون ثم استشهد باآلية : }ياأيها الذين آمنوا إذا لقيم الذين كفروا زحفا فال تولوهم األدبار ومن يولهم يومئذ دبره...( اآلية. وأصبح أتباع الحركة السنوسية يستعدون ألعدائهم الذين أخبر شيخهم بأنهم قادمون. 126

128 املبحث الثالث البعد السياس ي عند ابن السنوس ي يظهر البعد السياس ي عند ابن السنوس ي في تعامله الحكيم مع الدولة العثمانية حيث رأى في الدولة العثمانية دولة الخالفة ضرورة الزمة لوحدة األمة والدفاع عن كيانها وأنه البد من معاضدتها والوقوف بجانبها رغم ماكان يعتقده في األصل من أن الخالفة تكون بيد قرش ي ومع هذا فذنه لم يشأ أن يثير موضوع الخالفة من هذه الناحية ألنه يعلم يقينا أن إثارة هذا املوضوع معناه فتح باب للنزاع اليعود إال بضرر على السنوسية وعلى املسلمين أجمع ويبدو أنه اعتبر من األحداث التي عاصرها في صراع حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مع الدولة العثمانية واقتنع بأن أخف الضررين في هذه املسألة الحية الواقعية في عدم معادات الدولة العثمانية ولذلك نجد أن السنوس ي يعمل على توثيق عالقته بحكام األقاليم الليبية في طرابلس وفزان وبنغازي وتولدت عالقة وثيقة بين الوالة العثمانيين وابن السنوس ي مبني ة على االحترام والتقدير فقد جاء في رسالة بعث بها ابن السنوس ي لوالي طرابلس محمد أمين باشا بعد تأسيس الزاوية البيضاء:)ثم إننا نحن وعصابة املهاجرين بحمد هللا في عافية وماذكرتم من كونكم الى لقائنا باألشواق وأخذكم من عهود الود بأشد وثاق فهذا محقق لدينا وواجب املكافة علينا ويؤكده دوام اعتنائكم بنا وبأصحابنا ومالحظتكم لنا وشفقتكم علينا وتوصيتكم أتباعكم على ما يتعلق بمحلنا من خدمة وعمارة وغير ذلك مما اليقدر على مكافأتكم عليه إال هللا سبحانه هذا مع بعد املسافة واشتغالكم بمصالح الدولة العلية وقيامكم بأعباء سياسة الرعية فذن هذه الزاوية وإن نسب إنشاؤها ملن قبلكم فذنما تمام أمرها واستمرار انتظامها بشمول نظركم فأنتم لذلك منا بمرأى ومسمع ومذكورون مع الحاضرين في كل مجمع... واألخوان املهاجرون دائما لكم داعون( ثم يتحدث عن عمله وعمل األخوان في نشر العلم وإقامة شعائر الدين ثم يقول: )ثم ماذكرتم من توجيه النجل الناجب الى والية بنغازي للقيام بمصالح الدولة السنية فنعم مافعلتم 127

129 ونرجوا أن يكون على قدمكم في طرق السداد والرحمة للعباد فأوصوه بذلك وادعوا له به فذن رضاء الحق في رضائكم عليه. ونحن واالخوان عليه راضون وله راعون وبالسيرة الحسنة موصون. جعله هللا وارث كمالكم بعد طول االعمار وجمع لكم بين عز هذه الدار وتلك الدار... فنوصيكم وأنفسنا بوصية هللا سبحانه للنبيين واملرسلين األولين واآلخرين. }ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن أتقوا هللا{ وأن تتخلقوا بمحض الرحمة لعباد هللا. قال العلي الشأن: }إن هللا يأمر بالعدل واإلحسان...{ وقال ذو الشمائل الحسنة: )عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة(. الراحمون يرحمهم الرحمان. ارحموا من في األرض يرحمكم من في السماء. والجزاء من جنس العمل وإنما هي أعمالكم ترد عليكم وكما يدين الفتى يدان نسأل هللا سبحانه لنا ولكم وللمسلمين أن يؤتينا من لدنه رحمة ويهيء لنا من أمرنا رشدا ويحل علينا رضوانه األكبر الذي ال سخط بعده أبدا إنه جواد كريم. رؤوف رحيم وعلى جنابكم السالم وهو الختام( )1(. فالباحث يلمس ودا قويا بين ابن السنوس ي والوالي ويستنتج منه رضا الوالي وتأييده لحركة ابن السنوس ي ونجد رسالة أخرى بعث بها ابن السنوس ي الى محمد باشا صالح حاكم بنغازي يعهد فيها للوالي بمهمة رعايا الزوايا وحمايتها وإصدار األوامر باحترامها وذلك قبل سفر ابن السنوس ي للحجاز. وقد جاء في الرسالة: )... فلما حان سفرنا وجب علينا أن نرد األشياء الى محلها واألمانات الى أهلها وذلك أن هذه الزاوية التي حدثت بهمة حضرتكم ومن ة جناب والدكم )هنا بياض في األصل(... وكل من الزوايا حوله عربان وعلم جنابكم محيط بأحوالهم وتعدى بعضهم على بعض فضال عن غيرهم... وقد سيق من جنابكم وجناب األكرم الوالد حمى حرمها وصيانة حرمها.. وإذا تأكد وشاع عن سفرنا ماهو الواقع من انتسابها لجنابكم وعلم الجميع بذلك بعزيز خطابكم ال يستباح لها حصن وال تحضر لها ذمة وتصير حرما آمنا...( )2(. )1( انظر: السنوس ي ص )2( املصدر السابق نفسه ص

130 وهذه الرسالة وجهها ابن السنوس ي الى حاكم إقليم فزان فقال بعد البسملة والديباجة األولى: )ولدنا مصطفى باشا قائم مقام فزان حاال. أدام هللا بقائه وزاده عزا وإجالل. وبعد إهداء تحيات عطرة تليق بعزيز الجناب ورفع أكف الضراعة مستمطرا وأكف اإلنعام وسوابغ اآلالء مدى الدهور واألحقاب وأنه قد وصل مشرفكم الكريم. وحمدنا هللا تعالى على ما أنتم عليه من الفضل الجسيم. وأسفر عن مكارمكم الفائقة... باستنشاق ريا مننكم الرائقة إنكم للفضل أهل وألعمال الصالحات مأوى ومحل إذان مقاصدكم كلها صالحة. وفضائلكم لدى الخواص والعوام واضحة وقد أخبرنا ولدنا الشيخ أحمد بن ابي القاسم التواتي عن جميع خيراتكم تفصيال. وتتابع ذلك منكم بكرة وأصيال. زادكم هللا عزا ورفعة وجعلكم تحت كنفه في عز دائم ومنعة. وأفاض عليكم من نوره األسن وأمدكم من فيوضاته املباركة الحسنى فأبشر بحول هللا وقوته بالعز األبدي والفخر الدائم السرمدي وقد وجهنا ولدنا الشيخ محمد بن الشفيع يذكر عباد هللا في تلك الناحية. ويكون مقامه بزاوية )واو( حتى يرجع إليها الشيخ أحمد بن أبي القاسم التواتي ألن مرادنا أن يأتينا من هناك ببعض كتب غير موجودة في خزانتنا ويرجع إن شاء هللا عاجال. وها نحن داعون لكم بصالح الدعوات في الخلوات والجلوات وأوقات اإلجابات وعلى هللا القبول وهو املرجو منه واملأمول وسالم السالم يخصكم ويعم سائر الالئذين بجنابكم )1(. ومن خالل الرسائل نستنتج أن ابن السنوس ي استطاع أن يقيم عالقات متينة مع الوالة العثمانيين ويبدو أن الحكومة العثمانية قررت أن تكسب ابن السنوس ي لصفها وخصوصا بعد أن قدم للقبائل خدمات عظيمة في مجال الدعوة والتعليم واالرشاد وعالج ظاهرة خروج القبائل عن الدولة بحكمة نادرة فكانت القبائل تقبل نصائح ابن السنوس ي ويطيعون العثمانيين بناء على توجيهاته ولذلك تركت الدولة الدواخل في يد الحركة السنوسية وبدأت الحركة تتحول الى إمارة منضوية تحت لواء الخالفة العثمانية وقام ابن السنوس ي بأرسال مندوبا عن الحركة السنوسية الى استانبول وقام )1( انظر: السنوس ي الكبير ص

131 بهذه املهمة الشيخ عبدالرحيم املحبوب شيخ زاوية بنغازي حيث قابل السلطان عبداملجيد وحصل منه على )فرمان( عام 1856 م يعفى مالك الزوايا من الضرائب ويسمح لها بجبي نقود من أتباعها ونخرج من ذلك كله بأن عالقة ابن السنوس ي بالدولة كانت طيبة وحسنة طول إقامته األولى في برقة. وقد أشار صادق املؤيد لهذا الفرمان الذي لم نعثر على صورة له. ثم سافر الشيخ أبو القاسم العيساوي من طرابلس إلى استانبول وحصل على )فرمان( آخر من السلطان عبدالعزيز يؤكد الفرمان األول وآتى به إلى حاكم طرابلس )1(. وقد وجد املؤرخ أحمد الدجاني في دار املخطوطات في طرابلس )مرسوم والئي( من والي طرابلس إلى متصرف الجبل يؤكد على ماتحصل عليه أبو القاسم العيساوي من فرمان من استانبول وقد جاء فيه بعد التحية " وبعد فذن الشيخ العالم... السيد الحاج بلقاسم العيساوي دام موقرا م رعيا بيده أوامر من أسالفنا الوزراء العظام تشعر بكونه أتى بفرمان عالي الشأن في تعظيمه وإجالله وتوقيره واحترامه ملا تحقق من حسن سيرته وخلوص طريقته وسريرته وفضله وسلوكه مسلك استاذه ذي الهداية واإلرشاد موصل السالكين إلدراك املراد صاحب املقام األنور الباهر والنسب العالي الطاهر والكرامات واألسرار السابقة في جميع األقطار عين أعيان األخيار محمد بن علي السنوس ي الخطابي اإلدريس ي... كما تشعر بأنه أسس زاوية باسم استاذه املشار إليه قاصدا بذلك نشر العلوم وتعليم أوالد املسلمين وظهور طريقة االستاذ ليعم النفع واإلرشاد كما تشعر بأن يكون من سائر املأمورين ورفع مقامه وزيادة تعظيمه واحترامه والنظر إليه بعين الكمال والوقار واإلجالل ووقاية الطلبة واملهاجرين بالزاوية املذكورة.. وعدم التعدي على الزوار الوافدين عليها.. وإجراؤه هو ووالده وإخوته على ماهم عليه وأن اليقاسون بغيرهم من حيث املطالبة امليرية واالعشار الشرعية وأن اليطالب بميري وال أعشار ).. )2(. )1( انظر: الحركة السنوسية ص 105. )2( انظر: دار املحفوظات طرابلس تاريخ البيورلدي عام 1287 ه. 130

132 إن ابن السنوس ي استطاع أن يصل إلى أهدافه وأن يوسع نفوذ دعوته ويكسب معاضدة الدولة العثمانية له سواءا عن طريق باشواتها في ليبيا أو السالطين العثمانيين في استنبول فقد استطاع أن يتحد مع الدولة العثمانية في السعي الدؤوب من أجل تحقيق أهداف اإلسالم الكبرى وقد نظر ابن السنوس ي إلى دولة الخالفة كواقع موجود التسمح الظروف بتغييره بل الصواب العمل على الحفاظ عليه وعدم االصطدام به لذلك جعل عالقته بها طيبة. أما الدولة العثمانية فكانت ترى في الحركة بعض الفوائد استطاعت تحقيقها كما أن الحكام العثمانيين اقتنعوا أن ابن السنوس ي لم يكن يطمع في الخالفة وقد سئل ملك ليبيا السابق محمد ادريس السنوس ي هل كان جده يهدف إلى إقامة دولة إسالمية فأجاب بالنفي وذلك ألن جده ماكان يريد االصطدام بالدولة العثمانية التي وقفت منه موقفا طيبا عندما أعفى السلطان عبداملجيد اإلخوان من دفع األموال األميرية وألنه كان يخش ى أن يكون حاكما ألن الحاكم يظلم أحيانا وهو يعلم وأحيانا دون أن يعلم )1(. إن ابن السنوس ي مع قناعته بأحقية القرش ي بالخالفة لم ي ر إثارة موضوع الخالفة ألنه رأى أن ذلك من غير املناسب وليس من مصلحة املسلمين إثارة مثل هذا الخالف ولذلك ركز على جوانب اإلصالح األخرى فصار هدفه إيجاد مجتمع مسلم يتألف من أفراد فهموا اإلسالم وتربطهم شريعة هللا وذلك حتى يستطيع هذا املجتمع أن يقوم بواجباته نحو اإلسالم من رد االعتداء وإقامة شرع هللا ودعوة الناس إلى اإلسالم... والبد وأن ينتهي األمر بذصالح السلطة وحل مسألة الخالفة. وقد اختار ابن السنوس ي طريق التعليم واإلرشاد طريقا إلصالح املجتمع )2( ولذلك كانت خطواته الحركية والدعوية محسوبة فلم يصدم بالدولة وال بالعلماء وال غيرهم وإنما سعى لتحقيق أهدافه بالوسائل السليمة وأقام زوايا لتكون بمثابة خاليا حية تمتد )1( انظر: الحركة السنوسية ص 163. )2( املصدر السابق نفسه ص

133 منها الحياة إلى سائر جسم األمة اإلسالمية )1(. إن ابن السنوس ي لم يترك فرصة تمر إال واتخذها لتعزيز مركز دولة الخالفة واألخذ بيدها وكان يرأى أن طرق االقناع هي خير الوسائل لبلوغ األهداف السامية ولم يستعن ابن السنوس ي بأي دولة أجنبية أو تعاون مع أي منها أو ترامى في أحضانها أو قام بتشجيع الثورات التي التأتي بفائدة مرجوة للمسلمين. إن خطواته الدعوية الحكيمة قد اغضبت بعض العاطلين من الحكام والجامدين من العلماء واملفكرين من دهاة االستعمار ودعاته واستطاع ببعد نظره وحكمته أن يتغلب عليهم وأن يرسم خطوطا متينة سار عليها اتباعه من بعده )2(. وقد تكلمت جريدة ( املاتين الفرنسية ) عام 1912 م عن البعد السياس ي عند ابن السنوس ي فقالت: " لم يكن مجئ السنوسيين إلى طرابلس وتوطنهم فيها من قبيل املصادفات واالتفاق فهؤالء أدركوا من زمن طويل أن األوربيين سيستولون على طرابلس الغرب بعد استيالئهم على الجزائر ومراكش فأرادوا أن يقعوا وراء ساحل طرابلس كالبنيان املرصوص ليدافعوا عن بيضة اإلسالم عندما تطلق أوربا أساطيلها بسهولة على تلك السواحل" )3(. لقد كان ابن السنوس ي اليفرق بين الدين والدولة بل كان يرأى أن الدين والدولة كل اليتجزأ ولهذا كانت نظرته إلى الحياة نافذة استمدها من دينه الذي يدعو إلى الشمول ولو كان البعد السياس ي غائبا عن ابن السنوس ي ملا حاربته حكومة السلطان موالي سليمان في مراكش وملا ناصبه العداء حكام الجزائر وملا أوجس منه حاكم مكة خيفة وملا تحرش به بعض علماء مصر وملا اهتمت بشأنه دولة الخالفة وملا فزعت منه دول اإلستعمار رعبا وفي مقدمتها فرنسا ولو كان كمثل شيوخ الطرق الصوفية )1( املصدر السابق نفسه ص 102. )2( انظر: السنوس ي الكبير ص )3( املصدر الكبير ص

134 التقليدية لبقى معززا محترما ولعاش عيشة الخنوع واإلستسالم )1(. يقول االستاذ عباس محمود العقاد )وكان الشيخ السنوس ي- بخالف الغالب على مشايخ الطرق - خبير بأحوال السياسة العاملية فوقر في ذهنه أن النابلطان أي اإليطاليين مغيرون المحالة على برقة في يوم قريب فأوغل بمقامه إلى واحة الكفرة على طريق السودان ليشرف من ثم على تعليم أهل الصحراء جنوبا وشماال وشرقا وغربا وييهئ في جوف الصحراء مالذا ملن تقصيهم غارات املستعمرين على السواحل ومدن الحضارة( )2( لقد اعتبر األوربيون الحركة السنوسية عقبة كأداء في طريق تحقيق أهدافهم اإلستعمارية ولهذا نجد الكاتب الفرنس ي دوفريه في غير اعتدال يصاب بحمى الهذيات فيقول إن السنوسية خطر عام خطر على أوربا وخطر على الدولة العثمانية وخطر على شمال إفريقيا وخطر على مصر )3(. أما السياس ي الفرنس ي املعروف املسيو هانوتو فيقول : )لقد أسس الشيخ السنوس ي في جبهة ليست بعيدة عن األصقاع التي تلي أمالكنا في الجزائر وطرابلس وبنغازي مذهبا خطيرا له أتباع وأنصار متعددون ومقر هذا الشيخ بلدة جغبوب الواقعة على مسيرة يومين من الواحة التي كان قائما بها هيكل البرجيس آمون : الى أن قال: ومن مذهب الشيخ السنوس ي وأتباعه التشديد في القواعد الدينية ولقد لبثوا زمنا طويال اليرتبطون بعالقة مع الدولة العثمانية غير ان هذا لم يمنع السنوسيين من مد حبل الدسائس التي أوقفت بعثاتنا عن كل عمل مفيد لفرنسا في افريقيا الجنوبية ولم يكن األمر قاصرا على وسط القارة األفريقية فذنه يوجد باالستانة نفسها والشام وبالد اليمن وكذلك مراكش عصابات خفية ومؤامرات سرية تحيط بنا أطرافها وتضغط علينا من قرب ويخش ى أن تعرقلنا إذا ما أغمضنا الطرف عنها )4(. )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 97. )2( انظر: االسالم في القرن العشرين ص 132. )3( انظر: السنوس ي الكبير ص 44. )4( انظر: السنوس ي الكبير ص

135 وقد وصف الفرنسيون اتباع الحركة السنوسية بانهم أشد صالبة من الحجر الصلد )1(. واستدل العالمة محمد رشيد رضا على صدق الحركة السنوسية بما كانت تقوم به فرنسا من عداوة ومحاربة لهذه الحركة الى الصوفية التي اقضت مضاجعها ولم تكتم فرنسا رغبتها في القضاء على شيخ السنوسية واستئصال قوته )2(. وقد امتدح محمد رشيد هذه الحركة بقوله: )استطاعت دولة فرنسا إفساد بأس جميع الطرائق املتصوفة في افريقية واستمالة شيوخها بالرشوة إال الطريقة السنوسية( )3(. إن البعد السياس ي عند ابن السنوس ي يتضح للباحث في حملة التوعية التي قام بها ضد الغزو القادم لألمة من قبل األوروبيين وتنظيمه للزوايا وتعبئة األنصار بغرس الثقة في دينهم وعقيدتهم والثقة بقيادتهم وتأخير الصدام مع األوروبيين حتى يكتمل البناء. وتحدث آدمز عن ابن السنوس ي وختم كالمه قائال :) وعلى أية حال فذن ابن السنوس ي كان يتمتع بقدرة تنظيمية غير عادية وبحس عملي دقيق لألحداث( )4(. ووصفه ستودار بأنه )كان رجال شديد الهيبة بعيد الهمة عظيم االقتدار على التنظيم واالصالح( )5(. وقال فيه املؤرخ التركي أحمد حلمي : )إن من يمعن النظر في عظمة املقتصد وجاللته وفي قدرة الوسائط وفقدانها وجسامة املشكالت التي اقتحمها املؤسس وقاسها على الجمعيات األوروبية والشرقية اليمكنه إال أن يقف موقف الدهشة أمام عظمة هذا الرجل وبعد غور دهائه( )6(. )1( انظر: السيد محمد رشيد رضا ملحمد احمد درنيقة ص 202. )2( املصدرالسابق ص 203. )3( انظر: السيد محمد رشيد رضا ملحمد احمددرنيقة ص 203. )4( انظر: الحركة السنوسية ص 165. )5( املصدرالسابق نفسه ص 166. )6( انظر: برقة العربية امس واليوم ص

136 أما محمد الطيب يقول في شخصية ابن السنوس ي: )أمة قوية ال يتطرق إليها الضعف والوهن فكان عدوا للجهل وخصما لالستكانة وضدا لألفكار العقيمة( )1(. أما الزعيم الليبي السياس ي الكبير بشير السعداوي فيقول: )مهما أوتي املؤرخون والكت اب والشعراء من قوة في البيان وابداع في البالغة وهو يتناولون الحقائق عن سيرة السيد السنوس ي وأهدافه السامية التي يرمي إليها وقد حقق جزء منها فال يستطيعون ايفاء املقام حقه ولن يصلوا الى معرفة هذا املصلح االسالمي العظيم كما ينبغي وكلما توالت األيام والسنون فهي تثبت لنا عظمة السنوس ي ونبل مقاصده السامية تصلح من شأن املسلمين( )2(. التي وأما سالم بن عامر فيصف السنوسية فيقول : )هي طريقة أسست على حكمة علمية واجتماعية وأن أسس هذه الجمعية السنوسية هي األخوة والتعاون الى أن يقول إن الجمعية السنوسية مع أنها طريقة مخصوصة فهي جمعية سياسية أفكارها ومقاصدها معلومة لدى خواص االخوان والخلفاء واملشايخ والزعماء...( )3(. )1( انظر: برقة العربية أمس واليوم ص 177. )2( املصدر السابق نفسه ص 184. )3( املصدر السابق نفسه ص

137 الفصل الثالث أسلوبه الدعوي وثروته الفكرية وصفاته الربانية املبحث األول االسلوب الدعوي عند ابن السنوس ي كان أسلوب ابن السنوس ي في الدعوة الى هللا مستمدا من كتاب هللا وسنة رسوله ومن رسالته الى شيخ زاوية املدينة ابن الشفيع نالحظ ذلك حيث قال : )...وحسنوا.]83 أخالقكم ولينوا جانبكم للكبير والصغير قال تعالى: و ق ول وا ل لن اس ح س ناا ]البقرة: وقال جل وعال : اد ع إ ل س ب يل ر ب ك ب ل ك م ة و ال م و ع ظ ة ا ل س ن ة و ج اد ل م ب ل ت ه ي أ ح س ن ]النحل: 125[ وقال رسول هللا : ارفقوا فذن الرفق ما كان في ش يء إال شانه وارفعوا همتكم عن الخلق( وقال كان في ش يء إال زانه وأن الحمق ما : ازهد في الدنيا يحبك هللا وازهد ما في أيدي الناس يحبك الناس عليكم باملناصحة واملذاكرة وارشاد عباد هللا إليه واملدارسة واالجتماع والتحابب والتوادد فيما بينكم وال تباغضا وال تدابروا وال تقاطعوا وكونوا عباد هللا اخوانا وعلى البر أعوانا( )1(. ولذلك نجد دعاة الحركة السنوسية يتخذون الرفق واللين في دعوتهم منهجا وتعلموا ذلك من مؤسس الحركة ونالحظ ذلك في عدة أمور منها: أوال : التعامل مع الطرق الصوفية: تميز زعماء الحركة السنوسية بحنكة سياسية من حيث تجنب االصطدام مع الطرق الصوفية في ليبيا والحجاز ومصر وغيرها فبدال من كسب عدائهم عملوا على احتوائهم وشيئا فشيئا ذابت بعض الطرق في ليبيا في بوتقة الحركة السنوسية )1( انظر: جامعة السيد محمد بن علي السنوس ي االسالمية من رسالة 12 ربيع 1224 ه. 136

138 وبقيت الطريقة الصوفية املدنية تتمتع بنفوذ محدود لدى قسم القبائل البدوية )1( وكانت معاملة السنوسية لباقي الطرق فيها رفق وتسامح ونصح واستطاعت أن تبين ألتباع الطرق األخرى األخطاء التي وقعت فيها كالغناء وهز وضرب الدفوف وسارت بمنهجية حكيمة حتى استطاعت أن تهيمن على البوادي والواحات واملناطق الداخلية وأصبح والء تلك األماكن لفكر الحركة السنوسية وأصبح نشاط الطرق األخرى محصورا في املدن كبنغازي وطرابلس وغيرها بعيدة عن الصراع السياس ي العاملي بعكس السنوسية التي استطاعت أن تصبح حركة سياسية مؤثرة ومن أشهر الطرق الصوفية في ليبيا العروسية العيساوية القادرية املدنية السعدية والطيبية والعزوزية )2(. ثانيا- التعامل مع العبيد من األفارقة: كان ابن السنوس ي يهتم اهتماما كبيرا بدعوة القبائل الوثنية في افريقية فمن وسائله في نشر اإلسالم بقلب افريقية أنه اشترى مرة قافلة من العبيد كان املستعمرون قد خطفوهم ليعرضوهم في سوق الرقيق ولكن ابن السنوس ي اعتقهم جميعا وأكرمهم وعلمهم اإلسالم وبث فيهم حبه وتقديره ثم تركهم ليعودوا إلى قبائلهم وذويهم دعاة يتحدثون عن طغيان املسيحيين وبر املسلمين فكانوا دعائم مهمة لنشر اإلسالم بين أهليهم وقبائلهم )3( وكان يشتري العبيد من القبائل التي كانت تغير على القوافل وعمل على دعوة القبائل إلى اإللتزام باإلسالم وتخليص العبيد من العبودية وكان ابن السنوس ي يشرف بنفسه على تربيتهم وتعليمهم ثم يرسلهم إلى قبائلهم ودعوة الزنوج إلى اإلسالم وبفضل هللا ثم هذا األسلوب أصبحت قبائل ( واداي في تشاد يرسلون أبنائهم لتعلم اإلسالم في الجغبوب وغيرها من الزوايا السنوسية ) )4(. )1( تاريخ ليبيا املعاصر محمود عامر ص 32. )2( انظر: املجمتع الليبي ص 325. )3( انظر: موسوعة التاريخ االسالمي محمود شاكر )437/4(. )4( انظر: السنوسية دين ودولة ص

139 ثالثا- التعامل مع القبائل وتوظيفها للدعوة: اهتم ابن السنوس ي في دعوته بزعماء القبائل واستطاع أن يحول منهم دعاة إلى هللا كما رأينا في سيرة مرتض ى فركاش وأبو بكر بوحدوث وغيره واهتم بتوصيل الدعوة إلى اإلحياء البدوية ونظم أمر الدعاة املكلفين بهذه املهمة وحرص على أن يضرب أروع األمثلة في العفة واالستغناء عما في أيدي الناس من متاع الدنيا وقام بذرسال الكثيرين من املرشدين والوعاظ إلى مواطن البدو البعيدة فكان يرسل بعض إخوانه إلى جهات خاصة ويحدد لهم مدة عملهم ثم يرسل بمن يخلفهم ليعود األوائل ألخذ الراحة. وكانت احدى البعثات مؤلفة من السيد مرتض ى فركاش حسين الغرباني فقاما بالدعوة إلى هللا بين القبائل ومن شدة فرح البدو بهم أهدوا إليهم هدايا من األبل والبقر والغنم وملا أكملوا مدتهم ورجعوا إلى ابن السنوس ي وعلم بما حدث احمر وجهه وظهرت على وجهه عالمات التأثر وقال لهما ماجئت الجمع ماال وال ألرغب الدنيا ولم أرسلكما لتجمعا لي ماال ولكنني جئت ألنشر علما ودينا فارجعا بكل ما معكما لتسلمانه إلى أصحابه بالعدد وقال لدعاته: " التشقا على أحد وال أود أن يتكلف أحد بضيافتكما فخذا أمتعتكما وكل مايلزمكما والتتقبال من األهالي شيئا إال )الزبدة( واللبن )املمخوض(. وقام الشيخان مرتض ى فركاش وحسين الغرياني بذرجاع الهدايا إلى أصحابها فكل من يعطيانه ماكان جاد به يتكدر ويتأثر ويقول لعل ابن السنوس ي رفض قبول ماقدمته لش يء في نفسه عني فيقنعانه بأن ابن السنوس ي تمام رضاه في أن تقبل ماجدت به وأن ترسل بابنك إلى الزاوية ليتعلم وان تحضر معنا دروس الوعظ واإلرشاد )1( وانتشر بين البدو أن ابن السنوس ي أمر دعاته بأن اليشقا على أحد في اكرامهما فتحايل البدو في إكرام الدعاة إلى هللا فأسلوب ابن السنوس ي لم يقتصر على الزوايا بل أرسل الدعاة إلى القبائل البعيدة لتعم دعوة اإلسالم املباركة كل الناس )2( واستطاع ابن )1( انظر: برقة امس واليوم ص 165. )2( انظر: برقة أمس واليوم ص

140 السنوس ي أن يقنع القبائل البدوية بأهمية الدعوة إلى هللا وخصو صا تلك التي كانت تتعامل في التجارة مع وثنيي افريقيا لنشر الدعوة هناك ومن أشهر تلك القبائل التجارية الصحراوية أوالد سليمان الطوارق التبو املجابرة الزوية )1(. رابعا : ضرب األمثال عند ابن السنوس ي: استخدم ابن السنوس ي وسيلة ضرب األمثال في أسلوب دعوته وقد استنتج هذه الوسيلة من القرآن الكريم والسنة النبوية املطهرة قال تعالى: إ ن ا لل ل ي س ت ح ي ي أ ن ي ض ر ب م ث ا ل م ا ب ع وض ةا ف م ا ف و ق ه ا ف أ م ا ال ذ ين آم ن وا ف ي ع ل م ون أ ن ه ا ل ق م ن ر ب م و أ م ا ال ذ ين ك ف روا ف ي ق ول ون م اذ ا أ ر اد ا لل ب ذ ا م ث ا ل ي ض ل ب ه ك ث ا يا و ي ه د ي ب ه ك ث ا يا و م ا ي ض ل ب ه إ ل ]البقرة: 26[ -1 تقرير الحقائق تقريرا ال ف اس ق ني وإن لضرب األمثال في القرآن الكريم والسنة فوائد كثيرة ومنافع جم ة منها: واضحا جليا. -2 تقريب املراد وتفهيم املعنى وإيصاله إلى ذهن السامع. 3- تشويق السامع وترغيبه إلى اإليمان والخير والحق املعروف والفضيلة. 4- تنفير السامع وترهيبه من الكفر والشر والباطل واملنكر. 5- تذكير السامع ووعظه ليعتبر وينزجر. -6 تشبيه ش يء بش يء في حكمه وتقريب املعقول من املحسوس أو أحد املحسوسين من اآلخر واعتبار أحدهما باآلخر. -7 تأتي إلثارة االنفعاالت املناسبة للمعنى املراد وظهور ذلك على وجه السامع ولذا فقد اختير لها لفظ الضرب ألنه يأتي عند إرادة التأثير وهيجان االنفعال كأن ضارب املثل يقرع به أذن السامع قرعا ينفذ تأثيره وأثره إلى قلبه وينتهي إلى أعماق نفسه )2(. ولذلك استخدم ابن السنوس ي ضرب األمثال في الدعوة واإلرشاد والوعظ والتذكير التي )1( انظر: املجتمع والدولة واالستعمار في ليبيا ص 131. )2( انظر: الحكمة واملوعظة الحسنة د. احمد املورعي ص

141 تؤثر في القلوب والنفوس أثرا بليغا في قبول الدعوة وتوصيل املفاهيم إلى الناس ومن ذلك حديثه لالخوان أثناء بناء الجغبوب حيث كان يشرف بنفسه على العمل ويخطط بناء السور على شكل مربع ثم يخاطب الحاضرين فيقول لهم: " الطير له عقل أم ال فقالوا: ال عقل له. فقال: هو اليضع بيضه إال فوق جبل شامخ حتى اليلحقه ذيب والثعلب والغيرهما. وقال: اليربوع له عقل فقالوا له: ال. فقال: هو يجعل في حجره طربقة: وهي النافقاء فذذا دخل عليه الحنش األسود عليها من هنا وقال "تلقونها احسن املحالت إذا أتى الحنش األسود عليها من هنا" وأشار باصبعه السبابة من املشرق إلى املغرب " )1(. ويالحظ الباحث أن ابن السنوس ي استخدم لغة الحوار واالستجواب وفي هذا األسلوب دعوة للتفكير وتشجيعا على املناقشة وتعويد اإلخوان على العطاء واملشاركة وإبداء الرأي وإن هذا األسلوب في الحوار واملناقشة يثير االنتباه لتلقي املعلومات ويذهب السآمة ويزيل مايصيب النفس من ملل نتيجة اإللقاء الطويل ويشوق الذهن وينشط العقل ملواصلة السعي وبهذا األسلوب استطاع ابن السنوس ي أن يركز على بعض الحقائق لترسيخها في النفوس وتثبيتها في القلوب وتحذير اخوانه من الخطر الداهم على بالدهم والدعوة لإلستعداد ملواجهة هذا الخطر. لقد أشار إلى مجئ الطليان في قوله إذا أتى الحنش األسود عليها من هن. خامسا : استخدام القصة عند ابن السنوس ي: إن من طبيعة النفوس البشرية إذا خوطبت تلقائيا بكالم نظري مجرد يتبع آخره أوله فذن جهدها التفكيري يضعف واستعدادها النفس ي يذبل فال تعود تعي أو تفهم شيئا مما يقال لها ولذلك استخدم ابن السنوس ي األسلوب القصص ي في تجسيد األحداث على شكل أشخاص يتحرك معها القلب وتنشط لها اآلذان والعقول فهي تثير االنتباه والحواس ملتابعة أحداث القصة. ماذا سيحدث )1( انظر: الحركة السنوسية ص

142 إن القصة تعتبر من أنجح األساليب للتقويم والنصح واإلرشاد فأسلوبها له تأثيراته النفسية وانطباعاته الذهنية وحججه املنطقية والعقلية في نفوس املدعوين فهي تستولي على قلوبهم استيالء أشبه بالقهر وما هو بالقهر وأفعل من السحر وما هو بالسحر ملالها من سرعة نفاذ وقوة تأثير واستمرار أثر )1(. إن الغرض األكبر من األسلوب القصص ي للدعاة أخذ العبرة والعظة قال تعالى: ل ق د ك ان ق ص ص ه م ع ب ة ل و ل ا ل ل ب اب م ا ك ان ح د يثاا ي ف ر ى و ل ك ن ت ص د يق ال ذ ي ب ني ي د ي ه و ت ف ص يل ك ل ش ي ء و ه ادى و ر ح ةا ل ق و م ي ؤ م ن ون ]يوسف: 111[. ولذلك كان ابن السنوس ي يكثر من استخدام القصة لتفهيم اخوانه واتباعه باعتبارها أسلوبا مهما ووسيلة تعليمية ناجحة ومن ذلك قصة حكاها البنه وإخوانه يبين لهم فيها أهمية القيادة في الجماعة وضرورة املحافظة على القائد الذي هو بمثابة الرأس من الجسم والقصة كما قالها محمد املهدي السنوس ي: " كنت جالسا مع سيدي وتكلم معي طويال في الرحلة م قبال لجهة الجنوب ثم حكى لي حكاية بأنه كان كبير قوم ارتحل هو وقومه من مكان إلى مكان فبينما هم في أثناء الطريق وإذا بالعدو قد ظهر عليهم فالتفتوا إلى جميع الجهات ينظرون ملجأ يأوون إليه فلما لم يروا شيئا قالوا لم يبق إال القتال وكبير القوم معه ولد فصار الولد كلما رأى العدو آت من جهة حو ل أباه إلى جهة أخرى فقال له بعض القوم: أنت ما شغلك إال أبوك. قال لهم: نعم رجل كألف وألف خفاف كاف. فقال يذهب يأت هللا بمن يكون مثله أو فوقه أو دونه " )2(. سادسا : استعماله للشدة في موقف الشدة: صدق الولد متى كان الرأس موجودا فالذي كان األصل في أسلوب ابن السنوس ي استعماله اللين والرفق ومعاملة الناس بالحسنى والتودد إليهم وكسب قلوبهم ولكن في بعض األحوال والظروف كان يستخدم الشدة )1( انظر: الحكمة واملوعظة الحسنة ص 288. )2( انظر: الحركة السنوسية ص

143 لكونها أنسب وأوقع وأعمق أثرا فكان يقدر لألمور قدرها ويعطي كل موقف حقه من اللين والرفق أو الشدة والحزم قال الشاعر: فقسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم )1( قال بعض املفسرين في قوله تعالى: و ق ول وا ل لن اس ح س ناا ]البقرة: 83[. إن القول الحسن ليس هو عبارة عن القول الذي يشتهيه املدعو ويوافق هواه ويحبه بل القول الحسن هو الذي يحصل انتفاعه به سواء حصل عن طريق اللين والرفق أو الشدة والحزم وعلى هذا قد تكون الشدة من القول الحسن )2(. لذلك كان ابن السنوس ي ضابطا ألتباعه يحسن توجيههم وال يتهاون في معاقبة املنحرف منهم. وقد حكى أحمد الشريف في رحلته عن أحد شيوخ الحركة واسمه املدني التلمساني أنه كان مقدم احدى الزوايا في الصحراء " فثار بها للجهاد في كافر وأمه جاءا سائحين الكافر يداوي الرجال وأمه كحالته تداوي النساء فلم يشعرا إال واملجاهد قد قام عليهما ومعه املعاون سيدي عبدالهادي الفاس ي خرجا بسالحيهما حامل غدرية عربية وبندقية قصيرة واملعاون متقلدا سيفا قد أخرج من نصله قدر ثالثة أصابع إلرهاب العدو فصادفا حاكم البالد وهو تركي فقال لهم القايم للجهاد: اليوم يخرج النصراني من البالد فقال له : امهله اليوم وغدا يخرج فقال املجاهد البد أن يخرج اليوم فتلطف التركي معه فلم يفد. فقال له: أنت مهبول ياس ي الشيخ فانتهره املجاهد فقال له: أنا مهبول يالحمار وخلفهما كل من قاربهما في الحال من أهل البالد ثم جاء أكابر أهل البالد وأرادوا تسكين هذه الثورة فما سكت إال بشدة وقع فيها ضرب بعض املشايخ ضربهم أصحاب القائم. وخرج النصراني وأمه في تلك الليلة. فلما وصل الخبر الى االستاذ الجد أرسل إليهما فسبق املعاون فهجره أياما حتى قدم القائم فخاصمهما وقال لهما: أنا ارسلتكما للقراءة والداللة على الخير أو أرسلتكما حاكمين )1( انظر: شرح الحماسة للمرزوقي )1121/3(. )2( انظر: مفاتيح الغيب للرازي )168/3(. 142

144 ولم يرجعا الى محلهما( )1(. فهذه الحادثة تعطي للباحث فكرة عن ضيق افق مقدم الزاوية وعن موقف ابن السنوس ي من انحرافه وعن االسلوب الذي اتبعه في عقابه فهو يهجر املعاون أياما داللة على شدة غضبه ثم يخاصم األثنين ويبين لهما انحرافهما عن مهمتهما كدعاة ويعزلهما عن عملهما وموقفه الشديد هذا ال يستغرب الن تصرفهما كان يخالف كلية خطة ابن السنوس ي في الدعوة الى هللا بالحكمة وعدم االحتكاك بالسلطة )2(. سابعا : من رسائل ابن السنوس ي الدعوية: كانت رسائل ابن السنوس ي التي يبعث بها الى األخوان أو لغير األخوان تتجلى فيها شخصيته الدعوية ففي رسالة بعث بها في محرم 1276 ه الى شيخ زاوية الطيلمون مصطفى املحجوب يقول موصيا االخوان: )والوصية لكم بالوقوف في باب هللا بالجد واالجتهاد وداللة الخلق الى سبيل الرشاد بالقول والعمل والتخلي عن التواني والكسل وابذلوا الوسع في حصاد الزرع والدراس والتحفظ عليه من التشتيت بأيد الناس ومثلكم ال يؤكد عليه وال يحتاج الى توصية فيما هو بين يديه جعلك هللا دليال للسعادة مراعيا قوله تعالى: ل ل ذ ين أ ح س ن وا ا ل س ن و ز ي د ة فكان ابن السنوس ي -رحمه هللا- ]يونس:. )3( )]26 في هذه الرسالة يحث اخوانه على الجد واالجتهاد ودعوة الناس الى سبيل الرشاد بالقول والعمل ويدعوهم الى ترك التواني والكسل وأن يستعدوا لآلخرة كأن آجالهم تأتي غدا والعمل للدنيا كأنما يعيشون أبدا ولذلك حثهم على حصاد الزرع والدراس والتحفظ عليه من التشتيت بأيد الناس ويطلب منهم االحسان في أعمالهم الدنيوية واألخروية. هذه بعض الخطوط العريضة التي تبين لنا أسلوب ابن السنوس ي الدعوي. )1( انظر: الرحلة ألحمد الشريف مخطوط ص 20. )2( انظر: الحركة السنوسية ص 155. )3( انظر: الحركة السنوسية ص

145 املبحث الثاني الجانب الفكري عند ابن السنوس ي من خالل كتبه إن فهم أفكار ابن السنوس ي يمكننا الوصول إليها من خالل مؤلفاته التي ضمنها آراءه في عدد من املواضيع وهذا مهم لفهم الحركة السنوسية لم يستطع املؤرخون أن يحصروا عدد الكتب التي ألفها ابن السنوس ي ذلك أن الكثير منها فقد وطبع بعضها واليزال البعض اآلخر كمخطوطات وحاول الدكتور محمد عبدالهادي شعيرة إجراء بحث عن )سيرة ابن السنوس ي الكبير وفقد املصادر( )1( وقد اختلف مؤرخو الحركة في ذكر الكتب التي ألفها ابن السنوس ي فزيادة يذكر أن السنوس ي الكبير كتب تسعة كتب أحدها كان شعرا ) )2( أما محمد فؤاد شكري فيذكر اسماء خمسة كتب مطبوعة وثالثة لم تطبع )3( وأما األشهب فيقول ثمانية كتب طبعت وتسعة لم تطبع )4( وأما اسماعيل باشا البغدادي في كتابه )هداية العارفين في اسماء املؤلفين وآثار املصنفين( نسب البن السنوس ي خمسة وثالثين مؤلفا بين كتاب ورسالة ذكر اسماؤها )5( ولقد ضاعت كتب كثيرة البن السنوس ي نتجة الحتالل ايطاليا للكفرة ونتيجة الحتراق املكتبة في سلوك وعلى أية حال فذن الكتب املطبوعة من مؤلفات ابن السنوس ي هي: كتاب املسائل العشر املسمى بغية املقاصد في خالصة الراصد مطبعة املعاهد بالقاهرة: آخر 1353 ه. السلسبيل املعين في الطرائق األربعين: وهو بهامش الكتاب السابق. املنهل الروي الرائق في أسانيد العلوم وأصول الطرائق )1( نشرالبحث في مجلة كلية اآلداب في الجامعة الليبية املجلد األول ص 189. )2( انظر: برقة الدولة العربية الثامنة ص 73. )3( انظر: السنوسية دين ودولة ص 41. )4( انظر: السنوس ي الكبير ص 81. )5( انظر: الحركة السنوسية ص

146 الطبعة االولى 1373 ه/ 1954 م مطبعة حجازي القاهرة. إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن الطبعة االولى 1357 ه/ 1938 م مطبعة حجازي القاهرة. الدرر السنية في اخبار الساللة االدريسية الطبعة االولى 1349 ه مطبعة الشباب بالقاهرة. الطبعة الثانية 1373 ه مطبعة الشباب بالقاهرة. رسالة املسلسالت العشرة في األحاديث النبوية 1357 ه مطبعة الشباب القاهرة. رسالة مقدمة موطأ اإلمام مالك الطبعة األولى 1374 ه مطبعة الشباب القاهرة. شفاء الصدر بأري املسائل العشر )1( )األري: العسل( 1360 مطبعة املحمودية. أما الكتب التي لم تطبع وورد لها ذكر في الكتب املطبوعة مما يؤكد وجودها فهي: 1- الشموس الشارقة في أسانيد شيوخنا املغاربة واملشارقة : ورد ذكره في )املنهل الروي( ص 6 يسميه ابن السنوس ي )فهرستنا الكبرى( وورد ذكره أيضا في هدية العارفين تحت اسم )الشموس الشارقة في تراجم مشايخي املغاربة واملشارقة(. 2- البدور السافرة في عوالي األسانيد الفاخرة: ورد ذكره في )املنهل( صفحة 6 وهو فهرسة صغرى منتخبة من الكبيرة. وورد في هداية العارفين بعنوان )البدور السافرة في اختصار الشموس الشارقة(. 3- الكواكب الدرية في اوائل الكتب األثرية: ورد ذكره في )املنهل( صفحة 7. وورد في هداية العارفين بنفس العنوان مجردا من )ال التعريف(. وهو كتاب يتناول ذكر )1( انظر : السنوس ي الكبير ص

147 الكتب التي درسها ابن السنوس ي وأسماء العلماء الذين أخذ عنهم. وقد ذكر مؤلفه ابوابه في كتابه )املنهل( باعتباره سار على نهجه في تأليفه. 4- سوابغ األيد بمرويات ابي زيد: ورد ذكره في )املنهل( وفي هداية العارفين. وموضوعه فهارس املشايخ الذين درس عليهم ابن السنوس ي. 5- رسالة جامعة في أقوال السنن وأفعالها وهي منظومة توجد -كما يقول األشهب- بمكتبة امللك. وال يرد لها ذكر في )هداية العارفين(. 6- هداية الوسيلة في اتباع صاحب الوسيلة وهي منظومة وتوجد بمكتبة امللك. وقد وردت في )هداية العارفين(. 7- طواعن األسنة في طاعني أهل السنة. 8- رسالة شاملة في مسألتي القبض والتقليد ويقول األشهب أنها موجودة بمكتبة امللك. 9- رسالة السلوك موجودة بمكتبة امللك وردت في هداية العارفين بعنوان )منظومة السلوك...(. 10- شذور الذهب في محض محقق النسب موضوعة تاريخ اسالف ابن السنوس ي )1(. هذه أهم الكتب التي ألفها ابن السنوس ي وقد شملت هذه املؤلفات عددا من املواضيع وكان أكثرها يتناول مباحث فقهية وصوفية وفيها كتابا أو كتابين يتناوالن مواضيع تاريخية ونكتفي بأختيار نماذج من تأليفه لنسلط عليها األضواء ونأخذ فكرة شاملة عنها: أوال : املنهل الروي الرائق في أسانيد العلوم وأصول الطرائق: إن هذا الكتاب يعطي الباحث فكرة عن العلوم التي درسها ابن السنوس ي والطرق التي تعرف عليها والعلماء الذين أخذ عنهم في الحالين ويظهر من عرض الكتاب أن ابن )1( انظر: السنوس ي الكبير ص

148 السنوس ي كان بحرا في العلوم وأن دراسته جمعت الجانبين الفقهي والصوفي )1( وقد حل بين سبب كتابة هذا الكتاب فقال: )فقد وقع االجتماع في بعض ماقدر لنا من الر حال الترحال من محل الى محل بجماعة وافرة وعصابة فاخرة ذوي علوم زاخرة وخيم عاطرة فكم فيها جهابذة نحارير وأئمة نقد فائق التحارير مابين مريد السلوك الى عرفان مالك امللوك ومريد األخد واالجازة رائم التبرك بأسانيد من أجازه في أقطار واسعة برحابها الشاسعة منهم زمر بنواحي األعراض وأطراف الجريد وآخرون بطرابلس الغرب وآخرون مراسلون من تونس وما حواليها من البالد... وآخرون باملعمور من زوايا برقة القافرة.. فحصلت بيننا وبين من أمكن االجتماع به منهم املؤاخاة األكيدة والخلة السديدة مع تواتر املزاورات ولذيذ املحاورات فتشوقت إذا ذاك انفسهم الزكية.. الى األخذ واإلجازة بما لها من القوانين املستجازة فطلبوا لذلك من هذا العبد الحقير البائس الفقير األجازة واإلخبار بجميع مروياته وما وصل إليه من هذا الشأن وال من فرسان ذلك امليدان. بل ال أرى نفس ي أهال ألن يجاز فضال عن أن يستجاز كما قيل : فلست بأهل إن أجاز فكيف أن أجيز ولكن الجنون فنون ولكنهم لعظيم فضلهم وعلو مكانتهم وجزالة قدرهم وشغوف استكانتهم اليستطاع ردهم وال يخيب قصدهم فكان كاملسوغ لذلك الخطب الهائل لعاري األهلية ذي الجيل العاطل تمثال بما قيل: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ال إذ ما يدرك كله ال القائل: لعمر أبيك ما ن س ب املع ال إن التشبه بالكرام رباح يترك قل ه استرواء بالثمد الضنين عند فقد املعين ويرحم هللا الى كرم وفي الدنيا كريم )1( انظر: الحركة السنوسية ص

149 ولكن البالد إذا اقشعرت وما أشبه الحال بقول القائل: إذا غاب مالح السفينة وارتمت وص و ح نبتها ر عى الهشيم بها الريح يوما دبرتها الضفادع ثم يقول فاستخرت هللا تعالى واجزتهم بجميع ما يصح لي وعني ورايته )1(. إن الكالم السابق الذي ذكرته يدل على تواضع ابن السنوس ي وهضمه لنفسه وحبه إلخوانه وتالميذه إن ذلك الكتاب فيه اثنى عشر بابا في أشهر الكتب في شتى العلوم ومقدمة وخاتمة ويعطينا فكرة واضحة عن العلوم التي درسها وقد أخذ ابن السنوس ي أسانيد الكتب األئمة العشرة عن شيوخه وهي موطأ اإلمام مالك ومسانيد األئمة الثالثة مسند االمام أبي حنيفة ومسند االمام الشافعي ومسند االمام أحمد والكتب الستة صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي املجتبي وسنن ابن ماجة وفي الباب الثاني ذكر بعض مشاهير السنن وهي عشرة سنن االمام الشافعي وسنن أبي عثمان سعد بن منصور الروزي البلخي الخراساني وسنن النسائي الكبرى وسنن الكش ي وسننا البيهقي الكبرى والصغرى وسنن الدراقطني والسنة للحافظ أبي بكر الضحاك والسنة للحافظ أبي القاسم هبة هللا الطبري والسنة لالمام أحمد بن حنبل وثالث باب منه على بعض مشاهير املسانيد وهي عشرة مسند أبي داود الطيالس ي ومسند عبد بن حميد أبي يعلى املوصلي ومسند ابن ابي أسامة ومسند ابن الزبير الحميدي ومسند الحميدي ومسند الفردوس ومسند ابن ابي شيبة ورابع باب منه على بعض مشاهير الصحاح الزائده على الستة أو السبعة أو الثمانية السابقة وهي عشرة صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة صحيح الحاكم وصحيح االسماعيلي وصحيح أبي عوانة وصحيح الدارمي وصحيح ابن نعيم املستخرجان على الصحيحين البخاري ومسلم )1( انظر: املنهل الروي الرائق ص

150 وصحيح ابن الجارود وصحيح الضياء املقدس املسمى باملختارة وخامس باب منه على بعض مشاهير املعاجم وهي عشرة معاجم الطبراني الثالثة ومعجم أبي يعلى املوصلي ومعجم ابن جميع الغساني ومعجم ابن قانع البغدادي ومعجم االسماعيلي ومعجم التنوخي ومعجم الحاكم ومعجم الصحابة للبغوي وسادس باب منه على بعض مشاهير الجوامع وهي عشرة جامع االصول الرزين العبدري وجامع األصول البن األثير الجزري وجامع عبدالرزاق الصنعاني وجامعا السيوطي الكبير والصغير وذيله وجامعهما للمتقي املسمى بكنز العمال الجامع للجامع الصغير والذيل له املسمى بمنهاج العمال والجامع املسمى بجمع الزوائد لإلمام الهيثمي والجامع املسمى بجمع الفوائد من جامع األصول ومجمع الزوائد البن سليمان الروداني والجامع املسمى بكتاب االصول الى األحاديث الزائدة على جامع األصول وسابع باب منه على بعض مشاهير املختصرات وهي عشرة مختصر جامع األصول املسمى بتجريد األصول للبارزي ومختصر جامع األصول أيضا املسمى بتيسير الوصول للربيع الشيباني الزبيدي ومختصره أيضا ملحمد طاهر الصديقي الف تني ومختصر البخاري ومسلم بالجمع بينهما للحميدي ومختصر بهما بالجمع بينهما للصاغاني املسمى بمشارق األنوار ومختصر البخاري للشرجي ومختصره للسندي ومختصرهما ومختصر مسلم للمنذري ومختصر مسلم للسلمي ومختصر أبي داود للمنذري وثامن باب منه على بعض مشاهير كتب األحكام الجامعة وهي عشرة كتابا األحكام الكبرى والصغرى لعبد الحق األشبيلي وكتاب املنتقى ملجد الدين عبدالسالم بن تيمية الحراني وكتاب األموال للقاسم بن سالم األزدي وكتاب اآلثار ملحمد بن الحسين الشيباني وكتاب بلوغ املرام البن حجر العسقالني وكتاب االعالم لشيخ االسالم زكريا األنصاري وعمدة االحكام لعبد الغني املقدس ي واملصابيح للبغوي ومشكاة املصابيح للخطيب التبريزي وتاسع باب منه على بعض املشاهير كتب السير والشمائل وهي عشرة الشفا للقاض ي عياض الخصائص الكبرى للسيوطي كتاب الشمائل للترمذي دالئل النبوة للبيهقي سيرة ابن هشام تهذيب سيرة ابن اسحاق تهذيبهما للسلمي سيرتا ابن سيد الناس الكبرى والصغرى االكتفاء للكالكي سيرة الحلبي املواهب اللدنية للقسطالني وعاشر 149

151 باب منه على بعض مشاهير األربعينات واألجزاء واملصنفات فمن األربعينات األربعون للقاض ي عبدالعزيز ابن جماعة الكناني واألربعون النووية واألربعون املكية واألربعون الباجورية واألربعون الشحامية واألربعون الجوزفية واألربعون الهاشمية واألربعون املنذرية واألربعون السلمية...ومن املصنفات مصنف أبي بكر بن أبي شيبة ومصنف عبدالرزاق الصنعاني ومصنف وكيع بن الجراحي ومصنف حماد بن سلمة الرفعي وحادي عشر باب منه على خمسة أنواع مشتملة على مايزيد على مائة كتاب... وثاني عشر باب منه على نحو أربعين تفسيرا وهي على قسمين القسم األول في تفاسير السلف مما غالبه مأثور والثاني في تفاسير الخلف فاألول كتفسير ابن جريج الذي هو أول ماصنف في التفسير وتفسير االمام مالك بن أنس رواية الجعابي وتفسير السفيانين الثوري وابن عيينة وتفسير االمام احمد وتفسير ابن أبي شيبة وتفسير ابن جرير الطبري وتفسير ابن راهوية وتفسير ابن مردويه وتفسير عبدبن حميد وتفسير وكيع وتفسير أبي العالية وتفسير مجاهد وتفسير الضحاك وأضرابهم والقسم الثاني كتفسير ابن عطية والقرطبي والبغوي والثعالبي وتفاسير الواحدي الثالثة والكشاف للزمخشري ومختصر للكواش ي وتفسير الديريني والبيضاوي والنسفي وأبي الليث السمر قندي والبكري والقشيري والحاتمي والغزالي والحداد والغزنوبي وأبي حيان البحر والنهر والجاللين والدر املنثور للسيوطي وابن ج ز ي والثعالبي وأبي السعود وأضرابهم )1(. إن ابن السنوس ي - حر مه هللا تعالى- اجتهد في طلب العلم وشد الرحال الى العلماء وقد ذكر في كتابه املنهل الروي الرائق اسماء العلماء والشيوخ والفقهاء الذين أخذ عنهم والزمهم ولقد كان على يقين راسخ أن الدعوة الى االصالح والنهوض باألمة تحتاج الى العلم الرباني الذي هو ركن من أركان الحكمة ولذلك حرص على الوصول إليه وطرق أسبابه والتي من أهمها: أن يسأل العبد ربه العلم النافع ويستعين به تعالى ويفتقر إليه وقد أمر هللا نبيه )1( انظر: املنهل الروي الرائق ص

152 بسؤاله أن يزيده علما الى علمه )1( فقال تعالى: و ق ل ر ب ز د ن ع ل ا ما محمد ]طه: 114[. ومنها : االجتهاد في طلب العلم والشوق إليه والرغبة الصادقة فيه ابتغاء مرضاة هللا تعالى وبذل جميع األسباب في طلب علم الكتاب والسنة )2( وما أروع ما قال الشافعي: أخي لن تنال العلم إال بستة سأنبك عن تفصيلها ببيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ طول زمان )3( ومنها: اجتناب جميع املعاص ي بتقوى هللا تعالى فذن ذلك من أعظم الوسائل الى حصول العلم. قال تعالى : ي أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا إ ن ت ت ق وا ا لل ي ع ل ل ك م ف ر ق اا ن ]األنفال: 29[. ومنها: عدم الكبر والحياء عن طلب العلم قال مجاهد: )ال يتعلم العلم مستحي وال مستكبر( )4(. ومنها بل أعظمها ول ب ها: اإلخالص في طلب العلم قال : )من تعلم علما مما يبتغي به وجه هللا -عز وجل- ال يتعلمه إال ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة( )5( يعني ريحها. العمل بالعالم )6( : ألن العلم ال يكون ر كنا من أركان الحكمة ودعائمها إال بالعمل )1( انظر: تفسير االمام البغوي )233/3(. )2( انظر: تفسيرالسعدي )194/5(. )3( انظر: ديوان الشافعي ص 116. )4( انظر: البخاري مع فتح كتاب العلم باب الحياء في العلم )228/1(. )5( انظر: ابوداود باب في طلب العلم لغيرهللا )323/3(. )6( انظر: الحكمة في الدعوة الى هللا سعيد القحطاني ص

153 واإلخالص واملتابعة )1(. هذه بعض االسباب التي اتخذها ابن السنوس ي حتى وصل الى ما وصل إليه وكان عظيم االحترام للعلماء ويرى ال وصول الى العلم النافع بعد توفيق هللا إال من خاللهم وما أجمل ما قاله السخاوي : )من دخل في العلم وحده خرج وحده( أي من دخل في طلب العلم بال شيخ خرج منه بال علم )2(. ثانيا : الدرر السنية في أخبار الساللة األدريسية: وهذا الكتاب ألفه ابن السنوس ي في التاريخ ويتحدث عن ملوك األدارسة الذين حكموا املغرب الدول التي أقاموها. وفي مقدمته يتحدث عن فضل علم التاريخ فنقل ماقاله املقريزي: )الخفاء أن معرفة علم التاريخ املشتمل على علم األنساب من األمور املطلوبة واملعارف املندوبة ملا يترتب عليه من االحكام الشرعية واملعارف الدينية...( )3( وذكر أن من الصحابة كان أبوبكر معرفة نسابة قريش ومن أعلم الصحابة في القبائل وأصولها وفروعها وتحدث عمن ألف في علم التاريخ. وذكر منهم عبيد القاسم بن سالم والبيهقي وابن عبدالبر وابن حزم وغيرهم ثم قال وذلك دليل شرفه ورفعة قدره( )4( الفاسية وما في ايالتها الدولة الثانية وهذا الكتاب يحتوي على مقدمة وست دول الدولة األولى التلمسانية وما في نواحيها الدولة الثالثة الغمارية وما في حكمها الدولة الرابعة السبتية وما في حكمها الدولة الخامسة االندلسية وما في حكمها الدولة السادسة الصحراوية وما في حكمها( )5( ثم اشار الى املراجع التي تعين الطالب على اإلملام بهذه الدول فقال : )وسترى لك واحدة بيانا شافيا على ما عند )1( املصدرالسابق نفسه ص 53. )2( انظر : كتب في الساحة االسالمية عائض القرني ص 9. )3( انظر الدررالسنية في أخبارالساللة األدريسية ص 5. )4( املصدرالسابق نفسه ص 7. )5( انظر: الدررالسنية في أخبارالساللة األدريسية ص

154 صاحب القرطاس واملغرب ومافي العبر البن خلدون التونس ي وما في سالسل الفصول البن خلدون التلمساني ومافي عمدة الطالب البن عنبة( )1(. قام ابن السنوس ي في هذا الكتاب بسرد أخبار هذه الدول وتطرق الى تاريخ الفتح في املغرب والى مجيء ادريس األكبر إليه ثم ختم كتابه بذكر اسماء حكام املسلمين من عهد الراشدين )2( وذكر خامسهم الحسن بن علي. ثم اثبت ذكر خلفاء بني أمية جميعا حتى إذا فرغ من ذلك اتبعهم بخلفاء بني العباس )3( ونالحظ في مقدمة الكتاب اعتقاد ابن السنوس ي بوجوب كون األئمة من قريش وكان اسلوبه في كتابه هذا الكتاب على منوال أساليب مؤرخي املسلمين عامة وهو فيه يقوم بالسرد دون التحليل والتعليل ومادة الكتاب تدل على غزارة اطالع ابن السنوس ي )4( نجد مقتطفات جميلة من األشعار كقول إدريس بن إدريس لنفسه: لو مال صبري بصبر الناس كلهم لكل في روعتي وظل في جزعي بات األحبة واستبدلت بعدهم هم ا مقيما وسلما غير مجتمع كأنني حين يجري الهم ذكرهم تأوى الهموم إذا حركت ذكرهم على ضميري مجبول على الفزع إلى جوارح جسم دائم الجزع )5( وتذوقه للشعر حيث وكقول أبي محجن الثقفي الذي تمثل به أبو املهاجر دينار قبل استشهاده مع عقبة: كفى حزنا أن تطعن الخيل بالقنا )1( املصدر السابق نفسه ص 9. )2( انظر: الحركة السنوسية ص 140. )3( انظر : السنوسية دين ودولة ص 42. )4( انظر: الحركة السنوسية ص 141. )5( انظر: الدرر السنية ص

155 وأترك مشدودا علي وثاقيا إذا قمت عناني الحديد وأغلقت وكقول اإلمام ابن غازي: وفتح الغرب لسوس األقص ى وجاءنا إدريس عام قعب وكقول الحسين بن علي : وإن تكن الدنيا تعد نفيسة وإن تكن األرزاق قسما م قدرا وإن تكن األموال للترك جمعها مصارع أبواب تضم املناديا )1( موس ى وطارق بما اليحص ى وبنيت فاس في عام قضب )2( فذن ثواب هللا أعلى وأنبل فقلة حزم املرء في الكسب أجمل فما بال متروك به املرء يبخل )3( وكقول الفقيه أبي عبدهللا املغيس ي في وصف فاس متشوقا إليها حين ولي القضاء بمدينة آزمور حيث قال: يافاس حيا هللا ارضك من ثرى ياجنة الدنيا التي أربت على وسقاك من صوب الغمام املسبل حمص ملنظرها البهي األجمل )1( املصدر السابق نفسه ص 30. )2( املصدر السابق نفسه نص 41. )3( انظر: الدرر السنية ص

156 غرف على غرف ويجري تحتها ماء ألذ من الرحيق السلسل وحدائق من سندس قد زخرفت بجداول كاأليم أو كالفيصل وبجامع القروي شرف ذكره أنس ى بذكراه بهيج مؤم لى وبصحنه زمن املصيف محاسن فوق العش الغرب منه استقبل )1( كما أن في هذا الكتاب يتعرض لذم املبتدعة كالرافضة واملعتزلة والجبرية وقال: ذكر أهل العلم من فضائل املغرب أن هللا حماه من فرق املبتدعة كاملعتزلة والرافضة والجبرية )2( كما يعرض بمذهب محمد بن تومرت عندما تعرض لشيوخه ورحلته في طلب العلم حيث قال: ).. وذهب الى رأيهم في تأويل املتشابه من اآليات واألحاديث بعد أن كان أهل املغرب بمعزل عن أتباعهم في التأويل واألخذ برأيهم فيه اقتداء بالسلف في ترك التأويل وإقرار املتشابهات كما جاءت فمنع أهل املغرب من ذلك وحملهم على القول بالتأويل واألخذ بمذاهب األشعرية في كافة العقائد وأعلن بذمامتهم ووجوب تقليدهم وألف العقائد على رأيهم مثل )املرشدة( )3( في التوحيد وكان من رأيه القول بعصمة االمام على رأي اإلمامية من الشيعة وألف في ذلك كتابه في اإلمامة الذي افتتحه بقوله )أعز ما يطلب( وصار هذا املفتتح لقبا على ذلك الكتاب...( )4(. )1( انظر: الدرر السنية ص 99. )2( املصدرالسابق نفسه ص 90. )3( لقد ذكرت تفنيد عقائد املرشدة في كتابي دولة املوحدين ونقلت ماقاله ابن تيمية في الفتاوى. )4( انظر: الدرر السنية ص

157 إن ابن السنوس ي في دراسته الطويلة لم يهمل الجانب التاريخي لقناعته الراسخة بأهمية هذا العلم في تحقيق الفوائد التربوية وادراك السنن الربانية ومعرفة معالم تاريخ اإلنسانية ومعرفة تاريخ األنبياء ومعرفة سيرة النبي ومعرفة تاريخ الخلفاء الراشدين وسير العلماء واملجاهدين والدعاة وأثر االسالم في حياة البشر والتعرف على بعض الحقائق الهامة في حياة البشر ككون اإلنسان يحتاج الى التذكير والبد من الصبر على املشاق لتحقيق األهداف النبيلة...الخ. ثالثا : ايقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن: تحدث ابن السنوس ي في هذا الكتاب عن وجوب العمل بالحديث والقرآن الكريم وقد صنفه في مقدمة ومقصد وخاتمة أما املقدمة فقد بين فيها جاللة مقدار األئمة فقال : أعلم أنه يجب على املسلمين بعد مواالة هللا ورسوله مواالة املؤمنين وبالخصوص مواالة العلماء العاملين الذين حازوا بوراثة األنبياء كل فخر وصاروا نجوم هدى يقتدى بهم في ظلمات البر والبحر واجمع العلماء على هدايتهم ودرايتهم إذ كل أمة بعد بعث محمد علماؤها شرارها إال املسلمين فعلماؤهم خيارهم فذنهم خلفاء الرسول في أمته واملحيون ملا مات من سنته بهم قام أحد الكتاب وقاموا به وبهم نطق وبأسراره نطقوا كل بحسبه فال يجوز ألحد أن يعتقد أن أحدا من األئمة املقبولين عند األمة قبوال عاما يتعمد مخالفة الرسول في ش يء من سنته جل أو دق كيف وهم محيوها واملتفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباعها وانه يؤخذ من قول كل ويترك إال قوله )1(. إن أبن السنوس ي سار على منهج اهل السنة والجماعة في نظرته الى علماء األمة قال الطحاوي -رحمه هللا- : )وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير واألثر وأهل الفقه والنظر ال يذكرون إال بالجميل ومن ذكرهم يسؤ فهو على )1( انظر: إيقاظ الوسنان ص

158 غير السبيل(. ثم اعتذر للعلماء الذين خالفوا ما صح عن النبي وقال البد أن لهم عذر وجماع األعذار ثالثة: 1- عدم اعتقاده أن النبي قاله. 2- عدم اعتقاده أنه أراد تلك املسألة بذلك القول ترجع الى عشرة اسباب هي عدم بلوغ الحديث عدم ثبوته وضعفه باألسباب املعروفة من فن مصطلح الحديث أو اشترط ماال يشترط غيره أو عدم الداللة منه أو عدم اعتبارها أو معارضتها بما يدل على أنها غير مرادة أو معارضة الحديث بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله بما يصلح كونه معارضا أو بما ليس من جنس املعارض وشرع ابن السنوس ي في ضرب األمثلة من حياة الرسول واجتهادات الصحابة الكرام )1( ثم تحدث عن امكانية أن يقع العلماء والفقهاء والقضاة وكذلك أعيان العلماء في األخطاء املخالفة للسنة فقال: (.. فذنا ال نعتقد عصمة القوم بل نجوز عليهم الذنوب ونرجوا لهم مع ذلك أعلى الدرجات ملا اختصهم هللا به من األعمال الصالحة واألحوال السنية وليسوا بأعلى درجة من الصحابة التي كانت بينهم وغيرها ويؤيد ذلك تحذير سلف األمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم والسيما األئمة األربعة والسيما األئمة األربعة من مخالفة الحديث وخصهم على وجوب العمل به مع مخالفة ( رأي كائن من كان ) )2( واستدل بأقوال بعض الصحابة في هذا املعنى منها: - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ( تمتع رسول هللا ) فقال عروة : ( نهى أبو بكر وعمر عن املتعة ( فقال: أقول قال رسول هللا ويقولون قال أبو بكر وعمر ( يوشك أن ينزل عليهم حجارة من السماء ) وذكر أقوال للصحابة في هذا املعنى ثم بين أن حافظ املغرب ابن عبدالبر وصلها في مؤلفاته بأسانيد جيدة حذفها ابن السنوس ي من باب االختصار وذكر أقوال األئمة األربعة وبين أن قولهم إذا خالفه سنة الرسول )1( انظر: ايقاظ الوسنان ص 12 الى 22. )2( املصدر السابق نفسه ص

159 فهو مردود ومن ذلك: - قيل ألبي حنيفة رض ي هللا عنه إذا قلت قوال وكتاب هللا يخالفه قال اتركوا قولي لكتاب هللا فقيل إذا كان خبر رسول هللا يخالفه فقال: ( اتركوا قولي لخبر الرسول ) - فقيل إذا كان قول الصحابي يخالفه قال ( اتركوا قولي لقول الصحابي( )1(. قال مالك ابن أنس : ( إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأي فكل ما وافق الكتاب والسنة - فخذوه وكل مالم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه ) )2(. وأما الشافعي فسأله رجل عن مسألة فقال يروى عن النبي أنه قال )كذا وكذا ) فقال له السائل يا أبا عبدهللا أتقول بهذا فارتعد الشافعي واصفر وحال لونه وقال: ( ويحك وأي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول هللا شيئا ولم أقل نعم على الرأس والعين نعم على الرأس والعين قال وسمعته يقول ما عليه سنة لرسول هللا من أحد إال وتذهب وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل وفيه عن رسول هللا خالف ما قلت فالقول ما قال رسول هللا وهو قولي ) )3(. إن ابن السنوس ي من خالل بحثه النزيه خرج بنتيجة مفادها أن ما خالف الكتاب والسنة واإلجماع من أقوال املجتهدين وآرائهم ليس مذهبا لهم ويتعين على املتمسكين بمذاهبهم أن يعتنوا بالكتاب والسنة وأقوال العلماء ليعلموا بذلك ما هو مذهب إلمامهم خالف مالهج به املتأخرون من فقهاء املذاهب األربعة من اقتصارهم على املختصرات الخالية من الدليل وإعراضهم كل اإلعراض عن كتب الحديث وأصول الحديث والفقه فهم على هذا أجهل الناس بمذاهب أئمتهم )4(. ونقل قوال لإلمام أحمد قال : قال ناصر السنة اإلمام احمد بن حنبل ألبي داود وقد سأله أيتبع األوزاعي أم مالك قال : )ال تقلد دينك أحدا من هؤالء ما جاء عن النبي )1( انظر: ايقاظ الوسنان ص 23. )2( املصدر السابق نفسه ص 24. )3( املصدر السابق نفسه ص 25. )4( انظر: ايقاظ الوسنان ص

160 وأصحابه فخذ به( وذكر أن الرجل مخير في التابعين وقد فرق فقال ابو داود سمعته يقول االتباع أن يتبع الرجل ما هو فيمن يعد من التابعين مخير وقال ألبي داود ال جاء عن النبي بين التقليد واالتباع وأصحابه ثم تقلدني وال تقلد مالكا وال الشافعي وال األوزاعي وال الثوري وخذ من حيث أخذوا وقال من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال )1(. إن ابن السنوس ي في كتابه ايقاظ الوسنان حارب التقليد األعمى والتعصب ألنه رأى أن ذلك من أعظم أسباب التفرق واالنحراف عن منهج هللا الرباني ومن أهم العوامل التي ادت الى انتشار البدع واألهواء بين الناس وفشت في أوساطهم وحالت بينهم وبين سماع الحق والهدى وتركوا بسببها طريق الكتاب والسنة املطهرة إن التقليد األعمى والتعصب يؤديان الى مهاوي الردى ويقودان صاحبهما الى مسالك الغواية والضالل ويصدان عن اتباع النور والهدى فتكون نتيجته تخبطا وانتكاسا في الدنيا وهالكا وخسرانا في اآلخرة )2(. لقد انتشر مرض التعصب والتقليد في شعوب االمة االسالمية السيما في العصور املتأخرة فأصبح هو األساس ي واألصل ونتج عن تفشيه نتائج وخيمة وأمور جسيمة )3(. لقد حارب ابن السنوس ي التقليد والتعصب ورأى أن تلك الخلوة مهمة لألخذ بأسباب النهوض. لقد تعرض ابن السنوس ي في كتابه ايقاظ الوسنان ملن أعمته العصبية عن الحق وزعم : )إن الكتاب والسنة مشتركان بين أثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إال واحدة وهي منحصرة في مقلدي األربعة( )4(. )1( املصدر السابق نفسه ص 29. )2( انظر تفسير ابن كثير )213/2(. )3( انظر: فقه التمكين في القرآن الكريم لعلي محمد الصالبي ص 251. )4( انظر: إيقاظ الوسنان ص

161 وناقش من قال بذلك القول وطرح عليه اسئلة منها ما هو رايه في من تمسك بالكتاب والسنة من أصحاب القرون املفضلة الثالثة فذنهم ما قلدوا األربعة حتى يخرجهم االستثناء عن الحكم بما قبله ويرد على أصحاب ذلك الزعم بقوله تعالى: و اع ت ص م وا ]105 ب ب ل ا لل ج ي ا عا و ل ت ف ر ق وا 103[ ]آل عمران: و ل ت ك ون وا ك ال ذ ين ت ف ر ق وا و اخ ت ل ف وا ]آل عمران: ف ه د ى ا لل ال ذ ين آم ن وا ل م ا اخ ت ل ف وا ف يه م ن ا ل ق ]البقرة: 213[. وفسر حبل هللا بكتابه واستدل بأحاديث شريفة وبين أن الفرقة الناجية ما كانت على ما األربعة هي ما كان عليه رسول هللا وأصحابه )1(. وقال فذن من توهم أن مذاهب األئمة كان عليه وأصحابه كان ملتزما أن كل ما خالف لهم من الصحابة ومن بعدهم وأصحاب املذاهب املشهورة مخطئ في جميع ما خلفهم فيه وهم املصيبون في كل خالف فانظر هل يستند هذا الى نقل أو يقبله عقل )2 ( ورد على من كفر مسلما بشبهة وقال وأعجب من هذا كله التكفير املرتب على الشبهة التي ستراها في عبث الحق غثاء دون مباالة يقول الصادق : )من كفر مسلما فقد كفر( وبقوله: )إذا قال الرجل ألخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما( وذكر أقوال العلماء فقال : قال الرافعي في العزيز نقال عن التتمة فذنه إذا قال ملسلم يا كافر بال تأويل كفر ألنه سمى االسالم كفرا ومثله للنووي في الروضة نقال عن املتولي واعتمد ذلك املتأخرون كأبن الرفعة والقمولى والنثيائي واالسنوي واألذرعي وأبي زرعة وصاحب األنوار وشارح األنوار وغيرهم جزموا به من غير عذر ولم ينفرد املتولي بذلك بل سبقه إليه و وافقه عليه جمع من األصحاب منهم االستاذ أبو اسحاق اإلسفرائني والحليمي والشيخ نصر املقدس ي والغزالي وابن دقيق العيد بل قضية كالم هؤالء أنه الفرق بين أن يؤول أوال كما تدل عليه عباراتهم التي ذكرها عنهم العالمة ابن حجر في األعالم وقال فيه ما نصه ووقع في الحديث روايات البأس باإلشارة إليها فقد روى مسلم : )إذا كف ر املسلم أخاه فقد باء بها أحدهما( وفي رواية له )ايما رجل قال ألخيه )1( املصدر السابق نفسه ص 32. )2( انظر: ايقاظ الوسنان ص

162 كافر فقد باء بها أحدهما( إن كان كما قال وإال رجعت عليه وفي رواية له أيضا )ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إال كفر( ومن دعا رجال بالكفر أو قال عدو هللا وليس كذلك إال حار عليه وفي رواية ابي عوانة فذن كان كما قال وإال باء بالكفر وفي رواية )إذا قال ألخيه يا كافر فقد وجب الكفر على أحدهما( ومعنى كف ر الرجل أخاه وصفه بالكفر ونسبة إليه في خير كرأيت كافرا أو نداء كيا كافر أو اعتقاده الكفر فيه كاعتقاد الخوارج كفر املؤمنين بالذنوب وليس من ذلك تكفير جماعة من أهل األهواء ملا قام عندهم من الدليل على ذلك ومعنى باء بها أحدهما رجع بكلمة الكفر انتهى من األعالم بذيجاز وذكر فيها وجوها في تأويل الحديث الى أن قال الثالث أنه محمول على الخوارج املكفرين للمؤمنين وهذا نقله القاض ي عياض وهو ضعيف الن املذهب الصحيح املختار الذي قاله األكثرون واملحققون إن الخوارج ال يكفر ون كسائر أهل البدع...وفي الدرة البهية في جواب سؤال عمن كف ر مسلما بنحو هذا ما نصه مع تغيير يسير في اللفظ لم يدر هذا القائل مقدار ما قال ولم يتنبه ملا يلزمه في هذا الضالل من الوبال وقد ورد )إذا قال الشخص للشخص يا كافر فقد باء بها أحدهما( ثم تعجب منه كيف يتجرأ على تكفير املسلمين بما ذكر فكأنه يريد قصر االسالم على نفسه وأنه ليس ملحمد أمة ناجية غيره وغير من وافقه على ما قال وليته اعتبر بقوله تعالى: و ل ت ق ول وا ل م ن أ ل ق ى إ ل ي ك م الس ل م ل س ت م ؤ م ناا ]النساء: 94[ وقد تحرزت األمة قديما وحديثا من تكفير املسلم وحذروا من املبادرة فيه مهما أمكن فقال حجة االسالم الغزالي الذي ينبغي أن يميل إليه املحصل االحتراز من التكفير مهما وجد إليه سبيال )فذن استباحة الدماء واألموال من املصلين الى القبلة املصرحين بقول ال إله إال هللا خطأ( والخطأ في ترك الكافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمه من دم مسلم...وقد قيل ملالك أيكفر أهل األهواء فقال هم من الكفر فروا وقد سئل تقي الدين السبكي رحمه هللا : عن حكم تكفير غالة املبتدعين فقال : )أعلم أيها السائل إن كل من خاف من هللا عز وجل استعظم القول بالتكفير ملن يقول: ال إله إال هللا محمد رسول هللا( إذ التكفير أمر هائل عظيم الخطر ألن من كف ر شخصا فكأنه أخبر 161

163 أن عاقبته في اآلخرة الخلود في النار أبد اآلبدين وأنه في الدنيا مباح الدم واملال وال يمكن من نكاح مسلمة وال تجري احكام املسلمين ال في حياته وال بعد مماته والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم امرئ مسلم وفي الحديث )ألن يخطئ االمام في العفو أحب الى هللا من أن يخطئ في العقوبة( فما بقي الحكم بالتكفير إال ملن صرح بالكفر واختاره دينا وجحد الشهادة وخرج من دين االسالم جملة )1(. وذكر ابن السنوس ي حكاية لطيفة تدل على ابعاد عميقة لفهم قضية التكفير وهي : أن شخصا بمصر وقع في عبارة موهمة للتكفير فأفتى علماء مصر بتكفيره فلما أراد قتله قال السلطان هل بقي أحد من العلماء لم يحضر قالوا نعم )الشيخ جالل الدين املحلى شارح املنهاج( فأرسل إليه السلطان فحضر فوجد الرجل في الحديد بين يدي السلطان فقال الشيخ مال هذا فقالوا كفر فقال ما مستند من أفتى بتكفيره فبادر الشيخ صالح البلقيني وقال قد أفتى والدي شيخ االسالم الشيخ سراج الدين في مثل ذلك بالتكفير فقال يا ولدي أتريد أن تقتل مسلما موحدا يحب هللا ورسوله لفتوى أبيك حلوا عنه الحديد فجردوه وأخذه الشيخ جالل الدين بيده وخرج والسلطان ينظر فما تجرأ أحد يتكلم )2(. ثم بعد ذلك دخل ابن السنوس ي في الباب األول وتحدث فيه على وجوب التمسك بالكتاب والسنة وبين ان داللة الكتاب والسنة واحدة وذكر أدلة وجوب اتباعهما وتقديمهما على رأي كل مجتهد وتحدث عن عمل األصوليين واملحدثين والفقهاء بالحديث وطريقة كل قوم أما في الباب الثاني فبين حقيقة االجتهاد وأنواعه وفيما يشترط في املجتهد من الشروط الوصفية واإليقاعية ووضح حرمة االجتهاد مع النص في كل ماعم وخص ورد زعم من قال بذنقطاع ودعو أنه إجماع وذكر األدلة الشرعية التي تذم التقليد املذموم وفن د دعوة القائلين في انحصار التقليد لألئمة األربعة. )1( انظر: ايقاظ الوسنان ص 37. )2( انظر: ايقاظ الوسنان ص

164 إن دعوة ابن السنوس ي لفتح باب االجتهاد للقادرين عليه ومحاربة التقليد املذموم تعني أنه بذلك حارب اسباب الفرقة الداخلية كالجهل واتباع الهوى واالبتداع فالجهل من أعظم أسباب الوقوع في املحرمات جميعها من كفر وفسوق وعصيان ومن أعظم الجهل القول على هللا بغير علم وقد جعله هللا عز وجل أعلى مراتب املحرمات وأعلى درجة من اإلشراك به سبحانه قال تعالى: ق ل إ ن ا ح ر م ر ب ال ف و اح ش م ا ظ ه ر م ن ه ا و م ا ب ط ن و ا ل ث و ال ب غ ي ب غ ي ا ل ق و أ ن ت ش ر ك وا ب لل م ا ل ي ن ز ل ب ه س ل ط اا ن و أ ن ت ق ول وا ع ل ى ا لل م ا ل ت ع ل م ون ]األعراف: 33[. إن ابن السنوس ي دعا الناس بأن يأخذوا الحق ويبحثوا عنه من مصدره الصحيح كتاب هللا وسنة رسوله وبين في كتابه النفيس إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن أن أي حكم لم يقم عليه دليل وال برهان من وحي هللا فذنه باطل مرفوض وعالج مرض الجهل بالدواء الناجع أال وهو العلم بكتاب هللا وسنة رسوله. إن من أخطر األمور أن يكون على مقدمة الحركات االسالمية قيادة تجهل كتاب هللا وسنة رسوله وال تعطي للعلماء أي وزن أو اهتمام بل تعلم على تهميشهم والنيل منهم وتجعل من عقولها وأهوائها مصادر لالجتهادات الحركية والفكرية والسلوكية ومن املعلوم أن ما سوى الشرع موزون وليس بميزان ومحكوم وليس بحاكم )1(. إن كتاب ابن السنوس ي ايقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن يدل الباحث على تأثره باملنهج السلفي ويظهر فيه تأثره بأفكار ابن تيمية الذي ناد قبله بستة قرون بالتمسك بالكتاب والسنة وحارب التقليد االعمى والتعصب املذهبي ويبدو أن اطالعه على كتب ابن تيمية كان في زمن اقامته في الحجاز كما تعر ف على آرائه من خالل احتكاكه بدعاة السلفية من تالميذ الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذين تبنوا كتب ابن تيمية وابن القيم وكتب اهل السنة والجماعة عموما ولو قارن الباحث بين كتاب رفع املالم في األئمة األعالم البن تيمية وايقاظ الوسنان لوجد تأثر الثاني باألول )1( انظر: فقه التمكين ص

165 ظاهر العيان. إن ابن السنوس ي لم يكتفي في دعوته لفتح باب االجتهاد ومحاربة التقليد بالقول ولكنه قرن قوله بالعمل حيث خالف مذهبه املالكي في عدة مسائل منها رفع اليدين في الصالة حكم القبض حكم السكتات الثالث حكم االستعاذة حكم البسملة للفاتحة والسور حكم التأمين حكم التكبير لقيام الثالثة حكم السالم والخروج من الصالة حكم القنوت ورفع اليدين فيه حال الدعاء حكم تطويل الصالة وتقصيرها املشروعين )1( واملتطلع على كتابه املسائل العشر يرأى قوته في إقامة الحجة على ما * ذهب إليه من خالل خلف فيها املذهب امللكي. احاديث الرسول واقوال العلماء ويذكر ادلته التي لقد نال ابن السنوس رض ى علماء املسلمين بسبب اجتهاده في الدين وعدم تقيده بمذهب من املذاهب حيث جعل رائده العمل بالكتاب والسنة ولم يقدم عليهما اقوال العلماء والفقهاء وبسبب دعوته املخلصة التي أثرت في قبائل ليبيا والصحراء الكبرى وأفريقيا والتي اصبحت فيما بعد كتائب للجهاد في سبيل هللا تعالى )2(. إن كتاب إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن يوضح لنا معالم سلفية سنية في منهج الحركة السنوسية. كانت خاتمة كتاب إيقاظ الوسنان في سنن أهل هللا من األصول والقواعد في علم التصوف منها: السلف )3(. وسبيل عملهم فبين فيها مجموعة إن حكم أهل السلوك في هذا حكم املحديثين في العقائد والفروع وهي عقيد * )الطرق كلها مسدودة إال على من اقتفى أثر الرسول ( )4( ونسب هذا القول )1( انظر : املسائل العشر ص 5 الى 74. )2( انظر: السيد محمد رشيد رضا محمد درنيقة ص 203. )3( انظر: ايقاظ الوسنان ص 128. )4( املصدر السابق نفسه ص

166 للجنيد وقال أيضا : عملنا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يستمع الحديث ويجالس الفقهاء ويأخذ أدبه من املتأدبين أفسد من يتبعه. وقال سهل بن عبدهللا التستري بنيت أصولنا على ستة أشياء )كتاب هللا وسنة رسوله وأكل الحالل وكف األذى واجتناب اآلثام وأداء الحقوق( )1(. وقال أبو عثمان الجبري: )من أمر السنة على نفسه قوال وفعال نطق بالحكمة. ومن أمر الهوى نطق بالبدعة( )2(. وقال أبو العباس بن عطاء هللا )من ألزم نفسه آداب السنة نو ر هللا قلبه بنور املعرفة( )3(. ثم بين ابن السنوس ي أنه ال واألوامر واألخالق )4(. مقام أشرف من متابعة الحبيب وبين خطورة الهوى استدل بقول ابن عطاء في حكمه )ال الطرق عليك وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك( )5(. في األفعال واألقوال يخاف عليك( أن تلتبس وقال أيضا : )تمكن حالوة الهوى من القلب هو الداء العضال( وقال بعضهم )نحت الجبال باألظافير أيسر من زوال الهوى ) )6( ه و اه و أ ض ل ه ا لل ع ل ى ع ل م ]الجاثية: 23[. إذا تمكن قال تعالى: وبين ابن السنوس ي: أن كل طريق لم يمش ي فيه الشارع ممن يمش ي فيه على يقين من السالمة وعدم العطب ألنه واملأموم إذا خرج عن اتب اع إمامه وتعد ما أ ف ر أ ي ت م ن ا ت ذ إ ل ه فهو ظالم وال يكون أحد هو اإلمام وهو النور حده له مش ي في الظالم بقدر بعده عن )1( املصدرالسابق نفسه ص 130. )2( املصدرالسابق نفسه ص 130. )3( املصدرالسابق نفسه ص 131. )4( املصدرالسابق نفسه ص 131. )5( انظر: ايقاظ الوسنان ص 131. )6( املصدرالسابق نفسه ص

167 شعاع نور إمامه ولهذا تجد كالم أئمة املذاهب كلهم نورا صر فا ال إشكال فيه لقربهم من رسول هللا بخالف غيرهم ولهذا املعنى أشار مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها( يعني حرفا بحرف من غير زيادة نقص عنه فس ر بأن االبتداع هو الزيادة على التشريع )1(. بقوله : )رحم هللا أمرا سمع شرعته أو على ما لقد كان التصوف عند ابن السنوس ي وسيلة لتربية النفس وتزكيتها والسمو بها نحو املعالي وكان تصوفه له مقياس دقيق )كتاب هللا وسنة رسوله السنوس ي بالعلم الرباني وتربية النفس ( فأهتم ابن وهذا يظهر من خالل دراسة كتابه ايقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن وقد ختم ذلك الكتاب بهذه العبارات الجميلة )وهللا الهادي الى الصواب ال رب غيره ال خير إال خيره عليه توكلت وإليه أنيب وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الذين نالوا ذرى املجد بصحبته وبلغوا كمال الكرم والشرف برؤيته نسأل هللا عز وجل أن يحشرنا في وفدهم إليه وأن ينيلنا مما أعده لهم لديه إنه كريم رحيم حليم عظيم( )2(. إن ابن السنوس ي كان جرئيا في طرح أفكاره التي كانت على جانب كبير من األهمية بالقياس الى عصره الذي تجمد فيه الفكر وتأخر فيه هللا وسنة رسوله العلم وابتعد الناس عن كتاب وكانت دعوته للتمسك بالكتاب والسنة مبنية على علم غزير وحجج دامعة وبراهين ساطعة وكان متأدبا غاية التأدب مع العلماء فهو الينكر فضل األئمة ولكنه يأبى الوقوف عند حدود ما قالوه مادام باإلمكان الرجوع الى النبع واالطالع على أحاديث قد ال يكونوا وصلوا إليها ومادام باإلمكان التفكير واالستنباط مع مالحظة تغير الظروف )3(. كان ابن السنوس ي املؤرخ يمتاز بغزارة معلوماته ويعتز بتاريخ أجداده ويؤمن بضرورة حصر اإلمامة في قريش ومع هذا ساند الدولة العثمانية حرصا على وحدة األمة ودحر )1( املصدر السابق نفسه ص )2( انظر: ايقاظ الوسنان ص 139. )3( انظر: الحركة السنوسية ص

168 أعدائها وكان اسلوبه في كتابة التاريخ على نمط مؤرخي املسلمين ويقتصر على سرد الحوادث. كان ابن السنوس ي فقيها متصوفا اهتم بالعلوم الفقهية وغاص في معرفة حقائق النفوس البشرية واستنبط منهجا تربويا لعالج االمراض النفسية والرقي بها نحو الكمالت اإلنسانية مسترشد بكتاب هللا وسنة خير البرية. 167

169 املبحث الثالث من أهم صفات ابن السنوس ي إن ابن السنوس ي في سيرته العطرة اتصف بصفات الدعاة الربانيين من الصدق واالخالص والدعوة الى هللا على بصيرة والصبر والرحمة والعفو والعزيمة والتواضع واالرادة القوية التي تشمل قوة العزيمة والهمة العالية والنظام والدقة والزهد والورع واالستقامة...الخ ونحاول في هذا املبحث أن نركز على بعض الصفات التي تميزت بها شخصيته الفذة: أوال : الحلم: إن الحلم ركن من أركان الحكمة وقد وصف هللا نفسه بصفة الحلم في عدة مواضع من القرآن الكريم كقوله تعالى: و ل ق د ع ف ا ا لل ع ن ه م إ ن ا لل غ ف ور ح ل يم ]آل عمران: 155[. وقد بلغ في حلمه وعفوه الغاية املثالية وكان ابن السنوس ي شديد االقتداء في كل احواله وأقواله وأفعاله برسول هللا وكانت له مواقف كثيرة تدل على حلمه وضبطه لنفسه منها ذكر أحمد الشريف في رحلته. ان رجال من الطريقة الدرقاوية اساء األدب مع ابن السنوسية أثناء نزوله بسيوه وقال البن السنوس ي : نحن نكسر رؤس الرجال فقال له ابن السنوس ي: أنتم تكسرون الدالع )البطيخ(. فلما سمع االخوان بذلك أرادوا أذيته )يعني الرجل( فقال لهم االستاذ: اتركوه عنكم واختفى الرجل خوفا من االخوان( )1(. ثانيا : العفو والصفح عند املقدرة: ومن الصفات التي ظهرت في شخصية ابن السنوس ي حبه للعفو والصفح فعندما نشب خالف حول أمالكه مع بني عمه في الجزائر وطالب ابناء عمه بحقوقه فامتنعوا )1( انظر: الحركة السنوسية ص

170 ورفع عليهم قضية وكسبها ولم يدفع أوالد عمه املستحقات التي له وقامت الحكومة بسجنهم تنازل عن طلبه )1( وعندما ناصبه العداء بعض العلماء تعصبا واندفاعا وجمودا واتهموه بالكفر واملروق عن االسالم فقال ابن السنوس ي عمن تولى الهجوم عليه )عفى هللا عن الشيخ عليش سامحه هللا( )2(. ثالثا : زهده: كان ابن السنوس ي زاهدا في الدنيا راغبا في اآلخرة حريصا على دعوة الناس للحق ولم يحرص على جمع األموال وحطام الدنيا الفاني وله اشعار تدل على زهده وعلى حقيقة نفسه املنصرفة الى هللا املقبلة على متاع الروح الزاهدة في لذائذ الدنيا ومتعها وذلك إذ يقول: إال إنما الدنيا غضارة أيكة هي الدار: ما اآلمال إال فجائع ومالذة األوالد واملال واملنى فال تكتحل عيناك يوما بعبرة إذا اخضر منها جانب جف جانب علينا وال اللذات إال العطائب لدينا وال اآلمال إال املصائب على ذاهب منها فذنك ذاهب ومن أشعاره في التعبير عن زهده في الدنيا: وهبني علمت الكيمياء ونلتها وأتقنتها صبغا واتقنتها صنعا )1( املصدر السابق نفسه ص 58. )2( انظر: السنوس ي الكبير ص

171 ولخصت تسيير الكواكب كلها وملكت أموال البرايا بأسرها أليس مصيري بعد ذلك كله ببحثي وتدقيقي ونلت بها مسعى وجالت يدي في أصفهان الى صنعا الى فقل للذي يمس ى ويصبح همه رابعا : تواضعه: تحت هذا التراب في حالة شنعا لغير رضا الرحمن: ياخيبة املسعى )1( ومن الصفات البارزة في شخصية ابن السنوس ي صفة التواضع فعندما دخل مكة كان يسقي الناس ماء زمزم واتخذها حرفة وصار مالزما لها فترة من الوقت قربة الى هللا )2( وقد ذكر بن علي في فوائده الجلية أن ابن السنوس ي كان ناذرا هلل تعالى وقف نفسه على خدمة الكعبة املشرفة تقربا الى هللا تعالى وتواضعا ومجاهدة لنفسه وكان عازما على املض ي غير أن هللا تعالى رفع قدره وهيأه ملا هو أعم وأنفع ومن تواضع هلل رفعه هللا )3( وقام بالوفاء بنذره واشترك في خدمة الحرم بقدر ما يسر هللا له )4(. لقد كان ابن السنوس ي غاية في التواضع وفي رسالة من رسائله الى أحد أخوانه تظهر هذه الصفة جلية حيث يقول: )والذي أوص ى به نفس ي وإخواني هو تقوى هللا وصية هللا في الذين خلوا من قبل }ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا هللا{ باتباع أوامره واجتناب نواهيه والوقوف عند حدوده بأعمار الظواهر )1( انظر: دراسات وصور للحاجري ص 303. )2( انظر: السنوس ي الكبير ص 11. )3( انظر: الفوائد الجليلة )20/1(. )4( املصدر السابق نفسه )21/1(. 170

172 باملجاهدات وأعمار البواطن باملشاهدات...( )1(. فنالحظ أن ابن السنوس ي قرن نفسه بأخوانه مما يدل على تواضعه وجعل نفسه كأي واحد منهم ومقامه منهم أوضح من الشمس في رابعة النهار. خامسا : العفة والترفع عما في أيد الناس: من الصفات البارزة في شخصية ابن السنوس ي العفة والترفع عما في ايد الغير فعندما حجت الى مكة والدة عباس باشا حفيد محمد علي باشا حاكم مصر وسمعت بتقوى ابن السنوس ي وواليته ذهبت لزيارته في الزاوية فلم تجده وجدت الشيخ عبدهللا التواتي فسألته: أنت الشيخ فأجابها : انا عبدالشيخ. واخبرها أن الشيخ في الطائف فقصدت الطائف وطلبت مقابلته بالحاح فقابلها على مضض فحدثته عن ابنها عباس وكيف يضطهده عمه ابراهيم باشا وكيف أنها تخش ي عليه من عمه ثم سألته أن يدعو البنها فدعا له بالتوفيق فرغبت هي أن تقدم إلبن السنوس ي هدية فمدت له صرة مملؤة ذهبا فرفضها فلما ألحت أخبرها أنه اليأخذ شيئا وأن بذمكانها أن تعرض الصرة على التواتي في زاوية ابي قبيس فعادت الى مكة وقدمتها للتواتي فرفضها حيث وصلته تعليمات من شيخه بالرفض وملا ألحت طلب منها أن توزعها على الفقراء ألن أتباع الزاوية ليسوا بحاجة وعندما عادت الى مصر توفي محمد علي وابراهيم في سنة واحدة فخال كرس ي الوالية واحتله ولدها )2( وقد ربى أتباعه على العفة والترفع عن مافي ايد الناس وقد ذكرت قصة مرتض ى فركاش وحسين الغرياني مع البدو الذين أهدوا إليهم ابال وبقرا وغنما وكيف ردها ابن السنوس ي وبين لهم : أن مهمة بعثاتنا تنحصر في تلقين قواعد الدين والتعريف به ال ألن تقبل الهدايا والهبات والتبرعات وطلب منهم أن اليرهقوا البدو حتى بتكاليف الضيف وكان يزود الدعاة بجميع )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 91. )2( انظر: الحركة السنوسية ص

173 مايلزمهم )1( وكان يحث إخوانه من العلماء والشيوخ والدعاة أن يتعلقوا باهلل وحده يقول حيث يقول: (... وورد من أحب شيئا كان له عبدا تعس عبدالدينار وتعس عبدالدرهم تعس عبدالخميلة تعس عبدالخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فال انتعش وفي الحكم ما أحببت شيئا إال وكنت له عبدا وهو ال يحب أن تكون لغيره فيكون درى يقينك في هللا آفال عبدا وإياك أن تطلب على عملك جزاء آجال أو عاجال أو تشهد أن لك في ذلك العمل أثر فتشرك بخالق القوى والقدر فذن اإلخالص له مراتب فرتبة إخالص العوام عدم طلب الثناء والسمعة ورتبة إخالص الخواص عدم طلب الجزاء اآلجل أو املقامات املرتفعة ورتبة إخالص خواص الخواص التبري من الحول والقوة )... )2(. لقد كان ابن السنوس ي يحذر من اإلنكسار في حب الدراهم والدينار وكان يريد من إخوانه أن يتجردوا في أعمالهم ويجعلوها هلل وحده. سادسا : قوة الحجة والقدرة على اإلقناع واملناظرة: عندما وجه على عشقر والي طرابلس اتهاماته إلبن السنوس ي استطاع ابن السنوس ي أن يبدد جميع اإلتهامات وطلب من الوالي العثماني أن يجمعه مع العلماء في طرابلس وتألف مجلس من كبار العلماء أحمد املقرحي وكان من أبرز العلماء وأقربهم مكانة عند الوالي العثماني والشيخ القزيري البنغازي وأخذ أعضاء املجلس العلمي يناقشون ابن السنوس ي وجاء رده حاسما وشامال بل ومحرجا لبعض العلماء فأيقنوا أنهم أمام محيط من العلوم الراسخة والحجج الدامغة والبراهين الساطعة ومن ذلك الحين انضم الشيخ أحمد املقرحي والشيخ علي القزيري إلى اإلخوان وتجردوا لخدمة الحركة السنوسية وانضم أيضا على أشقر وأصبح من أتباع الطريقة )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 87. )2( املصدر السابق نفسه ص

174 السنوسية )1(. وكان من أساليبه في اإلقناع ضرب األمثلة العملية الحية وكان ذات مر ة في مجلسه بمكة يحف به بعض الزوار فدخل شخص أجنبي له مظهره امللفت للنظر وحيا الحاضرين ثم وجه سؤاال علميا معقدا إلى ابن السنوس ي كأنه يريد منه التعجيز وكان ابن السنوس ي مشغوال بعمل باشره وطلب السائل سرعة الجواب بصورة لفتت نظر الحاضرين ففهم ابن السنوس ي السائل وطمأنه بسرعة اإلجابة واستدعى تلميذه عبدهللا التواتي وكان يقوم بنصيبه في العمل وكان يومها يقوم ب ( عجن الطين ) أثناء القيام بعملية بناء في زاوية مكة وكان يرتدي لباس العمال وملا استدعاه ابن السنوس ي جاء مسرعا بمالبس العمل وقد علق الطين الذي كان يقوم بعجنه في رجليه وهندامه فقال له ابن السنوس ي أجب سائلنا هذا عن سؤاله كذا وكذا واسترسل عبدهللا في اإلجابة الشاملة من ذاكرته ولم يترك ثغرة في السؤال وجاء بمختلف األقوال في املسألة ثم ردها إلى حقيقتها فتعجب الناس وتحير السائل ثم اقتنع وقال: اليصح أن يكون مثل هذا الرجل الفاضل عامال وبهذه الصورة فمن حقه أن يتصدر املجالس فأجابه ابن السنوس ي بقوله إن جماعتنا كلهم على هذا الغرار ومن لم يصل منهم إلى هذا املستوى فهو في طريقه إليه وهذا العمل الذي تعيبه عليهم لم يكن معيبا لهم أو لينقص من شأنهم وقيمتهم إنهم يعملون كما يأمر اإلسالم لرفعة شأن املسلمين وإننا نعدهم ملجد اإلسالم ولرفعة شأنه فاعتذر السائل على ماظهر منه )2(. سابعا : شعوره باملسؤولية: كان ابن السنوس ي يستشعر مسؤوليته وواجبه املنوط به نحو عباد هللا واألمانة التي تحملها لهدايتهم وإرشادهم فكان ذلك دافعا له للقيام بواجبه وأداء رسالته وكانت هذه الصفة واضحة في شخصيته وكان يستشعر بأنه مأمور بواجب الدعوة إلى هللا )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 104. )2( انظر: السنوس ي الكبير ص

175 وفي خطواته التي سار عليها وشعوره باملسؤولية جعله اليعرف املستحيل وكان اليأمر بأمر إال وقد نفذه على نفسه وأحب الناس إليه وأقربهم منه )1( وكان يقول إلخوانه ليس هناك على همة العاملين مايسمونه مستحيال إذا ما أخلصوا في عملهم وصدقت عزيمتهم واتخذوا من القرآن الكريم دليال وعرفوا معانيه وتدبروها كما يجب أن يتدبروها )2(. ثامنا : حليته: كان أزهر اللون مدور الوجه أقنى األنف خفيف العارضين واللحية أشقر الشعر معتدل القامة رقيق الحاجبين أزجهما واسع الثغر فصيح اللسان جهوري الصوت مع رقة فيه واسع العينين وفي احداهما انكسار اليكاد يظهر طويل العنق عريض الصدر واملنكبين من رآه مرة هابه وإذا خالطه وكامله ألفه وأحبه )3(. تاسعا : هوايته: كان يهوى اقتناء الخيل ويحسن ركوبها إلى درجة عالية من املهارة وكان يستطيع التقاط بعض الش ئ من األرض من على ظهر الجواد في أثناء عدوه كما كان يستطيع الوقوف على رجليه وعلى رأسه على ظهر الجواد أثناء عدوه ويستطيع اصابة مايريده من املرمى وكان يشجع اتباعه وإخوانه على تعلم الفروسية ويقول لهم: إن ذلك من صميم السن ة )4(. وفاته : كان ابن السنوس ي يشعر باملرض منذ مدة وكان يصارعه بالصبر وقوة العزيمة فلم )1( انظر: برقة العربية أمس واليوم ص 180. )2( انظر: السنوس ي الكبير ص 117. )3( انظر: الفوائد الجليلة )89/1(. )4( املصدرالسابق نفسه )89/1(. 174

176 يركن للراحة ويخضع لوطأة املرض وشرع في إتمام ماعزم على إقامته وحاول أن يتغلب على املتاعب واألمراض وكان يمهد األمور لتولي ابنه محمد املهدي أمر زعامة الحركة السنوسية ونجح في ذلك وأقنع اإلخوان وزعماء القبائل بذلك واشتد عليه املرض في شهر شعبان 1275 ه حتى صار يغيب عن احساسه وكان يقول : ( أهل هللا حملونا شيئا كثيرا لو نزل على الجبال الراسيات ملا اطاقته ) )1( ثم ارتفع بعض ذلك املرض منتصف محرم عام ستة وسبعين ثم تزايد عليه األلم واألسقام وصار يغيب أحيانا ويضيق أحيانا إلى أن دعاه مواله يوم األربعاء من صفر الخير بعد طلوع الشمس )2( وهكذا انتقل إلى جوار ربه. وقبل الدفن اجتمع اإلخوان في املسجد يوم الخميس وقام فيهم عمران بن بركة خطيبا فألقى كلمة قال فيها: (... حمدا ملن قض ى على جميع العباد باملوت وسدد سهمه لإلصابة في جميع الوقت فال حيف عن سلوك سبيله والمناص والمحيد عن الوقوع في شركه والخالص فلم ينج منه أمير والوزير والغني والفقير والشريف والوضيع والدني والرفيع حكم بذلك على سائر رسله وأنبيائه وأهل حضرته من أصفيائه وأوليائه وعلى املوت نفسه بعد ابقاء املقادير باملوت فال محيط عنه والفوت وجعله منة يفتدى بها من أسرار األكدار وج نة يتقى بها من سهام االغترار...( )3( وبعد أن دفن ابن السنوس ي رحمه هللا تولى أمر الحركة ابنه من بعده ( محمد املهدي( فقام بذرسال خبر وفاة ابن السنوس ي إلى شيوخ الزوايا في مختلف األقطار وكان فيها: (... إنه من عبدربه سبحانه محمد املهدي بن السيد محمد بن علي السنوس ي الخطابي الحسن اإلدريس ي إلى األجالء األبرار األصفياء األخيار أخينا السيد محمد بن إبراهيم الغماري وأخينا اسماعيل بن رمضان وأخينا وهبة وكافة إخواننا أهل مكة سلمهم هللا آمين السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ومغفرته ومرضاته وبعد )1( انظر: الحركة السنوسية ص 124. )2( املصدر السابق نفسه ص 124. )3( املصدر السابق نفسه ص

177 فقد وصلتنا كتبكم التي أرسلت باسم الوالد رحمه هللا تعالى وسقى ثراه وأكرم نزله ومثواه. وكنا قبل هذا أرسلنا إليكم كتبنا وأخبرناكم فيها بما قدره هللا وقضاه وأبرمه في أزله وأمضاه ونسأله تعالى أن يجعلنا من عباده الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هلل وإنا إليه راجعون. واستطرد محمد املهدي في رسالته إلى أن قال: كونوا على ماكنتم عليه من الداللة على هللا تعالى بالحال وباملقال وصابروا ورابطوا وتواصوا بالصبر واذكروا عباد هللا فيه وجاهدوا في هللا حق جهاده وكونوا يدا واحدة على من سواكم وفي هللا إخوانا وعلى البر والتقوى أعوانا وال تعاونوا على اإلثم والعدوان وسلموا منا على كافة اإلخوان واملحبين من أهل مكة واملعابد والوادي والطائف وغيرهم )1(. وقد رثاه الشعراء وهذه قصيدة عبدالرحيم املحبوب يبكي فيها ابن السنوس ي حيث يقول: مابال عينك ال بالنوم تكتحل كأنها سمات بالشوك أوكحلت تخالها مزنة قد الح بارقها والوجه أسفع واألعضاء ناحلة ودمعها اليزال اليوم ينهمل والجنب اذ تدعه حال ملضطجع تئن في لجج األحالك من نكد من الغض ي بشواظ كان يشتعل فاخضل األرض منها صيب هطل والقلب في شرك االحزان مختبل كان الوطأ له السعدان واالسل منه ترى راحة أن يحضر االجل )1( انظر: السنوس ي الكبير ص

178 أمن تذكر أوزارا سفت لها ام ذا لفقد حبيب كنت تألفه يالهف نفس ي على ماكان مسكنهم كانوا الغياث مللهوف ومتجعا أو زار بالطيف من تهوى ولم يصل وازور دهرك ام قد خانك األمل قلبي وهم ان مضوا سفر به مهل للمجدين إذا مامسهم محل شدوا الرحال ولم يستأذنوا أحدا تبكيهم السنة الغراء من عصر وضل شوقا لم يبكيهم الطلل ما أن بمثلهم قد مسها ثكل يبكيهم ماحوى ( كشف الظنون ) وما يروى ( الجوامع ) مع ماساره املثل مع ما روى ( حجة اإلسالم ) من حكم وأعلن الشيخ من رمز له قفل من ( للصحاح ) )و شمس العلم ) بعدهموا أو )للشفاء ) و ( للقاموس ) يحتفل من ( للجاللين ) و ( الكشاف ) ينقذه من ( للعلوم ) على أقص ى تنوعها من ( للمكارم ) و ( اآلثار ) يؤثرها ( البحر ) ( والنهر ) و ( األنوار ) ينتخل من ( للحلوم ) إذا أشفت بها العلل عن الجدود اآللى سارت بهم مثل 177

179 والغور والنجد من أرض الحجاز وما ضاهى ( ) بها من فقدهم عطل قبيسا )1( إلى أن قال: فالصبر أولى وعند هللا محتسب أن املصائب أن تعظم لها بدل توارت الشمس عن عين الحسود بها أو ذاك رفق ببدر ناله الخجل وذاك عام )شروع الخطب قلت إذن مابال عيناك ال بالنوم تكتحل )2( وهذه قصيدة ألقاها شاعر ليبيا أحمد رفيق املهدوي عام عام على وفاة ابن السنوس ي: خلدوا ذكرى أمام املصلحين سيد املجتهدين العارفين االمام ابن السنوس ي الذي فاق صنف العلماء العاملين عبقري قد تسامى للعال بجالل العلم والدين املتين وباصالح ترى آثاره لم تزل تهد على مر السنين نشر الدين بعزم صارم وجهد كجهاد املرسلين وهدى قوما على غير هدى 1956 م بمناسبة مرور مائة )1( انظر: السنوس ي الكبير ص 132. )2( املصدر السابق نفسه ص

180 في صحارى يلفح القيظ بها وبالد في غمار مطبق عمها دينا ودنيا فغدا بين جهل وضالل عائشين: كشواظ النار فيها الساكنين بظالم البؤس والغيم املشين اهلها من علماء املسلمين! وبنى فيها )زوايا( أصبحت منهال عذبا لورد الظامئين ومنارات تشع العلم من بالتآليف التي من فيضها قابس عن نور رب العاملين )سلسبيل( )املنهل( الصافي املعين و)شفاء الصدر( من رين الهوى و)بايقاظ لوسنان( مهين 179

181 وشروح لعلوم وضحت بينت ماجاءنا عن جده هذه آثاره من علمه ما عص ى من مشكالت األولين من علوم وأحاديث ودين كلها تدعو الى الحق اليقين )1( هذا ما استطعت جمعه وتلخيصه عن ابن السنوس ي رحمه هللا تعالى وما أردت بالكتابة عن حياته إال احياء سير املصلحين والدعاة العاملين والعلماء الراسخين لتعلم األجيال الصاعدة ان لها تاريخا عريقا ضاربا في اعماق الزمن يزخر بأمجاد االسالم وأن ابن السنوس ي ممن واصلوا نهج الصحابة والتابعين في الدعوة الى هللا وأن سيرته ليست عنا ببعيدة لعل هذه الصفحات املشرقة تصل الى قلوب دعاة االسالم في ليبيا وفي األمة فيقتبسوا من سيرته مايحثهم على مواصلة السير لدعوة هللا والجهاد في سبيله وما اردت بذلك إال وجه هللا تعالى هو حسبي عليه توكلت وإليه أنيب انتهيت من هذه الترجمة في العشر األواخر من شهر رمضان فاستبشرت بذلك خيرا وتذكرت رؤيا رأيتها عندما كنت في املعتقل السياس ي بطرابلس الغرب عام 1983 م حيث رأيت ابن السنوس ي في منامي وقدم لي كأسا مملؤة بالحليب فشربته ويبدو أن تأويل الرؤيا قد تحقق بكتابة هذا الكتاب والفضل هلل وحده من قبل ومن بعد وأختم )1( امللك ادريس عاهل ليبيا تأليف دي كاندول ص أشرف على الترجمة محمد عبده بن غلبون. 180

182 هذا الكتاب بهذه األبيات التي سليت بها نفس ي عندما حذرني بعض األخوة من نشر م يتعلق بأمجاد السنوسية ألن ذلك يثير أعداؤهم ضدي وأنت الحول لك وال قوة فأجبتهم ما أردت بكتابي إال نصرة اإلسالم وقلت لهم بأن هذه األمجاد ليست خاصة بالسنوسية بل هي لكل مسلم وتلوت قول هللا تعالى: الر ا ح ني ]يوسف: 64[. أما األبيات فهي: التطلبن من غير ربك حاجة إن كنت بالرحمن ذا إيمان ومن الذي يستبدل الضعفاء والفقراء والبخالء بالرحمن أو يشتري الظلمات باألنوار أو يرض ى يعود بأخسر الخسران فوض إلى املعبود أمرك كله وافزع إلى املولى بغير تواني واقرع إذا نام األنام وغل قوا أبوابهم باب النوال الهاني باب الذي بسط اليدين بليله ونهاره لتدارك العصيان ويداه مبسوطان لإلحسان ما قبضت يد خوفا من النقصان ف ا لل خ ي ح اف ظاا و ه و أ ر ح م 181

183 باب الذي إن لم تسله فضله يغضب فكيف يرد بالحرمان باب املجيب إذا دعاه مرتج الج إليه ماله من ثاني باب الذي يغنيك عن زيد وعن عمرو وعن ثان وعن أعوان باب الذي الخير إال عنده بيديه كل منى وكل أمان باب الذي يرجى لكل ملمة لعظائم اآلالم والحدثان الحي قيوم الخالئق كلها الواسع الر ح م ى عظيم الشان سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ال إله إال أنت استغفرك وأتوب إليك. 182

184 نتائج البحث أصيبت الدولة العثمانية في القرنيين املاضيين بداء األمم كالحسد والبغضاء واستبداد امللوك وخيانة األمراء وغشهم لألمة وإخالد الشعب الى الراحة والدعة وكان شر ماأصيبت به الدولة الجمود في العلم وفي صناعة الحرب وفي تنظيم الجيوش. كانت االحزاب العلمانية والجمعيات السرية والعصبيات القومية تنخر في كيان الدولة فظهرت الدعوة الى القومية الطورانية والعربية والكردية... وبدأت الثورات تتفجر في البلدان والحركات اإلنفصالية تتكاثر والدول األوروبية تدعمها وتسعتد لتقسيم تركة الرجل املريض. أصبحت االمة تعاني من اآلثار التي ترتبت عن ابتعادها عن شرع هللا واصيبت الناحية االجتماعية بتفش ي الجهل واملظالم بين الناس وصراع األمراء والوالة على حطام الدنيا الزائل وأصبحت األمة في ليل حالك وظالم دامس. جمد املسلمون في علوم دينهم فليس لديهم إال ترديد بعض الكتب الفقهية والنحوية والصرفية ونحوها وجمدوا على فقه املذاهب وجل همهم التعمق في الحواش ي وحفظ املتون دون القدرة على االجتهاد. أصبح لكل مذهب من املذاهب الفقهية مفتيا وإماما وتعددت الجماعات في املسجد الواحد كل ينتصر ملذهبه وكل يصلي خلف إمام مذهبه وبذلك يقف املسلمون لصالة الجماعة وراء أكثر من إمام حسب املذاهب املتواجدة في ذلك املسجد. انتشر التصوف املنحرف في ارجاء البالد االسالمية شرقها وغربها عربيها وعجميها وضاع مفهوم العبادة الصحيح ومفهوم الوالء والبراء وانحرفت األمة عن كتاب ربها وسنة رسولها. بدأت الدول األوروبية تستقطع من العالم االسالمي بلدانا كلما اتيحت لها الفرصة. اهتز العالم االسالمي الحتالل الصليبيين ألجزاء من الوطن االسالمي اهتزازا عنيفا كما تأثر باحتكاكه االصالح. بالغرب واطالعه على تقدمه من هذا التحدي نبعت حركات 183

185 تتابعت حركات االصالح في العالم االسالمي منذ النصف الثاني للقرن الثامن عشر بتأثير عوامل عديدة منها إحساس بعض العلماء الربانيين بسوء األوضاع في العالم االسالمي واحتالل أجزاء منه. قامت حركة الشيخ مؤسسها بذنحطاط املسلمين وتأخرهم. محمد بن عبدالوهاب في نجد وكان الدافع لها إحساس تعد حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب البداية الحقيقية ملا حدث في العالم االسالمي من يقظة جاءت بعد سبات طويل وما تمخض عنها من صحوة مباركة ورجعة الى الدين. ظهر اإلمام محمد بن علي السنوس ي بدعوته االسالمية بعد وفاة محمد بن عبدالوهاب بعشرات السنين. ولد اإلمام محمد بن علي السنوس ي عام 1202 ه صبيحة يوم االثنين املوافق الثاني عشر من ربيع األول عند طلوع الفجر ولذلك سماه والده محمدا تيمنا باسم النبي. بعد وفاة والده تولت عمته فاطمة تربيته وتنشئته تنشئة صالحة وكانت من فضيالت أهل زمانها ومتبحرة في العلوم ومنقطعة للتدريس والوعظ. بعد وفاة عمته عام 1209 ه بسبب الطاعون تولى تربيته ابن عمه الشيخ محمد السنوس ي الذي تواله بعد وفاة عمته واتم على ابن عمه حفظ القرآن الكريم برواياته السبع مع علم رسم الخط للمصحف والضبط وقرأ عليه الرساالت اآلتية مورد الظمآن املصباح العقيلية الندى الجزري الهداية املرضية في القراءة املكية حرز األماني للشاطبي.. بعد وفاة ابن عمه ثم توجهه الى بلدة مازونه من السنة وتتلمذ على كبار شيوخها ه جلس لألخذ من علماء مستغانم ملدة سنتين كامليتين ومكث بها عاما ثم رحل الى مدينة تلمسان وأقام بها مايقارب كان تفكيره في حال األمة مبكرا واجتهد في البحث عن العلل واألسباب التي أدت الى التدهور والضعف املخيف في كيان األمة وذكر أن من أسباب هذا الضياع فقدان القيادة الراشدة وغياب العلماء الربانيين وانعدام الغيرة الدينية واالنشغال 184

186 بالخالفات التي فرقتهم شيعا وجماعات...الخ. رأى ابن السنوس ي أن االيمان هو القضية األولى واألساسية لهذه األمة فذذا تخلف املسلمون عن غيرهم في وسائل الحياة الحرة الكريمة فمرد ذلك الى انحرافهم عن فهم االسالم فهما سليما. وال سبيل الى إصالح حالهم ومآلهم إال بااليمان على الوجه الذي بينه هللا في كتابه ورسوله في سنته. وهو أن يكون طاقة دافعة الى العمل وقوة محركة للبناء وحافزا طبيعيا للتفوق. رأى أهمية العلم في نهوض األفراد والجماعات واألمم ألن وأساس العمل الصالح ودليل العبادة. العلم ظهير اإليمان سافر الى فاس ليزداد في طلب العلم وبقي في املغرب األقص ى سبع سنين متتالية وكانت تجربته في فاس ثرية. وبعد ذلك ترك املغرب األقص ى وتوجه نحو املشرق فمر بتونس وليبيا ثم دخل القاهرة وكان ذلك عام 1239 ه/ 1824 م. كانت زيارته ملصر قد رسخت في نفسه ضعف دولة الخالفة من جهة وزاد ضعفها بظهور حكومة محمد علي باشا على مسرح األحداث في مصر وقد وصل الى قناعة مهمة في االصالح والنهوض. لقد خبر ابن السنوس ي اوضاع الدولة العثمانية في وطنه األول الجزائر حيث تسلط الوالة األتراك وحكمهم االستبدادي وعجز الدولة عن منعهم من الظلم وجاء الى القاهرة فرأى حكم محمد علي باشا وانفراده بشؤون مصر فزاد اقتناعا بعجز الدولة وضعفها. دخل ابن السنوس ي الحجاز عام ذات أثر كبير في قيام الدعوة السنوسية وظهور شأنها ه/ 1825 م ونزل مكة وكانت تلك الزيارة ملكة اهتم ابن السنوس ي بالقضية الجزائرية وعمل على اذكاء جذوة الجهاد في نفوس ابناء الجزائر ضد فرنسا وحرص على املشاركة فيه بنفسه وأعد لذلك العدة إال أن الظروف والعوائق التي كانت في طريقه منعته من ذلك وعمل على امداد تالميذه 185

187 باألسلحة واملال وحرض اتباعه على القتال واستمر اتباع السنوسية والشعب الليبي في دعم حركة الجهاد حتى تم دحر االحتالل الفرنس ي. إن املفتاح الكبير لقبائل برقة هو قناعتها بأن ابن السنوس ي ولي من أولياء هللا الصالحين ولذلك سمعت لنصائحه واطاعت أوامره فأرشدهم الى كتاب هللا وسنة رسوله. كانت زاوية البيضاء في الجبل األخضر أول الزوايا التي أسسها ابن السنوس ي وشرع يعلم الناس فيها ويذكرهم باهلل ويرشدهم الى طريق النجاة في الدنيا واآلخرة وبدأت القبائل تتوافد إليه تطلب زيارته لها تبركا به وتطلب اقامة الزوايا لها اسوة بالزاوية البيضاء فكان يتوجه بنفسه الى القبيلة أو املكان املطلوب الزاوية فيه وأحيانا ينتدب بعض االخوان لذلك وهكذا بدأت القبائل تتسابق والزوايا تنتشر. توفرت في قبائل برقة ظروف مالئمة لظهور الحركات السنوسية بوصفها حركة اسالمية شاملة منها انفصالها عن االقطار املجاورة بالصحارى والفيافي التي تحيط بها تتألف تلك القبائل من قبائل عربية بدوية تربطها أنماط حياة اجتماعية متجانسة ويقوم ذلك النظام على عصبيات دموية مشتركة وتقاليد وأعراف متشابهة كانت بعيدة عن سيطرة املدن كانت القبضة العثمانية عليها ضعيفة...الخ. ظل ابن السنوس ي خمس سنين ينش ئ الزوايا وينظمها ويرسم مناهج الدعوة ومبادئها ويبث دعوته االصالحية عن طريق الزوايا. عاد بعد هذه السنوات الخمس الى الحجاز املركز األول لدعوته ومنذ ذلك الوقت كانت للدعوة مركزان رئيسيان شرقي في الحجاز وغربي في برقة وعن هذين املركزين أخذت الدعوة السنوسية تنتشر بواسطة الزوايا هنا وهناك. طالت مدة غياب ابن السنوس ي في الحجاز واشتد القلق في لييا لطول غيبته وسافر الى الحجاز أكثر من وفد ليبي ليلتمس منه ان يعود وكانوا يسافرون غالبا في موسم الحج. رجع ابن السنوس ي الى ليبيا واختار الجغبوب كمقر لقيادة الحركة السنوسية. استطاع ابن السنوس ي أن يختار من بين املسلمين مجموعة خيرة من العلماء 186

188 والفقهاء والدعاة ممن اتصفوا بالتميز االيماني والتفوق الروحي والرصيد العلمي والزاد الثقافي ورجاحة العقل وقوة الحجة ورحابة الصدر وسماحة النفس واصبحوا من أعمدة الحركة السنوسية أثناء حياته وبعد وفاته. قام عدد كبير بنصرة وتأييد الحركة السنوسية من العلماء والفقهاء والقادة والشيوخ ومن أشهر هؤالء االخوان الذين ساندوا ووقفوا مع ابن السنوس ي في حركته الواسعة محمد عبدهللا التواتي احمد ابوالقاسم التواتي علي بن عبد املولى احمد بن فرج هللا محمد بن الشفيع احمد املقرحي وعمران بن بركة الفيتوري وغيرهم كثير. استطاع ابن السنوس ي بتوفيق هللا تعالى أن يجعل من االخوان والقبائل في الصحراء الكبرى مجتمعا متماسكا متوحدا في عقيدته وتصوراته ومنهجه فانعكس ذلك في توادهم وتراحمهم فيما بينعم وأصبحوا كالجسد الواحد الذي يخفق فيه قلب واحد وتسري فيه روح واحدة ويتأثر كل عضو فيه بما يصيب بقية األعضاء. إن األصول التي تساهم في توحيد املجتمع هي وحدة العقيدة وتحكيم الكتاب والسنة وصدق االنتماء الى االسالم طلب الحق والتحري في ذلك وتحقيق االخوة أفراد املجتمع. بين يظهر البعد التنظيمي في شخصية ابن السنوس ي في بناء الزوايا التي يتربى فيها اتباعه واملنهج التربوي الذي ساروا عليه. كان نظام الزوايا معروفا في العالم االسالمي والشمال األفريقي واستطاع ابن السنوس ي بعقليته التنظيمية أن يطور مفهوم الزوايا بحيث أصبحت تمثل النواة األولى ملجتمع تحكمه سلطة وعليه واجبات اجتماعية واقتصادية وسياسية ودعوية وجهادية. انتهج ابن السنوس ي منهجا تربويا استمده من كتاب هللا وسنة رسوله ومن خبرته بالطرق الصوفية التي درس جلها وانتقد اخطائها وعمل على طريقة خاصة يسلكها اتباعه. إن الصوفي الحقيقي في رايه من يتقيد بالكتاب والسنة وقد جعل للمريدين مراتب 187

189 في السلوك يتدربون عليهاأولهما تصحيح العقيدة بميزان أهل السنة والجماعة أن يتعلم املريد مايحتاج إليه من املسائل الفقهية املتعلقة بظاهر البدن على مذهب من املذاهب األربعة أن وتنقية السر...الخ. يتوجه املريد الى تزكية النفس وتهذيب األخالق وتصفية القلب يظهر البعد السياس ي عند ابن السنوس ي في تعامله الحكيم مع الدولة العثمانية حيث رأى في الدولة العثمانية دولة الخالفة ضرورة الزمة لوحدة األمة والدفاع عن كيانها وأنه البد من معاضدتها والوقوف بجانبها ويظهر أيضا في حملة التوعية التي قام بها ضد الغزو القادم لألمة من قبل األوروبيين وتنظيمه للزوايا وتعبئة األنصار بغرس الثقة في دينهم وعقيدتهم والثقة بقيادتهم وتأخير الصدام مع األوروبيين حتى يكتمل. كان أسلوب ابن السنوس ي في الدعوة الى هللا مستمدا من كتاب هللا وسنة رسوله وقد نجح في ارشاد الطرق الصوفية املنحرفة وتعامل مع الرقيق من األفارقة بأسلوب رفيع فاشتراهم واعتقهم وعلمهم ثم ارسلهم دعاة الى قبائلهم واهتم بدعوة القبائل وزعمائها واستطاع ان يجعل منهم دعاة الى هللا تعالى واعتمد في اسلوبه ضرب األمثال واستخدم القصة واستعمل الشدة في محلها. إن فهم أفكار ابن السنوس ي يمكننا الوصول إليها من خالل كتبه ومن أهمها كتاب املسائل العشر السلسبيل املعين إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن رسالة مقدمة موطأ االمام مالك وغيرها... كانت كتب ابن السنوس ي في أكثرها تتناول املباحث الفقهية والصوفية وفيها كتابا أو كتابين يتناوالن مواضيع تاريخية... إن ابن السنوس ي في دراسته الطويلة لم يهمل الجانب التاريخي لقناعته الراسخة بأهمية هذا العلم في تحقيق الفوائد التربوية وادراك السنن الربانية ومعرفة معالم تاريخ االنسانية ومعرفة تاريخ األنبياء ومعرفة سيرة النبي ومعرفة تاريخ الخلفاء الراشدين وسير العلماء واملجاهدين والدعاة... وكانت ثقافته التاريخية تمتاز بغزارة املعلومات ويعتز بتاريخ اجداده ويؤمن بضرورة حصر االمامة في قريش وكان اسلوبه 188

190 في كتابة التاريخ على نمط مؤرخي املسلمين ويقتصر على سرد الحوادث. كان ابن السنوس ي فقيها متصوفا اهتم بالعلوم الفقهية وغاص في معرفة حقائق النفوس البشرية واستنبط منهجا تربويا لعالج األمراض النفسية والرقي بها نحو الكمالت االنسانية. اتصف ابن السنوس ي بصفات الدعاة الربانيين من الصدق واإلخالص والدعوة على بصيرة والصبر والرحمة والعفو والعزيمة والتواضع واالرادة القوية التي تشمل قوة العزيمة والهمة العالية والنظام والدقة والزهد والورع واالستقامة...الخ. إن هذا املجهود املتواضع قابل للنقد والتوجيه وماهي إال محاولة جادة إلزاحة الركام عن صفحات مشرقة من تاريخ بالدنا الحبيبة التي كانت ونرجو من هللا أن تكون مركزا لدعوة االسالم في مشارق األرض ومغاربها وماذلك على هللا بعزيز ويقولون متى هو قل عس ى أن يكون قريبا. هذه بعض النتائج التي وصلت إليها وقد ملت الى االختصار الشديد خوفا من اإلطالة واإلطناب. وأسأل هللا العلي العظيم رب العرش الكريم أن يقتبل هذا الجهد املتواضع قبوال حسنا وأن يبارك فيه وأن يجعله من أعمالي الصالحة التي أتقرب بها إليه. وأختم الجزء األول من الكتاب السابع بقول هللا تعالى: ر ب ن ا اغ ف ر ل ن ا و ل خ و ان ن ا ال ذ ين س ب ق و ن ب ل ي ان و ل ت ع ل ق ل وب ن ا غ ا ل ل ل ذ ين آم ن وا ر ب ن ا إ ن ك ر ء وف ر ح يم ويقول الشاعر: أنا الفقير الى رب البريات أنا املظلوم لنفس ي وهي ظاملتي ال أستطيع لنفس ي جلب منفعة أنا املسكين في مجموع حاالتي والخير إن يأتينا من عنده يأتي ]الحشر: 10[ 189

191 وال عن النفس لي دفع املضرات والفقر لي وصف ذات الزم أبدا وهذه الحال حال الخلق أجمعهم كما الغني أبدا وصف له ذاتي وكلهم عنده عبد له آتي )سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ال إله إال أنت أستغفرك وأتوب دعوانا أن الحمدهلل رب العاملين(. إليك( )وآخر 190

192 أهم مراجع ومصادر البحث )أ( إمام التوحيد الشيخ محمد بن عبدالوهاب الدعوة والدولة تأليف أحمد القطان محمد الزين مكتبة السندس الكويت الطبعة الثانية 1988 م. انتشار االسالم في القارة األفريقية د. حسن ابراهيم حسن مكتبة النهضة املصرية الطبعة الثالثة 1984 م. ايقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن لإلمام محمد بن علي السنوس ي طبع مع املجموعة املختارة لإلمام السنوس ي على نفقة محمد عبده بن غلبون وشقيقه هشام وعلي في منشستر ببريطانيا عام 1990 م. )ب( 4.برقة العربية أمس واليوم محمد الطيب بن أحمد ادريس األشهب مطبعة الهواري شارع محمد علي بمصر. 5.البحر الرائق في الزهد والرقائق أحمد فريد دار البخاري القصيم بالسعودية الطبعة األولى 1411 ه م. 6.البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ملحمد بن علي الشوكاني دار املعرفة بيروت. )ت( 7.تاريخ ليبيا املعاصر محمود عامر منشورات جامعة دمشق طبعة عام 1411 ه 1991 م. 8.تفسير القرآن العظيم ابن كثير أبو الفداء اسماعيل تحقيق عبدالعزيز غنيم وحمد أحمد عاشور ومحمد ابراهيم البناء مطبعة الشعب القاهرة بمصر. 191

193 9.تفسير السعدي املسمى تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم املنان للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي املؤسسة السعدية بالرياض 1977 م. 10.تفسير اإلمام البغوي املسمى معالم التنزيل لإلمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي دار املعرفة بيروت لبنان الطبعة الثالثة 1413 ه 1992 م. 11.التمكين لألمة اإلسالمية في ضوء القرآن الكريم محمد السيد محمد يوسف دار السالم بمصر الطبعة األولى 1418 ه 1997 م. 12.توضيح األحكام من بلوغ املرام عبدهللا بن عبدالرحمن البسام دار القبلة للثقافة اإلسالمية جدة الطبعة األولى 1413 ه 1992 م. )ج( 13.جند هللا تخطيطا سعيد حوى دار السالم بمصر. 14.الجامع ألخالق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي مكتبة املعارف الرياض 1403 ه/ 1983 م. 15.الجامع ألحكام القرآن ألبي عبدهللا محمد بن أحمد األنصاري القرطبي دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان. 16.املجتمع الليبي د. عبدالجليل الطاهر املكتبة العصرية صيدا بيروت طبعة عام 1969 م. 17.املجتمع والدولة واإلستعمار في ليبيا د. علي عبداللطيف حميده مركز دراسات الوحدة العربية بيروت الطبعة األولى 1995 م. 18.الجغرافيا السياسية ألفريقيا د. فيليب رفلة القاهرة عام 1965 م. )ح( 19.حاضر العالم اإلسالمي تأليف لوثروب ستودارد األمريكي ترجمة: عجاج نويهض تعليق: شكيب أرسالن دار الفكر. 192

194 20.حاضر العالم اإلسالمي وقضاياه املعاصرة محمد جميل املصري منشورات جامعة املدينة املنورة. 21.الحكمة في الدعوة إلى هللا سعيد بن علي القحطاني الطبعة األولى 1412 ه 1992 م. 22.الحكمة واملوعظة الحسنة د. أحمد سليمان املورعي دار األندلس الخضراء جدة الطبعة األولى 1418 ه 1997 م. 23.الحركة السنوسية نشأتها ونموها في القرن التاسع عشر أحمد الدجاني الطبعة األولى 1967 م دار لبنان. 24.حلية األولياء وطبقات األصفياء: ألبي نعيم أحمد بن عبدهللا األصفهاني دار الكتاب العربي بيروت. )د( 25.دراسات وصور من تاريخ الحياة األدبية في املغرب العربي د. محمد طه الحاجري دار النهضة العربية بيروت طبعة أولى عام 1403 ه 1983 م. 26.دائرة املعارف بطرس البستاني مطبعة الهالل بمصر طبعة عام دراسات في التاريخ اللوبي مصطفى بعيو القاهرة 1945 م. 28.الدرر السنية في أخبار الساللة اإلدريسية لإلمام محمد بن علي السنوس ي ضمن املجموعة املختارة لإلمام السنوس ي طبعة في منشتر ببريطانيا عام محمد عبده بن غلبون وشقيقه هشام وعلي م على نفقة 29.دولة املوحدين من سلسلة صفحات من التاريخ اإلسالمي في الشمال اإلفريقي لعلي محمد محمد الصال بي دار البيارق عمان بيروت طبعة أولى 1998 م. 30. الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط لعلي حمد محمد الصال بي تحت الطبع ضمن منشورات دار البيارق. 31.ديوان اإلمام الشافعي تحقيق محمد عبداملنعم خفاجي الطبعة الثالثة مكتبة املعارف ه 193

195 )ر( 32.رحلة الحشائش ي إلى ليبيا جالء الكرب عن طرابلس الغرب محمد عثمان الحشائش ي التونس ي تحقيق علي مصطفى املصراتي دار لبنان الطبعة األولى 1965 م. )س( 33.سد باب اإلجتهاد وماترتب عليه عبدالكريم الخطيب دار األصالة الطبعة األولى 1405 ه 1984 م. 34.سلسلة األحاديث الصحيحة محمد ناصر الدين األلباني املكتب اإلسالمي الطبعة الرابعة 1405 ه 1985 م بيروت دمشق. 35.سنن أبي داود سليمان بن األشعث تحقيق عزت عبيد الدعاس حمص الناشر: محمد السيد. 36.سياحتي في صحراء أفريقيا الكبرى لصادق املؤيد مطبعة س ي استانبول عام 1314 ه. 37.السنوسية دين ودولة د. محمد فؤاد شكري دار الفكر طبعة 1948 م. 38.السلسبيل املعين في الطرائق األربعين لإلمام محمد بن علي السنوس ي ضمن املجموعة املختارة لإلمام السنوس ي طبعة منشستر عام 1990 م. 39.السيد محمد رشيد رضا محمد أحمد درنيقة مؤسسة الرسالة دار اإليمان طرابلس لبنان طبعة أولى 1406 ه 1986 م. 40.اإلسالم في القرن العشرين حاضره ومستقبله عباس محمود العقاد دار الكتاب العربي بيروت لبنان الطبعة الثانية 1969 م. 41.السنوس ي الكبير محمد الطيب بن إدريس األشهب مطبعة محمد عاطف ميدان الخازندار بمصر. )ش( 42.شرح الحماسة للمزروقي ط 2 لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة 194

196 1387 ه/ 1967 م. 43.شرح النووي على مسلم للنووي ط 1 مكتبة العلوم والحكم املدينة املنورة. 44.شرح مقدمة أبي زيد القيرواني األمين الحاج محمد أحمد مكتبة دار املطبوعات الحديثة الطبعة األولى 1412 ه 1991 م. )ص( 45.صحيح البخاري لإلمام محمد بن إسماعيل البخاري دار الطباعة العامرة باستانبول 1315 ه املكتب اإلسالمي استانبول تركيا. 46.صحيح مسلم لإلمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج القسيري النيسابوري دار الحديث القاهرة الطبعة األولى 1412 ه/ 1991 م. )ع( 47.عجائب اآلثار في التراجم واالخبار لعبدالرحمن الجبرتي دار فاس. )ف( 48.فقه التمكين في القرآن الكريم لعلي بن محمد الصال بي رسالة دكتوراه لم تطبع. 49.في تاريخ العرب الحديث وجهاد األندلسيين د. رأفت الشيخ دار الثقافة طبعة 1412 ه/ 1992 م. 50.الفوائد الجليلة في تاريخ العائلة السنوسية عبدالقادر بن علي مطبعة دار الجزائر العربية دمشق عام 1386 ه/ 1966 م. 195

197 )ق( 51.قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث محمد جمال الدين القاسمي دار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة االولى 1399 ه/ 1979 م. )ك( 52.كتب في الساحة االسالمية عائض القرني دار العميعي ط 1412 ه. )م( 53.موسوعة التاريخ االسالمي محمود شاكر. 54.موسوعة التاريخ االسالمي د. احمد شلبي مكتبة النهضة املصرية القاهرة الطبعة العاشرة 1995 م. 55.مفاتيح الغيب لألمام فخر الدين الرازي دار الفكر لبنان. 56.مقدمة اإلمام مالك لإلمام محمد بن علي السنوس ي ضمن املجموعة املختارة لإلمام السنوس ي طبعة في منستر عام 1990 م على نفقة بن غلبون. 57.املنهل الروي الر ائق في اسانيد العلوم وأصول الطرائق لإلمام محمد بن علي السنوس ي ضمن املجموعة املختارة لإلمام السنوس ي طبعة في منستر عام 1990 م على نفقة آل بن غلبون. 58.مجموع فتاوى ابن تيمية جمع وترتيب عبدالرحمن القاسم بيروت ط 1390 ه/ 1971 م. 196

198 59.املستخلص في تزكية األنفس سعيد حوى دار السالم الطبعة الرابعة 1408 ه/ 1988 م. 60.اإلمام البخاري تقي الدين الندوي املظاهري الطبعة الثالثة القلم بيروت دمشق ه/ 1988 م دار 61.مظاهر االنحرافات العقدية عند الصوفية إدريس محمود إدريس مكتبة الرشد الرياض شركة الرياض للنشر والتوزيع الطبعة االولى 1419 ه/ 1998 م املوطأ : االمام مالك بن أنس تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي دار إحياء الكتب العربية عيس ى الحلبي وشركاه القاهرة. 63.املسائل العشر لإلمام محمد بن علي السنوس ي ضمن املجموعة املختارة لإلمام السنوس ي طبعت بمنستر ببريطانيا عام 1990 م على نفقة آل بن غلبون. 64.امللك أدريس عاهل ليبيا تأليف دي كاندول ترجمة ليبي الناشر محمد عبده بن غلبون. 65.املهدي السنوس ي محمد الطيب األشهب مطبعة بلينوماجي طرابلس. 66.ليبيا من االستعمار االيطالي الى االستقالل د. نقوال زيادة منشورات قسم الدراسات التاريخية والجغرافية معهد الدراسات العربية العاملية جامعة الدول العربية طبعة 1958 م. )ن( 67.االنحرافات العقدية والعلمية في القرنيين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وآثارهما في حياة األمة تأليف علي بن نجيب الزهراني دار طيبة مكة دار آل عمار الشارقة الطبعة الثانية 1418 ه/ 1998 م. 68.النجوم الزاهرة لجمال الدين أبي املحاسن يوسف بن تغري الهيئة املصرية العامة للتأليف والنشر 1391 ه/ 1971 م. 197

199 )و( 69.واقعنا املعاصر محمد قطب الطبعة الثانية 1408 ه/ 1988 م مؤسسة املدينة املنورة. 70.وجوب التعاون بين املسلمين عبدالرحمن السعدي املعارف الرياض طبعة 1402 ه. 198

200 الفهرس : اإلهداء... 2 املقدمة... 3 املدخل... 9 أحوال العالم االسالمي قبيل ظهور الحركة السنوسية... 9 الفصل األول اإلمام محمد بن علي السنوس ي املبحث األول...18 اسمه ونسبه وشيوخه ورحالته في طلب العلم...18 أوال : اسمه ونسبه ثانيا : نبوغ مبكر ثالثا : الرحلة إلى فاس رابعا : األسباب التي جعلت ابن السنوس ي يغادر فاس...26 خامسا : رحلته الى املشرق...29 سادسا : دخوله القاهرة سابعا : دخول الحجاز...32 ثامنا : رحلته من الحجاز الى املغرب تاسعا : ابن السنوس ي في طرابلس عاشرا : ابن السنوس ي في برقة املبحث الثاني...46 أسباب اختيار ابن السنوس ي برقة مركزا لدعوته...46 املبحث الثالث

201 إقامة ابن السنوس ي في الحجاز وعودته الى برقة...54 أوال : عودة ابن السنوس ي الى برقة ثانيا : اسباب اختيار الجغبوب ثالثا : األخوان السنوسيون الذين حملو مع ابن السنوس ي الدعوة رابعا : األخذ بأصول الوحدة واالتحاد واالجتماع عند ابن السنوس ي...74 أ- وحدة العقيدة...75 ب- تحكيم الكتاب والسنة ج- صدق االنتماء الى االسالم...84 د- طلب الحق والتحري في ذلك...85 ه- تحقيق األخوة بين أفراد املجتمع...85 الفصل الثاني البعد التنظيمي واملنهج التربوي والبعد السياس ي عند ابن السنوس ي املبحث األول...87 البعد التنظيمي عند ابن السنوس ي...87 أوال : األسلوب الذي تبنى به الزاوية...89 ثانيا : مواقع الزوايا...91 ثالثا : وظائف الزاوية...93 رابعا : السلطة في الزاوية...94 خامسا : طريقة فض املنازعات في الزاوية...95 سادسا : أراض ي الزاوية...96 سابعا : موارد الزاوية ثامنا : التعليمات الخاصة بنظام الزوايا تاسعا : اسماء بعض الزوايا التي انشأها ابن السنوس ي املبحث الثاني

202 املنهج التربوي أوال : يتعين على املريد أن يصحح عقيدته ثانيا- أن ال يقدم املريد على ش يء حتى يعلم حكم هللا ثالثا : تزكية النفس وتهذيب األخالق وتصفية القلب رابعا : أسباب تزكية النفس خامسا : ابن السنوس ي ونقده ألخطاء الصوفية أ- في مفهوم العبادة ب- في مفهوم التوكل ج- في مفهوم الجهاد املبحث الثالث البعد السياس ي عند ابن السنوس ي الفصل الثالث أسلوبه الدعوي وثروته الفكرية وصفاته الربانية املبحث األول االسلوب الدعوي عند ابن أوال : التعامل مع الطرق الصوفية السنوس ي ثانيا- التعامل مع العبيد من األفارقة ثالثا- التعامل مع القبائل وتوظيفها للدعوة رابعا : ضرب األمثال عند ابن السنوس ي خامسا : استخدام القصة عند ابن السنوس ي سادسا : استعماله للشدة في موقف الشدة سابعا : من رسائل ابن السنوس ي الدعوية املبحث الثاني الجانب الفكري عند ابن السنوس ي من خالل كتبه

203 أوال : املنهل الروي الرائق في أسانيد العلوم وأصول الطرائق ثانيا : الدرر السنية في أخبار الساللة األدريسية ثالثا : إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن املبحث الثالث من أهم صفات ابن السنوس ي أوال : الحلم ثانيا : العفو والصفح عند املقدرة ثالثا : زهده رابعا : تواضعه خامسا : العفة والترفع عما في أيد الناس سادسا : قوة الحجة والقدرة على اإلقناع واملناظرة سابعا : شعوره باملسؤولية ثامنا : حليته تاسعا : هوايته وفاته أهم مراجع ومصادر البحث الفهرس

204 كتب صدرت للمؤلف 1.الس ية النبوية: عرض وقائع و تليل أحداث. 2.س ية ا لليفة ا لول أبو بكر الصديق رضي هللا عنه: شخصيته وعصره. 3.س ية أم ي املؤمنني عمر بن ا لطاب رضي هللا عنه: شخصيته وعصره. 4.س ية أم ي املؤمنني عثمان بن عفان رضي هللا عنه: شخصيته وعصره. 5.س ية أم ي املؤمنني علي بن أ ب طالب رضي هللا عنه: شخصيته وعصره. 6.س ية أم ي املؤمنني ا لسن بن علي بن أ ب طالب: شخصيته وعصره. 7.الدولة العثمانية: عوامل النهوض والسقوط. 8.فقه النصر والتمكني القرآن الكر ي. 9. تريخ ا لركة السنوسية إفريقيا. 10. تريخ دولت املرابطني واملوحدين الشمال ا لفريقي. 11.عقيدة املسلمني صفات رب العاملني. 12.الوسطية القرآن الكر ي. 13.الدولة ا لموية عوامل ا لزدهار وتداعيات ا ل نيار. 14.معاوية بن أ ب سفيان شخصيته وعصره. 15.عمر بن عبد العزيز شخصيته وعصره. 16.خ لفة عبد هللا بن الزب ي. 17.عصر الدولة الزنكية. 18.عماد الدين زنكي. 19.نور الدين زنكي. 20.دولة الس لجقة. 21.ا لمام الغزا ل وجهوده ا لص لح والتجديد. 22.الشيخ عبد القادر ا جي ل ن. 23.الشيخ عمر املختار. 24.عبد امللك بن مروان وبنوه. 203

205 25.فكر ا لوارج والشيعة ميزان أهل السنة وا جماعة. 26.حقيقة ا ل لف بني الصحابة. 27.وسطية القرآن الكر ي العقائد. 28.فتنة مقتل عثمان. 29.السلطان عبد ا لميد الثا ن. 30.دولة املرابطني. 31.دولة املوحدين. 32.عصر الدولتني ا لموية والعباسية وظهور فكر ا لوارج. 33.الدولة الفاطمية. 34.حركة الفتح ا لس لمي الشمال ا لفريقي. 35.ص لح الدين ا ليو ب وجهوده القضاء على الدولة الفاطمية و ترير البيت املقدس. 36.اس راتيجية شاملة ملناصرة الرسول )ﷺ( دروس مستفادة من ا لروب الصليبية. 37.الشيخ عز الدين بن عبد الس لم سلطان العلماء. 38.ا لم لت الصليبية )الرابعة وا لامسة والسادسة والسابعة( وا ليوبيون بعد ص لح الدين. 39.املشروع املغو ل عوامل ا لنتشار وتداعيات ا لنكسار. 40.سيف الدين قطز ومعركة عني جالوت عهد املماليك. 41.الشورى ا لس لم. 42.ا ل يان بهلل جل ج لله. 43.ا ل يان بليوم ا لخر. 44.ا ل يان بلقدر. 45.ا ل يان بلرسل والرسا لت. 46.ا ل يان بمل لئكة. 47.ا ل يان بلقرآن والكتب السماوية. 48.فاتح القسطنطينية السلطان ممد الفاتح. 49.املعجزة ا لالدة. 204

206 50.الدولة ا لديثة املسلمة دعائمها ووظائفها. 51.البملان الدولة ا لديثة املسلمة. 52.التداول على السلطة التنفيذية. 53.الشورى فريضة إس لمية. 54.ا لر يت من القرآن الكر ي حرية التفك ي وحرية التعب ي وا لعتقاد وا لر يت الشخصية. 55.العدالة واملصا لة الوطنية ضرورة دينية وإنسانية. 56.املواطنة والوطن الدولة ا لديثة. 57.العدل التصور ا لس لمي. 58.كفاح الشعب ا جزائري ضد ا لحت لل الفرنسي. 59.ا لم ي عبد القادر ا جزائري. 60.كفاح الشعب ا جزائري ضد ا لحت لل الفرنسي س ية الزعيم عبد ا لميد بن بديس ا جزء الثا ن. 61.س نة هللا ا لخذ ب لسباب. 62.كفاح الشعب ا جزائري ضد ا لحت لل الفرنسي وس ية ا لمام ممد البش ي ا لبراهيمي. 63.أع لم التصوف الس ن»مثانية أجزاء«. 64.املشروع الوط ن للس لم واملصا لة 65.ا جمهورية الطرابلسية ) ( أول جهورية تريخ املسلمني املعاصر 66.ا ل بضية: مدرسة إس لمية بعيدة عن ا لوارج. 67.املسيح عيسى ابن مر ي عليه الس لم ا لقيقة الكاملة 68.نوح عليه الس لم والطوفان العظيم مي لد ا لضارة ا لنسانية الثانية. * * * 205

207 د. علي حمم د حم مد الص ال يب مفكر ومؤرخ وفقيه ولد مدينة بنغازي بليبيا عام 1383 ه / 1963 م نل درجة ا لجازة العاملية )الليسانس( من كلية الدعوة وأصول الدين من جامعة املدينة املنورة عام 1993 م و بل رتيب ا لول. حصل على درجة املاجست ي من كلية أصول الدين جامعة أم درمان ا لس لمية عام 1996 م. نل درجة الدكتوراه الدراسات ا لس لمية بطروحته فقه التمكني القرآن الكر ي من جامعة أم درمان ا لس لمية بلسودان عام 1999 م. اشتهر بؤلفاته واهتماماته علوم القرآن الكر ي والفقه والتاريخ والفكر ا لس لمي. زادت مؤلفات الدكتور الصاليب عن ستني مؤلف ا أبرزها: الس ية النبوية عرض وقائع و تليل أحداث. س ي ا للفاء الراشدين. الدولة ا لديثة املسلمة. الدولة العثمانية عوامل النهوض والسقوط. فاتح القسطنطينية السلطان ممد الفاتح. وسطية القرآن الكر ي العقائد. صفحات مشرقة من التاريخ ا لس لمي. تريخكفاح الشعب ا جزائري. العدالة واملصا لة الوطنية. ا ل بضية. مدرسة إس لمية بعيدة عن ا لوارج. املسيح عيسى ابن مر ي عليه الس لم ا لقيقة الكاملة. نوح عليه الس لم والطوفان العظيم مي لد ا لضارة ا لنسانية الثانية. 206