التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني

النسخ

1 التنظيمات احلرفية والصناعات احمللية يف العهد العثماني العنوان: المصدر: المؤلف الري يسي: المجلد/العدد: محكمة: التاريخ الميلادي: الصفحات: أ.م.د. عبد العظيم عباس نصار كلية التربية للبنات/ جامعة الكوفة مقدمة: تكمن أهمية البحث في موضوع التنظيمات الحرفية في العهد العثماني التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني مجلة مركز دراسات الكوفة - العراق كون هذه التنظيمات شك لتها طوائف حرفية كانت الدعامة األهم في البناء نصار عبدالعظيم عباس عبدالحسين ع 43 نعم رقم :MD نوع المحتوى: قواعد المعلومات: مواضيع: رابط: بحوث ومقالات االجتماعي واالقتصادي للمدينة اإلسالمية حتى أواخر القرن التاسع عشر وكانت األداة األكثر محافظة واأليديولوجيات الدينية السائدة آنذاك. على التقاليد والقيم االجتماعية تضم ن البحث موضوعة التعرف على التجمعات البشرية التي كانت تعيش داخل حدود الدولة العثمانية من خالل د ارسة مبسطة عن طبيعة المجتمع العثماني وعلى أشكال تنظيم تلك الجماعات وتشكيلة العالقات القائمة فيما EduSearch, EcoLink, IslamicInfo, AraBase, HumanIndex بينها من خالل التعرف على تركيبة المجتمع اعتمادا على التوزيع التنظيمات الحرفية الجغ ارفي للسكان من أهل الحضر الذين يسكنون المدن ويتشكلون من أربع فئات: فئة العسكريين والموظفين وفئة التجار وفئة أرباب الحرب وفئة اآلخرين ثم أهل الريف الذين يمتهنون الز ارعة التي هي عماد االقتصاد العثماني ثم البدو الرحل الذين لم يعتادوا حياة االستق ارر واستخدمت الدولة بعضهم في ح ارسة الطرق والمفارق والمم ارت الجبلي ة لحماية القوافل التجارية. وتناولت هذه الد ارسة واقع الحرفيين في كل تشكيلة من التشكيالت آنفة الذكر. والجدير بالذكر أن الدينامية األفقية للمجتمع العثماني كانت متفاوتة السرعة وم قيدة بطبيعة البشر والمناطق الجغ ارفية والحالة االقتصادية وسياسة الدولة ولو فرضنا أن هذه الدينامية أي التغيير الذي حصل كان 2016 دار المنظومة. جميع الحقوق محفوظة. تطو ار إال أننا نجد أن العشائر التي انتقلت من حياة البداوة الى حالة الرعي هذه المادة متاحة بناء على الا تفاق الموقع مع ا صحاب حقوق النشر علما ا ن جميع حقوق النشر محفوظة. يمكنك تحميل ا و طباعة هذه المادة للاستخدام الشخصي فقط ويمنع النسخ ا و التحويل ا و النشر عبر ا ي وسيلة (مثل مواقع الانترنت ا و البريد الالكتروني) دون تصريح خطي من ا صحاب حقوق النشر ا و دار المنظومة

2 التنظيمات احلرفية والصناعات احمللية يف العهد العثماني أ.م.د. عبد العظيم عباس نصار كلية التربية للبنات/ جامعة الكوفة مقدمة: تكمن أهمية البحث في موضوع التنظيمات الحرفية في العهد العثماني كون هذه التنظيمات شك لتها طوائف حرفية كانت الدعامة األهم في البناء االجتماعي واالقتصادي للمدينة اإلسالمية حتى أواخر القرن التاسع عشر وكانت األداة األكثر محافظة واأليديولوجيات الدينية السائدة آنذاك. على التقاليد والقيم االجتماعية تضم ن البحث موضوعة التعرف على التجمعات البشرية التي كانت تعيش داخل حدود الدولة العثمانية من خالل د ارسة مبسطة عن طبيعة المجتمع العثماني وعلى أشكال تنظيم تلك الجماعات وتشكيلة العالقات القائمة فيما بينها من خالل التعرف على تركيبة المجتمع اعتمادا على التوزيع الجغ ارفي للسكان من أهل الحضر الذين يسكنون المدن ويتشكلون من أربع فئات: فئة العسكريين والموظفين وفئة التجار وفئة أرباب الحرب وفئة اآلخرين ثم أهل الريف الذين يمتهنون الز ارعة التي هي عماد االقتصاد العثماني ثم البدو الرحل الذين لم يعتادوا حياة االستق ارر واستخدمت الدولة بعضهم في ح ارسة الطرق والمفارق والمم ارت الجبلي ة لحماية القوافل التجارية. وتناولت هذه الد ارسة واقع الحرفيين في كل تشكيلة من التشكيالت آنفة الذكر. والجدير بالذكر أن الدينامية األفقية للمجتمع العثماني كانت متفاوتة السرعة وم قيدة بطبيعة البشر والمناطق الجغ ارفية والحالة االقتصادية وسياسة الدولة ولو فرضنا أن هذه الدينامية أي التغيير الذي حصل كان تطو ار إال أننا نجد أن العشائر التي انتقلت من حياة البداوة الى حالة الرعي

3 وشبه الترحل أو إلى حالة التوطن الدائمي ظلت متأثرة في حياتها االقتصادية واالجتماعية بكثير من عاداتها وتقاليدها ومنها نظرتها إلى الصناعة واألعمال الحرفية التي كان يشوبها االحتقار وعدم االحت ارم. كما لعبت التقسيمات االجتماعية في المدينة دو ار هاما في تباين النظرة إلى فئات المجتمع المدني إذ كان الحرفيون يشغلون أسفل السلم االجتماعي. أما الموضوعة التالية التي تناولها البحث هي واقع التنظيمات الحرفية وهيكليتها أبان العهد العثماني واب ارز دور القوى العاملة غير المنضوية تحت خيمة التنظيمات المتميزة في تحريك عملية االقتصاد العثماني. وإللقاء الضوء على واقع التنظيمات الحرفية ونقاباتها في العهد العثماني البد من اإلشارة إلى بدايات نشوء هذه التنظيمات ألن هذه التنظيمات لم تكن وليدة هذا العهد وانما كانت متغلغلة في القدم. ففي الوقت الذي ال توجد خالفات حول وجود المساهمات الحرفية في جميع الحضا ارت اإلنسانية القديمة إال أن هناك العديد من الخالفات بين المؤرخين والباحثين حول المرحلة التاريخية التي شهدت والدة هذه التنظيمات وهناك العديد من اآل ارء والنظريات ومنها نظرية تتمتع بتأييد عام تقول إن التنظيمات ظهرت في العالم الروماني واستمرت بعد ذلك في الدولة اإلسالمية إلى أن تبلورت وأخذت طابعا إسالميا كامال في القرن العاشر وبعد الغزو المغولي في القرن الثالث عشر أصبحت الطرق الصوفية وخاصة آداب الفتوة تمارس تأثي ار على المجتمع وكان من شروطها أن يكون الشخص المنتمي مسلما صاحب حرفة فانخرط غالبية أصحاب الصنايع في تشكيالت الفتوة مما جعل االحت ارف والفتوة أم ارن ال ينفصالن حتى إن أصحاب الحرف والصناعات عندما ابتعدوا عن الزوايا و ارحوا يشكلون نقابات لهم تضم زمالءهم من غير المسلمين ظلوا يحافظوا على تقاليد الفتوة. وي عرف فرع الفتوة في األناضول باسم )األخية( نسبة إلى )أخي او ارن( شيخ الطائفة وكان لجماعة األخية دورهم البارز في قيام الدولة العثمانية ومع نمو نزعة الحكم المطلق والمركزية أخذت الدولة تسيطر عليهم بالتدريج وهكذا صارت األخية في المدن مجرد نقابات حرفية إال إن آداب الفتوة بقيت قوية فيما بينها. كما التزمت هذه النقابات بشكل دقيق باألنظمة والقواعد المحددة والمعروف إن هذه األنظمة والقواعد والمبادئ واالحتفاالت قد تشكلت عبر عدة قرون وكان اعضاء النقابة يناقشون ويقرون أية قواعد جديدة قبل أن يضيفوها إلى سجل القاضي وبعد التسجيل فقط كانت هذه القواعد تعتبر نافذة. أما بالنسبة للبناء التنظيمي والهيكلي 591

4 التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني لهذه التنظيمات فإن من المؤكد أنه ال يوجد نموذجا مفروضا مركزيا للبناء التنظيمي لهذه التنظيمات وعليه فقد تنوعت الترتيبات المحلية اسما ومهاما فعلى سبيل المثال نجد إن البناء التنظيمي في القاهرة يختلف عنه في استانبول ففي القاهرة كان الشخص الرئيس هو الشيخ الذي كانت سلطته أوسع كثي ار من نظيره )الكتخدا( في استانبول إذ كان الشيخ غالبا ما يدير نقاباته بطريقة فردية إلى حد ما إال إن هذا ال ينطبق على الكتخدا إذ أنه بحاجة إلى مشورة واحد أو أكثر من الياغيت باشات الذي كان أعضاء النقابات ينتخبونهم. وعلى الرغم مما تقدم نجد أن جميع الطوائف يعتمد بناء هيكلها التنظيمي على التسلسل الهرمي وعلى أنظمة وقواعد تحضى باحت ارم جميع أعضاء الطائفة الواحدة. والبناء الهيكلي هذا يتكون من الصبي وبعده العريف أو الصانع ثم القلفة وأخي ار األسطى أو المعلم ويسعى هذا األخير جاهدا لالرتقاء إلى مرتبة األستاذية في صنعته يساعده ذلك سمو أخالقه واخالصه وتفانيه في سبيل إرضاء الجميع والبد من اإلشارة إلى االنتقال من درجة إلى أخرى يتم عن طريق حفالت شد وعهد )يمين( يسبقها اختبار يؤديه كل عنصر أمام اعضاء التنظيم للحصول على موافقتهم لالنتقال إلى المرتبة االعلى. وعلى الرغم من أن التنظيمات الحرفية كانت بصورة عامة تضم في عضويتها معظم الحرفيين إال اننا نجد بعضهم ال ينتمون إلى نقابات كالباعة وأهل الحرف المتجولين كما شكل الرقيق جزءا آخر من قوة العمل غير المنتمية ألي نقابة إذ كان بعض التجار يشغلون العبيد وبعد عملهم لفترة محددة يعتقونهم كما كانت هناك الكثير من النشاطات الحرفية للنساء فقد أسسن روابط مع السوق بواسطة التجار باإلضافة إلى إن هناك نساء يعملن في بيوتهن ويبعن بضاعتهن في الشوارع أو حتى في سوق خاصة دون إن يكن عضوات في نقابة. كما تطرق البحث إلى عالقة الدولة بالطوائف الحرفية وسنها جملة من األنظمة والقوانين منها نظام االحتساب والتسعيرة وألكدك واستنتاج األسباب التي دفعت الدولة إلى إلغاء هذه األنظمة. نجد أن الطوائف الحرفية كانت تتمتع بحرية أكثر وقوة اكبر قبل أن تتحول االمب ارطورية العثمانية إلى دولة مركزية ومع نمو نزعة الحكم المطلق أخذت الدولة تسيطر عليهم بالتدريج إال إن سيطرة الدولة وتدخالتها ال يتعدى حماية مصالح الخزينة ومصالح المستهلكين بشكل عام من جهتها فإن هذه الطوائف كانت تعترف بالسلطة العليا للدولة إذ كان القاضي يدون في سجله كل

5 مجلة مركز دراسات الكوفة: مجلة فصلية محكمة تغيير يط أر على الشخصيات القيادية وكانوا يتشاورون معه قبل أن يتوجهوا بقضاياهم إلى الديوان الهمايوني. كما سعت الدولة إلى الحفاظ على التركيب التقليدي لألصناف بحجة إن أي تجديد يمكن أن يدفع المجتمع إلى فوضى ويؤدي بخزينة الدولة إلى فقدان مصادر دخلها. وعليه فقد طبقت الدولة بدقة قواعد االحتساب والتي كانت ت ارجع مع تولي كل سلطان جديد للحكم وكان المحتسب يضع ختمه على السلع حسب المواصفات الخاصة بها ولكن نتيجة للضغوط الداخلية والخارجية فقد جرى إلغاء نظام االحتساب في 4581 م. ومع تعدد اآل ارء بين فقهاء المسلمين حول جواز التسعير وعدالته فقد أولى العثمانيون عناية كبيرة بنظام التسعيرة بغية توفير عوامل الرفاه لألهالي وكان زعماء الحرفيين والتجار يقومون بإج ارء عملية تقدير األسعار بحضور القاضي والمحتسب ومع إن منفعة االهالي هي األمر الذي يؤخذ بنظر االعتبار إال أنهم كانوا يحاولون أن يحددوا للحرفيين والتجار قدر من الربح وقد ظل نظام التسعير مطبقا حتى أواسط القرن التاسع عشر وبعد التغيي ارت التي ط أرت على الساحة االقتصادية والتي أودت إلى تدهور العدد 34 سنة التجارة فقد نظام التسعير أهميته وكانت النتيجة إن ت ركت الحرية لألسعار فيما عدا بعض المواد الغذائية كالخبز واللحم. وبسبب محدودية المواد الخام كان من الضروري تحديد عدد الدكاكين واالسطوات المخصصة لكل طائفة والورش وذلك للحفاظ على نوع من التوازن بين اإلنتاج والسوق أي بين العرض والطلب فقد وضعت الدولة في القرن الثامن عشر نظاما يحظر فتح دكان وممارسة المهنة مالم يكن صاحبه حائ از على حق )كدك( وهو نوع من االمتياز واالنحصار في الوقت نفسه وألكدك نوعان هوائي ومستقر ونجد إن الدولة تزيد في عدد ألكدك إذا ازدت الحاجة إلى حرفة معينة أما إذا قلت الحاجة أعادوا بعض ألكدك إلى الخ ازنة التابعة لها وكان للتدخالت األجنبية أثر في إلغاء هذا النظام فنجد إن معاهدة )بلطة ليماني 4585( سمحت بممارسة كافة أنواع التجارة وأصبح من حق كل فرد عثمانيا كان أو أجنبيا أن يمارس الحرفة التي يريدها وتم إلغاء النظام نهائيا عام وكانت الدولة بين الحين واآلخر تتدخل في بيع وش ارء السلع فكان الملح واحد من المواد التي احتكرتها الدولة منذ عهودها األولى وقد دخل خ ازنة الدولة بفضل هذا النظام االحتكاري قدر ال 6102

6 التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني يستهان به من المال وعرف هذا النظام في القرن التاسع عشر باسم اليد الواحدة. وفي النصف األول من القرن التاسع عشر طبقت الدولة نظام االحتكار اعتبا ار من عام 4585 م على بيع بعض السلع والمحاصيل بشكل أوسع لتحول دون غش المحتكرين وتوفير المال الالزم لنفقات الجيش وكانوا ممثلوا األصناف يشترون المواد الخام من الدولة ويوزعونها على المعلمين إلى إن ضغوط التجار األجانب الذين لم يرتاحوا لهذا النظام وفي مقدمتهم االنكليز قد أسفرت عن إلغاء النظام برمته عام واستعرض البحث المنشأة الصناعية الثقيلة التي أقامت من أجل تصنيع اآلالت والمعدات التي كانت تحتاجها الجيوش والصناعات الخفيفة التي تخدم المستهلك العثماني والصناعات الناشئة والمكرسة ألسواق التصدير العالمية. تمهيد: لد ارسة واقع الهيئات االجتماعية بصورة عامة والتنظيمات الحرفية بصورة خاصة البد من التعرف على واقع التجمعات البشرية التي تنتمي لها تلك الهيئات أو التنظيمات. ولما كان مجال د ارستنا هذه هي التنظيمات الحرفية في العهد العثماني لذا سنتناول الديناميكية االفقية للتجمعات البشرية التي كانت تعيش داخل حدود الدولة العثمانية بد ارسة مبسطة عن طبيعة المجتمع العثماني وعلى أشكال تنظيم تلك الجماعات وتشكيلة العالقات القائمة فيما بينها اعتمادا على التوزيع الجغ ارفي للسكان ابتداء من البدو الرحل الذين لم يعتادوا حياة االستق ارر ثم أهل الريف الذين يمتهنون الز ارعة التي هي عماد االقتصاد العثماني وانتهاء بأهل الحضر الذين يسكنون المدن. فالبداوة مصطلح يطلق على نمط من الحياة البشرية في مناطق شاسعة المساحة ال تتوفر فيها مطالب الحياة األساسية من مياه ونبات إال )4( بقدر ضئيل جدا ال يكفي للهيئات االجتماعية )8( من ممارسة حياة عاملة منتجة. ولكن رغم الفروقات الشاسعة بين طبيعة حياة البدو وحياة أهل المدن والقرى إال أن هناك حقيقة يقرها االنتروبولوجين إن البداوة ليست مرتبة توحش وبدائية في سير تطور المجتمعات )8( البشرية بل هي ط ارز حضاري قائم بذاته نظمته لهم القوانين الطبيعية. فالبدو الرحل يتشكلون على هيئة تجمعات تسمت بأسمائها أو بأسماء االرض التي تنقلت بينها وهذه التجمعات تنقسم فيما بينها إلى قبائل )1( وعشائر ويتفرع عنها وحدات أصغر اعتادوا حياة التقشف والكفاف لذا فإن مفهوم االقتصاد البدوي لم يكن يتعدى اقتناء االبل والخ ارف لتضمن له البسيط من المأكل والملبس

7 مجلة مركز دراسات الكوفة: مجلة فصلية محكمة )8( والمأوى يجوب الصحاري بحثا عن منبع ماء أو منبت عشب البله وماشيته فإذا أجدبت أ ارضيه يهب غازيا من أجل البقاء وحتى يكون فارسا مقداما غازيا مغوا ار يكون سالحه رفيقه في الليل والنهار حياته حذر دائم وحل وترحال فتمحورت ذهنيته االقتصادية حول قاعدة ))امتلك ما خف حمله وغال ثمنه وكثرت منافعه )6( واستعماالته(( يأنف كل ما يقيد حركته. ولما كان امتهان أية صنعة يحتاج إلى آالت وأدوات توجب على صاحبها االنشغال واالهتمام بها وتلزمه االستق ارر وهذا يتعارض وما اعتاد عليه البدوي من كر وفر واالستماتة في سبيل الدفاع عن عشيرته لذا فإنه يحتقر المهنة وي ارها مشتقة من المهانة واذا ما وجد في أوساطهم من امتهن صنعة فالبد أن يكون من غير ابناء العشيرة أو من الذين ال شأن لهم من حسب أو نسب أو من )7( أقوام من غير العرب أن كلمة صانع التصقت بالعبيد فإذا أ ارد أحد من البدو تحقير شخص )5( بكلمة قال له يا ابن الصناع لذا نجد أن العمل الرئيسي الذي يقره المجتمع البدوي هو تربية الماشية فهي مصدر غذائهم ومصدر أللبستهم وخيامهم التي نسجوها من صوفها ووبرها وشعرها وأكثر ما ينسجون السجاد واألجولة وجالل الدواب واألكلمة وللسجاد والكليم العدد 34 سنة )1( التركماني شهرة واسعة. وفي أثناء رحالتهم الموسمية يذهبون إلى األسواق القريبة ويتقايضون )40( على الفائض من منتجاتهم وكان لكل عشيرة بوجه عام حياة اقتصادية مغلقة يكتفون ذاتيا من خاللها. وقد سن العثمانيون يف قانوننا ما تهم )44( رسما يؤدوه للدولة قدره أفجه واحدة عن كل خروفين ورسم حظائر )اغيل رسمي( قدره خمسة )48( اقجات عن كل قطيع غنم يضم ) 800 ( أرس كما كانوا يمارسون الصيد في الشتاء وتقوم بعض العشائر أيضا بصناعة السهام واألقواس )48( للدولة وبعض منهم تستخدمهم الدولة في ح ارسة الطرق والمفارق والمم ارت الجبلية وفي شق الطرق واصالحها واقامة الجسور والقالع والموانئ )41( وفي حماية القوافل التجارية ولما أخذت الدولة منذ القرن السابع عشر في اتباع سياسة توطين تلك القبائل والعشائر أسفر ذلك عن تفتت )48( القبيلة الواحدة واضطرت لحياة االستق ارر. أهل الريف: لم تكن المناطق الريفية وليدة العهد العثماني وانما هي أصل للحضر إذ تشير الد ارسات الحديثة عن نشأة المدينة المرتبطة بحدوث ثورة تقنية حدثت كما يذكر في األلف الخامس قبل )46( الميالد أدت إلى زيادة اإلنتاج الز ارعي ووفرته فأدى ذلك إلى بلورة الهيئات االجتماعية 6102

8 التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني واصطفاف فئاتها من القادة والجند والمفكرين والتجار وأصحاب الحرف جنبا إلى جنب مكونين مجتمعا مختلفا عن المجتمعات الريفية )47( والبدوية إال أن هناك ظروف حتمت على كثير من المناطق الريفية أن تبقى محتفظة بخصوصيتها الريفية إضافة إلى مناطق ريفية أوجدتها السياسة العثمانية نتيجة إلجبار بعض العشائر على االستيطان وعليه فإن الجانب األكبر من الناس خالل فترة موضوعة الد ارسة )45( هذه يسكنون القرى واألرياف ويختصر عملهم األساسي في الفالحة وحتى يتمكنون من مواصلة الحياة االجتماعية خالل تلك الحقبة التي انعدمت فيها سبل المواصالت ولم تظهر حركة اعمار واضحة إال في م اركز المدن الكبيرة اشتغل قسم منهم في اعمال غير الز ارعة كالخياطة والنساجة وصناعة الب اردع والحالجة وفي األرياف القريبة من القالع يوجد بين ساكنيها عدد من اسطاوات القالع كالحدادين والنجارين )41( وعمال اف ارن صهر المعادن )كوره جي( ورغم ذلك فإن الز ارعة هي المهنة الوحيدة التي يقرها الريفي. أما المهن األخرى آنفة الذكر كانت من الضآلة بإذ ينعدم وجودها في معظم القرى واألرياف وذلك بسبب نظرة االحتقار التي كان ينظرها الريفي إلى أصحاب المهن إذ يرى في فكان صاحب الجاه منهم ال يحظر وليمة يدعو إليها حرفي ويترفعون عن تزويج بناتهم )84( ألصحاب الحرف ألنهم دونهم شرفا وأصال وليس من شك أن لهذه النظرة أثرها الكبير في تأخر االقتصاد الريفي إضافة إلى أن المشهد )88( العثماني الريفي يفتقر إلى ز ارعة ارقية تدفع بالواقع االقتصادي الريفي إلى أمام وتفتح أمام ابناء ذلك المجتمع آفاق جديدة من العمل واالبداع خالل االنخ ارط في المشاريع االنمائية ليكونوا هيئات حرفية تضاهي الكومونات التي )88( تكونت في الدول الغربية. أهل المدن: من المؤكد أن المدينة العثمانية ما هي إال امتداد للمدينة اإلسالمية في الدول التي سبقتها ارتبطت نشأتها وتطورها بمعايير حضارية تأثرت إلى حد كبير بتاريخ اإلسالم فلو استثنينا المدن الكبيرة المعروفة آنذاك نجد أن معظم المدن العثمانية )81( نشأت على هيئة قصبات )مدينة صغيرة( ألن ظروف نشأتها كانت مرتبطة بهدفي الجهاد والفتح فما أن استقرت هذه المدن حتى كانت بمثابة سوق تجري فيها عمليات تبادل السلع بينها )88( وبين القرى التي تحيط بها. كما أن العثمانيين أقاموا من هذه القصبات والمدن التي ورثوها من السالجقة أو التي استولوا عليها بالفتح كثي ار من المؤسسات الثقافية واالجتماعية )80( المهنة ذل وتملق للمشتري وخضوع للسلطة

9 مجلة مركز دراسات الكوفة: مجلة فصلية محكمة كالجوامع والمدارس ودور الضيافة ودور الشفاء والقشلة وغيرها من المؤسسات التي تعنى بالنشاطات العسكرية والدينية والصناعية والتجارية وكل ما يدعم البنية التحتية الالزمة للتطور الذي تنشده االدارة العثمانية في توفير الرفاهية للمجتمع )86( المدني على وجه العموم.والجدير بالذكر أن سياسة التوطين التي اتبعتها الدولة العثمانية منذ بداية تكوينها وألسباب مختلفة ال مجال لذكرها ساعدت على الزيادة في عدد السكان مما كان له األثر البالغ في نمو الهيئة االجتماعية داخل المدينة والتي تتكون في أغلبها من أربع فئات فئة العسكريين وفئة التجار وفئة أرباب الصنائع أما ال اربعة فتشمل قطاعات أخرى من الناس مثل الباعة المتجولين الذين لم يدخلوا ضمن تشكيالت أرباب الصنائع والعاطلين عن العمل والسادات األش ارف الذين اعترفت لهم الدولة بشرف النسب وفي المدن الرئيسية يوجد الدبلوماسيون والتجار )87( األجانب. وعند استع ارضنا الحياة االقتصادية واالجتماعية في المدن العربية في العهد العثماني نجد أن صورها متشابهة في عمومياتها وأن اختلفت جزئياتها باختالف ظروف إحداها عن األخرى ألن المقومات التي قامت عليها المجتمعات فيها تكاد تكون واحدة واألنظمة التي )85( وضعها السالطين العثمانيون لحكمها واحدة العدد 34 سنة وفي دائرة ضوء التشابه هذا تظهر لنا وجهات نظر متفاوتة للعمل وللحرفيين فعلى الرغم من أن اإلسالم ومن خالل اآليات القرآنية واالحاديث )81( النبوية قد أقر العمل وواجبه مما دفع بعض الفقهاء أن يرفعه إلى مستوى الفريضة ومنهم حسن كافي االقحصاري الذي يحرم ترك الشخص بال عمل ويميل إلى ال أري الذي يقر قتل من ال )80( عمل له إال أن الدينامية االفقية للمجتمع العثماني كانت متفاوتة السرعة ومقيدة بطبيعة البشر والمناطق الجغ ارفية والحالة االقتصادية وسياسة الدولة. ولو فرضنا أن هذه الدينامية أي التغيير الذي حصل كان تطو ار إال اننا نجد أن العشائر التي انتقلت من حياة البداوة إلى حالة الرعي وشبه الترحل أو إلى حالة التوطن الدائمي ظلت متأثرة في حياتها االقتصادية واالجتماعية بكثير من عاداتها وتقاليدها ومنها نظرتها إلى الصناعة واألعمال الحرفية التي كان يشوبها االحتقار وعدم االحت ارم كما لعبت التقسيمات االجتماعية في المدينة دو ار هاما في تباين النظرة إلى فئات المجتمع المديني إذ كان الحرفيون )84( يشغلون اسفل السلم االجتماعي كما وصفوا )88( بالرقاعة والسفه والغوغاء واذا ما نبغ احدهم في مجال العلم واألدب يعاب عليه صنعته )88( ويحجب عنه نبله وفي اعتقادنا أن للموروث 6102

10 التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني من البداوة كان له شديد األثر في نشر ثقافة االزد ارء هذه عززها الواقع االقتصادي الذي كان يعيشه الحرفيون على وجه العموم. إال أن شيئا من التغير حصل بعد الغزو المغولي في القرن الثالث عشر أصبحت الطرق الصوفية تمارس تأثي ار كبي ار على المجتمع وكان من شروطها أن )81( يكون الشخص المنتمي مسلما صاحب حرفة فأنخرط غالبية أصحاب الحرف من تشكيالت الفتوة مما جعل االحت ارف والفتوة أم ارن ال )88( ينفصالن وكانوا ينتظمون في طوائف حرفية )86( تختص كل طائفة بصنف معين وأدى تصنيف التجارة والحرف في األسواق إلى توليد شعور قوي بالمصلحة المشتركة تسبب في ظهور تكوينات اجتماعية من أصحاب الحرف )نقابات بمفهوم العصور الوسطى( يعملون ضمن منظومة متكاملة من القواعد التي تقررت فيها أدق التفاصيل سواء في الجانب الخلقي أو في )87( الجانب المهني ويبدو أن تطو ارت داخلية حصلت في الحرف دفعت هذه التنظيمات لبلورة )85( هيكليتها الت ارثية وفق تدرج حرفي ويعكس نظام األخية في االناضول في القرن 6 ه/ 48 م صورة من صور التكوينات الحرفية إذ أن نظام األخية نسبة إلى ))أخي أو ارن(( شيخ الطائفة كان عبارة عن جمعيات تضم أصحاب الحرف وأدى الجهاد في األناضول والحرب على حدود الدولة اإلسالمية إلى اندماج الفتوة مع مبادئ الصوفية بتقاليد الحرفة وكان لجماعة األخية )81( دورهم البارز في قيام الدولة العثمانية ومع نمو نزعة الحكم المطلق والمركزية أخذت الدولة )10( تسيطر عليهم وهكذا فقدت األخية كثير من فعالياتها السياسية والفكرية ولكنها حافظت على التعاليم الروحية واألخالقية. وغدت التنظيمات الحرفية في العهد العثماني نقابات تشرف من خاللها الحكومة على الحرفيين إذ أن التنظيم على أساس الحرفة يسهل تجنيد الحرفيين وقت )14( الحرب وجمع الض ارئب منهم عند السلم. ومن المؤكد أن جميع مدن الدولة العثمانية كانت تضم المسلمين وغير المسلمين كما أن تعلم الحرفة مسموح لجميع األشخاص بمختلف دياناتهم إذ أكدت الوثائق العثمانية عدم وجود تحفظ لدى المسلمين من قبول صبايا من أهل الذمة ليعلموهم )18( الحرفة إال أن أغلب التنظيمات الحرفية )18( )النقابات( كان اعضاؤها من دين واحد وكانت هناك تنظيمات تضم المسلمين وغير )11( المسلمين إال أن الخالفات التي ظهرت بينهم في القرن الثامن عشر أوجبت الفصل بين نقابات )18( المسلمين عن غير المسلمين. التنظيم الهيكلي للطوائف الحرفية: إن التطو ارت التي حصلت في الحرف أكسبها تنظيمها العام الذي يتجسد في تنظيم العالقات داخل الطائفة

11 مجلة مركز دراسات الكوفة: مجلة فصلية محكمة وعالقاتها الخارجية مع الطوائف األخرى أو مع الدولة لذا أوجدت في جميع الطوائف الحرفية مجموعة من األشخاص أوكلت إليهم أداء مهام كل حسب اختصاصه. يعد السلطان سليمان القانوني م أول من جلب من أوروبا بعد غزوه لها مائتي قانون في مختلف االختصاصات ومنها القوانين المتعلقة بأصحاب المهن التي اقتبسها من قوانين المهن األوروبية وهي قوانين ال تتصادم مع قوانين )16( الشريعة اإلسالمية وفي القرن السادس عشر كان ما يقارب ألف صنف في استنبول وتتجمع حوالي خمسين مجموعة فالفرد في عزلة وحده ال وجود له في االمب ارطورية العثمانية وبما أنه ال يمكن التفكير في أي تجمع سياسي أو أي تمثيل قومي أو محلي فإن االطار الوحيد للحياة االجتماعية هو المهنة وكل يجد فيها العون والحماية سواء في ممارسته المهنة أو في )17( الظروف المجهولة ويبدو أن تطو ارت داخلية حصلت بمرور الزمن في الحرف اكسبتها تنظيمها العام وظهر التدرج الحرفي كاآلتي: 4 - هيئة االختيارية: مجموعة تشكل من كبار األساتذة والحرفيين المحنكين وتعرف أحيانا باسم )هيئة الشيوخ( )15( )اختيار لر( وهذه الهيئة تسيطر على كل العدد 34 سنة شؤون الحرفة فهم الذين ينتخبون الشيخ ويبدون نصائحهم وتعليماتهم للشيخ في كل األمور التي )11( تهم الحرفة ومن أعضاء هيئة االختيارية هذه يتم انتخاب عدد من االعضاء المتمرسين لتشكيل )80( ما يسمى بأهل الوقوف )أهل الخبرة( ويصل )84( عددهم في التنظيمات الواسعة إلى ستة في بعض المناطق يتم من بينهم اختيار )باغيت )88( باشاوات( ويعتبرون الرؤساء الحقيقيون )88( للتنظيمات الحرفية أحيا وهؤالء يمثلون الدولة في عمليات تحديد االسعار واالش ارف على دمغ المكاييل والموازين ويرجع إلى أريهم عندما يلزم )81( األمر معاقبة أحد الحرفيين ويساعدون الشيخ في وضع مواصفات منتجات الحرفة )88( وأسعارها ومتابعة مدى الت ازم األعضاء )86( بالمواصفات واألسعار المقررة ومن مهامهم تقسيم العمل بين معلمي الطائفة والتأكد من )87( ممارسة الحرفة في األماكن المحددة لها كما أنهم مسؤولون عن ترقية االعضاء في الحرفة ألنهم المخولون بالحكم على المؤهالت الفنية )85( لألعضاء وفي بعض المهن يحددون اسماء المعلمين الذي يسمح لهم بممارسة الحرفة وذلك )81( البعاد الجهال من ممارسة المهنة واكثر المهام مسؤولية هي عزل الشيخ من منصبه إذا )60( لم يأخذ بنصائح وتعليمات الهيئة وهناك 6102

12 التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني طوائف توكل بعض هذه المهام إلى شخصيتين هما النقيب والباشي وينتخبان بنفس الطريقة التي يتم فيها انتخاب الشيخ أو الكتخدا مع استثناء )64( شرط اتقان الحرفة وهاتان الشخصيتان إذا ما وجدتا فإنهما يمثالن الشيخ في تنظيم العالقات الداخلية والخارجية لتلك الطائفة. كما تنتخب الهيئة شخصا يكون استشاري في أمانة العاصمة )استانبول شهر آمانتي( وذلك كممثل عن الحرفيين في )مجلس وآال( الذي تأسس مع تأسيس أمانة العاصمة سنة 4581 م )68( لتقديم الخدمات البلدية. فالنقيب عادة ما يكون اكبرهم سنا وأكثرهم خبرة ويتم اختياره على أن يكون مسؤوال عن األمور الداخلية للطائفة إذ يقوم بتنظيم العالقة بين الحرفيين والشيخ أو الكتخدا ويقسم المواد الخام بين المعلمين ويدير م ارسم التمنطق بالمئزر ويسعى لفظ المنازعات بين االسطاوات واحالة المستعصي على الحل منها إلى الشيخ أو )68( الكتخدا. أما الباش فقد اختارته هيئة االختيارية في بعض الطوائف الدمشقية وأوكلت إليه مهمة تقديم ما يحتاجه الوالي من منتجات الطائفة والبد من أن الطائفة التي اتبعت هذا األسلوب اختارت أشخاصا لديهم القد ارت المالية لتلبية احتياجات الوالي مقابل امتيا ازت منحتها الطائفة لهذا )61( المنصب. ومن الشروط الواجب توفرها في الشيخ المنتخب إتقانه الحرفة وأي من الشروط الواجب توفرها في المعلم حتى يتم انتخابه شيخا أن يكون معروفا بنبل األخالق ومجربا بق ار ارته )68( العادلة وله خبرة في مجال الحرفة. 8 - الشيخ: تتميز التنظيمات الحرفية عن التنظيمات االجتماعية األخرى بتكوينها الهرمي المحكم الذي ي أرسه غالبا )الشيخ( منتخب من األساتذة البارزين )66( في الصنف وال يعد هذا االختيار )االنتخاب( رسميا ما لم يحضر الشيخ المنتخب وأعضاء )67( )الهيئة االختيارية( إلى المحكمة ويقرون أمام القاضي بهذا االختيار ويقوم القاضي بتنصيب الشيخ رسميا وبإصدار حجة موقعة تسجل في )65( سجل المحكمة وقد شغل هذا المنصب في عهد من العهود في بعض الواليات العثمانية بأشخاص كانت تعينهم الدولة ويطلق عليهم )61( كتخدا ويخفف ب )كهية( لتكون إدارة السوق أو )70( الصنف عونا للحكومة في جمع الض ارئب. والواقع على وجه العموم إن تعين الدولة لكتخدا )74( لم يكن ظاهرة عامة إذ كان يجري في بعض األحيان انتخاب الكتخدا عند اجتماع المسلمين وغير المسلمين في تشكيل واحد وخاصة في )78( العهود األولى ثم بعد ذلك ارحوا ينتخبونه من )78( فريق األغلبية السائدة في التشكيل ولما ارح

13 مجلة مركز دراسات الكوفة: مجلة فصلية محكمة غير المسلمين في تنظيم أنفسهم داخل تنظيمات مستقلة خاصة بهم قدموا على انتخاب كتخدا العدد سنة )71( خاصة بهم. وقد تنتقل المشيخة بالو ارثة من األب إلى االبن وهذا االنتقال ال يكون مخالفا لقاعدة االنتخاب ألن أعضاء الهيئة سيكون لهم أري في الشيخ )78( الجديد واذا وجدوا من هو أكفاء منه انتخبوه. إذ كانت فئة أرباب الصنائع والحرف تشكل عنصر أساسي في العهد العثماني ولما كانت مهمة شيخ السوق الفصل والمنازعات التي تحدث بين تجار السوق بعضهم البعض أو المنازعات التي تحدث بين أحد التجار والعمالء فهي امتداد لشخصية صاحب السوق في العهود التي سبقت )76( العهد العثماني. وبذلك يتضح أن صاحب السوق ليس هو المحتسب الذي كان له االش ارف العام والتفتيش وتدقيق االدو ات والمكاييل والوقوف على االلت ازم باألسعار. ولما اتسعت مسؤوليات شيخ السوق في العهد العثماني إذ اصبح مسؤوال عن م ارقبة السوق الذي هو شيخه وحل المشكالت التي تنشأ بين التجار أو بينهم وبين العمالء ويقوم بجمع الض ارئب المقررة على تجار السوق وتسليمها إلى اإلدارة المالية أو جميع الغ ارمات التي أصبحت تفرض على التجار في القرن الثاني عشر لذا استدعت هذه المسؤوليات أن يكون للشيخ مساعدا له على )77( محله ساعة غيابه وهو النقيب. الديناميكية التنظيمية للطوائف الحرفية: إن م ارتب الحرف متدرجة من األدنى إلى األعلى وبالشكل التالي: 4 - الصبي أو المبتدئ: هو الولد الحديث السن يلتحق بالحرفة وال يعرف عنها شيء ويطلق عليه )71( )75( بالج ارق والشاكرد. وعلى الرغم من أن المبتدئ عادة ما يكون صبي قاصر إال أنه ال توجد سن معينة اللتحاق المبتدئ بالحرفة إذ أن هناك مهن ال يمكن أن يكون المبتدئ صغي ار مثل مهنة الطب إذ يكون )50( المبتدئ بالغ عاقل ويطلق عليه لقب التلميذ كما أن هناك بعض األشخاص يلجأون إلى تغير حرفهم ويبدأون تعلم مهنة أخرى وهم في سن متقدمة. لذا فإن اطالق كلمة المبتدئ على هذه المرحلة هي أدق من كلمة صبي ولما كان معظم شخوص هذه المرحلة هم من صغار السن لذا فإن كلمة صبي هي األشمل. عندما يلتحق الصبي أو المبتدئ يجرى احتفال يحضره بعض أعضاء الحرفة تق أر فيه سورة الفاتحة ويربط المبتدئ مع معلمه لذا يطلق على )54( هذا االحتفال بااللتحام. أما المدة التي يمضيها المبتدئ في تعلم الحرفة متفاوتة بين

14 التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني منطقة وأخرى فمثال في مصر يمضي مدة )58( تت اروح بين عاميين إلى سبعة أعوام أما في بالد االناضول يمضي المبتدئ مدة ألف يوم )58( ويوم أما في سوريا والع ارق فإن تعلم الحرفة ال يحدد في مدة زمنية وانما على مقدار تقدم )51( المبتدئ في التعلم وخالل هذه المدة ال يستطيع المبتدئ أن يغير معلمة أنه لن يقبل عند )58( معلم آخر إال في ظروف خاصة يتدخل فيها )56( شيخ التنظيم الدخاله في خدمة معلم آخر. يتعلم الصبي من معلمه أصول الحرفة وال يآل )57( المعلم جهدا في تربيته أخالقيا وليس على المعلم خالل هذه الفترة أية الت ازمات مالية ثابتة يقدمها إلى المبتدئ إال أن في بعض المناطق )55( يتكفل المعلم بالمصروف اليومي للمبتدئ. وفي مناطق أخرى يتوجب على الصبي إحضار )51( وجبته اليومية. وعندما يتعلم المبتدئ أصول الحرفة يسمح له بإنجاز بعض االعمال البسيطة بتوجيه من معلمه. األجير: عند اكتساب الصبي المها ارت التي تمكنه من المساعدة في العملية اإلنتاجية ويثبت تقدما في تعلم الحرفة يبدأ بالحصول على أجر اسبوعي هذا األجر يزداد بزيادة مهارته وحتى يرتقي الصبي إلى هذه المرتبة ينظم له احتفال العهد مع استاذه يدعى إليه بعض أعضاء الحرفة ويفتتح بق ارءة الفاتحة وفي احتفال العهد هذا يفرض المعلم على الصبي مجموعة من المبادئ الخلقية التي تغرز فيه اإليمان ويلقي مجموعة من النصائح ويذكر بعض عادات الرسولi. وينتهي االحتفال بتالوة آي من الذكر الحكيم وفي بعض االحيان يكون حفل العهد مع المعلم )10( مصحوبا بوليمة. غالبا ما يكون األجير بالغ عاقل يتولى إدارة شؤونه الخاصة ويستطيع أن ينتقل في العمل من )14( معلم إلى آخر وليس لمعلمه والية عليه كما أن له حق اختيار طريقة تقاضي أجره فقد يتقاضى أجره يوميا أو يختار العمل بالمناوبة أي ال يقبض اجرته اليومية كاملة وانما يتقاضى ثلثها والباقي يقتطعه المعلم لتغطية مصاريف )18( األجير اليومية كما أن هناك طريقة فرضتها طبيعة العمل إذ من األفضل لكل من األجير )18( والمعلم أن يتم تحديد األجر وفق اإلنتاج. يذكر د. عماد عبد السالم أن فقيها بغداديا من )11( أهل القرن السابع عشر صنف نوعين من )18( األج ارء هما : األول: األجير المشترك: وهو الذي يقوم بأعمال خدمة لعدد مختلف من الناس في وقت واحد. الثاني: األجير الخاص:- وهو الذي يستحق األجرة بتسليم نفسه في المدة التعاقد عليها وان لم يعمل. واضافة لما تقدم نجد أن أجرة العامل تزداد

15 مجلة مركز دراسات الكوفة: مجلة فصلية محكمة بزيادة مهارته لذا على األجير أن يسعى جاهدا التقان حرفته لتحقيق غرضين األول الحصول على أجر أعلى والغرض اآلخر ليكتسب حق )16( االرتقاء إلى درجة الصانع بعد أن يدخل امتحان أمام هيئة االختيارية فإذا اجتاز االمتحان بنجاح عندئذ يقام احتفاال يرتدي خالله األجير وألول مرة اللباس الخاص بأهل تلك الحرفة أي يسمح له بارتداء السروال والبشتمال أو )17( الصدرية ثم يشدون على خصره بالشد أو )15( يربطون عليه المئزر. وفي حفل الشد هذا يدخل األجير سياج الطائفة بعد أن يحزم في هذا االحتفال بح ازم الطائفة على يد النقيب بحضور الشيخ وقبل بدأ االحتفال يطلب النقيب من زمالء المرشح تصفية ما بينهم وبين األخير من منازعات ويفتتح الحفل بقيام كل عضو بق ارءة )11( الفاتحة ويهدي كل منهم الشيخ عودا اخضر ثم يقوم المرشح بمناشدة الحشد أن يطلبوا من الشيخ أن يستجيب لمعلمه وتبدل عضويته )400( بالطائفة فإذا لم يعترض من الحشد أحد يتوضأ ويصلي ثم يعقد من ح ازمه أربع عقد واحدة لمعلمه والثانية للشيخ والثالثة للطائفة وال اربعة إلمام العلوم علي بن أبي طالب )404( )ع(. ومن المؤكد أن منهج الفتوة أجاز شد )408( أهل الذمة إذ نجد غير المسلمين كانت العدد 34 سنة ت ارعى عاداتهم في حفل الشد فالمرشح المسيحي )408( يكتفي شده بالح ازم وتالوة فاتحة االنجيل. أما )401( اليهودي فتتلى عليه الوصايا العشر وعادة ما يتحد هؤالء في الطوائف المشتركة ويسمى لهم أساتذة أو معلمين )أباء بالكار( من )408( المسلمين. أما إذا لم يجري شد األجير على الرغم من مهارته في الحرفة فتبقى اجرته )406( منخفضة. الصانع: هو األجير الذي اتقن حرفته واجتاز امتحانا أمام هيئة التنظيم )هيئة اختيارية( بنجاح ونظم له حفل الشد كما أسلفنا إال أنه لم يصل إلى درجة المهارة التي يتمتع بها المعلم ويطلق عليه بعض )407( المناطق ب )القلفة( وعندما يصل العامل إلى هذه المرحلة يعمل كصانع مع المعلم بموجب عقد يحدد فيه مدة العمل واألجرة كما ويتفق على )405( الكيفية التي يتقاضى العامل أجرته. إن دخول العامل في عضوية التنظيم وحصوله على درجة الصانع ترفع من قيمة االجور التي يتقاضاها كما أن وضعه القانوني يتغير ويصبح مسؤوال عما يستلمه من حاجيات وأغ ارض وهو )401( ملزم بردها لذا نجد أن بعض الحرف اشترطت على الصناع احضار كفيل يكفله في الذمة والمال عند شيخ السوق واذا لم يستطع 6102

16 التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني الصانع احضار كفيل فإنه يمنع من ممارسة تلك )440( الحرفة. يبدو أن مدة بقاء الصانع في هذه المرحلة متفاوتة من منطقة إلى أخرى كما أنها مختلفة من صانع )444( إلى آخر يحسمها االحت ارف في الحصول على درجة المعلم )االوسطي( واالحت ارف هذا لم يكن محددا بالمهارة حسب بل يتعدى إلى ما يتمتع به من حسن األخالق التي تؤكدها عالقته الجيدة مع زمالئه وعنايته األبوية بالصبية المبتدئين وتعامله الودود والصادق مع )448( الزبائن وأن ينجز أي عمل يطلبه منه معلمه )448( باتقان. وغير ذلك من الصفات والم ازيا واضافة لذلك يلزمه أن يمتلك أرس مال يمكنه من فتح دكان مع توفر دكان فارغ في تلك )441( الحرفة وعند توفر كل هذه المتطلبات يقوم معلمه )االسطى( باخبار الكتخدا أو النقيب بأن الصانع )القلفة( وجد لنفسه دكانا فيحدد يوم االحتفال وي ارعى أن تكون احتفاالت الترقية هذه )448( في موسم الربيع. يذكر الدكتور عيسى أبو سليم )أن من الصناع من يشد في النهار ذاته صانعا ومعلما وذلك عندما يسأل الشيخ أثناء االحتفال هيئة االختيارية: ما قالت االخوان هل يستحق مصانعة ويضيف سؤاال آخر هل يستحق معلمية فإذا كان الجواب ال يقول له الشيخ: ))حاجتك هلق مصانعة إنشاء اهلل السنية )446( الجاية تصير معلم(( واذا كان مستحقا يجاب إلى طلبه فينزع عنه مئزر الصانع )447( )القلفة( ليضع بدال منه مئزر االسطى. ينتهى احتفال االجازة هذا ويدفع المجاز مبلغا من المال ليحصل على سند االجازة من الشيخ هذا السند هو بمثابة وثيقة تجيز له ممارسة )445( الحرفة. المعلم: هو الشخص الذي بلغ ذروة المهارة في عمله وأصبح له الحق في أن يستقل بعمل خاص به )441( بعد أن اجتاز احتفال االذن أو االجازة وحصل على سند االجازة الذي يستخدمه خاصة عند تغير محل إقامته لكيال يخضع الختبار آخر )480( يثبت به مهارته. البد من اإلشارة إلى أن حفل االذن أو االجازة هذا يختلف عن حفل الشد للصانع فالمعلم الجديد ال يسمى له أبا بالكار وال يؤخذ منه العهد بالركوع وانما يكتفى بتأكيده بالمحافظة على )484( أصول الحرفة والكار ال يرتفع على أحد وأن يجعل دأبه الهدوء الزم الهيبة كثير السكوت يكبت جماح غضبه يتأن غير عجول للجواب يروض تالمذته ويؤلف بينهم ويحرضهم على )488( العمل وال يعاتبهم إال في خلوة. يعرف المعلم )488( في بعض المناطق باالستاذ وتختصر إلى )اسطا( ونرى هذه التسمية استخدمت بشكل واسع

17 مجلة مركز دراسات الكوفة: مجلة فصلية محكمة )481( في مصر. ولما كان للمعلم الجديد الحق في فتح دكان مستقل واستخدام صبيانا وصناعا وتصبح له حصة من العمل تقررها له الهيئة االختيارية نجد أن بعض المعلمين حاولوا تأخير )488( ترقية صناعهم تحاشيا منافستهم وفي ضوء العرف السائد بين أرباب الحرف نجد أن المعلم المتمرس يستطيع الحرفة العدد 34 المشاركة في إدارة شؤون عليه نستطيع القول أن المعلمين المتمرسين يشكلون قاعدة هرم التنظيم الهيكلي للطائفة الحرفية. حقوق الحرفيين: أخرج الفقيه البغدادي مجموعة من الضمانات التي تضمن حقوق الحرفيين عن مذهب أبي 6102 سنة )486( حنيفة النعمان منها : 4 - ال يسأل الحارس المستأجر لحفظ الخان إذا ما سرق ويطالب بتعويض ألنه يحفظ األبواب )487( أما األموال فهي بيد أربابها. 8 - صاحب المحل المستأجر لحفظ االمتعة غير مسؤول إذا ما سطا سارق على أمتعته أثناء )485( غيابه. 8 - ال يدفع الحرفي مثل النساج والحداد والقصار )يقصر الوان المالبس( والدباغ تعويضا عن شيء فقد من محل حرفته أو تلف بغير سبب )481( منه. 1- للحرفي الصباغ حق االحتفاظ بالسلعة عند مماطلته بالسعر وليس مسؤوال إذا ما تلفت أو )480( فقدت. 8- اعفى االطباء والج ارحين عموما من مغبة أعمالهم إذا ما هلك مرضاهم دون تقصير واضح )484( منهم. 6 - أعفى المالحين من المسؤولية إذا ما غرقت سفنهم المحملة ببضائع غيرهم حتى وان كان )488( غرفها بسبب عطب فيها. 7- أعفى النخاس من أية مسؤولية إذا ما هلك )488( العبد عنده. 5 - يستحق األجير الخاص اجرته من معلمه من كل األحوال حتى في حالة تعطله عن )481( العمل. 1- ال يحق للمعلم أو األستاذ ضرب صبيه أو )488( تلميذه إال بإذن أبيه أو وليه. 40- إذا ما اذن للصبي بالترقي وأصبح صانع اختلف وضعه القانوني إذا يعوض ما يفقد منه أو يتلفه على عكس زميله غير المأذون الذي يتحمل )486( عنه معلمه مسؤولية أعماله كافة. التنظيمات الحرفية والسياسة:

18 التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني إن التنظيمات الحرفية لم تستطع أن تبلغ في فعاليتها السياسة حدا يمكنها من السيطرة على السلطة السياسية في المدن ففي الواقع أنهم كانوا يشكلون عنص ار له أهميته من الناحية االقتصادية )487( إال أنهم لم يتمتعوا بنفوذ سياسي مؤثر يتناسب واتساع الشعبية التي تنتمي إليها تلك التنظيمات. وهذا ال ينفي مشاركتهم التنظيمات االجتماعية األخرى في تحركاتهم السياسية المؤيدة أو المعارضة للسلطة فعلى سبيل المثال ال الحصر ففي عام ) 4864 م( لجأت الحكومة إلى الحرفيين على ش ارء كميات كبيرة من السلع المصادرة بأسعار عالية وباعتماد سعر للذهب ال يمثل سوى ثلث السعر السائد مما دفعهم للتجمع والتوجه للديوان السلطاني لمطالبة الصدر األعظم بالعدالة وبعد أن ردوا على أعقابهم قاموا بغلق الدكاكين ورفعوا ارياتهم وقد وصل عددهم مائة وخمسون ألف وأغلبهم يحمل السالح وانتهى )485( األمر بعزل الصدر األعظم. وعندما حاولت السلطة المركزية في استانبول فرض وال دخيل على والية بغداد عام 4418 ه/ 4778 م وقفت هذه التنظيمات جميعا إلى جانب القيادة المملوكية واستطاعت بموقفها ذاك فرض إ اردتها على )481( السلطة المركزية كما كان لهذه التنظيمات دو ار سياسيا هاما عام 4888 ه/ 4540 م وألسباب ال يسع مجال البحث ذكرها. لبس أهل اسواق بغداد سالحهم وقرروا قتل قائمقام المدينة مما دفع القائمقام لالستعانة بقوات القبائل )410( المجاورة. وقد أورد المؤرخ أحمد كتخدا الدمرداش في )الدرة المصانة من أخبار كنانة( كثي ار من األزمات السياسية واالقتصادية والتي كان لها األثر البالغ على الواقع الحرفي ويظهر موقف التنظيمات )414( الحرفية في تلك األزمات. وكان للحرفيين في مصر دو ار سياسيا واضحا في األزمات السياسية فعند دخول السلطان سليم إلى القاهرة 188 ه/ 4847 م أمر السقائين بتجهيز جمالهم وأوانيهم لي ارفقوا الجيش عند مطاردته السلطان طومان باي الذي هرب إلى )418( الصعيد وعند حدوث االضط اربات أو معارك نجد الحرفيين يخفون دوابهم مما كان له )418( األثر البالغ من آثاره. وكان للحكومة موقف واضح في تلك األزمات إذ أن السلطان كان يزور األسواق متخفيا في أوقات النقص الحاد للمواد ويفرض اشد العقوبات على من تثبت عليهم عمليات الغش أو التدليس وكانت إساءة التجار والحرفيين إلى العامة تعتبر أضعافا لحكم السلطات لذا كان على السلطان أن يثبت للناس أن توفير المواد لألزمة في حياتهم اليومية أولى )411( اهتماماته الشخصية. فيحجم بذلك دور أرباب الحرف في آثاره العامة ويمتص نقمتهم

19 مجلة مركز دراسات الكوفة: مجلة فصلية محكمة التنظيمات الحرفية ومظاهرها االجتماعية: استطاع الحرفيون من خالل تنظيماتهم الحرفية توفير وسيلة للتعبير عن مكانتهم في المجتمع ان من أهم المظاهر االجتماعية لهذه التنظيمات هي اقامتها الحتفاالتها في مواسم خاصة )418( بها. إذ تظهر من خالل تلك االحتفاالت الوشيجة التي تربط أعضاء تلك التنظيمات فيما بينهم. غالبا ما يكون االحتفال عند مرقد الولي )416( )البير( الذي ينتسب إليه الصنف. فنجد أن جميع قصابي بغداد كانوا يحتفلون في مواسم معينة عند مرقد )جرمود القصاب( الذي ينسبون )417( إليه تأسيس حرفتهم ويعدونه حاميا لهم كما كان صنف الخياطين في بغداد يز ورون قبر السيد )ادريس( كل عام في يوم محدد بمالبسهم الجديدة )415( المزركشة العتقادهم في بسط حمايته عليهم. تتحد جميع التنظيمات على اختالف حرفهم في االحتفال بزيارة ضريح الصحابي سلمان الفارسي في بلدة سلمان باك ويظهر ذلك االحتفال مدى التضامن العام بين أرباب الحرف إذ يعتبرون سلمان الحامي الرئيسي لعموم أهل الحرف ومنه )411( تسلسلت اجا ازت التنظيمات إلى أصحابها منذ النصف األخير للقرن التاسع عشر تحول كثير من تلك االحتفاالت والمواكب الحرفية البحتة العدد 34 سنة إلى مواكب منظمة لالحتفال بالمناسبات الشيعية المعروفة وتحمل تلك المواكب اسماء األصناف التي تنتمي إليها وصارت تجري هذه االحتفاالت علنا داخل المدن بعدما كانت تقام ابان القرن )480( الثامن عشر خارج المدن. كما ساهمت هذه التنظيمات في االحتفاالت العامة والخاصة مثل االحتفال برؤية هالل رمضان أو االحتفال بنهر النيل إذ نجد أن كل صنف يهيء عربة يزخرفها ويزينها وتحمل نموذج من صناعة ذلك )484( الصنف. أما االحتفاالت الخاصة فقد أقام أهل القاهرة مهرجانا شعبيا احتفاال بمناسبة ختان ابن بنت )488( السيد عمر مكرم وسار فيه أصحاب الحرف )488( المختلفة يقودون عرباتهم كأنها محل متنقل فتمر عربة عليها خياط يقص أثوابا ويخيطها وأخرى عليها صانع الحلوى بأوانيه وأدواته من دقيق وسكر وأخرى عليها خباز بفرنه وعجينه يصنع الخبز وهكذا الحرف األخرى. ويذكر الدكتور هريدي أن العربات التي اشتركت في االحتفال الذي نضم في حفل عقد ق ارن أبي محمد علي باشا سنة 4885 ه/ 84 ديسمبر 4584 بلغت احدى وتسعين عربة عدا أربع عربات مخصصة للعروس وكان أمام كل عربة يسير أهل الحرفة مشاة خلف الطبول والزمور وهم 6102

20 التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني مزينون بالمالبس الفاخرة التي كان أكثرها )481( مستعارة. على الرغم من عفوية تنظيم تلك االحتفاالت إال أنها ترسم صورة واضحة عن الواقع االقتصادي )الصناعي واالنتاجي( وتظهر وجه من أوجه المستوى الحضاري للمجتمعات التي تنتمي لها تلك األصناف إضافة إلى أنها كانت بمثابة اعالنات لنشاطات التنظيمات الحرفية مما يزيد المنافسة التي تساعد على تقديم الحياة الصناعية وازدهارها. كما أنهم كانوا حريصين على المشاركة في توديع واستقبال حجاج بيت اهلل الح ارم والمشاركة في )488( تشييع جنائز أعيان البلد. كما شكلت تنظيمات جماعة السقائين والحمالين عنص ار أساسيا من عناصر المظهر االجتماعي وبحكم ذهابهم من منزل إلى آخر هيء لهم أن ينفذوا إلى أعماق )البيوت( لذلك لعبوا دو ار مهما في نقل األخبار ونشرها وساهموا بطريقة مباشرة في الحياة اليومية ألهالي المدن وكان السقاؤون يستخدمون كوسطاء في المغام ارت العاطفية التي )486( افترض وجودها في محافل الحريم. كما عرف عن الحالقين اختالطهم بالناس من مختلف الطبقات و اقبالهم على التحدث مع زبائنهم من أمور شتى إذ كانوا يسمعون كثي ار ويروون كثي ار فشكلوا وسيلة اعالمية من وقت انعدمت التنظيمات الحرفية والتنظيمات الصوفية: إن حركة التصوف تغلغلت في نفوس العامة لما تحمله من مبادئ وافكار وانضم إليها الكثير من )487( ذوي الحرف والمهن. كما عرف التصوف اإلسالمي جماعات الفتوة وكان من شروطها أن يكون الفتى مسلما ذو صالح وتكسب صاحب )485( حرفة. ظلت الفتوة طول صدر اإلسالم والعصر االموي وشطر في العصر العباسي مسلكا فرديا يسلكه بعض االف ارد ويتجلى في أعمالهم ولم يعرف ألهل الفتوة نظام اجتماعي إال بعد اتصالها )481( بالنصوص. إذ نجد أن التنظيمات الصوفية والتنظيمات الحرفية تشتهر كما في لزوم توفر شروط أهل الفتوة كالصدق والوفاء والكرم والمروءة وغير ذلك من الصفات التي جاهد أصحاب الحرف في التمسك بها كما كان لكل حرفة في الفتوة شيخ مرشد يمتد نسبه ألحد األولياء كما أن التمنطق بالمئزر )بشتمال قو شانمق( أحد الم ارسيم الرئيسية في االحتفاالت النهائية لدى جماعة )460( األخية. كما وأن لشرطي )ربط الشدة( و)لبس السروال( )شالوا گيمه( تحولت إلى م ارسيم تقام لمن بلغوا )464( في الحرفة مرتبة االستاذية. وبلغ األمر من التداخل بين التنظيمين. أن طريقة الصوفية )هي الشاكردية( في القرن الثامن عشر كانت تشتق فيه وسائل نقل األخبار المعروفة حاليا

21 مجلة مركز دراسات الكوفة: مجلة فصلية محكمة اسمها من االسم الخاص بالمبتدئين في التنظيم )468( الحرفي )شاكرد(. كما استمدت التنظيمات الحرفية من طرق الصوفية شعائرها وتقاليدها وأفكارها الروحية مثل المواكب الخاصة بأعضاءها ومواسمها في زيارة مؤسسيها )468( وأوليائها. وكان للفتوة تنظيم متدرج اشبه ما يكون بتنظيم أهل األصناف أيضا فهناك الشيخ الذي يتصف بالصدق وأداء األمانة واجتناب المحارم واحتمال األذى والسخاء والوفاء )461( بالعهد. ثم النقيب هو الذي ينصبه الشيخ ويكون الواسطة بينه وبين الفتيان وهو الذي يقوم بعملية الشد كما هو الحال في التنظيمات الحرفية ومهمته األساسية تحريض الفتيان على )468( التمسك بالفتوة. أما الرفيق هو االبن بالنسبة للشيخ الذي يكون تفتيه على يده وينتسب إليه يطيع اوامره ويقضي حوائجه وعلى الرفاق )466( مساعدة بعضهم ماديا ومعنويا كما ونجد أن م ارسيم االنتماء إلى جماعة الفتوة تشبه إلى حد بعيد م ارسيم االنتماء إلى التنظيمات الحرفية )األصناف( إذ تتم عملية الشد والعهد والوليمة )467( بصورة متشابهة لكال التنظيمين تقريبا. إن التشابه بين التنظيمين دليل على التأثير المتبادل بينهما كما أن أغ ارضها غالبية أرباب الصنائع والحرف إلى منظمات الفتوة جعل من العدد 34 سنة االحت ارف والفتوة حالتين متالزمتين. التنظيمات الحرفية ونقابة االش ارف: أطلق على التنظيم الذي يرعى أمور السادات األش ارف ويتولى شؤونهم في المصطلح العثماني )465( اسم نقابة األش ارف )نقيب اش ارفلت(. والبد من اإلشارة إلى أن هذا التنظيم قائما في دولة العالم اإلسالمي قبل العثمانيين إذ أن التطور التي شهدته المدن تركت آثار مباشرة على ت ازيد النشاطات االجتماعية لسائر الفئات وأظهرت الحاجة إلى تنظيمات اجتماعية مت ارصة من شأنها أن تحقق نوعا من التضامن في داخل كل )461( فئة من فئات المجتمع ومن أبرز التنظيمات االجتماعية ابان العهد العثماني هي نقابات األش ارف والتنظيمات الحرفية الشت ارك هذين التنظيمين بالدفاع عن مصالح الطبقة العامة فعلى الرغم من أن الوظيفة األساسية لنقابة األش ارف هي التأكد من هويات من يدعون السيادة أو الش ارفة وابطال حجج الكذابين واالهتمام بشؤون المنحدرين من ساللة الرسول )470( )ص( وضبط أنسابهم وتدقيقها إال أن دورها لم يعد مقتص ار على هذا الجانب وانما امتد ليشمل القيام بقضايا اجتماعية تتعلق بالدفاع عن )474( مصلحة الطبقة العامة وحقوقها. التنظيمات الحرفية واالنكشارية: 6102

22 التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني كان التطور األكثر تأثي ار في حياة الحرفيين في العديد من التنظيمات الحرفية خالل القرن الثامن عشر هو تسرب االنكشارية المزيفين إلى هذه الروابط فقد كان هناك على االقل خمسون ألف )478( ممن يسمون االنكشارية موزعين في حاميات بجميع أرجاء االمب ارطورية عند منتصف القرن والقليل منهم كان يمكن أن نسميهم جنودا بحق وبما أن رواتب االنكشارية في ذلك الحين كانت بالكاد اسمية فإن معظم هؤالء االنكشارية كانوا في الواقع حرفيين أ اردوا االنتماء لالنكشارية بسبب االعفاء الضريبي والحصانة القضائية. ومع أواخر القرن الثامن عشر كان رجال الطوائف الحرفية المسلمون جميعا في بلغ ارد وس ارييفو وسالونيكا بالفعل يطلقون على انفسهم اسم االنكشارية أو على االقل مجندين )يمق( ومن تأثي ارت ذلك زيادة حدة التمييز بينهم وبين أهل المدن من المسيحيين واليهود الذين لم يكن في وسعهم أن يدعوا عضوية االنكشارية ومن الطبيعي أنه كان من الصعب تماما على القائد المحلي )دبزوار( أن يمارس سلطته على هذه المليشيا التي عينت نفسها بنفسها وهو أمر كان أصعب كثي ار بالنسبة إلى استانبول ونتيجة لذلك قد يخشاها حاكم قوي حتى وان كانت تتم تحيته بحسب التقاليد )مثلما كانت الحال في س ارييفو( عند وصوله بمركب استق ارري في الماء من رجال الطوائف الحرفية المجتمعين بضاحية هدير )478( المدافع من القلعة. وفي العاصمة المقابلة القاهرة كانت عملية تسرب االنكشارية إلى العديد من الطوائف الحرفية قد تمت بالفعل في اوائل القرن. ولكن يبدوا أن سيطرة االنكشارية على الطوائف قطعت من القاهرة شوطا أبعد مما قطعته في استنبول ألن الحرفيين أيضا كانوا تحت )الحماية( من جانب أما االنكشاري التي استمد حصانته من نظام الحسبة التقليدي في ظل الحكومة اإلسالمية. وهكذا فعندما كانت بعض فرق االنكشارية التي غزت مصر سنة 4504 تطرح ألوانها على أبواب المتاجر التي تنوي حمايتها فإنهم كانوا ببساطة يعيدون تجديد الممارسة التي كانت قائمة منذ وقت طويل. كان التحالف بين االنكشارية المحلية والطوائف الحرفية المحلية من سمات المدن الداخلية في سوريا والع ارق ففي حلب كانت الفئات ولكل منها تحالفاته مع القبائل الكردية والتركمانية المحلية منظمة حول طائفة حرفية - انكشارية محلية من ناحية واالش ارف من ناحية أخرى. وفي دمشق كانت الفئات ولكل منها حلفاءها من النخبة المحلية تعارض االنكشارية- الحرفيين المحليين الذين يقفون ضد االنكشارية االمب ارطورية المسؤولين عن ح ارسة قوافل الحج

23 مجلة مركز دراسات الكوفة: مجلة فصلية محكمة ونظ ار ألن الفئات في قوافل المدنيين متكافئة فقد شكل ذلك المفتاح لمعناها: إذ كان الص ارع بين الفرقاء ص ارعا من أجل السيطرة على الحياة )471( االقتصادية. فإن رجال الطوائف الحرفية الذين يشكلون االنكشارية قد تولوا مهمة جمع الض ارئب واق ارض المال واإلش ارف على االوقاف. أما في الع ارق فإن انضمام معظم الحرفيين إلى فرق الجيش االنكشاري ال اربطة في المدن الع ارقية جعل من هذا التنظيم ذا أثر في توجيه السياسة ففي عام 4888 ه/ 4540 م لبس أهل اسواق بغداد سالحهم وعزموا على قتل قائمقام المدينة ولم يثنهم عن عزمهم سوى استعانة القائمقام بقوات القبائل المجاو رة. أما في دمشق فلم يكن لدى الفرق االنكشارية أية مساهمة في األعمال العسكرية العثمانية فخرجوا من ثكناتهم العسكرية واندمجوا مع السكان المحليون وتسللوا تدريجيا )478( إلى صفوف التنظيمات الحرفية وعملوا في مجاالت اقتصادية متنوعة أهمها تنظيم نقل قافلة الحاج الشامي وفتحت لهم أبواب الدخول إلى )476( ميدان التجارة الخارجية فأثروا ث ارء فاحشا ونفوذا مكنهم من التحالف مع األش ارف فصارت لهم مكانة اجتماعية إضافة للقوة العسكرية واالقتصادية التي كانوا يتمتعون بها العدد 34 سنة التنظيمات الحرفية والمحاكم الحكومية: ناد ار ما كانت طوائف الحرفيين تلجأ إلى المحاكم الحكومية لكي تتخذ ق ار ار فقد كان هناك مجلس من االسطوات والعمال يقرر االسعار ثم تبلغ الطائفة المحكمة بق اررها كذلك كان االسطوات مجتمعين يحتفظون بسيطرة صارمة على فتح )477( دكاكين جديدة بعد إكمال اج ارءات وقواعد رسمتها الطائفة لذا فإن الطائفة الحرفية تصنع سياستها بنفسها إال أن هذا لم يمنع حكومات القرن الثامن عشر من تعيين اف ارد اضافيين من خارج بعض الطوائف كم ارقبين. االختصاص المكاني ألسواق الحرف: أما تخصص األسواق فقد بدأ واضحا ومنظما بإذ جعل لكل تجارة شوارع معلومة ال يختلط قوم بقوم وال تجارة بتجارة وكل سوق مفرده وكل أهل مهنة مفردون بتجارتهم ولقد برزت هذه الظاهرة في كل االسواق ويبدو أن هناك عاملين أساسيين كان لهما األثر الكبير في بروز ظاهرة التخصص هما: 4 - التوافق والمصلحة المشتركة بين أصحاب كل صنف من اصناف التجارة ذلك التوافق الذي حملهم على التجمع في محل واحد أو سوق واحدة كما هو الحال مع تجارة االقمشة أو المالبس أو األسلحة. 6102

24 التنظيمات الحرفية والصناعات المحلية في العهد العثماني 8 - بروز نظام الحسبة كظاهرة واضحة متكاملة منذ بداية العصر العباسي األول والتي تمثلت بفرض رقابة الدولة على األسواق عن طريق المحتسب فكانت أولى مهامه أن يجعل ألهل كل صنعة سوق يختص بهم وتعرف صناعتهم. لقد كان لظاهرة التخصص تأثيرها الواضح في تنشيط الحركة التجارية لما لها من م ازيا تمثلت من اآلتي: أ. تسهيل عمليات الش ارء على المستهلك ذلك ألنه سيحصل على أفضل نوعية ولوقت قصير لتوفر عدد كبير من البدائل للساعة ذاتها. ب. الحد من ظاهرة االحتكار أو االمتناع في البيع ذلك ألن وجود عدد كبير من البائعين سوف يفوت الفرص على المحتال خوفا من منافسة اآلخرين أي أن السوق أصبح في حال منافسة شبه تامة. ج. أحكام الرقابة على الصنف المباع وذلك من خالل الحفاظ على مستوى األسعار ووفقا للنوعية )475( المعروضة للبيع مما يسهل وظيفة المحتسب تطور اإلنتاج الحرفي: ارفق التطور الز ارعي واتساع حجمه نشوء بعض الحرف الم ارفقة فكون الع ارق متمي از بز ارعة القمح كان البد من نهو ض المطاحن ولالستفادة من حركة المياه الموجودة فيه فقد كانت المطاحن مستخدمة للقوة المائية وكانت أكبر االرحاء العائمة تقوم على نهر دجلة وكانت مطاحن الموصل من الضخامة بإذ لها رحى البطريق )471( التي تغل في كل سنة مائة ألف ألف درهم. )450( نظام الكدك : لغرض تنظيم سياسة العرض والطلب في السوق اعتمدت الدولة العثمانية نظاما صدرتعددا معينا للدكاكين والمعلمين لكل حرفة حسب حاجة المدينة وفقا للظروف االقتصادية التي تقيد السياسة االقتصادية العثمانية الموجهة نحو السوق المديني والتي كانت قائمة على انتاج محدود للسلع الد اركها من خالل التجربة والتنظيم بأن النقص في اإلنتاج يؤدي إلى ارتفاع االسعار للمستهلك وأن زيادة اإلنتاج تؤدي إلى أسعار منخفضة غير عادلة بالنسبة للحرفي لذا فإن التنظيم كان لمصلحة )454( المستهلك والمنتج على حد سواء. بناء على ما تقدم نجد أن الدولة لم تكن تسمح ألحد أن يقدم على زيادة في أعداد الدكاكين فإذا ازد عدد الدكاكين أو الورش عند الحاجة تقوم الدولة بتحويل الزيادات إلى التخصصات القريبة والتي تكون المدينة أو المنطقة بحاجة إليها كما )458( أصدر الديوان الهمايوني في القرن السادس عشر أم ار بإغالق الورش ال ازئدة عن الحاجة عندما وجدت الدولة أن هناك هد ار كبي ار في كميات الفضة المستعملة في ورش نسيج قماش حريري تستخدم خيوط الذهب والفضة في نسجه

25 مجلة مركز دراسات الكوفة: مجلة فصلية محكمة )458( )س ارسر(. وانتهجت الدولة هذا النهج خالل القرن السابع عشر إذا تم إصدار كثير من االوامر لمنع تصنيع وبيع الخل من قبل حلوانين لم يكونوا من الصناع األصليين واغالق عدد من محالت الزهور الفائضة وغير ذلك من الصناعات التي تعتبرها كمالية وفائضة عن العدد سنة )451( الحاجة. إن المخالفات لم تكن منفردة بل كانت تزداد مع الزمن مما دفع الدولة إلى وضع نظام يحظر فتح دكان وممارسة مهنة ما لم يكن الشخص حاصل على حق )كدك(. وهو نوع من االمتياز والحصر فقد كان لكل طائفة من أرباب الحرف عدد معين من الورش والدكاكين فال يبيع أحد ما يبيعه اآلخر أو يصنع ما يصنعه وعندما يحصل أحدهم على مكان بالكدك. عليه دفع مبلغا معينا من المال ثم يحصل على الفرمان الذي يخول له )458( هذا الحق. والكدك نوعان )مستقر وهوائي( فالمستقر صاحبه يمارس مهنة محددة في مكان محدد واذا أ ارد تغير مكان الكدك يجب عليه القيام بإج ارءات مشابهة لما يقوم بها عندما يطلب الحصول على كدك جديد أي أن الكدك من هذا النوع يتبع الدكان أما صاحب الكدك الهوائي فمسموحا له )456( ممارسة مهنته في المكان الذي يشاء. ولقيمته المادية فقد كان الكدك يباع ويرهن كليا أو بنسبة النصف أو الربع أو الثمن. كما ويستدان )457( باسمه. وكان الشيخ أو الكتخدا مسؤوال عن إج ارءات انتقال الكدك في حالة وفاة صاحبه أو تركه لمهنته لسبب ما ولالبن الحق األول في امتالكه لذلك الكدك صانع صاحب الكدك الحق في ش ارءه بنفس الشروط إذا لم يكن له ابن )455( يرثه. تلجأ الدولة إلى زيادة أعداد الكدك الممنوحة إذا ازدت الحاجة إلى حرفة معينة أما إذا قلت الحاجة إلى حرفة ما تعاد بعض الكدك إلى الخ ازنة التابعة لها أو يقومون بدمجها مع أماكن الكدك األخر ى في نفس الحرفة أو ينقلوها إلى حرف أخرى بعد استحصال الموافقة على الرغم من النظام المتشدد الذي كانت تتبعه الدولة في منح الكدك إلى الحرفيين. إال أنها في أواخر القرن الثامن عشر نجدها تتسامح في منح رعايا الدولة والجنسيات األجنبية حق )الكدك( والدخول في مجال الحرف والصنايع مما أدى إلى وقوع الدولة في مأزق صعب إذ ظهرت الن ازعات بينهم وبين الحرفيين األصليين وقد حاولت الدولة التصدي لهذه الظاهرة. إال أن بنود معاهدة )بلطه ليماني )451( 4585( وفرمان التنظيمات )دستور 4581 ( أجازت لجميع المواطنين االشتغال بالتجارة