املبحث األول تأثيرها وارتباطها باإليمان
إن من أعظم ما تتميز به البراهين القرآنية عن دلئل املتكلمين والفالسفة: ارتباط ها الوثيق باإليمان باهلل تعالى خشية وتعظيما وإجالل ووصولها بنفس املستدل إلى الخضوع ملدلولها فهي تجمع بين العلم باليقين وتقريرالحق وبين التأثر به والتفاعل معه والعمل بمقتضاه.
ومما تتجلى فيه خاصية الرتباط الوثيق بين املعرفة والعمل في املنهاج القرآني إلقامة البناء العقدي ما بي نه هللا لنبيه من طرق دعوة الناس وهدايتهم بأنواع اآليات والبي نات وذلك في قوله تعالى: ي ة ال ت ي ه ح ك م ة و ج اد ل هم ب ة ال ح س ن إ ل ى س ب ي ل ر بك ب ال وامل و ع ظ اد ع {.} أ ح س ن فهذه الطرق وإن كانت - كما يقول ابن تيمية - تشبه من بعض الوجوه األقيسة الثالثة املعروفة عند املناطقة: البرهانية الخطابية والجدالية إل أنها يأ : الطريقة القرآنية - أكمل منها من وجوه كثيرة أهمها :
أنها تجمع نوعي العلم والعمل الخبروالطلب على أكمل الوجوه. بخالف األقيسة املنطقية فإنما فائدتها مجرد التصديق في القضايا الخبرية سواء تبع ذ كل عمل أو ل فإذا كانت املواد يقينية كان برهانا و أفاد اليقين وإن كانت مشهورة أو مقبولة سمي خطابة وذلك يفيد العتقاد والتصديق الذي بين اليقين والظن.
الحكمة في القرآن : هي معرفة الحق وقوله والعمل به. املوعظة الحسنة : تجمع التصديق بالخبروالطاعة لألمر. الجدل األحسن : يجمع الجدل للتصديق وللطاعة.
والناس على ثالث مراتب : من يعترف بالحق ويتبعه فهذا صاحب الحكمة. من يعترف به لكن ل يعمل به فهذا يوعظ حتى يعمل. من ل يعترف به فهذا يجادل بالتي هي أحسن.
فظهربذلك أن طريقة األنبياء التي نبه إليها القرآن بلغت الكمال في العلم والعمل وظهربجمعها بين الكمالين فضلها على الطريقة الكالمية. باإلضافة إلى أن غاية الطريقة القرآنية األمر بعبادة هللا حيث جمعت بين العلم والعمل. وغاية الطريقة الكالمية اإلقرار بوجود هللا وحصول هذا من غير عبادة وبال على صاحبه. فالو افق املتكلمون الطريقة القرآنية ل في الوسائل ول في املقاصد.
املبحث الثاني ة اليقيني
تتميز األدلة التي أرشدنا هللا تعالى إليها في كتابه العزيز أوعلى لسان رسوله صلى هللا عليه وسلم بأنها قد بلغت الغاية في الصدق واليقين فهي براهين قطعية الدللة على ماسيقت إلثباته وتقريره.
أهل املنطق في طريقتهم الجدلية يكتفون عند الحتجاج بمقدمة على الخصم بمجرد تسليمه بها سواء كانت يقينية برهانية أم ل. أما الطريقة القرآنية في الجدل ل يكتفى فيها بذلك بل ل بد أن تكون املقدمة برهانية مع التسليم بها وإن كان هناك من ينازع فيها فإن القرآن يذكر له البرهان على صحتها فتكون حجة على من سل م بها وعلى من نازع فيها كذلك.
نبه شيخ اإلسالم ابن تيمية إلى أن املقدمة التي ت ذكرلنظم دليل أوقياس لها وصفان : وصف : ذاتي وهو أن تكون املقدمة مطابقة للو اقع فتكون صدقا أو ل تكون مطابقة فتكون كذبا وجميع املقدمات املذكورة في أدلة القرآن و أقيسته صادقة. وصف : إضافي كون هذه املقدمة معلومة عند زيد أومظنونة مسل مة أوغيرمسلمة فهذا أمر ل ينضبط فر ب مقدمة هي يقينية عند شخص قد علمها في حين أنها مجهولة عند من لم يعلمها فضال عن أن تكون مظنونة عنده.
القرآن كالم هللا تعالى الذي أنذربه جميع خلقه لم يخاطب به واحدا بعينه حتى يخاطبه بما هو عنده يقيني أو مشهور أو مسلم من املقدمات بل اعت برفي مقدمات أدلته وأمثاله الصفة الذاتية وهي كون املقدمة صدقا وحقا يجب قبوله.
أما من جهة التصديق فتتعدد وتتنوع فمن الناس من يعلم املقدمة باإلحساس والرؤية ومنهم من يعلم ها بالسمع والتواتر كآيات األنبياء ونحوها. فما كان جهة تصديقه عام ا للناس: أمكن ذكر جهة التصديق به. وما كان جهة تصديقه متنوع ا: أحيل كل قوم على الطريق التي يصدقون بها.
املبحث الثالث السهولة والواقعية واملباشرة
مما تميزت به األدلة العقلية القرآنية عن القياس املنطقي أنها تربط الناظر املستد ل بمطلوبه مباشرة من غيرتطويل بذكراملقدمات كما أنها توصله إلى عين املطلوب. بخالف الطريقة املنطقية التي إنما تدل على أم ر كلي يشترك فيه املطلوب مع غيره.
يفتقد القياس املنطقي األرسطي خاصية إيصال املستدل إلى مطلوبه مباشرة ففيه تطويل متعب وهذا جعل فائدته العلمية محدودة. أما األدلة العقلية القرآنية فقد سلمت من هذه اآلفة فهي أدلة واضحة سهلة قريبة من الناظر واملستدل مالبسة له مع بلوغها الغاية في اليقينية.
من أهم ما تتميز به األدلة العقلية الشرعية عن الطريقة الكالمية: الو اقعية وتتجلى هذه الخاصية في الفرق بين املنهجين في طريقة تقرير اإلمكان للغيبيات التي أخبربها الصادق.
وذلك أن اإلمكان على نوعين: اإلمكان الذهني: وهو فال يعلم امتناعه. يعرض أن الش يء على الذهن اإلمكان الخارجي: وهو الواقع خارج الذهن. أن يعلم إمكان الش يء )وهو الذي جاء بيانه في القرآن في تقرير املعاد(. في
املبحث الرابع التنوع والكثرة
من املقرر شرعا أن املطلوب كلما كان الناس إلى معرفته أحوج يس ر هللا تعالى على الناس طرق معرفته. ومن مظاهرتيسيرهللا تعالى لخلقه طرق معرفته: o تنوع اآليات والبراهين الدالة عليه. طرق معرفته بما ل يحص ى كثرة مما يجعل o وتعد د تواليها كما يقول الرازي يفيد القوة والجزم.
طرق بيان هللا تعالى لبراهين اإليمان التي هي شهادة هللا بوحدانيته وصدق رسله طريقان : السمع البصر والعقل يستخدم هما في الستدلل والنظر فهما كاألدوات له.
وقد قابل هللا تعالى هذين الطريقين بنوعين من الشهادة على وحدانيته وصدق أنبيائه : شهادته القولية: وهي ما أرسل o به رسله وأنزل به كتبه وهذه ت علم من طرق السمع. شهادته الفعلية: وهي ما نصبه من دلئل األنفس واآلفاق الدالة على الوحدانية والبعث والنبوة وهي دللة مستقلة تعلم دللتها وإن لم يكن هناك خبرعن هللا تعالى. o واليقين يحصل بكال الطريقين: السمعي والبصري العقلي إل أن حصول اليقين بمدلول األدلة السمعية أيسر وأظهر.
ل} مظاهرتنوع األدلة العقلية النقلية : تنوع األسلوب القرآني في التنبيه إلى اآليات والبراهين ولفت األنظار إليها كما في الصيغ التالية: علكم تعقلون{ }أرأيتم{ }لعلكم تذكرون{ }أفال تتفكرون{ وغيرها كثير تارة تأتي بأسلوب االستفهام وتارة باالستنكار وغيرها من األساليب.
املبحث الخامس قرب الدليل ومالمسته للمستدل
من خصائص األدلة العقلية الشرعية التي تميزها عن األدلة البدعية: سهولة مأخذها وقربها البالغ وإحاطتها التامة بالناظرين.
املبحث السادس إيجاز الدليل
اإليجاز الذي تميزت به األدلة العقلية الشرعية: هو بالغة القول في سوق الدليل من غيرإخالل بأركانه.
من منهج الختصارفي براهين القرآن : عدم الستدلل على الضروريات وإن خالف فيها أهل السفسطة ألمرين : فيه منافاة لكمال البيان اإللهي. o أن هؤلء يستحيل الرد عليهم فإن الستدلل على o إليها النظر التي قواعد على استدلل الضروريات املنتهى فيه وهذا من الدور املمتنع.