تصدير

6٩-55 قرآنيكا مجلة عاملية لبحوث القرآن املجلد ٩ ع )( ديسمبر كانون األول 0٧ م ص 0٧ مركزبحوث القرآن جامعة ماليا ماليزيا محاية حقوق املستهلك يف القرآن الكرمي: )*( دراسة حلالة األطعمة امللوثة ابمليالمني د. جهاد عمران البشري )*( قسم الدراسات اإلسالمية كلية اآلداب جامعة اإلمام عبد الرمحن بن فيصل السعودية الدمام

ملخص 0٧ م. جهاد ع. البشير هذه الد راسة حماولة للن ظر يف الض وابط القرآني ة يف أخالقي ات الس وق ومحاية املستهلك خاص ة يف جمال املواد الغذائي ة وابت باع املنهج الوصفي الت حليلي فإ ن الد راسة احلالية قد توص لت إىل حتديد مجلة من الض وابط القرآني ة يف حماربة الغش الت جاري وهي إم ا: ذاتي ة تتمث ل يف تربية الوازع اإلمياين يف الفرد لي حاسب نفسه يف تعام الت الس وق وينأى بنفسه عن كل ما فيه غش وإضرار بغريه وإم ا رقابي ة تتمث ل يف احلسبة اليت تعمل يف اجملتمع املسلم على مراقبة الس وق وضبط املوازين واملكاييل ومنع الغش جبميع ص و ره. هذا وقد حاولت الد راسة احلالي ة الن ظر يف حادثة امليالمني الص يني ة يف ضوء الض وابط القرآني ة فتقر ر أ ن ا حالة خطرية من الغش الت جاري وأ ن ا خارجة على مجيع الض وابط القرآني ة واألخالقي ة والقيم اإلنساني ة وأن ه ال حيول دون هذا الت صر ف اإلجرامي الشبع إال العودة إىل الض وابط القرآني ة يف االقتصاد والت بادالت الت جاري ة. كلمات دال ة: حقوق املستهلك ضوابط رقابي ة جتاري ة غش جتاري امليالمني. - مقدمة احلكمة من التشريع جلب املنافع ودفع الضرر واألصل يف األشياء اإلابحة سواءكانت مبنية على نص شرعيكما يف قوله تعاىل: ي أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا ك ل وا م ن ط ي ب ات م ا ر ز ق ن اك م و اش ك ر وا ل ل ه إ ن ك نت م إ ي ه ت ع ب د ون )البقرة: 7( أو على منفعة أو عند عدم ورود نص أو عدم ضرر واملنفعة هي الشيء النافع لإلنسان ألن األصل فيها اإلذن يف استعماهلا إيل أن يرد الدليل بتحرميها لعموم قوله تعاىل: ق ل ال أ ج د يف م ا أ وح ي إ يل حم ر م ا ع ل ى ط اع م ي ط ع م ه )االنعام: 45 ( وقوله تعاىل: ي س أ ل ون ك م اذ ا أ ح ل هل م ق ل أ ح ل ل ك م الط ي ب ات )املائد: 4 ( عالء الدين احلافظ بن اللحام. املختصر يف أصول الفقه ص 5.

0٧ م. ونقيض املنفعة: الض رر وهو كل ما فيه ضرر على اإلنسان لعموم قوله تعاىل: و ال ت ق ت ل وا أ نف س ك م إ ن الل ه ك ان ب ك م ر ح يم ا )النساء: 9 ( وقال : "ال ضرر وال ضرار". من خالل هذه النصوص وغريها يستدل على منع الضرر مطلق ا يف اإلسالم وال جيوز تناول ما فيه ضرر من مطعومات ومشروابت وقد صنف فقهاء املذاهب يف املطعومات كتب ا وأفردوا هلا أبوااب وفصلوا أحكام ا تفصيال ينبئ عن مدى العناية واالهتمام الكبري مستندين يف ذلك إيل األصول من الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة. ويف ضوء هذه القاعدة الكلي ة يف القرآن الكرمي يف إابحة املنافع وحترمي املضار حتاول الد راسة احلالي ة الكشف عن الض وابط القرآني ة يف جمال األغذية مم ا يهدف لرتشيد الص ناعة الغذائي ة وفق القيم اإلنساني ة واألس س القرآني ة. كما هتدف حلماية املستهلك محاية مشولي ة. ويتم هذا الكشف عرب حماور حمد دة متدر جة تبدأ مبناقشة الغش التجاري ومن مث الن ظر يف ط رق حماربة القرآن الكرمي للغش الت جاري والقواعد الكلي ة اليت استنبطها الفقهاء من مل اآل يت القرآني ة وإجراء تلك القواعد على عملي ة دس مادة امليالمني يف األغذية وهو غش خطري يف جمال تصنيع األغذية وجتارهتا. - حادثة امليالمني امليالمني ( (: هي مادة عضوية بلورية الشكل بيضاء اللون تدخل يف الكثري من الصناعات كالغراء والدهاانت كما تستخدم يف بعض املعدات الكهرابئية واألجهزة املنزلية هذا ابإلضافة إيل استخدامها يف بعض املنتجات البالستيكية وهي حتتوي علىكمية كبرية من النرتوجني املكون الكيميائي للربوتني ولذلك فهي تشبه الربوتني. بدأت حادثة التلوث ابمليالمني مطلع شهر سبتمرب/أيلول ) 008 م( وتكررت لعدة أعوام عندما شاع يف اإلعالم خرب تسمم آالف األطفال يف الصني من جراء تناوهلم وأد ى انتشار هذا اخلرب إىل سحب العديد من البلدان اآلسيوية حليب ا ملو ث ابمليالمني ابن ماجة. سنن ابن ماجة: كتاب التجارات )حديث رقم: 340.(.

0٧ م. للمنتجات الغذائية الصينية اليت تتضمن احلليب أو مشتقاته من األسواق واستف حلت املسألة بعدما أعلنت هونجكونج عن اكتشافها مادة امليالمني يف البيض الصيين والذي يعود إيل وجوده يف علف الدجاج. أم ا عن عالقة امليالمني ابلغش يف احلليب فتكمن يف أن حتاليل جودة احلليب تكون غالب ا مبعرفة كمي ة املاء املضاف عليه وي توص ل إىل ذلك بقياس كمي ة الربوتني يف احلليب عن طريق حتليل معني يعتمد على الكشف عنكمية النيرتوجني املوجود يف احلليب حيث إن الربوتني هو املصدر الوحيد يف احلليب الطبيعي والذي حيتوي على عنصر النيرتوجني ومبا أن مادة امليالمني حتتوي على نسبة عالية جد ا من النيرتوجني تصل إىل %66 من كتلة املركب فإن إضافة هذه املادة إىل احلليب تعطي نتائج مرتفعة لكمية الربوتني يف احلليب لكن هذا االرتفاع يف نسبة الربوتني -ابلط بع مضل ل. ابإلضافة إىل هذا الت ضليل الواضح للن تائج املعملي ة جلودة احلليب فإن مادة امليالمني متث ل خطورة قصوى حلياة اإلنسان حيث إ ن ا ت سب ب الفشل الكلوي ورمبا السرطان واملوت خاصة لدى األطفال. انطالق ا من ذلك فإن حادثة اكتشاف امليالمني يف احلليب الص يين وموت األطفال بسببها قد أحدثت رد ة فعل عاملي ة كثرية يف سحب كثري من الد ول منتجات احلليب الوارد من الص ني واكتشاف بعض الش ركات واملختربات مزيد ا من مادة امليالمني يف أنواع غذائي ة أخرى وحظر الكثري من الد ول واملنظ مات العاملي ة تلك األغذية من الت داول والد عوة إىل حماسبة املسؤولني عن أضرارها. عليه فإن هذا احلد ث ميث ل واحدة من حوادث الغش الت جاري اليت تتزايد بتزاي د اجلشع والب عد عن القيم واألخالق يف جمال الت جارة ويف جمال األغذية خاص ة وهي ظاهرة متث ل حتد ي وخطورة كبرية لعالقتها املباشرة حبياة األفراد والش عوب. محزة علي أبو طربوش. سالمة الغذاء 85 ص 4. جملة هيئة الغذاء والدواء السعودية ج 8 ص 7-9.

0٧ م. - الغش التجاري وص و ره الغش الت جاري ظاهرة قدمية ق د م الت بادالت الت جاري ة بني البشر نزوع الن فس اإلنساني ة إىل اجلشع واالستغالل والوقوع فريسة اإلغراء وحب الكسب واملال. أم يف العصر احلديث فقد توس ع الغش الت جاري وأصبح ظاهرة خطرية هتد د األفراد واجلماعات وأصبح املستهلك هو الض حي ة األوىل يف هذا الوضع. وقد ساهم االنفتاح االقتصادي والت قدم التقين يف جمال اإلنتاج وارتفاع أسعار السلع األصيلة يف رواج املنتجات املغشوشة. وقد درس الفقهاء املسلمون الغش التجاري دراسة وصفي ة فبي نوا ص و ر ه وأمثلته واألحكام الفقهي ة املرتت بة عليها وتتلخ ص ص ور الغش التجاري يف: الغش يف قد ر الس لعة أو وصفها أوكتمان صفة فيها وحتت كل هاتني الص ور ت ني تفريعات يف مواضعها منكتب الفقه اإلسالمي. - الغش يف قدر السلعة: هو الغش يف وزن الس لعة أو حجمها وهو ما يسمى ابلتطفيف يف املكاييل واملوازين أي أن ه يف الغالب- غش فعلي يتم حني يوهم البائع املشرتي أنه قد اشرتى الكمية املتفق عليها بينهما بينما هو يف احلقيقة أخذ أقل من هذه الكمية اليت دفع الثمن مقابلها فيكون البائع قد مارس الغش يف الكمية وأخذ مثن ا لشيء مل يبعه. والغش يف مقدار الس لعة من أكثر ص ور الغش الر ائجة يف البيوع. - الغش ابخللط أو اإلضافة: يتم هذا الن وع من الغش أبن يضيف البائع مادة أخرى إىل الس لعة ليمارس الغش هبا إما لز يدة كمية البضاعة املباعة من غري أن يعلم املشرتي بوجود هذه اإلضافة أو لتحسني بضاعة رديئة أو لتسويق البضاعة الر ديئة مع البضاعة اجليدة وهي صورة شائعة يف جمال األطعمة واألشربة أكثر من غريها. 3- الغش يف وصف السلعة: قد يكون الغش قولي ا أبن يصف البائع السلعة كاذاب بوص ف يرغب املشرتي فيها ويدخل يف هذا الن وع من الغش الت جاري اإلعالانت الت جاري ة اليت تغزو األسواق واملستهلكني ابملبالغة يف وصف الس لع وسرد الش هادات واألدل ة الكاذبة وغري ذلك من ص ور اخلداع اليت تتفن ن فيها اهليئات والوكاالت اإلعالمي ة. ابن منظور. لسان العرب مادة طفف 598. /

0٧ م. 4- الغش ابلكتمان: يقع الغش ابلكتمان إذا أخفى البائع عن املشرتي أمر ا يف السلعة يكرهه أو أخفى عيب ا يف السلعة لو علم املشرتي بذلك مل أيخذها ابلث من الذي أخذها به. وهو نوعان: )أ(كتمان عيب يف السلعة و)ب(كتمان أمر يكرهه املشرتي يف السلعة من أو حنو ذلك مما يكرهه املشرتي. غري أن يكون عيب ا مثل طول إقامتها عنده فهذه إبمجال ص و ر الغش يف الس لعة وقد ورد احلكم الش رعي : كتااب وسنة وإمجاع ا حول هذه الص ور ابحلرمة. ومن اآل ثر الن بوي ة يف ذلك ما روي عن الن يب )ص( يف الغ ش عام ة ويف حتذير الت جار من الكذب سواء يف الت جارات أم غريها قوله "من غش فليس مين" 3 يف البيع أن رسول هللا قال:»إن التجار من الفجار قيل ي رسول هللا: أوليس أحل هللا ووعيده بزوال الربكة من البيع البيع قال: بلى لكنهم حيدثون فيكذبون وحيلفون فيأمثون" 4 ابلكذب أن ه قال: "البيعان ابخليار مامل يتفرقا أو قال حىت يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك هلما يف بيعهما وإن كتما وكذاب حمقت بركة بيعهما" 5 ويف حترمي صورة الغش ابلكتمان ما روي عن عقبة بن عامر رضي هللا عنه قال مسعت رسول هللا يقول:»ال حيل المرئ مسلم أن يبيع سلعة يعلم أن هبا داء إال أخرب به«ويف لفظ "املسلم أخو املسلم وال حيل ملسلم ابع من أخيه بيع ا فيه عيب إال بينه له". 6 ابإلضافة إىل تلك اآل ثر الن بوي ة املبثوثة يف حرمة الغ ش يقول ابن جزي وص و ره جند إمجاع علماء املسلمني على حترمي الغش الت جاري يف اجلملة. 7 املالكي)ت 74 ه(: "وكتمان العيوب غش حمرم ابإلمجاع". 8 4 5 6 7 8 ابن قدامة. الشرح الكبري 5-4/3. القريواين ابن أيب زيد. حاشية العدوي على شرح اإلمام أيب احلسن. 6/. 3 صحيح مسلم 99/ حديث رقم 0 سبق خترجيه. رواه أمحد يف املسند 48/3 وصححه االلباين يف سلسلة األحاديث 640/. مسلم. صحيح مسلم :كتاب البيوع 64/3 حديث رقم 53. سنن ابن ماجه حديث رقم: 46. أابدي مشس احلق. عون املعبود 3/9. ابن جزي. قوانني األحكام الشرعية ص 90.

0٧ م. 3- ط رق محاية القرآن من الغش الت جاري لقد وضع القرآن ضوابط رقابي ة عد ة هتدف حلماية املستهلك من االستغالل الس يء وللحفاظ على حق ه وسد كل ما من شأنه اإلضرار به معنو ي وماد ي. وميكن تصنيف تلك الض وابط الر قابي ة إىل ذاتي ة وخارجي ة وهي احلسبة. -3 الر قابة الذ اتية: تعين الرقابة يف مفهومها املباشر: أن يكون املراق ب و املراق ب فيها شخص ا واحد ا وتعين رقابة أشد وأكثر فعالية هي رقابة الضمري املسلم القائمة على اإلميان ابهلل قال تعاىل: و ه و م ع ك م أ ي ن م ا ك نت م و الل ه مب ا ت ع م ل ون ب ص ري )احلديد: 4 ( ويف قول الرسول تلك اليت بينها حينما سئل عن اإلحسان فقال : "أن تعبد هللاكأنك تراه فإن مل تكن تراه فإنه يراك". وتظهر أمهية الرقابة الذاتية يف كثري من التصرفات ال تتمكن أجهزة الرقابة الشرعية من التوصل إليها وتبقى مرهونة بوعي اإلنسان ودوافعه الذاتية وتقوى هللا واخلوف منه. 3 فضمري الفرد الذي يتكون نتيجة اخلشية من هللا واحلرص على مرضاته يكون له من القو ة اليت حتول بينه وبني أن حييد عن املنهج اإلهلي. وهذه هي الرقابة الذاتية املانعة 4. وهي أهم عنصر من عناصر محاية حق املستهلك. 5-3 حماربة القرآن للغش الت جاري: ابإلضافة إىل تربية الوازع ال ديين العام فقد وردت آ يت قرآني ة صرحية يف حماربة الغش الت جاري وذلك ابلت حرمي القاطع للغش وص و ره لكون الغش -يف املقام األو ل- ظلم ا للمشرتي الط رف اآلخر وأكال ملاله ابلعدوان فالغش مردود بنصوص القرآن الكرمي جبميع ص و ره املمكنة ومن أظ ه رها تطفيف املكاييل واملوازين لذلك جاء الوعيد الش ديد ملن يغش ون فيها يف قوله تعاىل: الن اس ي س ت و ف ون و إ ذ ا ك ال وه م أ و و ز ن وه م ي س ر ون و ي ل ل ل م ط ف ف ني ال ذ ين إ ذ ا اك ت ال وا ع ل ى )املطففني: 3- (. كما جاء الن هي عن عمر عبد احلليم. الرقابة على األموال يف الفكر اإلسالمي ص 69. 3 5 مسلم. صحيح مسلم حديث رقم: 9. بسيوين وأبو الفتوح. احلرية االقتصادية يف االسالم وأثرها يف التنمية ص 64. 4 حسني شحاته. الرقابة على األداء يف الفكر االسالمي ص. سليمان كمال آدم. محاية املستهلك يف الشريعة والقانون ص 03.

0٧ م. الت طفيف مقروان خبلق اإلنسان والكون يف آية الر محن. قال تعاىل: أ ال ت ط غ و ا يف ال م يز ان و أ ق يم وا ال و ز ن اب ل ق س ط و ال خت س ر وا ال م يز ان )الرمحن: 9-8 ( وجاءت قص ة آل مد ي ن قوم شعيب لت ذك ر بعاقبة األم ة اليت يشيع فيها الغش الت جاري وتطفيف املوازين ومآهلا الوخيم الذي هو غضب هللا واهلالك يف الد نيا قبل اآلخرة. قال تعاىل : و إ ىل م د ي ن أ خ اه م ش ع ي ب ا ق ال ي ق و م اع ب د وا الل ه م ا ل ك م م ن إ ل ه غ ري ه و ال ت نق ص وا ال م ك ي ال و ال م يز ا ن إ ين أ ر اك م خب ري و إ ين أ خ ا ف ع ل ي ك م ع ذ اب ي و م حم يط )هود: 84 (. عالوة على تربية الوازع الد يين العام والت حرمي القاطع للغش الت جاري يف القرآن الكرمي فإن القرآن ومصادر الت شريع اإلسالمي قد سن ت رقابة خارجي ة ملعاجلة الفساد يف الن ظام االقتصادي واملعامالت الت جاري ة. فاملعروف أن مراقبة هللا قد تضعف يف بعض النفوس أو تنعدم التقوى عند الفرد فيلجأ إىل أساليب الغش واخلداع والتالعب ابألسعار وتطفيف الكيل وامليزان وبيع السلع الفاسدة لذلك أوجد اإلسالم نوع ا ثني ا من الرقابة هي احلسبة. 3-3 احلسبة: احلسبة لغة: اسم من االحتساب واحتسب األجر على هللا: أدخره عنده ال يرجو ثواب الدنيا. يقال: "فالن حسن احلسبة يف األمر" أي: حسن التدبري والنظر فيه واحلسبة اصطالح ا: األمر ابملعروف إذا ظهر تركه والنهي واحتسبت ابلشيء: اعتددت به. عن املنكر إذا ظهر فعله. 3 ومسؤولي ة احلسبة فرض عني على السلطان إذا مل يقم هبا غريه وفرض كفاية على غريه من عام ة املسلمني. وقد نصت الشريعة اإلسالمية بوجوب احلسبة علىكل مسلم مكلف قادر يعلم حكم الدين فيما يدعو إليه وينصح الناس به. 4 والد ليل على وجوب احلسبة من الكتاب قوله تعاىل: و ل ت ك ن م نك م أ م ة ي د ع ون إ ىل اخل ري و أي م ر ون اب ل م ع ر وف و ي ن ه و ن ع ن ال م نك ر و أ ول ئ ك ه م ال م ف ل ح ون )آل عمران: 04 (. 3 4 الفيومي أمحد بن حممد. املصباح املنري ص 63. الز يت وآخرون. املعجم الوسيط ص 5. املاوردي علي بن حممد. األحكام السلطانية ص 99 ابن تيمية تقي الدين بن أمحد. احلسبة يف االسالم ص.

0٧ م. وجه االستدالل: قوله تعاىل: ول ت ك ن أمر وكل أمر للوجوب ما مل تكن هناك قرينة صارفه إىل غريه وقوله: ول ت ك ن م نك م أ م ة يفيد إذا قام به البعض سقط عن اآلخرين واختص الفالح ابلقائمني به. وإن تقاعس عنه اجلميع عم احلرج القادرين عليه وأمثوا مجيعا على تركه وهذا هو معىن الوجوب الكفائي. هذا وللحسبة مزا ي عد ة ميكن إمجاهلا يف عد ة حماور هي: -3-3 داللتها على خريي ة األمة احملمدي ة: تنطلق خريي ة أم ة حمم د ) ( بكو نا أم ة خري ة من التزامها ابألمر ابملعروف والن هي عن املنكر بني أفرادها وهذا منصوص عليه يف قوله تعاىل: ك نت م خ ري أ م ة أ خ ر ج ت ل لن اس ت م ر ون اب ل م ع ر وف و ت ن ه و ن ع ن ال م نك ر و ت ؤ م ن ون اب لل ه و ل و آم ن أ ه ل ال ك ت اب ل ك ان خ ري ا هل م م ن ه م ال م ؤ م ن ون و أ ك ث ر ه م ال ف اس ق و ن )آل عمران: 0 ( وبتعبري الفخر الرازي )ت 604 ه ( فإن "املؤثر يف حصول هذه اخلريية هو األمر ابملعروف والنهي عن املنكر وأما اإلميان ابهلل فهو شرط لتأثري هذا امل ؤثر يف هذا احلكم". -3-3 داللتها على رحبي ة الت جارة مع هللا عز وجل : دل ت الن صوص القرآني ة على أن احلسبة هي جتارة راحبة مع اخلالق سبحانه وتعاىل وأن مثرة هذه الت جارة دخول اجلن ة. إن قال تعاىل: الل ه اش رت ى م ن ال م ؤ م ن ني أ نف س ه م و أ م و اهل م أب ن هل م اجل ن ة ي ق ات ل ون يف س ب يل الل ه ف ي ق ت ل و ن و ي ق ت ل ون و ع د ا ع ل ي ه ح ق ا يف الت و ر اة و اإل جن يل و ال ق ر آن و م ن أ و ف ب ع ه د ه م ن الل ه ف اس ت ب ش ر وا ب ب ي ع ك م ال ذ ي اب ي ع ت م ب ه و ذ ل ك ه و ال ف و ز ال ع ظ ي م )التوبة: (. 3-3-3 كو نا سبب ا رئيس ا من أسباب التمكني يف األرض: إن األم ة اليت تنتهج احلسبة منهج ا هلا تضمن لنفسها الت مكني و االستمرار احلضاري ألن احلسبة هي اليت تفضي إىل تبين الس نن اإلهلي ة اليت حتق ق البناء وطول األمد احلضاري ونبذ ما سواها من دواعي زوال األمم واحلضارات. يقول املوىل سبحانه: ف ل و ال ك ان م ن ال ق ر ون م ن ق ب ل ك م أ ول و ب ق ي ة ي ن ه و ن الغزايل أبو حامد. إحياء علوم الدين ص/.303 الفخر الرازي التفسري الكبري ومفاتيح الغيب 98. 8/

0٧ م. ع ن ال ف س اد يف األ ر ض إ ال ق ل يال مم ن أ جن ي ن ا م ن ه م و ات ب ع ال ذ ين ظ ل م وا م ا أ ت ر ف وا ف يه و ك ان وا جم ر م و م ا ك ان ر ب ك ل ي ه ل ك ال ق ر ى ب ظ ل م و أ ه ل ه ا م ص ل ح ون )هود: 7-6 (. ني - 4 القواعد الفقهي ة وحماربة الغش الت جاري لقد استنتج الفقهاء الكثري من القواعد الفقهي ة الكلي ة املت فق عليها بني املذاهب الفقهي ة من وميكن إجراء جم مل اآل يت القرآني ة الواردة يف حترمي الظ لم والغش وحفظ مصاحل العباد. تلك القواعد الفقهي ة الكلي ة يف جمال الر قابة العام ة يف اجملتمع املسلم يف رعاية مصاحل الن اس من أجل خضوع املواد الغذائي ة يف جمال الت بادالت الت جاري ة عام ة ويف جمال األغذية خاص ة للض وابط القرآني ة الصحي ة يف اإلنتاج واالستهالك. من تلك القواعد الفقهي ة الكلي ة: -4 قاعدة "الض رر ي زال": مؤد ى هذه القاعدة أن أي تصرف يرتتب عليه ضرر فإنه يزال لذلك قيل إن هذه القاعدة هي األساس يف وجوب ضمان املتلفات. "فعلى املتلف ضمان ما أتلف وتعويض الضرر الواقع إزالة آل ثره وترميم ا لنتائجه وهي أيض ا أساس لكثري من أحكام الفقه" 3 وال يفى على أحد أن التصرفات املخلة حبقوق املستهلك هي تصرفات مسببة للضرر وعليه يستوجب منعها إعماال هلذه القاعدة ويكون واجب احملتسب إذ ا املتعلقة ابألطعمة وهيكاآليت: محاية حقوق املستهلك 4 أ- حق األمان: محاية املستهلك من املنتجات وعمليات اإلنتاج اليت تؤدي إىل خماطر على صحته وحياته. ب- حق املعرفة والتثقيف: تزويد املستهلك ابحلقائق اليت تساعده على االختيار السليم ومحايته من االعالانت وبطاقات السلع اليت تشمل معلومات مضللة وغري صحيحة. 3 السدالن صاحل بن غامن. القواعد الفقهية الكربى وما تفرع منها ص 33. اللخمي أبو إسحاق إبراهيم موسى. املوافقات يف أصول األحكام ص 9. الزحيلي وهبة. نظرية الضمان ص 04. القرضاوي يوسف. اخلصائص العامة لإلسالم ص 84.

0٧ م. ج- حق التعويض: أن يكون للمستهلك احلق يف تسوية عادلة للمطالبة املشروعة شاملة التعويض عن التضليل أو السلع الرديئة. -4 قاعدة "ال ض ر ر وال ض رار": هذه القاعدة هي نص احلديث النبوي الشريف الذي إن هذه القاعدة رواه أبو سعيد اخلدري رضي هللا عنه أن النيب قال : "ال ضرر وال ضرار". تنفي الض رر.كما تنفي الض رر ابلض رر فإذاكانت الشريعة الغراء ال تذن مبقابلة الضرر لضرر مثله فكيف ميكن أن تذن إبحداث الضرر ابتداء فبموجب هذه القاعدة حيظر على أي شخص أن أييت من األفعال ما يضر بغريه من غش أو تدليس أو أي فعل من شأنه أن ينتهك أي حق من حقوق املستهلكني السالفة الذكر وكذلك ميتنع على املتضر ر الرد على الضرر مبثله بل ينبغي عليه املطالبة برفع الضرر ما أمكن إىل ذلك سبيال. 3-4 قاعدة "درء املفاسد أوىل من جلب املصاحل": تعين هذه القاعدة أن أي تصرف أو فعل يؤدي اإلتيان به إيل مفسدة فإن هذا الفعل أو التصرف جيب االمتناع عنه حىت لو أدى يقول الس يوطي يف توضيح هذه القاعدة: "فإذا تعارضت ذلك االمتناع إىل تفويت مصلحة مفسدة ومصلحة ق د م دفع املفسدة غالب ا ألن اعتناء الشارع ابملنهيات أشد من اعتنائه ابملأمورات ولذلك قال رسول هللا : "فإن نيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء يف هذا املقام ال يفى أن املفاسد املرتتبة على اإلخالل حبقوق فأتوا منه ما استطعتم". 3 املستهلكنيكثرية وخطرية. 4-4 قاعدة "االغ رم ابلغ ن م": معىن هذه القاعدة أن صاحب املنفعة يتحمل اخلسارة النامجة بناء على ذلك فم ن مارس نشاط ا حيق ق من ورائه رحب ا عن فعله عمال بقاعدة العدالة. 4 3 ابن ماجة. ابن ماجه يف سننه حديث رقم: 340. السيوطي جالل الدين. األشباه والنظائر يف قواعد وفروع فقه الشافعية ص 87. البخاري. صحيح البخاري حديث رقم: 788. 4 الزحيلي. نظرية الضمان ص 5.

0٧ م.. لكن ترت ب عليه انتهاك حق املستهلك فإنه يف املقابل يكون عليه تكاليف إزالة الضرر ومنعه وإزالة اآل ثر النامجة عنه أي تعويض املستهلك املتضر ر. مم ا سبق يت ضح أن القرآن الكرمي قد وضع ضوابط رقابي ة عام ة حلماية حقوق الن اس مبا يف ذلك حقوق مستهلك الغذاء وغريه من املواد الت جاري ة وهي إم ا ضوابط ذاتي ة أو خارجي ة وقد استنبط الفقهاء من كلي ات تلك اآل يت القرآني ة يف حفظ احلقوق قواعد فقهي ة كلي ة ميكن إجراؤها يف جمال األغذية حلماية املستهلك ماد ي ومعنو ي. 5- خامتة إن ما سبقت اإلشارة إليه من حادثة امليالمني يف املبحث األو ل من الد راسة احلالي ة وما مت استعراضه من الض وابط القرآني ة يف محاية الن فس البشري ة وحقوق املستهلك يؤك د جبالء أن خلط امليالمني ابحلليب أو بغريه من املواد الغذائي ة ميث ل خروج ا صارخ ا على الض وابط القرآني ة انهيك عن القيم اإلنساني ة. وطبق ا لالستعراضات الس ابقة فإن حادثة خلط امليالمني الص يني ة تنطبق عليها األحكام اآلتية: هي غش صريح يدخل يف صورة الغش ابخللط وهذه الص ورة تستلزم ابلض رورة صورة الغش ابلكتمان ألن الذي يدس مثل هذه املادة اخلطرية يف األغذية سوف حيرص على إخفائها عن املستهلك. هي جرمية كربى ألن هذا اخللط قد أد ى على هالك الكثري من األنفس الربيئة اليت حر م هللا. وفوق ذلك فإن هذا الغش يغدو عميق ا يف ج رمه لطبيعة املستهلكني الض حا ي: األطفال الر ضع وعليه يصدق على هذا الغش وصف "وأد" الوارد يف القرآن الكرمي. كما يصد ق يف مرتكيب هذا الغش الوعيد الر ابين ابلويل لكو نم غري راضني ألطفاهلم ابستهالك احلليب امللو ث ابمليالمني. ابن القيم. الطرق احلكمية يف السياسة الشرعية ص 6.

0٧ م. ميكن إجراء مجيع القواعد الفقهي ة املقاصدي ة على املسؤولني الفني ني واإلداري ني والت جار ي ني الذين أقدموا على خلط امليالمني ابملواد الغذائي ة مثل: قاعدة "الض رر ي زال" فيطالبون بتعويض مغل ظ عن األضرار املادي ة واملعنوي ة اليت أحلقوها ابملستهلكني. خالصة القول إن القرآن الكرمي قد وضع ضوابط رقابي ة يف الت جارات ذاتي ة وخارجي ة تفضي إىل تربية اإلنسان الت اجر األمني احلريص على حتقيق مرضاة رب ه وعلى مصلحة املستهلك وسالمته. ويف العصر احلديث فإن الغش الت جاري قد عم واستفحل خطر ه وأصبح املستهلك يف رعب حيال ما يستهلك من املواد خاص ة الغذائي ة ذلك لبعد الس وق والن ظام االقتصادي الر أمسايل عن الض وابط القرآني ة العادلة يف االقتصاد والت جارة وقد مث لت حادثة خلط امليالمني ابحلليب يف الص ني صورة بشعة من اخلروج على القيم اإلنساني ة والض وابط القرآني ة وكانت عواقبها وخيمة على حياة األبر يء. املصادر واملراجع: أابدي أبو الطيب حممد مشس احلق. ) 45 ه (.عون املعبود بشرح أيب داؤود. بريوت: دار الكتب العلمية. إب ارهيم مصطفى. ) 989 م(. املعجم الوسيط. اسطنبول: دار الدعوة. البخاري أبوعبدهللا حممد بن امساعيل. ) 004 م(. صحيح البخاري. بريوت:املكتبة العصرية. البسيوين سعيد أبو الفتوح. ) 00 م( احلرية االقتصادية يف اإلسالم وأثرها على التنمية. ابن تيمية تقي الدين أمحد بن عبد الرحيم. ) 993 م(.احلسبة يف اإلسالم. والنشر. القاهرة: دار الوفاء للطباعة ابن جزيء حممد بن أمحد املالكي الغرانطي. ) 996 م(. قوانني األحكام الش رعية ومس ائل الفروع الفقهية.بريوت: دار العلم للماليني. ابن حنبل أمحد بن حممد الشيباين. ) 985 م(. املسند يف األحاديث.بريوت: دار الكتب العلمية. ال ارزي فخر الدين. ) 99 م(. التفسري الكبري ومفاتيح الغيب. مصر: دار الكتب.

0٧ م. الزحيلي وهبة. ) 998 م(. نظرية الضمان وأحكام املسئولية املدنية واجلنائية يف الفقه اإلسالمي د ارسة مقارنة. بريوت: دار الفكر املعاصر. الس دالن ص احل بن غامن. ) 999 م(.القواعد الفقهية الكربى وما تفرع منها. الر يض: دار بلنس ية للنشر والتوزيع. س ليمان كمال آدم. ) 006 م(. محاية حقوق املس تهلك يف الش ريعة والقانون. اخلرطوم: معامل قاف لإلنتاج الفين اإلعالمي. الس يوطي جالل الدين بن أيب بكر. ) 990 م(. األش باه والنظائر يف قواعد وفروع فقه الش افعية. بريوت: دار الكتب العلمية. الشاطيب إب ارهيم موسى اللخمي. ) 993 م(.املوافقات يف أصول الشريعة الشاطيب.القاهرة: دار الفكر. ش حاته حس ني. ) 009 م(.الرقابة على األداء يف الفكر اإلس المي. مص ر: اجلمعية املص رية لإلدارة املالية. أبو طربوش محزه علي. ) 008 م(. سالمة األغذية. الر يض: العلوم والتقنية. العدوي أيب احلس ن علي أمحد بن مكرم القرواين. ) 99 م(. حاش ية العدوي على ش رح اإلمام. بريوت: دار الذكر. الغ ازيل أبوحامد. ) 004 م( احياء علوم الدين. بريوت: دار الفكر. الفيومي أمحد بن حممد بن علي. ) 990 م(. املص باح املنري يف غريب الش رح الكبري لل ارفعي.القاهرة: مطابع دار املعارف ط. ابن قدامه مشس الدين بن قدامه وحممد مشس الدين. ) 395 ه(. املغين يف الش رح الكبري.القاهرة: دار الكتاب العريب. القرضاوي يوسف. ) 4 ه (.اخلصائص العامة لإلسالم. بريوت: مؤسسة الرسالة ط 9. ابن قيم اجلوزية ابو عبد هللا مشس الدين. ) 99 م(.الطرق احلكمية يف الس ياس ة الش رعية. مص ر: مطبعة املدن. ابن اللحام احلافظ عالء الدين أبو احلسن. ) 40 ه(. املختصر يف أص ول الفقه.جدة: نشر جامعة امللك عبد العزيز. ابن ماجه احلافظ حممد بن يزيد. ) 989 م(.سنن بن ماجة. بريوت: دار الكتب العلمية.

0٧ م. املاوردي علي بن حممد حبيب. ) 395 ه (. األحكام الس لطانية والوال يت الدينية. القاهرة: دار الكتاب العريب. جملة هيئة الغذاء والدواء السعودية ) 009 م(. م 8. مس لم أبو احلسن بن احلجاج النيس ابوري. ) 99 م(. ص حيح مس لم. بريوت: منش وارت املكتب التجاري للطباعة. ابن منظور أبو الفضل مجال الدين حممد بن مكرم. ) 994 م(. لسان العرب. بريوت: دار صادر.