جمهورية العراق وزارة التعليم العايل والبحث العلمي جامعة دياىل كلية الرتبية للعلوم اإلنسانية قسم اللغة العربية التشكيل البياني يف شعر الصعاليك أ ى نهاي

جمهورية العراق وزارة التعليم العايل والبحث العلمي جامعة دياىل كلية الرتبية للعلوم اإلنسانية قسم اللغة العربية التشكيل البياني يف شعر الصعاليك أ ى نهاية العصر الموي والفت اك حت أطروحة تقدم بها خالد جعفر مبارك إىل جملس كلية الرتبية للعلوم اإلنسانية يف جامعة دياىل هي جزء من متطلبات نيل شهادة الدكتوراه يف اللغة العربية و آدابها بإشراف الستاذ الدكتور فاضل عبود مخيس التميمي 5341 ه 4153 م

Republic of Iraq Ministry of Higher Education and Scientific Research University of Diyala College of Education For Human Sciences Department of Arabic Language Rhetorical Formation In AI-Saaleeq And AL- Fattacks Poetry To The End of Umayyad Ere Dissertation Submitted to the Khalid.J.Mubarak ALmahdawy To the Board of the Faculty of Education Human Sciences Part of the Requirements of the Doctorate degree in Arabic Language Under the Supervision of Prof.Dr. fadila.a. AL tamim 214AD 1435 AH

الر ح م ن )1( ع ل م ال ق ر آ ن )2( خ ل ق ا ل ن س ان )3( ع ل م ه ال ب ي ان )4( )4-1( : اآلية الر حمن سورة

إلى... روح أبي الذي رحل وهو يتوق لرؤية ثمرة من غرسه... أمي... )أطال اهلل عمرها( شق دعاؤك لي دربي... زوجتي الغالية رفيقة عمري عرفانا وحبا المستقبل إلى سف ارئنا وتقى وعال علي أحبتي أهدي هذا الجهد المتواضع خالد

إق ارر لجنة المناقشة نشهد نحن أعضاء لجنة المناقشة أنن ا اطلعنا على األطروحة الموسومة ب)التشكيل البياني في شعر الصعاليك والفت اك حت ى نهاية العصر األموي( وقد ناقشنا الطالب )خالد جعفر مبارك ) في محتوياتها وفيما له عالقة بها ووجدنا أن ها جديرة بالقبول لنيل درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها بتقدير) جيد جدا ) التوقيع التوقيع أ د عباس محمد رضا أ د سحاب محمد رشم رئيسا عضوا التوقيع التوقيع أ د إياد عبد الودود عثمان أ م د وسن صالح حسن التوقيع عضوا التوقيع عضوا أ م د وسن عبد المنعم ياسين أ د فاضل عبود خميس عضوا عضوا مشرفا صدقت األطروحة من قبل مجلس كلية التربية للعلوم اإلنسانية /جامعة ديالى التوقيع أ م د نصيف جاسم محمد عميد كلية التربية للعلوم اإلنسانية /جامعة ديالى 42/ /

إقرار المشرف إعداد هذه أن أشهد األطروحة الموسومة ب) التشكيل البياني في شعر الصعاليك ) نهاية العصر حت ى والفت اك األموي (التي قدمها الطالب )خالد جعفر مبارك قد جرى في جامعة ديالى بإش ارفي /كلية التربية للعلوم اإلنسانية وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الدكتو اره في اللغة العربية وآدابها التوقيع فاضل عبود أ د التميمي خميس المشرف 42 التاريخ / / بناء على التوصيات المتوافرة أرشح األطروحة هذه للمناقشة التوقيع م. د محمد عبد الرسول سلمان رئيس قسم اللغة العربية التاريخ / / 42

إق ارر الخبير العلمي اشهد أن ي ق أرت األطروحة الموسومة ب) التشكيل البياني في شعر الصعاليك ) نهاية العصر حت ى والفت اك األأموي التي قدمها الطالب )خالد جعفر مبارك ) إلى كلية التربية للعلوم اإلنساني ة /جامعة ديالى وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الدكتو اره في اللغة العربية وآدابها وقد وجدتها صالحة من الناحية العلمية التوقيع أ د ستار عبد اهلل الناصري كلية التربية الجامعة المستنصرية

المحتويات الموضوع الصفحة 5-1 المقدمة 11-6 التمهيد التشكيل البياني في اللغة واالصطالح 121-11 الفصل األول: التشكيل التشبيهي وفاعليته 27-22 إضاءة 12-21 األول المبحث البنية التشبيهي ة المرسلة 124-13 الثاني: المبحث البنية التشبيهي ة البليغة 121-125 237-132 142-131 172-141 212-173 237-211 361-231 241-231 216-252 321-217 361-321 367-362 313-361 A- B-C المبحث الثالث : البنية التشبيهي ة التمثيلي ة الفصل الثاني :التشكيل االستعاري إضاءة المبحث األول : البنية االستعاري ة التجسيدي ة المبحث الثاني: البنية التجسيمي ة المبحث الثالث : بنية الت ارسل اإلد اركي الفصل الثالث : التشكيل الكنائي إضاءة المبحث األول : البنية المتجاورة وأساليبها المبحث الثاني : البنية المتجاورة الرمزي ة وأبعادها المبحث الثالث: التداخل التجاوري وتشكيالته الخاتمة والمقترحات المصادر والمراجع ملخص باللغة االنكليزية

المقدمة 1 بسم اهلل الرمحن الرحيم المقدمة الحمد هلل رب العالمين وال صالة والسالم على س يد البلغاء وا مام الفصحاء )محمد( صلى اهلل عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى وبعد: يوم الدين يدور محور الد ارسة حول التشكيل البياني بوصفه مصطلحا نقد يا يعمل في مجال فن الشعر على نطاق مؤثر ويتمظهر تمظه ار كبي ار في االستعمال اإلج ارئي إذ إن الصورة المجس دة في فضاء القصيدة أو فضاء اللوحة تستنفر التدفق الشعوري واالنفعالي لدى المتلقي وتعمل على تلوين تجربته الخاص ة بطابعها الموحي ولهذا صار الشاعر أو الرسام يستعين في صناعته بوسائل تصويري ة تقد م المعنى تقديما حسيا من خالل اإللحاح على لغة المشهد المنظور مم ا يجعله نظير الفن ان التشكيلي ومثيال له في طريقة التقديم وكما هو معروف فإن الشعر يقوم من الناحية اللغوي ة والبالغي ة على فنون البيان بوصفها الوسائل واألدوات التي تعينه في عملية اإلنشاء الشعري بوساطة الترتيب والتنظيم وخلق نماذج وأنساق شعري ة تتجاوز المألوف واالعتيادي بهدف اإلثارة واإلدهاش لتكون مهمة األطروحة الكشف عن الح ارك الفني والجمالي لفنون البيان ووصفها داخل بنية القصيدة وخارجها وحولها وفي فضائها وهي تتضمن في مفهوماتها المتعددة والواسعة والعميقة أكثر العناصر الفن ية المتدخلة في صياغة البنية أوال إذ تنهض بنية القصيدة الشعري ة أساسا على مقومات التشكيل وعناصره وهي تؤسس الفضاء التشكيلي للخطاب الشعري الذي تقوم عليه القصيدة في أنموذجها

المقدمة 2 النص ي عبر صالحية بنيتها وكفاءتها في المستوى البنيوي من جهة وفي المستوى السيميائي المشغول ب )الرؤية( من جهة أخرى. وقد تم اختيار شعر الصعاليك والفت اك ليكون ميدان هذه الد ارسة لما له من أهمي ة أدبي ة وفني ة فهو يجمع عصرين أدبيين يعدان من أغزر العصور األدبي ة نتاجا وشع ار وفيهما من المتعة األدبي ة ما باتت تغري الباحثين بالعودة إليهما م ار ار والسي ما حين تتطور المناهج النقدية وتتعدد زوايا الرؤية ولشغفي باألدب القديم ورغبتي الجامحة بق ارءته وتقليب مصادره التي كانت بمنزلة البحر الواسع الذي كلما غصت فيه استخرجت منه أنواع اللؤلؤ والياقوت وألن هذه الطائفة من الشع ارء كان لي معها سابق تجربة في د ارسة الماجستير إذ درست جانبا من نتاجها وهو)المكان في شعر الصعاليك والفت اك إلى نهاية العصر األموي ) ولم ا وجد األستاذ الدكتور فاضل عبود التميمي رغبتي قد توجهت نحو البالغة في د ارسة الدكتو اره اقترح علي أن أدرس الجوانب البالغية فيهما والسي ما فنون البيان فأدخلت نفسي في صومعة البحث وبدأت أجمع المصادر والد ارسات التي تناولت شعر هذه الطائفة فوجدت أقرب هذه الد ارسات هي :)الصورة الفنية في شعر الصعاليك (والتي قام بها الباحث )عبد الجبار حسن علي الزبيدي ) في رسالة مقدمة إلى كلية اآلداب جامعة الموصل بإش ارف الدكتور عبد اإلله علي حمود الصائغ التي تناولت الصورة الفنية من جوانب مختلفة تماما عن د ارستي أي من خالل الصورة البصري ة واللمسي ة والسمعي ة والذوقي ة والذهني ة دون أن يذكر فنون البيان إال عرضا في أثناء تحليله لبعض األبيات فضال عن بعض الد ارسات التي تناولت جوانب أخرى من شعرهم على سبيل المثال: )لغة الشعر عند الصعاليك قبل اإلسالم ) الرسالة المقدمة من الباحث وائل عبد األمير حربي إلى مجلس كلية التربية جامعة بابل بإش ارف الدكتور على ناصر غالب وهي د ارسة لغوية خالصة و)الم أرة في شعر الصعاليك د ارسة فني ة( الرسالة المقدمة إلى مجلس كلية

المقدمة 3 اآلداب الجامعة المستنصرية م من إعداد الطالب فوزي ثعبان منسي وبإش ارف الدكتور خالد علي مصطفى ) ود ارسة الباحثة) مي وليم عزيز بطي( وهي أطروحة دكتو اره مقدمة إلى مجلس كلية اآلداب جامعة بغداد 2 م بإش ارف الدكتور عبد الر ازق خليفة و تناولت فيها الثنائيات المتضادة في شعر الصعاليك والفت اك إلى نهاية العصر األموي ود ارسة الباحث )وسام حاتم زويد ) وهي رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية العلوم اإلسالمية جامعة بغداد بإش ارف الدكتور محمد خضير مضحي بعنوان )ظاهرة القلق في شعر الصعاليك العصر األموي ) ود ارسة الباحث سامان جليل إب ارهيم بعنوان )شعر الصعاليك قبل اإلسالم في معيار النقد القديم ( وهي رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية اآلداب جامعة االنبار بإش ارف الدكتور أيسر محمد فاضل وكذلك بعض البحوث والد ارسات التي تناولت شعر الصعاليك والفت اك منها بحث بعنوان )جماليات التصوير الفني عند الشع ارء اللصوص في صدر اإلسالم والعصر األموي( للدكتورة سمر أيوب من سوريا فضال عن الد ارسات القديمة مثل د ارسة يوسف خليف)الشع ارء الصعاليك في العصر الجاهلي( ود ارسة حسين عطوان )الشع ارء الصعاليك في العصر اإلسالمي ) ود ارسة الدكتور عبد المطلب محمود )اإلبداع واإلتباع في أشعار فت اك العصر األموي ) كما أفدت من كتب البالغة والنقد والتاريخ وهي كثيرة هذا وبعد إطالعي على تلك البحوث والد ارسات وبالتشاور مع أساتذتي في قسم اللغة العربية وضعت خط ة لألطروحة مؤلفة من: التمهيد )التشكيل البياني في اللغة واالصطالح ) تمت د ارسته في محورين األول تناولت فيه مصطلح التشكيل وعالقته بالشعر وفي اآلخر تناولت فيه مصطلح البيان وتطوره وتوزعت الد ارسة على ثالثة فصول تناولت في الفصل األول )التشكيل التشبيهي وفاعليته( إذ تمت د ارسة )البنية التشبيهي ة المرسلة( في المبحث األول و)البنية التشبيهي ة البليغة( في

المقدمة 4 المبحث الثاني و)البنية التشبيهي ة التمثيلي ة ) في الثالث وكانت حصة الفصل الثاني )التشكيل االستعاري( إذ تم تقسيمه على ثالثة مباحث تناولت في األول )البنية االستعاري ة التجسيدي ة( وفي الثاني )البنية االستعاري ة التجسيمي ة ( وفي الثالث )بنية الت ارسل اإلد اركي( وفي الفصل الثالث )التشكيل المتجاور البياني( إذ قسم على ثالثة مباحث األول )البنية المتجاورة وأساليبها( وفي الثاني )البنية المتجاورة الرمزي ة وأبعادها( وفي الثالث )التداخل التجاوري وتشكيالته( وجاءت خاتمة البحث لتلخص أهم النتائج التي توصلت إليها األطروحة مع بعض االقت ارحات بعدها وضعت قائمة بأهم المصادر والمر اجع والد ارسات التي أفادت منها األطروحة الختتم هذه الد ارسة بوضع ملخص باللغة االنكليزية وقد اقتضت هذه الد ارسة من ي أن اتبع المنهج التحليلي الوصفي دليل عمل فيها والبد لكل بحث من صعوبات لكنني استطعت أن أتخطى تلك الصعوبات بتضافر الجهود مع أساتذتي في قسم اللغة العربية واخص بالذكر األستاذ المشرف الدكتور فاضل عبود التميمي الذي كان بمنزلة األخ الكبير الموجه لكل خطوات البحث وكانت لتوجيهاته السديدة ومتابعته الدؤوبة أطيب العون على تذليل العقبات وتجاوز الصعاب التي صادفتني فله من ي وافر الشكر والتقدير كما اشكر كال من األستاذ الدكتور إياد عبد الودود الحمداني الذي لم يدخر جهدا في مساعدتي بالنصيحة والتوجيه و المشورة والدكتور سمير الخليل الذي تركت آ ارؤه وتوجيهاته لنا أثناء الد ارسة بصمات واضحة على هذه األطروحة والشكر موصول إلى أساتذتي في قسم اللغة العربية متمثلين برئيس القسم واألساتذة المحترمين لما أبدوه لي من حسن المعاملة التي أسهمت في انجاز هذا البحث واشكر زمالئي الطلبة لما أبدوه من روح اإلخوة والزمالة التي مثلت الدافع المعنوي لتذليل الصعوبات التي واجهت البحث فلهم مني جميعا جزيل الشكر واالمتنان

المقدمة 5 وأخي ار أقول إن جهدي هذا غير متكامل ألن الكمال هلل وحده فما كان فيه من صواب فبفضل اهلل ورحمته ودعاء من أعز الناس وما كان فيه من خطأ فإنه من عمل اإلنسان الذي البد أن يدركه النقص الذي رك به اهلل في طبعه وتلك حكمته له المن ة والفضل والحمد أوال وأخي ار الباحث خالد جعفر مبارك

التمهيد 7 التشكيل لغة : تكاد تجمع كل المعجمات المصطلح - لغة بالعودة إلى جذره اللغوي )ش ك ل )1( يتص ل بالجانب التصو ري والتمثيلي )تشك ل: تصو ر وتمث ل( اللغوي ة العربي ة التي تتناول هذا :ت شك يل(- على أن معنى الفعل نستنتج من المفهوم اللغوي للتشكيل أن ه يختص بالمظاهر الخارجي ة للشيء ولذلك فإن واحدا من الفنون الجميلة هو الفن التشكيلي الذي ي عنى بتشكيل المالمح الخارجي ة للمادة ليس عبر تقليد هذه المادة الموجودة في الطبيعة وا ن ما بسبر أغوارها )2( من الداخل ألن الفن أو العمل الفني ))بناء عضوي قائم بذاته(( يتيح للمتلقي أن يعرف ما فيه وما حوله وأسهم المستوى االصطالحي - بعد ذلك - في استكمال صيرورة الفعل بهذا المعنى واالرتفاع به نحو بلوغ حد ه التصويري والتعبيري األقصى فهو يسهم في تحرير النص المكتوب والمقي د من خط يته ونقله إلى موقع التناول البصري بوصفه مستوى جديدا مرش حا للق ارءة يضاف إلى المستوى التأملي الذهني المتداول ويحر ض مجتمع التلقي على السعي الستكشاف وتمث ل وق ارءة البعد البصري في النص المكتوب لكي ))يكشف بوضوح عن العبقري ة الهندسي ة للشاعر وقدرته على خلق أدوات للفكر تزيد رهافة ونفاذا من يوم آلخر فالشاعر يتحر ك - من دون أن يدرك - 1 ( ( ينظر: كتاب العين: الخليل بن احمد الف ارهيدي ) 171 ه( تحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إب ارهيم السام ارئي بيروت لبنان ط: 281 :1 1811 1 لسان العرب ابن منظور)ت 711 ه( طبعة جديدة محققة دار صادر بيروت 211 م مادة )ش ك ل (. القاموس المحيط الفيروز آبادي م ارجعة محمد االسكند ارني دار الكتاب العربي بيروت لبنان 21 م فصل الشين باب الالم: 181. المعجم الوسيط دار إحياء الت ارث العربي بيروت قام بإخ ارجه إب ارهيم مصطفى و أحمد حسن الزيات و حامد عبد القادر و محمد علي النجار وأشرف على طبعه عبد السالم هارون )د.ت(: 384. 2 ( ) النقد الفني نبيل ارغب دار مصر للطباعة اإلسكندرية د. ت : 14.

التمهيد 8 في نظام من العالقات والعالمات والتحوالت وال يتلقى أو يطارد منها إال هذا التأثير )4( العفوي الخاص الذي يفصل بحالة معينة من عملياته الحميمة(( وهي تت اركم في حقل التكوين الشعري للقصيدة وتؤل ف نسيجها وتنشئ نظامها الفني والجمالي النوعي والخاص على النحو الذي تتهي أ فيه الحتواء الرؤية ودمجها في سياق التشكيل في سبيل تشييد الكون الشعري في القصيدة. معتمدة على المجاز كونه األرضي ة الخصبة في عدولي ة التشكيل البياني والسي ما عندما يظهر المبدع قدرة على األنساق غير على التأليف المألوفة قد و المعنى فيأتي خ ل ع ت عليه صور تزيده ظالال وارفة ال يستطيع الخطاب في مستواه األول تمكينه من منها. دخل مصطلح )التشكيل (األدب بعد أن اشتغل بمضمونه الجمالي والتعبيري في حقل الفنون الجميلة وفي فن )الرسم( خصوصا إلى الدرجة التي أصبح فيها مفهومه داال على فن الرسم أو يساويه في أكثر األحيان واذ أخذت فع الية التداخل بين الفنون اآلن بعدا واسعا وعميقا وديناميا فإن ترحيل الكثير من المصطلحات والمفاهيم والصيغ واألساليب التي تعمل في فن من الفنون إلى حقول فنون أخرى أصبح من األمور الميسورة والضروري ة والسريعة التحقق وصارت عملية األخذ واالستعارة واالكتساب والترحيل والتضافر والتلقي واالستيعاب والتمث ل والتشغيل والدمج من األمور الماثلة والطبيعية في ظل هذا المناخ وهو يحق ق الصورة األكثر حضو ار )3( وصيرورة لجدوى هذا التداخل وقيمته ومعناه. 4 ( ( المقاربة السيميائية للنص األدبي - أدوات ونماذج - عبد الجليل منقور ضمن كتاب السيمياء والنص األدبي )محاض ارت الملتقى الوطني األول( منشو ارت جامعة محمد خيضر بسكرة.13 :2 ) 4 )ينظر: التشكيلي في اللساني مقاربة في خطاب السياب الشعري عبد الستار عبد اهلل البد ارني والدكتور صباح الدين فريد عبد اهلل عالم الكتاب الحديث اربد األردن 13-7 : 214

التمهيد 9 ولهذا المصطلح جذور في الثقافة األدبي ة المكتوبة تكمن في الثنائي ة التقليدي ة )ثنائية الشكل والمضمون ( التي هيمنت حقبة طويلة على فع الي ة رصد حركة إشكالي ة المعنى النص ي في المدو نة النقدي ة القديمة والحديثة معا. وفي المدو نة النقدي ة الحديثة حيث حصل التقد م الثقافي والمنهجي الكبير والواسع والعميق الذي نقل النظريات والمصطلحات والمفاهيم والتعريفات إلى منطقتي إد ارك وتلق جديدتين إذ استبدلت ب )ثنائي ة الشكل والمضمون( التقليدي ة ثنائي ة جديدة هي )ثنائي ة الرؤيا و التشكيل( إذ تحو ل )الشكل( بمعناه المجر د والميسور واألحادي إلى )التشكيل( بمعناه المرك ب والمعق د والمتعدد وتحو ل )المضمون( بمعناه المباشر والكم ي والقصدي إلى )الرؤيا( بمعناها الحلمي والنوعي والالقصدي على النحو الذي يجيب فيه الفضاء الجديد لثنائي ة )التشكيل والرؤيا( عن أسئلة المنهج الحديث برؤيته الشاملة ذات المنحى اإلشكالي الشديد الكثافة والخصوبة والتحد ي.وأصبح التشكيل يمث ل النص في حالة تشب عه الفني وامتالئه الجمالي الغائرة في فضاء الق ارءة والمتفت حة بين يدي التداول ليكون أحد العناصر األساسية في تكوين الخطاب األدبي بمتنه )1( النص ي من هنا تأتي أهمي ة التشكيل الفني إذ يرى بعض النقاد أن ))الشكل بمثابة )1( العنصر الجوهري في الفن فهو الذي يعطي المادة صيغتها النهائي ة الكاملة(( فاالنسجام والتكامل بين عناصر المادة لهما أهمي ة قصوى في جمالي ة التشكيل وفنيته ألن ))القوة التشكيلي ة التصويري ة التي تتصف بها روائع الفن إن ما هي وليدة ذلك التكامل الجمالي الذي يجعل من العمل الفني الواحد وحدة منس قة يدرك مضمونها في شكلها. وليست وحدة العمل الفني وحدة حسية بل هي وحدة وجدانية فكرية عقلية ) 5 ( ينظر التشكيلي في اللساني: 52-55 ( 6 ( ضرورة الفن ارنست فيشر ترجمة أسعد حليم الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة.114: 1871

التمهيد 1 أيضا وهذا يعني أن ه ليس من شأن األعمال الفنية األصلية أن تستثير لدينا إحساسات متفرقة مشتتة بل هي تركز كل مشاعرنا حول العاطفة الفني ة األساسي ة التي تمثل نواة )7( الموضوع الجمالي((. وال فرق بين الفنان التشكيلي والشاعر فاألول يحو ل مظاهر الطبيعة إلى.)1( موضوع مطلق لغرض تصويره جمالي ا بعيدا عن النقل الفوتوغ ارفي للطبيعة و اآلخر يحول اللغة االعتيادية إلى لغة فنية لغرض نقل مشاعره وأحاسيسه ورؤيته إلى العالم. هذه اللغة الفنية هي التي تشكل المضمون وتصو ره وهي ))تتميز عن لغة الحياة اليومية وتنماز تلك اللغة التي يتوسل بها الشعر إلى إعادة خلق الواقع لغاية فني ة من )8( تلك اللغة التي ت ستخدم لغاية إعالمي ة أو إخباري ة((. و كل نا يعرف أن الشعر فن لغوي نتلقاه عبر السماع أو الق ارءة ولكن إحساسنا بالكلمة سماعا ال يعني أن نا نفهمها من صورتها إذ إن الكلمة الملتقطة عبر السماع تثبت في أذهاننا صورتها التي استشعرناها على نحو بصري بحيث إن كثي ار من الصور التي تبدو غير حسي ة لها مع ذلك في الحقيقة ت اربط مرئي باهت ملتصق بها )1( ولطالما وجدنا العناصر الفيزيقي ة للشعر تتمثل لنا في التعامل بواسطة الحرف أو الكلمة أو العبارة في القصيدة بدال من الخط واللون والشكل في اللوحة المنحوته فهو إذن الشعر- بنية حركي ة لتوليد الصور البصري ة وصور أخرى من 7 ( ( النقد الفني نبيل ارغب: 11. 1 ( ( ينظر: النقد الفني: 17. 8 ( (تحليل النص الشعري بنية القصيدة يوري لوتمان ترجمة محمد فتوح أحمد دار المعارف القاهرة 3 : 1881. 1 ( ( ينظر: التشكيلي في اللساني : 8

التمهيد )11( صور الوجود في العالم عبر األبعاد كما هو بالنسبة لفن الرسم ومن هنا ينهض القول إن عناصر الشعر اللساني ة يمكنها أن تحل محل األلوان والخطوط لرسم األشكال واإليحاءات البصري ة بصيغة غير مباشرة لتجعل الشعر عبارة عن لوحة تتمازج فيها كل األفكار والمعارف التي كان قد ق أرها الشاعر أو تعر ض لها خالل حياته فيعمل على إضافة إبداعه وموهبته لتصبح هذه اللوحة جاهزة للعرض والتقديم لتبين أثر ثقافته العامة وكما هو معروف أن الشعر يقوم من الناحية اللغوي ة والبالغي ة- على التشبيه واالستعارة والمجاز وهي أدوات أو وسائل الشاعر في عملي ة إنشاء النص الشعري بوساطة الترتيب والتنظيم لخلق نماذج وأنساق شعري ة تتجاوز المألوف الهدف منها اإلثارة واإلدهاش وهذه العناصر ترتد إلى أصلين اثنين :النقلة من الفكرة المعنوي ة إلى الصورة الحسي ة أو النقلة من الصور الحسي ة إلى أخرى اشد منها تمكنا في الصفات الحسي ة وهي في النهاية تجسيد للمعنوي العقلي الذي ينتهي إلى الحس ي )12( الفني والكيان الفني للرسم في القصيدة يتحقق في بناء الرسوم بطرق متعددة أهمها : 1 -بناء الصورة عن طريق تبادل المدركات التي تتم بتبديل صفات الماديات بالمعنويات وال سي ما في التجسيم الذي يعمل على إكساب المعنويات صفات محسوسة مجسدة والتجسيد الذي يتم بإضفاء الصفات اإلنسانية على ك ل المحسوسات والماديات المحسوسات و التجريد الذي يضفي الصفات المعنوية على 11 ( ) ينظر: الشعر والفن التشكيلي اعتبا ارت تقييم الشعر المرئي شاكر حسن ال سعيد ضمن كتاب) الشعر والفنون( مختا ارت مقدمة لمهرجان المربد الثالث سلسلة كتاب الجماهير دار الحرية للطباعة بغداد 17 11: 1873 12 ( ( ينظر: الصورة الفنية في الت ارث النقدي البالغي جابر عصفور المركز الثقافي العربي بيروت ط: 1882 4 م: 218

ف التمهيد 1 2 - بناء الصورة عن طريق ت ارسل الحواس )14( 4 -بناء الصورة عن طريق التشبيه والوصف المباشر وهكذا نجد الشاعر برؤيته يقتنص الكلمات ويمحورها في أنظمة جمالي ة ويبني مفرداته الجزئية فوق بعضها البعض وي اركمها ويجمعها بصيغ تدفعه في النهاية إلى اإلقناع بالشكل الذي يقدمه على هيئة النص تتم عملية)التشكيل( في الذهن قبل أن يتعامل الفنان مع المادة المالئمة ألغ ارض التعبير وأ ن الكم الهائل من الصور تتفاعل فيما بينها لتخضع للتحليل والتفكيك والتجريد ثم يعاد تركيبها وتعد ل في سلسلة من العمليات المعقدة فهي في حقيقتها عملية دمج بين مفردات اللغة والتالعب باأللفاظ بشكل منظم وبقصدي ة معينة ومن خالل- التشكيل - يتم تعشيق نوعين مختلفين من الواقع كتشابه )ما بين صورة قدح وصورة فتاة( لوجود عالقة ما قد تكون بعيدة وغريبة إلى حد ما وتظهر بموجبه في صيغة مختلفة فهذا الشيء الم ازح )الشكل الجديد( قد دخل عالما لم يكن مصنوعا )13( له إذ يحتفظ إلى حد ما بغ اربته مم ا تجعل الناس تفكر بهذه الغ اربة الشاعر عندما يضع الكلمة جنب الكلمة أو يمحو جملة ويكتب غيرها ويضع االستعارة التي أعطت صورة معينة جنب صورة أخرى لتكون أكثر تعبي ار إن ما يجمع الصورة فوق الصورة ويربطها مع بعضها في وحدة عضوي ة ليكون نصه الشعري بالكيفية التي يتعامل بها الشاعر مع المعجم اللغو ي وهذه الكيفية هي التي تخلق داخل األنظمة اللغوي ة )ثوب الخياطة (نظاما غير اعتيادي من العالقات التشكيلي ة ) 13 ( ينظر :التشكيلي في اللساني: 15 13 ( ( ينظر : اللغة بين األدب والحداثة الحداثة والتجريب: جاكوب كورك ترجمة ليون يوسف وعزيز عما نوئيل دار المأمون للترجمة والنشر دار الحرية للطباعة بغداد 83: 1818

التمهيد 1 والمعاني الداللية التي تجعل للتعبير الشعري طابعه الذي يميزه وهو الطابع )11( التشكيلي والتشكيل ال يقتصر على المبدع فقط ألن المتلقي عندما يقر أ قصيدة أو ينظر إلى لوحة ويتأملها فإن ه بوساطة العالقات يعمل على إعادة تنظيمها ليصل إلى تأويل مناسب إال أن النص الذي يحتمل أكثر من تأويل هو أكثر حيوي ة من الذي يكون مغلقا على تفسير واحد ))ألن القصيدة ليست مجرد مجموعة من الخواطر أو )11( الصور أو المعلومات لكن ها بناء مندمج األج ازء منظ م تنظيما صارما (( تنهض أدوات التشكيل بجزء كبير وفاعل من عمليتي البناء والتنظيم حت ى تصير)) القصيدة )17( تشكيال جديدا للوجود اإلنساني(( ال بد من التأكيد هنا على أن القصيدة في هذا اإلطار ال يمكنها الوصول إلى هذه الحساسي ة النوعي ة البالغة الخصوصي ة من دون الحفاظ في جوهرها الفني النوعي على أسلوبي تها الغنائي ة التي يمكن أن تعد في هذا المناخ االصطالحي أداة مركزي ة وجوهري ة الغنى عنها في بناء مصطلح )التشكيل الشعري( ألن ))الغنائية سمة شعري ة - بامتياز - إذا أضيفت إلى ما هو أبلغ منها.. إلى وعي الغ اربة الكامنة في كل مرئي أو محسوس أو مسموع واستد ارجها إلى شباك اللغة وكذلك إذا أضيفت إلى رؤيا ال )11( تنزلق بشكل أفقي على أشياء العالم بل تخترقها وتسمي ما لم يسم منها(( على 11 ( ( ينظر: التشكيلي في اللساني: 4 11 ( ( حياتي في الشعر صالح عبد الصبور ديوان صالح عبد الصبور دار العودة بيروت 1818 م: 443 444 17 ( (الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية و المعنوية عز الدين إسماعيل دار العودة للطباعة بيروت ط: 231 : 27 1 11 ( ( أبواب وم اريا - مقاالت في حداثة الشعر خيري منصور دار الشؤون الثقافية العامة )كتاب األقالم( بغداد ط 41 :1817 1.

التمهيد 1 النحو الذي يجعلها قابلة ألن تتمث ل العالم وتصو ره في ضوء أنموذجها األجناسي وخصائصها النوعي ة وما تفيض به من نور جمالي غني يشبع المعنى ويثري. المصطلح وبهذا تكون وظيفة التشكيل الفني لل غة الشعري ة جمالي ة إذ يحاول الشاعر أن يحقق االنسجام والتكامل بين تشكيله لمادته الوحيدة التي يتعامل معها وهي اللغة والمضمون الذي يهدف إلى تصويره في تشكيل فن ي يمازج فيه بين عناصر اللغة وجماليتها وداللتها وتشكيلها الموسيقي. أم ا ما يخص مصطلح )البيان( فإن الد ارسات السابقة قد أفاضت في إق ارر مفهومه لغة واصطالحا بما يمي زه عن معناه العام وصيغته الفضفاضة إلى االستق ارر واالصطالح بين تطو ره التاريخي وجذوره األولى مع بيان أثر السابقين وجهود )18( الالحقين واستق ارء موقعه من البالغة العربي ة وتحديد معالمه حتى باتت داللته ترتبط اشد االرتباط بالتشكيل بمعنى أن التشكيل هنا ال يمكن إال أن يكون بياني ا ساعيا إلى تقديم التشكيل نفسه برؤية بالغي ة تمثل تمثيال صادقا فنون القول العربي التي تحدث عنها القزويني )ت 748 ه ( في تعريفه للبيان ))علم ي عرف به إي ارد المعنى )2( الواحد بطرق مختلفة في وضوح الداللة عليه(( وهكذا أضحت موضوعات علم البيان تتناول التشبيه: طبيعته و أركانه و أنواعه و أقسامه و أغ ارضه )5( ) 19 ( ينظر: علم البيان الدكتور عبد العزيز عتيق دار األفاق العربية طبعة 23 م : 31-1 البالغة والتطبيق الدكتور أحمد مطلوب والدكتور حسن البصير مطابع مديرية دار الكتب للطباعة والنشر جامعة الموصل 132 ه 1812 م: 211 أصول البيان العربي رؤية بالغية معاصرة الدكتور محمد حسين الصغير دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1811 م: 21-13 التلخيص في علوم البالغة لإلمام جالل الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب)ت 748 ه( ق أره وكتب حواشيه وقدم له الدكتور ياسين األيوبي المكتبة العصرية صيدا بيروت 144 :21

التمهيد 1 والحقيقة والمجاز المفرد والمركب واالستعارة وعالقاتها بالمجاز والفرق بين التشبيه واالستعارة وأقسام االستعارة وخصائصها وم ازياها البالغي ة ووظائفها الجمالي ة والكناية وأقسامها وعالقاتها والفرق بين الكناية والتعريض واجتماع التعريض المجاز والرمز واإلشارة وبالغة الكناية وسر جمالها.ولعل هذه األساليب المتمثلة في التشبيه واالستعارة والمجاز والكناية كانت موضع عناية كثير من المبدعين والدارسين على السواء إذ أرى فيها المبدعون من الشع ارء وغيرهم ميدان تفردهم ومجال تميزهم واتخذ منها الدارسون مقياسا للحكم للشاعر أو عليه و السي ما في باب الموازنة بين الشع ارء. إال أن ها كانت ذات منطلقات ذوقي ة جمعي ة ووحدات معياري ة تقييمي ة وهذا ما شاع في علم البيان القديم أم ا في علم البيان الحديث فقد صارت أعمق إبداعا وأثرى تأويال بأساليب تصويري ة أسهمت في إبداع معنى بياني حديث مثل أسلوب الرمز الحديث واألسطورة والخ ارفة والوهم والمأثو ارت المحلية في المجتمعات البشرية و التقاليد االجتماعية وغيرها مم ا صار المعنى البياني فيه موصوال بوجدان المبدع أكثر وبفعالية التجربة على المستوى الفردي على نحو أعمق وهو ما اكسب المعنى البياني )21( في المناهج النقدية ث ارء في التعبير وعمق ا في التأثير لقد نشأ علم البيان متصال ببواعث كانت سببا في ظهور االطروحات البياني ة األولى وهي في مرحلة النشأة ظلت موصولة بعلوم القرآن والتفسير وشرح الشعر وباالطروحات النقدي ة وفنون األدب وخالصتها تكمن في الحاجة إلى منهج بياني يستجيب للكشف عن المعنى الشعري في الشعر وعن المعنى الفني في الفنون األخرى وعن المعنى الموضوعي في الخطابات وعن المعاني والثواني في مكونات ك ل فن حت ى بات تشكيل الصورة الشعري ة يعتمد اعتمادا كليا على أساليب البيان التي 21 ( ( ينظر : نظرية البيان العربي الدكتور رحمن غركان دار ال ارئي ط: 21 1 م: 118

التمهيد 1 اتسعت اتساعا يستدعي معه النظر الدائم إلى آليات علم البيان بوصفه منهجا في )22( الق ارءة ورؤية في التحليل لم ا كان البيان إفصاح الذات عن مكنوناتها فقد كان فن البيان تأسيسا وجدانيا مفعما بالعاطفة وتجلي اتها والذات وانفعاالتها في صياغة اتخذت من األجناس الفنية واألدبية طرقا ممنهجة وأساليب إبداعي ة في أشكال إنتاج المعنى وابداعه ألن اإلفصاح بقصد اإلبانة عن المعنى ومحاولة إيصاله اإلجادة في إحضار صورته واحاطته بالمضمون روحا واشتماله على ما يشعر به المتلقي من جمال التعبير وروعة الصياغة كل ها تعد من أساليب فن التعبير عن المعنى وهو ما يستدعي أن يكون وعي المتكلم بالبيان يقظا وحس ه المرهف وذائقته مستعدة الستقبال األشياء واج ارء تصويرها فنيا وهنا تتنفس الذات اإلبداعية وجودها الفني من خالل اإليحاء وليس من خالل الوجود المنفعل بالتقليد وهنا يكون المعنى البياني الصادر عن مستوى التصوير باعثا على التأويل موحيا بالمعنى الفني وليس بالواقع المباشر وفنون البيان من الوسائل المهم ة التي يستعين بها الخي ال في إعادة تشكيل األشياء وتوحيدها وتركيبها والسي ما الخيال االبتكاري في تأليف صور حس ية لعناصر موجودة في الذاكرة والمقاربة بين األشياء المتشابهة وايجاد حواضن مشتركة تجمع المتناف ارت ليضمها إطار عاطفي واحد تقترب بالشعر من الفن التشكيلي ألن هما يصد ارن عن الملكة اإلد اركية نفسها ويشتركان في المجال النفسي الذي ينبعان منه ويؤث ارن من خالله من حيث القد ارت النفسي ة األساسي ة التي يفترض وجودها لدى الفنان المبدع حت ى يكتمل لهما النضج فيتألقا في العمل الفني رسما وشع ار وكالهما يحاول تشكيل الواقع من جديد ومحاولة تجاوزه وتحسين مفهومه و تقديمه مشخ صا )22( ينظر : نظرية البيان العربي : 21

التمهيد في 7 إنموذج فني متداول ولكن كل )23( بحسب مادته التي تشكله ولعل الجاحظ)ت 211 ه( أول النقاد العرب الذين التفتوا إلى طبيعة ذلك التقارب إذ قال )24( في كالمه عن الشعر : ))ضرب من النسج وجنس من التصوير(( ومصطلح التصوير بقدر ما يشير إلى أن الشاعر صانع له القدرة على التأثير في اآلخرين فهو في الوقت نفسه يشير إلى أن الشاعر يستعين في صناعته بوسائط و وسائل تصويري ة تكون فنون البيان من ضمنها لتقديم المعنى تقديما حسيا مم ا يجعله نظير الرسم ومثيال له في طريقة التقديم ولم ا كان الشعر بناءا تصويريا مدهشا يعب ر عن الواقع بصور يستوحيها الشاعر ويرسم معانيها التصويري ة بالكلمات لتتصف لغته بالث ارء الفني ولتتميز طاقتها التعبيري ة بالقدرة على األداء فإن اللغة حين تن ازح عن مستواها الوصفي تصبح معطى بياني ا والشعر في نزوعه إلى التصوير هو معطى بياني وأساليب القول في استثمارها لفعالية الخيال هي معطيات بياني ة والخيال بوصفه ملكة تخرج المعاني إلى صورة مبتكر تنفعل بالعاطفة والقدرة على التذكر وتحفيز الذهن على اإلبداع الواقعي األدبي فالخيال في كل ذلك يستعين بمعطيات البيان لكونها أقوى مجس اته اإلبداعي ة )25( في أبداع الفنون على نحو خاص ولفنون البيان أسس البد من م ارعاتها حتى نتمكن من إد ارك فعاليتها في النصوص األدبية ومساهمتها في تشكيل الصور الشعري ة والتي نوجزها : )24( ينظر : جماليات الصورة في جدلية العالقة بين الفن التشكيلي والشعر كلود عبيد مجد المؤسسة الجامعية للد ارسات والنشر والتوزيع بيروت لبنان ط: 1341 1 ه - 21 م : 11 54 ( (كتاب الحيوان: الجاحظ الحلبي 1841 م: 142 4. )21( ينظر: نظرية البيان العربي : 4 )ت 211 ه( تحقيق عبد السالم هارون مطبعة البابي

التمهيد 8 1- د ارسة العالقة القائمة بين األلفاظ والمعاني واستخالص الصورة األدبي ة المنتزعة منها بوصفها امتدادا لهما على أساس تداخل فيه الغرض الفني والتعبير القولي 2- د ارسة القدرة الجامعة بين األلفاظ والمعاني والتضافر في تكوين النص األدبي متكامال فال ندع حكما لأللفاظ على حساب المعاني وال تمسكا بالمعاني على حساب األلفاظ 4- د ارسة المقومات األسلوبي ة التي تكون العبارة العربي ة في أرقى صورها البياني ة كال ال يتج أز في تقويم النص األدبي والحكم عليه بالغيا ونقديا دون ضرورة استق ارء )26( الجزئيات المتعلقة في كل من الكلمة والجملة والفقرة وبهذا تكون فنون البيان المرتكز األول الذي يعمد إليه الشاعر في تشكيل الشعر تشكيال لغوي ا يقوم فيه الخيال بدور مهم ألن ه وسيلة الشاعر في التصوير وبه يستطيع األديب نقل مشاعره وعواطفه إلى اآلخرين بأسلوب جميل يرتقي بالنفوس فيحلق بها في سماوات المتعة الفنية التي يستطيع الشاعر المبدع أن يضفيها على شعره بل يمزج بها شعره وبمقدار استخدام القدرة الفني ة يكون الشاعر قاد ار على تلوين الصورة الفني ة الشعري ة باأللوان واألصباغ بل و بلون عاطفته ووجدانه اللذين تتفاوت فيهما أقدار الشع ارء إن احتفاء العلماء بعلم البيان هو احتفاء بركن أساس من أركان البالغة التي تعنى بتعليم اإلنسان صناعة الكالم واذا كان الكالم صناعة فعلم البيان أساس هذه الصناعة ألن ه المعني بصور الفن القولي وتأدية المعاني في أساليب متعددة وط ارئق مختلفة. أي أن المعنى الواحد قد يؤدى في صورة ارئعة من صور التشبيه أو االستعارة أو المجاز فيخرج المعنى في أبهى صورة وأبلغ تعبير )56( ينظر : أصول البيان العربي : 28

المقدمة

التمهيد التشكيل البياني لغة واصطالح ا

الفصل األول التشكيل التشبيهي وفاعليته

الفصل الثاني التشكيل االستعاري

الفصل الثالث الكنائي التشكيل

الخاتمة

المصادر والم ارجع

و الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته التشكيل التشبيهي وفاعليته : إضاءة:- 2 يعد التشبيه من األساليب البيانية المميزة وهو وسيلة رئيسة من وسائل تشكيل الصور الفنية في النص الشعري إذ يزداد به المعنى رفعة وشأنا ويبرزه إيضاحا ويكسبه تأكيدا وبيانا كبير إنه وعاء وبالغة يستوعب األفكار والمشاعر فيجد فيه الشاعر أداة طيعة في كل غرض من أغ ارض الكالم التي يريد التعبير عنها )1( من أقدم صور البيان ووسائل الخيال وأقربها إلى الفهم واألذهان ويعد وهو من أكثر الفنون دو ارنا في الشعر العربي القديم ولذلك اهتم به النقاد والبالغيون ووضعوا الد ارسات لبيان أنواعه وتوضيح مقاصده والتشبيه في اللغة هو التمثيل نقول:الش به والش به والشبيه :المثل والجمع :أشباه وأشبه الشيء الشيء : ماثله وفي المثل:من أشبه أباه فما ظلم وأشبهت فالنا وشابهته واشتبه علي وتشابه الشيئان واشتبها: أشبه كل واحد منهما صاحبه وفي التنزيل))متشابه والمتشابهات :المتماثالت وغير متشابه (( وتشب ه فالن بكذا )األنعام 141 ( وشبهه إياه وشبهه به مثله والتشبيه التمثيل )2( )3( أما في االصطالح فإن للتشبيه تعريفات كثيرة ال داعي لذكرها أن على 1 ( ) ينظر : أصول البيان العربي: 56 2 ( ) ينظر: أساس البالغة للزمخشري )ت 633 ه( )مادة شبه( تحقيق عبد الرحيم محمود دار الكتب المصرية القاهرة ط: 1 الجديدة 1563 م ولسان العرب )مادة شبه( 3 ( ) ينظر: نقد الشعر قدامه بن جعفر) 333 (ه تحقيق كمال مصطفى مكتبة الخانجي القاهرة 1543 م: 124 والعمدة محمد محيي الدين عبد الحميد في محاسن الشعر وآدابه ونقده ابن رشيق دار الجيل بيروت لبنان د ت 1 : القيرواني)ت 456 ه( تحقيق 235 المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ضياء الدين بن األثير )ت 533 ه( تحقيق محمد محيي عبد الحميد القاهرة 1363 ه- 1535 م 123: 2

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته الخطيب القزويني تعريف هو )4( أنه:))الداللة على مشاركة أمر آلخر في معنى(( 2 األقرب إلى الحدود الفنية لمصطلح التشبيه فهو يرى أو أكثر أو وجه أو أكثر من وجه وتعقد به مماثلة لوجود صفة مشتركة بين طرفي التشبيه: المشبه والمشبه به بأداة ملفوظة أو محذوفة لغرض يقصده األديب. وعرفه المعاصرون بتعريفات عدة )6( ال يبتعد معظمها عن تعريفات القدماء للتشبيه وكلها تؤدي إلى معن ى واحد وهو)) من الصفات )5( أو أكثر (( أن التشبيه ربط شيئين أو أكثر في صفة لكن هذه الصفات تجري على مستويات بمدى اتفاقها أو اختالفها وكثي ار ما يتأثر التصوير بالسياق الذي تظهر فيه أط ارف العملية التشبيهية التشبيه كثير في لغة العرب وأشعارها ولهذا جعلوه أحد مقاييس التميز األدبي كما أن بالغته تنشأ)) من أنه ينتقل بك من الشيء نفسه إلى شيء ظريف يشبهه وصورة بارعة تمثله وكلما كان هذا االنتقال بعيدا قليل الحضور بالبال أو ممتزج ا بقليل أو كثير من الخيال. كان التشبيه أروع للنفس وادعى إلى إعجابها )3( واهت اززها(( 4 ( ) اإليضاح في علوم البالغة جالل الدين الخطيب القزويني تحقيق لجنة من أساتذة الجامع األزهر مطبعة السنة المحمدية القاهرة 2: 323 6 ( ) ينظر: البيان العربي الكبرى د بدوي طبانة د ارسة في تطوير الفكرة البالغية عند العرب ومناهجها ومصادرها مكتبة االنجلو المصرية ط: 3 1552 م : 35 و المقدمة في الشعر 24 5 ) ( جاكوب كرج: ترجمة رياض عبد الواحد دار الشؤون الثقافية العامة بغداد ط/ 2 24 : معجم المصطلحات البالغية وتطورها الدكتور احمد مطلوب: مكتبة لبنان ناشرون :2 23 13 3 ( ) البيان فن الصورة مصطفى اإلسكندرية: 33 الصاوي الجويني: دار المعرفة الجامعية عين شمس سوتير

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته فهو في حقيقة أمره يقوم على اجتماع أمرين في تركيب واحد بينهما تماثل ويكون في إطار العمل اإلبداعي معب ار عن موقف شعوري خاص ال يكون ومقارنة فيه تماثل على أساس وجود صفات مشتركة سابقة بل هو خلق فني ينبثق من رؤية )3( المبدع أو إحساسه بهذا التماثل الكامن في النفس والشعور أما إذا اروح المبدع عند حدود الدائرة المغلقة التي تبث التشابه المادي بين األشياء من دون أن يكون ثمة ارتفاع إلى مصاف الحالة النفسية التي ال ترى األشياء كما هي فإنه يقع في دائرة الجمود التي تحدث عنها الجرجاني) 431 ه( بقوله:)) إن تصوير الشبه من الشيء في )5( غير جنسه وشكله والتقاط ذلك له من غير محلته واجتالبه إليه من النيق البعيد بابا من الظرف واللطف ومذهبا من مذاهب اإلحسان ال يخفى موضعه العقل واحضر شاهد على هذا أن تنظر إلى تشبيه المشاهدات بعضها ببعض فان التشبيهات سواء كانت عامية ام خاصة مقصورة على قائل دون قائل ت ارها ال يقع بها اعتداد وال يكون لها موقع من السامعين وال تهز )1( في الجنس(( هذا يعني أن وال تحرك حتى يكون الشبه مقر ار أن تخلق في البنية التشبيهية شعرية معب رة عن النفس )11( سموها ينعقد عند نقطة تمثلها داخليا بين شيئين مختلفين التشبيه مرتبط بالحالة الوجدانية للشاعر التي تستطيع وقادرة على التوصيل إذ إ ن لتمتلك قوة إيحائية تبعدها عن الحسية المبتذلة وتدخلها في فضاء الروح لكونها استمدت عناصرها من ازويتين خارجية 3 ) ( ينظر :الصورة المجازية في شعر المتنبي جليل رشيد فالح أطروحة مقدمة إلى مجلس كلية اآلداب جامعة بغداد وهي جزء من متطلبات درجة الدكتو اره بإش ارف احمد مطلوب 1536 م: 46 5 ( ) النيق بالكسر ارفع موضع بالجبل 1 ( (أس ارر البالغة علق حواشيه السيد محمد رشيد رضا دار المطبوعات العربية )د ت(: 15 ) 11 )ينظر : رماد الشعر الدكتور عبد الكريم ارضي جعفر دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1553 م 32-251:

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته 2 داخلية وبهذا التشكيل يكون التحول نتيجة التقليل من عناصر التناظر بين )12( األشياء والذي ال شك فيه أن التشبيه الذي يستند إلى أمر تبصره العيون أو تكثر مشاهدته في الحياة اليومية يفقد عنصر الط ارفة والجدة إلى الحد الذي يمكن اعتباره )13( تشبيه ا مبتذال على العكس من ذلك التشبيه الذي يقوم مشاهدته ي ع د تش بيها بديعا ا نادر غريبا البصيرة التي تدرك ما لم يسبق لنا أن أدركناه الم ف اج ئة التي تضعها الصورة تكون حالة على أمر تقل رؤيته وتندر )14( مستطرفا ألنه يعتمد على))قوة التركيز ونفاذ أو ا نادر )16( االرتياح(( ما ندركه ومن هنا تكون الهزة فالتشبيه النابع من الحالة )15( الوجدانية يخلق شعرية معبرة عن النفس وقادرة على التوصيل والجمع بين المتباعدات يتول د من المفارقة بين تناف ر المتباعدات في الواقع الخارجي وانسجامها في التركيب اللغوي لدقة التخيل الذي هو نتاج الخيال ))ال يظهر في شيء بقد ر ما يظهر في إحالة فوضى الدوافع المنفصلة إلى استجابة موحدة )13( منتظمة(( لذلك ليس من الغريب أن ))يؤول التنافر المعجمي بالخيال إلى تكامل )13( سياقي(( ليكون أقدر على إثارة التأمل وعندما يصل التشبيه إلى هذا المستوى 12 ( ) ينظر : رماد الشعر 32: ) 13 ( ينظر: أسرار البالغة : 161 و 166 ) 14 ( ينظر: المصدر نفسه: 144 16 ( ) الصورة والبناء الشعري الدكتور محمد حسن عبد اهلل دار المعارف مكتبة الد ارسات األدبية مصر القاهرة 1531 م 33: 15 ( ) ينظر: رماد الشعر 251: 13 ( ) مبادئ النقد األدبي أ ريتشارد ترجمة د للتأليف والترجمة مطبعة مصر 1553 : 316 محمد مصطفى بدوي المؤسسة المصرية العامة 13 ( (هكذا تكلم النص استنطاق الخطاب الشعري لرفعت سالم الدكتور محمد عبد المطلب الهيئة المصرية العامة للكتاب ط: 1 1553 م: 133

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته 2 من اللطافة والرقة والغموض والحداثة تتحرر فيه الداللة من إطارها الضيق لتتجه نحو اإليحاء الذي هو ميزة اللغة الش عرية التي ت عن ى بالجمع بين األفكار المتباعدة واالنفعاالت المتباينة بهدف إحداث تأثير حاد أو صدمة شعورية سريعة في نفس المتلقي فمن غير الممكن تصور البناء الفني للقصيدة دون عملية التخيل فهو يدخل في بنيتها مكونا مع اللغة والعناصر األخرى ما نسميه البناء الشعري أو )15( بنية الشعر ولغة التشبيه تتميز من منشئ إلى آخر بحسب قدرة المتكلم أو المنشئ الذاتية على إكساب طابعه الذاتي المعب ر عن حالة الوعي األدبي أو الفني الذي يتطلب منه فطنة ويقظة عقلية قادرة على خلق عالقات جديدة بين أط ارف متباينة ومتباعدة ليعبر عن معنى في وعيه أحيانا في ال وعيه وكل ذلك يجعل اتصاف التشبيه في أدائه الفني في هذا المنحى بالمجاز اتصافا واردا )2( ليزيد المعنى وضوحا والتشبيه في أحيان كثيرة ال يخلو من اتحاد وتفاعل ففيه يتلقف الذهن أو الحس المشبه به ويتعامل مع معطياته أكثر من انص ارفهما إلى المشبه وان كان المشبه هو الغاية والمنطلق ففي حالة الموازنة ضمن إطار التركيب ويكاد المشبه يكون منسيا ألن وذلك )21( وتختلف تلك األوصاف الجامعة(( ))المشبه به أعلى من المشبه لتحصل المبالغة هناك وألن التشبيه قائم على وجود قوة آسرة ال نجدها في العبا ارت االعتيادية توجد مقارنة بين صورتين صورة سالبة منفعلة هي صورة المشبه وصورة فعالة هي صورة المشبه به الذي يضفي على المشبه كل ما يناسبه من أوصاف ومعان التي تبدو في ظاهرها غير مناسبة للمشبه تعمل ال شعوريا على خلق 15 ( ) ينظر: اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي محمد رضا مبارك 2 ( ) ينظر: نظرية البيان العربي :223 ط 1553-1 :13. 21 ( ) الط ارز المتضمن ألس ارر البالغة وعلوم حقائق اإلعجاز يحيى بن حمزة العلوي مطبعة المقتطف القاهرة 1514-255 :1

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته 2 جو عام يؤثر في المشبه لتجعل المماثلة بين طرفي التشبيه تتفاوت بين الزيادة والنقصان أو بين الوضوح والغموض بحسب المعنى المستعمل سواء أكانت الصفة التشبيهية مفردة أم متعددة ويرمي المبدع إلى رسم أبعاد الموازنة بين طرفي التشبيه إلى الربط بينهما في حال يكشف فيه عن جوهر الجمال الذاتي الذي استحوذ عليه يدلك على تشكيل صورة المعنى التي هي لوحة تشكلت من المعاني الجزئية بصياغة فنية دقيقة لتشكل المعنى الكلي بشكل متساوق ضمن جزيئات إقامة البناء األساس للقصيدة وتمنح النص بعدا جماليا يظهر مهارة الشاعر وقدرته اإلبداعية في رسم صوره فتبرز انفعاالته بكلمات معبرة يحاول فيها تصوير مشاعره بانتقاء األلفاظ والتعابير الموحية التي تنقل عاطفته لتتم المشاركة بين المنشئ سواء أكان والمتلقي مستمعا أم قارئا فيحس انفعاالته المتباينة ويفهم أفكاره المتنوعة ويدرك خياله الواسع فالتشبيه يكون أكثر تناغما بين المبدع والمستمع لما تحمله من روابط نفسية تكسبها تلك المزية ويكتسب أهميته من أنه يقرب المعاني إلى إفهام المتلقي ويوضحه ويتوسع في أدائه اللغوي وفي إحداث معان جديدة تعطي األلفاظ الوضعية دالالت جديدة نستشفها من عالقات استعمال المفردات اللغوية فالتشبيه))ومضة اإلنارة التي ينكشف المعنى عبرها بجالء ولكن لهنيهة فحسب وذلك ليترك لخيال المتلقي أن )22( يبحث عن الت اربطات (( التي تحقق فنية ارقية نظ ار لما تحمله من عاطفة عميقة فالتشبيه كيان واحد تضامنت أج ازؤه على هيئة صور متناسقة العناصر ال يمكن فيها الفصل بين المشبه والمشبه به أو األداة أو وجه الشبه إلد ارك جماليته بل 22 ( ) مقاالت في الشعر الجاهلي يوسف اليوسف دار الحقائق ط 1-1533 :25

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته 2 النظر إلى أركانه مجتمعة حتى نتمكن من تذوق جماليته والحكم عليه ألنك ال تتذوق )23( لوحة مصورة إذا غضضت النظر عن غالب أج ازئها وأمعنت في جزء واحد منها وعلى هذا األساس إذا أردنا أن نتذوق التشبيه في شعر الصعاليك والفتاك ونقف على أس ارر جماليته كان ل ازما علينا أن ننظر إليه نظرة تكاملية دون النظر إلى مكوناته بشكل منفرد بل من خالل فعالية هذه األركان ومقدرتها في إثارة ذهن المتلقي ورصد مقدرة الشع ارء في رسم أبعاده الفنية وصوره وأخيلته والدارس لشعر الصعاليك والفتاك يجد أن التشبيه من أقوى الوسائل البالغية التي اعتمدها الشع ارء - أسوة بغيرهم من شع ارء عصرهم في تشكيل صورهم إال أنهم وضعوا له بصمة خاصة في تمييزه عن أشعار غيرهم من الشع ارء وذلك يعود إلى رؤيتهم الخاصة للحياة وانفتاحهم على الطبيعة التي كان لها ثقل وضغط دائم على الروح اإلنسانية التي يمتلكونها وامتالء وحضور في الوعي يضغط على الروح من الخارج ويخرق نقابها ليسكن في داخلها ويتحكم بالخيال القادر دوما على إيقاظ أحاسيس هاجعة فيه ساهمت في عملية نسج )24( عناصر الطبيعة الصورة التشبيهية وتكوينها من وبنائها بشكل جعلهم يحملونها همومهم ومشاكلهم فأصبحت الجبال والصحارى بكل موجوداتها وحيواناتها ونباتاتها مادة لتشبيهاتهم ومنها أخذوا يستوحون أخيلتهم وصورهم للداللة على شيء واحد هو شخصية الصعلوك أو الفاتك نفسها وحياته وكل ما يحيط بها من فقر وجور وتسلط وظلم وجدوا أنفسهم محاطين به فضال عن رفاق المكان الذين فرضتهم بيئته الجديدة من حيوانات أليفة ووحوش مفترسة وما يستخدمونه من آالت للدفاع عن أنفسهم وسط كل تلك المخاطر فهم 23 ) ( ينظر: التشبيه بين العلمية جامعة بغداد العدد: 2 لسنة والجمالية الدكتور مهدي صالح السام ارئي مجلة كلية اآلداب 42: 1535 24 ( ) ينظر: مقاالت في الشعر الجاهلي :33-35

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته 2 في كل ذلك يعبرون عن موقفهم منها وتأثرهم بها فن ارهم يجودون في وصف ليلة شديدة البرد أو يوم شديد الحر أو وحوش ترود من حولهم أو أعداء يرصدونهم متربصين بهم فهم ال يوظفون التشبيه لذاته وانما من ازوية ارتباط الشيء المتناول بشخصهم هم في م ازولة الصعلكة والفتك. وللوقوف على هذه الظاهرة في أشعارهم وجدنا أن نقسم هذا الفصل على ثالثة مباحث نتناول في األول البنية التشبيهية المرسلة وفي الثاني البنية التشبيهية البليغة وفي الثالث البنية التشبيهية التمثيلية

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته المبحث األول : البنية التشبيهية المرسلة 2 : هي البنية القائمة على التقريب بين المشبه والمشبه به بواسطة أداة التشبيه لكنها ال توحدهما غير أن الشاعر الخالق يستطيع أن يذيب حجم الكثير من العناصر التي تقف بوجه التوحد أو االنصهار إذا نظر إلى األشياء بوصفها وظائف أو معاني ال بوصفها أشكاال وتعد البنية التشبيهية من العناصر المشكلة للصورة التشبيهية وتداخلها فهي ال تخلق من ف ارغ وال في ف ارغ إذ إنها )) وحدة تركيبية معقدة تتبارى فيها شتى المكونات : الواقع والخيال اللغة والفكر اإلحساس واإليقاع الداخل والخارج األنا والعالم. يتناسج الجميع ويتشابك ليؤلف ( التوقيعة( أداة الشعر الرئيسية ووسيلتها )26( الوحيدة لتحقيق أدبيته وتجسده خلقا معب ار سويا..(( وهذا ما سوف يتم رصده في شعر الصعاليك والفتاك للكشف عن الكيفية التي تعاملوا بها مع اللغة لتوظيف البنية التشبيهية المرسلة في تكوين صور أخذت على عاتقها الكشف عن النفسي واقعهم ومعاناتهم في بيئة الصح ارء وسمائها ورياحها وسحبها وديارها برمالها ونهارها وليلها وحرها وبردها ونجومها ووصف الكواكب ليال المضيئة ونها ار هذا ما جعل اغلب صورهم التشبيهية واضحة المعالم بعيدة عن الغموض أو التعقيد وال نجد واضحة البيئة أن ذلك وسبب بعيد من استحياء أو اضط اربا خيالهم في فهنالك مكشوفة الرحب الفضاء الذي يمتد فيه أن من غير البصر تصده عوائق وهنالك الساطعة الشمس التي ال تحجبها الغيوم إال في بعض المناطق أزمانا قصا ار في كل عام يقول الشنفرى: و خ ر ق كظ ه ر الت ر س ق ف ر ق ط ع ت ه ب ع ام ل ت ي ن ي ع م ل ل ي س ظ ه ر ه ال ه مو فيا بأ خر اه أو و أم ث ل م ر ا ار أ ق ع ي ق ن ة على و أل ح ق ت 26 ( ) أوهاج الحداثة الدكتور نعيم اليافي ط: 1 منشو ارت اتحاد الكتاب العرب دمشق: 134 و.136

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته ح و ل ي كأنه ا عذ ار ى ت رود األ ر او ي الص ح م الم ال ء ع ل ي ه ن الم ذ يل 2 و ي ر ك د ن ح و ل ي باآلص ا ل كأ ن ي ن من الع ص م أد فى ي ن ت حي ال كيح أع ق ل) 25 ( في هذه األبيات نرى البنية التشبيهية لغوي في تشكيل يكونه خيال الصعلوك معطيات متعددة من لبناء صورة مقدمتها في المحسوس العالم يقف شعرية ترتفع إلى مصاف االمتالك والقبض يكون فيها التوحد بين المشبه والمشبه به قائما على وفق نظرة خالقة تذيب حجم الكثير من العناصر التي تقف بوجه التوحد واالنصهار فقوله )وخرق كظهر الترس ) نقلت إلى المتلقي معاني عدة منها وعورة الصح ارء وتعرجاتها التي باتت تشبه )الدرع( في تعرجاته لتوحي بالمعاناة التي يالقيها الشاعر في هذا المكان الذي ما يلبث أن يتغلب عليه ليصل إلى موطن آخر يجد فيه الشاعر انتماءه الحقيقي ثم تأتي بنية تشبيهية أخرى لتصور ما يدور في نفسه من حاجات فهو عندما يشبه األ اروي بالعذارى يريد أن يبلغ حاجته إلى الم أرة فهو مدفوع بقوة الدافع الجنسي التي تعمل على تشكيل صورته تشكيال واقعيا قريبا من حاجة النفس فيه وتأتي لفظة )يركدن( لتعبر عن حاجته إلى مكان االسترخاء وعن حاجته إلى إرضاء )23( الدوافع المضطرمة تعزز داللتها لفظة )اآلصال( التي تذكر بالقيلولة فدور البنية التشبيهية ليس رسم األشكال واأللوان المحسوسة بذاتها كما ت ارها وانما لنقل الشعور )23( بهذه األشكال واأللوان من نفس إلى أخرى لتكون مهمة التشبيه الرئيسية مطبوعة على وجدان المتلقي وقد كانت قبال مطبوعة على وجدان الشاعر وبهذا التبادل التأثري 25 ( (ديوان الشنفرى طالل حرب دار صادر بيروت: 56 :األرض الواسعة كظهر الترس :أرض األ اروي : ضرب من الظباء الخرق غير مستوية فيها ارتفاعات ونتوءات قفر : ليس فيها احد العصم :الوعل األدفى: الذي تميل قرناه على ظهره الكيح: حرف من حروف الجبل 23 ( (ينظر :مقاالت في الشعر الجاهلي 235: 23 ( ) ينظر: الديوان في النقد واألدب عباس محمود العقاد واب ارهيم المازني القاهرة دار الشعب ط 3 21 :1 و ينظر: رماد الشعر : 255

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته 22 يكون التشبيه قد أسهم في بناء صورة ممتلئة بالحيوية والنشاط محققة قد ار كبي ار من التوحد المرتبط بموهبة الشاعر وأدواته الشعرية وتوحد تجربته الشعرية ليحول صدق الوضوح والمقابلة إلى صدق الرؤيا التي ينظر إليها من )25( خالل اإلد ارك خالل الذهول وليس من ومن الصور الذي تكشف عن تمتع الصعلوك بطاقة تخييلية عالية تجسدت بقدرته التصويرية البارعة من خالل صور المشبه والمشبه به واألداة قول تأبط ش ار : الع و ص أ م ط ر ت ج ز ى الله ف ت ي انا ع ل ى س م اؤ ه م ت ح ت ال ع ج اج ة ب الد م ء ال ح و ق د ال ف ج ر ض و ع ر ضا ك أ ن ه أ د ه م أ ب ل ق أ ق ر اب ب ل م ح ت ه )3( ذحل ة إد ارك الدا ء شف ا ء ف إن ص ب احا على آثار ح وم ع ر مر م نرى في هذه األبيات مقدرة الشاعر الفنية في نسج أركان البنية التشبيهية المعبرة عن الصورة بقوله: ( كأنه بلمحته أق ارب أبلق أدهم ) ذات الطابع الحسي التي تتكون من عدة ظواهر حسية )) ضوء فجر أق ارب أدهم (( انتزعها الشاعر من واقع بيئته الجاهلية وجسدها تماما بين مخيلته وطبيعة الواقع المادي المحسوس إذ شبه الفجر وبياضه الذي يخالطه السواد بخاصرة الجواد األبلق األسود الذي يخالطه البياض.بواسطة أداة التشبيه )كأن( المؤلفة من الكاف للتشبيه و)أن( المؤكدة التي لها القدرة في إذابة الحدود بين المشبه والمشبه به لترسيخ الصورة التي يصعب عندها الفصل بين أركان التشبيه وقد وصفت هذه األداة ))بأنها حرف مشبه بالفعل تفيد 25 ( ) ينظر: العقل في الشعر بين التشبيه واالستعارة والرمز : إيليا حاوي مجلة اآلداب العدد: 12 :كانون األول 1552 :15 3 ( ) ديوان تأبط ش ار وأخباره جمع وتحقيق وشرح علي ذو الفقار شاكر دار الغرب اإلسالمي ط: 2 1555 م : 25-23 العجاجة: غبرة المقاتلين األق ارب: الخواصر أبلق أدهم:واألبلق الذي في لونه بياض وسواد معا الذحل :الثار الحوم والعرمرم : الجماعة الكثيرة.

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته 22 )31( التوكيد والظن والتقريب (( كما لهذه األداة ))إمكانات كبيرة في تشغيل الخيال وتحريك عناصر الصورة وغالبا ما تدخل المتلقي في أجواء تأملية (( )32(. فقد أسهمت البنية التشبيهية في تشكيل صورة مكتنزة باإلبعاد الداللية والرؤيوية تثير إيحاءات فكرية متنوعة يمكن ق ارءتها ق ارءة متعددة بحسب تلقي ونظر المتلقي وذائقته الفنية ووعيه النقدي. فبعد أن أبلى أبناء قبيلته بالء حسنا وفتكوا بقبيلة )العوص( في دياجير الليل المدلهم الحت البوادر األولى لضوء الفجر والفجر يرمز إلى الحرية والوضوح والبشائر األولى التي تبد د السواد وكأن الشاعر أ ارد القول إن بزوغ الفجر إيذان بانتهاء المعركة لصالح قومه إذ انجلى غبار المعارك وبدا واضحا كوضوح الفجر أن قبيلته حققت ا نصر مبينا على أعدائها من قبيلة )العوص(.ومن هنا فإن توظيف البنية التشبيهية في هذه الصورة كان له أثر كبير في بنية النص وتقوية المعنى وتوكيده وكذلك نرى تأبط ش ار يوظف البنية التشبيهية في وصف في طريق ملت و الجبال يشبه في تل ويه خياطة الثوب ويصف ما يحيط بجانبيه من بقع الماء الصغيرة والغد ارن الكبيرة وحسب ارتفاع األرض وانخفاضها ودرجة انخفاض الحفر بما تحمل من مياه خلفتها سيول جارفة لسقوطها من المرتفعات واصطدام مياهها بالصخور في قرقرة ذات صوت رتيب توحي بوجه الشبه الدال على عدم التماسك وعدم اإلحكام بسبب وجود هذه التضاريس الوعرة و على الرغم من هذا الوصف وما 31 ( ) علوم البالغة البيان والمعاني والبديع أحمد مصطفى الم ارغي دار الكتب العلمية بيروت 23 3:2 1553 لبنان 32 ( ) التصوير المجازي أنماطه ودالالته الدكتور إياد عبد الودود عثمان الحمداني ط/ 1 -بغداد- 33: 24

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته 2 يوحي به من صعوبات فإنه يشير من هذا الوصف إلى قدرته على اجتياز وعورة هذا الطريق لخبرته وقوته فيقول : و ب و ش ع ب ك ش ل الث ح ي ه ن ط اف ش ك س ط ر يقه م ج ام ع ص و نرى في هذه األبيات تعانق البنية التشبيهية في تكوين صورة )33( م خاص ر تأتلف أج ازؤها مع السياق العام الذي يولد عالقة رمزية تشير إلى المتلقي تجاه نقاط تفجر كل واحدة منها طاقات فنية ذات تأثي ارت نفسية خاصة فت ارصف الكلمات في البيت األول وتوظيف حروف الشين والكاف والسين وما تحمله من دالالت صوتية في بنية تشكيلية أوحت بالصورة الملتوية لهذا المكان وعلى الرغم من سيطرة الطابع الحسي على التشبيه إال أن الشاعر استطاع أن يناظر بين المؤث ارت الخارجية في الشيء المحسوس بمؤث ارت الصور الداخلية في نفسه فيعمل على توحدها لتعطي قوة متحركة في نفس الشاعر تتولى هذه القوة المحركة بالتدرج إلثارة انفعال في القوى الباطنية بإف ارز الشيء عند المبدع واالستجابة له عند المتلقي الذي بدا يدرك حقيقة هذا المكان ويتمثله تمثال وكأن واعيا إنسانيا الشاعر يصنع نسقا خاصا للمكان لم يكن له من قبل هذا ما جعل البنية التشبيهية تتحول إلى ))معانقة نفسية يفجر فيها الشاعر ما تفور من مشاعر تحت ركام الذهن وسطحية المنطق ويكون تداخل االنفعال مع حركة الذهول الفني مستعينا أن يطعم الصورة ما يجعلها تتعدى أسار المحدودات التي يكون فيها الجامع سيد الموقف ويدفعها إلى تخطي أسوار العقالنية التي تفصل األشياء لتعانق ذهوال محدقا فنيا )34( نحو حرم الرؤية الشعرية (( ومن الصور الفنية القائمة على بنية تشبيهية مرسلة استوحاها من طبيعة الشاعر حياتهم وبيئتهم قول عروة بن الورد: )33( )34( ديوانه: 54 فلسفة البالغة بين التقنية و التطور: الدكتورة رجاء عيد : منشأة المعارف : اإلسكندرية : 1535 م : 135

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته 22 مجز ر الم شا ش آلفا كل مص اف ي ل يله ل حى الله صعلوكا إ ذا جن أ ب قرها من ص ديق م يس ر ل يل ة يعد ال غ نى م ن نف س ه كل يحت ال ح صى عن جنب ه المت عف ر شاء ثم يصب ح ن اع سا ي نام ع و أ م سى كال ع ر يش المجو إ ذا ه قليل التماس ال ازد إال ل نفس ه )36( ك ال ب عي ر حس ر ط ليحا ويم سي ساء الحي ما يست عنه ي عين ن إن جمال الصورة التشبيهية في هذه األبيات ال يمكن إد اركه إال من خالل النظر إلى عناصر الواقع والمشاهدات المصورة وما بينهما من تناسق وتآلف يثير فينا جملة من العواطف واالنفعاالت فغاية الشاعر في توظيف هذه التشبيهات للتعبير عن نزعة حسية إلدهاش السامع من خالل تشكيل الصور وأبنيتها بهدف الحط من قيمة ذلك الصعلوك الخامل السيما إذا أسدل الليل ستاره ومضى في المشاش يجمع العظام يألف كل مجزر فهو )كالكلب( مشبها إياه بهذه الصورة التي تحمل في داللتها العميقة معنى السخرية واالسته ازء أو المبالغة الساخرة ثم يضفي عليه صورة أخرى تحمل في داللتها الكسل وهي حينما يستيقظ من نومه ينفض عن جسمه الت ارب المتعفر وبعد هذا كله يصوره بصورة حيوانية أخرى فهو يعين نساء الحي ويقوم بتلبية أمورهن حتى يمسي في أخر النهار متعبا مثقال بالجهد فهو ( كالبعير المحسر ). وهكذا تتنامى هذه الصورة وتتشكل ويكمل بعضها بعضا من أجل أن تستحضر الصورة الكلية في ذهن المتلقي للصعلوك الخامل. ثم يبدع الشاعر في تشكيل بنية تشبيهية توحي بصورة للصعلوك القوي )البطل( التي تعد مضادة 36 ( ) ديوان عروة بن الورد د ارسة وشرح وتحقيق :أسماء أبو بكر محمد منشو ارت :دار الكتب العلمية بيروت-لبنان 1413 ه- 1553 م :53 مصافي : اختار المشاش:العظمة الدسمة الهشة المجزر:موضع نحر اإلبل كالعريش المجور : الخيمة الساقطة الطليح: العئ البعير المحس ر:الضعيف

الفصل االول التشكيل التشبيهي وفاعليته للصورة األولى هذا الصعلوك الذي 22 اتحد ب )عالم الطبيعة( والقوة والمغامرة واالندفاع بعد أن انفصل عن عالم القبيلة ومن خالل رسمه صورة الصعلوك البطل بقوله: ول كن صعلوكا م طال على أع دائ ه ألن إن وج ه ه ص ف يح ة زج ر ب ون ه ي ضوء ك هم سا حت شه اب الق اب زج ر س ال من ي ح المت نو ر الم )35 ( شه ر إد ارك جمال التشبيه يستلزم منا النظر إلى العبارة التي قبله والتي بعده بنية التشبيه تتأثر بما قبلها وتؤثر بما بعدها ذلك ولهذا التأثير دخل كبير في )33( اإلحساس بالجمال ويبدو لنا الشاعر عروة متمكنا من أدواته الفنية واللغوية فقد بدأ أبياته ب )لكن ) المستدركة التي قيل بشأنها )) ال بد أن يتقدمها كالم ملفوظ به أو )33( مقدر وال بد أن يكون نقيضا لما بعده أو ضدا له أو خالفا على أري (( وهي عند )35( ابن عصفور ) 553 ه( تفيد التأكيد ال غير فهي عنده بمعنى )إن( المؤكدة ثم جاء بعدها باسمها )صعلوكا( ثم اخذ بوصف الصعلوك بالجمل االسمية )صفيحة( ثم )مطال( وجملة الشرط )إذا بعدوا (إلى أن تم المعنى )فذلك إن يلق( ونالحظ تمكن الشاعر من نسج عناصر اللغة من اجل وصف صورة الصعلوك الشجاع المغامر مستثم ار إمكاناته اللغوية من جهة ومرونة الجملة الشعرية.فهو في هذه األبيات يلفت انتباهنا إلى الصورة التشبيهية ال ارئعة التي أبدعها الشاعر حينما شبه وجه الصعلوك بالشهاب المضيء المنور في أعالي السماء وهنا نجد الدقة والمقارنة في صورته هذه مع صورة الصعلوك الخامل وتشبيهه بالصورة الحيوانية المتدنية في مقابل صورة 55 35 ( ) ديوانه: 33 ( ) ينظر: التشبيه بين العلمية والجمالية : 43 33 ( ) معاني النحو الدكتور فاضل السام ارئي : و ازرة التعليم العالي والبحث العلمي 155 م.332 :1 بغداد 35 ( ) ينظر: شرح ابن عقيل تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ط/ 2 دار مصر للطباعة القاهرة 333 153 م 1: