96 * محمد يوسف علوان تناقش هذه الورقة مسألة الحق في المساواة وعدم التمييز في القانون الدولي. ويستهل الباحث مقاربته بمبحث تمهيدي يحاول رصد التطو ر التاريخي لالعتراف بالمبدأ في الصكوك الدولية لحقوق اإلنسان العالمية منها واإلقليمية وتعريف الحق في هذه الصكوك. ويتناول المبحث األو ل من هذه الورقة مسألة التفرقة أو االستبعاد أو التقييد أو التفضيل التي يقوم عليها التمييز. أم ا المبحث الثاني فيختص بمعيار التفرقة بين التمييز المشروع والتمييز غير المشروع أو المحظور. وفي المبحث الثالث واألخير يستكمل الباحث المعايير الدولية لتحديد المقصود بالمساواة وعدم التمييز إذ يتناول أسس التمييز المحظور أو المجموعات المستهدفة من التمييز. ويختتم البحث بمحاولة الستكشاف الحاجة في الدول العربية إلى قانون عصري للمساواة وعدم التمييز وذلك أسوة بعد ة دول قامت بسن قانون لهذه الغاية. * أستاذ القانون الدويل يف كلية الحقوق يف جامعة البرتا عامن - األردن.
97 دراسات وأوراق تحليلي ة المقدمة الدولة الحديثة هي دولة قانون يكون فيها الجميع متساوين أمام القانون وال متييز بينهم. وهي دولة لجميع مكو نات املجتمع. وتقوم هذه الدولة عىل قيم املواطنة واملساواة الكاملة وعىل غرس هذه القيم يف املامرسات الحكومية ويف مناهج التعليم ووسائل اإلعالم. وهي تتيح األطر الدستورية والقانونية املالمئة لتعزيز الحق يف املساواة وعدم التمييز مبا يف ذلك إنشاء مؤسسات حكومية وغري حكومية ملراقبة جميع أشكال التمييز وكشفها والعمل عىل القضاء عليها ومحاسبة املتور طني فيها ومنع أي شخص من اإلساءة إىل آخر انطالق ا من دينه أو عرقه أو أصله أو ألي سبب متييزي آخر. وهذا الحق من أهم حقوق اإلنسان إن مل يكن أهم ها عىل اإلطالق. إن ه مبدأ أسايس يف الدول والنظم الدميقراطية يف العامل أجمع وحجر الزاوية فيها. وهو أساس متت ع الفرد بجميع الحقوق والحريات األخرى عىل قدم املساواة مع غريه من األفراد فالتمتع بحقوق اإلنسان مرشوط ابتداء باملساواة وعدم التمييز. وال معنى للمواطنة من دون املساواة فهي رشط مسبق للدميقراطية وللمزيد منها وهي رشط ال غنى عنه للحفاظ عىل السلم األهيل والعيش املشرتك وال سي ام يف بعض البالد العربية التي ابت ليت بغياب ثقافة قبول اآلخر والتي تعصف بها الرصاعات واالنقسامات من كل حدب وصوب. وال يعدو أن يكون إقرار القوانني الداخلية والقانون الدويل بهذا الحق الخطوة األوىل يف الطريق الطويل نحو وضعه موضع التنفيذ إذ ال يزال التمييز عملة شائعة يف العامل أجمع. وهذا ما يرب ر دراسة هذه الظاهرة الخطرية عىل املجتمعات كاف ة من بعض زواياها القانونية املتعد دة. مبحث تمهيدي: االعتراف بالحق في المساواة وعدم التمييز والمقصود به في القانون الدولي الحق يف املساواة وعدم التمييز هو مبنزلة حق عام تتفر ع منه حقوق اإلنسان األخرى أو هو نقطة االنطالق للحقوق والحريات األخرى كاف ة ))). إن ه ليس حق ا من حقوق اإلنسان فقط بل هو أحد املبادئ األساسية التي تهيمن عىل سائر حقوق اإلنسان املدني ة والسياسية واالقتصادية واالجتامعية والثقافية والتي ما مل تطب ق باملساواة عىل الجميع فإن ه ال يصدق عليها اسم حقوق اإلنسان بل تغدو امتيازات للبعض دون البعض اآلخر. يتقاطع الحق يف املساواة وعدم التمييز مع الحقوق األخرى فهذا الحق له صلة وثيقة بحق الكرامة ألن كال املصطلحني يقوم عىل فكرة أن الناس متساوون يف الكرامة ويف حقوق اإلنسان. وال يعدو القضاء عىل التمييز أن يكون عملية الغاية منها أنسنة املجتمع بأرسه. إن ه يعني االحرتام املطلق لحرمة الكرامة اإلنسانية لكل إنسان. وميث ل مبدأ احرتام الكرامة اإلنسانية ركيزة أخالقية فلسفية لحقوق اإلنسان كاف ة مبا يف ذلك الحق يف املساواة الذي يرتبط ارتباط ا مبارش ا مبفهوم الكرامة اإلنسانية ألن ه ال كرامة من دونه ))). وهناك صلة وثيقة بني التمييز والفقر وكام ذهبت خبرية األمم املتحدة يف تقريرها عن مسألة الفقر املدقع وحقوق اإلنسان الذي رفعته إىل الجمعية العامة لألمم املتحدة يف عام 2008 فإن "التمييز يف كاف ة أشكاله يبقي عىل الناس يف حالة من الفقر وهذا األخري يؤد ي بدوره إىل استمرار املواقف واملامرسات التمييزية ضد هم فالتمييز والفقر يؤد ي أحدهام إىل اآلخر وتعزيز املساواة وعدم التمييز أسايس بالتايل للتخفيف من الفقر" ))). ونظر ا لألهمية القصوى التي يحظى بها الحق يف املساواة وعدم التمييز فقد كان من الطبيعي أن تسعى كل من القوانني الداخلية والقانون الدويل إىل حاميته فهو يحتل الصدارة يف كل من إعالنات حقوق اإلنسان الشهرية ويف مقد متها إعالنات حقوق اإلنسان واملواطن يف فرنسا يف عام 1789 ويف دساتري الدول يف أنحاء العامل كاف ة ويف االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان العاملية منها أو اإلقليمية ))). وقد غدا هذا الحق مع مرور الزمن جزء ا من القانون الدويل العريف وهو ملزم بهذه الصفة جميع الدول ))). 2 ذهبت الدائرة االبتدائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسالفيا السابقة إىل أن املبدأ العام الحرتام كرامة اإلنسان هو جوهر قواعد القانون اإلنساين الدويل وقانون حقوق اإلنسان وركيزتها. انظر: Tipy. Ch. Perm., Furundzija (1998), p. 183. وانظر يف الوضع القانوين للكرامة: B. Edelman, la dignité de la personne humaine, un concept nouveau, (Dalloz, Chronique, 1997), p. 185. 3 Report of the UN independent expert on the question of exterme poverty and human rights, UNGA 63rd session,(2008), paras. 29-36. 4 Richard B. Lilich, "Civil Rights" in Treodor Meron (ed.), human rights in international law: legal policy issues, (1984), p. 101; Warwick Mckean, Equality and Discrimination Under International Law, (1983), p. 63. 5 J. P. Humphrey, Implementation of international human rights law, (New York: New York law review, 1978), p. 32. 1 H. Lauterpacht, An international Bill of the rights of men (New York: Columbia Univ. press, 1945), p.115.
العدد 7 98 آذار / مارس 2014 االعتراف بالحق في المساواة وعدم التمييز في القانون الدولي بدأ اهتامم القانون الدويل مببدأ املساواة وعدم التمييز تاريخي ا مبناسبة البحث يف مسؤولية الدولة عن األرضار التي تتسب ب فيها لألجانب ))). وقد تقر ر املبدأ رصاحة عىل الصعيد الدويل وألو ل مرة يف املعاهدات املعروفة باسم معاهدات األقل يات وهي معاهدات محدودة سواء من حيث نطاقها الجغرايف أو الشخيص ألن ها مل تكن معني ة سوى بأفراد األقليات )وليس لألقليات بهذه الصفة( التي تعيش يف بعض الدول املهزومة يف الحرب العاملية األوىل أو التي قامت عىل أنقاض الدول املهزومة )النمسا وبلغاريا واملجر وتركيا( أو يف الدول الجديدة )بولندا وتشيكوسلوفاكيا السابقة( أو تلك التي توس عت بضم أقاليم جديدة إليها )يوغسالفيا ورومانيا واليونان(. وقد كفلت هذه املعاهدات املساواة بني أفراد األقل يات وغريهم ولكن ها حرصت أيض ا عىل االعرتاف لألقليات بصفتها تلك أو لألشخاص املنتمني إليها بالحق يف مامرسة الشعائر الدينية وحرية استخدام اللغة القومية وإمكانية إنشاء مدارس خاصة بها ))). وكانت اليابان قد سعت يف مؤمتر باريس عام 1919 إىل إدراج مبدأ املساواة العرقي ة يف عهد عصبة األمم وحظي االقرتاح الياباين مبوافقة 11 دولة من بني 17 دولة عضو ا يف لجنة املؤمتر. إال أن الرئيس األمرييك وقتذاك وودرو ويلسون أعلن عدم حصول االقرتاح عىل األغلبية املطلوبة ))). وقوبل اقرتاحه بتضمني العهد نص ا بشأن الحرية الدينية بالرفض كذلك ))). وبالنتيجة مل يأت عهد العصبة عىل ذكر حقوق اإلنسان عام ة أو عىل الحق يف املساواة وعدم التمييز خاصة واألنىك من ذلك أن العهد مل يقم بذكر مبدأ املساواة بني الدول )1)). وجاء ميثاق األمم املتحدة الذي جرى اعتامده يف سان فرنسيسكو يف عام 1945 ليجعل يف الفقرة الثالثة من املاد ة األوىل منه من بني مقاصد األمم املتحدة "تعزيز حقوق اإلنسان والحريات األساسية للناس جميع ا والتشجيع عىل ذلك إطالق ا بال متييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين". كام أن مبدأ املساواة وعدم التمييز لهذه األسباب قد ورد بصورة ال لبس فيها يف نص آخر خاص مبهام الجمعية العامة لألمم املتحدة )1)). وهذا ما جعل أحد أعضاء اللجنة الثالثة التابعة لألمم املتحدة يذهب إىل حد القول إن "إنشاء األمم املتحدة قد تم أساس ا ملكافحة التمييز يف العامل" )1)). غري أن ه ال ينكر أن ثالثني دولة فقط من بني إحدى وخمسني دولة عضو يف األمم املتحدة كانت تقر يف ذلك الوقت للمرأة بالحق يف التصويت كام أن أربع نساء فقط ساهمن يف صوغ امليثاق أو توقيعه )1)). وقد ذهبت محكمة العدل الدولية يف الرأي االستشاري لها بشأن ناميبيا إىل أن جنوب أفريقيا تعه دت مبراعاة حقوق اإلنسان وحرياته األساسية للجميع واحرتامها من دون متييز عىل أساس العرق يف إقليم ناميبيا الذي كان يتمتع بوضع دويل. ووجدت املحكمة أن مامرسات جنوب أفريقيا يف اإلقليم املذكور متث ل "إنكار ا للحقوق األساسية وانتهاك ا صارخ ا ألهداف امليثاق ومبادئه "وخلصت بالنتيجة إىل أن "الوجود املستمر لجنوب أفريقيا يف ناميبيا غري قانوين" وطلبت منها سحب إداراتها من ناميبيا حاال ووضع نهاية الحتاللها هذا اإلقليم )1)). واليوم نجد أن مبدأ املساواة وعدم التمييز هو محل نصوص رصيحة يف الصكوك الدولية لحقوق اإلنسان العاملية منها واإلقليمية فاإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة لألمم املتحدة يف العارش من كانون األو ل / ديسمرب يحتوي عىل عدد من املواد التي ت عنى رصاحة مببدأ املساواة وعدم التمييز. أم ا بقية املواد فتشري إىل املبدأ ضمني ا ألن ها تنسب الحقوق الواردة فيها إىل "كل إنسان" أو "كل فرد" أو "كل شخص". والنصوص األكرث صلة باملساواة وعدم التمييز يف اإلعالن هي نصوص املواد األوىل والثانية والسابعة منه. 10 Jean Pierre and Allain Pellet (ed.), Charte des nations unies, commentaire par article, 2nd edition (Paris: Economia, 1991), p. 83. 11 UN. Doc. A./C 3/S. R 100, 7, in Warwick A. Mckean, Equality and discrimination, p. 59. 12 Thomas Buergenthal, the normative and institutional evolution of international human rights, (19 Human Rights Quarterly, 1997), p. 77. 13 David Weissbrodt & Connie de la Vega, international human rights law (Philadelphia: an introduction, university of pennsylvania, 2007), p. 34. 14 CIJ, Report, 1971, paragraphs 131, 133. 6 Sonny Friedman, Expropriation in international Law (London: stevens and sons, 1958), pp. 189-193. 7 انظر: محمد علوان ومحمد املوىس القانون الدويل لحقوق اإلنسان املصادر ووسائل الرقابة )عامن: دار الثقافة 2005( ج 1 ص 34 Warwick A. Mckean, The meaning of discrimination in international and municipal law (British Yearbook of Internaional Law, 1970), pp.14-26. 8 Paul Gordon Lauren, Power and prejudice: the politics and diplomacy of racial discrimination (Boulder, Oxford West view Press, 1996), pp.99-100. 9 A. Zimmern, The League of Nations and the Rule of Law, (London: Macmillan, 1936), pp. 257-263;.Antonio Cassese, La valeur actuelle des droits de l'homme, in: Humanité et Droit International Mélanges René-Jean Dupuy (Paris: Pédone, 1991), p. 68. ويف تاريخ صوغ عهد عصبة األمم ومحاوالت تضمينه األحكام الخاصة باملساواة العرقية والدينية انظر: Warwick A. Mckean, Equality and discrimination under international law (oxford: clarendon press, 1983).
99 دراسات وأوراق تحليلي ة وتؤك د املادة األوىل أن جميع الناس يولدون "أحرار ا ومتساوين يف الكرامة والحقوق". وال تكتفي املادة كام هو واضح بذكر الحرية التي كانت محور اهتامم جان جاك روسو بل تضيف إليها املساواة. وال تختص املادة مبجموعة من الناس كام ذهب إعالن االستقالل األمرييك يف عام 1776 الذي حرص الحقوق فعلي ا يف البيض فقط بل تنرصف إىل جميع الناس )1)). كام أن ها ال تختص باملساواة بني الرجال فقط كام كان يدور يف ذهن واضعي إعالن حقوق اإلنسان واملواطن يف فرنسا يف عام )1)) 1789. وتحظر املادة الثانية التمييز عىل الوجه التايل: "لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات املذكورة يف هذا اإلعالن دون متييز من أي نوع وال سي ام التمييز بسبب العنرص أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسي ا وغري سيايس أو األصل الوطني أو االجتامعي أو الرثوة أو املولد أو أي وضع آخر". وأخري ا تنص املاد ة السابعة من اإلعالن عىل ما ييل: "الناس جميع ا سواء أمام القانون وهم يتساوون يف حق التمتع بحامية القانون دومنا متييز كام يتساوون يف حق التمتع بالحامية من أي متييز ينتهك هذا اإلعالن ومن أي تحريض عىل مثل هذا التمييز". والحق يف املساواة وعدم التمييز حق محمي يف كل من العهد الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية والعهد الدويل الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية اللذي ن اعتمدتهام الجمعية العامة لألمم املتحدة يف عام 1966 وهام يرد دان األسباب ذاتها التي وردت يف اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان. وترت ب ثالث اتفاقيات دولية أخرى التزامات محد دة عىل الدول األطراف يف ما يتعلق بالتمييز عىل أساس كل من العرق والجنس واإلعاقة وهي عىل التوايل: اتفاقية القضاء عىل جميع أشكال التمييز العنرصي )1965( واتفاقية القضاء عىل جميع أشكال التمييز ضد املرأة )1989( واتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة )2006(. ويرد هذا الحق كذلك يف اتفاقية حقوق الطفل )1979( واتفاقية مناهضة التعذيب وغريه من رضوب املعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو املهينة )1984( واالتفاقية الدولية لحامية حقوق العام ل املهاجرين وأفراد أرسهم )1990(. وقد اعتمدت بعض الوكاالت املتخص صة التابعة لألمم املتحدة اتفاقيات دولية لعل أبرزها يف موضوع البحث اتفاقية مكافحة التمييز يف مجال التعليم املعتمدة من منظمة األمم املتحدة للرتبية والعلوم والثقافة )اليونسكو( يف عام 1960 واتفاقية املساواة يف األجور 1951 )االتفاقية رقم 100( واتفاقية التمييز يف االستخدام واملهنة )االتفاقية رقم 111( يف عام 1958 واالتفاقية الخاصة بالعمل املالئم لعام ل املنازل لعام 2011. وهي اتفاقيات معتمدة يف إطار منظمة العمل الدولية )1)). هذا عىل الصعيد العاملي أم ا عىل الصعيد اإلقليمي فقد ورد النص عىل الحق محل النظر يف كل من االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان 1950 وميثاق الحقوق األساسية لالتحاد األورويب 2000 واالتفاقية األمريكية لحقوق اإلنسان 1969 وامليثاق األفريقي لحقوق اإلنسان والشعوب 1981 وامليثاق العريب لحقوق اإلنسان 2004. المقصود بالتمييز في القانون الدولي عىل الرغم من النص عىل مبدأ املساواة ومبدأ عدم التمييز يف الصكوك الدولية لحقوق اإلنسان االتفاقية منها أو التوصوية والعاملية منها أو اإلقليمية فال يوجد تعريف موح د ومقبول عاملي ا لهذين املصطلحني. ولكن بعض االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان حرصت عىل تعريف مصطلح التمييز "لغاية االتفاقية املعني ة" وهذا ما نجده يف ثالث اتفاقيات معد ة يف إطار األمم املتحدة وهي االتفاقية الدولية للقضاء عىل جميع أشكال التمييز العنرصي التي تعر ف "التمييز العنرصي" يف املادة األوىل منها واتفاقية القضاء عىل جميع أشكال التمييز ضد املرأة التي تعرف "التمييز ضد املرأة" يف املادة األوىل منها واتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة التي تعرف "التمييز عىل أساس اإلعاقة" يف املاد ة الثانية منها )1)). ويعني التمييز يف هذه االتفاقيات "أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد )تضيف االتفاقية الدولية للقضاء عىل جميع أشكال التمييز العنرصي كلمة "تفضيل"( يستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة االعرتاف بحقوق اإلنسان والحريات األساسية أو التمتع بها أو ممامرستها عىل قدم املساواة مع اآلخرين يف امليادين السياسية واالقتصادية أو االجتامعية أو الثقافية أو أي ميدان آخر )تضيف اتفاقية القضاء عىل جميع أشكال التمييز ضد املرأة واتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة كلمة "واملدنية" بعد كلمة "والثقافية" وتضيف االتفاقية 17 نصوص جميع هذه االتفاقيات يف مكتبة حقوق اإلنسان جامعة مينيسوتا عىل املوقع اإللكرتوين للجامعة: http://www1.umn.edu/humanrts/arabic/. وملعرفة الدول األطراف فيها انظر: Multilateral Treaties Deposited with the Secretary-General, https://treaties.un.org/pages/participationstatus.aspx 18 وباملثل تعرف االتفاقية الخاصة بالتمييز يف مجال االستخدام واملهنة رقم 111 لسنة 1958 واتفاقية مكافحة التمييز يف مجال التعليم لعام 1960 مصطلح التمييز يف الفقرة األوىل من املادة األوىل من كل منهام. 15 Rabinder Singh, Equality: The neglected virtue, (2 EHLR, 2004), p. 14. 16 Heiner Bielefeldt, "Anti-Discrimination and human rights", in Stiftung EVZ: human rights and history: A challenge for education, p. 85.
العدد 7 100 آذار / مارس 2014 الدولية للقضاء عىل جميع أشكال التمييز العنرصي عبارة "من ميادين الحياة العام ة" بعد عبارة "أي ميدان آخر"(. وال يعرف العهد الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية والعهد الدويل الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية مصطلح "التمييز". وال يشري إىل األفعال التي متث ل متييز ا. ولكن اللجنة املعني ة بحقوق اإلنسان املرشفة عىل تطبيق العهد رأت يف تعليقها العام الثامن عرش )1989( أن "عبارة التمييز املستخدمة يف العهد ينبغي أن تفهم عىل أن ها تتضم ن أي تفرقه أو استبعاد أو تقييد أو تفضيل يقوم ألي سبب كالعرق أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السيايس أو غري السيايس أو األصل القومي أو االجتامعي أو الرثوة أو النسب أو غري ذلك مام يستهدف ويستتبع تعطيل أو عرقلة االعرتاف لجميع األشخاص عىل قدم املساواة بجميع الحقوق أو الحريات أو التمتع بها أو مامرستها" )1)). وميكن القول إن التمييز املحظور يف القانون الدويل يقوم عىل التفرقة أو االستبعاد أو التقييد أو التفضيل وهو يستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة االعرتاف بحقوق اإلنسان لجامعات أو فئات معي نة وبسبب خصائصها الذاتية. وهذا ما سنتناوله يف املباحث الثالثة التالية: المبحث األو ل: التفرقة أو االستبعاد أو التقييد أو التفضيل التمييز لغة يعني التفرقة أو االختالف يف املعاملة. أم ا التمييز قانون ا فيقصد به التفرقة يف املعاملة بني األفراد من ذوي املراكز القانونية املتامثلة سواء كان ذلك عن طريق إعطاء مزايا أو فرض أعباء والتي ال يرب رها سبب مرشوع. فالتمييز املحظور قانون ا هو تفرقه ولكنها تفرقة تعسفية أو غري عادلة أو غري مرشوعة ألنها تفتقر إىل أي أساس موضوعي أو معقول. وهناك صلة وثيقة واعتامد متبادل بني فكريت املساواة وعدم التمييز. وميكن أن ينظر إليهام بوصفهام عباريت إثبات ونفي للمبدأ عينه كوجهني لعملة واحدة )2)). ويقوم كل من مصطلحي "املساواة" 19 انظر التعليقات والتوصيات العامة التي اعتمدتها: هيئات معاهدات حقوق اإلنسان UN Treaty bodies )يف جزأين( األمم املتحدة مجموعة الصكوك الدولية لحقوق اإلنسان الوثيقة 9 2008 ص 199 ) HRI/GEN/1/Rev.9 ( وانظر باملعنى ذاته التعليق العام العرشين للجنة الحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية E/C.2/GC/20, 2 July 2007, para. 7. 20 Anne F. Bayefsky, The principle of equality or non-discrimination in International Law, Human Rights Quarterly, 1990, p. 5. و"التمييز" عىل افرتاض النسبية أي أن املساواة أو املعاملة التمييزية يجب أن تقاس باملقارنة بني معاملة شخص وآخر يف وضع مشابه أو ظروف مشابهة )يسم ى الشخص الذي تجري املقارنة معه.)comparator وال يعني التمتع بالحقوق والحريات عىل قدم املساواة املعاملة املتامثلة يف كل حالة من الحاالت مبعنى آخر تقوم املساواة عىل التشابه وليس عىل التطابق أو التامثل )2)). وأثناء إعداد العهد الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية جرى التأكيد عىل أن املساواة ال تتطل ب التطابق أو التامثل يف املعاملة وهي عىل العكس تسمح "بتفرقة معقولة بني األفراد أو جامعات األفراد بناء عىل أسس ذات صلة وملموسة" )2)). وقد يقع التمييز يف القانون ويف السياسات فنكون بصدد التمييز يف القانون de jure or legal discrimination وقد يقع يف العمل أو يف املامرسة فتكون بصدد التمييز يف الواقع de facto discrimination وتجري التفرقة كذلك بني املساواة يف القانون واملساواة أمام القانون. ويتعلق النوع األو ل من املساواة بعملية تكوين القانون ويقع عىل كاهل املرش ع تحقيقها عند صوغ القانون كام يحدث عند تضمني مبدأ املساواة بني الرجال والنساء مثال يف الدساتري الوطنية ويف القوانني العادي ة. أم ا النوع الثاين من املساواة فيتعل ق بعملية تطبيق القانون أي عندما متارس اإلدارة نشاطها يف تنفيذ القانون ومبعنى آخر فهي ت عنى بضامن التطبيق الفعيل ملبدأ املساواة الدستوري يف جميع امليادين )2)). وال يكفي أن تقوم الدولة بتطبيق القانون فقط إذ توجد قوانني يف الدول البوليسية أيض ا. واألهم هو مضمون القانون الذي يجب أن يحمي الحقوق والحريات يف مواجهة السلطة. ونعرض يف املطلبني التاليني لكل من معيار التفرقة بني التمييز املرشوع والتمييز املحظور وللتدابري الخاص ة. المطلب األو ل: معيار التفرقة بين التمييز المشروع والتمييز المحظور يتطل ب الحق يف املساواة معاملة جميع األشخاص الذين هم يف ظروف أو أوضاع متشابهة أو متامثلة عىل قدم املساواة ودون متييز سواء يف القانون أو يف املامرسة. ولكن هذا الحق ال يستبعد أي تفرقة أو أي تباين يف املعاملة إذ ال تعد معاملة األوضاع أو الحاالت أو املراكز املتشابهة أو املتامثلة نسبي ا analogue or relatively similar بطريقة مختلفة من قبيل التمييز املحظور دامئ ا ويف جميع 21 Westen, P., speaking equality (Princeton univ. press, 1990), p.39,120. 22 UN, doc. (A/2929 (1955), para. 34. أمني العضايلة "مبدأ املساواة وعدم التمييز يف الترشيع األردين دراسة مقارنة" مجلة 23 مؤتة للبحوث والدراسات املجلد 18 العدد 7 )2003( ص 43.
101 دراسات وأوراق تحليلي ة األحوال. والتمييز املحظور يف القانون الدويل يعني التفرقة يف املعاملة التي ال تقوم عىل أساس موضوعي أو معقول والتي ال يكون الهدف منها مرشوع ا. ومبعنى آخر ال يقوم التمييز إال يف حال وجود تفرقة يف املعاملة بني حاالت متامثلةtest Comparability ودون مرب ر معقول وموضوعي Justification test ودون وجود تالؤم بني الهدف املقصود والوسائل املستخد مة )2)) test.proportionality المقصود بالتمييز المشروع تطول قامئة الحاالت التي ميكن إدراجها ضمن التمييز املرشوع املستند إىل أسباب معقولة وموضوعية. ومن األمثلة عىل التفرقة املرشوعة التفرقة بسبب طبيعة العمل املطلوب شغله أو متطلباته Genuine and determining occupational requirements كاشرتاط منتج لألفالم أن يكون املمث ل الذي يقوم بدور شخصية داعية حقوق اإلنسان مارتن لوثر كنج أو الرئيس األمرييك أوباما وكالهام من أصول أفريقية من ذوي البرشة السوداء فمثل هذا الرشط ال يعد متييز ا ألن طبيعة العمل املطلوب شغله تتطل ب ذلك. ومن املعقول اشرتاط الديانة الكاثوليكية يف املرش ح لشغل وظيفة مدير مدرسة كاثوليكية. ولكن مثل هذا الرشط يغدو من قبيل التمييز إذا امتد ليشمل أعضاء هيئة التدريس أو املوظفني يف املدرسة )2)). وال يعد من قبيل التمييز توظيف النساء فقط يف مركز صحي خاص باملسلامت وال قرص القبول يف املدارس الكاثوليكية عىل ات باع هذه الديانة. ومثاله كذلك اشرتاط أن يكون املتقد م لشغل وظيفة إمام مسجد مسلام فهذا الرشط هو اآلخر مام تتطلبه طبيعة العمل. وتفضيل شخص معاىف وقوي وظيفة رجل إطفاء الحرائق هو متييز موضوعي وجائز بالتأكيد ألن من الواضح أن الجسم السليم أمر ال غنى عنه للعمل يف هذا املجال أم ا تفضيل رجل عىل امرأة أو امرأة عىل رجل لشغل وظيفة إدارية فهو متييز غري موضوعي ألن ه ال عالقة للجنس بهذا العمل. ومن املنطقي حرمان األطفال من قيادة الحافالت. ولكن من غري املنطقي وال املعقول حرمان املرأة من الحق يف ذلك. وال يخل مببدأ حظر التمييز كذلك التفرقة يف املعاملة بني مرتكب الجرمية وحسن السرية والسلوك واليشء ذاته يقال كذلك بالنسبة إىل التمييز بني مختلف الفئات العمرية يف ما يتعلق مبامرسة الحقوق السياسية وحق تويل الوظائف العام ة. وال ميلك أي شخص الحق يف الحصول عىل وظيفة أو عىل مقعد يف الجامعة. ولكن لكل إنسان الحق يف التنافس عىل قدم املساواة مع اآلخرين عىل املقعد الجامعي أو عىل الوظيفة عىل أساس الجدارة والكفاءة. فلكل إنسان الحق يف املساواة يف الفرص مع اآلخرين وليس الحق يف املساواة يف النتائج. وال يتعارض مع الحق املذكور كذلك قرص الزواج عىل من يدرك سن البلوغ )املادة 1/16 من اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان( أوعىل من يبلغ سن الزواج )املادة 2/23 من العهد الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية( وال حظر توقيع حكم اإلعدام عىل أشخاص تقل أعامرهم عن 18 عام ا أوحظر تنفيذ هذا الحكم عىل الحوامل )الفقرة 5 من املادة 6 من العهد( أو قرص بعض الحقوق عىل املواطنني دون سواهم )م/ 25 من العهد( )2)). وال يعد من قبيل التمييز كذلك فصل املجرمني من األحداث عن البالغني )الفقرة 3 من املادة 10 من العهد( أو قرص الحقوق السياسية عىل مواطني الدولة )م/ 25 من العهد( وال تنطوي الحصانة الربملانية التي تحول دون إقامة أي دعوى جزائية عىل النائب يف الربملان مبناسبة قيامه بوظيفته النيابية عىل مساس مببدأ املساواة أمام القانون بني النائب واملواطن العادي )2)). وتخصيص مقاعد لألشخاص ذوي اإلعاقة أو لكبار السن يف الحافالت ويف مواقف السيارات ال يعد من قبيل التمييز املحظور )2)). االجتهاد القضائي وشبه القضائي استقر ت املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان عىل اشرتاط وجود املرب ر املوضوعي واملعقول للتفرقة املرشوعة يف املعاملة إضافة إىل رشط التالؤم مع الغاية املنشودة. وهذا ما ذهبت إليه املحكمة يف قضايا عدة أبرزها قضية عبد العزيز وكابايل وبالكاندايل ضد اململكة املتحدة )2)) والقضية اللغوية البلجيكية )3)). ويف حكمها الصادر يف قضية Thilmmenos ضد اليونان خلصت املحكمة إىل أن الحق 26 انظر: محمد علوان ومحمد املوىس القانون الدويل لحقوق اإلنسان: الحقوق املحمي ة ج 2 )عامن: دار الثقافة للنرش والتوزيع 2007( ص 142. 27 انظر: عقل يوسف مقابلة "الحصانات القانونية يف املسائل الجنائية" رسالة دكتوراه كلية الحقوق جامعة عني شمس 1987 ص 170 فتوح الشاذيل املساواة يف اإلجراءات الجنائية )اإلسكندرية: دار املطبوعات الجامعية 1990( ص 4 أحمد شوقي عمر أبو خطوة املساواة يف القانون الجنايئ دراسة مقارنة ط 4 )القاهرة: دار النهضة العربية 2003-2002( ص 195. 28 Bob Hepple, The New Single equality Act in Britain, The Equal Rights Trust Review, Vol. 5, (2010), p. 17. 29 Cour EDH, Abdulaziz, Cabales and Balkandali, 28/5/1983; A. 94, par al. 82. 30 Joe Verhoeven, "Jurisprudence Internationale Interessant La Belgique, Affaire Linguistique Belge, Arrêt du 23 Juillet 1968, Revue Belge du Droit International, p. 553. 24 Dinah L. Shelton, "Prohibited discrimination in international law" in the Diversity of international law: Essays in honour of professor Kalliopi K. Koufa (Aristotile Constantinides and Nikkos Zaikos, eds. 2009), p. 261. 25 Non-discrimination in international law, a handbook for practitioners, Interights, (2011), p.91, at: http://www.interights.org/handbook/index.html
العدد 7 102 آذار / مارس 2014 يف عدم الخضوع للتمييز يكون محل إنكار عندما تقوم الدولة دون مرب ر موضوعي ومعقول مبعاملة جميع األشخاص الذين يتمتعون مبراكز قانونية أو فعلية مختلفة معاملة متساوية )3)). ويف قضية أخرى ذهبت املحكمة إىل أن رفض السلطات النمساوية تقديم مساعدة عاجلة لعاطل عن العمل كونه أجنبي ا ليس مرب ر ا معقوال وموضوعي ا. ويف املقابل وجدت املحكمة أن معاملة القارصين معاملة خاصة يف إجراءات التوقيف االحتياطي هي تفرقة معقولة وموضوعية ألن الغاية منها ضامن إجراءات حامئية ملصلحة األحداث )3)). وذهبت لجنة حقوق اإلنسان املرشفة عىل تطبيق العهد الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية يف تعليقها العام رقم )1989( 18 الخاص بعدم التمييز إىل أن : "ليست كل تفرقة يف املعاملة تعد متييز ا فالتفرقة التي تستند إىل معايري معقولة وموضوعية والتي تهدف إىل تحقيق غرض مرشوع مبوجب العهد ليست مشمولة مببدأ حظر التمييز" )الفقرة 13(. وبي نت اللجنة يف فقرة أخرى من التعليق )الفقرة 8( أن أحكام العهد الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية رصيحة يف أن التمتع بالحقوق والحريات عىل قدم املساواة ال يعني املعاملة املامثلة يف كل حالة من الحاالت )3)). "وينبغي أن تكون أي تقييدات تفرض عىل حق الرتشيح لالنتخاب مثل تعيني حد أدىن للسن تقييدات مرب رة قامئة عىل معايري موضوعية ومعقولة. وينبغي أال يستثنى أي شخص مؤه ل من ترشيح نفسه لالنتخاب ألسباب غري مقبولة أو ألسباب متييزية من قبيل مستوى التعليم أو مكان اإلقامة أو النسب أو االنتامء السيايس" )3)). وطب قت لجنة حقوق اإلنسان اختبار املعقولية واملوضوعية يف عدد كبري من القضايا )3)). 31 Cour EDH, 6/4/2000, par. 44. 32 Frédéric Sudre, Droit europeén et international des droits de l'homme, 6éme édition,(paris: PUF, 1989), p.256. 33 مجموعة التعليقات والتوصيات العامة املرجع نفسه ص 201. 34 التعليق العام للجنة رقم )1996( 25 مجموعة التعليقات والتوصيات العامة املرجع نفسه ص 222. 35 ففي قضية Blinder Singh ضد كندا رقم 1986/208 طعن املد عي وهو من السيخ يف قانونية اشرتاط صاحب العمل وضع الخوذة عىل الرأس وذلك عىل أساس أن هذا اإلجراء يعد شكال من أشكال التمييز بسبب الدين. وكانت حج ته أن التقي د بهذا اإلجراء من جانبه يحول دون قيامه بالشعائر الدينية التي توجب عليه وضع العاممة عىل الرأس. غري أن اللجنة وجدت أن تربير سالمة العام ل تربير موضوعي ومعقول وال تغدو الحالة مشمولة مببدأ تحريم التمييز. انظر: Non-discrimination in international law, Ibid, p 131 وانظر باملعنى ذاته التوصية العامة رقم )1993( 14 للجنة القضاء عىل التمييز العنرصي مجموعة التعليقات والتوصيات العامة املرجع نفسه ص 280. المطلب الثاني: التدابير الخاصة ال تؤد ي املساواة القانونية أو الشكلية إىل املساواة الفعلية وال بد لهذه الغاية من معاملة الناس يف بعض األحوال معاملة مختلفة تراعي ظروفهم الخاصة وذلك عن طريق ات خاذ تدابري خاصة أو إيجابية ملصلحة الفئات التي تعاين من التمييز. ومبعنى آخر ال مينع حظر التمييز ات خاذ تدابري خاصة أو إيجابية ملصلحة الجامعات املحرومة. وميكن يف بعض الحاالت أن يتطل ب مبدأ املساواة من الدولة أن تت خذ تدابري خاصة )3)) measures special or specific وموق تة الغاية منها تفضيل الجامعات التي تعاين من التمييز والحد من األوضاع التي ميكن أن تتسب ب يف إدامة التمييز أو تساعد عليه أو إنهاء هذه األوضاع ودون أن تعد هذه الحاالت خروج ا عىل مبدأ املساواة يف املعاملة. ومثال ذلك التدابري الخاصة لضامن التمثيل املالئم للمجموعات املحرومة أو التمثيل املتوازن للمجموعات املختلفة من السك ان. ومثله كذلك توفري فرص العمل أو فرص تعليمية ممي زة خاصة للجامعات التي كانت ضحي ة التمييز يف املايض وتخصيص نسبة معي نة من مقاعد املجالس املنتخبة للمرأة وإعطاؤها األولوية يف تويل املناصب القيادية )الكوتا( أو منحها األفضلية حني يتعلق األمر بااللتحاق باملدارس أو الجامعات وهذه حاالت ال يراعى فيها عوامل الشعبية يف صناديق االقرتاع وال عوامل الخربة والكفاءة. وهي تعد نوع ا من التفرقة. ولكن ها تفرقة مرشوعة. ومن هذا القبيل كذلك تخصيص مقاعد معي نة لكبار السن أو لألشخاص ذوي اإلعاقة يف وسائل النقل العام. وقد يقع التمييز لعوامل وطنية أو إنسانية وذلك حينام يكون املستهدف منه فئات معي نة مثل ذوي الشهداء واألرسى والجرحى يف الحروب ومن يقد م خدمات جليلة للوطن. ولكن مثل هذه الحاالت من املعاملة التفضيلية محل خالف وقد ال تدخل يف صميم التمييز املعكوس أو اإليجايب. وهناك حاالت من املعاملة التفضيلية ميكن أن تكون محل جدال هي األخرى مثل متييز العاطلني عن العمل مدة طويلة بتقدميهم عىل 36 تسم ى هذه التدابري كذالك "العمل اإليجايب" positive or affirmative action أو "التدابري التعويضية" أو "التصحيحية" restitutionary أو التمييز العادل أو اإليجايب أو املعاملة التفضيلية أو املساواة الشاملة comprehensive أو التحويلية.transformative ويستخدم مصطلح "العمل اإليجايب" يف الواليات املتحدة ويف عدد من وثائق األمم املتحدة. يف حني يستخدم مصطلح "اإلجراءات اإليجابية" حالي ا عىل نطاق واسع يف أوروبا ويف الكثري من وثائق األمم املتحدة. انظر التوصية العامة رقم )1977( 5 للجنة القضاء عىل التمييز العنرصي الخاصة بالتدابري الخاصة املوق تة مجموعة التعليقات والتوصيات العامة املرجع نفسه ص 380 وانظر يف هذا املوضوع التقرير الذي قد مه املقر ر الخاص إىل لجنة حقوق اإلنسان عام 2002: UN, Marc Bossuyt, Prevention of Discrimination, The Concept and Practice of Affirmative Action, (17 June 2002).
103 دراسات وأوراق تحليلي ة سواهم من طالبي الوظيفة. ويف املقابل تعد إعادة تعيني املوظفني العامني السابقني الذين ف صلوا عن العمل ظلام ألسباب سياسية من قبيل التمييز املرشوع وذلك ألن هؤالء لهم الحق يف سبل انتصاف فع الة وفق ا للامدة الثانية من العهد الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية وإعادة التعيني هي واحدة من سبل االنتصاف. وتقر الصكوك الدولية لحقوق اإلنسان بقانونية التدابري الخاصة برشوط معي نة ولكن هذه التدابري ال تخلو من النقد. التدابير الخاصة في الصكوك الدولية لحقوق اإلنسان تجيز االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان التمييز اإليجايب ملصلحة كل من األقل يات أو الجامعات العرقية واإلثنية واملرأة واألشخاص ذوي اإلعاقة بصفة خاصة )3)). فوفق ا للامد ة الخامسة من االتفاقية الخاصة بالتمييز يف مجال االستخدام واملهنة رقم 111 املعتمدة يف إطار منظمة العمل الدولية يف عام 1958 ال يعد من قبيل التمييز املحظور تدابري الحامية الخاصة ألشخاص يعد ون عموم ا بسبب جنسهم أو سن هم أو عجزهم أو مسؤولياتهم العائلية أو وضعهم االجتامعي أو الثقايف أو ما إىل ذلك يف حاجة إىل حامية أو مساعدة خاصة. وال تعد االتفاقية أي تفرقة أو استثناء أو تفضيال بصدد عمل معني متييز ا إذا كان مبني ا عىل أساس املؤه الت التي تقتضيها طبيعة العمل. كام ال يعد من هذا القبيل التدابري اإليجابية لتعجيل املساواة يف مجال التعليم )3)). وتوجب اتفاقية القضاء عىل جميع أشكال التمييز العنرصي عىل الدول األطراف عند االقتضاء ات خاذ تدابري خاصة وملموسة لفائدة "بعض الجامعات العرقي ة أو لألفراد املنتمني إليها" ولكن ها تشرتط أن يكون الغرض الوحيد من هذه التدابري تأمني تقد م تلك الجامعات وهؤالء األفراد وأن تكون الزمة لهم من أجل متت عهم ومامرستهم 37 من الصعب الخوض يف التدابري الخاصة يف االتفاقيات اإلقليمية لحقوق اإلنسان ونكتفي بالقول إن االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان وحرياته األساسية ال تتضم ن نص ا رصيح ا بهذا الشأن ولكن املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان فرس ت أحكام االتفاقية مبا يسمح بات خاذ مثل هذه التدابري بل بوجوب ات خاذها يف بعض األحوال. ويجيز الربوتوكول الثاين عرش املضاف لالتفاقية لعام 2000 )دخل يف النفاذ يف عام 2005( وتوجيه املساواة العرقية وتوجيه املساواة يف الوظيفة لألوروبيني ات خاذ التدابري الخاصة والتيسريات املعقولة يف حالة اإلعاقة دون أن يعد ذلك خروج ا عىل مبدأ املساواة. وتوجب االتفاقية األمريكية لحقوق اإلنسان ات خاذ التدابري الخاصة لتحقيق املساواة وال تكتفي بإجازة هذه التدابري. ووردت عبارة "املساواة الفعلية" وعبارة "التمييز اإليجايب" يف امليثاق العريب لحقوق اإلنسان الذي اعتمدته القمة العربية يف تونس يف 23 أيار/مايو 2004. ولكن دون قدر كاف من التوضيح )املادة الثالثة من امليثاق(. انظر يف هذا املوضوع: Interights, Ibid, p 111; Isabelle Chopin & Eirini Maria Gounari, Developing Anti Discrimination Law in Europe, European Commission,(2009), p.279. 38 املادة الثانية من اتفاقية اليونسكو ملكافحة التمييز يف مجال التعليم. بالتساوي لحقوق اإلنسان والحريات األساسية. وأن ال تؤد ي إىل االحتفاظ بحقوق منفصلة تختلف باختالف الجامعات العرقي ة. وأن تستمر بعد بلوغ األهداف التي ات خذت من أجلها" )الفقرة الثانية من املادة الثانية(. من الواضح أن التدابري الخاصة التي يكون الهدف منها تطوير جامعات محرومة أو ضعيفة اجتامعي ا واقتصادي ا وتعليمي ا ال تعد متييز ا ضد الجامعات األخرى يف املجتمع إذا كانت لفرتة انتقالية بحيث ال تؤد ي إىل فقدان املجموعة ذاتيتها الخاصة )3)). وتسمح اتفاقية القضاء عىل أشكال التمييز ضد املرأة بات خاذ تدابري خاصة موق تة تستهدف التعجيل باملساواة الفعلية بني الرجل واملرأة ولكن رشيطة وقف العمل بهذه التدابري متى تحق قت أهداف التكافؤ يف الفرص واملعاملة. كام أن التدابري الخاصة التي تستهدف حامية األمومة ال تعد من قبيل التمييز )املادة الرابعة(. وكثري ا ما دعت لجنة القضاء عىل التمييز ضد املرأة الدول إىل ات خاذ تدابري خاصة لزيادة إدماج املرأة يف مجاالت التعليم واالقتصاد والسياسة والعمل )4)). وخالف ا ملا عليه الحال يف االتفاقيتني الدوليتني املذكورتني سابق ا ال تضع اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة حد ا زمني ا الستخدام التدابري اإليجابية ملصلحة األشخاص ذوي اإلعاقة وال توجب توقيتها بزمن معني وذلك ألن هناك حاجة الستخدام هذه التدابري إىل ما ال نهاية بحيث ميكن لهؤالء التمتع مع الزمن باملساواة الفعلية. ومل يتح بعد للجنة املعني ة باألشخاص ذوي اإلعاقة إصدار تعليقات عام ة عىل االتفاقية. غري أن لجنة الحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية ذهبت يف أحد تعليقاتها العام ة إىل أن عدم توفري الرتتيبات التيسريية املعقولة لألشخاص ذوي االحتياجات الخاصة هو شكل من أشكال التمييز املحظور يف القانون الدويل ضد هذه الفئة من الناس )4)). 39 تطر قت لجنة مناهضة التمييز العنرصي لهذه الرشوط مرار ا يف تعليقاتها العامة ومالحظاتها الختامية عىل تقارير الدول األطراف. انظر عىل سبيل املثال التوصية العامة رقم )2000( 25 للجنة بخصوص التمييز ملصلحة املرأة والتوصية العامة لها رقم )2000( 27 بشأن التمييز ضد الغجر. وهام منشورتان يف مجموعة التعليقات والتوصيات العامة ص 291 و 292. وكثري ا ما ترح ب اللجنة بالتدابري التي تت خذها الدول لفائدة املجموعات األقل منو ا. 40 انظر التوصيات العامة رقم )1988( 5 ورقم )1997( 23 ورقم )2004( 25 مجموعة التعليقات والتوصيات العامة ص 374. 352 325 41 التعليق العام للجنة رقم )1994( 5 مجموعة التعليقات والتوصيات العامة املرجع نفسه ص 23. وال يتطر ق العهد الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية ملسألة التيسريات املعقولة. ولكن اللجنة املعني ة بحقوق اإلنسان طب قت املادة العارشة من العهد الخاصة مبعاملة األشخاص املحتجزين بإنسانية عىل األشخاص املعوقني )قضية هاملتون ضد جامايكا عام 1988(. وباملثل ال تتطر ق االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان للتيسريات املعقولة. ولكن املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان وجدت يف قضية price ضد اململكة املتحدة )2001( أن احتجاز شخص معوق إعاقة شديدة يف أوضاع سي ئة ميث ل معاملة مهينة تنهى عنها املادة )3( من االتفاقية األوروبية. وخلصت املحكمة إىل أن : "املد عية مختلفة عن الناس اآلخرين ومعاملتها مثلهم ال يعد فقط من قبيل التمييز املحظور بل هو خرق أيض ا للامدة )3( من االتفاقية".
العدد 7 104 آذار / مارس 2014 وجاء العهد الدويل الخاص بحقوق اإلنسان املدنية والسياسية خلو ا من النص عىل التدابري الخاصة وذلك بعد أن أخفق اقرتاح هندي بتضمني العهد نص ا بهذا الشأن. ولكن اللجنة املعني ة بحقوق اإلنسان التي تقوم باإلرشاف عىل تطبيق العهد كثري ا ما دعت يف تعليقاتها العامة إىل ات خاذ مثل هذه التدابري ملصلحة املرأة وأجزاء معي نة من السك ان واألقليات ورشيطة أن تكون مستندة إىل معايري معقولة وموضوعية" ((4(. وباملثل جاء العهد الدويل الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية خلو ا من النص عىل التدابري الخاصة ولكن لجنة الحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية التي ترشف عىل تطبيق الدول األطراف للعهد دعت الدول إىل اتخاذ تدابري خاصة موق تة بغية التعجيل بالوصول إىل املساواة كام ذهبت إىل أن "الدول األطراف قد تلزم بل أن عليها التزام ا يف بعض الحاالت بأن تعتمد تدابري خاصة لتخفيف أو كبح الظروف التي تديم التمييز". وأضافت اللجنة "وتكون تلك التدابري مرشوعة ما دامت متث ل وسائل معقولة موضوعية ومتناسبة للتصدي للتمييز بحكم الواقع ويتم التخيل عنها عندما تتحق ق املساواة ويجري التخيل عنها عندما تتحق ق مساواة موضوعية قابلة للدوام. غري أن تلك التدابري اإليجابية قد تحتاج يف حاالت استثنائية إىل أن تكون دامئة كتوفري خدمات الرتجمة الفورية لألقليات اللغوية وترتيبات معقولة تيرس لألشخاص ذوي اإلعاقات الحس ية الوصول إىل مرافق الرعاية الصح ية" )4)). تقييم التدابير الخاصة ال تعد التدابري الخاصة استثناء أو خروج ا عىل الحق يف املساواة. وهي ليست من قبيل التمييز أو من قبيل منح مزايا للبعض وحرمان البعض اآلخر منها. بل هي مبنزلة تعويض للجامعات املستهدفة عن معاناتها من التمييز أو هي مبنزلة تصحيح ألوضاع ظاملة سابقة ناجمة عن الالمساواة أو تصويبها. وال غنى عن هذه التدابري لتحقيق املساواة املوضوعية التام ة والفع الة )4)) وليس املساواة الشكلية أو الرسمية التي ينبغي أن يحرص كل من القانون الداخيل والقانون الدويل عىل عدم االكتفاء بها )4)) فاملساواة القانونية بني الرجل واملرأة ال تؤد ي 42 التعليقات العامة للجنة رقم: 4)1981( 18 )1989( 23 )1994( مجموعة التعليقات والتوصيات العامة ص 212 200 179 وانظر: Interights, Ibid, p 111. 43 التعليق العام للجنة رقم )2009( 20 مجموعة التعليقات والتوصيات العامة. 44 التعليقات العامة للجنة رقم: )1981( 4 18 )1989( 23 )1994( مجموعة التعليقات والتوصيات العامة ص 212. 200 179 45 انظر بهذا املعنى: التوصية العامة للجنة القضاء عىل التمييز ضد املرأة رقم 25 )2004( مجموعة التعليقات والتوصيات العامة ص 374. يف النتيجة إىل مشاركة املرأة يف مختلف امليادين بأعداد مساوية ألعداد الرجال )4)). ومن هنا تتأىت أهمية التدابري الخاصة التي ترمي إىل التعجيل يف تحقيق املساواة الفعلية أو املوضوعية فيام بينها. وكام ذهبت لجنة الحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية يف تعليقها العام رقم )16( بشأن املساواة بني الرجل واملرأة يف حق التمتع بجميع الحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية فإن كال من مفهوم "املساواة بحكم القانون )أو املساواة الشكلية( واملساواة بحكم األمر الواقع )أو الجوهرية( الفعلية هام مفهومان مختلفان ومرتابطان مع ذلك. وتتحق ق املساواة األوىل إذا تعامل القانون أو السياسة مع الرجل واملرأة مثال بطريقة محايدة. أم ا املساواة الجوهرية فتهتم عالوة عىل ذلك بتأثري القانون والسياسات واملامرسات العملية وضامن عدم إدامتها للمساوئ التي تعاين منها أصال فئات معي نة من الناس بل تخفيفها باألحرى )4)). وميكن القول إن الحق يف املساواة حق فردي. أم ا املعاملة التفضيلية فتتعل ق بحقوق الجامعة. ويتوارى حق الفرد يف عدم التعر ض للتمييز أمام حقوق الجامعة يف أن تعو ض عن التمييز الذي عانت أو تعاين منه وحق ها يف تصحيح األوضاع الظاملة التي عاشت أو تعيش فيها. غري أن هناك من ينتقد التدابري الخاصة إذ ال شك يف أن ها تفرض أعباء جد ية عىل الدولة بخاص ة إذا كانت واسعة االنتشار. يضاف إىل ذلك أن نظرة باقي فئات املجتمع إىل الجامعات املستفيدة منها نظرة سلبية عموم ا. ويؤث ر نظام الكوتا سلبي ا يف سوق العمل الذي يضطر لقبول أشخاص أقل قدرة عىل املنافسة ويف املؤسسات التعليمية التي تضطر هي األخرى لقبول طلبة غري مؤه لني مبا يكفي للدراسة. وال تسمح هذه التدابري بالرضورة بتطوير الجامعات املستفيدة منها وال بعودة العدالة واملساواة املفقودة. وليس هناك ما يدل عىل أن النتائج املتحص ل عليها يف هذا اإلطار هي عىل مستوى الغايات املرجو ة واألموال املهدورة والجهود املبذولة )4)). وتعود التدابري الخاصة بالنفع موق ت ا عىل الناس األكرث حظ ا ضمن املجموعات املستفيدة وذلك عىل حساب األقل حظ ا يف داخل املجموعات األخرى. والنتيجة هي أن كل مجموعة تنظر إىل نفسها منفصلة عن األخرى. 46 التوصية العامة رقم )2004( 25 للجنة القضاء عىل التمييز ضد املرأة بشأن التدابري الخاصة املوق تة مجموعة التعليقات والتوصيات العامة ص 379. 47 مجموعة التعليقات والتوصيات العامة املرجع نفسه ص 119. 48 محمد عرفان الخطيب "مبدأ عدم التمييز يف ترشيع العمل املقارن" مجل ة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية املجلد 24 العدد الثاين )2008( ص 78-77.
105 دراسات وأوراق تحليلي ة ومع هذه السياسة ال يعود هناك مث ة دافعية إىل العمل واإلنجاز لدى املستفيدين منها مثل طلبة الجامعات الذين يقبلون استثناء برصف النظر عن الكفاءة والجدارة وهم بالتايل يشعرون ويتوق عون أن ه ميكنهم الحصول عىل الشهادة الجامعية واالنخراط يف سوق العمل بالسهولة ذاتها. ويف املقابل يشعر الذين جرى التمييز ضد هم أن ه ال طائل من االجتهاد والجهد ألن اآلخرين وصلوا إىل ما وصلوا إليه دون وجود حاجة إىل ذلك. والنتيجة يف الحالتني هي انحدار املعايري الوظيفية واملهنية. واملجتمع ككل هو الخارس من تدين املستوى ومن إهامل الجدارة والكفاءة التي ينبغي أن تكون األساس الوحيد للتمي ز يف املجتمع. ويسهل عىل الدولة تطبيق سياسة تقوم عىل التمييز اإليجايب. ولكن ه قد يصعب وضع حد لهذه السياسة وذلك ألن أي محاولة يف هذا السبيل ستت هم بأن ها ال تأخذ يف الحسبان الحقوق املكتسبة )4)). ومهام يكن من أمر فإن اللجوء إىل التدابري الخاصة يبقى جوازي ا. وهو محاط مبجموعة من الرشوط الصارمة ألن ه وإن كان عادال أحيان ا إال أن ه يستهدف أو يستتبع دامئ ا تعطيل االعرتاف بالحق يف املساواة وعدم التمييز أو عرقلته. وتتعل ق هذه الرشوط بالجهة أو الجهات املستفيدة من هذه التدابري والغايات التي رشعت هذه التدابري من أجلها ومد تها املوق تة )وليس املطلقة أو املفتوحة أو غري املحد دة( التي يجب أال تتجاوزها. المبحث الثاني: استهداف تعطيل االعتراف بحقوق اإلنسان أو استتباعه أو عرقلته تحظر االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان أساس ا التمييز املبارش وغري املبارش. ولكن التمييز قد يت خذ أشكاال أخرى. المطلب األو ل: التمييز المباشر وغير المباشر يف معرض تعريف التمييز تشرتط االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان أن تستهدف تدابري التفرقة أو االستبعاد أو التقييد أو التفضيل أو تستتبع تعطيل االعرتاف بحقوق اإلنسان والحريات األساسية والتمتع بها أو مامرستها من جميع األشخاص عىل قدم املساواة أو عرقلتها فالتمييز يكون مبارش ا حني يكون من أغراضه purpose تعطيل االعرتاف بحقوق اإلنسان أو عرقلته. أم ا التمييز غري املبارش فيكون من آثاره effect ذلك. التمييز المباشر يقصد بالتمييز املبارش direct discrimination )يسم ى كذلك التمييز العلني أو الظاهر أو الواضح أو الرصيح( "معاملة فرد أو مجموعة من األفراد معاملة أقل حظوة أو أفضلية less favourable أو مواتاة من معاملة فرد آخر أو مجموعة أخرى من األفراد يف ظروف مامثلة أو مشابهة similar.or.analogues ولسبب أو أكرث من األسباب املحظورة للتمييز مثل العرق أو الجنس أو اإلعاقة وغري ذلك" )5)). ومثال هذا النوع من التمييز استبعاد القواعد واملامرسات والسياسات بعض األفراد أو منحهم األفضلية النتامئهم إىل مجموعة معي نة ال غري كإعالنات الوظائف التي تسمح للرجال وحدهم بالتقد م إىل الوظائف أو تلك املقترصة عىل خر يجي جامعات معي نة أو التي تستبعد ذوي البرشة السوداء من التقد م لشغل الوظيفة. ويدخل يف هذا النوع من التمييز كذلك عدم تعيني امرأة يف وظيفة ما أو فصلها عن العمل لكونها امرأة أو بسبب الزواج أو الحمل وحظر كل من خدم يف وظائف معي نة يف نظام سيايس سابق من شغل الوظيفة وعدم التعيني يف وظيفة أو الفصل منها ألسباب سياسية والتمييز يف األجر بني الرجل واملرأة وحظر تويل الوزارة وما يف حكمها عىل من يتمت ع بجنسية أجنبية. ومثاله كذلك قرص العمل يف مؤسسات الدولة عىل مجموعات معي نة من املواطنني أو عىل ذوي آراء معي نة ففي كل هذه األمثلة هناك معاملة أقل تفضيال لشخص من اآلخر بسبب الجنس أو العرق أو الجنسية أو الرأي السيايس. وهي معاملة تجعل األو ل يف مركز قانوين أدىن من مثيله للثاين. وال يشرتط يف التمييز املبارش مثله مثل بقية أشكال التمييز سوء الني ة أو نية التمييز لثبوته ففي قضية جنوب غرب أفريقيا )املرحلة الثانية: 1966( أمام محكمة العدل الدولية رد القايض تاناكا يف رأيه املخالف عىل ما زعمته جنوب أفريقيا من أن الغرض من سياسة الفصل العنرصي يف اإلقليم هو تعزيز رفاهية سك ان اإلقليم وتقد مهم االجتامعي. وقال إن سياسة الفصل العنرصي سياسة جائرة برصف 50 Oran Dyle, Direct Discrimination, Indirect Discrimination and Autonomy, Oxford Journal of Legal Studies, 27, (2007), pp. 537-538. 49 Baptiste Villenave, la discrimination positive: une presentation, Vie sociale, n 3 (juillet-septembre, 2006), available.25/4/2012, http://www.pleves.ens.fr/pollers/seminaires/seances/discrimination; Allain Renault, égalité et discrimination, un éssai de philosophie politique appliquée (Paris: Seuil, 1, 2007), p. 213.
العدد 7 106 آذار / مارس 2014 النظر عن الدافع وراءها لدى الدولة املنتدبة )5)). إذ ليس املهم إثبات سوء نية من يلجأ للتمييز وإمن ا األثر السلبي الذي يحدثه التمييز يف ضحاياه. ويحظر العهد الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية يف املادتني )2( و) 26 ( منه التمييز املبارش والتمييز غري املبارش عىل حد سواء )5)). وقد وجدت اللجنة املعني ة بحقوق اإلنسان املرشفة عىل تطبيق العهد عد ة حاالت من التمييز عىل أساس الجنس والتي مل يكن لها مرب رات موضوعية ومعقولة )5)). وباملثل نظرت املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان مرار ا يف حاالت من التمييز املبارش عىل أساس الجنس أو العرق أو الجنسية )5)). التمييز غير المباشر ي قصد بالتمييز غري املبارش Indirect discrimination )يسم ى كذلك التمييز الخفي أو املضمر أو املسترت( القوانني أو السياسات أو الربامج أو املامرسات التي تبدو محايدة أو عادلة يف ظاهرها أو للوهلة األوىل ولكن ها متييزية يف مضمونها practices that are fair in form but discriminatory in operation ملا لها من تأثري متييزي عند تنفيذها. ومن قبيل التمييز غري املبارش القوانني التي تفرض عقوبات أشد عىل املرأة من تلك التي تفرض عىل الرجل بسبب الزنا أو غريه من الجرائم واستبعاد نسبة كبرية من النساء العامالت بصورة خاصة من نطاق تطبيق قانون العمل )5)). ومثاله كذلك اشرتاط سن معي نة لشغل الوظيفة يحول دون متكني النساء اللوايت يتول ني العناية بأطفالهن من الرتش ح للوظيفة واشرتاط التفر غ التام للوظيفة الذي يؤد ي بالرضورة إىل عدم متك ن نسبة كبرية من النساء إىل الرتش ح لها )5)). ويدخل يف هذا النوع من التمييز كذلك اشرتاط املوافقة األمني ة لتويل الوظائف.)1966,July 18(,South West Africa Cases, second phase, ICJ Report 51 وهذا ما ذهبت إليه كذلك املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان ECHR,ser. A/NO.6, para. 10. 52 التعليق العام للجنة حقوق اإلنسان رقم )1989( 18 مجموعة التعليقات والتوصيات العامة املرجع نفسه ص 200 انظر أيض ا التوصية العامة رقم )1993( 14 للجنة القضاء عىل التمييز العنرصي املرجع نفسه ص 280 والتعليق العام رقم )2009( 20 التعليق العام للحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية وثيقة األمم املتحدة E/C. 12/GC/20. 53 Interights, Ibid, p. 73. 54 Ibid, p. 77. 55 التعليق العام للجنة حقوق اإلنسان رقم )2000( 28 بشأن املساواة يف الحقوق بني الرجال والنساء مجموعة التعليقات والتوصيات العامة املرجع نفسه ص 237. 56 Eurofound.discrimination, http://www.eurofound.europa.eu/emire/ireland/discrimination-ir.htm. واشرتاط ذكر الدين أو مكان الوالدة يف الهوي ة أو يف جواز السفر والذي قد ميه د بدوره للتمييز. وتقوم الحاالت السابقة من التمييز غري املبارش وهي أكرث تعقيد ا من التمييز املبارش عىل املواربة يف اإلفصاح عن الدافع التمييزي للقوانني واملامرسات والسياسات التمييزية. وهي تعد من قبيل التمييز املحظور إذا مل يكن الغرض املنشود منها مرشوع ا وليس لها ما يرب رها ومل تكن الوسائل املستخدمة متالمئة ورضورية لتحقيق هذا الغرض. وال تشري االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان رصاحة إىل التمييز غري املبارش. ولكن هذا النوع من التمييز مشمول ضمن ا يف االتفاقية )5)). وهذا ما أي ده كذلك قضاء املحكمة األمريكية لحقوق اإلنسان واللجنة األفريقية لحقوق اإلنسان والشعوب )5)). ومثله مثل التمييز املبارش يقع التمييز غري املبارش برصف النظر عن الني ة أو القصد فالني ة املبي تة للتمييز ال تشرتط لثبوته. ولكن استثناء فإن كال من الدستور وقانون الحقوق املدنية األمريكي ني يشرتطان إثبات قصد التمييز يف التدابري التي ظاهرها غري متييزي ولكن آثارها متييزية لوجود التمييز غري املبارش )5)). المطلب الثاني: صور التمييز األخرى من املمكن أن يقع التمييز ألكرث من سبب. وهناك حاالت يدق فيها األمر: التمييز المتعد د يقصد بالتمييز املتعد د Multiple discrimination )يسم ى كذلك املضاعف أو املرك ب أو الرتاكمي أو املشد د أو املتقاطع )Intersectional خضوع الشخص لتمييز متعد د األشكال يقوم عىل أكرث من سبب من أسباب التمييز املحظور. كام أن الحق يف املساواة وعدم التمييز يتقاطع مع الحقوق األخرى. ويت خذ التمييز املتعد د عدة صور فنحن نصادف هذا النوع من التمييز كام ذهبت لجنة القضاء عىل التمييز العنرصي يف توصيتها العامة رقم )25( يف فئات "النساء الاليت قد يعانني إضافة إىل معاناتهن من التمييز املوج ه ضد هن بسبب كونهن نساء من التمييز 57 Interights, Ibid, p 47. 58 Shelton,Ibid, p. 280. 59 Ibid., p. 83.
107 دراسات وأوراق تحليلي ة بسبب االنتامء إىل أقل ية عرقية أو دينية أو بسبب اإلعاقة أو السن أو الطبقة أو الطائفة االجتامعية أو غري ذلك من العوامل" )6)). وتويل االتفاقية الدولية لحقوق األشخاص ذوي اإلعاقة عناية خاصة بهذا النوع من التمييز فديباجة االتفاقية تلفت النظر إىل "الظروف الصعبة التي يواجهها األشخاص ذوو اإلعاقة الذين يتعرضون ألشكال متعددة أو مشد دة من التمييز عىل أساس العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السيايس وغريه من اآلراء أو األصل الوطني أو العرقي أو االجتامعي أو امللكية أو املولد أو السن أو أي مركز آخر". كام أن ها "تعرتف بأن النساء والفتيات ذوات اإلعاقة غالب ا ما يواجهن خطر ا أكرب يف التعر ض سواء داخل املنزل أو خارجه للعنف أو اإلصابة أو االعتداء واإلهامل أو املعاملة غري الالئقة وسوء املعاملة أو االستغالل" )6)). وتقر املواد )6( و) 7 ( و) 24 ( رصاحة بالتمييز املتعدد الذي تواجهه النساء والفتيات املعوقات وباالحتياجات الخاصة لألطفال املعوقني وال سي ام يف ما يتعلق بالتعليم. ويدعو إعالن األمم املتحدة لحقوق الشعوب األصلية لعام 2007 يف املادة )21( )1( الدول إىل إيالء اهتامم خاص بالحقوق واالحتياجات الخاصة للمسن ني والنساء والشبان واألطفال واألشخاص ذوي اإلعاقة من الشعوب األصلي ة )6)). وكثري ا ما تنظر املحاكم الدولية وهيئات معاهدات حقوق اإلنسان يف قضايا تتعلق بخرق أكرث من حق من حقوق اإلنسان فقد أتيح للمحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان عىل سبيل املثال أن تنظر يف قضايا متييز عىل أساس كل من العرق والجنس )6)). وما انفك النهج السائد يف املحاكم الوطنية يرك ز عىل األسباب الفردية للتمييز حتى ولو كان القانون يشمل الحامية من التمييز لعدة أسباب )6)) ففي بريطانيا مثال ال يجيز قانون املساواة الربيطاين لعام 2010 االد عاء بالتمييز القائم عىل أكرث من أساس. وال يجيز القانون الجمع بني التمييز املبارش وغري املبارش يف دعوى واحدة. وعىل سبيل املثال ال يجوز المرأة معاقة أن تد عي أن ها ضحية متييز مبارش عىل 60 التوصية العامة رقم )2000( 25 للجنة مناهضة التمييز العنرصي مجموعة التعليقات والتوصيات العامة ص 374 وانظر أيض ا التعليق العام رقم )2009( 20 للجنة الحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية الفقرة 17. 61 الفقرتان )ع( و )ف( عىل التوايل. 62 منظمة العمل الدولية "املساواة يف العمل: التحد ي املستمر" تقرير املدير العام جنيف 2011 ص 16. 63 قضية عبد العزيز كبايل ضد اململكة املتحدة وقضية لوفيالس Lovelace ضد كندا انظر: Interights, Ibid, p. 242 64 منظمة العمل الدولية تقرير املدير العام املرجع نفسه ص 16. أساس اإلعاقة وضحية متييز غري مبارش بسبب الجنس يف دعوى واحدة وذلك ألن ه ال يكون من الواضح أي من األساسني كان وراء املعاملة التمييزية )6)). التحر ش ظاهرة العنف ظاهرة متفش ية ولها أثر ال ينكر عىل مبدأ املساواة وعدم التمييز. والعنف القائم عىل أساس نوع الجنس هو شكل من أشكال التمييز يكبح قدرة املرأة عىل التمتع بحقوقها وحرياتها عىل قدم املساواة مع الرجل. وهذا ما ذهبت إليه لجنة القضاء عىل التمييز ضد املرأة يف التوصية العامة رقم 29 ) 1992 ( إذ قالت "إن تعريف املادة األوىل من اتفاقية التمييز ضد املرأة يشمل"العنف القائم عىل أساس نوع الجنس أي العنف املوج ه ضد املرأة بسبب كونها امرأة أو العنف الذي ميس املرأة عىل نحو جائر. ويشمل األعامل التي تلحق بها رضر ا أو أمل ا جسدي ا أو عقلي ا أو جنسي ا والتهديد بهذه األعامل واإلكراه وسائر أشكال الحرمان من الحرية" )6)). ويشمل العنف املبني عىل أساس الجنس االعتداء الجنيس واالستغالل التجاري للمرأة يف الجنس واالت جار باإلنسان. ورمب ا تكون أكرث أشكال العنف القائم عىل أساس الجنس انتشار ا تلك املرتكبة يف املامرسات واملواقف التقليدية مبا يف ذلك املامرسات الثقافية مثل ختان املرأة واإلجبار عىل الزواج وإصابتها بالعقم واالجهاض القرسي ني والعنف األرسي الذي يشمل الرضب واالغتصاب وغريهام من أشكال االعتداء الجنيس والعنف النفيس. ويقصد بالتحرش Harassment كل سلوك غري مرغوب فيه يهدف إىل الحط من كرامة شخص ما وخلق بيئة من الخوف أو العداء أو اإلهانة أو التحقري أو الكراهية له وذلك لسبب من أسباب التمييز املعروفة أو يستتبع ذلك )6)). وتشمل املضايقة الجنسية أي سلوك مقيت ومتعم د أساسه الجنس مثل املالمسات البدنية والعروض املادية واملالحظات ذات الطابع الجنيس وعرض املواد اإلباحية واملطالب الحس ية سواء بالقول أو بالفعل. وميكن أن يكون هذا السلوك مهين ا ويتسب ب يف مشكالت للصح ة والسالمة وهو متييزي عندما تعتقد املرأة ألسباب معقولة أن اعرتاضها أو احتجاجها عليه 65 The Human Rights Trust, Review, vol. 5, (2010), p. 16. 66 مجموعة التعليقات والتوصيات العامة املرجع نفسه ص 336. 67 انظر: املادة )3( 2 من كل من التوجيه األورويب الخاص باملساواة يف املعاملة بني األشخاص برصف النظر عن األصل العرقي أو اإلثني والتوجيه األورويب الخاص باملساواة يف املعاملة يف الوظيفة واملهنة لعام 2000. وتأخذ أغلبية الدول األوروبية بهذا التعريف.
العدد 7 108 آذار / مارس 2014 ييسء إىل وضعها يف العمل مبا يف ذلك توظيفها أو ترقيتها أو عندما يخلق بيئة عمل معادية )6)). وتنشأ قضايا التحر ش مبا يف ذلك التحرش الجنيس أساس ا يف مكان العمل ولكنه قد يقع خارجه. والنساء األكرث عرضة له هن من الشابات غري املستقالت مادي ا وغري املتزوجات أو املطل قات واملهاجرات. ويقع التحرش عادة من أشخاص تخولهم مراكزهم قدر ا من السلطة مثل املدر س يف عالقاته بالطلبة أو الطبيب يف عالقاته باملرىض أو املوظ ف أو رجل الرشطة يف عالقاتهام بالجمهور. وتثار يف هذا الصدد مسؤولية صاحب العمل عن أفعال التحر ش التي يرتكبها عامل لديه ضد العام ل اآلخرين أو ضد العمالء )6)). التمييز المفترض والتمييز بسبب الرابطة أو الصلة ومثال التمييز املفرتض أو املتصو ر assumed, perceived متييز شخص ما ضد شخص آخر اعتقاد ا منه أن ه يعاين من إعاقة مع أن ه ليس كذلك ورفض صاحب عمل تعيني شخص اعتقاد ا منه أن ه أسود يف حني أن ه ليس كذلك فهذان نوعان من التمييز املبارش أو لهام عىل أساس اإلعاقة وثانيهام عىل أساس العرق. ويقوم التمييز بسبب الرابطة أو الصلة associated عىل أساس الرابطة أو الصلة الفعلية أو املفرتضة بني الشخص املمي ز ضد ه وشخص آخر هو املقصود بالتمييز ومثاله حرمان شخص من غري الغجر Roma يرافق شخص ا من الغجر من الدخول إىل محل عام ورفض تأجري زوج وزوجة ألن أحدهام أسود أو سوداء والتمييز ضد أب طفل ذي إعاقة )7)). وعىل صعيد القوانني الداخلية تحظر القوانني اإلنكليزية واأليرلندية والبلغارية هذين النوعني من التمييز. ويف فرنسا يستخدم القانون الفرنيس مصطلح التمييز عىل أساس العرق "الحقيقي أو املتخي ل". ويف هولندا يحظر القانون التمييز بسبب اإلعاقة السابقة أو التي قد توجد يف املستقبل. ويوسع القانون النمساوي الحامية لتشمل األقارب الذين يتول ون العناية باألشخاص ذوي اإلعاقة )7)). 68 "التوصية العامة للجنة القضاء عىل التمييز ضد املرأة رقم )1992( 19 املتعلقة بالعنف ضد املرأة" الفقرة 18 مجموعة التعليقات والتوصيات العامة املرجع نفسه ص 338. 69 Chopin & Gounari, Ibid., p. 28-29. 70 "التعليق العام رقم 20 للجنة الحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية" الفقرة 16 مجموعة التعليقات والتوصيات العامة املرجع نفسه. 71 Chopin & Gounari, Ibid., p. 24. المبحث الثالث: أسس التمييز المحظور )المجموعات المستهدفة من التمييز( ليست كل تفرقة يف املعاملة بني األفراد والجامعات هي من قبيل التمييز املحظور يف القانون الدويل فال بد للتمييز من أن ينبني عىل أسباب غري مرشوعة وأن ال يكون له أسباب غري موضوعية والمعقولة. ((7( وال تكتفي االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان والقوانني الوطنية بالنص عىل مبدأ املساواة وعدم التمييز وإمن ا تردف ذلك بذكر أسباب معي نة للتمييز املحظور التي ال يقوم التمييز من دونها فالتمييز يؤد ي إىل إنكار املساواة يف املعاملة بني فرد أو آخر أو بني مجموعة أفراد ومجموعة أخرى منهم ألن ه أو ألن هم ينتمون إىل جامعة أو فئة معي نة يف املجتمع. ومبعنى آخر يجب أن تعزى التفرقة املحظورة يف املعاملة إىل الوضع الخاص للفرد املمي ز ضد ه بوصفه عضو ا يف مجموعة ميكن التعر ف إليها مختلفة عن املجموعة املمي ز ملصلحتها. وعىل سبيل املثال فقد خلصت اللجنة املعني ة بحقوق اإلنسان يف قضية B.D.B. ضد هولندا إىل أن قيام الجهة اإلدارية الحكومية بإبالغ بعض أطباء العالج الطبيعي بااللتزام بالتأمني دون البعض اآلخر منهم ال يعد من قبيل التمييز املحظور وذلك ألن األطباء البيطريني املمي ز ضد هم ليسوا فئة مختلفة عن أقرانهم املمي ز ملصلحتهم وال ينتمون إىل أي من املجموعات التي يحظر التمييز ضد ها رصاحة أو ضمن ا مبوجب العهد الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية )7)). وقد أد ى تنو ع دوافع التمييز أو بواعثه إىل ظهور صكوك دولية عديدة تختلف يف تناولها هذه املسألة. وهذا ما سنقف عليه قبل أن نقف عىل مسألة التدر ج بني األسس التي يقوم عليها التمييز والتي ينبغي دراستها بصورة مستقل ة. المطلب األو ل: تنو ع دوافع التمييز أو بواعثه تختلف االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان يف تناولها دوافع التمييز أو بواعثه. وتكتفي بعض هذه االتفاقيات بأساس أو باعث واحد أو أكرث للتمييز. وهذا ما نجده يف كل من االتفاقية الدولية للقضاء عىل جميع أشكال التمييز العنرصي لعام 1965 التي تحظر التمييز عىل أساس العرق واللون والن سب واألصل الوطني أو اإلثني واتفاقية 72 يكتفي التعديل الرابع عرش للدستور األمرييك بالنص عىل عدم جواز حرمان أي دولة املقصود والية - ألي شخص يخضع لواليتها من املساواة يف التمتع بحامية القانون. كام أن املادة 33 من الدستور املرصي لعام 2012 اكتفت بالنص عىل مبدأ املساواة بني املواطنني يف الحقوق والواجبات العامة ال متييز بينهم يف ذلك دون بيان أسباب التمييز املحظور. 73 Shelton, Ibid., p. 281