أمهية تزكية النفوس.. وخاصة الدعاة 1994/11/42 احلمد هلل مث احلمد هلل احلمد محدا يوايف نعمه ويكافئ مزيده يا ربنا لك احلمد كما ينبغي جلالل وجهك ولعظيم سلطانك سبحانك اللهم ال أحصي ثناءا عليك أنتكما أثنيت على نفسك وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا حممدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خري نيب أرسله أرسله اهلل إىل العاملكله بشريا ونذيرا. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا حممد وعلى آل سيدنا حممد صالة وسالما دائمني متالزمني إىل يوم الدين وأوصيكم أيها املسلمون ونفسي املذنبة بتقوى اهلل تعاىل. أما بعد فيا عباد اهلل: إن اإلنسان -كل إنسان- له صورتان اثنتان: صورة ظاهرة جلي ة تتمث ل يف خلق ه وأعماله وسلوك ه يصل إىل اهلل عز وج ل بواسط ة الظ اهرة وصورة باطنة خفي ة تتمث ل يف طبائع ه وسجاياه وخلقه. واإلنسان حتسني صورته الباطنة أكثر مم ا يصل إىل مرضاة اهلل عز وج ل بواسطة جتميل صور ته الظ اهرة. بل إن نا لنعلم يقينا أن اهلل سبحانه وتعاىل ما ألزم عباد ه بالس لو ك املستقي م وباليقني القو مي وباملظه ر الذي يرضي اهلل والعباد إال ليكون ذل ككل ه خادما لتقومي الص ورة الباطنة وجلعلها على الن حو الذي يرضي اهلل سبحانه وتعاىل. فالعقائد اإلسالمي ة اليت شر فنا اهلل عز وج ل هبا والعبادات اليتكل ف نا هبا وأحكام املعامالت اليت در ب نا ورو ض نا عليها كل ذلك إ ن ا ش ر عه اهلل عز وج ل خادما لرتقية هذه الص ورة الباطنة أي الط بائع والس جايا واألخالق اخلفي ة يف كيان اإلنسان. وانظروا عندما يوجز اهلل سبحانه وتعاىل سبيل سعادة اإلنسا ن الس بيل يفكلمة واحدة فيقول: ))قد أفلح من زك اها((. وعندما يوجز البيان جيمع الن قيض أيضا يفكلمة واحدة فيقول: ))وقد خاب من دس اها((. يف هذه احلياة كيف جيمع هذا الذي يوضح نقيض ذلك 1
))قد أفلح من زك اها(( والض مري عائد إىل الن ف س أي إىل الص ورة الباطنة يف كيان اإلنسان وكأ ن الباري عز وجل يقول: إن كل ما شرعته لكم يدور حول هذا اهلدف: أن تزك وا أنفسكم وأن تطه روا بواطنكم من األدران والر ذائل. ولعل كم مجيعا قرأمت يف كتاب اهلل سبحانه وتعاىل اآليات اليت تكر ر وتؤ ك د هذا املعىن اإلمجا يل لشرائ ع اإلسالم املختلفة اليت ابتعث اهلل عز وجل هبا الر سل واألنبياء. أمل يعل م نبي ه موسى عليه الص الة والس الم كيف ينجز املهم ة اليت بع ث هبا إىل فرعو ن عندما قال له: ))فقل هل لك إىل أن تزك ى * وأهديك إىل يتمث ل يف كلمة واحدة أال وهي تزكية الن فس أي رب ك فتخشى(( بدأ فأوضح له اهلدف واهلدف إصالح الباطل أي الس مو باخللق اإلنساين اخلف ي الذي يفرز املعامالت الظ اهر ة املرضية عند اهلل ع ز وجل بني الن اس بعضهم مع بعض. ولعل نا مجيعا عرفنا مث نسينا الكال م املتكر ر الذي يقوله سي دنا رسول اهلل صل ى اهلل عليه وسل م يف جبل رضي اهلل عنه أن ه قال: )كان آخر ما هذا الص دد روى اإلمام مالك يف موط ئ ه عن معاذ بن أوصاين به رسول اهلل صل ى اهلل عليه وسل م عندما وضع ت قدمي يف الغرز: "أحس ن خلق ك للن ا س يا معاذ ب ن جبل"(. وقوله: عندما وضع ت قدمي يف الغرز: أي عندما وضع ت قدمي يف ركا ب راحليت متوج ها إىل اليمن أو متوج ها إىل البحرين آخر ما أوصاه به رسول اهلل صل ى اهلل عليه وسل م وهو مت جه إىل أناس أكثرهم أو جل هم غري مسلمني آخر ما أوصاه به: "يا معاذ بن جبل أحسن خلق ك للن اس". ولعل كم مسعتم قول رسول اهلل صل ى اهلل عليه وسل م فيما رواه احلاكم يف مس تدرك ه وصح حه وغريه أيضا عن أيب هريرة رضي اهلل تعاىل عنه: "إن كم ال تسعون الن اس بأموالكم" ويف رواية : "لن تسعوا الن اس بأموالكم فلتسعكم منهم بسطة الوج ه وحسن اخللق". وانظروا إىل كمة الن اس وعموم هاكي ف مشلت اجلاحنني عن اإلسال م قبل املستقيم ني على دين اهلل سبحانه وتعاىل. ولعل كم وقفتم على احلدي ث الص حيح الذي يقوله رسول اهلل صل ى اهلل عليه وسل م وهو من جوامع كلم ه: "ات ق اهلل حيثما كنت وأتبع الس ي ئة احلسنة متحها وخال ق الن ا س خبلق حسن". ولعل كم عرفتم معىن قوله عليه الص الة والس الم: "إ ن ا بع ثت ألمت م مكارم األخالق". أي: حول هذا أدندن سواء عل متكم العقائد اإلسالمي ة أو در بتكم على العبادات الد يني ة أو نب هتكم إىل املعامال ت اليت ينبغي أن تسود فيما بينكم كل هذه األحكا م إ ن ا شرعها اهلل عز وج ل هادفة إىل أن ترقى أخالقكم يف الت عامل فيما بينكم إىل املستوى الم ر ضي عن د اهلل سبحانه وتعاىل. 4
وإذا أردنا أن نتجاوز هذه الوصايا والكلما ت الن ظري ة إن يف كتاب اهلل عز وجل وإن يف كالم سي د نا رسول اهلل صل ى اهلل عليه وسل م فبوسعكم أن تروا جتسيد هذا الكال م النظر ي يف سلوك رسول اهلل صل ى اهلل عليه وسل م. وإن كم لتعلمون أن الوقت يضي ق عن احلدي ث عن سرية رسول اهلل صل ى اهلل عليه وسل م يف هذا املضمار وعن مشاهد حيات ه اليت جتعلنا نق ف مشدوه ني أمام أخالق إنساني ة س امية إىل أعلى درجات الس مو وحسبكم أن هذا الواقع قد تو جه تقريب رب العامل ني جل جالله ورسول ه حمم د علي ه الص الة والس الم عندما يقول له: ))فبما رمحة من اهلل لنت هلم ولو كنت فظ ا غليظ القلب النفض وا من حولك((. أال ما أحوج نا يا عباد اهلل إىل أن نستعي د هذه احلقائ ق اليتكانت إىل األمس الد اب ر بدهي ة يف دين نا نسوها أو تناس وها فرحلوا عن هذه الوصايا اليت أوصانا معلومة لنا مجيعا ولكنكأين باملسلم ني وقد هبا رسول اهلل صل ى اهلل عليه وسل م وظهر يف سلوكهم بل ظهر يف أسلوب دعوهتم إىل اهلل سبحانه وتعاىل ما يناقض سرية املصطفى عليه الص الة والس الم يف سلوكه وما يناقض وصاياه يف ألفاظه وأقواله وما خيتلف مع ما أمر به اهلل سبحانه وتعاىل يف حمكم تبيان ه وكتابه. وقد آل بنا األمر إىل أن أصبحنا نزج وبقدرة خارقة وحبيلة متناهية يف احلنق والد راية أصبحنا نستطيع أن نز ج ب ني مشاع ر نفوس نا وكراهيت ها وبني أسلوب الد عوة إىل اهلل عز وجل أصبحنا قادري ن بدق ة متناهية أن نزج بني الغضب هلل والغضب ألنفس نا ولقد كان من الواجب علينا أن نكو ن ماهرين يف عكس ذلك كان من الواج ب علينا أن نكون م ه رة يف وضع احلاجز الد قي ق بني الغض ب هلل سبحانه وتعاىل و الت ضحية بالن فس نضح ي وجل ح ت إذا رأينا أ ن بأنفس نا وحظوظ ها نضح ي برغبات نا نضح ي بأ ث رت نا يف سبيل مرضاة اهلل عز حدود اهلل انته كت غ ضبنا هلذه احلدود اليت تنت ه ك ويف الوقت ذات ه مل نرت ك املبدأ الذي أ م رنا به اهلل عز وجل أال وهو حس ن اخللق أال وهو صفاء الس ريرة ح ت جنعل من صفاء سريرت نا قو ة النتصار نا حلدود اهلل سبحانه وتعاىل. أي ها اإلخوة: لقد قلت باألمس وأقوهلا اليوم: إن أعداء دين اهلل عز وجل حيثما صو بنا بنظرات نا عاكفون اليوم على مهم ة ال أحسب أ ن هلا مهم ة ثانية إ ن م ميسكون بريشة يرمسون هبا اإلسال م على أن ه أمر خميف وحش ضار هو عدو احلضارات وعدو املدني ات وعدو ك ل حر ي ة ومن خالل ذل ك بريشتهم املليئة بأفانني احلق د واملكر واألكاذيب يصو رو ن بريشتهم يرمسون املسلمني أيضا إ ن م يصو رون هذه واقع املسلمني ليجعلوا من هذا الواق ع تعبريا عن اإلسال م ذاته وليكون هذا وذا ككال منهما دعما للث اين وليقو ل هذا املظهر أو لتقول هذه الص ورة: إن اإلسالم يف مظهر هؤالء املسلم ني شيء خميف يف 3
يتعامل إال مع اإلرهاب مع الت هد مي والت حطيم. شيء ال تعب ر عنه هذا العصر شيء مرعب شيء ال كلمات متجملة ولكن الذي يعب ر عنه األسنان اليت تصت ك حقدا وأملا وكراهية وال صورةكما تعلمو ن كاذبة والعمل كما تعلمون إ ن ا ينبث ق من عداوة تقليدي ة دفينة لدين اهلل سبحانه وتعاىل. تتمث ل يف وهنالك دافع ثانوي كما تعرفون: أن نا نعيش وهلل احلم د يف عص ر صحوة إسالمي ة حقيقي ة بالد املسلمني يف عودة املسلم ني وانعطافهم إىل دين اهلل يعانقونه بصدق ووجل وحب هلل سبحانه وتعاىل وتتمث ل هذه الص حوة يف بالد كثرية غري إسالمي ة يف إقبال أولئك الن ا س إىل الت عر ف على اإلسالم وإىل البحث عن حقيقته لعل في ه األمل الوحي د الذي تقاصر عن اآلمال األخرى والذي حتو ل إىل يأس خانق. هذه الص حوةكيف حيارهبا أعداء اإلسالم حيارهبا بوضع هذه الص ورة البشعة هذه الص ورة املخيفة لعل ها جتهض هذه الص حوة يف بالد غري إسالمي ة أو ال وفيما ب ني املسلم ني ال سي ما لدى حك امهم ثانيا فما الذي ينبغي أن نعمله وقد عرفنا هذه احلقيقة الذي ينبغي أن نقوم به بصمت بسلوك قبل قول أن نظه ر اإلسالم يف واقعنا الس لوكي وأن يستعلن هذا الس لو ك الذي نسري ب ه واقعا صامدا ال مع دعاو وألفاظ وكلمات رن انة بل سلوكا فقط لنجعل من إسالمنا الس لوكي ما جيس د قول رسول ا هلل صل ى اهلل عليه وسل م: "يا معاذ: أحس ن خلق ك للن اس إ ن ا بع ثت ألمت م مكارم األخالق إن كم لن تسعوا الن اس بأموالكم فلتسعكم منهم بسطة الوج ه وحسن اخللق". )فبما رمحة من اهلل لنت هلم ولو كنت فظ ا غليظ القل ب النف ضوا من حولك(. ينبغي أن جنعل من سلوك نا جتسيدا لوصايا رب نا جل جالله لنا ولوصايا حبيب نا حمم د علي ه الص الة والس الم لنا الس بل فلنهتد بسل وكه ولننظر إىل واقعه. فإن التبست علينا أي ها اإلخوة: املسلمو نكل هم مدعو ون يف هذا اليو م إىل عمل يرضي اهلل عز وج ل يهدف إىل متزي ق هذه الص ورة القذرة اليت يص و ر من خالهل ا اإلسالم بريشة أولئك احلاقدي ن على دين اهلل سبحانه وتعاىل وليس من سبيل إىل ذلك إال أن نربه ن على أن نا حن ن املسلم ني ال نطمع بشيء غري مرضاة اهلل ع ز وجل رأس مال نا يف الد عوة احل ب حب اهلل عز وج ل ومن مث حب عباد اهلل ع ز وجل مجيعا حنن ال مغنما ال نبتغي من وراء ذل ككراسي وراء ذلك جتارة ال نبتغي من وراء ذلك حكم ولكن نا نبتغي من نبتغي أن ننتش ل عباد اهلل عز وج ل من ظلمات اجلهال ة ومن ظلما ت الض اللة ونصعد هبم إىل عروش معرفة اهلل سبحانه وتعاىل ليتبو ؤوا الس عادة الد نيوي ة والس عادة األخروي ة معا. كيف نربهن على هذا بسلوك نا نربهن ال بأقوال نا فإذا برهن املسلمو ن على هذا وأخلصوا دينهم وسل م من حب لعباد اهلل ومن هلل عز وجل وفاضت أفئدهتم مبا فاض به فؤاد رسول اهلل صل ى اهلل عليه 2
غرية عليهم ومن إشفاق عليهم ومن وضعه الد نيا بكل مظاهرها وبكل زخارف ها ظهر يا ورائهم هيمنت هذه الفئة اإلسالمي ة على قلوب الن اس وأورثهم اهلل سبحانه وتعاىل مقاليد هذه األفئدة وهذا هو املهم هذا هو الس بيل إىل كل نصر بعد ذلك ولكن إن مل نست طع أن نز ق هذه الص ورة اليت ترس م لإلسال م واملسلمني فأخشى أن تعود جهودنا كل ها فاشلة خائبة ال تفيدنا ال يف دنيانا وال يف ملل نا عند اهلل عز وجل شيئا. أسأل اهلل سبحانه وتعاىل أن يصل ح سرائر نا قبل أن يصل ح ظواه ر نا وأسأل اهلل عز وج ل أن يقي نا باطن اإلمث وأسأله سبحانه وتعاىل أن ميأل أفئدتنا مبحب ته جل جالله مث أن جيعل فيض هذه ابحمب ة حب ا لعباد اهلل وغرية عليهم وشفقة عليهم أقول قويل هذا وأستغفر اهلل العظيم... 5