160 اخلام س للغة العربية اللغة العربية بني سلطة الأ صل )الهوية( وحتديات الوافد )العوملة( اأ. نور الهدى مباركية يف عامل ثالث يتنازع دائما بني ثنائيات و ضدية و سجاالت معرفية تعاين اللغة العربية من اإق صاء جزئي يف ظل هيمنة اللغة ا إالجنليزية والتي هي لغة العوملة الرئي سية هذه الظاهرة التي ارتبطت بادئ االأمر باملجال االقت صادي ثم تعدته اإىل ال سيا سة واالجتماع والثقافة فرفعت احلواجز بني ال شعوب من خالل التقدم التقني لو سائل االت صال وفتحت الباب على م صراعيه اأمام تدفق الثقافة الغربية وا أالمريكية خا صة ولعل العوملة من أاخطر الظواهر املعا صرة التي تواجه ا أالمة العربية واالإ سالمية ولعل مبعث اخلطر فيها اأنها ت ؤوثر على هوية ال شعوب وثقافتها ومبا أان اللغة عن صر مهم من عنا صر الثقافة فاإن اللغة العربية لي ست مبناأى عن هذا فقد ت أاثرت اللغة العربية بالعوملة الثقافية يف عدة جوانب ومن هنا كان لزاما أان تتنازع اللغة العربية بني ثنائيتني "حتدي العوملة و سلطة الهوية". انطالقا مما سبق والأن االإن سان ما هو إاال لغة وهوية فقد أاثرت العوملة على اللغة العربية من عدة اأوجه ووجدت اللغة نف سها بني " سلطة وحتدي" فما هو واقع اللغة العربية يف ظل ذلك هل ستنازع ال سلطة )الهوية( من اأجل احلفاظ على ذاتها أام سيكون للتحدي )العوملة( سالح اآخر يف ذلك املبحث الأول: إ ضاءة مل صطلحات العوملة اللغة الهوية الثقافة: تقت ضي طبيعة البحث أر ضية م صطلحاتية البد من الوقوف عليها إذ أن هذه امل صطلحات حتدد الإطار العام للإ شكالية ولذلك وجب أن نقوم بال ضبط لها حتى نتجاوز الإطار الإ شكايل لكل منها أ/ العوملة: تقت ضي ال ضرورة املعرفية أن نركز على املرجعيات االب ستيمية لهذا امل صطلح إذ أن م صطلح العوملة "ظهر يف الت سعينيات من القرن املا ضي أما تاريخ ظهور مفهومها فهو املختلف فيه بني الباحثني" 1 ومل يكن م صطلح العوملة كغريه نا شئا من فراغ إمنا كان نتيجة تفاعل بني الأو ضاع احلياتية )اقت صادية اجتماعية ثقافية تكنولوجية سيا سية...( وكما هو معلوم أنها ارتبطت بادئ الأمر باملجال االقت صادي ثم تعدته إىل املجاالت أالخرى وهي ب شتى أنواعها تعترب غزوا فكريا عقائديا اقت صاديا ثقافيا أخلقيا و إعلميا... إن مفهوم العوملة مرتبط بالتحوالت التي تعي شها املجتمعات املعا صرة مبا ي شبه الثورات الكربى التي قادت العامل احلديث نحو املجتمع ال صناعي وهي ثورات وحتوالت حتدث على م ستوى العامل يف حلظات متقاربة ومن خللها تعمم املفاهيم و الأذواق على ذات النطاق لت صبح كونية شاملة. "وعك س املفهوم نظاما يف املجتمع شمل االقت صاد والثقافة وال سيا سة مغاير متاما للنظام القدمي إذ أن مفهوم التقادم تبدل فالتف سري هنا بات شبه يومي بل لقد رافقت نظرية العوملة طغيان املفهوم االقت صادي بحيث أ صبحت تعرب عن ن شاط ر أ س املال ومقدار تداخله يف العامل وحتول العامل إىل سوق ا ستهلكية كربى ملنتجات ال شركات ال صناعية الأكرب حجما" 2 ويف ظل ذلك بدا البعد الثقايف مهمل من جهة التاأثري والتبادل أما من حيث التلقي فاإنه ميكننا أن نقول أنه " انت صار ال شمال املتفوق على اجلنوب املتخلف" 3 والأن الثقافة العاملية لي ست سوى الثقافة الغربية كان لزاما أن تعمم وت صري ذوقا واحدا يفر ض على كل الب شر دون اعتبار الأية اختلفات أو متايزات ح ضارية. إن البع ض يرى أن العوملة لي ست مبتكرة أو وليدة الع صر احلا ضر إمنا
161 اخلام س للغة العربية هي قدمية جدا ولها جذور را سخة يف التاريخ وهي عملية جارية على نحو واع أو غري واع منذ بداية تاريخ الإن سان على أالر ض "ويقدم لنا تاريخ الب شرية أعدادا كبرية من مناذج العوملة منها: ا ستقرار ال سومريني جنوبي بلد الرافدين القادمني من أوا سط أو شرق آ سيا وال سبي البابلي واحتلل الآ شوريني مل صر وتو سيع الإمرباطورية الرومانية وحلم الإ سكندرية الكبري بتاأ سي س إمرباطورية "عاملية" ت ضم قارات العامل القدمي يف كينونة واحدة وطريق التوابل بني أوروبا و آ سيا" 4 إن امل شروع العوملي قد ركز أميا تركيز على اجلانب الثقايف ليوؤ س س بعد ذلك مل شروع عوملة الثقافات ويب شر بذلك مبيلد جديد وهو: العوملة الثقافية هذه الأخرية املنبثقة عن العوملة فاإن اختلفت عنها يف الأداة فهي تتفق معها يف املق صد إذ غدا همها الأول تعزيز التفاعل بني الثقافات املتعددة بزعامة أمنوذج واحد وهي العوملة الأمريكية ذات ال صورة املقد سة عند الكل. إن العوملة الثقافية لي ست بريئة كما يعتقد البع ض بل إنها يف ظاهرها ترك احلرية املطلقة للثقافات الأخرى لتعرب عن نف سها وتنتقل من نطاقها ال ضيق إىل نطاقها أالرحب وفق فر ص متكافئة حيث تتفاعل الثقافات فيما بينها يف ظل ثورة االت صاالت التي ت سهل من نقل أالمناط احل ضارية والثقافية من منطقة إىل أخرى غري أن الواقع عك س ذلك ونقي ضه متاما فتدفق املعلومات له م سار واحد من الغرب إىل ال شرق كما أنه ال يوجد تكافوؤ نتيجة التفوق الإعلمي ناهيك عن حت صن الغرب من التاأثريات الثقافية العربية و الإ ضلمية من خلل ت شويه صورة الإ ضلم وامل سلمني يف نظر املواطن الغربي إنها "حماولة جمتمع تعميم منوذجه الثقايف على املجتمعات أالخرى من خلل التاأثري على املفاهيم احل ضارية والقيم الثقافية و أالمناط ال سلوكية الأفراد هذه املجتمعات بو سائل سيا سية خمتلفة وتقنيات متعددة" 5. علينا القول أن العوملة الثقافية هي أخطر وجوه العوملة على الإطلق فقد أدى تغلغلها على التاأثري يف املبادئ والقيم التقليدية بل جتاوزها إىل العادات والتقاليد و أمناط العي ش و أالخطر من ذلك عوملة الل سان مما أدى إىل طم س الهوية الثقافية جزئيا للأمة وهي م شكلة وقع إزاءها املفكرون بني ثنائيتي " املحافظة على إالنية ومواكبة الكونية". إن ارتباط العوملة بجوانب احلياة املختلفة وال سيما الثقافية ي ؤودي بال ضرورة إىل صراع الثقافات وعليه تدفعنا ال ضرورة إىل طرح ضوؤال ملح: ما املق صود بالثقافة ب/ الثقافة: إن الثقافة هي الرتاث الفكري الذي تتميز به جميع أالمم عن بع ضها البع ض حيث تختلف طبيعة الثقافة وخ صائ صها من جمتمع إىل آخر وذلك للرتباط الوثيق الذي يربط بني واقع الأمة وتراثها الفكري واحل ضاري كما أن الثقافة تنمو مع النمو احل ضاري للأمة وهي التي تعرب عن مكانتها احل ضارية والثقافية التي و صلت إليها. وقد عرف ادوارد تايلور الثقافة بقوله: "تلك الوحدة الكلية املعقدة التي ت شمل املعرفة إالميان و الأخلق القانون والعادات باالإ ضافة إىل أي قدرات وعادات أخرى يكت سبها الإن سان بو صفه ع ضوا يف جمتمع" 6 وهذا ما يجعل املكون الثقايف يتغلغل يف كل املكونات املجتمعية ومن ثم يثبت الفرد وجوده ح ضاريا وهو وجود يختلف به عن سائر أالفراد إذ أن الذات كلما حققت ذاتها حققت متيزها أالنطولوجي. ميكننا القول أن الثقافة هي جمموع العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها وميتثل لها أفراد املجتمع ذلك أن الثقافة هي قوة و سلطة موجهة ل سلوك املجتمع حتدد الأفراده ت صوراتهم عن أنف سهم والعامل من حولهم وحتدد لهم ما يحبون ويكرهون ويرغبون فيه ويرغبون عنه كنوع الطعام الذي ي أاكلون و أنواع امللب س والطريقة التي يتكلمون بها ونحو ذلك. وتتميز الثقافة بخ صائ ص متعددة منها: " الثقافة اكت ساب إن ساين عن طريق مفهوم التن شئة الثقافية إن ال شخ ص يح صل على الثقافة باعتباره فرد يف املجتمع فاحلياة االجتماعية ت صري صعبة وم ستحيلة من غري العلقات والتبادل والتوا صل والتفاهم واملمار سات املتبادلة التي ي شارك فيها أالفراد واملجتمع جميعا إن الثقافة حقل معقد تتمثل وحداته مبا يطلق عليه ال صفات أو ال سمات الثقافية وهي قد ت شتمل على الأماكن املتعارف عليها كاملقابر أو بع ض املاكنات و الآالت كاملحراث أو إمياءة كامل صافحة باليد وت سمى ال صفات املتقاربة بالنمط الثقايف كالتقاليد ال سابقة للزواج كالتعارف والتودد" 7 املجل س الدويل للغة العربية
162 اخلام س للغة العربية وعليه ن ستنتج أن الإن سان كائن ثقايف والأن الثقافة هي التي ت صنع الوجود الفردي أو اجلماعي كان لزاما أن تدخل يف علقة جدلية مع العوملة التي تعمل على ال سيطرة على الذات وتغيري الوجود مبا يتما شى واملعطيات الثقافية التي ت صنعها مبا يف ذلك "الهوية" وهنا علينا أن نطرح ال ضوؤال: ما املق صود بالهوية ج/ الهوية: إن م صطلح الهوية من أكرث امل صطلحات ألفة و شيوعا وتداوال يف ف ضائنا الثقايف و أالكرث ابتعادا مع ذلك عن دائرة الفح ص والتناول النقدي بل و أالكرث غمو ضا والتبا سا ومدعاة ل سوء التفاهم واالختلف واجلدل وحتى االنق سام وال صراع بني املدار س الفكرية واحلركات ال سيا سية. واملعاجم العربية مل ت شر إىل لفظ الهوية. فهي مفردة جديدة دخيلة على اللغة العربية و أقرب مفردة إليها هي اله وية فقد جاء يف ل سان العرب باأنها " البئر البعيدة املهواة" 8 أما اجلرجاين صاحب كتاب "التعريفات" فقد عرف الهوية باأنها "احلقيقة املطلقة امل شتملة على احلقائق ا شتمال النواة على ال شجرة يف الغيب املطلق" 9 فالهوية هي جوهر ال شيء وحقيقته ويف ظل العلوم واالنفتاحات املعرفية كان لزاما علينا إعادة م ساءلة م صطلح الهوية إذ "بات من ال ضروري القيام مبراجعة نقدية ملفهومنا للهوية يف ضوء تطور العلوم الإن سانية وما تقدمه لنا من انفتاحات معرفية ومنهجية ال غنى عنها يف فهمنا لذاتنا ومقوماتنا يف ت صورنا مل صرينا وحاجياتنا" 10. وبنظرة أركيولوجية للفكر الفل سفي جنده قد عالج م ض أالة الهوية بو صفها إحدى مبادئ املنطق ومقولة من مقوالت الكينونة وح سبنا ها هنا أن ن شري إىل بع ض ه ؤوالء الفل سفة أالن ال صفحات ت ضيق إذا ما حتدثنا عن الهوية يف الفكر الفل سفي حيث جند أفلطون يحدد الكائن احلق ب أانه "ما يكون هو ذاته مبا هو ذاته" 11 فال سمة الأ سا سية إذا التي تطبع الكائن هي م ساواته مع نف سه أي بقاوؤه عني ذاته با ستمرار ويذهب أر سطو إىل أنه "كل ما كان هوية إما أن يكون غري و إما أن يكون هو هو" 12 فالهو هو والغري من املتقابلت بالو ضع متى و ضع أحدهما ارتفع الآخر كما جاء يف تف سري ابن ر شد فالعنا صر املوؤ س سة ملفهوم الهوية عند أر سطو تظل قائمة على املماثلة وامل ساواة والوحدة والثبات والتجان س و آن ال شيء ي ستمد وجوده من ذاته ال من غريه وهو ذاته من حيث ال يكون هو غريه وقد ظل منطق الهوية القائم على هذا املبد أ هو ال سائد يف الع صور الو سطى. أما يف الفكر الإ ضلمي فقد ارتبطت الهوية ودلت على "الهو" مبفهومه الأنطولوجي وها هو ابن ر شد يرى أن " ا سم الهوية لي س هو شكل ا سم عربي أ صله و إمنا ا ضطر بع ض املرتجمني فا شتق هذا اال سم من حرف الرباط وهو حرف "هو"...فلما وجدوا هذا احلرف بهذه ال صفة ا شتقوا منه هذا اال سم" 13 فقيل الهوية من الهو كما ت شتق إالن سانية من الإن سان. ثم ا ستعملت لفظة إني ة يف ن صو ص ابن ر شد باعتبارها املعنى أالنطولوجي اجلامع "الهوية تدل على إني ة ال شيء وحقيقته فاإذا قلنا إن ال شيء دللنا على حقيقته و إذا قلنا لي س دللنا على أنه لي س بحق بل هو كذب" 14 ومن هنا ميكننا القول أن املاهية ال تنف صل عن الوجود و أن إني ة ال شيء أو هويته إثبات ملاهيته ومتيزه. إن نظرة متفح صة مل صطلح الهوية يف الفكر الإ ضلمي حتيل ب صورة ال تغفلها العني على أن املفهوم اقرتن مبفهوم الوحدة وتاأ سي س الهو على أنقا ض الغري وهكذا يت أارجح م صطلح الهوية بني الثبات والوحدة تارة وبني التغاير والتناق ض تارة أخرى. د/ اللغة: إن اللغة هي أداة التفاهم واكت ساب املعرفة و إمناء الفكر وهي احلبل املتني الذي بوا سطته ت شد أالفراد ويكون من جمموعهم أمة قادرة على البقاء والنمو و الإبداع كما أنها الأداة التي تربط إالن سان بغريه من أالفراد وتربطه باملجتمع وقد جاء يف ل سان العرب " اللغة: الل سن... و أ صلها ل غوة على وزن ف علة من لغا إذا تكلم ولغون إذا تكلمت واجلمع لغات ول غون وبالن سبة ل غوي" 15. ولقد عرفها القدماء باأنها " أ صوات يعرب بها كل قوم عن أغرا ضهم" 16 كما قال ابن جني ومل ت ستطع التعريفات احلديثة للغة أن تتجاوز هذا التعريف املو ضوعي. وعرفها ابن خلدون بقوله "اعلم أن اللغة يف املتعارف عليه هي عبارة املتكلم عن مق صوده وتلك العبارة فعل ل ساين فلبد أن تعرب ملكة متقررة يف الع ضو الفاعل لها وهو الل سان وهو يف كل أمة بح سب ا صطلحهم" 17. أما املحدثون فقد عرفوا اللغة باأنها
163 اخلام س للغة العربية "نظام رمزي صوتي ذو م ضامني حمددة تتفق عليه جماعة معينة وي ستخدمه أفرادها يف التفكري والتعبري واالت صال فيما بينهم" 18 أما البع ض فريى أن مفهوم اللغة أو سع و أ شمل من أن يعني اللغة املكتوبة فح سب بل هي ت شتمل على املكتوبة أي ضا و الإ شارات و الإمياءات والتعبريات الوجهية التي ت صاحب سلوك الكلم عادة. وقد أكد العامل اللغوي ال سوي سري فردينا دي سو سري أن "اللغة والكلم وال صوت واملعنى جزء من الكلم وعرفها باأنها نظام من الرموز املختلفة ت شري إىل أفكار خمتلفة" 19 فاللغة نظام صوتي يتخذه الفرد عادة كو سيلة للتعبري عن أغرا ضه ولتحقيق االت صال باالآخرين. وهناك العقلنيون و أبرزهم ت شوم سكي الذي عرف اللغة على أنها "نظام عقلي فريد ت ستمد حقيقتها من أنها أداة التعبري والتفكري الإن ساين" 20 ويذهب ت شوم سكي بهذا التعريف إىل أن اللغة هي طاقة إن سانية وقوة إنتاجية تركيبية فائقة وبذلك تكون الفكرة الأ سا سية التي توجه منهج ت شوم سكي هي ال سمة الإنتاجية يف اللغة والتي مبقت ضاها ي ستطيع املتكلم أن يوؤلف ويفهم جمل عديدة غري متناهية مل ي سبق له أن سمعها من قبل وهي ال سمة التي متيز الإن سان عن احليوان. أما اللغة العربية في ضاعف لها الف ضل كونها لغة الإ ضلم ووحيه املعجز والتي ضمن لها القر آن اخللود الذي أراده اهلل عز وجل لهذا القر آن "فاللغة العربية لغة إن سانية الأنها اللغة التي لفظت تراث الإن سان شعرا ونرثا وعلما وثقافة وحا ضرا وتاريخا" 21. وللغة عدة خ صائ ص ميكن أن نربزها على النحو الآتي: 1/ اللغة نظام:حيث تخ ضع كل لنظام معني يف ترتيب كلماتها ويتم االلتزام بهذا الرتتيب يف تكوين اجلمل والعبارات و إذا اختل هذا النظام لن يحقق الكلم الغر ض منه. 2/ اخلا صية ال صوتية للغة: ت شري هذه اخلا صية إىل أن الطبيعة ال صوتية للغة هي الأ سا س يف حني يجيء ال شكل املكتوب لها يف املرتبة الثانية من حيث الوجود وتعد الأ صوات مادة اللغة إالن سانية وال مدلول لهذه الأ صوات ما مل تنظم يف وحدات أو كلمات. 3/ اللغة بو صفها مكت سبة: ال تولد اللغة مع الإن سان إمنا الذي يولد معه هو اال ستعداد لتعلمها فالطفل يولد من دون أي معرفة باللغة لكن توجد لديه امللكة واال ستعداد الكت سابها ب شكل متدرج ومن هنا ي أاتي دور الو سط االجتماعي الذي ينمو فيه الطفل ودور الرتبية املنظمة يف اكت ساب اللغة. 4 /اللغة عرفية: العلقة بني اللفظ وما ي شري إليه علقة عرفية ال طبيعية فلقد حدث يف وقت ما أن اختري لفظ ما يف جماعة معينة لي شري إىل شيء أو فكرة وقد كان من املمكن أن حتتار اجلماعة لفظا آخر لنف س ال شيء أو الفكرة. 5/ اللغة معربة: فهي ظاهرة اجتماعية والظواهر االجتماعية لي ست ثابتة بل تتعر ض للتغيري با ستمرار والتغيري حتكمه يف الغالب قوانني تكاد تكون ثابتة. 6/ اللغة رموز: نق صد بالرمز الإ شارة أي أن الرمز مبعنى التعبري عن شيء له داللة حمددة يتفق النا س عليها يف خمتلف اللغات وعلى مدى الع صور. 7/ اللغة ات صال: قد بلغت أهمية العلقة بني املحتوى وو سيلة االت صال الدرجة التي دفعت بع ض املفكرين إىل القول ب أان "الو سيلة هي الر سالة" للداللة على أهمية الو سيلة )اللغة( يف نقل املحتوى )الر سالة( 22. انطلقا مما سبق ميكننا القول أن اللغة ظاهرة ب شرية وجدت مع وجود إالن سان وهي من مكونات الهوية الثقافية فهي رمز انتماء املرء إىل قومه وثقافته. املبحث الثاين: اللغة العربية بني الرتاث واملعا صرة إن نظرة متفح صة لقراءة الرتاث اللغوي جتعلنا نقر يقينا بنتيجة مفادها أن مناذج هذه القراءة قد اختلفت وتباينت وال يخلو هذا التباين من الأ سباب والدوافع فكثريا ما تطرح إ شكالية املعا صرة يف الفكر العربي احلديث واملعا صر على أنها م شكل االختيار بني النموذج الغربي يف ال سيا سة واالقت صاد والثقافة...الخ وبني الرتاث بو صفه يقدم منوذجا بديل و أ صيل يغطي جميع ميادين احلياة املعا صرة ومن هنا ت صنف املواقف إزاء هذا االختيار إىل ثلثة مواقف رئي سية "مواقف ع صرانية" تدعو إىل تبني النموذج الغربي بو صفه منوذجا للع صر كله أي النموذج الذي يفر ض نف سه تاريخيا ك صيغة ح ضارية للحا ضر وامل ستقبل و" مواقف تراثية" تدعو إىل ا ستعادة النموذج العربي ملا كان عليه قبل االنحراف واالنحطاط و"مواقف املجل س الدويل للغة العربية
164 اخلام س للغة العربية انتقائية" تدعو إىل الأخذ باأح سن ما يف النموذجني معا والتوفيق بينهما يف صيغة واحدة تتوفر لها الأ صالة واملعا صرة معا. وذلك ضاأن االنق سام يف التعاطي مع اللغة فاأن صار الأ صالة وبا سم املحافظة على املوروث ألفيناهم يدعون إىل عدم االكتفاء بغلق الأبواب بل يطلبون ب سد أ صغر الثغرات والفجوات توج سا وخيفة من دخول ب صي ص نور أو لفحة هواء أما أن صار احلداثة وبا سم التفتح والعاملية ف إانهم يدعون جهارا إىل نزع ال سقف أي ضا. بيد أنه علينا القول أن الأ صالة ال تعني التقوقع واالنغما س يف املا ضي وحجب العيون عن روؤية احلا ضر واالكتفاء بالنف س واالنغلق على الذات كما أن احلداثة ال تعني االن ضلخ والتن صل من الرتاث لدرجة الهدم إذ أن الأ صالة شرط للمعا صرة وال تقوم املعا صرة من فراغ بل البد من وجود تراث متني تتكئ عليه وت ستند إليه باأمان كما أن املعا صرة شرط أ سا سي للتفتح على الآخر واال ستفادة من جتاربه وخرباته من أجل التقدم والرقي "فاالأ صالة احلقة ال تعني التم سك باملا ضي وكل ما له علقة بهذا املا ضي من أجل احلا ضر وامل ستقبل إنها ا ستلهام املا ضي من أجل احلا ضر وامل ستقبل ا ستلهام املا ضي و الإفادة منه إبداعا وابتكارا لتحقيق النواة لتج سيد الذات القومية من أجل حا ضر وم ستقبل الفرد واملجتمع أما املعا صرة فلن تكون مبحاولة التخل ص والتن صل من املا ضي وما له علقة باملا ضي وال بتنا سي املوروث...و الأ صالة تكون باأن جنمع بني العنا صر املكونة ل شخ صيتنا وعوامل التقدم أن نفيد ال أن ننقل أن نتعلم ال أن نقلد أن نبتكر ال أن نقتب س" 23 املا يحدث هنا أن اللغة العربية قد ت أارجحت فعل بني كفتني كفة تنادي بفاعلية املوروث و ضرورة املحافظة عليه وكفة أخرى نادت باأعلى صوتها مبواكبة املتغري الثقايف. إن اللغة العربية لغة نامية ومتطورة ومتجددة مل تقف يوما من الأيام ومل ت صرخ بوجه مبدعيها: قفوا! و إذا عدنا إىل ما ضي اللغة العربية جندها حافلة بالذكريات غنية ومنتجة فكل من يت صفح أوراق اللغة العربية سيبقى حائرا أمام الرتاث هذا الأخري الذي أده ش العامل ومازال إىل يومنا هذا يف ميادين شتى واخت صا صات خمتلفة ففي الع صر اجلاهلي كانت اللغة العربية ل سان ال شعر و الإبداع الفني واملتج سد يف املعلقات الع شر و شعر ال صعاليك ون صو ص املف ضليات و الأ صمعيات وجمهرة أ شعار العرب وخمتارات ال شعراء والنقاد و أ صبح هذا ال شعر م صدرا أ سا سيا لكل الأ شعار العربية ب صموده الفني املطبوع وعرو ضه اخلليلي املوهوب ومتيزت اللغة العربية يف ح ضن هذا ال شعر بالف صاحة والبلغة وروعة البيان والبديع وجودة النظم والرتكيب وملا انت شرت العقيدة الربانية الإ ضلمية عرب أرجاء اجلزيرة العربية وو سط آ سيا إىل بحر الظلمات وم شارف فيينا وحدود فرن سا كانت اللغة العربية أداة التوا صل والتفاهم مع آالخر وقد اقرتن القر آن بهذه اللغة البيانية ال سامية و أ ضحت مظهرا من مظاهر إالعجاز القر آين عند "عبد القاهر اجلرجاين" و " أبي بكر الباقلين" و آخرين كثريين الأن هذه اللغة ترجمت لنا البلغة الربانية يف أعلى م ستوياتها جمازا وف صاحة وتعبريا ونظما ومق صدية فعجز املبدعون واملثقفون العرب عن حماكاتها وال سري على منوالها. ومع الع صر الأموي ستعرب الدواوين خا صة يف عهد عبد امللك بن مروان و ستجمع املعارف والعلوم يف م صنفات وكتب وموؤلفات و ستكتب باللغة العربية باعتبارها لغة الإ ضلم واحل ضارة العربية الإ ضلمية و ستحظى اللغة العربية باأهمية كربى باعتبارها لغة الرتجمة لفكر اللغات الأجنبية كاليونانية والفار سية والهندية والرومانية كما يتمظهر ذلك وا ضحا يف بيت احلكمة الذي أ س سه اخلليفة املاأمون لنقل الإرث الثقايف اليوناين إىل اللغة العربية ويف هذه الفرتة انت شرت املعارف والعلوم وازدهر الأدب العربي وانفتحت اللغة العربية على قوامي س ولغات و أل سنة أخرى من باب التلقح واالحتكاك احل ضاري واملثاقفة و صارت اللغة العربية لغة العلم والريا ضيات والفلك والهند سة واملنطق والفل سفة والت صوف والفلحة وال صناعة واالقت صاد وانتع شت بف ضل غرية العلماء عليها وانكبابهم على البحث العلمي واالخرتاع والتجريب والتح صيل املعريف والت صنيف يف شتى املجاالت التي اعرتف امل ست شرقون الغربيون بريادة العرب فيها كما جند عند العاملة الأملانية "زيغريد هونكة" يف كتابها " شم س العرب ت سطع على الغرب" لكن هذا كله ال يعني العي ش يف كنف كان أبي بل العودة إليه ال ستكناه تاريخنا عله يكون املهتدى للتفعيل يف ع صرنا كما فعل أولونا. ومن هنا فاإن فاعلية املوروث بالن سبة للغة العربية سجل حافل بنجاحها يف ا ستيعاب الدين والثقافة واحل ضارة
165 اخلام س للغة العربية واحلكم يف آن واحد ولي س ح سبنا أن ندافع على هذا الل سان الف صيح بل علينا حماية العامل من خ سارة فادحة إذا ما ت شبثت هذه اللغة العريقة برباثن احلداثة ومتاهت فيها مماهاة كلية فتكون بذلك "ماأ ساة غريق ي ستم سك بغريق". بيدا أنه غدا من املقرر أن املحافظة على الأ صالة ال تعني االكتفاء بالنف س واالنغلق على الذات الأن املا ضي يجب أن يكون حافزا للتفوق ال التقوقع املا ضي هو تعزيز االنتماء الذي ينفتح على احل ضارات يف جو من العقلنة واللغة العربية لغة مرنة ا ستطاعت أن تواكب االخرتاعات احلديثة كما ا ستحقت أن تكون لغة علم بجدارة وا ستحقاق حيث ميكن توظيفها يف جمال الهند سة والطب والتجارة...فبف ضل ميزاتها وات ساعها ا ستطاعت أن تواكب كل م ستجد يطر أ حتت م سمى "العوملة أو احلداثة". إن املوروث اللغوي ثري جدا ويزداد ثراء حينما ي ضيف إىل معاجمه امل صطلحات املتعلقة بالتنوع احل ضاري من املخرتعات احلديثة وغنى اللغة العربية وكرثة تعابريها ال مينعها من مواكبة امل صطلحات العلمية الوافدة اجلديدة و صياغة م صطلحات عربية تعرب عنها حق التعبري. املبحث الثالث: رهانات العربية يف ظل العوملة إن التاريخ الطويل للغة العربية يثبت ب صورة ال تغفلها العني أنها تعر ضت لهجمات وحتديات باأ ساليب خمتلفة حاولت النيل منها ولكن من التحديات املعا صرة للغة العربية حتديات العوملة التي اخرتقت جميع جماالت احلياة من اقت صادية و سيا سية وثقافية ولغوية...و تفرت ض حتديات العوملة يف املجال اللغوي هيمنة لغة واحدة يف العامل هي " الإجنليزية" ويف ذلك تهمي ش للغات أخرى مبا يف ذلك اللغة العربية. من هذا املنطلق جند أن العوملة أثرت على اللغة العربية من عدة أوجه ووجدت اللغة نف سها بني سلطة وحتدي فمن جهة فتحت العوملة بابا ووفرت جميع الو سائل لكل لغة لتجد سبيلها إىل خو ض التوا صل الدويل ولكنها من ناحية أخرى قد أدت إىل ما ميكن عليه م صطلح " أزمة الهوية اللغوية" حيث أن أبناء هذا الع صر مل يعودوا يعي شون اللغة التي تنتمي إليها ثقافتهم وح ضارتهم و إمنا يعي شون اللغة املهيمنة على التوا صل الدويل ولنا يف هذا ال صدد وقفة مع ما قاله "حممود أمني" يف صدد دفاعه عن اخل صو صية اللغوية " أخذت العوملة ال سائدة تق ضي بال ضرورة ل سيادة لغة من لغات هذه الدول املهيمنة يف العلقات التجارية واالقت صادية وما ي ستتبع ذلك هو تهمي ش اللغات والثقافات القومية واحتوائها وا ستتباعها كمدخل ال ستتباعها اقت صاديا وثقافيا" 24 وامل شهد اللغوي العاملي يوؤكد صحة ما قاله حممود أمني ال سيما يف جمال الإعلم واملعلومات فاأمام هذا ال سيل املعلوماتي الهادر الذي تطغى عليه الإجنليزية أ صاب الأمم غري الناطقة باالإجنليزية هلع وقلق شديد على م صري لغاتها القومية وهي تو شك أن تنهار أمام الإع صار املعلوماتي الإجنليزي اجلارف حتت ضغوط اقت صادية و سيا سية وثقافية هائلة. كما أن للعوملة إ سقاطات لغوية تقف عليها من خلل ا ستعمال اللغة كو سيلة للتوا صل والتفاعل االجتماعيني واملتمثلة يف و سائل االت صال احلديثة )مثل الف ضائيات و أالنرتنيت( التي ت سمح للفرد باالت صال مع الآخرين مهما كان البعد اجلغرايف والواقع أن اللغة الإجنليزية تعترب لغة الدول العظمى التي تتحكم بالعوملة والتي يعتربها العامل لغة عاملية وهي لغة التوا صل بني الأمم إذ أن اللغة الإجنليزية هي إحدى سمات العوملة. ومبا أن الواقع اللغوي يفر ض سلطان اللغة الإجنليزية على باقي اللغات فقد حظيت هذه اللغة بحق الريادة وباملقابل أزهقت اللغات أالخرى حتى أن معار ضي العوملة يقولون " إن اللغة الإجنليزية هي لغة قاتلة وتنت شر كالوباء الثقايف واحل ضاري يف أنحاء العامل حاذفة الأ صوات املميزة والهويات احل ضارية" 25. ومبا أن اللغة لي ست جمرد أداة للتوا صل بني أالفراد واجلماعات بل إنها جت سد الهوية ال شخ صية والثقافية كان لزاما على اللغة العربية أن تقدم حتد من أجل احلفاظ على الهوية ال شخ صية والثقافة العربية إذ تواجه لغتنا العربية ق ضايا مهمة يف هذا الع صر الذي يت صف بتفجر املعرفة يف جميع جماالتها ويتميز بهذا الت سارع ال ضخم يف تطور العلم وهذه الق ضايا تتعلق بتي سري تعليم العربية وال مت س إطلقا إعرابها و صرفها ونظم تراكيبها أالن هذه الثوابت من دونها تفقد اللغة العربية مقوماتها الأ صلية إذ أنها ثابتة من حيث نطقها ونحوها و صرفها ولكنها نامية من حيث أ ساليبها ومفرداتها وداللة ألفاظها ولعل هذا ما ا ستفردت به اللغة العربية من بني باقي جميع اللغات املجل س الدويل للغة العربية
166 اخلام س للغة العربية الأخرى. يقول عبد اهلل الطيب "البد من العمل على إعادة اللغة العربية إىل بع ض ما كان لها من مكانة يف حفظ الثقافة والعزة القومية واملعارف الإ ضلمية من إعادة النظر يف أمر تعليمها تعليما صحيحا يي سر بفر ض التفهيم ال بغر ض جتاوز العزائم إىل الرخ ص والرخ ص إىل اللحن واللحن إىل الع جمة و شبه الع جمة وال يكون التعريب احلق با ستخدام ألفاظ أعجمية وجمل أعجمية ون صو ص أعجمية حروفها وبع ض نطقها وتركيبها كاأنه عربي إمنا يكون التعريب احلق باأداء عربي الروح عربي الأ سلوب مبني" 26 وهكذا تتمكن اللغة العربية من حتدي العوملة مبواكبتها مع احلفاظ على ذاتها. والأن لكل زمان خ صو صيته كان على اللغة العربية أن تتجاوز املاهيات الثابتة يف ع صر العوملة وال تبقى حبي سة تراث يدعو إىل ال سكون والتجمد وذلك باتخاذ بع ض التدابري التي من ضاأنها أن جتعل اللغة العربية مواكبة لع صر التطور العلمي ويف الآن نف سه حمافظة على هويتها ووجودها وهي تدابري مازالت قيد االهتمام من طرف العلماء والباحثني منها: 1/ تعريب التعليم اجلامعي: لعل أبرز ق ضية تواجهها اللغة العربية يف ع صر العوملة ما ا صطلح على ت سميته تعريب التعليم اجلامعي إي اعتماد اللغة العربية لغة ر سمية يف تعليم التخ ص صات الإن سانية والعلمية والتطبيقية وقد حظيت هذه الق ضية يف العقود القليلة املا ضية باهتمام متزايد على ال صعيد الر سمي فخ ص ص ملناق شتها موؤمترات وندوات عديدة وقد أجمع امل شاركون على أن التعريب اجلامعي مق صود قومي وح ضاري أالن اللغة العربية متتاز بخ صائ ص ت ؤوهلها لتعريب العلوم احلديثة وتعريب م صطلحاتها وقد خا ضت العربية جتربة التعريب يف ع صورها املزدهرة و أظهرت مهارة فائقة يف تعريب علوم احل ضارات القدمية كاليونانية والفار سية والهندية ويف الفل سفة املنطق واحل ساب والطب. 27 2/ تعريب امل صطلحات العلمية: متكنت اللغة العربية مما توفر لديها من مرونة وطواعية أن ت ساعد اللغويني والباحثني على تعريب امل صطلحات العلمية إذ قام اخلرباء بالتعريب يف هذا املجال آالف امل صطلحات وو ضعوا لتعريبها قواعد ت سعف الدار سني وت سهل مهامهم يف امل ستقبل وكان ملجامع اللغة العربية يف الوطن العربي جهود متميزة يف ت أاليف معاجم متخ ص صة بامل صطلحات العلمية يف العلوم الطبية والهند سية والتطبيقية مما يدل على داللة وا ضحة على رغبة هذه املوؤ س سات اللغوية يف اللحاق بركب ح ضارة العاملني وت صميمها على م سايرة التطور العلمي يف ع صرنا احلا ضر )العوملة(. 28 3/ الرتجمة والت أاليف: اللغة العربية كال شجرة الطيبة حتتاج إىل سقاية ورعاية كي تنمو وت أاتي أكلها يانعا "و سقاية اللغة تكون بالرتجمة والتاأليف ون شر الكتب وكتابة املقاالت وتقدمي أالوراق يف الندوات التدريبية واحللقات الدرا سية واملوؤمترات والندوات ذات العلة واللغة العربية لغة دولية ذات قيمة ح ضارية إال أنها تواجه أزمة ثقافية تبدو وا ضحة يف افتقار املكتبة العربية إىل الكتب العلمية احلديثة املوؤلفة بها أو املرتجمة إليها ويف ترجمة النتاج العربي إىل اللغات الأجنبية كي يطلع أبناء هذه اللغات على إجنازات العربي يف املجاالت العديدة حل ضارتهم وثقافتهم. 29 4/ اللغة العربية و الإعلم: الإعلم واحد من العوامل املهمة التي تركز عليها الأمم يف إظهار الوجه امل شرف لرتاثها و إبراز إنتاجاتها وما ينتظرها من م ستقبل واعد وللإعلم يف الع صر احلديث وزارات وخرباء وم ست شارون وكليات جامعية متخ ص صة تعلمه وموؤ س سات إعلمية حت ضنه. وللغة أهمية عظيمة يف جناح الإعلم وتو صيل ر سالته وحتقيق أهدافه و أهم ال سمات التي تت صف بها اللغة الإعلمية الواقعية واملو ضوعية والب ساطة و الإيجاز واملرونة والنفاذ املبا شر والقدرة على إالمتاع وجميع هذه ال صفات متوفرة يف اللغة العربية بل متتاز عن غريها من اللغات بقدرة أفعالها و سائر ألفاظها على التعبري عن مدلوالت الزمن وتخ صي ص م صطلح لكل وقت مثل: الفجر ال شروق ال ضحى القيلولة الع صر الأ صيل املغرب الهزيع الأول ال سحر... وال شك أن هذا التف صيل الدقيق ملدلوالت الزمن من أهم سمات اللغة الإعلمية. وكيفما كان احلال فاإنه ميكننا القول أن اللغة العربية متتلك من اخل صائ ص ما
167 اخلام س للغة العربية يجعلها ت شهر التحدي يف وجه العوملة دومنا الفتة حمراء ت صرخ بوجهه: قفي! املبحث الرابع: واقع اللغة العربية بني احلفاظ على الهوية و لنتماء إىل ع صر العوملة إن ما يعرف اليوم بعوملة الكون أو "القرية ال صغرية" أدى إىل إعطاء اللغة إالجنليزية دور الريادة يف اال ستعمال إذ أن االنت شار الرهيب مل صطلحاتها على ح ساب اللغة العربية ما هو إال حماولة لطم س الهوية وخلق جيل يتنكر الأ صالته ويتاأثر بكل ما هو أجنبي وهو ما نرى بع ض آثاره من تغيري أل سنة بع ض ال شعوب و شيوع الكثري من املظاهر الغربية سواء يف امللب س أو الأكل أو ال سلع اال ستهلكية... فالتفاعل الوثيق بني اللغة العربية والهوية إىل حد ي صعب الف صل بينهما أدى عرب تاريخها الطويل إىل كثري من التحديات التي تطمح لطم سها والنيل منها فقد تعر ضت هذه اللغة إىل هجمات شر سة كان هدفها الق ضاء عليها بدعوى أنها عاجزة وقا صرة عن ا ستيعاب علوم الع صر من طب وهند سة...الخ حيث يقول بع ضهم أنها "لغة سلفية وجامدة تتطلع إىل الوراء بدال من أن تتجه إىل الأمام" 29 غري أن الب شري الإبراهيمي رحمه اهلل يقول ردا على ه ؤوالء و أتباعهم " إن اللغة العربية تت سع لدقائق الطب الذي برع فيه العرب إذا ا ستثنينا كلمات قليلة يونانية أو فار سية أدخلها الفارابي وابن سينا من مرياثهما الفار سي" 30. غري أن اللغة العربية اليوم تعاين واقعا مرا فهي بني م ستهني ب ض أانها غري آبه بالدقة وال صحة يف ا ستخدامها لغة للتعبري واالت صال وداع إىل نبذها وا ستبدال اللغة أالجنبية بها يف التدري س والت أاليف حتى يف امل ستويات أالوىل من التعليم مدعيا أنها عاجزة عن مواكبة التطور العلمي والتكنولوجيا واال ستجابة ملا يحدث فيها من تطور مت سارع ومناد ب ضرورة ا ستخدام العاميات لغة للإعلم و إالنتاج الأدبي زاعما أنها الو سيلة أالجنح يف خماطبة اجلماهري والو صول إىل قلوبهم. لقد جنحت الروا سب اال ستعمارية يف و ضع جذور يف التعليم تنفر من اللغة العربية وتهون من ض أانها حتى هانت على أهلها و أ صبحت عبئا عليهم فمن يهن ي سهل الهوان عليه لقد ترك اال ستعمار ذيوال من أبناء العربية ينهجون نهجه يف احلملة احلاقدة على العربية والنيل من قدراتها والتقليل من قدرها. غري أن املجتمع الناطق بالعربية ال يدري أن لغته أالم هي طوق النجاة الوحيد و سبيله للبتكار و إالنتاج و الإبداع كما كان يف القدم إنه ال يدري أنه بتخليه عنها يفقد قدراته و إمكانياته وهذا ما يحدث فعل. إن حمنة العربية ال تتمثل يف ح شود الألفاظ وامل صطلحات الوافدة إليها من عامل احل ضارة إىل عاملها الذي يبدو متخلفا لي س ذلك فح سب بل إن حمنتها يف انهزام أبنائها نف سيا وا ست ضلمهم أمام الزحف اللغوي الداهم يف جمال العلوم والريا ضيات... بحيث تكونت يف العامل العربي جبهة عنيدة جتاهد للإبقاء على العربية مبعزل عن هذه املجاالت فما دامت صفوة املثقلني بالعلوم تعرف الإجنليزية فل ب أا س من عزل العربية بل وقتلها بل و أقروا يقينا أن اللغة العربية هي لغة ال شعر و الأدب والتعبري عن خلجات النف س والت صور أنها لي س لديها القدرة على م سايرة ركب احل ضارة احلديثة وعلى ا ستيعاب م صطلحاتها ومن هنا فلبد للطالب العربي أن يتلقى درو سه بل سان أجنبي فاأدى ذلك إىل تدهور اللغة العربية يف عقر دارها ومن ثم أ صبح التعليم العايل يعاين ق صورا يف ا ستخدام اللغات الأجنبية أي ضا مما ينعك س انعكا سا سلبيا على إبداع و إنتاج أي إنتاج يفخر به على امل ستوى املحلي والعاملي. كما تواجه اللغة العربية يف الع صر احلايل حتديات شتى ومتعددة امل صادر واالجتاهات ويف خمتلف امل ستويات واملجاالت يف الرتبية والتعليم ويف و سائل الإعلم واالت صال ويف البحث والتاأليف يفر ضها واقع لغوي هو انعكا س سلبي لع صر العوملة أدى إىل ت ضييع النا شئة لغتهم الأم فاأ صبح من املعروف أن تتبع أل سنتهم عند احلديث بالعربية فين شدون من العون يف اللغة الأجنبية وي ستمدون منها ما يكملون به عباراتهم. إن هذا الفارماكون )الوافد اجلديد( يعترب حتديا للهوية وعلى الرغم من إنه ذا طابع جتاري واقت صادي وال علقة له بالهوية فقد راح ينظر لها بعني الطمع أالنها إحدى أهدافه الأ سا سية حتى يطغى ويب سط منافذه على ال ساحة العاملية ومبا أنه ال وجود الأمة إال بوجود شخ صيتها التي تقوم على الدين واللغة وحب الوطن فقد سعت العوملة إىل ك سر الوتر احل سا س لل شخ صية وهو اللغة والهوية. إنه حلري بنا يف هذا املقام أن نطلق حكمنا الذي يرى أن املرء إذا حتدث بلغته واعتز بها وتفانى يف حبها فذلك مظهر املجل س الدويل للغة العربية
168 اخلام س للغة العربية من مظاهر الرجولة وال شرف وا ستقلل الذات ولي س بريق اال سم والتفاخر بالتن صل من الذات والفرار منها وارتداء عباءة الآخر التي مهما تاأنقت وح سنت فلي ست متلأ القد العربي الذي ال ميلأه سوى لغة القر آن أعظم كتب اهلل وخامتها. وال سبيل ملواجهة العوملة والتغريات الثقافية إال باحلفاظ على لغتنا العربية لغة القر آن الكرمي الذي ال ميكن فهم آياته وا ستكناه معانيها إال بفهم علوم النحو وال صرف والبلغة وغريها من فروع اللغة. وما يلحظ يف ال سنوات الأخرية هو إعلن ينذر باخلطر حينما حلت اللغة الإجنليزية حمل لغتنا العربية حتى ابتلعتها وما كاد يبقى منها إال رذاذ ال ي سمن وال يغني من جوع. ومن املوؤ سف أن نقول أن آلية التفكري يف الوطن العربي مازالت تتعرث يف وحل العجز املنهجي و أن القدرة على غربلة الأمور بالنظر الفعلي أبعد ما يكون عن التفكري العربي و إالفادة من طرائق البحث العلمي أ صعب يف ا ستثمارها وباجلملة ف إان الذاكرة العربية يف ت ضاد مع الوعي املت شبع بروح الع صر هذا الوعي القادر على متثل امل ستجدات وتكيفها مع مقومات ثقافته وحتى يف حال إيجاد فئة ت سعى إىل تفعيل اللغة العربية ف إانها حتاول العودة بنا إىل الو سائل القدمية والقفز بنا إىل الوراء بدعوى تقدي س اللغة كونها توفيقية من دون امتلك القدرة على دعائم التطور احل ضاري والو سائل الرتبوية اجلديدة وكاأننا بهذه الفئة ت ستنزف طاقتها رغبة يف حتقيق انت صارات وهمية ضاربة عر ض احلائط الواقع املاأمول امل شرئب إىل لغة قادرة على مواجهة التحديات, ولي س ذلك على اللغة العربية بعزيز إذا كان القرار حا سما من املعنيني با أالمر ويف حال وطدوا العهد بينهم وبني هويتهم. بدل من اخلامتة: كح صيلة منطقية وحتمية ملا سبق ميكننا القول أن الأمة التي حافظت على ل سانها حافظت على جن سيتها وا ستبقت الأعقابها ذريعة لل ستقلل وهذه املحافظة ال تتاأتى لنا بالقول من دون فعل أالن الأقوال جعلت اللغة ترتوي حد الثمالة أما أالفعال فقد قتلتها عط شا وح سبنا العمل الدوؤوب للحفاظ على ل ساننا العربي وهويتنا وثقافتنا الأن الوقوف والبكاء من ذكرى حبيب ومنزل ال يجدي نفعا وح سب اللغة العربية فخرا أنها لغة القر آن العظيم أتعجز هذه اللغة عن مواكبة احل ضارة... إنه علينا أن نلب س ح ضارتنا حلة عربية تزينها اللغة العربية وذلك باإعادة م ساءلة احلداثة من دون أخذها برباثنها بل علينا أن نلب س القد العربي عباءة ال يف صلها الآخر وال يهند سها كيفما شاء وكفانا انبهارا با آالخر وبلغته واحلقيقة أننا نعيب لغتنا والعيب فينا!
169 اخلام س للغة العربية الهوام ش: 1/ سهيل ح سني الفتلوي: العوملة و أثارها يف الوطن العربي دار الثقافة للن شر والتوزيع عمان/ الأردن 2009 ط 1 ص 24 2 /بركات حممد داود: ظاهرة العوملة بني رف ض العرب و الإ ضلميني والرتويج الغربي دار الكتب العربية للن شر والتوزيع 2009 د ط ص ص 62 63 3/ املرجع نف سه ص 63 4/ حممد م صلح الزعبي: العوملة الثقافية و أثرها على الوطن العربي مقالة ن شرت سنة 2010 5 /املرجع نف سه 6/ كليفور غريتز: تاأويل الثقافات مقاالت خمتارة ترجمة حممد بدوي مركز درا سات الوحدة العربية بريوت لبنان ط 2009 1 ص 8 7/ امل صدر نف سه ص 19 8/ ابن منظور: ل سان العرب املجلد ال ساد س ص 4039 9/ ال شريف اجلرجاين: التعريفات دار عامل الكتب بريوت ط 1987 1 ص 314 10/ جليلة املليح الواكدي: مفهوم الهوية م ساراته النظرية والتاريخية يف الفل سفة يف الأنرثبولوجيا ويف علم االجتماع مركز الن شر اجلامعي منوبة د ط 2010 ص 6 11/ املرجع نف سه: ص 13 12/ املرجع نف سه ص 17 13/ أبو ن صر الفارابي: كتاب احلروف حتقيق: حم سن مهدي دار ال شروق بريوت ط 2 ص ص 112 111 14/ جليلة املليح الواكدي: املرجع ال سابق ص 37 15/ املرجع ال سابق: ل سان العرب ص 4049 4050 16/ سعدون حممد ال ساموك وهدى علي جواد ال شمري: مناهج اللغة العربية وطرق تدري سها دار وائل للن شر ط 2005 1 ص 23 17/ املرجع نف سه ص ن 18/ املرجع نف سه ص 24 19/ صالح أحمد حممد: أهمية اللغات يف العامل مقال موت املوؤلف جملة احلوار املتمدن العدد 1563 20/ املرجع نف سه 21/ ح سني عبد اجلليل يو سف: اللغة العربية بني الأ صالة واملعا صرة خ صائ صها ودورها احل ضاري وانت صارها دار الوفاء لدنيا الطباعة والن شر الإ سكندرية ط 1 2008 ص 27 22 /وجيه املر سي أبو لنب: خ صائ ص اللغة العربية املوقع الإلكرتوين: ساعة kenamonline_com الدخول: 20:26 23 /املرجع ال سابق: اللغة العربية بني الأ صالة واملعا صرة ص 05 24/ مقال حتديات العوملة: جعرير حممد الأكادميية للدرا سات إالن سانية واالجتماعية 25/ املرجع نف سه 26 /عبد اهلل الطيب: م شكلة الأداء يف اللغة العربية )جملة جممع اللغة العربية بدم شق( املجلة 73 يوليو 1998 ص 573 27/ الودغريي عبد العلي: و ضع اللغة العربية يف ع صر العوملة وحتدياتها مقالة ن شرها جممع اللغة العربية أالردين 2011 ص 9 28/ حممد أحمد القا سمي: عوملية اللغة العربية وحتدياتها و إجنازاتها جملة الداعي ال شهرية ال صادرة عن دار العلوم للن شر يونيو 2014 العدد 8 29/ املرجع نف سه 30/ رم ضان عبد التواب: درا سات وتعليقات يف اللغة مكتبة اخلاجني القاهرة 1994 ص 157 31/ أحمد طالب الإبراهيمي: أثار الإمام حممد الب شري الإبراهيمي دار الغرب الإ ضلمي بريوت ج 5 ط 1997 1 ص 263 املجل س الدويل للغة العربية