Ondokuz Mayıs Üniversitesi İlahiyat Fakültesi Dergisi, Ondokuz Mayıs University Review of the Faculty of Divinity e-issn: 2587-1854 OMUIFD, June 2018, 44: 19-39 THE CİVİL STATE AND THE ISLAMİC ATTİTUDE TOWARDS IT Sivil Devlet ve İslam ın Bu Konuya Bakışı أحمد محمد سعيد السعدي أستاذ مشارك في الفقه اإلسالمي وأصوله كلية الشريعة بأكاديمية باشاك شهير] Associate Professor, The Başakşehir Arabic Language and Islamic Sciences Academy, Faculty of Sharia, Department of Islamic Law. Doç. Dr., Başakşehir Arap Dili ve İslami İlimler Akademisi, İslami İlimler Fakültesi, İslam Hukuku ABD. ahmadsdi1@yahoo.com] Makale Bilgisi / Article Information Makale Türü / Article Types: Araştırma Makalesi / Research Article Geliş Tarihi / Received: 13 Mart/March 2018 Kabul Tarihi / Accepted: 31 Mayıs/May 2018 Yayın Tarihi / Published: 27 Haziran/June 2018 Yayın Sezonu / Pub Date Season: Haziran/June Yıl / Year: 2018 Sayı Issue: 44 Sayfa / Pages: 19-39 Atıf/Cite as: Al Saadi, Ahmed Muhammed Saeed. - The Civil State and the Islamic Attitude towards it Sivil Devlet ve İslam ın Bu Konuya Bakışı. Ondokuz Mayıs Üniversitesi İlahiyat Fakültesi Dergisi- Ondokuz Mayıs University Review of the Faculty of Divinity 44 (Haziran-June 2018): 19-39. İntihal /Plagiarism: Bu makale, en az iki hakem tarafından incelendi ve intihal içermediği teyit edildi. / This article has been reviewed by at least two referees and scanned via a plagiarism software. http://dergipark.gov.tr/omuifd Copyright Published by Ondokuz Mayıs Üniversitesi, İlahiyat Fakültesi Ondokuz Mayıs University, Faculty of Divinity, Samsun, Turkey. All rights reserved. 19
20 Öz: Sivil Devlet ve İslam ın Bu Konuya Bakışı Osmanlı hilafetinin yıkılışından sonra Arap yazarları İslami ya da seküler eğilimli Arap yazarları tarafından sivil devlet teriminin kullanımı yaygınlık kazanmış; Arap âleminde son yıllarda aniden meydana gelen olaylardan sonra da bu terim etrafında tartışma dozu epeyce yükselmiştir. Bu makalede Arap ve Batı düşüncesinde sivil devletin en önemli unsurlarını ve İslam ın bu konuya bakışını ele almayı hedeflemekteyiz. Böylelikle; temelde İslami hukuk siyasetinin konuya bakışını irdelemek istemekteyiz. Çalışmamızın başında devlet olgusunun manasına ve Batı dünyasındaki fikri gelişmelerine değinilecektir. Daha sonra da neredeyse çoğu araştırmacının üzerinde ittifak ettikleri sivil devletin en önemli unsurlarını incelenerek, bunların İslâm devlet mefhumuna yönelik bilgilerle ne derece uyuşup uyuşmadığı inceleme konusu yapılacaktır. Anahtar Sözcükler: Sivil Devlet, İnsan Hakları, Otoritenin Barışçıl Uygulamaları, Sekülarizm. The Civil State and the Islamic Attitude towards it Abstract: After the fall of the Ottoman Caliphate, the term "civil state" has become popular among Islamist and secularist Arab scholars, and the debate on this term became more acute after recent changes in the Arab world during the past few years. In this article, I would like to present the most crucial elements of this state in Western and Arab thought, and specify the Islamic attitude towards it in order to get to the result that would analyze this concept and its position in the Islamic legal policy. Also, I will discuss this statement by clarifying the meaning of the state and its development in Western thought, and then review the most significant elements of the civil state, which have almost been agreed upon by researchers, to show where they agree or disagree in terms of the Islamic vision. Keywords: Civil State, Citizenship, Human Rights, Peaceful Implements of Authority, Secularism. الملخص: شاع بعد سقوط الخالفة الع ثماني ة مصطلح الدولة المدني ة بين الباحثين العرب إسالميين وعلمانيين وزادت حد ة النقاش حول هذا المصطلح بعد ما جرى في السنوات األخيرة من تغيرات مفاجئة في عالمنا العربي وأود في هذا المقال عرض أهم مقو مات هذه الدولة في الفكر الغربي والعربي وتحديد الموقف اإلسالمي منها ألصل من خالل ذلك إلى نتيجة تحكم على هذا المفهوم ومكانه من السياسة الشرعي ة اإلسالمي ة. وسأمه د لذلك ببيان معنى الدولة وتطورها في الفكر الغربي ثم سأستعرض أهم مقومات الدولة المدني ة التي يكاد يجمع عليها الباحثون ألبي ن أين تتفق وأين تختلف مع الرؤية اإلسالمي ة. الكلمات والتعبيرات المفتاحية: الدولة المدنية المواطنة حقوق اإلنسان التداول السلمي للسلطة العلمانية. شاع بعد سقوط الخالفة الع ثماني ة مصطلح الدولة المدني ة بين الباحثين العرب إسالميين وعلمانيين وزادت حد ة النقاش حول هذا المصطلح بعد ما جرى في السنوات األخيرة من تغيرات مفاجئة في عالمنا
العربي فيما س م ي بالربيع العربي. وأود في هذا المقال عرض أهم مقو مات هذه الدولة في الفكر الغربي والعربي وتحديد الموقف اإلسالمي منها ألصل من خالل ذلك إلى نتيجة تحكم على هذا المفهوم ومكانه من السياسة الشرعي ة اإلسالمي ة. وسأمه د لذلك ببيان معنى الدولة وتطورها في الفكر الغربي ثم سأستعرض أهم مقومات الدولة المدني ة التي يكاد يجمع عليها الباحثون ألبي ن أين تتفق وأين تختلف مع الرؤية اإلسالمي ة. واتبعت في ذلك الخط ة اآلتية: المبحث األول مفهوم الدولة المدنية وفيه ثالثة مطالب: المطلب األول مفهوم الدولة لغة واصطالحا. المطلب الثاني المدني ة : لغة. المطلب الثالث تعريف الدولة المدني ة. المبحث الثاني مقو مات الدولة المدني ة وفيه ستة مطالب: المطلب األول شرعي ة الدولة. المطلب الثاني نظام الرقابة والمحاسبة. المطلب الثالث المواطنة. 21 المطلب الرابع سيادة القانون. المطلب الخامس حقوق اإلنسان وحرياته األساسية. المطلب الس ادس احترام التعددية والتداول السلمي للسلطة. الخاتمة والنتائج. المصادر والمراجع. المبحث األول مفهوم الدولة المدنية : سأعرض في هذا المبحث معنى الدولة لغة ثم استخدامها في المعجم السياسي المعاصر ثم أنتقل لبيان معنى المدنية لغة وكيف تطور هذا اللفظ دالليا وصوال لبروز مصطلح "الدولة المدنية" ألصل من خالل بيان مفردات المصطلح إلى تصور مفهومه واستخدامه في بيئته التي انتشر منها ابتداء ثم لدى الباحثين العرب والمسلمين. المطلب األول مفهوم الدولة لغة واصطالحا : الد و لة والد ولة : الع ق بة في المال والحرب وقيل :الد ولة بالضم في المال والد و لة بالفتح : في الحرب.
وقال الجوهري :الد و لة بالفتح في الحرب أ ن ت دال إ حدى الفئتين على األ خرى يقال: كانت لناعليهم الد و لة والجمع الد و ل. والد ولة بالضم في المال يقال: صار الفيء د ولة بينهم ي ت داو لونه م ر ة 1 لهذا ومرة لهذا والجمع د والت ود و ل. جمع د ولة بالضم وهو ما ي تداو ل من المال فيكون لقوم وفي حديث أ شراط الساعة: إ ذا كان الم غ ن م د و ال 2 دون قوم. وقال الزجاج :الد ولة اسم الشيء الذي ي تداول والد و لة الفعل واالنتقال من حال إ لى حال. وقال الليث :الد و لة والد ولة لغتان ومنه اإل دالة الغ ل بة. وأ د ال نا هللا من عدونا: من الد و لة يقال: اللهم أ د ل ن ي على 3 فالن وانصرني عليه فالدولة في اللغة 1 مصدر دال : انتقل من حال إ لى حال. 2 االستيالء والغ ل ب ة. 22 3 الدولة في الحرب بين الف ئ ت ين: أ ن تهزم هذه مرة وهذه مرة. 4 4 الشيء المتداول من مال أ و نحو ذلك. لكن قد استقر مصطلح الدولة في اللغة المعاصرة كما نص عليه مجمع اللغة العربية بالقاهرة على أن ها : مجموع كبير من األ فراد ي ق طن ب ص فة دائمة إ قليما معي نا ويتمتع بالشخصية المعنوية وبنظام 5 وهو مستفاد من مفهوم الدولة في الثقافة الغربية كما سنرى ويجمع حكومي وباالستقالل السياسي. بين تعريفين مشهورين وهما تعريف ماكس فيبر وموسوعة الروس. و عليه فإن الدولة في االصطالح: هي الهيئة المكونة من عناصر ثالثة مجتمعة: 1 مكان من األرض يطل ق عليه إقليم. 2 طائفة من الناس تسكن اإلقليم يطلق عليهم شعب. إسماعيل الجوهري تاج اللغة وصحاح العربية )بيروت دار العلم للماليين 1987 م( مادة "دول" 1699/4. الحديث رواه الت ر م ذي وقال: هذا حديث غريب وذلك في آخر جامعه كتاب الفتن عن علي رضي هللا عنه رقم الحديث.2210 محمد بن مكرم ابن منظور لسان العرب )بيروت دار صادر 1414 ه( مادة "دول" 252 / 11 وما بعد. تنظر المراجع السابقة والمعجم الوسيط مادة دول. المرجع السابق الموضع نفسه. 1 2 3 4 5
3 سلطة يخضع لها الشعب في اإلقليم يطلق عليها الحكومة تدبر عالقات الشعب الداخلية في ما بينهم وتدبر عالقاتهم الخارجية مع األقاليم األخرى وتحمي حدوده ضد األعداء المحتم لين. 6 وال شك أن هذا المعنى المحد ث ي شك ل تطو را داللي ا للكلمة وهو تطو ر يشبه المصطلحات التي تحافظ على المعنى اللغوي األصلي لكن ها تخص صه في شيء منه ذلك أن معنى الدولة الحادث فيه من المعنى اللغوي الذي تقد م عنصران أساسيان: التداول والغلبة. ذلك أن مفهوم الدولة المعاصر فيه معنى تداول السلطة من جانب واحتكار العنف )الغلبة( من جانب آخر. هذا المعنى الذي ثبت لمفهوم الدولة نشأ أساسا من الفكر الغربي وعلى أننا ال نريد اإلسهاب في الحديث عن تطور مفهوم الدولة فلسفيا وتاريخي ا كي ال نخرج عن السياق العام للبحث لكن لفهم مصطلح الدولة في الفكر والواقع المعاص ر ين ال بد من اإلشارة وعلى جناح السرعة إلى تطور فكرة الدولة في الفكر الغربي. وما مصطلح الدولة المدنية إال شكل من هذا التطو ر وعلينا أن نفهمه قبل أن نحكم عليه من وجهة نظر إسالمي ة ذلك أن المناطقة يقولون: الحكم على الشيء فرع عن تصو ره. فإذا استطعنا فهم المصطلح من جهة منتجيه سه ل علينا بيان الحكم الشرعي بشأنه. لقد تطو رت فكرة الدولة عند الغربيين " من فكر أس س للسلطة المطلقة باسم الدين الكنسي إلى فك ر يتخل ص بالتدريج من التسل ط عبر فكرة الدولة بسلطة مطلقة للحاكم بحسب نظرية العقد االجتماعي لهوبز إلى فكرة الدولة بسلطات تشريعية وتنفيذية مقيدة بعقد اجتماعي وفق نظري ة جون لوك إلى فكرة سمو اإلرادة العامة للمجتمع التي يكون الشعب فيها حاكما بها ومحكوما بما تقرر من قوانين تعمل على تنفيذها 7 حكومة من إيجاد هذه اإلرادة العامة ذاتها". 23 إذن فمفهوم الدولة الغربي قام على فكرة السلطة غير أن التطور في المفهوم كان حول مرجعي ة هذه السلطة وحدودها وانتهى هذا التطو ر باستبعاد السلطة الديني ة فجون لوك والذي يدافع بشد ة عن 8 الحكم المدني ويرى أن ه العالج األصيل آلفات الطور الطبيعي يقر ر وبوضوح أن " السلطة المدنية ال ينبغي لها أن تفر ض عقائد اإليمان بواسطة القانون المرئي سواء تعل ق األمر بالعقائد أو بأشكال عبادة 9 هللا". محمد بن شاكر الشريف: الدولة اإلسالمية بين الدينية و المدنية مجلة البيان السنة السادسة والعشرون العدد 286 جمادى اآلخرة 1432 ه. ص. 20 مفهوم الدولة المدنية في الفكر الغربي واإلسالمي أحمد بوعشرين األنصاري المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات نيسان 2014 م ص. 19 جون لوك مقالتان في الحكم المدني ترجمة ماجد فخري اللجنة الدولية لترجمة الروائع بيروت 1959 م ص 144. 145 وينظر : المرجع السابق ص : 15. "األسس النظرية للدولة المدنية بين توماس هوبز وجون لوك". الديار اللندنية. تاريخ النشر: 10 أيار 2012..http://www.aldiyarlondon.com عن كتاب رسالة التسامح لجون لوك. و هذه الرسالة نشرت في عام 1689 من قبل الفيلسوف االنكليزي التنويري جون لوك باللغة الالتينية ثم ترجمت إلى اللغة االنكليزية وقد دعا فيها الى القضاء على بنية التفكير اآلحادي المطلق وروح التعصب الديني المغلق وإقامة الدين على العقل وبناء منظومة حقوق تؤسس لمفهوم 6 7 8 9
المطلب الثاني المدني ة : لغة : المدني ة في اللغة م ن: م د ن بالهمز وم د ن وم د ن. بالمكان: أ قام به ف ع ل م مات ومنه: الم د ينة وهي ف ع يلة وتجمع على مدائن والمدينة: حصن أو أرض بها حصن واسم مدينة سيدنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خاصة 10 وإ ذا نسبت إ لى المدينة فالرجل والثوب م د ني. والم د ن ي ة : الحضارة واتساع العمران. وفي اإلجمال فالمدني ة نسبة للمدينة والتي تقابل القرية ولذا ففيها معنى الحضارة والعمران والمدني اإلنسان المنسوب إلى المدينة. وكثيرا ما ت ست عمل في لغتنا المعاصرة في مقابل العسكري. غير أن هذه الكلمة وقعت صفة للدولة في الفكر المعاصر واختلف الناس في مفهومها عند وصف الدولة بها وسأستعرض في المطلب التالي آراء بعض المفكرين في تعريفها االصطالحي ألصل من خالل ذلك لتحديد المفهوم المراد عند جمهور القائلين بهذا المصطلح. 24 المطلب الثالث تعريف الدولة المدني ة : أم ا مصطلح " الدولة المدني ة " فهو من أكثر المصطلحات جدلية في ثقافتنا العربي ة المعاصرة وال تكاد ترى باح ث ين من تيارين م ختل ف ين ي قد مان تعريفا واحدا أو ي بي نان مفهوما مت فقا عليه حوله ولعل ذلك يرجع ألسباب ع د ة أهمها في رأيي سببان: األو ل: مصطلح الدولة المدنية ينتمي إلى فضاء معرفي وحضاري مغاير لحضارتنا وتاريخنا ولست أقصد هنا مضمونه بمختلف عالئقه ذلك أن ه ال يمكن تجاوز جهود المفكرين المسلمين في التنظير لشكل من أشكال التنظيم الذي يستبطن جزءا واسع ا من ماصدق المصطلح إال أنه من ناحية استعمال المصطلح عينه فقد كان وليد تطو ر لمفهوم الدولة عند الغربيين ومت ص ل بوشائج قوي ة بالتاريخ األوربي ال سي ما من جهة رفض الن اس هناك لتسل ط الكنيسة الذي كان مرتبطا بمصالح جهات معي نة أوقعت الناس في ك ره لمنطق الحكم الديني الكنسي. ونتيجة لغياب الظروف التاريخية تلك عن ا نحن المسلمين من جانب و عدم وجود ما يقابل هذا المصطلح في ثقافتنا من جانب آخر ظهرت تفسيرات متعددة ومتعارضة لدى المثقفين العرب لهذا المصطلح الوافد. الثاني: أن المصطلح لدى الجهة المنتجة لم يشك ل في العصر الحديث ماد ة ملفتة للبحث فالدول الغربية اآلن تعيش تجربة ديمقراطي ة ال تشعر بحاجة شديدة لتطويرها أو النظر في أصولها وتحدياتها التسامح تعتمد على مبدأ فصل المهام بين دور الكنيسة وبين دور الدولة ومبدأ المساواة في الحقوق بين جميع الطوائف الدينية. ينظر مقال: "جون لوك والتسامح". إيالف. تاريخ النشر: 23 ديسمبر 2012 م..http://elaph.com 10 ابن منظور لسان العرب مدن 403. / 13 الفيروزآبادي القاموس المحيط مادة: مدن. 1233 1/
ولذلك ال تجد اهتماما واسعا بتعريف هذا المصطلح في المراجع العالمي ة حت ى لقد زعم بعض الباحثين أ ن 11 المصطلح قناع يختبئ خلفه العلمانيون العرب. ولو رجعنا إلى معجم ويبستر أو غيره من المعاجم األجنبية الموثوقة لوجدنا أن كلمة مدني تقابل 12 شيئين: الكهنوتي والعسكري والسياق التاريخي يؤك د أن المقصود بالمدني في وصف الدولة الحديثة هو ما يقابل الكهنوتي وال ن غف ل أن الدولة الحديثة ترفض سيطرة العسكر وبالتالي ال نجانب الصواب إن قلنا إن الدولة المدني ة في المفهوم الغربي يقابل الدولة المتسل طة سواء أكانت ثيوقراطي ة ( ديني ة بالمعنى الغربي( أو عسكري ة. وإذا كان علماؤنا ينص ون على أن ه ال م شاح ة في االصطالح وكن ا أدركنا أن المصطلح الغربي ال يمكن أن يؤخذ بحرفي ته نظرا ألن ه يعب ر عن واقع ليس موجودا في بلداننا اإلسالمي ة فإننا ال نرى بأسا في النظر إلى محتوى المصطلح للحكم عليه دون الوقوف طويال أمام تعريفه على طريقة المناطقة في الحدود ( التعريفات ( ذلك أن مقابلة المصطلح للدولة الدينية ال يعني بحال رفض الدين ألن الدولة الديني ة بالمعنى الغربي ال وجود لها في الثقافة والواقع التاريخي اإلسالميين وبالتالي فال بد من فهم المصطلح على أن ه ي قاب ل التسل ط مهما كانت الجهة المتسل طة. وكون الدولة المدني ة في مقابل الدولة االستبدادي ة مفهوم سلبي وال بد لتعريف هذا المصطلح من طرح الجوانب اإليجابي ة ( أعني المثبتة ) فيه والتي تتفق والمفهوم السلبي الذي قد مناه وهذه الجوانب هي المقو مات التي يت ف ق الباحثون على قيام مفهوم الدولة المدني ة عليها. 25 ولعل من أهم هذه المقو مات: قيام الدولة على أساس المواطنة وسيادة القانون واختيار األمة للحاكم وإمكانية محاسبة السلطة والتداول السلمي لها بما يستلزم وجود التعددية وحرية المشاركة 13 السياسية. وإذا استطعنا تفكيك هذا المفهوم ودراسته من خالل مقو ماته التي ال يكاد يختلف عليها الباحثون العرب الستطعنا الحكم عليه وبناء على هذه المقو مات نستطيع تعريف الدولة المدني ة بأن ها: الدولة التي تستم د شرعي ت ها من األم ة وتخضع لمحاسبتها عبر مؤسسات قائمة على االختيار الشعبي أساسها المواطنة وسيادة القانون وتضمن حقوق اإلنسان وحرياته األساسية وتحترم التعددية والتداول السلمي للسلطة. يقول الدكتور صالح الجوهري ( موقع أون إسالم مقال : في مفهوم الدولة المدنية الجمعة 10 يونيو 2011 م ) : " وقد وجدت أن مصطلح وتعبير "الدولة المدنية" Civil State غير موجود في منظومة العلوم السياسية أو في أي من النظم الدستورية. وقد راجعت في ذلك مجموعة من أساتذة العلوم السياسية والدستورية والمشتغلين بهما فأفادوني بنفس ما توصلت إليه من نتيجة." ومثل ذلك جاء في ندوة األهرام حول الدولة المدنية الحديثة ( 1 أغسطس 2012 م ) على لسان الدكتور حسن نافعة. ينظر مقال صالح الجوهري السابق. ينظر على سبيل المثال : هشام مصطفى عبد العزيز " الدولة المدنية بين اإلسالم والعلمانية " منتديات اإلسالم اليوم الدولة الدينية والدولة المدنية إبراهيم خليل عليان بحث مقد م لمؤتمر بيت المقدس الثالث 2012 م = 1433 ه. ص. 17 11 12 13
وسنعرض لهذه المقو مات لنرى الموقف الشرعي منها. المبحث الثاني مقو مات الدولة المدني ة : المطلب األول شرعي ة الدولة : من أين تكتس ب الدولة شرعي تها لعل من أهم صفات الدولة المدني ة أن الشعب أو المواطنين هم الذين يمنحون الدولة شرعي تها عبر االنتخاب الحر. فهل األمر كذلك في اإلسالم 26 اختيار الحاكم حق المسلمين والسلطة في اإلسالم مستمد ة من المواطنين مباشرة أو عبر ممثليهم ممن ي سم ون بأهل الحل والعقد وقص ة عمر بن الخطاب في الحديث الصحيح واضحة في إسناد هذا الحق لمجموع الن اس ال آلحادهم من جهة ولكون األمر باالختيار ال بنيابة عن هللا كما هو الحال في الدولة الثيوقراطي ة من جانب آخر فقد روى البخاري عن ابن عباس قال: ك ن ت أ ق ر ئ رجاال من الم هاج رين م ن ه م ع ب د الر ح م ن ب ن ع و ف فبينما أنا في منزله ب م ن ى وهو عند عمر بن الخطاب في آخ ر ح ج ة ح ج ها إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال: لو رأيت رج ال أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل ل ك في ف الن يقول: لو قد مات عمر لق د بايع ت ف النا فوهللا ما كان ت ب يع ة أبي ب ك ر إال فل ت ة ف ت م ت فغضب عمر ثم قال: إن ي إن شاء هللا لقائم العشي ة في الن اس فمحذ ر ه م هؤالء الذين يريدون أن يغ ص بوه م أمور ه م.... وفي الحديث أن ه خطب الن اس فكان في خطبته: ث م إن ه ب ل غ ني قائل منكم يقول: وهللا لو قد مات عمر بايع ت فالنا فال ي غ ت ر ن امرؤ أن يقول إن ما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتم ت أال وإن ها قد كانت كذلك ولكن هللا وقى شر ها وليس فيكم م ن ت ق ط ع األع ناق إليه مث ل أبي بكر. م ن بايع رجال م ن غير مشور ة من المسلمين فال ي تاب ع هو وال الذي تاب ع ه ت غ ر ة أن ي قتال... وختم خطبته بقوله: ف م ن بايع رج ال على غير مشورة من المسلمين فال يتابع هو وال الذي باي ع ه ت غ ر ة أن يقتال 14. وواضح من كالم عمر رضي هللا عنه أن اختيار الحاكم حق لعموم الن اس حت ى إنه سم ى من يريد مبايعة خليفة من غير مشورة المسلمين غصبا أو اغتصابا كما في بعض الروايات. وعليه فالحكم في اإلسالم حق عامة المواطنين وهم من يختارون من يحكمهم. ومن هنا جعل فقهاء المسلمين البيعة عقدا بين األم ة وبين الحاكم واشترطوا انتفاء جميع أشكال اإلكراه في هذا العقد شأنه شأن جميع العقود يقول الماوردي رحمه هللا : "وذهب جمهور الفقهاء و 15 المتكلمين إلى أن إمامته ال تنعقد إال بالرضا واالختيار". أم ا األخذ برأي الغالبي ة فهو الحل عند االختالف وله شواهد في الشريعة وأذكر على سبيل التمثيل نص ا لإلمام الشافعي ي رج ح فيه على أساس الكثرة حيث يقول في كتابه األم: "وأكره للرجل أن يتول ى قوما البخاري في كتاب الحدود باب رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت رقم. 6442 علي بن محمد بن حبيب الماوردي األحكام السلطانية ت أحمد مبارك البغدادي )الكويت دار ابن قتيبة 1989 م( ص. 9 14 15
وهم له كارهون وإن وليهم واألكثر منهم ال يكرهونه واألقل منهم يكرهونه لم أكره ذلك له إال من وجه كراهية الوالية جملة وذلك أنه ال يخلو أحد ولي قليال أو كثيرا أن يكون فيهم من يكرهه وإن ما النظر في 16 هذا إلى العام األكثر ال إلى الخاص األقل". المطلب الثاني نظام الرقابة والمحاسبة : تقوم الدولة المدنية الحديثة على إمكانية محاسبة ومقاضاة السلطة من ق ب ل المواطنين الذين اختاروها. وهذا المبدأ سبق إليه المسلمون تنظيرا وتطبيقا. فالنبي صلى هللا عليه وسل م حاسب عامله على الصدقة ونب ه على خطورة هدايا العمال في حديث البخاري وغيره عن أبي حميد الساعدي رضي هللا عنه قال: " استعم ل رسول هللا - صلى هللا عليه وسلم - رجال من بني أسد ي قال له: ابن الل ت بي ة - قال عمرو وابن أبي عمر: على الصدقة - فلم ا ق د م قال: هذا لكم وهذا لي أ ه د ي لي فقام رسول هللا - صلى هللا عليه وسلم - على المنبر فح م د هللا وأث ن ى عليه ثم قال: ))ما بال العامل ن بعثه فيأتي فيقول: هذا لك وهذا لي فهال جل س في بيت أبيه وأ م ه في نظر أي ه دى له أم ال والذي نفسي بيده ال يأتي بشيء إال جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعير ا له ر غاء 17 أو بقرة لها خ وار أو شاة ت ي ع ر(( ثم رف ع يديه حتى رأ ي نا ع ف رت ى إبط يه: ))أال هل بل غ ت!(( ثالث ا". وروى ابن أبي شيبة عن حذيفة قال: دخلت على عمر وهو قاعد على جذع في داره وهو يحدث نفسه فدنوت منه فقلت: ما الذي أهمك يا أمير المؤمنين فقال هكذا بيده وأشار بها قال: قلت: الذي يهمك وهللا لو رأينا منك أمرا ننكره لقومناك قال: هللا الذي ال إله إال هو لو رأيتم مني أمرا تنكرونه لقومتموه فقلت: هللا الذي ال إله إال هو لو رأينا منك أمرا ننكره لقومناك قال: ففرح بذلك فرحا شديدا وقال: الحمد هلل الذي جعل فيكم أصحاب محمد من الذي إذا رأى مني أمرا ينكره قو مني. 18 27 ومن جهة التطبيق أنشأت الدولة اإلسالمية ديوان المظالم وهو لمحاسبة أولي األمر في الدرجة 19 األولى وال مانع من تطوير هذه التجربة اإلسالمية الرائدة في أي شكل من أشكال المراقبة والمحاسبة كإنشاء مجالس الشورى والمجالس النيابية والمحاكم العليا وغير ذلك مما يضمن محاسبة المخالفين من ذوي الشأن. المطلب الثالث المواطنة : ت عر ف دائرة المعارف البريطانية المواطنة بأن ها " عالقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة متضمنة مرتبة من الحرية وما يصاحبها من مسؤوليات وتسبغ عليه حقوقا سياسية مثل حقوق االنتخاب محمد بن إدريس الشافعي األم )بيروت دار المعرفة 1990 م( 172. / 1 رواه البخاري في كتاب األيمان والنذور باب كيف كانت يمين النبي صلى هللا عليه وسل م رقم. 6753 المصنف البن أبي شيبة دار الفكر 1994 م كتاب الزهد 8. 155 / ينظر مقال الدكتور راغب السرجاني: " ديوان المظالم في العصور اإلسالمية". قص ة اإلسالم. تاريخ النشر: م..https://islamstory.com وفيه أمثلة تطبيقي ة كثيرة. 2010 / 5 / 16 16 17 18 19
وتولي المناصب العامة ". وميزت الدائرة بين المواطنة والجنسية التي غالبا ما تستخدم في إطار الترادف 20 إذ إن الجنسية تضمن باإلضافة إلى المواطنة حقوقا أخرى مثل الحماية في الخارج. وتشتمل المواطنة في مفهومها المعاصر على االنتماء والوالء وامتالك )المواطن( حقوقا اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية يتكفل بها النظام )كالرعاية الصحية مثال (. وت ح م ل )المواطن( واجبات تجاه الدولة والمجتمع )مثل احترام الدستور والقانون والنظام ودفع الضرائب(. والمشاركة بأبعادها السياسية 21 واالجتماعية. ودولة المواطنة هي الدولة القائمة على المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز بينهم بلون أو عرق أو دين. 28 ولو رجعنا إلى وثيقة المدينة والتي كانت بمثابة دستور وضعه النبي صلى هللا عليه وسل م مطلع وصوله إلى المدينة لوجدنا أن ها ت رس خ قيام الدولة على مراعاة حقوق المواطنين على اختالف مشاربهم فقد جاء في الوثيقة:" إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إال من ظلم وأثم فإنه ال يوتغ إال نفسه وأهل بيته وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود 22 بطانة يهود كأنفسهم ". بني عوف... وإن موالي ثعلبة كأنفسهم وإ ن وظاهر من هذا الن ص أن وثيقة المدينة أعطت حق المواطنة لكل من يسكن المدينة على اختالف أديانهم وقبائلهم وقد بقي هذا الحق معموال به في مختلف عصور الدولة اإلسالمي ة على العموم حت ى إن اليهود وصلوا في الدولة اإلسالمية في األندلس إلى مراتب لم يصلها المسلمون كما هو مشهور في 23 التاريخ فالمصادر الشرعي ة وتطبيقاتها التاريخية كافية لتأكيد أن الدولة اإلسالمي ة هي دولة مواطنة. أم ا عن حقوق المواطن فأنا سأذكر هنا نص ا للتمثيل يدل على أن الدولة اإلسالمي ة م لزمة بتقديم حقوق المواطن مسؤولي ة دينية ودنيوية فقد روى ابن عساكر عن عطية بن قيس قال دخل أبو مسلم الخوالني على معاوية بن أبي سفيان فقام فيما بين السماطين فقال: السالم عليك أيها األجير فقيل له: مه فقال السالم عليك أيها األجير فقال معاوية دعوا أبا مسلم فإنه أعرف بما يريد فتقد م أبو مسلم فقال: السالم عليك أيها األجير فقال معاوية: وعليك السالم يا أبا مسلم فقال أبو مسلم يا معاوية اعلم أنه ليس 24 من راعي است رعي رعية إال ورب أج ره سائل ه عنها فإن كان داوى مرضاها وهنأ جرباها وجبر "مفهوم المواطنة وعالقته باالنتماء". مركز آفاق للدراسات والبحوث. تاريخ النشر: 2011/6/30 م..https://aafaqcenter.com وينظر مقال" بين المواطنة والمحاص ة ". الجزيرة نت. تاريخ النشر: 2013 م. / 6 / 21.http://www.aljazeera.net سامر مؤيد عبد اللطيف "المواطنة وإشكاليتها في ظل الدولة اإلسالمي ة " مجلة الفرات العدد السابع: ص 78 فما بعد. عبد الملك ابن هشام سيرة ابن هشام)بيروت مؤسسة علوم القرآن دت(. 503 / 1 تحد ث عن ذلك باستفاضة وتوثيق الدكتور خالد يونس عبد العزيز الخالدي في كتابه اليهود تحت حكم المسلمين في األندلس وقد ط بع مرات ومن طبعاته طبعة مكتبة جزيرة الورد وفيه تقديم الدكتور عماد الدين خليل. كذا في األصل بإثبات الياء. 20 21 22 23 24
كسراها ورد أوالها على أخراها ووضعها في أ ن ف من الكأل وصفو من الماء وف اه هللا تعالى أجره وإن كان لم يفعل حرمه فانظر يا معاوية أين أنت من ذلك فقال له معاوية: يرحمك هللا يا أبا مسلم األمر 25 على ذلك. فمعاوية رضي هللا عنه أقر أبا مسلم على ما ذكره من واجبات للمواطنين على الدولة من مثل الرعاية الصحية وتأمين الرفاه من العيش ونحو ذلك. وأخيرا وبما أن حق المواطن في الترشيح واالنتخاب والتمثيل النيابي هو األبرز في بحث الدولة المدنية ألننا نتحد ث عن مجال سياسي في األساس أشير هنا إلى فتوى عدد من العلماء المعاصرين تجيز وصول غير المسلمين إلى المجلس النيابي بما يعطي المواطن غير المسلم حق النشاط السياسي و التمثيل البرلماني كالمسلمين تماما واستشهد هنا للتمثيل برأي الدكتور عبد الكريم زيدان رحمه هللا حيث يقول: " أما انتخاب ممثليهم في مجلس األمة وترشيح أنفسهم لعضويته فنرى جواز ذلك لهم أيضا ألن العضوية في مجلس األمة تعتبر من قبيل إبداء الرأي وتقديم النصح للحكومة وعرض مشاكل الناخبين 26 ونحو ذلك وهذه أمور ال مانع من قيام الذميين بها ومساهمتهم فيها ". المطلب الرابع سيادة القانون : ال يمكن االستقرار السياسي واالقتصادي للدولة دون سيادة للقانون بأن يكون القانون فوق الجميع وأن ت ف صل السلطة القضائي ة تماما عن بقي ة السلطات. بل إن بعض المفكرين جعل لقيام دولة ما شرطين فقط سيادة القانون الشرط الثاني منهما. يقول هيردورت: " إن الحكومة أو الدولة توجد إن توافر فيها شرطان 27 هما: الشعور الجماعي بحاجتها. وثقة الجميع في عدالة القضاء وقراراته و أحكامه ". 29 وتحد د األمم المتحدة هذا المبدأ على النحو اآلتي: " وهو يشير إلى مبدأ للحكم يكون فيه جميع األشخاص والمؤسسات والكيانات والقطاعان العام والخاص بما في ذلك الدولة ذاتها مسؤولين أمام قوانين صادرة علنا وتطبق على الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق اإلنسان. ويقتضي هذا المبدأ كذلك اتخاذ تدابير لكفالة االلتزام بمبادئ سيادة القانون والمساواة أمام القانون والمسؤولية أمام القانون والعدل في تطبيق القانون والفصل بين السلطات والمشاركة في صنع القرار واليقين القانوني 28 وتجنب التعسف والشفافية اإلجرائية والقانونية". علي بن الحسن بن هبة هللا ابن عساكر تاريخ دمشق )بيروت دار الفكر 1995 م(. 223 / 27 224. عبد الكريم زيدان أحكام الذميين )بيروت مؤسسة الرسالة 1982 م( ص. 84 عزو محمد عبد القادر ناجي " أثر التمايز االجتماعي في عدم االستقرار السياسي في الدولة " الحوار المتمدن العدد 2190 2008 / 2 / 13 م. تقرير األمين العام لألمم المتحدة " سيادة القانون والعدالة االنتقالي ة في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع " وثيقة من وثائق األمم المتحدة بتاريخ 2004 / 8 / 23 م رقم. 616 25 26 27 28
وأعتقد أن هذا المقو م من أهم مقو مات مفهوم الدولة المدنية الحديثة وهو مؤص ل قبلها بقرون في المصادر الشرعي ة وتطبيقات القادة عبر العصور اإلسالمي ة وتجاوز هذا المبدأ عبر التاريخ كان له أسوأ اآلثار على األم ة وااللتزام به جلب االستقرار في المقابل. يؤس س القرآن الكريم لهذا المبدأ في آيات كثيرة أذكر منها على سبيل المثال قول هللا تعالى: }ي ا أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا ك ون وا ق و ام ين ل ل ش ه د اء ب ال ق س ط و ال ي ج ر م ن ك م ش ن آن ق و م ع ل ى أ ال ت ع د ل وا اع د ل وا ه و أ ق ر ب ل لت ق و ى و ات ق وا للا إ ن للا خ ب ير ب م ا ت ع م ل ون } [ سورة المائدة : 8 ]. وكذلك حديث الشيخين عن عائشة رضي هللا عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قالوا : ومن يجترئ عليه إال أسامة بن زيد حب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فكل مه أسامة. فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: " أتشفع في حد من حدود هللا " ثم قام فاختطب ثم قال: " إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد 29 وايم هللا لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ". واألدلة في هذا كثيرة معروفة. 30 صحيح أن القانون في الشريعة اإلسالمي ة مأخوذ منها وال يجوز أن ي شر ع ح كم مخال ف لحكم هللا في اإلسالم وهذا ما يطيل به العلمانيون الحديث ويرون أن مفهوم الحاكمي ة هلل والذي يتحدث عنه المفكرون المسلمون مخالف لفكرة مدنية الدولة إال أن الحق يجافي كالم هم وذلك لألسباب اآلتية: 1 ليس من شرط الدولة المدنية أن تكون بال دين إن ما مفهوم الدولة المدني ة كما تقد م ينافي الفكرة الكهنوتية وأن الحاكم نائب لإلله ال راد لحكمه والحاكم في اإلسالم كما بي ن ا متعاقد مع الناس ولهم عليه حق المحاسبة. 2 إن أي قانون في أي ة دولة مدنية البد له من مرجعي ة وضوابط مستمد ة من ثقافة رعايا هذه الدولة وهوي تهم وقد ذكر بعض الباحثين أن الدستور األمريكي يمنع أن يتولى الرئاسة شيوعي أو أن يقوم حزب سياسي في الواليات المتحدة على أساس اشتراكي وذلك ألن الهوية الثقافية التي ارتضاها 30 أغلبية الشعب األمريكي هي الرأسمالية الليبرالية. 3 إن مفهوم الحاكمي ة في اإلسالم ال ينفي أن يكون للدولة مجاالت واسعة للتشريع وسن القوانين إن ما هي كما يقول الدكتور القرضاوي " تمنع أن يكون لهم استقالل بالتشريع غير مأذون به من هللا وذلك مثل التشريع الد يني المحض كالتشريع في أمر العبادات بإنشاء عبادات وشعائر من عند أنفسهم أو بالزيادة فيما شرع لهم بات باع الهوى. أو بالنقص منه كما أو كيفا أو بالتحويل والتبديل فيه زمانا أو مكانا أو صورة.... وكذلك التشريع فيما يصادم النصوص الصحيحة الصريحة كالقوانين التي تقر المنكرات رواه البخاري في صحيح البخاري كتاب أحاديث األنبياء باب حديث الغار رقم 3475 ومسلم كتاب الحدود باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود رقم. 1688 هشام مصطفى عبد العزيز " الدولة المدنية بين اإلسالم والعلمانية " منتديات اإلسالم اليوم إبراهيم خليل عليان الدولة الدينية والدولة المدنية ص. 23 29 30
أو تشيع الفواحش ما ظهر منها وما بطن أو تعط ل الفرائض المحت مة أو تلغي العقوبات الالزمة أو تتعد ى حدود هللا المعلومة. أما فيما عدا ذلك فمن حق المسلمين أن يشرعوا ألنفسهم. وذلك في دائرة ما ال نص فيه أصال وهو 31 كثير وهو المسكوت عنه الذي جاء فيه حديث: "وما سكت عنه فهو عفو "... ومن ث م يستطيع المسلمون أن يشرعوا ألنفسهم بإذن من دينهم في مناطق واسعة من حياتهم االجتماعية واالقتصادية والسياسية غير مقيدين إال بمقاصد الشريعة الكلية وقواعدها العامة. وكلها تراعي جلب المصالح ودرء المفاسد ورعاية حاجات الناس أفرادا وجماعات. وكثير من القوانين التفصيلية المعاصرة ال تتنافى مع الشريعة في مقاصدها الكلية وال أحكامها الجزئية ألنها قامت على جلب المنفعة ودفع المضرة ورعاية األعراف السائدة. وذلك مثل قوانين المرور أو المالحة أو الطيران أو العمل والعمال أو الصحة أو 32 الزراعة أو غير ذلك مما يدخل في باب السياسة الشرعية وهو باب واسع ". وقد أص ل الشاطبي رحمه هللا لما أسماه مرتبة العفو مؤك د ا على هذه المساحة في الفقه اإلسالمي وكان مما استدل به إلثبات هذه المرتبة التي تعطي مساحة لالجتهاد البشري قوله: " وقد كان النبي -عليه السالم- يكره كثرة السؤال فيما لم ينزل فيه حكم بناء على حكم البراءة األصلية إذ هي راجعة إلى هذا المعنى ومعناها أن األفعال معها معفو عنها وقد قال, صلى هللا عليه وسلم: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جرم ا من سأل عن 33 شيء لم يحرم عليهم فحرم عليهم من أجل مسألته". وقال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختالفهم على أنبيائهم ما نهيتكم 34 عنه فانتهوا وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"... وفي مثل هذا نزلت: }يا أيها الذين آمنوا ال تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم{ ]المائدة: 101 [.ثم قال: }عفا هللا عنها{ ]المائدة: 101 [.أي: عن تلك األشياء 35 فهو إذا عفو. 31 المطلب الخامس حقوق اإلنسان وحرياته األساسية: الدولة المدني ة هي دولة الحقوق والحري ات وال شك أن مفهومي الحق والحري ة راسخان في وجدان ك ل إنسان بل إن ما يكون اإلنسان إنسانا بتمك نه من ممارسة ما له من حقوق بحري ة تام ة واإلسالم وألنه دين الفطرة أقر هذه الحقوق ورعى الحري ات في الجملة. يفر ق الفقهاء بين حق هللا وحق العبد فحق هللا هو حق المجتمع الحق العام وإن ما ن س ب إلى هللا تشريفا له وتعظيما. وحق العبد ي راد به حق األفراد الحق الشخصي رواه الدارقطني في السنن كتاب الزكاة )137/2( عن أبي الدرداء والحاكم في المستدرك كتاب التفسير )406/2( وقال: حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه. يوسف القرضاوي " دولة اإلسالم دولة مدني ة مرجعي تها اإلسالم " منشور على موقعه الرسمي على الشبكة العالمية. البخاري كتاب االعتصام بالكتاب والسنة باب ما يكره من كثرة السؤال... رقم. 6772 البخاري كتاب االعتصام بالكتاب والسنة باب االقتداء بسنن رسول هللا, صلى هللا عليه وسلم رقم 7288 ومسلم في "كتاب الحج باب فرض الحج مرة في العمر رقم 1337. إبراهيم بن موسى الشاطبي الموافقات )دار ابن عفان 1997 م( 256/1 257. 31 32 33 34 35
وقد حافظ اإلسالم على هذه الحقوق بنوعيها ومنع االعتداء عليها حيث فرض العقوبات المتنوعة الحاسمة على الجرائم المرتكبة على حقوق الجماعة حقوق هللا أو الحق العام وعلى حقوق األفراد 36 الحق الخاص أو الشخصي على حد سواء. والحري ات العام ة التي يذكرها أنصار الدولة المدنية مأمور في الشريعة اإلسالمية بالمحافظة عليها ورعايتها على العموم فمن أمثلة ذلك: 1 حرية التفكير: قال تعالى: " ف ب ش ر ع ب اد * ال ذ ين ي س ت م ع ون ال ق و ل ف ي ت ب ع ون أ ح س ن ه أ و ل ئ ك ال ذ ي ن ه د اه م للا و أ و ل ئ ك ه م أ و ل وا األ ل ب اب " سورة الزمر 17. 18 2 حرية المشاركة السياسية وحرية التعبير: قال تعالى : " ف ب م ا ر ح م ة م ن للا ل نت ل ه م و ل و ك ن ت ف ظ ا غ ل يظ ال ق ل ب ال نف ض وا م ن ح و ل ك ف اع ف ع ن ه م و اس ت غ ف ر ل ه م و ش او ر ه م ف ي األ م ر ف إ ذ ا ع ز م ت ف ت و ك ل ع ل ى للا إ ن للا ي ح ب ال م ت و ك ل ين" آل عمران. 159 32 3 حرية المعتقد : قال تعالى : " ال إ ك ر اه ف ي الد ين ق د ت ب ي ن الر ش د م ن ال غ ي ف م ن ي ك ف ر ب الط اغ و ت و ي ؤ م ن ب ا ل ل ف ق د اس ت م س ك ب ال ع ر و ة ال و ث ق ى ال انف ص ام ل ه ا و للا س م يع ع ل يم " البقرة 256 4 حرية اإلقامة والتنقل : قال تعالى : " ي س أ ل ون ك ع ن الش ه ر ال ح ر ام ق ت ال ف يه ق ل ق ت ال ف يه ك ب ير و ص د ع ن س ب يل للا و ك ف ر ب ه و ال م س ج د ال ح ر ام و إ خ ر اج أ ه ل ه م ن ه أ ك ب ر ع ند للا " البقرة 217 وقال سبحانه : " إ ن ال ذ ين ت و ف اه م ال م آلئ ك ة ظ ال م ي أ ن ف س ه م ق ال وا ف يم ك نت م ق ال وا ك ن ا م س ت ض ع ف ين ف ي األ ر ض ق ال و ا أ ل م ت ك ن أ ر ض للا و اس ع ة ف ت ه اج ر وا ف يه ا ف أ و ل ئ ك م أ و اه م ج ه ن م و س اءت م ص ير ا ". ]النساء [. 97 5 حرية العمل: قال تعالى: " ه و ال ذ ي ج ع ل ل ك م األ ر ض ذ ل وال ف ام ش وا ف ي م ن اك ب ه ا و ك ل وا م ن ر ز ق ه و إ ل ي ه الن ش ور". ]الملك 15[ 37 وما جاء من تقييد لها في الشرع له نظيره في كل التشريعات إذ ال توجد دولة في العالم ال تقي د الحري ات بقيد ما حتى إن الماد ة الرابعة من اإلعالن الفرنسي لحقوق اإلنسان والمواطن الصادر عام 1789 نص ت على أن تقتصر الحرية على قدرة المرء على القيام بكل ما ال يلحق ضررا باآلخرين. وقد بي ن النبي صلى هللا عليه وسل م بمثال واضح وجوب تحديد الحري ة في حديث السفينة الذي رواه البخاري وغيره عن النعمان بن بشير رضي هللا عنهما عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال: " مثل القائم على حدود هللا والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعالها وبعضهم أسفلها مجلة البحوث اإلسالمي ة العدد 56 ص 207 وينظر تفصيل ذلك ص 208 فما بعد. ينظر بحث " الحرية بين منظومتي القيم الدينية والمادية " محمد زراقط في كتاب : " الحرية قراءة في مرتكزاتها اإلسالمية " منتدى الفكر اللبناني ط 2010 1 م. 36 37
فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أن ا خرقنا فى نصيبنا خرق ا ولم 38 نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميع ا ". والبحث في الموقف اإلسالمي من الحقوق والحري ات العام ة بحث واسع جدا غير أن المقصود هنا بيان أن اإلسالم من حيث المبدأ يقر بالحقوق ويحمي الحري ات والفرق بينه وبين النظم الوضعي ة تقييده للحري ات بميزان أخالقي يعتمد على النظرة اإلسالمي ة لألخالق. المطلب الس ادس احترام التعددية والتداول السلمي للسلطة : ي حد د الدكتور أحمد صدقي الديجاني مفهوم التعددية بقوله : " مصطلح يعني: أوال االعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما يفصل وجود عدة دوائر انتماء فيه ضمن الهوية الواحدة... ثانيا احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من خالف أو اختالف في العقائد واأللسنة والمصالح وأنماط الحياة واالهتمامات... ومن ثم األولويات. 39 ثالثا إيجاد صيغ مالئمة للتعبير عن ذلك بحرية في إطار مناسب ". وهذا يعني باختصار أن من حق المواطنين على اختالف مشاربهم أن يمارسوا نشاطات سياسية ومجتمعية بما في ذلك أن يؤسسوا أحزابا سياسي ة وأن يتمك نوا من التعبير عن آرائهم عن أي طريق تنظيمي يسمح لهم بذلك بما يضمن أال يكون القرار من فئة أو جهة واحدة بل يكون صناعة مجتمعية عبر المعارضة السياسية أو المشاركة وصوال إلمكاني ة وصول أي ات جاه فكري أو جهوي أو سياسي للحكم عبر ما ي سم ى ب " التداول السلمي للسلطة ". 33 هذا ما يعنيه منظ رو مفهوم الدولة المدني ة وهو بال شك ترجمة للديمقراطية التي تعني في بعض جوانبها: التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة. و السؤال: هل الدولة اإلسالمي ة يمكن أن تسمح بتشكيل أحزاب معارضة وأن يكون لهذه األحزاب إمكانية الحكم إذا ما اقتضت اإلرادة الشعبية ذلك التعددية السياسية بما يسمح لمختلف الجهات بالتعبير عن نفسها ال مانع منها شرعا ذلك أن اإلسالم يقر باالختالف ابتداء قال تعالى: { و ل و ش اء ر ب ك ل ج ع ل الن اس أ م ة و اح د ة و ال ي ز ال ون م خ ت ل ف ي ن )118( إ ال م ن ر ح م ر ب ك } ]هود 118 119[. البخاري في كتاب الشركة باب هل يقرع في القسمة واالستهام فيه رقم. 2493 من الحزب الواحد إلى التعددية د. رياض عزيز هادي دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1995 م ص. 64 38 39
وقد شرع اإلسالم تمثيل المختلفين للتعبير عن آرائهم وتنظيم ذلك ال يعارض الشريعة في شيء فقد روى البخاري عن ابن شهاب قال: وزعم عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه: أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: " أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بهم " وقد كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم غير راد إليهم إال إحدى الطائفتين قالوا: فإنا نختار سبينا فقام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في المسلمين فأثنى على هللا بما هو أهله ثم قال:»أما بعد فإن إخوانكم هؤالء قد جاءونا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطي ه إياه من أول ما يفيء هللا علينا فليفعل«فقال الناس: قد طيبنا ذلك لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم لهم فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:»إنا ال ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفعوا إلينا عرفاؤكم أمركم«فرجع الناس فكل مهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فأخبروه: أنهم قد طيبوا. 40 وأذنوا" 34 وواضح من هذا الحديث مشروعي ة التمثيل وحق الناس في االعتراض على الحاكم وهذا ال يقتصر على المسلمين فحسب فقد كان النبي صلى هللا عليه وسلم يستشير المنافقين مع علمه بنفاقهم ذلك 41 أن الدولة ال تستقر إذا لم ي ف س ح المجال للجميع ليدلي برأيه. كما تقد م أن عددا من الباحثين أجازوا تمثيل غير المسلمين في برلمان الدولة اإلسالمي ة. إن غير المسلمين في المجتمعات اإلسالمية الحاضرة مواطنين مثلهم مثل المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ولكن ال يعني ذلك بحال أن لغير المسلمين أي حق في أن يعطلوا إرادة األغلبية المسلمة أو أن يعترضوا على مبدأ إقامة دولة مدنية حديثة مرجعيتها اإلسالم وإنفاذ التشريعات 42 اإلسالمية وإنما عليهم أن يقبلوا بخيار األغلبية. أم ا إقامة أحزاب مضادة ومحاربة لإلسالم فال يمكن القبول بها وقد أشرت سابقا إلى هذا فليس من المعقول إنشاء أحزاب ترجع على نظام الدولة باإلفساد. أم ا فكرة تداول السلطة وذلك بتحديد فترة زمنية للحاكم تنتقل الوالية بعدها لغيره فال وجود لها في تاريخنا اإلسالمي لكن ال يوجد دليل من كتاب أو سنة يمنع من تحديد فترة حكم الحاكم والحقيقة أ ن مبدأ تداول السلطة وتحديد فترة والية الرئيس فكرة تحقق مقصودا شرعيا في منع االستبداد ودرء الصراعات وال تتناقض مع اإلسالم إذ إن الهدف في اإلسالم إقامة نظام حكم مستقر عادل وما حصل رواه البخاري كتاب الوكالة باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز رقم علي الصالبي الشورى فريضة إسالمية )اإلسالم اليوم دت( ص 102. 104 المرجع السابق ص. 101. 2307 40 41 42
في التاريخ اإلسالمي من اجتهاد يقضي بعدم عزل الحاكم إال في ظروف المصلحة اليوم أظهر في تحديد مد ة للحاكم. محددة منشؤه المصلحة ولع ل يقول الدكتور القرضاوي: " إن مجرد السوابق العملية ال تحمل صفة اإللزام التشريعي كل ما في األمر: أنها كانت هي المناسبة لمكانها وزمانها وحالها فإذا تغيرت هذه األشياء تغير ما بني عليها. فموضع القدوة فيها والعبرة منها: أن ننتقي من األنظمة والتشريعات ما يصلح لزماننا وبيئاتنا وأحوالنا في إطار النصوص العامة والمقاصد الكلية للشريعة اإلسالمية الرحبة. أما االحتجاج باإلجماع العملي من المسلمين على عدم تأقيت مدة األمير ففي هذا االحتجاج شيء من المغالطة. فاإلجماع الذي حصل يفيد شرعية استمرار مدة األمير مدى الحياة وهذا ال نزاع فيه. أما األمر اآلخر وهو التحديد أو التأقيت فلم يبحثوا فيه بل هو مسكوت عنه وقد قالوا: ال ينسب إلى ساكت قول فال يجوز أن ينسب إليهم في هذه 43 القضية إثبات وال نفي ". أخيرا هل العلمانية من مستلزمات الدولة المدني ة ذهب عدد من الباحثين العرب إلى أن الدولة ال تكون مدنية إال إذا كانت علماني ة وذلك ألن المدنية تقابل الدينية وبالتالي فالدولة التي يدخل الدين في تنظيمها ليست دولة مدني ة. وهذا الكالم يستند إلى مفهوم الدولة المدنية في الغرب والتي كانت فكرتها تهدف إلبعاد الكهنوت عن السلطة وقد تقد م معنا أن الدولة اإلسالمي ة ليست هي الدولة الثيوقراطي ة وأن الدولة الدينية بالمعنى الغربي ال وجود لها في اإلسالم وبالتالي فال عالقة بين الدولة المدنية وبين العلمانية إن ما هي ترفض االستبداد الديني واالستبداد مرفوض سواء كان دينيا أم غير ديني وهللا أعلم. 35 ومن خالل ما تقد م يظهر لنا بجالء أن الدولة اإلسالمي ة دولة مدني ة بالمفهوم النظري الذي قدمناه لكن تحتفظ بتفصيالت مستندة إلى النصوص الشرعي ة اإلسالمي ة بمعنى أن صفات الدولة المدنية عامة موجودة في مفهوم الدولة اإلسالمي ة أو على األقل ليست معارضة ألحكام اإلسالم وأم ا جزئيات هذه المقو مات وتفاصيلها فال بد من تخصيصها باإلسالم وعليه فمفهوم الدولة اإلسالمي ة يفيد بأنها دولة مدنية ذات مرجعي ة إسالمي ة وهللا أعلم. الخاتمة والنتائج: بعد هذا التطواف في هذا البحث حول العالقة بين مفهوم الدولة في اإلسالم ومدى قرب هذا المفهوم من مفهوم الدولة المدنية باصطالحها المعاصر تبين لنا أن الدولة اإلسالمية بمفهومها المستند غلى المصادر الشرعي ة تلتقي مع كثير مما تنطوي عليه فكرة الدولة المدنية من حيث حقوق الناس وعالقة الحاكم بالمحكوم وغير ذلك مما تبين في البحث تفصيله. ويمكننا أن نلخص أهم نتائج البحث بما يأتي: 43 يوسف القرضاوي " نحو فقه سياسي رشيد " منشور في موقعه الرسمي.
1 الدولة في المفهوم المعاصر هي الهيئة المكونة من عناصر ثالثة مجتمعة: اإلقليم والشعب والسلطة. 2 هذا المفهوم الحديث للدولة فيه من المعنى اللغوي عنصران أساسيان: التداول والغلبة. ذلك أ ن مفهوم الدولة المعاصر فيه معنى تداول السلطة من جانب واحتكار العنف )الغلبة( من جانب آخر. 3 مصطلح الدولة المدنية ينتمي إلى فضاء معرفي وحضاري مغاير لحضارتنا وتاريخنا وذلك من ناحية استعمال المصطلح عينه فقد كان وليد تطو ر لمفهوم الدولة عند الغربيين ومت ص ل بوشائج قوي ة بالتاريخ األوربي ال سي ما من جهة رفض الن اس هناك لتسل ط الكنيسة. 4 الدولة المدنية هي: الدولة التي تستم د شرعي ت ها من األم ة وتخضع لمحاسبتها عبر مؤسسا ت قائمة على االختيار الشعبي أساسها المواطنة وسيادة القانون وتضمن حقوق اإلنسان وحرياته األساسية وتحترم التعددية والتداول السلمي للسلطة. 5 اختيار الحاكم في اإلسالم حق لعموم الن اس أم ا األخذ برأي الغالبي ة فهو الحل عند االختالف وله شواهد في الشريعة. 36 6 ليس من شرط الدولة المدنية أن تكون بال دين إن ما مفهوم الدولة المدني ة ينافي الفكرة الكهنوتية وأن الحاكم نائب لإلله ال راد لحكمه. 7 يستطيع المسلمون أن يشرعوا ألنفسهم بإذن من دينهم في مناطق واسعة من حياتهم غير مقيدين إال بمقاصد الشريعة الكلية وقواعدها العامة. وكثير من القوانين التفصيلية المعاصرة ال تتنافى مع الشريعة في مقاصدها الكلية. 8 غير المسلمين في المجتمعات اإلسالمية الحاضرة مواطنين مثلهم مثل المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. 9 مفهوم الدولة اإلسالمي ة يفيد بأنها دولة مدنية ذات مرجعي ة إسالمي ة. المصادر والمراجع القرآن الكريم. ابن أبي شيبة عبد هللا بن محمد بن إبراهيم. المصنف. بيروت: دار الفكر 1994 م. ابن عساكر علي بن الحسن بن هبة هللا. تاريخ دمشق. بيروت: دار الفكر 1995 م. ابن منظور محمد بن مكرم. لسان العرب. بيروت: دار صادر 1414 ه. ابن هشام عبد الملك. السيرة النبوية. ت مصطفى السقا وآخرين 1955 م. األنصاري أحمد بوعشرين. مفهوم الدولة المدنية في الفكر الغربي واإلسالمي. المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات 2014 م. البخاري محمد بن إسماعيل. الجامع الصحيح. بيروت: دار طوق النجاة 1424 ه. الترمذي محمد بن عيسى. سنن الترمذي. بيروت: دار الغرب اإلسالمي 1998 م. الجوهري إسماعيل بن حم اد. الص حاح )تاج اللغة وصحاح العربية(. بيروت: دار العلم للماليين 1987 م.
الحاكم محمد بن عبد هللا. المستدرك على الصحيحين. بيروت: دار الكتب العلمية 1990 م. الدارقطني علي بن عمر. سنن الدار قطني. بيروت: مؤسسة الرسالة 2004 م. زراقط محمد. "الحرية بين منظومتي القيم الدينية والمادية" مقال في كتاب "الحرية قراءة في مرتكزاتها اإلسالمية". بيروت: منتدى الفكر اللبناني 2010 م. زيدان عبد الكريم. أحكام الذميين والمستأمنين. بيروت: مؤسسة الرسالة 1982 م. الشريف محمد بن شاكر. "الدولة اإلسالمية بين الدينية والمدنية". مجلة البيان العدد 286 )جمادى اآلخرة 1432 ه(: 20.22 الشاطبي إبراهيم بن موسى. الموافقات. دار ابن عف ان 1997 م. الشافعي محمد بن إدريس. األم. بيروت: دار المعرفة 1990 م. الصالبي علي الشورى فريضة إسالمية. القاهرة: مؤسسة اقرأ 2009. عبد اللطيف سامر مؤيد. "المواطنة وإشكاليتها في ظل الدولة اإلسالمي ة". مجلة الفرات العدد السابع.(2011) عليان إبراهيم خليل. "الدولة الدينية والدولة المدنية" بحث مقد م لمؤتمر بيت المقدس الثالث. 2012 م. لوك جون. مقالتان في الحكم المدني. ترجمة ماجد فخري. بيروت: اللجنة الدولية لترجمة الروائع 1959 م. الماوردي علي بن محمد بن حبيب. األحكام السلطانية. الكويت: دار ابن قتيبة 1989 م. مسلم بن الحج اج. صحيح مسلم. بيروت: دار إحياء التراث العربي دون تاريخ. مصطفى إبراهيم وآخرون. المعجم الوسيط. القاهرة: مجمع اللغة العربية 2004 م. ناجي عزو عبد القادر." أثر التمايز االجتماعي في عدم االستقرار السياسي في الدولة ". مجلة الحوار المتمدن العدد 2190 ) 2008/2/13 م(: 9. 10 هادي رياض عزيز. من الحزب الواحد إلى التعددية. بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة 1995 م. المقاالت في المواقع اإللكتروني ة: الديار اللندنية."األسس النظري ة للدولة المدني ة بين توماس هوبز وجون لوك". تاريخ النشر: 10 أيار. 2012 http://www.aldiyarlondon.com. إيالف. "جون لوك والتسامح". تاريخ النشر: 23 ديسمبر 2012 م. http://elaph.com. الجزيرة نت." بين المواطنة والمحاص ة ". تاريخ النشر: 2013 مhttp://www.aljazeera.net / 6 / 21. قص ة اإلسالم." ديوان المظالم في العصور اإلسالمية". تاريخ النشر: 2010 / 5 / 16 م. https://islamstory.com. مركز آفاق للدراسات والبحوث. "مفهوم المواطنة وعالقته باالنتماء". تاريخ النشر: 2011/6/30 م. https://aafaqcenter.com. 37 Kaynakça Kur an-ı Kerim. İbn Ebi Şeybe, Abdullah bin Muhammed bin İbrahim, El-Musannaf, Beyrut: Daru l-fikr, 1994. İbn Asakir, Ali bin el-hasan bin Hibetullah, Tarihu Dımeşk, Beyrut, Daru l-fikr, 1995. İbn Manzur, Muhammed bin Mukrim, Lisanu l-arab, Beyrut, Daru Sadır, 1414 h. İbn Hişam, Abdulmelik, es-siretü n-nebeviyye, Mustafa es-sekka vd, 1955.
38 El-Ensari, Ahmed Buışrin, Mefhumu d-devleti l-medeniyye fi l-fikri l-ğarbiyyi ve l- İslami, el-merkezu l-arabiyyi li l-ebhasi ve d-dirasetü s-siyasat, 2014. El-Buhari, Muhammed bin İsmail, el-cami u s-sahih, Beyrut, Daru Tavkı n-necat, 1424 h. Et-Tirmizi, Muhammed bin İsa, Sünenü t-tirmizi, Beyrut, Daru l-ğarbi l-islami, 1998. El-Cevheri, İsmail bin Hammad, es-sıhah (Tacü l-lüğati ve Sıhahi l-arabiyyeti), Beyrut, Daru l-ilmi li l-melayin, 1987. El-Hakim, Muhammed bin Abdullah, el-müstedrek ala s-sahiheyni, Beyrut, Daru l- Kutubi l-ilmiyye, 1990. Ed-Darukutni, Ali bin Ömer, Sünenü d-darikutni, Müessesetü r-risale, 2004. Zurakıt Muhammed, makale; el-hürriyye beyne Manzumetey el-kıyemi d- Diniyyeti ve l-maddiye, kitap; el-hürriyye, Kıraetün fi Mürtekezatüha l- İslamiyye, Beyrut, Müntede l-fikri l-lübnani, 2010. Zeydan, Abdülkerim, Ahkamu z-zimmiyyin ve l-müste minin, Beyrut, Müessesetü r-risale, 1982. Eş-Şerif, Muhammed bin Şakir, ed-devletü l-islamiyye veyne d-diniyyeti ve l- Medeniyye, Mecelletü l-beyan, (Cumada l-ahire 1432h):22.20, Eş-Şatıbi, İbrahim bin Musa, el-muvafakat, Daru ibn Affan, 1997. Eş-Şafii, Muhammed bin İdris, el-ümm, Beyrut, Daru l-marife, 1990. Es-Sallabi, Ali, eş-şura faridatun İslamiyye, el-kahire, Müessesetü İkra, 2009. Abdullatif, Samir Müeyyid, el-muvatane ve İşkaliyyetüha fi Zılli d-devleti l-islamiyye, Mecelletü l-fırat, 2011. Ileyyan, İbrahim Halil, ed-devleti d-diniyye ve d-devleti l-medeniyye, sunum; Beytü l-makdis III. Sempozyumu, 2012. Look, Jhoon, Makaletani fi Hukmi l-medeni, Trc. Macid Fahri, Beyrut, el-lecnetü d- Devliyye li t-tercemeti r-revai, 1959. El-Maverdi, Ali bin Muhammed bin Habib, el-ahkami s-sultaniyye, el-kuveyt, Daru ibn Kuteybe, 1989. Müslim bin el-haccac, Sahih-i Müslim, Beyrut, Daru İhyai t-türasi l-arabiyy, tarihsiz. Mustafa İbrahim vd, el-mu cemü l-vasit, el-kahire, Mecme i l-lüğati l-arabiyye, 2004. Naci, İzzo Abdulkadir, Eseri t-temayüzi l-içtima i fi Ademi l-istikrari s-siyasiyyi fi d- Devleti, Mecelletü l-hivari l-mütemeddin, 13/2/2008, 10.9. Hadi, Riyad Aziz, Mine l-hizbi l-vahid ile t-taaddüdiyye, Bağdat, Daru ş-şuuni s- Sekafiyyeti l-amme, 1995. E-Makaleler:
Ed-Diyaru l-londoniyye, el-üsüsü n-nazariyye li d-devleti l-medeniyye beyne Thomas Hobies ve Jhon Look, yayın tarihi: 10/05/2012,.http://www.aldiyarlondon.com. İlaf, john Look ve t-tesamuh, yayın tarihi: 23/12/2012, http://elaph.com El-Cezire net, Beyne l-muvataneti ve l-muhassa, yayın tarihi: 21/6/2013, http://www.aljazeera.net Kıssatu l-islam, Divanu l-mezalim fi l-asri l-islamiyye, yayın tarihi: 16/5/2010, https://islamstory.com. Merkezü Afak li d-dirasati ve l- Buhus, Mefhumu l-muvatanati ve Alakatihi bi l- İntima, yayın tarihi: 30/06/2011. https://aafaqcenter.com. 39