89 محمد نعيمي Naimi * Mohamed ((5( محدودية نظرية االختيار العقالني في سوسيولوجيا الحركات االجتماعية: حالتا حركة»20 فبراير«وحراك الريف في المغرب Limits of Rational Choice in the Sociology of Social Movements: The 20 February Movement and the Countryside Movement in Morocco ملخص: تختبر هذه الدراسة القيمة التفسيرية لنظرية االختيار العقالني في سوسيولوجيا الحركات االجتماعية من خالل مقاربتها الفضاء االحتجاجي المغربي. وت بين كيف تطورت دراسة الحركات االجتماعية من علم النفس االجتماعي إلى نظرية االختيار العقالني التي افترضت أن األفراد يقررون المشاركة من عدمها في أي حركة اجتماعية وفق حساب الربح والخسارة. ومن خالل دراسة حركات الخريجين العاطلين عن العمل في المغرب ت بين الدراسة أيض ا أنه على الرغم من تفسير النظرية حركات اجتماعية ذات مصالح اقتصادية فئوية فإنها قاصرة منهجي ا وإبستيمولوجي ا أمام حركات تحفيزاتها رمزية كم ت ع النضال وتأكيد الذات ورهاناتها قيم المادية كالحرية والكرامة كما هو شأن حركة»20 فبراير«وحراك الريف. في المقابل تقترح هذه الدراسة توسيع دائرة هذه النظرية لتشمل المجال اإلدراكي عبر عقالنية أكسيولوجية تأخذ في الحسبان أهمية القيم. كلمات مفتاحية: الحركات االجتماعية نظرية االختيار العقالني الفضاء االحتجاجي المغربي»حركة 20 فبراير«حراك الريف. Abstract: This study tests the explanatory value of the theory of rational choice in the sociology of social movements by studying Moroccan protest movements. It demonstrates the theoretical origins and development of rational choice theory, which assumes that individuals decide to participate, or not, in any social movement according to the calculation of profit and loss. By studying the movements of unemployed graduates in Morocco, the paper also shows that, despite the theory s ability to interpret some aspects of social movements, it is deficient in explaining symbolically motivated movements. These movements stress self assertion and immaterial values such as freedom and dignity, as is the case of the 20 February and the countryside movements. Alternatively, this study proposes to extend the boundaries of this theory to include the cognitive field through the application of axiological rationality instead of rational choice theory. Keywords: Social Movements, Rational Choice Theory, Moroccan Protest Movements, 20 February Movement, Countryside Movement. * أستاذ مناهج البحث في العلوم االجتماعية في معهد التنمية االجتماعية بالرباط المغرب. Professor of Social Sciences Research Methods at the Institute of Social Development in Rabat, Morcco.
العدد Issue 8 / 31 شتاء Winter 2020 90 مقدمة تتناول هذه الدراسة دور نظرية االختيار العقالني Rational Choice في سوسيولوجيا الحركات االجتماعية لتفسير بعض الظواهر محاولة التساؤل عن النظرية وقيمتها ومحدوديتها في دراسة الفعل الجمعي Collective Action وتتساءل: هل تنطوي الحركات االجتماعية على عقالنية ما وإلى أي حد يختلف منطق الفعل الجمعي عن منطق الفعل الفردي ثم أيكون اختيار الفرد انخراطه في الفعل الجمعي وفق منافع أم بحسب قيم ت حاول الدراسة اإلجابة عن هذه األسئلة عبر دراسة ميدانية للوضعية االحتجاجية في المغرب. وسيمك ن هذا التمحيص من الوقوف على القدرة التفسيرية لهذه النظرية ومن الوقوف على محدوديتها في دراسة الحركات االجتماعية في تنوعها وغ ناها ل ت ختم بالنظر في إمكان عقالنية بديلة. ي درج العمل الحالي ضمن إشكالية مناهج البحث في العلوم االجتماعية واإلنسانية في العالم العربي. وت شكل سوسيولوجيا الحركات االجتماعية الحقل العلمي الذي سيتم في م ضماره تناول مشكلة القيمة التفسيرية لنظرية االختيار العقالني ومحدوديتها. وترجع أصالة مشكلة البحث إلى اختالفها موضوع ا ومنهج ا عم ا جرت معالجته من مشكالت في دراسات إمبيريقية سابقة في المغرب ))) حيث سي د رس منطق الفعل الجمعي داخل حركات اجتماعية ساهمت أو تساهم في ت ش ك ل فضاء احتجاجي مغربي قائم الذات. لذلك ي عد البحث االجتماعي باعتباره بحث ا عن المعرفة الهدف النهائي للعالم االجتماعي الذي ال يسعى لجمع معلومات مفيدة وصحيحة فحسب بل يهدف أيض ا إلى تثقيف المجتمع في حال بعض»مصادر«المعرفة وصدقها ))). وإذا كان إشكال البحث الحالي يتمحور حول القيمة التفسيرية لنظرية االختيار العقالني ومحدوديتها في مجال سوسيولوجيا الحركات االجتماعية فإن اختيار معالجته جرى ضمن إشكالية نظرية تفترض وجود عالقات ترابط بين مجموع الحركات االجتماعية المشك لة لفضاء احتجاجي يسعى لتحقيق استقاللية نسبية تجاه حقلين منافسين له السياسي والنقابي. وبناء عليه ))) ي ذكر منها خاصة: Assia Benadada & Latifa El Bouhsini (dir.), «Le Mouvement des droits humains des femmes au Maroc: Approche historique et archivistique,» Étude réalisée par Le Centre d histoire du temps présent, Faculté des Lettres et des Sciences Humaines Rabat/ Université Mohammed V de Rabat, 2014; Mounia Bennani Chraïbi & Mohamed Jeghllaly, «La Dynamique protestataire du Mouvement du 20 février à Casablanca,» Revue française de science politique, vol. 62, no. 5 (2012); Jacopo Granci, «Le Mouvement amazigh au Maroc: De la revendication culturelle et linguistique à la revendication sociale et politique,» Thèse en science politique, Montpellier 1, 2012; Montserrat Emperador Badimon, «Le Mobilisation des diplômés chômeurs au Maroc: Usages et avatars d une protestation pragmatique,» PhD. Dissertation, Ecole doctorale sciences juridiques et politiques, université paul cèzanne, marseille, 2011; Tehri Lehtinen, «Nation à la marge de l état, la construction identitaire du mouvement culturel amazigh dans l espace national marocain et au delà des frontières étatiques,» Thèse de doctorat d état en anthropologie sociale et ethnologie, École des Hautes Études en Sciences Sociales, Paris, 2003. ))) سوتيريوس سارانتاكوس البحث االجتماعي ترجمة شحدة فارع مراجعة ثائر ديب سلسلة ترجمان )الدوحة/ بيروت: المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات 2017( ص 59.
91 تاساردلا امتجالا تاكرحلاالختيار العقالني ينالقعلا رايتخالحركات االجتماعية تكمن أهمية الدراسة في تمحيص صالحية بعض األطر النظرية من خالل دراسة عي نة من الحركات االجتماعية في المجتمع المغربي. أوال : نظرية االختيار العقالني بما أن سوسيولوجيا الحركات االجتماعية هي حقل فرعي ينتمي إلى علم االجتماع فإن لفظ المناهج في استعماله المتداول في هذا العلم يدل في عمومه على تقنيات المالحظة أو جمع المعطيات وتحليلها. غير أن هذا المعنى يبقى محدود ا جد ا ألن المناهج إضافة إلى ما تعنيه من تقنيات وصفية ت عتبر أيض ا وعلى وجه الخصوص بمنزلة مبادئ موج هة للعلماء المتخصصين في سعيهم لتأسيس نظريات جديدة والشروع في تحليل النظريات القائمة ونقدها. ومما ال شك فيه أن معرفة هذه المناهج تقتضي دراسة معم قة ألهم نظريات علم االجتماع التي بفضلها ت در ك ظواهر اجتماعية أساسية غير م سل م بها قب لي ا. وإجماال يجري التمييز بين منهج ي»الكليانية المنهجية«Methodological Holism و»الفردانية المنهجية«.Methodological Individualism إذا كانت الكليانية المنهجية ت عتبر الظواهر االجتماعية كليات ت در س إلبراز العالقات السببية بينها فإن الفردانية المنهجية خالف ا لذلك هي منهج توضيحي ي تيح إدراك الظواهر االجتماعية بإرجاعها إلى األفعال الفردية التي ت كو نها. وحري بالتسجيل أن أ سس كال المنهجين و ضعت في نهاية القرن التاسع عشر حيث ظهرت الكليانية المنهجية في فرنسا مع إميل دوركهايم بينما أ س ست الفردانية المنهجية على يد ي عالم ي اجتماع ألمانيين هما ماكس فيبر وجورج زيمل ))) بصفتهما رائدين لها. وتعتبر الفردانية المنهجية من أهم أشكال نظرية االختيار العقالني التي ت قد م تصور ا عام ا للعلوم االجتماعية يقوم على ثالث م سل مات سيجري التوس ع فيها في ما بعد هي الفردانية والفهم والعقالنية (((. إضافة إلى هذا النموذج العقالني يقدم علم االجتماع نماذج أخرى لفهم الفعل االجتماعي وتأويله نماذج في إمكان أي باحث اعتماد إحداها أو بعضها بحسب المعطيات التي يشتمل عليها. وتكم ن أهمية هذه النماذج في قدرتها على إضفاء معان ذاتية على وقائع ت بنى بواسطة أدوات بحث كمية كاالستمارات واإلحصاءات أو نوعية كالمالحظات والمقابالت. ولعل أبرز هذه النماذج منظور الحرمان النسبي لتيد غور ))) ومذهب المنفعة لجيريمي بنتام ))) ونموذج مطابقة الفعل للمعايير االجتماعية والسجي ة (3) Raymond Boudon & Renaud Fillieule, Les Méthodes en sociologie, Collection Que sais je? (Paris: PUF, 1969), p. 4. (4) Raymond Boudon, «Théorie du choix rationnel ou individualisme méthodologique?» Sociologie et sociétés, vol. 34, no. 1 (2002), p. 9. (5) Ted Robert Gurr, Why Men Rebel (Princeton: Princeton University Press, 1970). ))) ينطلق مذهب المنفعة لجيريمي بنتام )1748 1832( من مبدأ أن األفراد ال يتصو رون مصالحهم إال من منظور عالقة اللذ ة باأللم. فلكل فعل نتائج إيجابية وأخرى سلبية تجعل الفرد يقوم باألفعال التي تجلب له أكبر قدر من السعادة.
العدد Issue 8 / 31 شتاء Winter 2020 92 االجتماعية أي ما يسميه بيار بورديو»الهابيتوس«))).Habitus أضف إلى ذلك»النماذج المثالية«للفعل لدى ماكس فيبر ونموذج التصرفات المفروضة على الفاعل لتقليص التنافرات في وضعيات األزمة أو ما يسميه دوركهايم»األنوميا«. وإجماال تستمد هذه النماذج قو تها مما تضفيه على الوقائع من دالالت راجحة ذاتي ا ومقبولة على نحو كبير. وفي حالة اصطدام هذه النماذج بوقائع م لغ زة ي رج ع المجهول منها إلى المعلوم ))). ال تهتم الدراسة في المقام الحالي إال بنظرية االختيار العقالني التي ربما تكون أيسر طريقة لبيان خصائصها المميزة هي التركيز على محاولة بنائها لنماذج فعل الفرد عندما يتصرف بعقالنية في موقف معي ن ))). وبحسب هذا المنظور يمكن القول إن الفرد يتصرف بعقالنية حالما يبني اختياره أي فعل على معلومات متعلقة بوضعه )ماذا يريد وما اإلمكانات والبدائل المتاحة وكيف يرت ب األفضليات ( وعلى المنفعة المحتملة للفعل على الرغم من أن مسألة مقدار المعرفة الال زمة للقيام باختيار عقالني تبقى موضع خالف في هذه النظرية. وح ري بالذكر أن القصد هو أساس التفسير في نظرية االختيار العقالني أي إن مبر رات الفعل تكمن في رغبات الفرد ومعتقداته. غير أن هذا التفسير يذهب إلى أبعد مدى حينما يد عي أن تلك الرغبات والمعتقدات هي أسباب للفعل )1)). يقود القول بهذه المسل مة إلى تسجيل مالحظة مهمة مفادها أن نظرية االختيار العقالني تقوم على مجموعة من المسلمات ت شك ل نسق ا أكسيوماتي ا. في هذا الصدد يرى رايمون بودون أن أولى مسل مات هذا النسق هي مسل مة الفردانية التي تذهب إلى أن كل ظاهرة اجتماعية هي نتاج سلوك وأفعال وقرارات ومواقف ومعتقدات فردية. وثانيتها مسل مة الفهم التي تفترض أن أفعال الفرد ومعتقداته كلها قابلة للفهم على األقل من حيث المبدأ. أما ثالثتها فمسل مة العقالنية التي وإن كانت ال تنفي وجود أسباب غير عقالنية ترى أن األفعال والمعتقدات الفردية التي على العلوم االجتماعية معرفتها هي أساس ا نتاج مبررات عقالنية قد تكون م در كة إلى حد ما من الفرد. أما الرابعة فمسل مة الغائية أو األداتية التي تفترض أن المبررات التي يأخذها الفرد في الحسبان في أفعاله ومعتقداته تتعلق بعواقبها. والخامسة مسل مة األنانية التي تطرح أن الفرد يهتم حصري ا أو كأولوية بعواقب األفعال والمعتقدات المرتبطة بمصالحه الشخصية. والسادسة مسل مة»حساب التكلفة والفائدة«التي تفترض أن أي فعل ينطوي على تكلفة وربح لذلك يختار الفاعل دوم ا من األفعال ما يحق ق له أكبر قدر ممكن من الفائدة )1)). ))) ي عر ف بيار بورديو )1930 2002(»الهابيتوس«بأنه نتاج لعمل االستدماج الضروري لتتمكن منتجات التاريخ الجمعي المتمثلة في البنى الموضوعية )أي اللغة واالقتصاد وغيرها( من إعادة إنتاجها في شكل استعدادات مستدامة لدى أفراد المجتمع الذين يخضعون باستمرار لالشتراطات نفسها. Pierre Bourdieu, Esquisse d une théorie de la Pratique: Précédé de «Trois études d ethnologie kabyle» (Paris: Librairie Droz, 1972), p. 225. (8) François Dubet, «Frustration relative et individualisation des inégalités,» Revue de l OFCE, no. 150 (Février 2017), p. 1. ))) إيان كريب النظرية االجتماعية من بارسونز إلى هابرماس ترجمة محمد حسين غلوم مراجعة محمد عصفور سلسلة عالم المعرفة 244 )الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب 1999( ص 102. )1)) المرجع نفسه. (11) Raymond Boudon, Raison, bonnes raisons (Paris: PUF, 2003), pp. 19 21.
93 تاساردلا امتجالا تاكرحلاالختيار العقالني ينالقعلا رايتخالحركات االجتماعية يضيف علم االجتماع الماركسي مسل مة سابعة تفيد أن األفراد يقي مون أفعالهم ومواقفهم ومعتقداتهم بالنظر إلى عواقبها على مصالحهم الشخصية المرتبطة أساس ا بمصالحهم الطبقية. ومن علماء االجتماع من يستلهم من نيتشه ويضيف إلى المسلمات السابقة مسل مة تقول إن الفاعل االجتماعي يخضع أساس ا ل»إرادة القوة«. وعلى الرغم من أن المسل مات المقي دة التي ت دخلها الماركسية أو النيتشوية على نظرية االختيار العقالني ال تشكل إطار ا عام ا فإن علم االجتماع المستله م منهما أنتج بعض التحليالت التي تكون مهمة في بعض األحيان )1)). إذا كان البناء النظري المحد د بمسل مت ي الفردانية والفهم يناسب علم االجتماع الت فه مي بالمعنى الفيبري للكلمة فإن نسق المسل مات حينما ي ختزل إلى مسل مة الفردانية يؤول إلى الفردانية المنهجية كمنهج أساسي في العلوم االجتماعية إلى جانب الكليانية المنهجية. وجدير بالذكر أن بودون ي ولي النسق المكو ن من مسل مات الفردانية والفهم والعقالنية أهمية خاصة إذ يعتبره نموذج ا عقالني ا عام ا يقود معظم النظريات السوسيولوجية الفاعلة )1)). تستند هذه الدراسة ولو جزئي ا إلى نظرية االختيار العقالني بسبب قدرتها التفسيرية المفتر ضة لكيفية نشوء وتطو ر بعض أصناف الحركات االجتماعية حيث إن أعمالها في هذا الباب ت عد أحد أبرز مظاهر نجاحها كما سن بي ن الحق ا. أما المبرر الثاني لهذا االختيار فيكمن في االهتمام المتزايد الذي أصبحت تحظى به الحركات االجتماعية منذ عام 2011 في سياق الموجة األولى للثورات العربية ليس عربي ا فحسب بل دولي ا كذلك نظر ا إلى الدور الريادي الذي اضطلعت به في قيادة جل انتفاضات الشعوب العربية وثوراتها. ثاني ا: قيمة نظرية االختيار العقالني في سوسيولوجيا الحركات االجتماعية تعود جاذبية نظرية االختيار العقالني إلى ب عد مهم أبرزه جيمس كولمان على نحو دقيق حينما قال:»إن ما يجعل الفعل العقالني كأساس نظري يتمتع بقوة إغراء خاصة هو تصو ر الفعل بكيفية يصبح معها طرح أي سؤال إضافي بال جدوى«. وتعني عبارة»الفعل العقالني«الفعل الموج ه بحساب التكلفة والربح إذ إن التفسير يكون تام ا حالما يتم تفسير قيام الشخص بفعل معي ن بدال من قيامه بفعل آخر ما دام بدا له أكثر فائدة من حيث أهدافه أن يقوم بذلك الفعل )1)). من أجل قياس مدى مساهمة نظرية االختيار العقالني في تطور العلوم االجتماعية يكفي ذكر أعمال (12) Ibid., p. 24. (13) Ibid., p. 25. (14) Boudon, «Théorie du choix rationnel,» p. 11.
العدد Issue 8 / 31 شتاء Winter 2020 94 كولمان )1)) وأنتوني أوبرشال )1)) وراسل هاردين )1)) وتيمور كوران )1)). فبفضل هذه النظرية نجح هؤالء الدارسون في تفسير بعض الظواهر التي كانت مستعصية في مجاالت سوسيولوجيا الحركات االجتماعية واإلجرام والرأي العام أو الدولة. ومن ثم ال يمكن أي تعليم جامعي رصين في أي من المجاالت الكبرى لعلم االجتماع أن يتجاهل المساهمات المنهجية التي قد متها نظرية االختيار العقالني )1)). وتأسيس ا عليه نتساءل إلى أي حد يكون الفعل الجمعي االحتجاجي فعال عقالني ا لإجابة عن هذا السؤال وبيان المكانة التي تتبو ؤها نظرية االختيار العقالني في سوسيولوجيا الحركات االجتماعية نحتاج إلى تقديم نظرة موجزة عن التطور المنهجي الذي عرفته هذه السوسيولوجيا منذ نشأتها. وفي هذا السياق تميزت أولى المقاربات التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر بالنظر إلى الفعل الجمعي باعتباره حركة للحشود ت در س من منظور علم النفس االجتماعي.»إن الظاهرة التي تدهشنا أكثر في الجمهور النفسي هي كالتالي: أي ا تكن نوعية األفراد الذين يشكلونه وأي ا يكن نمط حياتهم متشابه ا أو مختلف ا واهتماماتهم ومزاجهم أو ذكاؤهم أيض ا فإن مجرد تحو لهم إلى جمهور يزو دهم بنوع من الروح الجماعية. وتجعلهم هذه الروح ي حس ون وي فك رون ويتحر كون بطريقة مختلفة تمام ا عن الطريقة التي كان سي حس بها ويفكر ويتحرك كل فرد منهم لو كان معزوال. وال تنبثق بعض األفكار والعواطف أو ال يتحو ل إلى فعل إال لدى األفراد المنضوين إلى صفوف الجماهير«((2(. وهكذا فبمجرد تحو ل األفراد المختلفين في كل شيء إلى جمهور تنبثق روح جماعية تجعلهم ي حس ون ويفكرون ويتصرفون بطريقة جماعية. وفي حالة الذوبان هذه تتالشى الشخصية الواعية وت هيمن الشخصية الالواعية ويتوج ه الجميع ضمن الخط نفسه ج ر اء التحريض وعدوى العواطف واألفكار والميل إلى تحويل األفكار المح ر ض عليها إلى ممارسة وفعل مباشرين. لذلك ال يعود الفرد هو نفسه إنما يصبح عبارة عن إنسان آلي فاقد اإلرادة )2)). لكن ستعمل مدرسة شيكاغو على التخل ي عن هذه النظرة الموروثة عن سيكولوجيا الحشود تدر ج ا إذ في فترة ما بين الحربين العالميتين سي ساهم كل من روبرت بارك )1864 1944( Robert.E Park وهربرت بلومر )1900 1987( Herbert Blumer في دمج دراسة الحشود ضمن دراسة السلوك (15) James Coleman, Foundations of Social Theory (Cambridge/ London/ Massachusetts: Harvard University Press, 1990). (16) Anthony Oberschall, Social Conflict and Social Movements (Englewood Cliffs, NJ: Prentice Hall, 1973). (17) Russel Hardin, One for All: The Logic of Group Conflict (Princeton: Princeton University Press, 1995). (18) Timur Kuran, Private Truths, Public Lies: The Social Consequences of Preference Falsification (Cambridge/ London/ Massachusetts: Harvard University Press, 1995). (19) Boudon, «Théorie du choix rationnel,» p. 15. (20) Gustave Le Bon, Psychologie des foules, 9 th éd. (Paris: Édition Félix Alcan, 1905 [1895]), p. 19, p. 19. (21) Ibid., p. 23.
95 تاساردلا امتجالا تاكرحلاالختيار العقالني ينالقعلا رايتخالحركات االجتماعية الجمعي Collective Behavior الذي أ دخل في خانة الموضوعات المشروعة لحقل البحث السوسيولوجي )2)). فلم تع د االحتجاجات بمنزلة حاالت اجتماعية مرضية بل أصبحت تتمتع بعقالنية خاصة. كما ع و ض مبدأ مسلكيات الحشود القائم على منطق العدوى بمبدأ ت و ج ه األفراد نحو أهداف مشتركة. وقد اعتمد رو اد مدرسة شيكاغو وتالمذتهم منهجية تنطلق من الفرد بصفته فاعال اجتماعي ا ألن فهم التفسيرات الجماعية لكل سلوك ال يمكن أن يتم إال بالنظر إليها من زاوية الفاعل. إضافة إلى ذلك دش نت دراسات أخرى في ستينيات القرن السابق مرحلة جديدة في تحليل السلوك الجمعي المميز للحركات االجتماعية حيث تناول بعض الدارسين مشكلة تفسير الثورات أو التمر دات بالتركيز على مفهوم»الحرمان النسبي«كما هو الشأن بالنسبة إلى نظريات الثورات لدى جيمس دايفيز )2)). وإذا كان هذا األخير يحاول تفسير حدوث الثورات بالزيادة الفجائية للفرق الموجود بين انتظارات الناس المحف زة بالتقدم االقتصادي والتقل ص المباغت لإشباعات المتحققة جراء تحول الظرفية االقتصادية )مثل تباطؤ النمو االقتصادي أو تراجعه( أو السياسية )مثل القمع الشرس( )2)) فإن تيد غور ي برز أن الحرمان النسبي الناجم عن الفرق بين تطل عات الفاعلين وواقعهم المعيش هو الذي يؤدي إلى ظهور حركات اجتماعية. لكن ذلك ال يعني وجود عالقة ميكانيكية بين الحرمان واالحتجاج إذ من المعروف أن أي حركة اجتماعية تقتضي إنتاج خطاب وتحديد مسؤوليات إضافة إلى العمل على بث المعنى في مفاصل العالقات االجتماعية المعيشة )2)). ثمة مسافة كبرى تفصل الحرمان النسبي باعتباره فرق ا بين التطل عات والموارد عن الفعل الجمعي. لذلك وكي نفهم الفعل الجمعي الناجم عن الحرمان ون فس ره ي فترض دعم نظرية الحرمان النسبي بتفسيرات ونظريات إضافية أخرى )2)). وفي هذا المجال يرجع الفضل إلى نظريات نموذج مانكور أولسون )2)) التي ساهمت على نحو فاعل في نقل شبكات التحليل من علم النفس االجتماعي الذي طوره كل من نيل سملسر وتيد غور إلى حقل نظري مستوحى من علم االقتصاد. وهنا يكمن بيت القصيد الذي يشكل اإلطار النظري الذي من خالله ستفحص الدراسة قيمة نظرية االختيار العقالني في سوسيولوجيا الحركات االجتماعية ومحدوديتها. يرى أولسون أن األفراد قبل أن يقرروا المشاركة من عدمها في أي حركة اجتماعية يحتكمون إلى مبدأ حساب الربح والخسارة. وينطلق في تحليله من المفارقة التالية: ي فتر ض من منظور الحس السليم أنه (22) Erik Neveu, Sociologie des mouvements sociaux, 5 th éd. (Paris: La Découverte, 2011), p. 39. (23) Didier Le Saout, «Les Théories des mouvements sociaux. Structures, actions et organisations: Les Analyses de la protestation en perspective,» Insaniyat, Vol. III 2, no. 8 (1999), pp. 145 163. (24) James C. Davies, «Toward A Theory of Revolution,» American Sociological Review, vol. 27, no. 1 (1962), pp. 5 19. (25) Neveu, p. 41. (26) Dubet, p. 6. )2)) مانكور أولسون )1932 1998( هو عالم اقتصاد أميركي من أشهر مؤلفاته: منطق الفعل الجمعي )1965(. Mancur Olson, The Logic of Collective Action: Public Goods and the Theory of Groups (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1965).
العدد Issue 8 / 31 شتاء Winter 2020 96 كلما استهدف احتشاد معي ن مصلحة مجموعة من األفراد كان الفعل الجمعي أمر ا بدهي ا. لكن أولسون يعترض على ذلك ببيان أن الجماعة التي تتمتع بهذه الخصائص قد ال يصدر عنها إطالق ا أي فعل. لذلك من الخطأ اعتبار أي»جماعة كامنة«Latent Group بمنزلة كيان م ز و د بإرادة موحدة في الوقت الذي ينبغي للتحليل أن يأخذ في الحسبان منطق االستراتيجيات الفردية أيض ا. إذا جرى االعتقاد من الناحية النظرية أنه كلما كب ر حجم االحتشاد كان ذا مردودية فإنه يغفل في هذه الحالة سيناريو»الراكب بالمجان«Free Rider الذي يتضمن استراتيجية أكثر مردودية من االحتجاج متمثلة في االمتناع عن الفعل. ولبيان ذلك يمكن االستدالل بحالة الشخص غير المضر ب الذي يستفيد مع ذلك من زيادة أجره بفضل اإلضراب من دون تحم له أي تكاليف مثل االقتطاع من األجر أو الطرد من العمل. وإذا ذهبنا بهذا المنطق إلى منتهاه فستصبح أي تعبئة مستحيلة ألن عقالنيات األفراد الممتنعين عن الفعل ست فضي ال محالة إلى الالفعل. بيد أن التجربة تؤكد إمكان حدوث الفعل الجمعي ما حدا بأولسون إلى إغناء نموذجه بمفهوم»الحوافز االنتقائية«.Selective Incentives ويمكن لهذه األخيرة أن تكون إيجابية كمنح خدمات وامتيازات ألعضاء المنظمة المعنية باالحتشاد أو سلبية في شكل إكراه كما في نظام»الدكان المغلق«)2)) Closed.shop فإلى أي حد يمكن لنموذج أولسون المستوحى من نظرية االختيار العقالني أن يشكل أساس ا لتفسير ظاهرة الحركات االجتماعية في المغرب يشهد المغرب منذ نحو عقدين تصاعد ا في وتيرة االحتجاجات حيث بلغت نحو 52 احتجاج ا عام )2)) 2012. وفي مقابل ذلك تراجعت مكانة األحزاب السياسية والنقابات إذ ال تتجاوز نسبة االنخراط الحزبي للشباب 1 في المئة كما أن 4 في المئة منهم فقط يشاركون في لقاءات حزبية أو نقابية )3)) إضافة إلى انخفاض نسبة المشاركة في االستحقاقات التشريعية: 51 في المئة عام 2002 و 37 في المئة عام 2007 و 45.5 في المئة عام 2011 و 42.29 في المئة عام )3)) 2016. ارتباط ا بهذه المعطيات خ لص بحث ميداني أجريناه بشأن حركة 20 فبراير في مدينة الرباط بين 20 شباط/ فبراير 2011 و 19 شباط/ فبراير 2012 واعت م دت فيه المالحظة المباشرة والمالحظة بالمشاركة ومقابالت نصف موج هة إلى أن الحركات االجتماعية ال توجد بعضها بمعزل عن بعضها اآلخر كما أنها ال تتوانى في سعيها إلثبات استقالليتها النسبية تجاه األحزاب السياسية والنقابات. ولم ا كان إشكال البحث المذكور يتمحور حول نوعية العالقات الموجودة بين فضاء الحركات االجتماعية )2)) وهو نظام جرى العمل به تاريخي ا في نقابات بريطانيا والواليات المتحدة األميركية ويعني أن الم ش غ ل ال يمكنه أن ي ش غ ل إال األ جراء المنقبين. )2)) إحصاءات وزارة الداخلية كما وردت على لسان رئيس الحكومة عبد اإلله بنكيران في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 أمام مجلس النواب ي نظر: حسن األشرف»بنكيران: العام زين في مجال الحريات وحقوق اإلنسان...«هسبريس 2012/11/30 شوهد في 2017/11/28 في: https://bit.ly/2tqfu0z (30) Haut Commissariat au Plan, Enquête nationale sur les jeunes (Royaume du Maroc: 2012), p. 69. )3))»نتائج االنتخابات التشريعية المملكة المغربية«وزارة الداخلية شوهد في 2019/12/2 في: https://bit.ly/2rg5atv
97 تاساردلا امتجالا تاكرحلاالختيار العقالني ينالقعلا رايتخالحركات االجتماعية ومجال السياسة المؤسساتية آثرنا معالجته ضمن إشكالية نظرية تفترض وجود عالقات ترابط بين مجموع الحركات االجتماعية المشك لة لفضاء احتجاجي حريص على استقالليته النسبية تجاه حقلين مجاورين أحدهما سياسي واآلخر نقابي. تجدر اإلشارة إلى أنه قبل الموجة األولى من الثورات العربية كان توظيف سوسيولوجيا الحركات االجتماعية محدود ا في العلوم االجتماعية العربية. أما في الحقل العلمي الفرانكوفوني المتخصص في دراسة بلدان الضفة الجنوبية للبحر األبيض المتوسط فمؤل ف مونية بناني الشرايبي وأوليفي فييول )3)) الذي أصبح مرجع ا ال غنى عنه في هذا الصدد ي مه د السبيل الستعمال مفهوم»الحركات االجتماعية«في دراسة بلدان هذه المنطقة. كما أن المؤل ف نفسه ينتقد ما تد عيه نظرية»بنية الفرص السياسية«من اختالف أنطولوجي بين الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية. وحري بالتسجيل أن هذه النظرية وضعت أربعة أنماط لألنظمة السياسية تقابلها أربعة أنماط من الصراع. فإذا كانت األنظمة الديمقراطية القوية مواتية للحركات االجتماعية فإن األمر ليس كذلك بالنسبة إلى األنماط الثالثة األخرى التي تعرف إما معارضات سرية ومواجهات قصيرة األمد سرعان ما ت قمع كما هي الحال في األنظمة غير الديمقراطية القوية بما فيها المغرب )3)) وإما حروب ا أهلية في األنظمة غير الديمقراطية الضعيفة وإما انقالبات عسكرية وصراعات طائفية في األنظمة الديمقراطية الضعيفة )3)). تعر ض هذا البراديغم األميركي الذي كثير ا ما ساد أدبيات سوسيولوجيا الحركات االجتماعية النتقادات عدة بسبب ربطه الميكانيكي والستاتيكي بين تطور الحركات االجتماعية وانفتاح البنية التي تتيح الفرص السياسية أو انغالقها )3)). ومما ي زك ي هذه االنتقادات وجود بعض األمثلة ألنظمة سلطوية غير متحجرة في جنوب البحر األبيض المتوسط بل إنها تتأقلم مع األحداث واالحتجاجات. فالنظام المغربي على سبيل المثال سمح بنشوء حركات احتجاجية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي. كما أن تونس كانت مسرح ا لتطور احتجاجات قوية في الحوض المنجمي في»قفصة«في ظل نظام سلطوي )3)). أفضت هذه االنتقادات إلى بيان محدودية نموذج»بنية الفرص السياسية«. لذلك لم يع د مستساغ ا أن تبقى الحركات االجتماعية حك ر ا على األنظمة الديمقراطية بينما يبقى ق د ر األنظمة السلطوية هو المعارضات السري ة المصحوبة بمواجهات قصيرة األمد. تأسيس ا على ما سبق يستنير البحث الحالي بتنظير صاغه ليليان ماتيو عام 2007 في دراسته الفعل الجمعي االحتجاجي في فرنسا. (32) Bennani Chraïbi Mounia & Fillieule Olivier (dir.), Résistance et protestations dans les sociétés musulmanes (Paris: Presses de Sciences Po, 2003). (33) Charles Tilly & Sidney Tarrow, Politique(s) du conflit, Rachel Bouyssou (trans.) (Paris: Presses de Sciences Po, 2008), p. 103. (34) Ibid., p. 105. (35) Lilian Mathieu, L Espace des mouvements sociaux (Paris: Edition du Croquant, 2012), p. 114. )3)) خالل عام 2008 وطوال نحو ستة أشهر عرفت منطقة قفصة في الجنوب الغربي التونسي حركة احتجاجية قوية من جراء تراجع دور»شركة ف سفاط قفصة«في إنعاش اقتصاد المنطقة.
العدد Issue 8 / 31 شتاء Winter 2020 98 يقول ماتيو م عر ف ا المفهوم المركزي في م ق ت ر ب ه:»إن فضاء الحركات االجتماعية هو مجال للممارسة والمعنى مستقل نسبي ا داخل العالم االجتماعي وتتوح د ضمنه الحركات االحتجاجية بروابط معي نة«((3(. في ما يخص المغرب غالب ا ما كانت الصراعات السياسية كما الحركات االجتماعية منذ االستقالل عام 1956 تقودها أحزاب الحركة الوطنية )3)) والنقابات التابعة لها )3)). لذلك لم يكن في اإلمكان في هذه المرحلة من الصراع مع النظام الحديث عن استقاللية للفضاء االحتجاجي إذ إن أي تعبئة اجتماعية أو سياسية كانت تصدر عن هذه الهيئات بكيفية مباشرة أو غير مباشرة. ولم تظهر أولى محاوالت استقالل هذا الفضاء إال مع نشأة»الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين بالمغرب«عام 1991 وما تالها من ازدهار لحركات األطر العليا المعطلة )4)). في هذا الصدد يجب التنويه بأن هذه الحركات تمثل إلى حد بعيد مختبر ا مصغ ر ا لفحص الع د ة المفهومية والمنهجية لنظرية االختيار العقالني في نسختها األولسونية. وأكدت دراسة هذه الحركات أهمية م سل مة»حساب الربح والخسارة«باعتبارها أحد المبادئ األساسية للفردانية المنهجية المعتمدة على عقالنية أداتية. إضافة إلى ذلك جرى التحقق من نجاعة تقنية»الدكان المغل ق«في ص د سيناريو»الراكب بالمجان«حيث ساهم ذلك في إنجاح التعبئة االجتماعية للمعطلين بفضل إلزامية انخراط كل عضو راغب في اإلدماج في الوظيفة العمومية ومشاركته )4)). ومن المعلوم أن العمل بهذا المبدأ ظل م ج دي ا طوال الفترة التي كان فيها ولوج الوظيفة العمومية مضمون ا مباشرة. أضف إلى ذلك أن مفارقة أولسون تأكدت عندما انتفت»الحوافز االنتقائية«بسبب إلغاء اإلدماج المباشر بقرار من رئيس الحكومة عام 2012 ما أفضى إلى تراجع زخم هذه الحركات. يعتبر عام 2011 فرصة سانحة لحركات األطر العليا المعطلة من حيث اإلدماج المباشر في أسالك الوظيفة العمومية. ويرجع الفضل في ذلك إلى الدينامية االحتجاجية التي أطلقتها حركة 20 فبراير إذ عمدت السلطات إلى فك االرتباط بين هذه الحركة وحركات المعطلين وإلى إدماج كل األطر المعطلة المسجلة في اللوائح التي كانت تشتمل عليها الحكومة آنذاك )4304 إطارات معطلة(. غير أنه مع انطالق العملية تبي ن أن عدد ا من هذه األطر لم تشمله االستفادة ما دفعهم إلى االنتظام في مجموعات جديدة انخرطت في احتجاجات تصعيدية لعل أهمها احتالل المقر (37) Lilian Mathieu, «L Espace des mouvements sociaux,» Politix, vol. 1, no. 77 (2007), p. 133. )3)) تشمل حزب االستقالل واالتحاد الوطني للقوات الشعبية واالتحاد االشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم واالشتراكية. )3)) يتعلق األمر باالتحاد المغربي للشغل واالتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل. (40) Emperador Badimone, «Les Mobilisations des diplômés chômeurs au Maroc usages et avatars d une protestation pragmatique,» Thèse de doctorat en Science politique, à Aix Marseille 3, École Doctorale Sciences Juridiques et Politiques (Aix en Provence), 2011, p. 8. )4)) كانت لجان تنظيمية تضع قوائم بأسماء األعضاء لضبط مدى حضور كل عضو ومشاركته في مختلف األشكال االحتجاجية التي تؤطرها حركاتهم. لذلك لم يكن يستفيد من اإلدماج في الوظيفة العمومية إال األعضاء الملتزمون والمواظبون. ي نظر: دفتر الميدان الخاص بالباحث 2010 2015.
99 تاساردلا امتجالا تاكرحلاالختيار العقالني ينالقعلا رايتخالحركات االجتماعية المركزي لحزب االستقالل بالرباط الذي كان أمينه العام آنذاك وزير ا أول في حكومة ما قبل»الربيع العربي«((4(. كان هذا إيذان ا بدخول هذه الحركات في طور من التراجع بدء ا من عام 2012. ولتعويض ضعف قدرتها التحشيدية الناجم عن انتفاء»الحوافز االنتقائية«اضطر مختلف تنظيمات األطر المعطلة إلى اللجوء إلى بعض أشكال التضامن )4)) أو التحالف )4)) التي كانت معدومة من قبل بسبب تنافسها بشأن فرص الشغل المتاحة محلي ا أو وطني ا. وكآخر ورقة في يدها عملت حركات األطر العليا المعطلة على تصعيد أشكالها االحتجاجية )4)) على الرغم من تكلفتها الباهظة جد ا )4)). تتمثل الحالة الثانية التي ت بي ن نجاعة النموذج العقالني ألولسون في حركة األساتذة المتدربين الذين كانت مطالبهم تتمحور حول تشغيل كل أفراد الفوج وعدم خفض قيمة المنح الدراسية. ومما يالحظ في دراسة هذه الحالة أن ما كان ي قل ل من شأن»الراكب بالمجان«ليس هو نظام»الدكان المغلق«)4)) بل إن األمر الذي قطع الطريق أمام سيناريو»الراكب بالمجان«هو أن الحركة كانت مكو نة من جماعات صغيرة )نحو 250 متدر ب ا في كل مركز جهوي( تخضع ألنساق تفاعلية بين شخصية.Interpersonal ومن المعلوم أن في هذا الصنف من الجماعات يكون اإلحساس بالقدرة على التأثير في صنع القرار أقوى وأكثر تحشيد ا. كما تكون فيها الضغوط االجتماعية والمعنوية أكثر حضور ا ونجاعة نظر ا إلى قيام العالقات بين أفرادها على الق رب والتبادلية واأل لفة. إن وجود»الحوافز االنتقائية«باعتبارها ضمان ((4( الشغل ورفع قيمة المنحة من جهة وقطع الطريق على نحو يكاد يكون تام ا أمام»الراكب بالمجان«من جهة أخرى أتاحا لحركة األساتذة المتدربين الصمود طوال نحو ستة أشهر ومواصلة ضغطها على الحكومة حت ى ت و ج بتوقيع محضر اتفاق معها )4)). )4)) حري ذكره أن االحتالل الذي دام بين 13 و 20 تموز/ يوليو 2011 كاد يتحول إلى مواجهات دامية بين األطر العليا المعطلة المعتصمة في المقر المركزي للحزب وأنصار حزب االستقالل الذين كانوا على وشك اقتحام المقر لتحريره بالقوة من قبضة محتليه. ولوال مبادرة جهات عليا في الدولة للتفاوض النقلبت األمور إلى ما ال ت حم د عقباه ينظر: المرجع نفسه 2010 2015. )4)) مثل تنظيمها مسيرة وطنية موحدة في الرباط في 6 تشرين األول/ أكتوبر 2013 ينظر: المرجع نفسه. )4)) مثل تأسيس»االتحاد الوطني لألطر العليا المعطلة«في 25 شباط/ فبراير 2015 ينظر: المرجع نفسه. )4)) حري ذكره على وجه الخصوص عرقلة حركة المرور أو سير الترامواي وسط مدينة الرباط أو سير القطارات. إضافة إلى احتالل مقرات بعض الوزارات أو بعض مرافق اإلدارة العمومية أو بعض مقرات األحزاب. ينظر: المرجع نفسه. )4)) أبرز مثال على ذلك وفاة أحد األطر العليا المعطلة حرق ا ينظر: المرجع نفسه أضف إلى ذلك قيام محكمة االستئناف في الرباط بمتابعة تسعة ناشطين في حالة اعتقال في 4 نيسان/ أبريل 2014 بتهم تخريب الممتلكات العامة واالعتداء على رجال األمن الخاص وعرقلة سير القطارات ي نظر:»تأجيل محاكمة المعطلين التسعة إلى 15 شتنبر«اليوم 2014/9/1 24 شوهد في 2019/12/2 في: https://bit.ly/2r47ctm )4)) لم يكن ممكن ا تطبيق نظام»الدكان المغلق«في حالة هذه الحركة ألن الحكومة حالما تستجيب لهذين المطلبين فلن تستثني أحد ا من االستفادة. )4)) س ج لت حاالت نادرة ألساتذة متدربين ال يشاركون في احتجاجات الحركة. ي نظر: صفحة ال»فيسبوك«الخاصة باألساتذة المتدربين في المغرب: https://bit.ly/2pyqrnb )4)) و ق ع محضر االتفاق في 13 نيسان/ أبريل 2016 يقضي بتعليق تنفيذ مرسوم فصل التوظيف عن التكوين وتوظيف جميع المتدربين بعد إجراء مباراة شكلية في نهاية كانون األول/ ديسمبر 2016.
العدد Issue 8 / 31 شتاء Winter 2020 100 اختصار ا يمكن القول إن دراسة حالت ي هاتين الحركتين االجتماعيتين بي نت القدرة التفسيرية التي يتمتع بها نموذج أولسون العقالني إال أن ذلك ال يغني عن مواصلة التساؤل. فإلى أي حد يمكن تعميم هذا المنظور العقالني على حركات اجتماعية أخرى وخصوص ا تلك التي أثرت عميق ا في الفضاء االحتجاجي المغربي الراهن مثل حركة 20 فبراير وحراك الريف ثالث ا: محدودية نظرية االختيار العقالني: في سوسيولوجيا حركة 20 فبراير وحراك الريف إذا كانت نظرية أولسون قد أفلحت إلى حد بعيد في تفسير ظهور حركات اجتماعية تقوم على مصالح اقتصادية مثل اإلدماج في الوظيفة العمومية في حالة األطر المعط لة أو ضمان ربط التكوين بالشغل في حالة األساتذة المتدربين فإنها تفقد صالحيتها أمام حركات اجتماعية تراهن على قيم المادية مثل الحرية والكرامة والعدالة االجتماعية والتضامن والعيش المشترك. لهذا تبقى تصو رات أولسون بشأن»مفارقة الفعل الجمعي«شيئ ا ما تبسيطية ومادية وذات نزعة موضوعية وأداتية على الرغم من أنها شك لت نقطة انطالق لتعميم مفهوم»الحوافز االنتقائية«وجعله أكثر تركيب ا ب ت ض مينه فكرة»الحوافز الرمزية«)5)). وهي حوافز ذات طبيعة معنوية ونفسية كم ت ع النضال والرضا الناجم عن الدفاع عن أفكار معي نة واإلحساس بالقدرة على الفعل وتأكيد الذات وتثمينها. ولتبيين أهمية هذا النوع الالمادي من الحوافز ست حلل حالتان لحركتين اجتماعيتين في المغرب ت قد مان الدليل على محدودية العقالنية األداتية في نموذجها األولسوني وتفتح المجال أمام تفسيرات بديلة تعتمد»حوافز رمزية«أو تنتمي إلى»عقالنية أكسيولوجية«. ويتعلق األمر بحركة 20 فبراير وحراك الريف. مهما تكن االنتقادات الموج هة إلى نموذج أولسون فإن هذا النموذج يضع تحد ي ا إيجابي ا أمام التحليل السوسيولوجي يتمثل في أن الفعل الجمعي ليس قطع ا أمر ا بدهي ا. ويبدو أن هذه المالحظة حملت جيال من الباحثين على محاولة رفع التحدي بالسعي لبيان شروط تطور الحركات االجتماعية. غير أن هذا التنويه الواجب بعمل أولسون ال يمنع بتات ا من طلب مزيد من التدقيق بشأن»العقالنية«التي يضعها في قلب السلوك وبشأن شروط وجودها كما ال يمنع من التساؤل عن حدود تطبيق هذا النموذج )5)). ومن ث م يكون اإلتيان على أهم االنتقادات الموج هة إلى نظرية االختيار العقالني بصفة عامة في العلوم االجتماعية وبصفة خاصة في سوسيولوجيا الحركات االجتماعية. في اإلمكان صياغة أهم هذه االنتقادات في شكل استفهامات إ نكارية: أال تختلف كيفية استدماج االستعدادات الخاصة بالحساب االقتصادي باختالف األوساط االجتماعية واألزمنة أال يختلف احتمال معالجة المشكالت وفق حساب عقالني من فرد إلى آخر ومن تصرف إلى آخر بحسب الفرد نفسه أال يمكن تفادي الخلط بين النماذج النظرية للتفسير التي ي ع د ها الدارس لبيان االنتظامات (50) Daniel Gaxie, «Rétributions du militantisme et paradoxes de l action collective,» Swiss Political Science Review, vol. 11, no. 1 (2005), p. 160. (51) Neveu, p. 48.
101 تاساردلا امتجالا تاكرحلاالختيار العقالني ينالقعلا رايتخالحركات االجتماعية الموضوعية لمختلف أنماط السلوك والدوافع المعيشة ذاتي ا من الفاعلين االجتماعيين أثناء الفعل الجمعي وأخير ا أال يمكن التفكير في شخص المناضل بصفته شخص ا له محتوى اجتماعي آخر غير محتوى اآللة الحاسبة بلى إن كيفية استدماج االستعدادات الخاصة بحساب الربح والخسارة تتباين باختالف األوساط االجتماعية واألزمنة. كما أن احتمال التعامل مع المشكالت وفق حساب عقالني ال يتشابه من فرد إلى آخر وال من فعل إلى آخر بحسب الفرد نفسه. لذلك يجب تفادي الخلط بين النماذج النظرية لتفسير مختلف أنماط السلوك والدوافع المعيشة ذاتي ا من الفاعلين االجتماعيين أثناء الفعل الجمعي. وأخير ا يجوز التفكير في شخص المناضل بصفته شخص ا يتمتع بمؤهالت اجتماعية وثقافية تتجاوز كل ما هو أداتي نفعي. إذا كانت نظرية االختيار العقالني وخصوص ا في نموذجها العقالني األداتي لدى أولسون تتيح إمكانات منهجية مهمة لفهم وتفسير جوانب كثيرة من الظواهر المرتبطة ببعض الحركات االجتماعية فإنها تبقى عاجزة عن تفسير قضايا أخرى في المجال نفسه. لهذا استعانت الدراسة بإطار نظري بديل يستوعب نظرية االختيار العقالني ويتجاوزها في اآلن نفسه. وهو التنظير الذي صاغه ليليان ماتيو مستند ا في ذلك إلى مفهوم»فضاء الحركات االجتماعية«. ت بي ن هذه الدراسة أيض ا أنه كان ينبغي انتظار الموجة األولى من الثورات العربية لتظهر في سياقه حركة 20 فبراير باعتبارها حركة تمثل على ما يبدو أبرز محاولة الستقالل الفضاء االحتجاجي في المغرب. وخالف ا لما يذهب إليه أولسون في مقاربته الفعل الجمعي االحتجاجي لم تكن هذه الحركة ذات مطالب مادية خاصة بفئة اجتماعية محددة. لذلك تبقى عصي ة على الدراسة وفق نظرية االختيار العقالني في نسختها األداتية. وي ظهر فحص مطالب الحركة أنها ذات طبيعة سياسية وحقوقية واجتماعية عامة ال تخص فئة دون أخرى بل تكاد تهم غالبية شرائح المجتمع كما هو الشأن بالنسبة إلى غالبية الحركات االجتماعية التي تحر كت في الموجة األولى من االنتفاضات والثورات العربية. وعادة ما ت ختصر مطالب حركة 20 فبراير في ثالثية الحرية والكرامة والعدالة االجتماعية. إذا استحضرنا»مفارقة أولسون«التي تقول إن الجماعات الصغرى تكون قابلة لالحتشاد أكثر من الجماعات الكبرى بفضل ما تتيحه»الحوافز االنتقائية«من إمكانات للتعبئة وبفضل الدور الفاعل الذي تقوم به تقنية»الدكان المغلق«في صد محاوالت»الراكب بالمجان«إذا استحضرنا ذلك كل ه يمكن القول إن حركة 20 فبراير استطاعت أن تتخطى»مفارقة أولسون«وتحشد فئات اجتماعية منو عة في نحو مئة مدينة طوال عام )5)) 2011. هنا يكمن البعد الجمعي للحركة إضافة إلى بعدها الصراعي وبعد التوجه صوب التغيير االجتماعي. وجدير بالتسجيل أن هذا التعريف للحركة يختلف كثير ا عن آخر يختزلها في»التنظيم والفاعل القائم )5)) دفتر الميدان الخاص بالباحث 2011.
العدد Issue 8 / 31 شتاء Winter 2020 102 بتعبئة القوى والمطالبات ذات الحمولة االجتماعية«)5)). فالبعد الجمعي لحركة 20 فبراير يتجل ى في أن المحتجين على الرغم من تبايناتهم السياسية واأليديولوجية يلتقون حول مجموعة من المطالب السياسية والحقوقية. أما البعد الصراعي فيد ل على تموقع حركة 20 فبراير والدولة على طرف ي ميزان متأرجح للقوة والمعنى. ويتجل ى البعد الثالث للحركة في ت وج هها نحو التغيير االجتماعي بسبب عدم رضا الناشطين والمشاركين في الحركة عن أوضاع الفساد واالستبداد وسعيهم نحو تغييرها من خالل المطالبة بالديمقراطية والعدالة االجتماعية )5)). غير أن الحراك الذي دش نته حركة 20 فبراير بدأ سياسي ا خالص ا وبقي كذلك ولم ينجح في استيعاب بؤر الحراك االجتماعي القائمة في البالد )5)). لذلك يمكن إدراج حركة 20 فبراير إلى حد ما في صنف الحركات االجتماعية التي وسمها آالن تورين ب»الجديدة«. هذا التصنيف تبر ره مطالبها التي ترتبط بقيم كونية المادية مثل الحرية والكرامة والعدالة االجتماعية والتي تستند إلى هوية ناشطيها والمشاركين فيها كمنتمين في الغالب إلى طبقة متوسطة متعلمة ومن هيكلتها األفقية. وهي تختلف عن الحركات العمالية من حيث إنها تحشد أعضاءها حول قضايا المادية مثل الهوية والبيئة والسالم وحقوق اإلنسان. كما أنها حركات تقوم على ثالثة مبادئ. فالمبدأ األول هو مبدأ الهوية الذي يعني أن الجماعة يجب أن تكون لها هوية قابلة لإدراك بسهولة وذات داللة بالنسبة إلى القضية التي تدافع عنها. أما المبدأ الثاني فهو مبدأ التعارض الذي بموجبه ينبغي للحركة المدروسة أن ت حد د م ن هم خصومها. وأما المبدأ الثالث فهو يتمثل في دفاع الحركة االجتماعية الجديدة عن مطالبها باسم قيم كونية تعتبرها غير قابلة للمصادرة مثل الحرية وحقوق الشخص وحماية البيئة وغيرها )5)). يبدو جلي ا إذ ا أن نظرية االختيار العقالني في نموذجها األولسوني األداتي تعاني قصور ا منهجي ا وإبستيمولوجي ا إزاء هذا النوع من الظواهر االجتماعية التي يخضع فيها الفعل الجمعي االحتجاجي لمنطق مغاير غير منطق العقالنية األداتية المستندة إلى م سل مة»مبدأ التكلفة والربح«. فكيف يمكن تحديد خصوصية هذا المنطق المغاير يقول أحد ناشطي حركة 20 فبراير في مدينة الدار البيضاء:»استكملت تكويني في الصحافة ثم الفلسفة على التوالي قبل الربيع العربي وأجلت الماستر واقتراحات العمل وألغيت كل شيء من أجل ما آمنت به. كانت اإلمكانية أن أصير قبل كل هذه الج ل بة حينها صحفي ا إذ اقترحت علي جرائد وإذاعات أن أعمل لصالحها وكانت معد التي في إجازة الفلسفة )5)) من أجل التوسع أكثر في المقارنة ي نظر: عبد الرحمن رشيق»حركة 20 فبراير: تتويج لالحتجاجات في المغرب«في: 20 فبراير ومآالت التحول الديمقراطي في المغرب سلسلة التحول الديمقراطي )الدوحة/ بيروت: المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات 2018( ص 145. )5)) جرى اقتباس تعريف الحركة االجتماعية من كتاب: Lilian Mathieu, L Espace des mouvements sociaux (Paris: Éditions du Croquant, 2012), p. 12. )5)) محمد الساسي»النظام السياسي المغربي غداة حراك 2011: االستقرار الهش بديال من الديمقراطي«في: 20 فبراير ومآالت التحول الديمقراطي ص 74. (56) Alain Touraine, La Voix et le regard (Paris: Les Éditions du Seuil, 1978), p. 112.
103 تاساردلا امتجالا تاكرحلاالختيار العقالني ينالقعلا رايتخالحركات االجتماعية تسمح بأن أصير أستاذ ا في الثانوي بما ي مك نني حينها من استكمال دراستي وكان باب استكمال الماستر ثم الدكتوراه مفتوح ا بشكل واسع في الداخل أو استناد ا على أقارب في الخارج«)5)). إذا قرأنا هذا المقتط ف من الشهادة من زاوية نظرية االختيار العقالني في نموذجها األداتي فسنالحظ أن تكلفة الفعل المختار مرتفعة جد ا في مقابل خلو الفعل من أي فائدة حيث إن الناشط ألغى كل الفرص المتاحة له في العمل أو متابعة الدراسات العليا من أجل ما يؤمن به من قيم مثل الحرية والكرامة والعدالة االجتماعية. ويضيف الناشط قائال :»أوقفت كل شيء وخرجت في مظاهرات الفرح التي عم ت 2011 انتسبت للجنة اإلعالم ساعة أخبرني األصدقاء أن هناك نقص ا في تلك اللجنة بأكبر مدن المغرب ثم تركتها إلى لجنة الشعارات ساعة أخبرني األصدقاء أن هناك نقص ا في لجنة الشعارات. لم أقتصد جهد ا كالممسوس وأحيان ا كنت أحضر مسيرتين في مدينتين متباعدتين ثم اجتماع ليلي لم أترك موقع ا أو موطئ قدم يشجع الناس ويطمئنهم إال ورميت نفسي فيه. لم أومن أن المناضل آخر من ي ضر ب أو ي ستشهد «)5)). هكذا ي ضح ي هذا الناشط بإمكانات الشغل أو الدراسات العليا كلها كي يشارك في ما ن ع ته ب»مظاهرات الفرح«إب ان انتفاضات عام 2011. أضف إلى ذلك انخراطه في مختلف نشاطات حركة 20 فبراير حيث إنه لم يد خر أي جهد في مسعاه ذلك فضال عن اعتقاده أن المناضل هو الذي ينبغي له أن يكون دوم ا في الطليعة وعلى استعداد للتضحية فقد كان يتفانى في نشاطه بكل التزام. مما ي عز ز هذا االستنتاج شهادة أخرى يدلي بها أحد ناشطي حركة 20 فبراير في مدينة الرباط في مقابلة أجراها معه الباحث عام 2011 إذ يقول:»شاركت في جل األشكال االحتجاجية التي نظمتها تنسيقية حركة 20 فبراير بمدينة الرباط. وكم هي عديدة المرات التي تعرضت فيها للضرب والشتم من طرف قوات األمن بالشارع. ولم يثنني ذلك أبد ا عن مواصلة النضال من أجل قيم الحرية والكرامة والعدالة االجتماعية التي أومن بها. واألنكى من ذلك أنه جرى تهديدي بالطرد من المؤسسة التعليمية التي كنت أتابع فيها دراستي العليا«)5)). مما ال ريب فيه أن االستماتة في النضال بهذه الكيفية تذكرنا بمفهوم»المناضل الزاهد«لدى جون ماكارثي John McCarthy وماير زالد Mayer Zald وهو مفهوم جديد للحوافز يتجاوز مفهوم»الحوافز االنتقائية«في نموذج أولسون األداتي. ويتعلق األمر بما يسميه دانيال غاكسي Daniel Gaxie»الحوافز الرمزية«كما سبقت اإلشارة إلى ذلك. وهي ذات طبيعة معنوية ونفسية كم ت ع النضال والر ضا الناجم عن الدفاع عن أفكار معي نة واإلحساس بالقدرة على الفعل وتأكيد الذات وتثمينها. إذا كان التحليل المنج ز عن حركة 20 فبراير يدحض بقوة النزعة األداتية لنموذج أولسون فإن دراسة حراك )5))»حمزة محفوظ يكتب: بعد سنوات أربع من ل سعة الربيع!«هنا صوتك 2014/12/30 شوهد في 2017/12/17 في: https://bit.ly/2ml1vox )5)) المرجع نفسه. )5)) الناشط م. ع. الذي فض ل عدم ذكر اسمه مقابلة شخصية الرباط 10 تموز/ يوليو 2011.
العدد Issue 8 / 31 شتاء Winter 2020 104 الريف ت بي ن هي األخرى أن هذه الحركة عصي ة على تطبيق الع د ة المفهومية لعقالنية أولسون األداتية. فاألمر ال يتعلق بحركة ذات مطالب فئوية محددة إنما بحراك مطالب ه حقوقية واجتماعية واقتصادية تهم سكان منطقة الريف جميعهم. وإذا استحضرنا»مفارقة أولسون«التي مفادها أن الجماعات الصغرى تكون قابلة للتحشيد أكثر من الجماعات الكبرى بفضل ما تتيحه»الحوافز االنتقائية«من إمكانات للتعبئة وبفضل فاعلية تقنية»الدكان المغلق«في صد محاوالت»الراكب بالمجان«يجوز القول إن حراك الريف استطاع أن يتجاوز تلك المفارقة ويحش د فئات اجتماعية منوعة في منطقة الريف وخصوص ا في مدينة الحسيمة على امتداد عام تقريب ا )6)). على الرغم من أن منطقة الريف )6)) تعاني فوارق مجالية ) 6 )) بدرجة أقل من بعض المناطق المغربية األخرى فإن سكانها ما فتئوا ينتفضون منذ االستقالل إلى العصر الراهن عبر مجموعة من المحطات التاريخية سنأتي على ذكرها. وفي الحقيقة ت سائ ل هذه المفارقة الباحثين في مجال العلوم االجتماعية: لماذا يكاد ينفرد أهل هذه المنطقة بالتمرد أو باألحرى لماذا ال يحتج سكان باقي المناطق المهمشة في المغرب أو لماذا ال يحتجون إال نادر ا ت بي ن الدراسة أن حراك الريف اجتمع فيه ب عد جمعي وآخر صراعي وثالث يخص التوجه صوب التغيير االجتماعي. ويمكن القول إن هذا الحراك اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره من الحركات االجتماعية األخرى التي عرفها التاريخ االحتجاجي في المغرب منذ االستقالل. فبمجرد انطالق الشرارة األولى للحراك انبثقت من ص لبه قيادة ميدانية )6)) تتمتع باستقاللية ع ز نظيرها على الحقلين السياسي والنقابي ((6(. )6)) من نشأة الحراك في 28 تشرين األول/ أكتوبر 2016 إلى إحياء الذكرى األولى لوفاة محسن فكري في 28 تشرين األول/ أكتوبر 2017. )6)) تزخر منطقة الريف بثروات طبيعية وإمكانات هائلة لم تستفد منها لتحقيق تنمية متوازنة تستعين بها الساكنة على تحسين ظروف عيشها. وتأثرت المنطقة تأثر ا سلبي ا نتيجة عقود من التهميش والعزلة واإلقصاء. ي نظر مثال : إحرشان عمر»حراك الريف: السياق والتفاعل والخصائص«سياسات عربية العدد 31 )آذار/ مارس 2018( ص 68. )6)) توجد أعلى نسبة للفقر في جهة»درعة تافياللت«: 14.6 في المئة متبوعة بجهة»بني مالل خنيفرة«: 9.1 في المئة. أما جهة»طنجة تطوان الحسيمة«التي تنتمي إليها منطقة الريف فنسبة الفقر فيها ال تتجاوز 2.6 في المئة. ي نظر: المملكة المغربية المندوبية السامية للتخطيط»النتائج الرئيسية لخريطة الفقر متعدد األبعاد لسنة 2014: المشهد الترابي والدينامية«شوهد في 2019/12/2 في https://bit.ly/381uj1f )6)) يوجد على رأسها ناصر الزفزافي المولود في عام 1978 في مدينة الحسيمة شمال المغرب الذي شارك في احتجاجات سابقة في منطقة الحسيمة خصوص ا في إطار حركة 20 فبراير إ ب ان»الربيع العربي«. وقد ع رف محلي ا بكونه ناشط ا سياسي ا في منصات التواصل االجتماعي لكن نجمه لم يسطع إال مع حراك الريف. ي نظر مثال :»حوار.. الزفزافي يقول كل شيء عن حياته وعن إلياس ولماذا يستفرد بالحراك ولماذا ظهر رفقة الحراس«موقع األول 2017/5/20 شوهد في 2019/12/2 في: https://bit.ly/338gj9b تمك ن وهو المحكوم ابتدائي ا بالسجن عشرين عام ا من الوصول إلى المراحل النهائية من الجائزة الدولية»ساخاروف«لحقوق اإلنسان وحرية التعبير التي ينظمها البرلمان األوروبي وذلك بعد حصوله على 40 توقيع ا لبرلمانيين أوروبيين ي نظر:»الزفزافي ضمن القائمة النهائية للمرشحين ل جائزة ساخاروف لحرية الفكر«موقع لكم 2018/10/9 شوهد في 2018/10/10 في: https://bit.ly/2bqufy4 )6)) تكونت لدى قياديي الحراك وناشطيه حساسية خاصة تجاه غالبية التنظيمات الحزبية والنقابية التي كانوا يعتبرونها مجرد»دكاكين سياسية«ي نظر مثال :»حوار.. الزفزافي يقول كل شيء«.
105 تاساردلا امتجالا تاكرحلاالختيار العقالني ينالقعلا رايتخالحركات االجتماعية غني عن البيان أن السبب المباشر لنشأة حراك الريف يكمن في الحادث المأساوي الذي اهتز ت له مدينة الحسيمة مساء يوم 28 تشرين األول/ أكتوبر 2016 الذي ذهب ضحيته محسن فكري بائع السمك البالغ من العمر نحو ثالثين عام ا )6)). كانت الفاجعة بمنزلة الشرارة التي أشعلت نار الغضب لدى المواطنين وأطلقت موجات من االحتجاج تواصلت نحو سنة. فحالما شاع الخبر بين سكان المدينة تداعى مواطنون غالبيتهم من الشباب فدخلوا في اعتصام مفتوح أمام مقر المنطقة األمنية في مدينة الحسيمة )6)). واشترط المعتصمون إلنهاء شكلهم االحتجاجي ضرورة حضور عامل إقليم الحسيمة/ المحافظ والوكيل العام للملك في المحكمة االستئنافية إلى مكان االعتصام. وهو الطلب الذي استجاب له المسؤوالن اللذان حال بالم ع ت ص م على الساعة الثالثة صباح ا في 29 تشرين األول/ أكتوبر )6)) 2016. وبعد نقاش مع المعتصمين التزم المسؤوالن بإجراء تحقيق نزيه في قضية م قتل محسن فكري. واخت ت م الشكل االحتجاجي بتكوين لجنة مدنية ع ه د إليها بتتبع القضية والدفع بها في اتجاه محاسبة كل المسؤولين عن الحادث المأساوي. أما على المستوى الوطني فكانت صدمة ج ل المغاربة قوية ج ر اء مشاهدتهم كيفية طحن الضحية التي ص و رت لقطات ها الفظيعة بهاتف محمول ون ق لت عبر شبكات التواصل االجتماعي. وساد الرأي العام الوطني شعور عارم ب»الح ك رة«)6)) وخصوص ا بعد انتشار الفيديو الذي ي ظهر جثة الهالك وهي عالقة داخل مطحنة شاحنة القمامة. لذلك سرعان ما ع م مت على شبكات اإلنترنت عدة دعوات للتظاهر تلتها موجات احتجاجية في مدن مغربية كثيرة. إذ ت سج ل الدراسة الحالية من حيث المنهج ترابط هذه األحداث فإنها تنأى عن الربط الميكانيكي بين حادث الطحن الفظيغ واندالع احتجاجات حراك الريف. وال يفوتنا هنا أن نذكر أن المغرب عرف في األعوام األخيرة أحداث ا مشابهة لكنها لم ت خل ف إال احتجاجات ضعيفة ومحدودة زمان ا ومكان ا )6)) فالواقع أشد تعقيد ا من أن ي ختز ل في مثل هذه التفسيرات التبسيطية. لذلك يمكن اعتبار حادث الطحن المفجع بمنزلة القطرة التي أفاضت كأس االستياء االجتماعي المتراكم ألعوام األمر الذي ي وج ب )6)) ع ل ق هذا الشاب بمطحنة شاحنة لنقل النفايات عندما كان يحاول اعتراض عناصر شرطة صادروا بضاعته المكو نة من سمك»أبو سيف«وسعوا إلتالفها. )6)) بهذا الصدد تحكي والدة ناصر الزفزافي:»في حوالي الساعة السابعة مساء يوم 28 تشرين األول/ أكتوبر كان ناصر جالس ا في البيت. سكبت له كأس الشاي وقبل أن يبدأ في ارتشافه قلت له: سمعت أن شخص ا ما تم طحنه في شاحنة للقمامة هل هذا صحيح فوضع كأسه وخرج...«ي نظر:»بالصور: ناصر الزفزافي كما لم تعرفوه من قبل!«أصوات مغاربية 2017/7/26 شوهد في 2018/2/20 في: http://urlz.fr/5lam )6)) ي ظهر شريط فيديو تناو ل المسؤول ين الكلمة وسعيهما لطمأنة المحتجين بأن الواقعة سي فت ح بشأنها تحقيق نزيه. وفي تعقيبه على المسؤولين طالب أحد المتدخلين الذي سي عر ف في ما بعد أنه ناصر الزفزافي قائد الحراك بضرورة تقديم الضمانات الكافية إلجراء تحقيق شفاف ي نظر:»ناصر الزفزافي: لما قام بإسكات الكراكيز كلمن عامل إقليم الحسيمة ووكيل العام. هذا هو األسد وتبا للعياشة«يوتيوب 2017/1/8 شوهد في 2017/11/28 في: https://bit.ly/2qvwe2m )6)) تعني كلمة»الح ك رة«في الحقل الداللي المغربي االحتقار وهدر الكرامة واالستعالء وهضم الحقوق. )6)) نذكر منها وخصوص ا أحداث حرق الذات كتعبير احتجاجي على»الطريقة البوعزيزية«حيث س جلت في المغرب 29 حالة إلضرام النار في الجسد بين 2011 و 2016 ي نظر: «Les Immolations par le feu au Maroc en chiffres,» 16/5/2016, accessed on 17/12/2017, at: http://urlz.fr/5laz
العدد Issue 8 / 31 شتاء Winter 2020 106 تعميق البحث في كيفية اندالع حراك الريف في إطار التفاعل الحاصل بين الفضاء االحتجاجي وحقل السياسة المؤسساتية. يمكن القول إن هذا الحادث المأساوي ي جس د على نحو مكثف مجموعة من العوامل المتداخلة التي شك لت إلى حد بعيد أرضية تفيد في تفسير كيفية نشوء هذه الحركة االجتماعية وتطو رها: عوامل موضوعية ذات صلة بالبنيات االجتماعية تتفاعل مع عوامل أخرى ذاتية مرتبطة بما يقوم به األفراد أو الجماعات من أفعال. ولعل أبرز تلك العوامل استفحال ظاهرة بطالة الشباب وت فش ي آفة الفساد التي ت عد من بين األسباب التي ت فس ر جوانب عدة مما حدث في الريف إضافة إلى معاناة»الح ك رة«. مما ال ريب فيه أن تفاعل عوامل سوسيوثقافية )7)) واقتصادية )7)) وسياسية )7)) أد ى إلى إيجاد أرضية خ صبة لالستياء والتذ مر. وإذا أضيف ث قل التاريخ إلى هذه العوامل فستتوض ح الصورة أكثر بشأن ما تختزنه الذاكرة الجمعية ألهل الريف من ذكريات مؤلمة مرتبطة بأحداث تاريخية سادها التوتر مع السلطة المركزية. فبعد استقالل المغرب عام 1956 ثار الريفيون في الفترة 1957 1959 وتمردوا ضد سياسة التهميش واإلهمال التي لحقتهم )7)). وي لخ ص عالم األنثروبولوجيا األميركي ديفيد مونتغمري هارت أسباب انتفاضة الريف في عدم رضا الريفيين عن فترة االستقالل إذ خاب أملهم في األحزاب السياسية وفي الحكومة المغربية التي لم يحصلوا فيها ولو على منصب عامل إقليم )محافظ(. أضف إلى ذلك أن تخل ف منطقتهم مقارنة بما سواها عم ق إحساسهم ب»الحكرة«. لكن النظام المغربي بدال من االستجابة لتلك المطالب )7)) قمع الحركة بطريقة دموية حيث أوفد قوات عسكرية برية وجو ية بقيادة ولي العهد آنذاك األمير موالي الحسن )الحسن الثاني الحق ا( والجنرال محمد أوفقير.)1972 1920( كما عرفت منطقة الريف إضافة إلى مناطق مغربية أخرى انتفاضات جديدة في شكل حركات احتجاجية اندلعت في 19 كانون الثاني/ يناير 1984 في عدة مدن وخصوص ا منها الحسيمة والناظور )7)) ما زالت اللغة األمازيغية باعتبارها لغة أم لدى أهل الريف تعاني تهميش ا بي ن ا في مجاالت التعليم واإلدارة واإلعالم على الرغم من دسترتها في عام 2011. لهذا يشعر سكان الريف بنوع من اإلقصاء على المستويين اللغوي والثقافي ي عز ز لديهم روح االنتماء إلى جماعة مقصية سياسي ا واقتصادي ا واجتماعي ا وثقافي ا. ويؤدي هذا العامل الهوياتي دور ا فاعال في اعتزاز الريفيين بأمجادهم التاريخية واستلهامها في مواجهة مشكالت الحاضر. )7)) ال ت وجد في الريف بنيات اقتصادية قوية ما يجعل التهريب نشاط ا مدر ا للدخل بالنسبة إلى الكثير من العائالت. ي ضاف إلى ذلك السياحة الجبلية والبحرية وما تجلبه الجالية الريفية في أوروبا من عملة صعبة. وغير خفي أيض ا أن منطقة الريف خصوص ا بلدة»ك تامة«ت عرف بزراعة وتجارة القن ب الهندي وتهريبه إلى أوروبا. )7)) يرى جل المراقبين أن السلطة تتحك م عموم ا في م دخالت الحقل السياسي وم خرجاته. وارتباط ا بأزمة الريف يتجل ى هذا التحكم بحسب حزب العدالة والتنمية في تدخل أجهزة الدولة لفرض هيمنة حزب األصالة والمعاصرة المقرب من جهات عليا في الدولة. (73) Hsain Ilahiane, Historical Dictionary of the Berbers Imazighen (Lanham, MD: Scarecrow Press, 2006), p. 107. )7)) يذكر ديفيد هارت في كتابه المشار إليه من قبل أن من أهداف برنامج الحركة إجالء القوات األجنبية عن المغرب وتكوين حكومة وطنية ذات قاعدة عريضة وإقامة نظام ديمقراطي يحقق رغبات الشعب في ميادين االقتصاد والسياسة والتعليم.
107 تاساردلا امتجالا تاكرحلاالختيار العقالني ينالقعلا رايتخالحركات االجتماعية والقصر الكبير ومراكش )7)). وبعد خمسة أعوام من ت ول يه السلطة سينشئ محمد السادس»هيئة اإلنصاف والمصالحة«لط ي صفحة االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان في منطقة الريف وغيرها من المناطق األخرى )7)). لكن مع اندالع الموجة األولى من الثورات العربية عام 2011 سيعرف المغرب والريف ض منه موجات احتجاجية جديدة تحت يافطة حركة 20 فبراير. ال شك في أن تفاعل تلك العوامل التاريخية والسوسيوثقافية واالقتصادية والسياسية ساهم مساهمة كبيرة في تكوين فضاء احتجاجي حاض ن لمجموعة من الشبكات يجري إحياؤها كلما سنحت الفرصة كما هي الحال في مأساة طحن محسن فكري. ومن أبرز هذه الشبكات»الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب«والتنسيقيات المحلية لحركة 20 فبراير إضافة إلى بعض التيارات اليسارية واإلسالمية وغيرها من التنظيمات الحقوقية والنقابية. ومن ثم ي شك ل هذا الفضاء االحتجاجي التربة الخصبة لكل حركة اجتماعية ناشئة. من تداعيات حراك الريف إحداثه ر ج ة قوية هز ت الفضاء االحتجاجي والحقل السياسي ر ج ة لم يعرف المغرب نظير ا لها منذ انتفاضات عام 2011. فعلى مستوى الفضاء االحتجاجي لم ت فلح اإلجراءات السريعة التي اتخذها الملك ومبادرات رئيس الحكومة في تهدئة األوضاع. كما لم توقف إجراءات السلطات اإلقليمية االحتجاج وانتشاره في مناطق أخرى )7)). أما على مستوى الحقل السياسي فيمكن تصنيف ردود الدولة صنفين: صنف يتعلق باإلجراءات المستعجلة وآخر يخص المدى المتوسط. فعلى صعيد ما هو مستعجل لوح ظ أن كال من الملك والحكومة قام بمبادرات سريعة الغاية منها امتصاص غضب سكان الريف والشارع المغربي )7)). وعموم ا ات س م تدبير السلطة بنوع من االرتباك وعدم النجاعة األمر الذي ساهم في استمرار الحراك وانتشاره في معظم مناطق البالد حيث إن كل األساليب المنته جة في التعامل مع الحراك لم تثمر أي حل. وفي إمكان المتتب ع لكرونولوجيا الحراك أن يالح ظ سوء تدبير السلطة لهذا الصراع. فاإلجراءات المتخذة تدر جت من الوعود بالتحقيق النزيه في قضية طحن محسن فكري إلى االستعمال المفر ط وغير المتناسب للقوة مرور ا باتهام قيادة الحراك بالنزعة االنفصالية وبتلقي األموال من الخارج فالتراجع عن هذه الت هم ثم إرسال بعثات وزارية إلى المنطقة للتتبع الميداني لمدى إنجاز المشروعات التنموية المبرمجة )7)). )7)) انطلقت االحتجاجات في أوساط التالميذ قبل أن تنخرط فيها شرائح اجتماعية أخرى. وتعرضت االنتفاضة لعنف دموي شديد واعتقاالت واسعة ي نظر في هذا السياق: شكيب الخياري»انتفاضة يناير 1984 بالناظور... األسباب والنتائج«الحوار المتمدن العدد 2005/8/29 1301 شوهد في 2017/12/10 في: https://bit.ly/2pk5pss )7)) هي لجنة وطنية كل فها الملك في عام 2004 بتدبير مسار العدالة االنتقالية بالمغرب والكشف عن حقيقة االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان في الفترة 1956 1999. )7)) ن ظ مت مظاهرات سلمية في نحو ثالثين مدينة أهمها طنجة والدار البيضاء والرباط ومراكش والناظور. ي نظر:»غضب ومظاهرات بالمغرب بعد موت بائع سمك طحنا«الجزيرة نت 2016/10/31 شوهد في 219/12/2 في: https://bit.ly/324apjx )7)) مباشرة بعد الحادث المأساوي سارع الملك إلى إيفاد وزير الداخلية إلى مدينة الحسيمة لتقديم التعازي لعائلة محسن فكري. كما أعطى تعليمات»إلجراء بحث دقيق ومعمق ومتابعة كل من تثبت مسؤوليته في هذا الحادث«. أما رئيس الحكومة عبد اإلله بنكيران فدعا أعضاء حزبه )العدالة والتنمية( إلى عدم االستجابة ألي دعوة إلى االحتجاج ي نظر: المرجع نفسه. )7)) محمد نعيمي»حراك الريف: بعد عنف السلطة المفرط ال مخرج من األزمة إال بالحوار«موقع لكم 2017/7/2 شوهد في 2017/7/3 في: https://bit.ly/2c1b1l5