Ostour - Issue 4

ملفّات مشابهة
اململكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي جامعة اجملمعة عماده خدمه اجملتمع كليه الرتبية بالزلفي دبلوم التوجيه واالرشاد الطالبي ملخص منوذج توصيف مق

REPUBLIQUE ALGERIENNE DEMOCRATIQUE ET POPULAIRE وزارة التعليم العالي والبحث العلمي Ministère de l enseignement supérieur et de la recherche scientifiq

19_MathsPure_GeneralDiploma_1.2_2015.indd

االبداع في صياغة المواقف المضحكة من خصائص الشخص ذو الذكاء: الفكاهي A. الذاتي B. اللغوي C. العاطفي D. االتصال الذي يتخذ فيه الفرد قراراته بناء على المع

الجامعة الأردنية

مؤمتر طلبة الدكتوراه العرب يف الجامعات الغربية آذار/ مارس 2020 ورقة مرجعية

الحل المفضل لموضوع الر اض ات شعبة تقن ر اض بكالور ا 2015 الحل المفص ل للموضوع األو ل التمر ن األو ل: 1 كتابة و على الشكل األس. إعداد: مصطفاي عبد العز

وزارة التعليم العالي والبحثالعلمي الجامعة المستنصرية كلية اآلداب قسم الفلسفة الوجود اإلهلي يف فلسفة كانط النقدية رسالة تقدمت بها الطالبة: زينب وايل شو

وزارة الترب ة بنك األسئلة لمادة علم النفس و الح اة التوج ه الفن العام لالجتماع ات الصف الحادي عشر أدب 0211 / 0212 األولى الدراس ة الفترة *************

Programme Beni Mellal

هيئة السوق املالية التعليمات املنظمة لتمل ك املستثمرين االسرتاتيجيني األجانب حصصا اسرتاتيجية يف الشركات املدرجة الصادرة عن جملس هيئة السوق املالية مبو

الرقابة الداخلية والرقابة الخارجية

صندوق استثمارات اجلامعة ومواردها الذاتية ( استثمارات اجلامعة الذاتية ) مركز مركز استثمارات الطاقة املتجددة االستثمارات مركز اإلمام للمالية واملصرفية ا

Diapositive 1

19_MathsPure_GeneralDiploma_1.2_2016.indd

) NSB-AppStudio برمجة تطبيقات األجهزة الذكية باستخدام برنامج ( ) برمجة تطبيقات األجهزة الذكية باستخدام برنامج ( NSB-AppStudio الدرس األول ) 1 ( الدرس

الشريحة 1

الاتصال الفعال بين المعلم والطالب

حالة عملية : إعادة هيكلة املوارد البشرية بالشركة املصرية لالتصاالت 3002 خالل الفرتة من 8991 إىل مادة ادارة املوارد البشرية الفرقة الرابعة شعبة نظم امل

)) أستطيع أن أفعلها(( المادة : لغة عربية الصف و الشعبة: السابع االسم : عنوان الدرس: ورقة مراجعة )) العمل الفردي (( األهداف: أن يجيب الطالب على جميع اأ

Ministry of Higher Education& scientific Research University of technology Department of Architecture Faculty of Staff Researches وزارة التعليم العالي

نظرية الملاحظة

المحاضرة الثانية عشر مقاييس التشتت درسنا في المحاضرة السابقة مقاييس النزعة المركزية أو المتوسطات هي مقاييس رقمية تحدد موقع أو مركز التوزيع أو البيانات

وزارة الرتبية الوطنية امتحان بكالوراي التعليم الثانوي الشعبة: تقين رايضي اختبار يف مادة: الرايضيات اجلمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية الديوان الو

عرض تقديمي في PowerPoint

الدرس : 1 مبادئ ف المنطق مكونات المقرر الرسم عناصر التوج هات التربو ة العبارات العمل ات على العبارات المكممات االستدالالت الر اض ة: االستدالل بالخلف ا

Morgan & Banks Presentation V

الرسالة األسبوعية/ الصف السادس 2018 / 9 - األحد 16 أولياء األمور الكرام : إليكم الرسالة األسبوعية وما سيتم إنجازه هذا األسبوع: األسبوع الماضي : تم اال

وزارة التربية والتعليم مجلس االمارات التعليمي 1 النطاق 3 مدرسة رأس الخيمة للتعليم الثانوي Ministry of Education Emirates Educational Council 1 Cluster

الخطة الاستراتيجية ( 2015 – 2020 )

PowerPoint Presentation

نـمو المتعلم

2.3 ألعاب احتامل ستلعبون يف هذه الفع الي ة ألعاب احتامل بأزواج وستحل لونها. مالحظة: يجب أن يكون معكم يف هذه الفع الي ة زوج من مكع بات الل عب )حجارة ال

اجيبي علي الاسئلة التالية بالكامل:

مقدمة عن الاوناش

ص)أ( المملكة العرب ة السعود ة وزارة التعل م اإلدارة العامة للتعل م بمحافظة جدة الب ان النموذج ة ( تعل م عام ) انفصم اندراسي األول انفترة انثانثت العام

منحهما جائزة "الوسام الذهبي لإلنجاز": - Monitoring Media إتحاد المصارف العربية يكر م عدنان وعادل القص ار في القمة المصرفية العربية الدولية في باريس Ta

المحاضرة الرابعة التكامل المحدد Integral( (Definite درسنا في المحاضرة السابقة التكامل غير المحدد التكامل المحدد لها. ألصناف عدة من التوابع وسندرس في ه

releve

الشريحة 1

طور المضغة

اسم المفعول

جامعة عين شمس كلية الحاسبات و المعلومات كنترول الفرقة الرابعة بيانات الطالب )رقم الجلوس-الحالة الدراسية-االسم( النمذجة والمحاكاة نتيجة طالب الفرقة الر

Flyer حزمة التعليم والمشاركة بادر بالاستفادة من المنح الخاصة بعروض التعليم وأوقات الفراغ

المملكة العربية السعودية م ق س ..../1998

8 مادة إثرائية وفقا للمنهاج الجديد األساسي الثامن للصف الفصل الدراسي األول إعداد املعلم/ة: أ. مريم مطر أ. جواد أبو سلمية حقوق الطبع حمفوظة لدى املكتبة

دليل المستخدم لبوابة اتحاد المالك التفاعلية

1

وزارة التعليم العالي والبـحث العلمي

الشريحة 1

Microsoft Word - إعلانات توظيف لسنة 2017

جامعة الشارقة كلية اآلداب والعلوم االنسانية واالجتماعية قسم علم ااالجتماع االمتحان النهائي للفصل الدراسي األول للعام الجامعي /1/ ا

بسم هللا الرحمن الرحيم المادة: مقدمة في بحوث العمليات )100 بحث ) الفصل الدراسي األول للعام الدراسي 1439/1438 ه االختبار الفصلي الثاني اسم الطالب: الرق

مكثف الثالثة الوحدة البوابات املنطقية 1 هاتف : مدارس األكاد م ة العرب ة الحد ثة إعداد المعلم أحمد الصالح

هاروت وماروت كما وردت يف القرآن الكريم )من خالل تفسري ابن جرير الطربي - -ت 310 ه املسمى جامع البيان يف تفسري آي القرآن ) دكتور سناء بنت عبد الرحيم بن

م ارجعة عامة في مادة التكنولوجيا لمصف السادس األساسي الفصل الد ارسي لمعام األول م. السؤال األول :: ضع عالمة ) ( أو عالمة ) ( لما أت : ( ) تس

الجلسة الأولى: الابتكار والملكية الفكرية

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة كلية التمريض: تلتزم كلية التمريض - جامعة دمنهور بتقديم سلسلة متصلة من البرامج التعليمية الشاملة إلعداد كوادر تمريضية ذوى كفاءة عالية فى مهارات ا

Microsoft Word - 55

حقيبة الدورة التدريبية التخزين السحابي Google Drive حقيبة المتدربة إعداد املدربة : عزة علي آل كباس Twitter 1438 ه

قررت وزارة التعليم تدري س هذا الكتاب وطبعه على نفقتها الريا ضيات لل صف االأول االبتدائي الف صل الدرا سي الثاين كتاب التمارين قام بالت أاليف والمراجعة

منح مقد مة من مبادرة ألبرت أينشتاين األكاديمية األلمانية لالجئين إلى النازحين السوريين في لبنان يعرف باسم "دافي (DAFI) العام األكاديمي الجامعي 4102/41

نتائج تخصيص طالب وطالبات السنة األولى المشتركة بنهاية الفصل الدراسي الثاني 1438/1437 ه يسر عمادة شؤون القبول والتسجيل بجامعة الملك سعود أن تعلن نتائج

Microsoft Word - dériv sc maths.doc

Slide 1

جامعة عين شمس كلية التربية النوعية ة امتحان دور : ف نتيجة الفرقة : يناير األولى قسم تكنولوجيا التعليم الفرقة األولى العام الد ارسى : / ( عام

2 nd Term Final Revision Sheet Students Name: Grade: 4 Subject: Saudi Culture Teacher Signature 1

نموذج توصيف مقرر دراسي

Microsoft Word doc

Microsoft PowerPoint - Session 7 - LIBYA - MOH.pptx

أوراق ي ف المعرفة االقتصادية فاروق يونس*: لالتصال قراءة ي ف كتاب االقتصاد السيا ي س بدأ االقتصاد السياسي لالتصال في التطور في الستينيات من القرن الماض

دبلوم متوسط برمجة تطبيقات الهواتف الذكية

استمارة تحويل طالب يتعلم في الصف العادي لجنة التنسيب إلى )التقرير التربوي( استمارة لتركيز المعلومات حول العالج المسبق الذي حصل علية الطالب\ة الذي يتعل

سلسلة تمارين حول القوة المطبقة من طرف جسم نابض

كيفية تفعيل خدمة IIS ونشر موقع ويب على الشبكة احمللي السالم عليكم اصدقائي الكرام في هذا الكتاب سنتناول ما هي خدمة المعلومات وكيفية التفعيل ونشر الموقع

التقديم الإلكتروني

6 الجمهورية الج ازي رية الديمق ارطية الشعبية مديرية التربية لولاية الطارف و ازرة التربية الوطنية امتحان البكالوريا التجريبي في مادتي التاريخ والجغ ارف

اإلصدار الثاني محرم 1436 ه الكلية: القسم األكاديمي: البرنامج: المقرر: منسق المقرر: منسق البرنامج: تاريخ اعتماد التوصيف: العلوم والدراسات اإلنسانية رما

PowerPoint Presentation

الالئحة التنفيذية لنظام رسوم األراضي البيضاء الفصل األول تعريفات المادة األولى: ألغراض هذه الالئحة يكون للكلمات و العبارات اآلتية أينما وردت فيها المع

ص)أ( المملكة العرب ة السعود ة وزارة الترب ة والتعل م اإلدارة العامة للترب ة والتعل م بمحافظة جدة الب ان النموذج ة ( تعل م عام ) انفصم اندراسي األول ان

الملف الأول على قسم الترجمات: الاتجاه التنقيحي وأثره في الدرس الاستشراقي للقرآن الكريم وعلومه... مدخل تعريفي بالملف

الذكاء

نبض قريان Sakani.housing.sa /SaudiHousing

اسم المدرس: رقم المكتب: الساعات المكتبية: موعد المحاضرة: جامعة الزرقاء الكمية: الحقوق عدد الساعات: 3 ساعات معتمدة نوع المتطمب: تخصص اختياري عنوان المق

صفوت مصطفي حميد ضهير مدرسة الدوحة الثانوية ب أي خطأ طباعي أو إثناء التحويل من صيغة آلخري يرجي إبالغي به والخطأ مني ومن الشيطان أما توفيقي فمن هللا عرف

المواصفات الاوربية لإدارة الابتكار كخارطة طريق لتعزيز الابتكار في الدول العربية

1

ABU DHABI EDUCATION COUNCIL Abu Dhabi Education Zone AL Mountaha Secondary School g-12 science section Mathematics Student Name:.. Section: How Long i

جملة ميالف للبحوث والدراسات ISSN : اجمللد 4 العدد / 5 جوان 3152 Mila Univ center. Publish. Co.. Social representations of the impact of nigh

S_ARB_032810_Chapter1

هللا مسب*** مداخلة السيد النائب مالل محمد فيما يتعلق بمناقشة الميزانيات الفرعية للقطاعات الحكومية التي تدخل ضمن اختصاصات لجنة البنيات األساسية والطاقة

تشارك ٠ تواصل ٠ تنمية موضوع اللقاء : و النقل التنقل الحضري الشركاء الخميس 4 ماي 2017

كل ة االقتصاد وعلوم الس اس ة االسئلة االسترشاد ة لطلبة التعل م عن بعد لمادة نظر ة التنظ م قسم:االدارة. لسنة: أوال:أختر االجابة الصح حة: مكن

Al-Quds University Executive Vice President Hasan Dweik, Ph.D. Professor of Polymer Chemistry جامعة القدس نائب الرئيس التنفيذي أ. د. حسن الدويك أستاذ

لقانون العام للمساواة في المعاملة - 10 أسئلة وأجوبة

مشروع قانون المحكمة الدستورية التقرير العليا الرابع والسبعون مشروع قانون مقدم من الحكومة تقرير لجنة الفصل التشريعى األول دور

بسم الله الرحمن الرحيم الخطة الدراسية لدرجة الماجستير في قانون الملكية الفكرية ( مسار الشامل ) 022 ش 5 رقم الخطة أوال : أحكام وشروط عامة : ثانيا : ثال

النسخ:

*Brahim Elkadiri Boutchich إبراهيم القادري بوتشيش منهج التأويل الرمزي لقراءة التاريخ نحو إرشاك قارئ النص التاريخي يف إنتاج دالالته تشخيص نظري وتطبيقي The Hermeneutic Approach to History: Towards Involving the Historian in the Interpretation of Historical Texts تؤســس األطروحــة التي تتمحور حولها هذه الدراســة عىل مراجعة ســؤال املنهج التاريخي من خــال فرضيتني أوالهام إمنا إشارايت ال يقرأ باللغة املتداولة - فحص مدى صحة التفكري يف مايض اإلنسان كـ"حيوان رامز" ومنتج لتاريخ عالمايت جس أما ثانيتهام فهي محاولة ويبوح مبا تختزنه الذاكرة البرشية من مشاعر وعقليات متوارية يفهم بالعالمة واإلشارة بغية إعادة ومع ظرفيــة إنتاجه املؤرخ يف إعادة إنتاج النــص التاريخي عرب إقامة حوار معه / نبــض فكــرة إرشاك القارئ. وهو ما ميكن إنجازه من خالل توظيف منهج التأويل الرمزي بنائه بنا ء جديد ا صص األول لتفسري مآزق املناهج الوضعانية خ ســمت الدراسة إىل ثالثة مباحث نظرية وتطبيقية ق الختبار صحة الفرضيتني : فبي نــا أنه يقوم عــى مرتكزين جوهريني تناولنا منهج التأويــل الرمزي يف املبحــث الثــاين. والتاريخانيــة وانســدادها خ صص املبحث الثالث لتطبيق. ومبفاهيم الحارض ثم ربط آليات الفهم باملــوروث الثقايف همه فهــم النص املرموز وتف كنص غري بل وتحليلها ال كمشــهد فرجوي منهج التأويل الرمزي عىل طقوس احتفاالت البيعة يف تاريخ املغرب الراهن وكنمط من أمناط الفعل الرمزي إذ تستخدم الدراسة هنا مقولة "التاريخ الفعال" لغادامري إلظهار معنى العالمات مكتوب. وكذلك هويته اإلنسانية املستمدة من مايض املغرب وحارضه املغرب التاريخانية املدرسة الوضعانية التأويل الرمزي : كلامت مفتاحية This study reviews the question of historical methodology using two hypotheses. The first examines the validity of the concept of animal symbolicum as a means to define humans and the concept of humans as a producer of signs and signals rather than spoken language, demonstrating the hidden feelings and mindsets stored in human memory. The second is an attempt to test the idea that the reader/historian can be involved in the reproduction of the historical text through undertaking revision that considers the context of its production. This can be accomplished by using a hermeneutic approach. To test the validity of the two hypotheses, the study was divided into three sections. The first was devoted to explaining the limits of positivism and historicism as teleological methods that claim to be objective and scientific in their direction of historical writing and control of the historian's methodological choices. The article goes on to examine the hermeneutic approach, which is based on two fundamental principles: first, understanding signs and symbols and then linking this understanding with cultural heritage and current concepts in order to formulate the research questions. The final section applies the hermeneutic approach to the ritual of pledging allegiance (al-bay a) in modern Moroccan history. It analyses the ritual as an unwritten text and as a symbolic act and indicates the hidden meanings and imaginaries. It uses Gadamer s concept of historically-effected consciousness to demonstrate the meaning the signs derived from Morocco s past and present, as well as its human identity. Keywords: Hermeneutics, Positivism, Historicism, Morocco. ورئيس املجموعة املغاربية لدراسات التاريخ * أستاذ التاريخ والحضارة يف جامعة موالي إسامعيل مبكناس يف املغرب. والحضارات املقارنة Professor of history and civilization at the University of Moulay Ismail in Meknes in Morocco, and president of the Moroccan Association for Historical Studies and Comparative Civilizations. 7

ددعلالا رياني /يناين/ ينوناكوناك مقدمة: أهمية املوضوع وحظه يف املنجز البحثي تنطلق هذه الدراسة من كتاب نرشه كاستيي )2014-1926( عام 1957 بعنوان زمن القارئ ))) وفيه تنب أ بتقل ص سلطة احتكار املؤلف إلنتاج معنى النص ملصلحة قارئه الذي يصبح مشارك ا إياه يف بناء دالالته وهي النبوءة التي بدأت تتحقق مع صيحات مجموعة من املفكرين والفالسفة من املدرسة التأويلية الذين دعوا إىل خلق حوار ومشاركة بني مؤلف النص وقارئه عرب ما يعرف باملنهج التأوييل. وكان أمربتو إيكو عىل سبيل املثال ال الحرص من بني األقالم التي انربت لتفعيل هذا املسار عندما نرش يف عام 1965 كتاب العمل املفتوح ))) وفيه تحد ث عن جدلية العالقة بني حق مؤلف النص وحق قارئه بل ذهب إىل حد التنبؤ أيض ا بأن سلطة قارئ النص ستفوق مستقبال حق سلطة منتجه. فهل ينطبق هذا التنبؤ كذلك عىل النص التاريخي حيث يصبح القارئ/ املؤرخ مشارك ا صاحب النص يف فهمه وإعادة إنتاج داللته من خالل منهج تأوييل خصوص ا أن التاريخ حقل معريف يمور بالرموز واألساطري التي تستدعي التأويل نحسب أن هذا التساؤل يسعى إلعادة صوغ القول يف سؤال املنهج وكيفية تحيينه يف العلوم اإلنسانية عموم ا ويف التاريخ خاصة وفق التحوالت التي يشهدها فضاء املعرفة. وهو سؤال إبستيمولوجي ما دام البحث يف اإلشكاليات املنهجية يعد حلقة من حلقات استنهاض املشكالت اإلبستيمولوجية ))) يف زمن يتمي ز بالتعدد يف كل يشء وبعدم االقتناع بوجود منهج أحادي يلزم الباحث بالخضوع ل "قوانينه" وأنساقه املعيارية زمن تحو لت فيه سلطة املعرفة إىل نظرية نقدية ضد أي تسل ط معريف وإىل آلية للمراجعات الفكرية التي تسمح للقارئ بحرية منهجية يصبح فيها مبدع ا ومشارك ا يف إنتاج داللة النص عرب الفهم والقراءة الواعية وربط أسئلة الحارض بالتاريخ والرتاث ))). تزداد املسألة املنهجية يف التاريخ أهمية إذا أخذنا يف الحسبان أن ثقافة املؤرخني كانت يف الغالب األعم ثقافة وصفية - بيانية تنشد إىل الوصف وإىل ما هو مكتوب من دون الحفر يف أعماق الظاهرة التاريخية والنبش يف "حضارة الكالم" املبط ن وسرب أغوار الذات اإلنسانية بتجلياتها الروحية ما جعلهم يزور ون عن املعاين الخفية املستغلقة كما الحظ ذلك ابن خلدون ))) وهو ما يستدعي تأويل الجانب املتواري يف النص لتوليد إضافات جديدة. إذا علمنا أن التاريخ يختزن شبكة من الرموز التي تعكس التجارب البرشية املعق دة وأن اإلنسان "حيوان ذو رموز" بحسب تعبري كاسرير ))) ومعل ق بشبكة من املعاين والدالالت الثاوية التي ال تعكس ما يقال بقدر ما تعرب عما ال يمكن قوله أدركنا أهمية توظيف منهج التأويل الرمزي الذي نقرتحه يف هذه الدراسة حتى ال تبقى قراءة التاريخ قراءة مبتورة تقترص عىل حوادث جزئية مبعرثة غري مفهومة وتفتقر إىل املعاين املندس ة وراء النص أو الوثيقة. 1 Josep Maria Castellet, La Hora del lector (Brcelona: Seix-Barral, 1957). 2 Umberto Eco, L'œuvre ouverte (Paris: Editions de Seuil, 1965); أمربتو إيكو التأويل بني السيميائيات والتفكيكية ترجمة سعيد بنكراد ط 2 )بريوت/ الدار البيضاء: املركز الثقايف العريب 2004( ص 21. 3 وجيه كوثراين تأريخ التاريخ: اتجاهات - مدارس - مناهج )الدوحة/ بريوت: املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات 2012( ص 391. 4 هانز جورج غادامري الحقيقة واملنهج: الخطوط األساسية لتأويلية فلسفية ترجمة حسن ناظم وعيل حاكم صالح )طرابلس: دار أويا للطباعة والنرش والتوزيع )2007 ص.16-15 5 عبد الرحمن بن خلدون املقدمة حققها وقدم لها وعلق عليها عبد السالم الشدادي ج 2 )الدار البيضاء: بيت الفنون والعلوم واآلداب 2005( ص 320 يقول يف هذا املعنى: "واعلم بأن الخط بيان عن القول والكالم بيان عم ا يف النفس والضمري من املعاين فال بد لكل منهما أن يكون واضح الداللة". 6 إرنست كاسرير مدخل إىل فلسفة الحضارة اإلنسانية أو مقال يف اإلنسان ترجمة إحسان عباس مراجعة محمد يوسف نجم )بريوت/ نيويورك: دار األندلس )1961 ص.69 8

منهج التأويل الرمزي لقراءة التاريخ: نحو إرشاك قارئ النص التاريخي يف إنتاج دالالته تشخيص نظري وتطبيقي تاسارد رغم ما يجس ده منهج التأويل الرمزي ))) من طفرة منهجية نوعية يمكن أن تمث ل انعطافة يف الدراسات التاريخية فإن املوضوع بحسب حدود معرفتنا ظل مهيمن ا يف الدراسات الهرمنيوطيقية واللغوية واألبحاث األنرثوبولوجية واإلثنوغرافية أكرث من الدراسات التاريخية التي أنجزتها مدرسة الحوليات والتاريخ الجديد يف الغرب ))). أما يف الدراسات العربية فإن املنجز البحثي يف هذا املجال ظل يف تقديرنا حكر ا عىل الدراسات األدبية والسيميولوجية وإن لم يخل صوت بعض املؤرخني العرب ))) من دعوات إىل توظيف التأويل الرمزي يف دراسة التاريخ من دون محاوالت تطبيقية له كمنهج. وسنحاول يف هذه الدراسة املتواضعة املساهمة ولو بحظ ضئيل يف مجال شائك وشي ق يف اآلن ذاته. انطالق ا من هذه األطروحة املرك بة املتمثلة من جهة بتوظيف منهج ي عنى بدراسة اإلنسان يف املايض بوصفه كائن ا يتحدث بالرموز وليس باللغة فحسب وإمكان مشاركة القارئ يف استكشاف معاين النص ودالالته من جهة ثانية تثار أسئلة مركزية ال أزعم القدرة عىل اإلجابة عنها بقدر ما أحاول أن أساهم بها يف مناقشة توظيف منهج التأويل الرمزي لقراءة تاريخ البرشية باعتباره ماضي ا إشاراتي ا وعالماتي ا. انطالق ا من أسئلة أحسب أنها تفتح شهية البحث التاريخي يمكن تلخيصها فيما ييل: كيف يساهم منهج التأويل الرمزي يف إعادة قراءة التاريخ وإثراء املعرفة التاريخية بحكم أن اإلنسان حيوان رامز ومنتج تاريخ ا عالماتي ا ال تبوح وثائقه ونصوصه بأرسارها كلها وكيف يمكن قراءة املايض البرشي بطريقة مغايرة للنظر والتفكري يتحول فيها املؤرخ من متلق لرسدية تاريخية مكتوبة إىل مستكشف دالالت رمزية تاريخية جديدة من خالل الغوص يف املناطق األشد غور ا يف الذات اإلنسانية وهل يمكن بتأويل الرموز والعالمات إدراك "الحقيقة" التاريخية خارج سياج الرصامة املنهجية التي صاغتها املدرستان الوضعانية والتاريخانية أم أن هذا املنهج يتيح للمؤرخ مساحة يتحر ر فيها من نظريات وأنساق معيارية ملجمة لفكره واجتهاداته وهل يمكن وضع نظام مسنود إىل بعض املرجعيات لتفادي فوىض تأويل رموز النص التاريخي أم أن تأويله يبقى مفتوح ا والمتناهي ا لالقرتاب من اإلجابة عن هذه األسئلة نحاول رسم معالم خريطة طريق اخرتناها لهذه الدراسة من خالل خمس فرضيات نحسب أنها ت مك ننا من اإلمساك بخيوط املوضوع:. 1 بحكم أن اإلنسان حيوان رامز فقد أنتج تاريخ ا رمزي ا وإشاري ا يستدعي توظيف منهج التأويل الرمزي الستكشاف "حياة ثانية" عاشها البرش من دون أن يعرب وا عنها بوضوح.. 2 إن قيمة أي منهج ال تقاس بقدرته عىل ضبط قواعده وأنساقه املعيارية ويقينياته أو تحديد "قوانني" حتمية ال تتجاوز فيها شخصية املؤرخ عتبة البحث عن الوثائق وتأكيد صحتها بل تقاس بفاعليته يف تخصيب البحث التاريخي وحفر مجاري تطويره وجعل املؤرخ مبدع ا ومبتكر ا ومساهم ا يف إنتاج دالالت النص ببحثه عن املمكنات واملعاين املحتملة يف التاريخ وقراءة ما هو صامت وغري مريئ. 7 نبس ط تعريفه يف هذه املقدمة بأنه أحد املناهج النقدية يف العلوم اإلنسانية وي درج يف حقل الهرمنيوطيقا التي هي اجتهاد تأوييل يقوم به املتلقي إلدراك معاين النص وتفسريها باختالف تشع باتها وتعقيداتها الظاهرية واملجازية والباطنية استناد ا إىل مرجعيات مختلفة بهدف الوصول إىل الحقائق الثاوية اعتماد ا عىل علم األدلة. أما الرمز الذي ينعت به التأويل فهو حجر الزاوية فيه ويؤسس فهم الرمز عىل مرجعيات الرتاث ومفاهيم الحارض كما سنفص ل يف أحد محاور هذه الدراسة. وعنيت مجموعة من الباحثني بالتأويل الرمزي نذكر منهم غادامري وكاسرير وروالن بارت وبول ريكور وباحثني آخرين عرب ا وأجانب كما سنفصل يف املحور الثاين. 8 مع ذلك ال يمكن إنكار األبحاث الرائدة التي قام بها رواد مدرسة الحوليات الذين استفادوا من الدراسات اللسانية والسيميولوجيا ي نظر: كوثراين ص 221. 9 عبد الله العروي مفهوم التاريخ: املفاهيم واألصول )بريوت/ الدار البيضاء: املركز الثقايف العريب 1992( ص 317-308 كوثراين ص 393 325 89 قيس مايض فرو املعرفة التاريخية يف الغرب: مقاربات فلسفية وعلمية وأدبية )الدوحة/ بريوت: املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات 2013( ص 223 إضافة إىل دراسات أخرى سنوظفها يف هذه الدراسة. 9

ددعلالا رياني /يناين/ ينوناكوناك. 3 ال يقترص فهم النص التاريخي وتأويله عىل معيار العلم والعقل املطلق فحسب كما هو متداول يف مناهج املدارس التاريخية التقليدية بل ي ضاف إىل ذلك معيار اإلدراك ب "البصرية" )1)).. 4 بحكم أن التاريخ عملية مرك بة ال تعتمد عىل الشواهد املادية فحسب بل أيض ا عىل الرموز املعرب ة عن معطيات روحية فإن رصامة املنهج العلمي وفكرة املوضوعية والحياد كما صاغتهما املدرسة الوضعانية يف القرن التاسع عرش ليستا وهم ا تطب عنا عليه فحسب بل تقي دان ملكة اإلبداع لدى املؤرخ وتضي قان أفق "الحرية املنهجية" الستكشاف الجوانب املعت مة من املايض البرشي.. 5 يمث ل املخزون الرتايث ومفاهيم الحارض والتجارب اإلنسانية املشرتكة املعيشة مفاتيح أساسية لفهم دالالت رمزية النصوص التاريخية وتأويلها. ما صح ة هذه الفرضيات ذلك ما سنضعه عىل محك االختبار والفحص يف ثنايا هذا البحث بشقيه النظري والتطبيقي. أوال : منهج التأويل الرمزي يف التاريخ: السياق واملسوغات والخيوط الناظمة 1. انخراط املؤرخ يف دائرة التأويل نتيجة انفتاح التاريخ عىل العلوم املجاورة تمخض عن انفتاح التاريخ عىل العلوم املجاورة يف ما يعرف بالتناهج والتحالف املعريف ثالث نتائج نعتقد أنها أساسية يف مسار ولوج املؤرخ عالم تأويل الرموز يكمن أولها يف توسيع دائرة املنهج التاريخي حيث صار املؤرخ بعد تسي د موجة "التاريخ الجديد" ودعوة بروديل إىل "سوق مشرتكة للعلوم اإلنسانية" ينخرط يف نظريات جديدة كانت من قبل حكر ا عىل تلك العلوم ويلج دوائر معرفية لم تكن مألوفة يف ممارسته الكتابة التاريخية. فبانفتاحه عىل علوم اإلثنولوجيا واألنرثوبولوجيا والسيميائيات عىل سبيل املثال أصبح يتمد د نحو البحث يف ما "تحت القيل" Le sous-dit وما خلف الظاهر ويستقيص دالالت الرموز والعالمات ويوظف الطرائق األلسنية من أجل استكشاف "البنية املخبأة" واملمكنات الالواعية )1)) ما يجعل الوثيقة التاريخية حم الة لدالالت عدة وقابلة لقراءات متعددة. رغم الغبار الذي أثري بشأن "الخالف" بني مدرسة الحوليات واملدرسة التأويلية يف أواخر خمسينيات القرن املايض والجدل العلمي الساخن الذي دارت رحاه آنذاك بني بروديل وليفي شرتاوس Lévi Strauss صاحب نظرية األسطورة واملعنى والرموز يف الثقافات البدائية التي أبرز من خاللها دور األنرثوبولوجيا البنيوية يف كشف املناطق الالواعية يف النفس البرشية فإن ذلك الجدل لم يعكس اختالف ا جوهري ا بشأن التأويل بقدر ما كان تنافس ا غذ ته الرغبة يف االنفالت من هيمنة طرف عىل آخر. لذلك اتخذ شكل تقارب حذر تجس د يف إطراء بروديل عىل شرتاوس وإبداء إعجابه بالبنيوية التي وجد فيها عمق ا فكري ا يروم النفاذ إىل منطقة العنارص الالواعية أو األقل وعي ا يف الثقافات اإلنسانية من دون أن يهضم حق ه يف أسبقية توظيفه إياها بمقولة "األمد الطويل" وخصوصية البنية يف التاريخ )1)). ولم تلبث سحابة هذا النقاش أن انقشعت بعد أن أصدرت مجلة األنال يف عام 1971 عدد ا خاص ا عن "التاريخ والبنية" دب جه أندريه بروير بمقالة "تصالحية" بني فيها األرضية املشرتكة بني التاريخ واألنرثوبولوجيا البنيوية )1)). 10 غادامري ص 27. 11 كوثراين ص 226-225. 12 Fernand Braudel, Histoire et sciences sociales: La longue durée, In : Ecrits sur l'histoire (Paris: Flammarion, 1969), pp. 70-71. 13 عرب عن هذا التصالح من أول سطر يف تقديمه للعدد 4-3 من مجلة األنال "الحوليات" بالقول: "الحرب بني التاريخ والبنيوية لن تقع" ي نظر: André Burguière, "Histoire et structure," Annales, vol. 26, no. 3-4 (1971), p. 1. 10

منهج التأويل الرمزي لقراءة التاريخ: نحو إرشاك قارئ النص التاريخي يف إنتاج دالالته تشخيص نظري وتطبيقي تاسارد إذا كان بروديل قد ظل عىل تحف ظه من عملية التأويل )1)) فإن رواد التاريخ الجديد من طينة فيليب أرياس Philippe Aries وإيمانويل لوروا الدوري Emmanuel Le Roy Ladurie وإفلني باتالجني.E Patlagean وغريهم تمك نوا من خلق عالقة تجسريية بني األنرثوبولوجيا واإلثنولوجيا )النياسة( التي تبن اها شرتاوس ومدرسة التاريخ الجديد )1)) تول د عنها تاريخ الذهنيات الذي صارت تمث ل فيه دراسة املتخي ل والعالمات الرمزية واألساطري والطقوس حجر الزاوية )1)) وبذلك أصبح عالم املعنى والرموز واإلشارات م در ج ا يف الدراسات التاريخية. بقدر ما انفتح التاريخ عىل مجال التأويل تقاربت معه املدرسة التأويلية هذه النتيجة الثانية التي أفرزها هذا املخاض. حسبنا أن مجموعة من الفالسفة التأويليني دخلت عىل طول الخط مع املؤرخني حتى إن فيلهلم دلتاي Wilhelm Dilthey أحد أعمدة املدرسة التأويلية عرف ب "توجهه التاريخي" )1)). كما ارتبطت التاريخية عند الفيلسوف األملاين التأوييل مارتن هايدغر Martin Heidegger بالوجود البرشي. فاإلنسان يف تصوره الفلسفي كائن منغمس يف التاريخ وليس يف وسعه الخروج منه وإال أصبح غريب ا عن ذاته لذلك قد م طريقة للتفكري يف البرش بوصفهم موجودات تاريخية قبل كل يشء )1)). ويف السياق نفسه أل ف تلميذه غادامري كتاب الحقيقة واملنهج أك د فيه أكرث من مر ة أن املؤول يبقى يف تواصل غري منقطع مع إرثه التاريخي وأنه يستخدمه بوصفه شيئ ا ينتمي إليه )1)). بل أس س مرشوعه الفكري التأوييل عىل مفهوم الوعي التاريخي ونحت يف هذا السياق مصطلح ا جديد ا هو "الوعي التاريخي الفاعل" وهو مصطلح نحسب أنه يعكس اقتناعه بالتاريخ بوصفه أداة للفهم والتأويل. يقول يف هذا الصدد: "إن التاريخ هو أكرث من موضوع للوعي التاريخي ومن ثم فإن األساس املرجعي لتلك التجربة هو الذي يتجىل من خالل التفكري يف مناهج العلوم الهرمنيوطيقية وهو ما يمكن أن ننعته بالوعي التاريخي الفاعل" )2)). يمكن أن نورد نموذجني آخرين للداللة عىل ولوج هذه الكوكبة من رواد التأويلية مجال التاريخ يتعلق األمر ببول ريكور وروالن بارت.Roland Barthes فرغم اهتمام األول بالعلوم اإلنسانية وخاصة علوم اللغة والتحليل النفيس الفرويدي فإنه أقام حوار ا خاص ا مع علم التاريخ أسفر عن قراءات جديدة للموضوعية والذاتية عند املؤرخ )2)). وبدوره شد د الثاين عىل الحاجة إىل التاريخ يف عملية التأويل فكتب يف هذا املنحى: "إن اللحظة التي نتنك ر فيها للتاريخ هي بكل وضوح تلك التي يكون فيها يف ذروة نشاطه" )2)). أما النتيجة الثالثة املرتتبة عىل انخراط هؤالء املفكرين التأويليني يف "قبيلة املؤرخني" بتعبري فرانسوا سيميان فتتجسد يف كتاباتهم التي نب هت إىل خصوصية التاريخ وتمي ز مناهجه من العلوم الطبيعية بأن ال وجود يف الدراسات التاريخية لقوانني طبيعية "وإنما هناك 14 أورد ريكور عبارة تؤكد تحف ظ بروديل عىل التأويل كما ييل: "لقد رصخ بروديل ]رد ا عىل أفكار مار و الداعية إىل التأويل[:'رجاء ال تضخم كثري ا دور املؤرخ'" ي نظر: بول ريكور الذاكرة التاريخ النسيان ترجمة وتقديم وتعليق جورج زينايت )بريوت: دار الكتاب الجديد املتحدة 2009( ص 498. 15 كوثراين ص 226. 16 لوغوف ص 39-38 481. 277 والحظ وجيه كوثراين أيض ا اقتناع شرتاوس بأنه ال يمكن للمؤرخني واإلثنولوجيني أن يستغني أحدهما عن اآلخر ي نظر: كوثراين ص 228. 17 هكذا وصفه غادامري ص 54. 18 مجدي عز الدين حسن "تأويل التاريخ وتاريخية التأويل )1(" الحوار املتمدن العدد 2012/3/9 3662 شوهد يف 2019/10/15 يف: http://bit.ly/31ze6xp 19 Hans-Georg Gadamer, Vérité et méthode, les grandes lignes d'une herméneutique philosophique (Paris: Seuil, 1996), p. 303. 20 Hans-Georg Gadamer, L'art de comprendre: Ecrit I: Herméneutique et tradition philosophique (Paris: Aubier, 1982), p. 79. 21 Paul Ricœur, Histoire et vérité, 3 éme ed. (Paris: Seuil, 1967), pp. 27, 30, 34. 22 عن: جوناثان كولر روالن بارت: مقدمة قصرية جد ا ترجمة سامح سمري فرج مراجعة محمد فتحي خرض )القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة 2016( ص 23. 11

ددعلالا رياني /يناين/ ينوناكوناك قوانني تطبيقية مقبولة طوع ا" )2)) وأن التاريخ عملية مركبة من الشواهد املادية ومن الرموز املعرب ة عن معطيات روحية نابعة من البنية الداخلية للذات اإلنسانية التي تستعيص عىل املنهج التجريبي. الحاصل أن التاريخ صار بالنسبة إىل معظم رواد املدرسة التأويلية "علم العلوم" والخيط الناظم للعلوم اإلنسانية و"العقل املوضوعي" ألي مرجعية أساسية يف التأويل ومفتاح ا الكتشاف املعاين والدالالت )2)) ما رفع إيقاع التضايف بني التاريخ وعلم التأويل. ((2( 2. املأزق املنهجي لدى املدرسة الوضعانية يبدو أن منهج التأويل الرمزي جاء أيض ا رد ة فعل ضد املدرسة املنهجية )الوضعانية( التي هيمنت خالل القرن التاسع عرش وحاولت تحت تأثري سلطة العلم السائد آنذاك وبتأثري من جهابذة مؤرخي تلك املرحلة من طينة ليوبولد فون رانكه Leopold von Ranke ويوهان جوستاف درويزن Johann Gustav Droysen والنغلوا Langelwa وشارل سينيوبوس Seignobos Charles وغريهم أن تلبس التاريخ خمار ا معرفي ا. كما سعت لالرتقاء باملنهج التاريخي باسم املوضوعية والحياد إىل درجة الحصانة العلمية )2)) وجعله عىل غرار العلوم الطبيعية منهج ا علمي ا "دقيق ا". استندت يف هذا املنهج إىل الوثيقة املكتوبة بوصفها مصدر ا للحقيقة بل رفعتها إىل مرتبة "التقديس" وحد دت عمل املؤرخ يف التأكد من صحة الوقائع الواردة فيها وتنظيمها وتحليلها. كما ربطت املعرفة التاريخية باكتشاف الوثائق ورأت أن كل ما ورد فيها يؤخذ باعتباره مادة تاريخية وما سواه "تطاول" فحسب عىل الوثيقة وكاتبها وخروج ا عن جادة النزاهة العلمية. واجهت هذه الرصامة التي فرضها منهج املدرسة الوضعانية نقد ا الذع ا من التأويليني عىل مستويني عىل األقل: ӵأكدت املراجعات الفكرية يف حقل املنهجيات أن نجاعة املنهج التاريخي ال تقاس بمدى ضبط قواعده وتحديدها بدقة ضمن نسق معياري تحت مرب ر سلطة العلم بل بما يسمح به من تخصيب للبحث التاريخي وضخ ه بطاقة استكشافية جديدة )2)) وكشف للجوانب املطموسة فيه. يف هذا الصدد انتقد ميشيل فوكو Michel Foucault بشدة حصيلة املدرسة الوضعانية التي اقترصت يف بناء أحكام املايض عىل الوثائق باعتبارها صوت ا وحيد ا معرب ا عن اإلنسان. وبناء عليه لم تعكس سوى ماض هش يفتقر إىل تحديد السالسل والعالقات داخل النسيج الوثائقي )2)). يضاف إىل ذلك عدم تمييز املدرسة املذكورة بني "حضارة العمل" املتمثلة بإنجازات البرشية و"حضارة الكالم" )2)) أو الوثيقة الصوتية التي تمثل النصف اآلخر من تاريخ الحضارات اإلنسانية. فاملكتوب ليس "طريق ا مفتوح ا تع رب ه ني ة اللغة وحدها" )3)) كما أن اللغة املتكل مة نفسها ترافقها مجموعة من 23 غادامري ص 56. 24 صالح قنصوه املوضوعية يف العلوم اإلنسانية: عرض نقدي ملناهج البحث )بريوت: دار التنوير للطباعة والنرش والتوزيع 2007( ص 182. 25 املدرسة الوضعانية هي وليدة التحوالت العلمية التي ظهرت يف أوروبا يف القرن التاسع عرش إذ تسي د آنذاك التوجه العلمي الفيزيايئ عىل العلوم كلها وتأثر رو اد التاريخ بهذه املوجة خصوص ا منهج الطبيعيات فسعوا لتطبيقه عىل الدراسات التاريخية ويؤسس منهج هذه املدرسة عىل الوثيقة ومادتها امللموسة التي يجري عليها املؤرخ اختباراته للتحقق والتحليل واالستنتاج بمعزل عن أي تأمل فلسفي أو تأويل ي نظر: العروي ص 236. 26 هانس غيورغ غادامري فلسفة التأويل: األصول املبادئ األهداف ترجمة محمد شوقي الزين ط 2 )بريوت: الدار العربية للعلوم الجزائر: منشورات االختالف الدار البيضاء: املركز الثقايف العريب 2006( ص 14. 27 عبد الله العروي ]وآخرون[ املنهجية يف األدب والعلوم اإلنسانية ط 3 )بريوت/ الدار البيضاء: دار توبقال للنرش 2001( ص 5. 28 ميشال فوكو حفريات املعرفة ترجمة سالم يفوت ط 2 )بريوت/ الدار البيضاء: املركز الثقايف العريب 1987( ص 9-8 12. 30 روالن بارت الدرجة الصفر للكتابة ترجمة محمد برادة ط 3 )الرباط: الرشكة املغربية للنارشين املتحدين 1985( ص 97. 29 Ricœur, p. 263. 12

منهج التأويل الرمزي لقراءة التاريخ: نحو إرشاك قارئ النص التاريخي يف إنتاج دالالته تشخيص نظري وتطبيقي تاسارد اإلشارات الدالة حتى إن طريقة نطق املتكل م وفق اللهجات املحلية تكون دالة عىل هويته ومجاله الجغرايف وعىل "مجموع تاريخه" وفق تعبري بارت )3)). ӵباملثل أبرزت املدرسة التأويلية محدودية منهج املدرسة الوضعانية يف التعبري عن الذات اإلنسانية وقصور تصورها املبني عىل أساس أن يف إمكان العقل البرشي تجريد نفسه من األحكام والتصورات القبلية كلها ليتحول إىل عقل مطلق بكامل املوضوعية. فمثل هذا القول مناف لحقيقة أثبتها غادامري مفادها أن العقل ال يوجد سوى يف حدود ملموسة وتاريخية. كما أنه ال يتحك م دائم ا يف زمام نفسه بل يظل رهن ا بالسياقات والظروف التي يشتغل فيها ويمارس فعله )3)). 3. نقد املدرسة التأويلية "قوانني" التاريخانية يف أفق انسدادها تؤسس التاريخانية عىل رؤية ترى أن التحوالت التاريخية تخضع لقوانني التعاقب وتسري وفق إيقاعات وتوجهات معينة تجعل من التاريخ حقال للتنبؤ بتحوالت املستقبل وتقوم عىل تفسري الظواهر اإلنسانية كلها برشوطها التاريخية. وقد عر فها العروي بأنها "موقف أخالقي يرى يف التاريخ بصفته مجموع الوقائع اإلنسانية مخرب ا لألخالق وبالتايل للسياسة ال ي عنى التاريخاين بالحقيقة بقدر ما يعنى بالسلوك" )3)). ورغم الربيق الذي حازته التاريخانية الجديدة بوصفها نسق ا منهجي ا يبحث فيه املؤرخ عن اإلنسان الفاعل ويدرك "لحظة الكشف عن الحق" املرشوطة بالوعي )3)) فإنها لقيت اعرتاض ا من املدرسة التأويلية يتجىل يف انتقاد فكرة الغائية التي تبن تها يف تفسري التاريخ ووضع قوانني تتحكم يف مساره وانعطافاته لتجعل منه إيقاع ا يسري وفق خطاطة زمنية عاملية تنتهي بحتمية تاريخية )3)). لقي هذا املنظور الغايئ الذي استقته التاريخانية املاركسية من نواميس حضارية مستوحاة من الرصاع الطبقي ومن أنماط اإلنتاج وتغري وسائل اإلنتاج هجوم ا الذع ا أيض ا من التأويليني بدعوى أنه يسلب الحرية املنهجية للمؤرخ ويوقعه يف رشاك النتائج املحددة سلف ا. فهو بحسب إيكو قراءة خاطئة للتاريخ ألنها تفرض قراءة أحادية للنص يتحول فيها بحسب تودوروف إىل "نزهة يقوم فيها املؤلف بوضع الكلمات ليأيت القراء باملعنى" )3)) مع أن النص مفتوح واللغة عاجزة عن اإلمساك بقراءة واحدة ويف إمكان املؤول أن يكتشف داخله سلسلة من الروابط الالمتناهية من الدالالت )3)). بدوره انتقد غادامري غائية رانكه ومنهجه الذي رأى فيه فكر ا هيغلي ا لم يخرج عن سياج املثالية )3)). وذهب بعكس ما تدعو إليه املدرسة الوضعانية والتاريخانية إىل استحالة القدرة عىل الوصول إىل تنبؤ جازم وكامل يف علم التاريخ بسبب إمكان تغري مجرى التاريخ 31 املرجع نفسه ص 41. 33 عبد الله العروي ثقافتنا يف ضوء التاريخ )بريوت/ الدار البيضاء: املركز الثقايف العريب 1983( ص 16. 34 العروي مفهوم التاريخ ص 363-362. وعن التاريخانية املحافظة والتاريخانية "الثورية" ي نظر: كوثراين ص 131. 127 32 Gadamer, Vérité, p. 297. 35 يختلف مفهوم الحتمية عند العروي عن الحتمية لدى املدرسة األملانية التقليدية التي تحيل إىل مفاهيم القدر والجربية واالتفاق ويرى أن "قانون الذات ال قدر مفروض عليها من الخارج". ينظر: العروي مفهوم التاريخ ص 363. 361 لكن مع انتقاده التاريخانية التقليدية وتشديده عىل اإلرادة الذاتية والحرية فهو يوظف مفهوم "القوانني" يف تاريخانيته. وورد النص عند: إيكو ص 22. 36 Tzvetan Todorov, "Viaggio nella criticana americana," Lettera, no. 4 (1987), p. 12; 37 إيكو ص 42. 38 غادامري الحقيقة واملنهج ص 294. 13

ددعلالا رياني /يناين/ ينوناكوناك من وضع إىل آخر بمعزل عن أي سنن أو قوانني )3)). كما عارض قانون وحدة التاريخ البرشي وغائيته بالقول: "فعالم التاريخ بحد ذاته يعرض عدد ا كبري ا من األمثلة ولكنه ال يعرض الوحدة فما مسوغ الحديث عن وحدة العالم " )4)). يف املنحى نفسه انتقد كارل بوبر Karl Popper مقولة "قوانني التاريخ" وعد ها كبوة معرفية تنايف العلم مشد د ا عىل أن املؤرخ يبحث يف األحداث الواقعية وليس يف القضايا العامة وال يف القوانني )4)). لذلك فإن فكرة التقدم والرتاجع واألنماط والخط التصاعدي يف التاريخ ينبغي أن توضع عىل مرشحة املراجعة ألنها تنطلق من أحكام قيمة )4)) أو ألنها تحو لت إىل أيديولوجيا مع األنظمة الشمولية )4)). 4. يف الحاجة إىل تأويل النص املرموز يمكن تحديد مفهوم التأويل بأنه "كل استفهام مسبوق باستغالق" و"إبدال عبارة صامتة بأخرى مبي نة" )4)) ويتموقع يف املستوى الثالث من الوثائق التي ي ع رب من خاللها املؤرخ من مستوى إىل آخر ضمن عملية قانون التحويل. ونميل إىل الظن أن صيغة "قانون التحويل" التي استخدمها العروي تتطابق مع املفهوم الذي أعطاه ريكور للتأويل بأنه "تأمل ثان " لعملية الكتابة التاريخية )4)). فما حاجة املؤرخ إىل منهج التأويل الرمزي يرى إرنست كاسرير أن التأويل هو بداية املهمة الجوهرية يف عمل املؤرخ وهو ما يستشف من قوله: "وهذه العملية التي يقوم بها عالم التاريخ تؤسس عىل التأويل ألن أساس تلك الظواهر رمزي ويقتيض رضورة خضوعه للتأويل وهنا تبدأ مهمة التاريخ الكربى" )4)). ويبني بقدر كبري من الجرأة الفكرية حاجة التاريخ اإلبستيمولوجي إىل منهج التأويل الرمزي ألن املؤرخ يتحول فيه من راو لرسدية تاريخية إىل مستكشف ملعنى الحياة اإلنسانية من جديد وإىل قارئ للدالالت الروحية يف األحداث التاريخية. يقول يف هذا الصدد: "ينبغي للتاريخ أن يحيي هذه الرموز ويبعثها يف حياة جديدة ويجعلها مقروءة ومفهومة من جديد ]...[ ليس املؤرخ راوي ا يحيك لنا حوادث املايض إنما هو مكتشف الحياة اإلنسانية ومؤولها" )4)). ويف املنحى نفسه يرى أن تأويل الرموز ليس استنساخ ا ملعطى واقعي فحسب إنما هو الذي يعطي للواقع معنى من املعاين ألنه هو الذي يبني الواقع ويمنحه معنى وداللة عندما ينقله من املادة البسيطة للمعرفة إىل شكلها الروحي )4)). 39 حسام الدين درويش إشكالية املنهج يف هريمينوطيقا بول ريكور وعالقتها بالعلوم اإلنسانية واالجتماعية: نحو تأسيس هريمينوطيقا للحوار )الدوحة/ بريوت: املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات 2016( ص 404. 40 غادامري الحقيقة واملنهج ص 298. 41 كارل بوبر بؤس األيديولوجيا: نقد مبدأ األنماط يف التطور التاريخي ترجمة وتحقيق عبد الحميد صربة )بريوت: دار الساقي 1992( ص 146. 42 كارل بوبر بحث ا عن عالم أفضل ترجمة أحمد مستجري )القاهرة: الهيئة املرصية العامة للكتاب 1999( ص 173. 43 العروي مفهوم التاريخ ص 368. 44 املرجع نفسه ص 312. 45 ريكور ص 495. 46 Ernest Cassirer, L'Idée de l'histoire: Les Inédits de Yale et autres écrits d'exil, Fabien Capeilleres (trad.) (Paris: CERF, 1989), p. 63. 47 Ibid., p. 83. 48 Ernst Cassirer, La Philosophie des formes symboliques: Le Langage, Ole Hansen-Love & Jean Lacoste (trad.), vol. 1 (Paris: Les Editions de Minuit, 1989), p. 52. 14

منهج التأويل الرمزي لقراءة التاريخ: نحو إرشاك قارئ النص التاريخي يف إنتاج دالالته تشخيص نظري وتطبيقي تاسارد من ناحية أخرى يفرض التأويل نفسه يف دراسة التاريخ ألن يف كل رسد تاريخي وجه ا غائب ا يتعذ ر الوصول إليه وتبعيد ا لوجهة نظر معينة )4)) ما يصعب معه اإلمساك بخيط الحقيقة فالنص ال يبوح بمعانيه كلها دفعة واحدة "إذا لم يقرأه شخص ما أو لم يؤوله" )5)). فأحيان ا يخطئ الناص يف اختيار الكلمات والجمل املالئمة املعرب ة بدقة عم ا يريد قوله ما يحدث مباعدة بني املقصد والقول )5)). يف بعض الحاالت يستخدم الناص لغة اإلغراب والتعمية التي تستعيص عىل التلقي أو يستعمل مصطلحات تخالف املصطلحات األصلية كل ي ا. وفطن ابن سريين باكر ا إىل هذه اإلشكالية يف التوظيف املصطلحي املغاير للتعبري األصيل فقال: "ويحتاج العابر )املؤول( أيض ا إىل األمثال املبتذلة كقول إبراهيم عليه السالم إلسماعيل: 'غري أ س ك فة الباب' أي: طل ق زوجتك" )5)) وهو ما ييش بوجود لغة مغايرة لكنها تحمل املعنى نفسه الذي عىل قارئ النص أن يلم به. كما يلجأ الناص أحيان ا إىل أسلوب التمويه والتسرت الذي يصبح رضب ا من التوق ي والحذر تحت طائلة الخوف واالنفالت من الرقابة أو تحت رضورة الكتمان. فعىل سبيل املثال يالحظ أن الخطاب الصويف يلجأ إىل االنزياحات واملجازات والكنايات واإلشارات الغامضة والتوريات التي تتزاحم يف لغة أقطاب التصوف وهو ما عرب عنه ابن عريب بالقول إن كل كلمة من كالم الصوفية "عليها رعونة ودعوى وهي نادرة أن توجد عند املحققني" )5)). وإذا علمنا أن التصوف أدى دور ا كبري ا يف مجرى تاريخ اإلسالم ندرك أننا أمام "ماض إشاري" بامتياز يستدعي كشف املسكوت عنه يف ذلك املجال االجتماعي لذلك ال تتمثل قراءة النص يف ما يفصح عنه املكتوب فحسب إنما هي توسعة وانزياح عن حرفيته واستكشاف ملا يندس يف ثناياه وعرب بياضاته )5)). بدوره يذهب بول ريكور يف سياق بحثه عن املناهج يف التاريخ إىل أن التأويل يفرض نفسه ضمني ا يف مراحل الكتابة التاريخية كلها التي تمتد من مرحلة البحث عن الوثائق املؤرشفة إىل مرحلة التدوين. ولم يعد ه مرحلة مستقلة بذاتها أو نوع ا خاص ا من الفهم كما هو وارد عند دلتاي. بل إن منهج التأويل الرمزي عنده يتمط ط يف دائرة واسعة تسمح للمؤرخ بالتفسري وإزالة الغشاوة عن الدالالت التي يخبئها الرمز وإن كان يقر بوجود تأويالت المتناهية بل متنافسة أحيان ا )5)). بعد أن أبرزنا الخيط الناظم والسياق العام واملسوغات التي تنطق كل ها بحاجة املؤرخ إىل منهج التأويل الرمزي نحاول يف املحور الثاين تشخيص هذا املنهج وتحليل خصائصه. 49 فرو ص 76. 50 Marie-Jeanne Borel, "Textes et construction des objets de connaissance," in: Claude Reichler (dir.), L'Interprétation des textes (Paris: Les Editions de Minuit, 1989), p. 115. 51 درويش ص 431-430. 52 محمد بن سريين وعبد الغني النابليس معجم تفسري األحالم رتبه معجمي ا وأعد ه باسل الربيدي )أبوظبي: مكتبة الصفاء دمشق/ بريوت: مكتبة اليمامة )2008 ص.9 53 محيي الدين بن عريب معجم اصطالحات الصوفية تحقيق وتقديم بسام عبد الوهاب الجايب )بريوت: دار اإلمام مسلم للنرش 1990( ص 3. 54 Wolffang Iser, L'Acte de lecture: Téorie de k'effet esthétique, 2 nd ed. (Belgium: Mardaga, 1995), p. 199; ورد عند: أسماء خوالدية الرمز الصويف بني اإلغراب بداهة واإلغراب قصد ا )الرباط: دار األمان بريوت: منشورات ضفاف الجزائر: منشورات االختالف 2014( ص 88. 55 ريكور ص 501 درويش ص 385-384. 15

ددعلالا رياني /يناين/ ينوناكوناك ثاني ا: منهج التأويل الرمزي: املرتكزات والخصائص والضوابط تشخيص نظري 1. الرمز هو الذي مينح التاريخ معنى كشفت الدراسات أن اإلنسان حيوان رامز يعيش يف غابة من الرموز والعالمات واإلشارات التي تؤثث فضاء ه وفكره ووجدانه وسلوكه وعالقاته باآلخرين ما يعني أنه كائن مسكون بالرموز التي خلقها بنفسه لنفسه وبناء عليه فإن "الحقائق تبقى خلف األشكال الرمزية" )5)). الرمز هو نسق من التصورات املتوارثة التي تشمل مجموعة من اإليحاءات املعرب ة بطريقة غري مبارشة عن النواحي النفسية واألحاسيس واألفكار التي تعجز اللغة عن أدائها وإن كان بارت يرى أن الرمز بما يحويه من أنظمة املعاين يوجد خارج "اللغة البرشية" )5)) لكنه ال ينفصل عنها حتى لو جاء من دون مفردات أو وحدات صوتية )5)). ولعل هذا ما يتطابق مع تعريف ابن منظور للرمز بأنه "تصويت خفي باللسان كالهمس ويكون تحريك الشفتني بكالم غري مفهوم باللفظ ]...[ وقيل الرمز إشارة وإيماء بالعينني والحاجبني والشفتني والفم" )5)) وبذلك فالرمز ينوب عن اللغة. ويف هذا املعنى تحديد ا ورد مصطلح الرمز يف النص القرآين عىل أنه تحويل للكالم إىل رموز: ق ال ر ب اج ع ل ل ي آي ة ق ال آي ت ك أ ل ت ك ل م الن اس ث ل ث ة أ ي ام إ ل ر م ز ا )آل عمران: 41( )6)). يتجسد الرمز أيض ا يف بقايا مخل فات اإلنسان من تراث شفوي وأساطري ومعتقدات متخي لة أو لغة مجازية واألشكال الفنية األخرى كلها من قبيل األغاين واملوسيقى واللوحات أو الحركات الجسدية كالرقص واأللعاب. أما يف املجال الصويف فيكتيس الرمز بعد ا أنطولوجي ا وجودي ا غامض ا عادة ما ينرصف عن املعنى الظاهري طلب ا للمعنى الباطني )6)) أو يغوص يف رمزية األعداد والحروف كالحروف القرآنية التي عد ها املتصوفة مستودع ا لألرسار )6)). ويف األحوال كلها فإن الغموض غالب ا ما يلف الرمز أو العالمة وهذا ما يؤك ده جاك دريدا Jacques Derrida بالقول إن "العالمة هي غري ذلك اليشء غري املسمى بوضوح والوحيد الذي يفلت من السؤال املؤسس للفلسفة 'ما هو... '" )6)). املالحظ أن اهتمام املؤرخني بالرموز جاء بعد مرحلة االهتمام بما هو مكتوب وإن كنا يف هذا الصدد ال نشاطر العروي رأيه يف اعتبار أسبقية الفيلسوف اإليطايل فيكو Giambattista Vico يف توظيف الرمزية يف الكتابة التاريخية وريادته ل "علم تعابري الذهن 56 فيليب سرينج الرموز يف الفن األديان - الحياة ترجمة عبد الهادي عباس )دمشق: دار دمشق للنرش 1992( ص 499. 57 روالن بارت مبادئ يف علم األدلة ترجمة محمد البكري ط 2 )الالذقية: دار الحوار للنرش والتوزيع 1987( ص 137. 58 املرجع نفسه ص 29-28. 59 محمد بن مكرم بن منظور لسان العرب مج 6 ط 6 )بريوت: دار صادر 2008( ص 223-222. 60 ق ال ر ب اج ع ل يل آي ة ق ال آي ت ك أ ال ت ك ل م الن اس ث الث ة أ ي ام إ ال ر م ز ا و اذ ك ر ر ب ك ك ث ري ا و س ب ح ب ال ع يش و اإل ب ك ار )آل عمران: 41(. 61 خوالدية ص 25. 62 املرجع نفسه ص 51. 44 63 جاك دريدا الكتابة واالختالف ترجمة كاظم جهاد )الدار البيضاء: دار توبقال للنرش 1988( ص 119 ينظر: "اختالف ماهية الرمز الوجودية بني التأويليني" بارت مبادئ يف علم األدلة ص 64-63. 16

منهج التأويل الرمزي لقراءة التاريخ: نحو إرشاك قارئ النص التاريخي يف إنتاج دالالته تشخيص نظري وتطبيقي تاسارد البرشي" )6)) ألن نماذج من الرتاث العريب - اإلسالمي تثبت اتجاه بوصلة العقل التاريخي العريب نحو االهتمام بمجال العالمات واإلشارات والرموز والتنبيه منذ فرتة باكرة إىل ما تكتنزه من معان خفية ومفيدة يف قراءة التاريخ )6)). مهما كان األمر ي عد التاريخ من دون مدافع خزان ا كبري ا للرموز التي تتناسل فيها املعاين والدالالت ومن ثم فإن "افرتاض عالم بال رموز معناه املوت الروحي لإلنسان" )6)). فالرمز يكشف عم ا يف داخل الذات اإلنسانية ويعطي معنى ل "حياة ثانية" من خالل عملية ربط بني العالم الواقعي والعالم الروحي )6)). لذلك لم يكن من قبيل الصدفة أن ينعت كاسرير اإلنسان بأنه حيوان رامز. وعندما استخدم هذا التعبري فإنه كان يروم إعادة صوغ سؤال: "ما اإلنسان " انطالق ا من سؤال املعاين والدالالت )6)). ونظر ا إىل أن "الحياة والتاريخ لهما معنى مثلما لحروف كلمة" )6)) فاألمر يستدعي تدخ ل املؤرخ الكتشافها علم ا أن الرمز يتولد من الوعي والوعي يخلق لذاته جملة من التخي الت التي تسمح بالتعبري عن شبكات معي نة من الدالالت التي يوظ فها املؤرخ يف فهم التاريخ. ولعل هذا ما يتسق مع أطروحة غيلبري دوران الذي سعى الكتشاف أهمية الرمز يف املتخي ل مبي ن ا أن الصورة املتخي لة تحمل معنى دقيق ا ال يمكن البحث عنه خارج الداللة املتخي لة )7)). يف املنحى ذاته يقدم كاسرير نموذج ا عم ا يختزنه مايض املجتمعات من مبان تاريخية وشواهد عمرانية تظل كتومة وعاجزة عن التعبري عن نفسها إذا لم ن م ط اللثام عم ا يسميه "التاريخ الحقيقي" الذي تخبئه دالالتها الرمزية وهو ما يعطي لوقائع املايض معاين متعددة قابلة للتأويل. وبالوصول إىل جوهر هذه املعاين املتوارية التي تعرب عن حقيقة الوجود اإلنساين "تتجىل مهمة املؤرخ العظيم يف جعل شواهد املايض الصامتة تتكلم ويف جعلنا نفهم لغتها" )7)). بيد أن املعنى الذي يمنحه الرمز للتاريخ ليس معنى أحادي ا بل هو متعدد األبعاد متنوع ومتحرك وتختلف مفاهيم استعماالته بحسب زمنية النص والسياقات التي يؤسس فيها ويتغري يف دالالته بحسب تنوع املكو نات الثقافية للمجتمعات )7)). ومن االستشهادات واملناقشات السالفة كلها ندرك أن الرمز يعطي معنى "ثاني ا" للتاريخ. 2. فهم وتفه م النص من أساسيات منهج التأويل الرمزي: كيف ميكن تأويل داللة الرمز بوصفها نص ا تاريخي ا ت بني قراءة راصدة إلنتاجات املدرسة التأويلية التي اهتمت بقضية املعاين املتوارية وراء الرموز أن العملية التأويلية التاريخية تستدعي أمرين جوهريني: فهم النص الرمزي وتفه م الناص ثم ربط آليات الفهم باملوروث الثقايف )الرتاث( ومعطيات الحارض اللذين تؤسس عليهما بنية الفهم. فما املقصود بالفهم والتفهم 64 العروي مفهوم التاريخ ص 312-311. 65 املرجع نفسه ص 121. وال يسمح املجال يف هذا املجال بعرض منجز الرتاث العريب يف مجال الرموز نكتفي بمثال واحد: يرسد املؤرخ املقري مجموعة من الشواهد القولية التي تثبت اختفاء املعاين وراء األلفاظ من قبيل: "اللحظ يعرب عن اللفظ" و"رب كناية تغني عن إيضاح ورب لفظ يدل عىل ضمري" ي نظر: أحمد بن املقري التلمساين نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب تحقيق إحسان عباس ج 1 )بريوت: دار صادر 1988( ص 619. 66 Jean Chevalier & Alain Gheerbrant, Dictionnaire des symboles: Mythes, rêves, coutumes, gestes, formes, figures, couleurs, nombres (Paris: Robert Laffont, 1982), p. 19. 67 Cassirer, La Philosophie, p. 33. 68 فؤاد مخوخ من نقد العقل إىل هريمينوطيقا الرموز: بحث يف فلسفة الثقافة عند إرنست كاسرير )الدوحة/ بريوت: املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات )2017 ص.254 69 غادامري الحقيقة واملنهج ص 338. 72 يشد د العروي عىل اقتباس املعنى من زمنية النص ي نظر: العروي ]وآخرون[ املنهجية ص 11. 70 Gilbert Durand, L'Imagination symbolique (Paris: PUF, 1964), pp. 19, 95. 71 Cassirer, L'Idée de l'histoire, p. 62. 17

ددعلالا رياني /يناين/ ينوناكوناك الفهم معناه أن ي حيي الباحث مرة أخرى يف نفسه كل ما يحيط بدائرة املبحوث عنه. وبحسب غادامري يعني املصطلح األملاين Verstehen "فهم" "الوصول إىل اتفاق مع شخص آخر" )7)). وهو بحسب دلتاي "األرض األم" التي يجب العودة إليها لتحقيق هذا التصور. ينطبق هذا عىل العلوم اإلنسانية ويف طليعتها التاريخ حيث تصبح كينونة اإلنسان املبحوث عنه وفهم تاريخه الداخيل )األفكار واملشاعر واملعتقدات( املعرب عنها رمزي ا يف قلب اهتمامات املؤرخ. فأشكال بقايا املايض التعبريية كلها تصبح حقال للفهم والتفه م "ألن كل يشء نص" )7)) عكس العلوم الطبيعية والعمليات الفيزيائية التي ال يمكن بوساطتها النفاذ إىل كينونة األشياء )7)). بيد أن النص املرموز ال يقدم نفسه جاهز ا للمؤرخ بل عليه أن يفهمه ويتفه مه قبل الدخول يف مرحلة تأويله. لكن ما السبيل إىل الفهم والتفه م بداهة ال يمكن فهم أعمال األجيال املاضية بكيفية تلقائية ومن دون روية أو تفكري وإال "أخطأنا فهم املايض عىل وجهه الحقيقي" )7)). ويف هذا السياق ال يمكن إنكار قصب السبق الذي أحرزته املدرسة النقدية األملانية يف تبن ي قاعدة الفهم والتفه م رد ا عىل مقولة حتمية القوانني التاريخية )7)). وانتقد كاسرير اليبنتز Leibnitz الذي عد املعرفة الرمزية "معرفة عمياء" وبني بمستوى عال من اإلقناع أنها يف أقل تقدير "حد للمعرفة اإلنسانية" إذا تم تفه م الناص من خالل إقامة حوار بينه وبني املتلقي )7)). وبدوره ربط غادامري بني التأويل والفهم فجعل من التأويل أداة لتحقيق "الفهم التام" إذ إن التأويل عنده يتوخ ى "رفع االلتباسات من النصوص التي تحول دون أن يحقق الدارس الفهم التام" )7)). بالنظر إىل أن غادامري ي عد من أكرث أصحاب االتجاه التأوييل حرص ا عىل عنرص الفهم ال نستغني عن اإلشارة إىل نقطة جوهرية مي ز بها عملية الفهم يف منهج التأويل الرمزي وهي أن فهم النص ال يقترص عىل معيار العلم والعقل كما هي الحال عند املدرسة الوضعانية بل يضاف إىل ذلك معيار "البصرية" و"التعقل" الذي يؤسس عىل البناء املعريف الشمويل وعىل التجارب اإلنسانية الكونية )8)). واقتبس غادامري من درويزن بناء عىل هذا التاريخ الكوين النسقي قاعدة للفهم تنطلق من الجزء نحو فهم الكل وفهم الكل من الجزء )8)). ويف عملية الفهم شد د عىل تفه م نفسية البرش وإدراك مضمراتها الروحية بالبصرية من أجل فهم معايري قيمهم التي ال تدرك خارج موروثهم التاريخي الذي عد ه املدخل األسايس لفهم النصوص. هناك خاصية ثالثة يستند إليها غادامري يف عملية الفهم وهي استبعاد أي تناقض بني الرتاث والعلم يقول يف هذا الصدد: "فبعد إخفاق التاريخانية الساذجة لقرن التاريخانية نفسه أضحى جلي ا أن التناقض بني الالتاريخي - الدوغمايئ والتاريخي بني الرتاث والعلم التاريخي بني القديم والحديث ليس تناقض ا مطلق ا. لقد توقفت الخصومة الشهرية بني القدماء واملحدثني لتطرح بدائل حقيقية" )8)). فللفه م عالقة بالذات )فهم الرتاث( وليس بالعنرص الخارجي )8)). غادامري الحقيقة واملنهج ص 24. 73 املرجع نفسه ص 338. 74 قنصوه ص.174 170 75 العروي مفهوم التاريخ ص 209. 76 العروي ثقافتنا ص 20. 77 مخوخ ص 233. 78 غادامري الحقيقة واملنهج ص 269. 79 املرجع نفسه ص 27. 80 املرجع نفسه ص 310. 81 املرجع نفسه ص 41. 82 غادامري فلسفة التأويل ص 17. 83 18

منهج التأويل الرمزي لقراءة التاريخ: نحو إرشاك قارئ النص التاريخي يف إنتاج دالالته تشخيص نظري وتطبيقي تاسارد يف االتجاه نفسه طرح دلتاي معيار ا آخر للفهم وهو املعايشة واملشاركة الوجدانية التي تبلغ باملتلقي درجة تفه م صاحب النص فاإلنسان ال يفهم إال ما عاشه بنفسه. والتفه م هو القدرة التي تمتلكها مختلف التعبريات )حزن فرح غضب... إلخ( عىل استحضار ما تعرب عنه وهو األساس لكل تواصل وكل مشاركة للتجربة بني البرش )8)). وبناء عىل ذلك تصبح التجربة املعيشة واملشاركة الوجدانية والتعاطف والفهم والتفهم يف عالقة جدلية ويكتشف اإلنسان نفسه باكتشاف مايض اآلخرين عرب معايشة ما عاشوه )8)). وال يتعلق األمر هنا بحدس أو استنتاج لشعور ما مصاحب لواقعة تاريخية بل هي إعادة إحياء هذا الشعور يف نفس املؤرخ وكأن الواقعة حدثت تحت سمعه وبرصه يف الحارض ال يف املايض فحسب. إنها "إرادة االلتقاء" )8)) التي يبديها املؤرخ ليكتشف بوجدانه شعور الناس يف املايض ويعايشهم باملخي لة رغم املسافة الزمنية والتغر ب عن العرص إلزالة التباعد. والحاصل أنه ليس هناك أفضل من معايشة حارضية لفهم روح نص أل ف يف املايض. نحسب أن هذه املعايشة الوجدانية بني املتلقي واآلخر الذي يسعى لتفه مه تمهيد ا لتأويل ماضيه هي ما ذهب إليه أيض ا ريكور. فالفهم يف منظوره يهدف إىل "لقاء اآلخر" وإىل "التبادل الوجداين" معه ليصبح هذا اآلخر "النجم املرشد للمؤرخ" )8)). وبقدر ما حرص عىل جعل الفهم مرحلة أساسية ورضورية يف التأويل فإنه نب ه إىل أن سوء فهم النص يؤدي إىل سوء تأويله. ومن أهم أسباب سوء الفهم عدم التمييز )املباعدة( بني داللة النص والقصد الذهني للمؤلف )8)). عىل غرار ريكور أدىل بارت بدلوه يف مسألة الفهم فربط عملية فهم الرمز بالبعد الوظائفي الذي يؤديه وأعطى مثاال لذلك باملعطف املطري الذي يرمز إىل الوقاية من املطر. غري أن هذا االستخدام يف نظره ال ينفصل عن كونه دليل حالة فحسب ألن داللته الشاملة ال تفهم إال يف سياق جو املطر والربد وليس املطر وحده. ولذلك فإن فهم النص املرموز مرشوط بعملية املواءمة والتجانس بني الدال واملدلول )8)). 3. بنية الفهم املسبق قبل أي تأويل للنص التاريخي إذا كان املفكرون التأويليون يحرصون عىل أسبقية الفهم والتفهم ألي تأويل بهدف استنباط دالالت الرموز يف النص فإنهم يضعون اإلصبع عىل قاعدة كثري ا ما ع د ت عند املدرسة الوضعانية محبطة للبحث التاريخي وسبب ا يف سوء فهم النص أو الوثيقة وتتجىل يف تبن ي حكم مسبق عىل أنه منطلق يف صريورة عملية الفهم. ورأت املدرسة املذكورة أي حكم مسبق يتبن اه املؤرخ عند تأويله نص ا أو وثيقة انزالق ا منهجي ا تتكرس فيها روح الحيادية والنزاهة. بيد أن للتأويليني منظور ا آخر ال يخلو من نربة واقعية فهم يرون أن كل تفسري للوقائع التاريخية أو للقضايا املصريية يف التاريخ ال يمكن إال أن ينطلق من اهتمام معني ومن مصلحة مكشوفة أو متوارية يتشكل منها السؤال املطروح عىل النص أو الوثيقة. وعىل الرغم مما يمكن أن يد عيه املؤرخ من تحر ره من سلطة الذاتية فإن ذلك وهم فحسب يخفيه املؤرخ يف مشاعره الداخلية ويستبطنه يف بنيته الفكرية املسبقة. لذلك يرتبط تأويل النص التاريخي واقعي ا شئنا أم أبينا بما يسميه التأويليون "بنية الفهم املسبق" التي تفرض نفسها خيط ا موج ه ا للمؤول. قنصوه ص 172. 84 مجدي عز الدين حسن "تأويل التاريخ وتاريخية التأويل )2(" الحوار املتمدن العدد 2012/3/11 3664 شوهد يف 2019/10/16 يف: http://bit.ly/311xwjp 85 86 Ricœur, Histoire, p. 36. ريكور ص 498. 87 درويش ص 419. 88 بارت مبادئ يف علم األدلة ص 143-142 وعن دور نطق اللغة يف تحديد الهوية ينظر: بارت الدرجة ص 97. 89 19

ددعلالا رياني /يناين/ ينوناكوناك إذا كانت بنية الفهم املسبق تمث ل قاعدة انطالق أي تأويل رمزي فما عنارصها التي ت وظ ف لفهم داللة الرموز التاريخية وتأويلها يفصح غادامري عن أحد عنارص بنية الفهم املسبق فيحدده يف سلطة الرتاث التي تمث ل بوصلة مرشدة للفهم )براديغم(. فأي باحث ال يمكنه أن يفك شيفرة رمز من دون فهم "توقعات" داللته املستمدة من التصورات السابقة التي يملكها حول املوضوع والتي تستنبط من املرجعية الرتاثية )9)). حر ر غادامري مفهوم بنية الفهم املسبق املستند إىل الرتاث من املنظور السلبي الذي وضعته فيه املعرفة التاريخية يف عرص األنوار عندما رأته مناقض ا للعقل. فهو يرى أن تاريخية الوجود اإلنساين تمث ل منبع الفهم أو األحكام املسبقة التي من خاللها نجر ب شيئ ا ما حتى يكون ملا نبحث عنه معنى وإال انتفى هدف البحث )9)). ولتأكيد رؤيته عو ل عىل مراجعة منظورات فالسفة األنوار الذين أداروا ظهورهم لفكرة األحكام املسبقة املؤسسة عىل الرتاث ونقدها وصححها ليؤكد أنه "ما كان يقدم نفسه يف إطار البناء الذايت للعقل املطلق عىل أساس أنه حكم مسبق محدود ومختزل إنما هو يف الحقيقة يشء ينتمي إىل الحقيقة التاريخية نفسها" )9)). ت مث ل األحكام املسبقة التي يمتلكها املؤرخ عن تراثه أحد تجل يات الحقيقة التاريخية. لكنه يمي ز يف الوقت نفسه بني األحكام املسبقة غري املرشوعة واألحكام املسبقة املرشوعة التي تراقب ب "االنضباط املنهجي للعقل": "فالفهم الذي يتم بوساطة وعي منهجي يجب أال ينصب عىل التصورات املسبقة الخاصة فحسب بل عىل الوعي بها ألجل مراقبتها وتأسيس الفهم الصحيح" )9)). وعىل املؤول أن يحتكم إىل املعرفة والعقل وال ينصاع انصياع ا أعمى لسلطة الرتاث. وعليه أيض ا أن ي خض ع تصوراته املسبقة كلها للفحص واالختبار بالتساؤل عن مرشوعيتها حتى يكون له حرية اختيار مدلوالت ثقافية وتاريخية من دون غريها )9)) ما دام "الرتاث يف الحقيقة هو دائم ا ممكنات الحرية والتاريخ نفسه" )9)). يخلص غادامري إىل القول إن للتأويل عالقة متداخلة بالجوهر الزمني لإلنسان وإن اإلنسان يعيش يف إطار التاريخ ويتواصل مع موروثه ال بوصفه شيئ ا غريب ا عنه بل بوصفه منتمي ا إليه ومندمج ا فيه فكل فهم هو فهم تاريخي ألن للذات تاريخ ا وتراث ا ال يمكن أن تنفصل عنهما )9)) وبذلك يكون غادامري قد أقام عالقة جدلية بني العقل والرتاث وجعل تأصيل الدالالت رهن ا بالتاريخ. رغم أن تفكيكية دريدا تقوم عىل املقولة "ال يشء خارج النص" حيث استبعد صاحبها مرجعيات التأويل فإن مرشوعه التأوييل ال يتنك ر للتاريخ الذي يقوم يف رأيه عىل الحفر يف البنيات الثقافية بحث ا عن املعنى بوساطة "تحليل جينيالوجي لبنية متشكلة نريد نزع طبقاتها املرتسبة" وفق تعبريه )9)). 90 غادامري الحقيقة واملنهج ص 30. 91 ينتقد غادامري رانكه ودرويزن اللذ ين رفضا كل بناء قبيل مسبق لتاريخ العالم ينظر: املرجع نفسه ص 298 عبد الله بريمي "تاريخانية التأويل: هانز جورج غادامري" قضايا إسالمية معارصة العدد 58-57 )آذار/ مارس 2014( ص 144. 142 بريمي ص 144-143. 96 املرجع نفسه ص 147. 97 ميشيل فوكو وجاك دريدا حوارات ونصوص ترجمة محمد ميالد )الالذقية: دار الحوار للنرش والتوزيع 2006( ص 156. 92 Gadamer, Vérité, pp. 298, 302. 93 Ibid., p. 290. 94 Ibid., p. 300. 95 Ibid., p. 302; 20

منهج التأويل الرمزي لقراءة التاريخ: نحو إرشاك قارئ النص التاريخي يف إنتاج دالالته تشخيص نظري وتطبيقي تاسارد عىل أن الفهم بوصفه مرحلة أساسية لتأويل الرموز يف بعض املجتمعات يستدعي أحيان ا إجراء بحث ميداين عىل عي نة من األفراد من خالل ما يعرف ب "الوصف املكثف" Thick description الذي يروم التقاط الرسائل الرمزية التي تفصح عنها القواعد واألعراف املتداولة يف ثقافة ذلك املجتمع فيتحول املؤرخ يف هذه الحالة إىل باحث إثنوغرايف. ويقدم غريتز نموذج ا للباحث الذي استطاع التقاط الرسائل الرمزية مستعين ا بفلسفة التأويل عند ريكور ومعتمد ا يف قراءة ثقافة املجتمعات عىل وجهات النظر التي يعرب عنها املواطنون يف تفاعلهم االجتماعي ما يضفي معنى جديد ا عىل العالم الذي وجدوا أنفسهم فيه من خالل الرتكيز عىل أنماط الفعل التي تظهر يف شكل قويل أو غري قويل )9)). من االستشهادات كلها التي أوردناها يتبني أن الفهم والتفه م يف منهج التأويل الرمزي ي عد ان مكو ن ني أساسي ني يف قراءة الرموز وتأويلها لكنهما يطرحان إشكاالت قد تكون عرضة للنقد ومن بينها عىل الخصوص إشكالية استحضار الحارض واالستناد إىل املوروث الثقايف ثم املشاركة الوجدانية لصاحب النص وكلها أدوات تؤثر يف مسألة الذاتية واملوضوعية للمؤرخ فكيف يتم تجاوز مطب الذاتية يف منهج التأويل الرمزي 4. إشكالية الذاتية واملوضوعية يف منهج التأويل الرمزي تعد مسألة الذاتية واملوضوعية لدى متلق ي النص من القضايا الحارقة التي أثارت كثري ا من الغبار يف مناقشات املؤرخني )9)). وركزت املدرسة الوضعانية عىل مبدأ الحياد وأعلنت موقف ا صارم ا من أي تدخل للمؤرخ يف إعادة بناء معنى النص وعد ت ذلك خروج ا عن املوضوعية والروح العلمية. وعىل العكس يجعل املنهج التأوييل من "تدخ ل" املؤرخ يف النص أمر ا ملزم ا بهدف خروجه من اغرتابه عن الزمن الذي يؤرخ له واستكشاف دالالته. وفن د أصحاب هذا املنهج اعرتاضات من يزعم أن مشاركة القارئ للمؤلف يف بناء معنى النص تبعده عن درب الحياد. يقول غادامري يف هذا الصدد: "عندما نفهم نص ا معين ا فإننا ال نحل محل اآلخر وال يتعلق األمر باخرتاق النشاط الروحي للمؤلف فليست املسألة سوى إدراك املعنى والداللة أو القصد ]...[ نجد أنفسنا يف دائرة القصد املفهوم يف حد ذاته ودون أن يرب ر الرؤية املحمولة عىل ذاتية الرشيك" )10)). وبذلك يكون تدخ ل مؤول النص وفق غادامري هو "إحالل االتفاق وتسديد النقائص" وكسب حرية منهجية تروم تحقيق املعنى املعقول )10)). باملثل يرى غادامري الذي سلك يف هذا االتجاه مسلك أستاذه هايدغر أن حرص املدرسة املنهجية عىل تجر د املؤرخ من أهوائه وذاتيته يجعل هذه األهواء تمارس فعلها يف الخفاء بدال من تمث لها عىل أنها موج هات علنية يف عملية الفهم ألنها هي التي تؤسس موقفنا الوجودي الراهن. لكنه يدعو إىل التسل ح بفضيلة االحرتاز من بعض األفكار التوهيمية التي تلوح يف الخاطر انطالق ا من بعض العادات الالواعية يف التفكري. فالنشاط التأوييل يستلزم أن تكون عني املؤرخ موجهة نحو "اليشء نفسه" يك يدركه "شخصي ا" ويحتك به مبارشة ليستلهم دالالت رموزه. هذه هي حدود املوضوعية كما يراها غادامري يف عملية التأويل فهي وفق منظوره ال ترقى إىل موضوعية العلوم الطبيعية لكنها تتضمن مع ذلك "حقائق م د عاة" )10)). السيد حافظ األسود "املدخل الرمزي لدراسة املجتمع" حولية كلية اإلنسانيات والعلوم االجتماعية العدد )1991( 14 ص 347 فرو ص 226-224 98 العروي مفهوم التاريخ ص 367-366. 99 غادامري فلسفة التأويل ص 42-41. 100 املرجع نفسه ص 42. 101 فرو ص 57. 102 21

ددعلالا رياني /يناين/ ينوناكوناك يف املنحى النقدي نفسه لنسبية املوضوعية الحظ ريكور أن ذاتية املؤرخ تتدخل )قصد ا أو بغري قصد( يف مراحل الكتابة التاريخية كلها وأن "التورط الذايت يشكل يف آن واحد الرشط والحد للمعرفة التاريخية" )10)). ويذهب يف انتقاده املوضوعية التي تزعمها املدرسة الوضعانية إىل وقوع هذه األخرية نفسها يف فخ الذاتية من خالل إشارته إىل بعض السمات التي تربز البعد الذايت يف منهجية روادها. ففكرة االختيار )اختيار املوضوع( وحكم األهمية Jugement d'importance الذي يحكم هذا االختيار وتنوع معايري االنتقاء تبع ا لنظرية العمل أو فرضيته التي يتبناها املؤرخ كلها موجهات تتجىل فيها ذاتية املؤرخ تحت عناوين مختلفة تعمل خلف الستار يف أفق ما يسميه ب "التخطيطات الرسدية" )10)). 5. فهم الرمز التاريخي ضمن نسق الحارض "املؤول معارص بكل ما يف الكلمة من معنى ملؤلف النص" )10)). لعل هذه املقولة التي أوردها غادامري يف كتابه الحقيقة واملنهج تربز انتصار املدرسة التأويلية ملقولة تأثري الحارض يف تأويل املايض وهو انتصار أيض ا للمنهج الفيلولوجي الذي يعد فهم أي عقل ينتمي إىل املايض عقال حارض ا وفهم كل اغرتاب زمني ألفة ومعايشة للنص رغم املسافة الزمنية بينهما. وحرص غادامري عىل رضورة قراءة النص وتأويله انطالق ا من الحارض "فكما أن العلم الطبيعي يفحص دائم ا شيئ ا حارض ا لغرض ما يقدمه من معلومات كذلك بالضبط يستنطق العالم يف العلوم اإلنسانية النصوص" )10)). ويرى هذا الفيلسوف األملاين أن عملية فهم املايض وتأويله ال تنفصل عن مفاهيم الحارض أو ما سماه "األفق التاريخي الراهن" الذي به ومن خالله تؤس س عملية فهمنا للمايض. والوعي التاريخي بالنسبة إليه توليفة تتول د من االنصهار بني املايض والحارض. ومن سياق هذا الحارض تستقي الذات املؤولة قواعد فهمها ونوعية األسئلة التي تطرحها عىل النص أو الوثيقة. يف الوقت ذاته يرى غادامري أنه ال يمكن املؤرخ خالل مرحلة الفهم والتأويل أن ينفلت من مرجعية املايض لفهم النص. ونحسب أن مقولته حول "التاريخ الفاعل" أو الوعي املندرج يف الصريورة التاريخية تعني أن الذات الواعية تعيش يف قلب التاريخ وال يمكنها أن تتموقع خارجه ألنه تاريخها الخاص. وبناء عليه من غري املمكن انفكاك املؤول عن ذاته وعن معايري أفقه التاريخي املبحر بني مرفأ املايض البعيد ومرفأ الحارض وهذا اإلبحار بني ضفتي الحارض واملايض هو الذي يمنح املعنى يف عملية تأويل الرمز. وينتقد الرأي الذي يلزم املؤرخ برضورة االنسالخ عن مفاهيمه الخاصة املرتبطة بالحارض واالقتصار عىل التفكري بمفاهيم الحقبة التي يحاول فهمها مؤكد ا أن ذلك مجرد لعبة أو "ادعاء تاريخي ساذج" )10)). عىل العكس تتم عملية فهم املايض وتأويله وفق منظور هذا الفيلسوف املولع بالتاريخ حتى النخاع عرب حوار يؤلف بني أفق املايض كما يطرحه صاحب النص املرموز و"األفق التاريخي الراهن". ومن هذا الحوار تؤسس هذه التوليفة الخالقة التي عرب عنها ب "انصهار اآلفاق" بني املايض والحارض فيصري مؤو ل النص مشارك ا يف إنتاج معناه. 107 Gadamer, Vérit, p. 303; ريكور ص 498. 103 املرجع نفسه ص 501 درويش ص 380. 104 غادامري الحقيقة واملنهج ص 338. 105 املرجع نفسه ص 338. 106 بريمي ص 139. 22

منهج التأويل الرمزي لقراءة التاريخ: نحو إرشاك قارئ النص التاريخي يف إنتاج دالالته تشخيص نظري وتطبيقي تاسارد بدوره يذهب بول ريكور إىل أن املعرفة التاريخية ال تكتمل إال بربط "مايض الرجال الغابرين وحارض رجال اليوم" )10)) ويرى أن من بني األهداف التي تسعى لها الهرمنيوطيقا مواجهة االبتعاد الثقايف بني الناص واملتلقي بهدف تقريب الذات املؤولة وإعادة توطينها يف عالم النص وتحريرها من غربتها حتى يصبح املؤول مالك ا للنص ومعايش ا له )10)). الحاصل أن مرتكزات منهج التأويل الرمزي وخصائصه كما بسطناها يف هذا املحور تجعل من املؤرخ بحكم معايشته لنص ه متمل ك ا له مساهم ا يف إنتاج املعنى الذي بدأه السارد ما يجعله مبدع ا ومشارك ا يف قراءة الوقائع التاريخية من خالل البحث عن الجانب الرمزي املتواري فيه وهو ما سنسعى لبيانه يف محاولة تطبيقية يف املحور املوايل. ثالث ا: محاولة تطبيقية ملنهج التأويل الرمزي عىل طقوس البيعة يف املغرب 1. طقوس البيعة بوصفها نص ا رمزي ا غري مكتوب اسرتشاد ا بمرتكزات منهج التأويل الرمزي املسطورة سلف ا كيف يمكن قراءة الدالالت الرمزية لنموذج تاريخي اخرتنا له طقوس احتفاالت البيعة يف تاريخ املغرب الراهن عىل أنها مجال للفحص واالختبار علم ا أننا سنعالج هذه الطقوس ال بوصفها مشهد ا فرجوي ا بل نمط ا من أنماط الفعل الرمزي Actions symboliques ونص ا تاريخي ا "برصي ا" غري مكتوب لكنه معرب عن مجموعة من السلوك والتقاليد املتولدة من رحم املايض والحارض وحامل لنسيج من الرموز والتصورات املتوارثة واملنقولة تاريخي ا )11)). تكتيس احتفاالت البيعة يف التاريخ اإلسالمي مكانة مركزية يف االسرتاتيجية التي اعتمدها الحاكم لتدعيم رشعية بيعته السياسية برشعية دينية وإكسابها طابع القداسة. وتباينت هذه االحتفاالت يف الدول اإلسالمية ومن بينها املغرب الذي سنتخذ طقوس احتفاالته يف البيعة امللكية يف عهد امللك الراحل الحسن الثاين )1999-1961( نموذج ا يف هذه الدراسة )11)). نحسب أيض ا أن هذه الطقوس االحتفالية تختزن دالالت تاريخية عدة يكشف عنها املشهد العام الذي يتخذ شكل احتفال كرنفايل يجري ترتيبه وفق مخطط مدروس وإخراج محبوك يجعله تقليد ا مفعم ا باملعاين والرموز التي يصنعها النظام املغريب بوصفها آلية لفرض هيبته عىل املجتمع وتكريس قدسية املؤسسة امللكية وعراقتها التاريخية وتجديدها وضمان استمراريتها. لذلك لم يحد جورج بالندييه Georges Balandier عن الصواب يف دراسته األنرثوبولوجية بشأن بعض املمالك األفريقية حني عد الطقوس املصاحبة لتقاليد احتفاالت تنصيب امللوك تعبري ا رمزي ا عن انبعاث األرسة املالكة من جديد وإعادة إنتاج النظام لذاته من خالل العودة إىل البدايات التي 109 Paul Ricœur, Du texte à l'action: Essai d'herméneutique, vol. 2 (Paris: Seuil, 1986), p. 153. 108 ريكور ص 498. 110 من نماذج املشاهد غري املكتوبة التي تم تأويلها نذكر القراءة التأويلية التي قام بها بارت يف مشهد صورة الراهب أيان وعىل جانبيه شخصان من أفراد الحاشية يسكبان عليه الذهب. إضافة إىل مجموعة أخرى من الصور الفوتوغرافية ي نظر: روالن بارت املعنى الثالث ومقاالت أخرى ترجمة عزيز يوسف املطلبي )بغداد: بيت الحكمة )2011 ص.76-58 111 للمزيد من الدراسات املنجزة بشأن البيعة يف املغرب يف التاريخ الراهن ي نظر: Nabil Mouline, "La Fête du trône: Petite histoire d'une tradition inventée," in: Baudouin Dupret et al., Le Maroc au présent, D'une époque à l'autre, une société en mutation (Casablanca: Publications du Centre Jacques-Berque; Fondation du Roi Abdul-Aziz Al Saoud pour les Études Islamiques et les Sciences Humaines, 2015), pp. 691-701; Mohamed Tozy, "Monopolisation de la production symbolique et hiérarchisation du champ politico-religieux au Maroc," Annuaire de l Afrique du Nord, vol. 18 (1980), pp. 219-234; Rachida Cherifi, Le Makhzen politique au Maroc: Hier et aujourd hui (Casablanca: Afrique Orient, 1988). 23