علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 داللة اإلشارة في القرآن الكريم تنظيرا وتطبيقا علي بن جريد العنزي )*( جامعة الحدود الشمالية )قدم للنشر يف 1438/08/18 ه وقبل للنشر يف 1438/08/25 ه( ملخص: هيدف البحث للتعريف هبذه الداللة واحلديث عن أبرز مسائلها وبيان حجيتها ومكانتها عند العلامء. وعرض البحث لتعريف لفظتي الداللة واإلشارة لغة واصطالحا ويف القرآن الكريم وأعقب ذلك الكالم عىل مصطلح»داللة اإلشارة«ماذا يعنى به. ويف فصل مستقل كان الكالم عىل مسائل عدة نظمها اسم:»مهامت يف داللة اإلشارة«حيث حتدث البحث عن حجية داللة اإلشارة وكوهنا حجة عند أكثر العلامء عقب ذلك حتدث الباحث عن هذه الداللة يف كتب علوم القرآن وكيف تناوهلا املؤلفون يف علوم القرآن وعقد مطلبا بعد ذلك- يف اخلطأ يف داللة اإلشارة وزلل بعضهم فيها ثم ختم هذا الفصل باحلديث عن الفرق بني داللة اإلشارة والتفسير اإلشاري. هذا القسم النظري تاله القسم التطبيقي وهو يف دراسة بعض االستنباطات املدونة يف كتب األصوليني وعلوم القرآن ويشء من استدالالت الفقهاء بني الباحث يف دراستها وجه عدها من داللة اإلشارة ثم هل يصح هذا االستنباط أم ال ثم ختم الباحث بالنتائج والتوصيات. ***** كلامت مفتاحية: داللة اإلشارة تنظرا تطبيقا. Connotation in the Holy Quran: A Systematic Study Ali bin Jurrayad Al-Enazi (*) Northern Border University (Received 15/05/2017, accepted 21/05/2017) Abstract: This paper aims to explain the Quranic connotation, discuss its main issues, and demonstrate its legitimacy to be taken as a sound evidence for scholars. Both terms of connotation and significance are defined linguistically and technically as used in the Holy Quran. This is followed by an explanation of the term the significance of connotation. In a separate section, a number of related issues are discussed under the title of issues on significance of connotation. This section discusses the significance of connotation as evidence or a proof which is taken for granted by majority of scholars. The next part of the study provides an investigation of connotation in reference books, how scholars explained it and how errors are made by some scholars. This part is concluded with a note on the difference between connotation and connotative explanation. This part is followed by a study of the findings mentioned in the books of early Islamic scholars and jurists. In this study, the researcher investigates all the different aspects of connotative significance. The study is concluded with findings and recommendations. Keywords: the significance of connotation, Theory, Practice (*) Corresponding Author: )*( للمراسلة: www.nbu.edu.sa DOI: 10.12816/0054670 Professor, Faculty of Education and Arts, Northern Border University, P.O. Box: 1321, Code:91431, Arar, Kingdom of Saudi Arabia. e-mail: tabet5005@gmail.com أستاذ قسم الدراسات اإلسامية كلية التربية واآلداب جامعة الحدود الشمالية ص ب: 1321 رمز بريدي: 91431 عرعر المملكة العربية السعودية. 3
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( مقدمة: إن احلمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من رشور أنفسنا ومن سيئات أعاملنا م ن هيده اهلل فال مضل له ومن ي ضلل فال هادي له وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك ل ه وأش هد أن حمم دا عب ده ورسوله. أما بعد فال خيفى عىل أهل العلم ما ملباحث دالالت األلفاظ من األمهية البالغة واملكانة العالية فهي طريق من طرق استنباط جليل الفوائد واستخراج كريم العوائد وهي دليل من دالئل سعة الكتاب العظيم وبرهان ساطع م ن براه ني عظم ة الق رآن الكري م وص دق اهلل إذ ج يد( )ق: ١ (. قال: )ق و ٱلق رء ان ٱل م وإن أحد أفراد دالالت األلفاظ ما يسمى عند العلامء ب»داللة اإلشارة«داللة عني هبا العلامء واحتفى هبا األلباء واستعملها الفقهاء وهلج هبا املفرون وأطنب يف ذكرها األصوليون وذكرها يف مصنفاهتم املعتنون بعلوم القرآن غر أن أهل األصول كانوا أكثر هلا طرقا وأشد بحثا وأسد قيال. وأما املصنفون يف علوم القرآن فقد أقلوا فيها الذكر وأوجزوا احلديث واختروا الكالم فجاءت مباحثها لدهيم ال تفي بالغرض وال تلم باملقص ود. ومن هنا جاءت فكرة مجع مادة علمية قرآنية يف هذه الداللة الطيبة املباركة فكان هذا البحث املعنون له ب»داللة اإلشارة يف القرآن الكريم تنظرا وتطبيقا «. وأحسب أن هذا البحث-إن شاء اهلل تعاىل- يعالج النقص املشار إليه يف كتب علوم القرآن حول مباحث هذه الداللة. كام أن يف البحث هذا دراسة لبعض االستنباطات التي هي من قبيل داللة اإلشارة حتى ال تكون دراسة جمردة عن التمثيل والتطبيق وال خيفى فائدة هذا األمر فيجتمع التنظر والتطبيق. وعمديت يف مجع هذه األمثلة ما مثل به األصوليون يف كتبهم هلذه الداللة فجمعتها من جل كتب األصول-عىل اختالف مذاهبهم- وكذا املؤلفون يف علوم القرآن وزدت عليها بعض استدالالت الفقهاء التي هي من قبيل هذه الداللة فكانت عرة مواضع وفيها ثالثة عر استنباطا. واستيعاب ما قيل: إنه من داللة اإلشارة فيه صعوبة بالغ ة -ولو قيل بتع ذره مل يكن بعي دا - خاصة يف أبحاث كهذه. ولعل الناظر يف هذه األمثلة جيد بغيته يف اس تيضاح ه ذه الدالل ة والوق وف ع ىل حقيقته ا ومعرفة ما يصح منها وما ال يصح. أمهية املوضوع وأسباب اختياره: -داللة اإلشارة إحدى سبل استنباط األحكام واحلكم من اآليات القرآنية. 4
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 -استعامل العلامء لداللة اإلشارة من غر نكر يرز لنا أيضا أمهيتها ومكانتها. -ال خيلو كتاب أصويل-غالبا - صغر أم كر من ذكر هذه الداللة واإلشارة إليها ومعلوم أن كتب األصول إنام هي تقعيد ألدلة الفقه يف دين اهلل تعاىل فهذا يرز لنا أمهية هذه الداللة. -قلة كالم املصنفني يف علوم القرآن يف هذه الداللة وعدم اإلملام بمباحثها ولعل هذا البحثيلبيحاجةالقارئيفعلومالقرآن. -ومن أسباب اختياري للكتابة يف هذا املوضوع: أهنا خدمة لكتاب اهلل تعاىل وإنه وأيم اهلل- لرف للعبد أن خيدم بقلمه كتاب ربه D. أهداف املوضوع: -التعريف بمصطلح»داللة اإلشارة«. -إبراز مكانة هذه الداللة وبيان أمهيتها. -التمييز بني صحيح االستدالل بداللة اإلشارة و با طله. -إيضاح الفرق بني داللة اإلشارة والتفسر اإلشاري. -دراسة بعض األمثلة لداللة اإلشارة من القرآن الكريم ومناقشتها. خطة البحث: تكون هذا البحث من مقدمة وقسمني وخامتة. أما املقدمة: فقد بينت فيها أمهية املوضوع وأسباب اختياره وأهدافه وخطته واملنهج املتبع يف كتابت ه. أما القسم األول فكان يف التنظر والدراسة لداللة اإلشارة وفيه فصالن اثنان: الفصل األول: يف تعريف داللة اإلشارة لغة واصطالحا: وفيه متهيد وأربعة مطالب: التمهيد يف فضل اإلشارة. املطلب األول: تعريف الداللة لغة واصطالحا. املطلب الثاين: أنواع الداللة. املطلب الثالث: تعريف اإلشارة لغة واصطالحا. املطلب الرابع: تعريف داللة اإلشارة ا صطال حا. الفص ل الث اين: مه امت يف دالل ة اإلش ارة وفي ه مدخ ل وأربع ة مطال ب: مدخل يف أقسام الدالالت اللفظية. املطلب األول: حجية داللة اإلشارة. املطلب الثاين: داللة اإلشارة يف علوم القرآن. املطلب الثالث: اخلطأ يف داللة اإلشارة. املطلب الرابع: داللة اإلشارة والتفسر اإلشاري. ثم يتلوه القسم الثاين يف ذكر أمثلة لداللة اإلش ارة م ن الق رآن الكري م ودراس تها م ن جه ة كوهنا داللة إشارة أم ال ومن جهة صحة االستنباط من عدمه. ثم اخلامتة وفيها أهم النتائج والتوصيات. 5
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( الدراسات السابقة: من خالل النظر يف فهارس املكتبات وحمركات البحث مل أجد بحثا يف موضوعنا هذا: داللة اإلشارة يف القرآن الكريم ومل أجد بحثا متخصصا يدرس فيه ما استنبط بطريق داللة اإلشارة ويناقش فيه املستدل ويبحث فيه عن أقوال العلامء اآلخرين ويقارن بينها ثم يرجح أحدها. وغاية ما وجدت من ذلك: إما كالم ألهل األصول ضمن مصنفاهتم وهذا يعنى فيه أربابه باجلانب التنظري هلذه الداللة. وقل هذا يف كتب علوم القرآن الكريم. وإما بحث أصويل عني ببحث مسألتنا من جهة أصولية أطال يف ذيوهلا وأطنب يف تشقيقها وأصاب وأحسن عىل أصحاب األصول. لكن تبقى حاجة أهل القرآن قائمة فام كل مباحث أهل األصول وال مجيع حجاجهم حيتاجها أهل القرآن فمن هذه األبحاث: -داللة اإلشارة عند احلنفية وتطبيقاهتا يف الفقه اإلسالمي وقانون العقوبات األردنية أ.د. عبد اهلل حممد الصالح املجلة األردنية يف الدراسات اإلسالمية مج) 10 ( ع) 4 ( 1436 ه. وهذا بحث أصويل قانوين. -إشارة النص ومدى االستدالل هبا يف النصوص الرعية والقانونية د. حممد الرحيل جملة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية املجلد) 20 ( العدد الثاين 2004 م. وهذا كسابقه بحث أصويل قانوين. -داللة اإلشارة وتطبيقاهتا عند األصوليني)دراس ة مقارن ة( رس الة ماجس تر للطالب حممد عي أبو شعلة اجلامعة األردنية 2005 م. وهذا بحث أصويل أيضا. -دالل ة اإلش ارة يف التقعي د األص ويل والفقه ي دراسة تأصيلية تطبيقية تأليف: د. حممد بن سليامن العريني دار التدمرية 1437 ه. وهذا بحث موسع جدا لداللة اإلشارة وم ا يتعل ق هب ا م ن جه ة األص ول والقواع د الفقهية والفقه كام تناول اإلشارة باليد والعني ونحوها. وأصله رسالة دكتوراه تقدم هبا الباحث إىل قسم أصول الفقه يف جامع ة اإلم ام حمم د ب ن س عود لني ل درج ة الدكتوراه. -وبحثي هذا هو يف داللة اإلشارة وتطبيقاهتا يف القرآن الكريم وبناء عىل هذا فكل ما ال خيدم النص القرآين فإين أعرض عنه كام أين أدرس األمثلة القرآنية دراسة متأنية وهذا ما يميز هذا البحث عن غره وال أعني تفضيل عمي معاذ اهلل ولكن أريد أن أبني 6
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 أن هذا البحث خيدم علوم القرآن كام خدم إخواين اجلانب األصويل والفقهي. ولكل وجهة واهلل نسأل أن يتقبل منا أمجعني وأن يستعملنا يف مرضاته ويرزقنا حسن القصد والعمل إن ربنا جواد كريم. منهج البحث: اخرت املنهج االستقرائي والتحليي يف ه ذا البح ث حي ث قم ت بجم ع م ا كتب ه أه ل األصول واملؤلفون يف علوم القرآن حول داللة اإلش ارة يف اجلان ب النظ ري والتطبيق ي واملقارن ة بني عبارهتم وتدوين ما يرجح منها مع التعليل والتدليل ما أمكن ومثله صنعت يف دراسة االستنباطات. وكانت الطريقة املتبعة يف دراسة االستنباطات من اآليات القرآنية عىل النحو اآليت: -رتبت االستنباطات عىل اآليات القرآنية فجعلت اآلية هي األصل واملعتمد يف الرتيب ترتيب اآليات حسب مصحف املدنية النبوية. -حددت موضع الداللة من اآلية إال أن تكون اآلية قصرة فال أصنع ذلك. -بينت وجه االستنباط وكيف كان من داللة اإلشارة. -ذك رت م ن واف ق م ن أه ل العل م ع ىل ع د هذا االستنباط من داللة اإلشارة. -اعتنيت يف البحث بذكر مذهب من خالف ورد هذا االستنباط -إن وجد- واعتره غر صحيح مع العزو للمصادر األصلية. -خرجت األحاديث النبوية وعزوهتا ملصادرها املعتمدة. وبعد فهذا جهد املقل فام كان فيه من ص واب فمح ض فض ل اهلل تع اىل وتوفيق ه وم ا كان فيه من زلل أو خطل فإين أستغفر اهلل منه واهلل منه بريء ورسوله. واهلل املسئول أن يتجاوز عنا وأن يغفر لنا خطأنا وإرسافنا يف أمرنا وأن يتقبل منا إنه هو السميع العليم. واحلمد هلل أوال وآخرا وظاهرا وباطنا. القسم األول: التنظر والدراسة لداللة اإلشارة وفيه فصان اثنان: الفصل األول: يف تعريف داللة اإلشارة لغة واصطاحا: وفيه متهيد وأربعة مطالب: التمهيد يف فضل اإلشارة. املطلب األول: تعريف الداللة لغة واصطاحا. املطلب الثاين: أنواع الداللة. املطلب الثالث: تعريف اإلشارة لغة واصطاحا : املطلب الرابع: تعريف داللة اإلشارة اصطاحا. متهيد: تع د اإلش ارة إح دى الط رق يف التعب ر ع ن املعن ى ويق ي هل ا البياني ون أهن ا م ن حماس ن 7
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( الكالم البليغ وأهنا جارية عىل طرق أهل العربي ة وس ننهم. وه ذا م ن ث راء لغ ة الق رآن اللغة العربية. وإذا كان ابن رشيق يعي من شأن بعض الش عراء الس تعامهلم اإلش ارة يف ش عرهم ف امذا عس انا نق ول ع ن كالم ربن ا ال ذي بل غ الغاي ة يف الفصاحة والبالغة يقول )ابن رشيق 1401 ه ج: 1 ص: 302 ( V:»واإلش ارة م ن غرائ ب الشعر وملحه وبالغة عجيبة تدل عىل بع د املرم ى وف رط املق درة ولي س ي أيت هب ا إال الشاعر املرز واحلاذق املاهر وهي يف كل ن وع م ن ال كالم ملح ة دال ة واختص ار وتلوي ح يع رف جمم ال ومعن اه بعي د م ن ظاه ر لفظ ه«. ك ام أهن ا إح دى دالئ ل إعج ازه حي ث ي ب ل غ املطلوب وي عر عن املقصود بأوجز كلمة وأخ ر عب ارة وألط ف إش ارة وم ن هن ا كان العلامء الفطناء والفقهاء األذكياء يدركون مرامي النص الريف ويلحظون مقاصد الوحي الكريم ويفهمون مطلوب الرب تعاىل عىل تفاوت بينهم يف ذلك. يقول السيوطي)السيوطي 1404 ه ص: 322 (:»وقد استنبطت هبذه القاعدة أحكاما من عدة آيات«. وإن م ن ف ت ح اهلل عىل عبده وإرادة اخلر به أن يلم بيشء من مكنونات النصوص ويطلع عىل بعض خفايا األدلة فيغوص يف أعامقها ويستخرج دررها ويظهر شيئا من حكمها وأحكامها. والشك أن إدراك هذا النوع من الداللة حيت اج إىل إع امل ذه ن وصف اء قل ب وج ودة عقل وسعة علم مع دين متني وإيامن قويم فهي ميدان من ميادين التاميز وإال ف إن الظاه ر يس توي يف فهم ه العل امء وال يتامي ز فيه األذكياء وهلذا كان لعي وابن عباس واألكابر من صحابة رسول اهلل H قصب السبق فيه فها هو عي يستنبط من ضميمة آيتني حكام ال ينتبه له أكابر الصحاب ة ه و م ن قبي ل دالل ة اإلش ارة )انظ ر: املوضع الثامن من األمثلة( ويقول- ملا سئل هل خصكم رسول اهلل H ب يشء س وى الق رآن -:ال...إال فه ام يؤتي ه اهلل رجال يف القرآن )البخاري ج: 1 ص: 69 رقم احلديث 111 (. وهي كثرة يف كتاب اهلل تعاىل األمر الذي جيعل اإلملام هبا ومعرفتها أمر مهم يقول األمر الصنعاين يف معرض كالمه عنها)الصنعاين 1986 م ص: 238 (: «األمثلة من القرآن كثرة يف ذلك«. املطلب األول: تعريف الداللة لغة واصطاحا. أوال : تعريف الداللة لغة: الداللة مأخوذة من الفعل الثالثي دل يدل داللة بكر الدال وفتحها وضمها فهي مثلثة ال دال. كام قال اجلوهري )اجلوهري 1407 ه ص: 8
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 1000( وذكر غر واحد الفتح والكر فقط يف هذه اللفظة منهم اخلليل والفراء وابن قتيبة واب ن ف ارس. )الفراهيدي )د.ت( ج: 8 ص: 8( و)ابن السكيت 1423 ه ص: 88 ( و)ابن قتيبة)د.ت( ص: 550 ( و)األزهري 2001 م ج: 14 ص: 48 ( و)ابن فارس 1416 ه ص: 319 (. بل إن ابن سيدة )ابن سيدة 1421 ه ج: 9 ص: 271 ( مل يذكر إال الكر حيث قال:»ودليل بني الداللة بالكر ال غر«. قال العالمة الشنقيطي)الشنقيطي 1426 ه ص: 27 (:»اعلم أن الداللة مثلثة الدال واألفصح فتحه ا ث م كره ا وأردأه ا الض م«. وقد جاءت يف اللغة عىل معان عدة أرجعها ابن فارس)ابن فارس 1399 ه ج: 2 ص: 259 ( إىل أصلني اثنني: أحدمها: إبانة اليشء واآلخر اضطراب يف اليشء. وعىل املعنى األول جاء قوهلم: دللته الطريق داللة ودلولة أي ابنته له وهديته إياه. ودللته عىل اليشء أدله سددته إليه. والدليل: ما يستدل به ويطلق عىل الدال يقال: دليلنا إىل مكة فالن. ودليل بني الداللة أي واضحها. والدل اهلدي. والدالل )كشداد( وهو السمسار وحرفته الداللة. ودل ي دل إذا من بعطائه واألدل: املنان بعمله. فهذه مندرجة حتت هذا املعنى. ومن الثاين: قوهلم تدلدل اليشء إذا اضطرب. ودالل املرأة جرأهتا يف تغنج وشكل كأهنا خمالفة وليس هبا خالف وذلك ال يكون إال بتاميل واضطراب. ثانيا : تعريف الداللة اصطاحا : ثمت تعريفات متقاربة جاءت يف نصوص أهل العلم فمنها: الداللة: كون اللفظ متى أطلق فهم منه معناه للعلم بوضعه.كام نجده عند الزركيش)الزركيش 1414 ه ج: 2 ص: 268 (. وقال بعضهم: داللة اللفظ: ما يقتضيه عند إطالقه.كام يف )القرايف 1994 م ص: 23 ( و)السبكي 1416 ه ج: 1 ص: 204 ( و)الشنقيطي 1426 ه ص: 27 (. أو يقال: الداللة: هي كون اليشء بحالة يلزم من العلم به العلم بيشء آخر. فاليشء األول هو الدال والثاين هو املدلول كام يف )اجلرجاين 1403 ه ص: 104 (. وهذه التعريفات متقاربة ومعناها يدور عىل يشء واحد هو أن اللفظ إذا أطلق فهم منه أم ر م ا ه ذا املفه وم ه و م ا دل علي ه اللف ظ أو هو داللة اللفظ فإذا قلت: هذا زيد فهم املخاط ب أن املش ار إلي ه رج ل لقب ه زي د فاللف ظ دال والرجل مدلول عليه وفهمك داللة خاصة باللفظ. 9
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( واعلم أن هذا خاص بداللة اللفظ وإنام كان احلديث فيها ألننا نتعامل مع ألفاظ الكتاب العزيز وإال فإن الداللة تنقسم إىل أنواع عدة إليك ذكرها باختصار. املطلب الثاين: أنواع الداللة: تنقسم الداللة باعتبار الدال إىل ستة أقسام وذلك أن الدال إما أن يكون لفظا أو يكون غر ذلك ثم داللة كل من هذين النوعني إما أن تكون بالطبع أو بالوضع أو بالعقل فهذه ستة أقسام وبياهنا: أوال : داللة اللفظ أو الدال اللفظي: يفهم مما سبق أن اللفظ يدل عىل احلقيقة بالطبع أو بالوضع أو بالعقل. أما داللة اللفظ بالطبع فكداللة اللفظ اخلارج عند السعال عىل أمل يف الصدر وكذا األن ني دال ع ىل امل رض والب كاء بن رة احل زن دال عىل أمل الفراق فهذا مما اقتضاه طبع اإلنسان وعادت ه بحي ث إذا س مع مث ل تل ك األلف اظ فه م منها عادة ما تدل عليه. فهي إذا : تلك التي يكون منشأها طبع اإلنسان أو عاداته. ومثال الداللة بالوضع: كلمة النخلة تدل عىل الشجرة املثمرة وكداللة الرجل عىل اإلنسان الذكر واملرأة عىل األنثى وهكذا. ومثال داللة اللفظ عقال : داللة اللفظ عىل الالفظ وحياته فهي إذا داللة لفظية تنشأ بسبب العقل يدرك فيها تالزما بني اللفظ الدال واملدلول عليه. ثانيا : الداللة غر اللفظية أو الدال غر اللفظي: وه ي دالل ة م ا س وى اللف ظ ع ىل املعن ى مث ل داللة الدخان عىل النار وداللة املخلوق عىل اخلالق وداللة األثر عىل املسر. وهذا النوع من الداللة يكون بالطبع أو الوضع أو العقل. فمثال داللة غر اللفظ طبعا : كداللة امحرار الوجه عىل اخلجل واصفراره عىل اخلوف وهبذا النوع عرف الناس املتكر بمشيته والشجاع برضبه. وأما الداللة الوضعية: فمثاهلا لغة اإلشارة يف عرنا فإهنا تدل عىل معاين يفهمها أرباهبا وهي مما اصطلح عليه فئة من الناس ومثلها العالمات التي جتعل عىل الطرق ليهتدي هبا قائد املركبة من انعطاف الطريق يمينا أو شامال ونحو ذلك. وأما العقلية فكداللة املصنوع عىل الصانع والدخان عىل النار. واألمثلة عىل هذه األنواع كثرة. واعلم أن املقصود من هذه األقسام الستة هو داللة اللفظ وضعا وهي التي انصب عليها كالم العلامء وقسموها إىل أقسام عدة عىل اختالف بينهم يف تقسيمها وعدها كام سيأيت بحول اهلل تعاىل. 10
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 املطلب الثالث: تعريف اإلشارة لغة و ا صطا حا : أوال : تعريف اإلشارة لغة: اإلشارة مصدر من الفعل الرباعي أشار يشر إشارة. ومادهتا الشني والواو والراء قال ابن فارس)ابن فارس 1399 ه ج: 3 ص: 226 (: «الشني والواو والراء أصالن مطردان األول منهام: إبداء يشء وإظهاره وعرضه واآلخر: أخذ يشء«. يقال: أشار وشور إليه: أومأ ويكون بالكف والع ني واحلاج ب ويفي د التعب ر ع ن معن ى م ن املعاين كاإلقبال واالنراف والدخول واخلروج. وهذا املعنى هو املراد غالبا عند االستعامل. لكن ثمت فرق دقيق بني اإلشارة واإليامء قال الطويف)الطويف 1407 ه ج: 2 ص: 707 (:»غر أنه يشبه أن اإليامء أعم من اإلشارة بأن تكون اإلشارة خمتصة باليد واإليامء إشارة باليد وغرها فكل إشارة إيامء وليس كل إيامء إشارة«. ومنه يف احلديث:»فأشار إليهم: أن اجلسوا فجلسوا«. )البخاري ج: 1 ص: 139 رقم احلديث 688 ( ومسلم ج: 1 ص: 309 رقم احلديث 412 (من حديث أيب هريرة I(. وأ شار عليه بكذا: نصحه ومنه الشورى. واستشاره: طلب منه املشورة. وعليه شورة حسنة: بالضم اجلامل واحلسن ويقال هلا أيضا : الشارة وهي اهليئة. وشار الدابة يف املشوار: عرضها للبيع. فهذا من الباب األول الذي ذكره ابن فارس. وبعضه حمتمل للباب اآلخر. ومن الباب اآلخر: قوهلم: رشت العسل أشوره.»قال بعض أهل اللغة: من هذا الباب ش اورت فالن ا يف أم ري. ق ال: وه و مش تق م ن ش ور العس ل ف كأن املستش ر يأخ ذ ال رأي م ن غره«)اب ن فارس 1399 ه ج: 3 ص: 227 (. ثانيا : تعريف اإلشارة اصطاحا : لفظة اإلشارة مرسلة غر مضافة مل تأت بمعنى اصطالحي عند أهل العلم من املفرين أو الفقه اء أو األصولي ني ب ل معناه ا عنده م ه و معناها يف اللغة وهذا نجده يف بعض املصطلحات العلمية املركبة فمثال: أصول الفقه نجد للفقه معنى يف اللغة ويف االصطالح بينام األصول نجد هلا معنى يف اللغة دون االصطالح فال ضر ألنه ليس كل كلمة يف العربية هلا اصطالح خاص. جاء يف املوسوعة الفقهية الكويتية ) 1423 ه ج: 4 ص: 277 (: «واإلشارة يف اصطالح الفقهاء مثلها يف اللغة ويستعملها األصوليون يف مبحث الدالالت«. وكام أن اإلشارة مل خترج -عند العلامء- عن 11
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( معناها العريب فكذلك هي يف كتاب اهلل فقد جاء لفظ اإلشارة يف القرآن الكريم بمعناها املشهور وهو اإليامء إىل اليشء يف آية واحدة ف ي وا ك وه ي قول ه تع اىل: )ف أ شار ت إ ل ه ق ال ا( )مريم: ٢٩ ( د صب ي ه م ك ل م م ن ك ن ف ال ن»أي: بيدها قال قتادة: أمرهتم بكالمه«. )حييى ابن سالم 1425 ه ج: 1 ص: 222 (. ومل ا كان ه ذا املعن ى واضح ا بين ا مل ي زد أكث ر املفسرين عىل ذكر هذه اللفظة دون أن يفروه ا وذل ك لوضوحه ا )الطري 1422 ه ج: 15 ص: 526 ( و)القييس 1429 ه ج: 7 ص: 4531 ( و)الواحدي 1415 ه ج: 3 ص: 182 ( و)السمعاين 1418 ه ج: 3 ص: 289 ( و)ابن عطية 1422 ه ج: 4 ص: 14 (. أما مشتقات هذه املادة )ش و ر( وورودها يف القرآن فام ورد منها مل خيرج -أيضا - عن معناه ر ( )آل ه م ف ال م العريب كقوله تعاىل: ژو شاو ر عمران: ١٥٩ (. ا م ه ر اض م ن ا ف ص ال ع ن ت اد ر وقوله: )ف إ ن أ ا( )البقرة: ٢٣٣ (. ه م ل ي ن اح ع ف ل ج ر و ت شاو ( )الشورى: ٣٨ (. م ه ن ي ر ه م شور ى ب م وقوله:)و أ فهذه بمعناه املعروف لغة. املطلب الرابع: تعريف داللة اإلشارة ا صطا حا : يعرف أهل العلم داللة اإلشارة بقوهلم: داللة اللفظ عىل الزم غر مقصود من اللفظ ال يتوقف عليه صدق الكالم وال صحته. كام ذكره الغزايل)الغزايل 1413 ه ج: 2 ص: 193 (. هذا هو التعريف املشهور هلذا النوع من الداللة وكلامت أهل األصول -وإن تباينت- تدور عىل أجزاء هذا التعريف. رشح التعريف: نستطيع القول بأن التعريف مكون من ثالثة أجزاء رئيسة هي: داللة اللفظ عىل معنى الزم غر مقصود ال يتوقف عليه صحة الكالم وال صدقه. وبياهنا: أن الكالم يف أحايني كثرة يدل عىل معنى هذا املعنى مل يسق الكالم ألجله لكنه الزم له «فكام أن املتكلم قد يفهم بإشارته وحركته يف أثناء كالمه ما ال يدل عليه نفس اللفظ فيسمى إش ارة فكذل ك ق د يتب ع اللف ظ م ا مل يقص د ب ه ويتنبه إليه«)الغزايل 1413 ه ج: 2 ص: 193 (. فقولنا: داللة اللفظ: بيان أن هذا املعنى مستنبط من النص ليس قياسا بل أفاده النص ودل عليه. وقولنا: عىل الزم أي هناك ارتباط بني املعنى املستفاد من عبارة النص وهو املعنى الريح الواضح الذي نطق به النص وبني هذا املعنى الذي دلنا عليه النص فالبد من ارتباط بينهام وهذا هو اللزوم. وقولنا: غر مقصود من اللفظ أي مل يسق 12
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 الكالم ألجل الداللة عليه بل الكالم سيق لتحقيق معنى آخر غر أنا فهمنا من النص معنى إضافيا وهو ما يسمى بداللة اإلشارة. لكن ههنا معارضة لبعض العلامء وإشكال حول اعتبار القصد فقد اعرض اإلمام الصنعاين حيث قال: )الصنعاين 1986 م ص: 238 (»واعلم أن جعلهم الالزم يف داللة اإلشارة غر مقصود للمتكلم حمل نظر وكيف حيكم عىل يشء يؤخذ من كالم اهلل أنه مل يقصده تعاىل وتثبت به أحكام رشعية ومن أين االطالع عىل مقاصد عالم الغيوب«. وهذا إشكال يف حمله لكن لعل اإلجابة عنه تبدو من التعريف ومن رشوح أهل العلم له وإشاراهتم فإهنم X مل يقولوا: غر مقصود مطلقا بل قالوا: غر مقصود من اللفظ أي اللفظ ال يدل عليه أصالة وإنام تبعا فهذه التبعية اصطلحوا عىل تسميتها أو وصفها أهنا غر مقصودة من ظاهر اللفظ. وال يظن بأهل العلم أهنم أرادوا هبذا احلكم عىل ي ف ا ف ن ما يف نفس اهلل تعاىل وإرادته ) ت ع ل م م ف س ك ) )املائدة: ١١٦ ( وإنام ا ف ن ع ل م م و ل أ دفعهم إىل التسامح يف اللفظ: أن احلد يراد به تقريب املحدود إىل األذهان. ويبقى اإلشكال قائام ) 1 ( فليتهم قالوا: داللة. 1 ذكر األمر الصنعاين بعد هذا اإليراد أنه ذاكر بعض شيوخه هبذا ومن يتوسم فيه اإلدراك قال:»ف ام وج دت م ا يش في م ع ه ذا االتف اق م ن أئم ة األصول عليه«. اللفظ عىل معنى غر أصي أو عىل معنى تابع ونحو ذلك من العبارات التي ال يتوجه إليها اإلشكال املذكور. وهذا استعامل صاحب املوافقات)الشاطبي 1417 ه(. وقولنا: ال يتوقف عليه صدق الكالم وال صحته. هذا القيد إلخراج داللة االقتضاء فربام دل الكالم عىل حمذوف البد من تقديره وإال مل يستقم ال كالم فه ذا يس مى دالل ة االقتض اء أم ا دالل ة اإلشارة فليست من باب التقدير يف السياق ولكنه ا م ن ب اب املع اين املس تلهمة م ن الن ص. ولنرضب مثاال يتبني فيه معنى هذا الكالم ام الر ف ث ي ل ة الص فقوله تعاىل: )أ ح ل ل ك م ل ن ت م ل اس أ اس ل ك م و ه ن ل ن س ائ ك م إ ل ن ف س ك م ون أ ان ت م ت ت ن ك م ك ن أ ع ل م الل ه ن ل ( )البقرة: ١٨٧ (. ن كم ا ع ف ع ل ي ك م و ف ت اب ع ففي اآلية أجاز ربنا إصابة الزوج امرأته يف مجيع أج زاء الليل ف إذا طلع الفج ر منع من ذلك سيقت هذه اآلية لبيان هذا احلكم لكن هناك حكم ظهر لنا وهو من الزم هذا النص ولي س م ن عبارت ه أال وه و صح ة ص وم اجلن ب إذا طلع عليه الفجر ومل يغتسل ألنه ملا أباح اهلل اجلامع إىل آخر جزء من الليل لزم منه أن يطلع الفجر عىل الرجل املجامع وهو جنب ومع هذا مل يذكر اهلل E وجوب القضاء عليه أو وجوب الغسل قبل الفجر. 13
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( فداللة النص عىل صحة صوم اجلنب إذا طلع عليه الفجر تسمى داللة إشارة. وسيأيت - إن شاء اهلل تعاىل- يف اجلانب التطبيقي زيادة أمثلة يتضح هبا هذا التعريف. الفص ل الث اين: مه امت يف دالل ة اإلش ارة وفي ه مدخ ل وأربع ة مطال ب: مدخل يف أقسام الدالالت اللفظية. املطلب األول: حجية داللة اإلشارة. املطلب الثاين: داللة اإلشارة يف علوم القرآن. املطلب الثالث: اخلطأ يف داللة اإلشارة. املطلب الرابع: داللة اإلشارة والتفسر اإلشاري. مدخل يف أقسام الدالالت اللفظية: تنقسم الدالالت إىل ثالثة أقسام: ذكر أهل العلم )انظر: ابن الدهان) 1422 ه( الرازي ) 1418 ه( وابن قدامة ) 1423 ه( أن اللفظ يف داللته عىل املعنى إما أن تعتر داللته بالنسبة إىل متام مسامه أو بالنسبة إىل ما يكون داخال يف املسمى أو بالنسبة إىل ما يكون خارجا عن املسمى الزما للفظ فاألول هو املطابقة والثاين التضمن والثالث االلتزام. وعىل هذا نقول: داللة املطابقة: هي داللة اللفظ عىل متام ما وضع له. ويمثل هلا: بداللة لفظة البيت عىل مجيع مسامه. أما داللة التضمن: فهي داللة اللفظ عىل بعض ما وضع له. ويمثل هلا بداللة البيت عىل جزء منه كالغرفة واحلائط فهي بعض أجزائه. وداللة االلتزام: هي داللة اللفظ عىل معنى خ ارج الزم للمنط وق ب ه. كداللة لفظ البيت عىل صانعه. ويف العلوم يمثل هلذه الدالالت بأمثلة كثرة منها: داللة أسامء اهلل تبارك وتعاىل عىل الذات والصف ة واملعن ى ال الزم فمث ال: اس م اهلل اخلال ق يدل عىل ذاته املقدسة وعىل صفة اخللق بداللة املطابقة ويدل عىل أحدمها بداللة التضمن ويدل عىل صفة أخرى الزمة وهي القدرة والعلم بداللة االلتزام ألنه ال خيلق من هو عاجز وال حيسنه من هو جاهل. ثم اعلم أن داللة اإلشارة هي قسم من أقسام داللة االلتزام حيث يقسم أهل العلم داللة االلتزام إىل ثالثة أقسام هي: داللة االقتضاء وداللة اإلشارة وداللة اإليامء والتنبيه. ومما يتمم به احلديث يف هذه املقدمة أن يقال: هل داللة اإلشارة من قبيل املنطوق أم من قبيل ا ملفهو م فه ذا مم ا اختلف ت في ه كلم ة أه ل العل م ع ىل 14
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 قول ني اثن ني مه ا: األول: أن داللة اإلشارة من قبيل املنطوق غر الرصيح: وإىل ه ذا ذه ب اب ن احلاج ب واب ن مفل ح واب ن النج ار الفتوح ي احلنب ي والش وكاين. )األصفهاين 1406 ه ج: 2 ص: 431 ( و)البابرتي 1426 ه ج: 2 ص: 352 ( و)ابن مفلح 1423 ه ج: 3 ص: 1056 ( و)الفتوح ي 1418 ه ج: 3 ص: 473 ( و)الشوكاين 1419 ه ج: 2 ص 36 (. وجعله ابن السبكي) 1418 ه ج: 1 ص 340 ) من قبيل املنطوق ومل يفصل بني الريح وغره ورشحه مجع ومل يتعقبوه وهو مذهب األحناف. الثاين: أهنا من قبيل املفهوم: وإىل هذا ذهب الغزايل )الغزايل 1413 ه ج: 2 ص: 193 ( وتبعه ابن قدامة )ابن قدامة 1423 ه ج: 2 ص: 111 ( والطويف )الطويف 1407 ه ج: 2 ص: 704 ( والزركيش)الزركشي 1414 ه ج: 5 ص: 123 ( وهو ظاهر صنيع البيضاوي)اجلاربردي 1416 ه ج: 1 ص: 414 (. قال األسنوي )األسنوي 1420 ه ج: 2 ص: 202 (:»احلنفي ة ق د جعل وا الدالل ة االلتزامي ة من املنطوق واملصنف جعلها من املفهوم«. واخلالف بني الفريقني قريب ذلك ألن اجلميع من أرباب املذاهب املتبوعة يقول بحجية داللة اإلشارة وسواء قلنا هي من قبيل املنطوق أم من قبيل املفهوم فهي حجة وبعض املفهوم أوىل باحلكم من املنطوق كام يف مفهوم األوىل من املوافقة والذي يسمى فحوى اخلطاب. واحلق أن كال القولني له وجهه احلسن وحجته البينة فال أجدين مرجحا ألحدمها واهلل املسئول أن يفتح عىل مغاليق قلوبنا وأن هيب لنا من لدنه رشدا إنه سميع قريب. املطلب األول: حجية داللة اإلشارة: يعد مجهور علامء األصول داللة اإلشارة من األدلة الصحيحة والطرق السليمة يف استنباط األحكام الرعية وإن الباحث يف كتب األصوليني ليلحظ بكل جالء قبول أرباهبا هلذه الداللة الس يام أصح اب املذاه ب األربع ة املتبوع ة. بل إنك لتجد كثرا من أهل األصول حني تعرضوا لداللة اإلشارة وحتدثوا عنها مل يتعرضوا ملسألة كوهنا حجة وكأهنا من املسلامت عندهم فهم ال يزيدون عىل بياهنا وإيضاحها والتمثي ل هل ا وكوهن ا م ن دالل ة االلت زام ونح و هذا من متعلقاهتا ال يذكرون خالفا يف قبوهلا مع أهنم ربام ذكروا مثاال هلا وخترجيا لبعض فروع املذهب عىل هذا األصل مما يفيد بوضوح ال يكتنفه غموض أو خيالطه لبس أن داللة اإلشارة طريق الستنباط األحكام الفقهية من ر اء ق األدلة الرعية كام نجده يف قوله تعاىل:)ل ل ف 15
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( ) و ال ه م م أ وا م ن د ي ار ه م و ر ج خ ه اج ر ين ال ين أ ال م )احلر: ٨ ( عىل أن الكافر إذا تسلط عىل مال املسلم ملكه. انظر: )ابن مفلح 1420 ه ج: 3 ص: 1056 ( و)صفي الدين اهلندي 1416 ه ج: 5 ص: 2032 ( و)العراقي 1425 ه ص: 119 ( و)ابن أمر حاج 1403 ه ج: 1 ص: 111 ( و)الفتوحي 1418 ه ج: 3 ص: 476 ( و)الشنقيطي 2001 م ص: 281 (. هذا مع نص بعضهم عىل أنه ربام كانت داللة اإلشارة يف إفادة اليقني مساوية يف ذلك لعبارة النص وأنه ال خالف يف قبوهلا قال البخاري احلنفي)البخاري ج: 1 ص: 110 (:»فاحلاصل أن اإلش ارة ق د تك ون موجب ة ملوجبه ا قطع ا مث ل ود ل ل و م ال العبارة مثلها يف قوله تعاىل: ژ و ع ر ز ق ه ن ژ )البقرة: ٢٣٣ ( وقد ال توجب قطعا وذلك عند اشراك معنى احلقيقة واملجاز مرادا بال كالم فأم ا كوهن ا حج ة ف ال خ الف في ه«. وحينام نستعرض كتب األصول عند حديثها عن داللة األدلة الرعية نجد غالبهم يذكر تسلسال منطقيا عقليا هلذه املسألة. وهاك نصا ألحد عمد كتب األصول يف هذا الش أن مل ينف رد ع ن غ ره ب ام س أنقله وإن ام ه و مث ال لغ ره م ن أه ل األص ول. ق ال اب ن النج ار الفتوحي)الفتوحي 1420 ه ص: 173 (:»الداللة تنقسم إىل منطوق وهو ما دل عليه لفظ يف حمل نطق. 16 فإن و ض ع له فريح وإن لزم عنه فغره. فإن ق ص د وتوقف الصدق عليه... فداللة اقتضاء. وإن مل ي قصد فداللة إشارة«. ومن أبرز األدلة عىل قبوهلا: أن الصحابة استعملوا هذه الداللة وقبلوها ومل يقع بينهم خالف يف القول هبا ومن ذلك ما جاء أن عثامن I هم برجم امرأة وضعت محلها حيا لستة أشهر فقال ابن عباس: إن خاصمتكم بكتاب اهلل خصمتكم ثم ذكر آيتني واستخرج منهام أن أقل احلمل ستة أشهر. ( أخرجه عبد الرزاق )ج: 7 ص: 351 ( وسعيد بن منصور )ج: 2 ص: 93 ( وابن شبة يف تاريخ املدينة )ج: 3 ص: 978 (. قال عالء الدين البخاري احلنفي)البخاري ج: 1 ص: 72 (:»وهذه إشارة غامضة وقف عليها عبد اهلل ابن عباس بدقة فهمه وقد خفي هذا احلكم عىل الصحابة فلام أظهره قبلوا منه«. وسيأيت احلديث عن هذا املثال يف موضعه من البحث إن شاء اهلل تعاىل. لكن ذكر الشاطبي يف املسألة رأيا آخرا ومذهبا خمالفا ثم ذهب إليه ورجحه أال وهو أن داللة اإلشارة ال تستقل ببيان األحكام وإنام يكون املعنى تبعيا خادما للمعنى األصي أما حكام زائدا عىل املعنى األصي فال قال V )الشاطبي 1417 ه ج: 2 ص: 163-151 (:»إذا ثبت أن للكالم من حيث داللته عىل
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 املعنى اعتبارين: من جهة داللته عىل املعنى األصي ومن جهة داللته عىل املعنى التبعي الذي هو خادم لألصي كان من الواجب أن ينظر يف الوجه الذي تستفاد منه األحكام وهل خيتص بجهة املعنى األصي أو يعم اجلهتني معا أما جهة املعنى األصي فال إشكال يف صحة اعتبارها يف الداللة عىل األحكام بإطالق... وأما جهة املعنى التبعي فهل يصح اعتبارها يف الداللة عىل األحكام من حيث يفهم منها مع ان زائ دة ع ىل املعن ى األص ي أم ال ه ذا حم ل تردد ولكل واحد من الطرفني وجه من النظر. وبعد سوق اخلالف قال:»فاحلاصل أن االستدالل باجلهة الثانية عىل األحكام ال يثبت فال يصح إعامله البتة... فالصواب إذا القول باملنع مطلقا واهلل أعلم«. ثم أكد هذا فقال بعد أن ختم املسألة:»قد تبني تعارض األدلة يف املسألة وظهر أن األقوى من اجلهتني جهة املانعني فاقتى احلال أن اجلهة الثانية وهي الدالة عىل املعنى التبعي ال داللة هلا عىل حكم رشعي زائد البتة«. وهذا غريب من اإلمام الشاطبي حيث خالف مجهور العلامء ومل يذكر من سبقه إىل هذا القول س وى وصف ه مل ن ق ال ب ه باملان ع يف ح ني أن ه يف مرد أدلة املحتجني هبا ذكر أن العلامء)هكذا( قد اعتروها واستدلوا عىل األحكام من جهتها يف مواض ع كث رة. والناظر يف األدلة التي ساقها V لرد هذه األدلة يراها ال ترقى ملقابلة أدلة اجلمهور وإنام هي تعليالت مقابلة بمثلها فقوله)الشاطبي 1417 ه ج: 2 ص: 157 (:» هذه اجلهة إنام هي بالفرض خادمة لألوىل وبالتبع هلا فداللتها عىل معنى إنام يكون من حيث هي مؤكدة لألوىل ومقوية هلا«هل هذا إال موطن النزاع إن سلم ثمت نزاع ثم ليس مقصد العلامء بالتبع أهنا تابعة للمعنى األصي كال بل املراد أهنا مل تقصد أصالة من السياق وإنام جاء احلكم لتقرير غرها ثم إن النص دعا لزاما إىل استنباط أحكام جديدة فأخذ الفقهاء من قوله تعاىل: ژے ڭ ڭ ڭ ڭ ۇ ۇژ )احلر: ٨ ( أن الكافر احلريب يملك ما استوىل عليه من مال املسلم ألن اهلل تعاىل سامهم فقراء مع وجود بيوهتم وأمواهلم فدل عىل عدم ملكهم هلا وجاءت السنة تقرر هذا احلكم ولعلك تلحظ أن هذا احلكم مل يأت به أصالة واستقالال وإنام جاء- والعلم عنده تعاىل- لتقرير فضل املهاجرين. فهو إذا مل يكن خادما للمعنى األصي بل ه و مس تقل عن ه وه ذا ه و م ا عن اه األصولي ون بالتبعية. واإلمام األملعي الشاطبي كثرا ما ردد رضورة ك ون املعن ى تاب ع خ ادم للمعن ى األص ي ومؤك د له. 17
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( ولذلك انطلق من هذا الدليل إىل الدليل الث اين قائال )الش اطبي 1417 ه ج: 2 ص: 159 (:»لو كان هلا موضع خصوص حكم ي قرر رشعا دون األوىل لكانت هي األوىل إذ كان يكون تقرير ذلك املعنى مقصود بحق األصل فتكون العب ارة عن ه م ن اجله ة األوىل ال م ن الثاني ة وق د فرضناه من الثانية هذا خلف ال يمكن«. وهذا ال ي س ل م فام املانع منه وأي يشء يمنع أن يكون للكالم قصد أصي ومعنى تبعي!!. أي مانع يف هذا السيام إذا علمنا أهنا جارية عىل سنن العربية وقواعدها )املسعودي 1422 ه ص: 167 (. هذا وقد عاب العلامء عىل الظاهرية قرهم االستدالل عىل اللفظ الظاهر واملعنى األصي دون إشارته وإيامئه قال العالمة ابن القيم )ابن القيم 1423 ه ج: 3 ص: 99 ( يف بيان أخطاء الظاهرية:»اخلطأ الثاين: تقصرهم يف فهم النصوص فكم من ح كم د ل عليه النص ومل يفهموا داللته عليه وسبب هذا اخلطأ حرهم الداللة يف جمرد ظاه ر اللف ظ دون إيامئ ه وتنبيه ه وإش ارته وع رف ه عند املخاطبني فلم يفهموا من قوله: ژ ف ا فژ )اإلرساء: ٢٣ ( رضب ا وال سب ا وال ا أ م ه ل ل ت ق إهانة غر لفظة أف فقر وا يف فهم الكتاب كام قر وا يف اعتبار امليزان«. عىل أن اإلمام V )الشاطبي 1417 ه ج 4 ص: 208 ج: 4 ص: 231 ( يثبت أن للقرآن ظاهرا وباطنا ويقصد بالباطن الفهم عن اهلل مراده وهو معنى بعيد ال يدركه كل أحد. وهذا شبيه إىل حد كبر بام نحن فيه ومع هذا قبله اإلمام فاملعنى الظاهر واضح الداللة وال إشكال يف قبوله بخالف املعنى الباطن فهو بعيد حيتاج إىل غوص كام مثل)الشاطبي 1417 ه ج: 4 ص: 210( يف استنباط ابن عباس من سورة النر ق رب أج ل النب ي H. )البخ اري رق م احلديث ) 3627 ( ج: 4 ص: 204 (. فال ذي يقب ل ه ذا النوع م ن االس تنباط يلزم ه أن يقبل داللة اإلشارة وإال تناقض. ويقبل اإلمام املفهوم مع أن داللة اإلشارة أقوى منه عند أكثر العلامء أو مساوية له عند اآلخرين فكان قبول داللة اإلشارة أوىل )الزركيش 1418 ه ج: 3 ص: 524 ( و)العراقي 1425 ه ص: 680 ( و)العريني 1437 ه ص: 344(. املطلب الثاين: داللة اإلشارة يف علوم القرآن. تعد داللة اإلشارة من أنواع الدالالت التي يتأكد عىل طالب علم التفسر اإلملام هبا والوقوف عىل حدها وفهم مضموهنا فكان حقا عىل املؤلفني يف علوم القرآن ذكرها بام جيي كنهها ويرز حقيقتها وحيدد معاملها فيجد طالب علوم القرآن الكريم بغيته يف تواليف متخصصة يف هذا الش أن. غ ر أين مل أج د يف كت ب عل وم الق رآن م ا يشبع هنمة من يريد الوقوف عىل داللة اإلشارة 18
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 ولع ل الق ارئ الكري م يش اطرين ال رأي بع د ه ذه اجلولة يف كتب علوم القرآن التي تناولت داللة اإلشارة أما التي مل تتعرض هلا فلم أذكرها وهي أكثر كتب علوم القرآن وعىل رأسها كتاب الرهان للزركيش- والذي يعد أحد دعائم هذا الفن- حيث خال من ذكرها واحلديث عنها. يأيت يف مقدمة الكتب التي اعتنت بداللة اإلشارة كتاب: التحبر يف علم التفسر للسيوطي) 1404 ه(: جعل السيوطي يف كتابه هذا )ص: 322 ( نوعا للمفهوم وذكر فيه املنطوق ثم ذكر داللتني له: داللة االقتضاء وداللة اإلشارة وحتدث عن داللة اإلشارة بكالم موجز لكنه مفيد فق د عرفه ا ث م ذك ر هل ا مث اال يوضحه ا وذك ر مثاال آخر ملا فيه نظر كل هذا مل يتجاوز صفحة واحدة. ويف كتاب»اإلتقان«)السيوطي اإلتقان 1426 ه ج: 3 ص: 104 ( يف النوع اخلمسني»يف منطوقه ومفهومه«نجد مرورا رسيعا جدا عىل داللة اإلشارة يف ثالثة أسطر. وبمثل هذه العجالة بل وبنفس الكلامت تناوهلا يف كتابه»معرك األقران«يف الوجه السادس عر من وجوه إعجازه: )االستدالل بمنطوقه أو بمفهومه( )السيوطي 1408 ه ج: 1 ص: 170 (. ويف مجيعها جعلها السيوطي من باب املنطوق. أما ابن عقيلة )ابن عقيلة 1427 ه ج: 5 ص: 163 ( فلم يستطرد يف بحثها بل كان احلديث عنها مقتضبا جدا فقد أوردها ضمن مباحث املنطوق من علوم القرآن الكريم ومل يزد عىل تعريفها والتمثيل هلا بمثال واحد. ومن املعارصين الذين تعرضوا هلا: الشيخ مناع القطان)القطان 1421 ه ص: 258 ( فقد أوردها عىل عجالة مل يقف عندها ومل يتأن يف طرحها. ومن الكتب املعارصة التي تناولت هذه الداللة صاحب كتاب»نفحات من علوم القرآن«)معبد 1426 ه ص: 89(. مل يأت فيها بجديد عىل اختصار كبر يف الطرح. ونلحظ يف املوسوعة القرآنية املتخصصة)املجلس األعىل للشئون اإلسالمية بمر 1423 ه ص: 143 ( مرورا رسيعا عىل هذه الداللة بل مل يذكروها يف صلب الكتاب وإنام يف حاشيته. كل هذا جيعلنا بحاجة ماسة إلعادة قراءة كتب األصوليني فهم أوسع من تكلم عن هذه الداللة واستخراج ما يتعلق منها باالستنباط من الكتاب العزيز ليتم تدوينه يف كتب علوم القرآن. وأرجو إن شاء اهلل تعاىل- أن أكون وفيت هذا املقام حقه. املطلب الثالث: اخلطأ يف داللة اإلشارة. ال يعن ي ك ون دالل ة اإلش ارة س بيل م ن س بل 19
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( االستنباط وطريق من طرق فهم النص صحة ما استنبط وال سالمة ما استخرج من خالهلا شأهنا شأن باقي األدلة واخلطأ -إن كان- فليس يف الدليل ولكنه يف املدلول وتبعته عىل مستنبطه والقائل به وال حتمل األدلة خطأ من أخطأ. ولو رددنا األدلة خلطأ مستعملها لردت جل أدلة الريعة فكم من نص قرآين فهم عىل غر وجهه وكم من سنة محلت عىل غر مراد صاحبها H وكم من إمجاع حكي مل يكن عىل بناء صحيح والقياس أرسف أناس يف استعامله حتى عارضوا به النصوص املحكمة وق ل مث ل ه ذا يف س ائر أدل ة الريع ة فاخلط أ ال يعن ي إلغ اء الدلي ل أب دا. ويف داللة اإلشارة وقع خطأ من بعض أهل العلم محلت فيه ما ال حتتمل وألبست لبوسا ليس هلا ويف بعضها يتضح اخلطأ ويبني اخلطل ويف بعضها احتامل للصواب واملوفق من وفقه اهلل لفهم مراده ومراد نبيه H. ومن هذه األمثلة ما ذكره الشاطبي V عن بعضهم من منع سامع املرأة استدالال بداللة اإلشارة من قوله تعاىل: ژ ے ے ے ڭ ڭ ڭژ )األعراف: ١٤٣ (. ورشح ه ذا:»مل ا رت ب موس ى S طل ب النظر عىل تكليم اهلل تعاىل له فهم هذا البعض أن موسى بنى هذا عىل أن من جيوز سامع كالمه جيوز النظر إليه وبالعكس وحيث إن املرأة ال جتوز رؤيتها باتفاق فال جيوز سامع كالمها«)عبد اهلل دراز التعليق عىل املوافقات 1417 ه ج: 4 ص: 196 (. والرد بحمد اهلل- سهل ويسر فأين إشارة اآلية إىل هذا املعنى ألن داللة اإلشارة تعني وجود الزم للفظ فأين هذا الالزم الذي ال ينفك عن اللفظ!!!. ثم إن القرآن الكريم والسنة املطهرة يردان هذا االستنباط ففي القرآن خماطبة موسى S لبنت صاحب مدين وفيه قصة املجادلة للنبي H يف شأهنا وكالمها دال عىل اجلواز والسنة مليئة بمخاطبة النبي H للنساء ويف حديث عائشة»أن هند امرأة أيب سفيان ج اءت إىل النب ي H وقال ت: ي ا رس ول اهلل إن أبا سفيان رجل شحيح ال يعطيني وولدي من النفقة ما يكفيني فقال H:»خذي من النفقة ما يكفيك وولدك باملعروف«( البخاري رقم) 2211 ( ج: 3 ص: 79 ( ومسلم رقم) 1714 ( ج: 3 ص: 338 من حديث عائشة.)J قال العمراين الشافعي )العمراين 1421 ه ج: 11 ص: 188 (:»قال أصحابنا: ويف هذا اخلر فوائ د: السادسة: أن للمرأة أن تستفتي العلامء. السابعة: أن صوت املرأة ليس بعورة«. وانظر يف اجلواز عند األحناف: 20
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 )الطحطاوي 1418 ه ص: 242 ( )ابن عابدين 1412 ه ج: 1 ص: 406 ( وعند املالكية: )اخلريش )د.ت( ج: 1 ص: 275( )الدسوقي )د.ت( ج: 1 ص: 195 ( وعند الشافعية: )األنصاري )د.ت( ج: 1 ص: 176 ( )قليويب وعمرة 1415 ه ج: 1 ص: 201( وعن د احلنابل ة: )البهويت 1418 ه ج: 2 ص: 627( و)الرحيباين 1415 ه ج: 5 ص: 22(. ومن األمثلة التي يمكن إدراجها بكل وضوح استدالل مجع من الشافعية واحلنابلة بقوله تعاىل: )و ال حت س ب ن ال ذ ين ق ت ل وا يف س ب يل اهلل أ م و ات ا ب ل أ ح ي اء ع ند ر هب م ي ر ز ق ون ژ)آل عمران: ١٦٩ ( عىل أن الش هيد ال يغس ل وال يص ىل علي ه ألن الغس ل للميت وليس للحي والشهيد حي وليس بميت فال يغسل. وهذا استدالل غريب واستنباط مردود فأين الالزم من اللفظ حتى نقول به وهل سيقولون: بعدم قسم ماله وحتريم تزوج نسائه ألنه حي وسيأيت إن شاء اهلل تعاىل- مناقشة هذا االستنباط يف موضعه. ومن الغرائب أيضا : أن بعضهم استنبط من قوله تعاىل: ( ل و و ا ر ء وس ه م و ر أ ي ت ه م ي ص د ون و ه م م س ت ك ب ونژ )املنافقون: ٥ ( عىل أن اإليامء بالرؤوس إىل جانب عند اإلباية واإليامء هبا سفال عند اإلجابة أوىل مما يفعله املشارقة من خالف ذلك. )وقد عزاه الش اطبي ) 1417 ه ج: 4 ص: 195 ( الب ن الفخ ار القرطب ي املالك ي وهو:أب و ع ب د اهلل احلافظ حممد بن عمر بن يوسف )ت: 419 ه( كان عامل األندلس يف عره. انظر ترمجته يف )الذهبي 1405 ه ج: 17 ص: 372 (. وكأن هذا البعض فهم من اآلية أن املنافقني حركوها يمينا وشامال فال ينبغي التشبه هبم فمن أراد التعبر عن وفاقه أو امتناعه فال يشاهبهم يف هذه احلركة. وهذا استنباط بعيد فحركة يل الرأس تدل عىل االستهزاء واالستكبار والعناد فليست حركة جمردة حتى يقال: فيها تشبه باملنافقني ثم هذه احلركة ال ختتص باملنافقني وما كان كذلك مل يمن ع من ه أح د. ويقال أيضا : هذا التفصيل ال يسعفه النص القرآين فأين يف اآلية اإلشارة إىل أولوية احلركة إىل جانب عند اإلباء واإليامء سفال عند اإلجابة!! فليس ت ه ذه الفائ دة م ن ل وازم الن ص فعف ا اهلل عمن اخرعها. ومن أغرب االستدالل استدالل أيب بكر الشبي الصويف فقد نزع هبذه الداللة إىل أن من لبس ثوبا ينبغي له خرق يشء منه وكان إذا لبس ثوبا خرقه وكان حيرق اخلبز واألطعمة فقال له ابن جماهد املقرئ املشهور: أين يف العلم إفساد ما ينتفع به فقال: قوله تعاىل:) ر د وه ا ع ي ف ط ف ق م س ح ا ب الس وق و األ ع ن اق ژ )ص: ٣٣ ( فسكت 21
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( ابن جماهد )البغدادي 1422 ه ج: 16 ص: 563 ( و)اب ن اجل وزي 1421 ه ج: 1 ص: 11 ( و)اب ن الصالح 1992 م ج: 1 ص: 489 ( و)ابن فرحون ج: 1 ص: 362 (. ففهم من ثناء اهلل عىل نبيه سليامن أن من شغل بيشء من متاع الدنيا فليتلفه إلخراجه من قلبه. وهذا استدالل باطل واآلية ال حتتمله بوجه والنص ال يسعفه بل قال ابن اجلوزي )ابن اجلوزي 1421 ه ج: 1 ص: 12 (:»وهذا يف غاية القبح«. وشكك يف صحتها فقال )ابن اجلوزي 1421 ه ص: 182 (:»أنا مرتاب بصحتها ألن احلسن بن غالب كان ال يوثق به«. وسبب قبحه أمران اثنان: أوهلام: أن سليامنS مل يتلفها ويفسدها وال يظن بنبي اهلل S هذا األمر بل أكل من حلمها فال يقاس عليه حمض اإلتالف واإلفساد. فإن قيل: ال يوجد دليل عىل األكل وكل ذلك من أخبار بني إرسائيل فيقال: اخلر إذا كان موافقا ألصل رشعي ال مانع من قبوله وهذا األكل موافق لعصمة األنبياء فإنه ال يظن بنبي كريم أن يقتلها ويرمي بلحمها ال يستفاد منه. فإن أبى املنازع هذا قلنا: فلعله كان جائزا يف رشيعته وال بد. وه ذا م ا رصح ب ه القائل ون ب أن معن ى املس ح القت ل. وعليه فال دليل يف اآلية. وهذا عىل القول بأنه قتل اخليل ملا شغلته عن صالة العر كام هو مذهب أكثر املفرين)السمعاين 1418 ه ج: 4 ص: 440 ( و)البغوي 1417 ه ج: 7 ص: 89 ( و)ابن اجلوزي 1414 ه ج: 3 ص: 572 ( و)أبو حيان 1420 ه ج: 9 ص: 154 ( و)الشوكاين 1414 ه ج: 4 ص: 495 (. وأما عىل قول مجع من املحققني فإنه مل يقتلها بل مسح عىل نواصيها وقوائمها. كام هو اختيار ابن جرير)الطري 1422 ه ج: 20 ص: 87 ( ومكي )القييس 1429 ه ج: 10 ص: 6242 ( والرزاي )الرازي 1421 ه ج: 26 ص: 391 (. وثانيهام: ال جيوز يف رشيعتنا الغراء إتالف مال وإفساد طعام من غر مرر رشعي وهل هذا إال من باب كفران النعمة!! وعدم شكرها!!. وقد هنى النبي H عن إضاعة املال. )البخاري ج: 8 ص: 100 رقم احلديث 6473 ومسلم ج: 3 ص: 1341 رقم احلديث 593 من حديث املغرة:»وكان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة املال«. ويف لفظ:»كره لكم ثالثا «. وأكمل اهلدي هدي حممد H ملا 22
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 صىل يف مخيصة هلا أعالم قال:»اذهبوا بخميصتي ص: 3735(. هذه إىل أيب جهم وأتوين بأنبجانية أيب جهم فإهنا أهلتني آنفا عن صاليت«)البخاري ج: 1 ص: 84 رقم احلديث 373 ومسلم ج: 1 ص: 391 رقم احلديث 556 من حديث عائشة J. ومل يتلفها ومل حيرقها H. وما صنعه الشبي وما شاهبه هو أحد مساوئ كتاب حلية األولياء التي جعلت ابن اجلوزي يصن ف»صف ة الصف وة«ليخ ي كتاب ه منه ا )اب ن اجلوزي 1421 ه ج: 1 ص: 11 (. واملراد: أن تنزل هذه الداللة منزلتها فال يغىل فيها وال حتمل األلفاظ الرعية ما ال حتتمل وليتق اهلل رجل من هذا الفعل املشني. واالعتبار يف هذا بالنظر إىل اللفظ فإن كان املعنى الزما له لزوما ال انفكاك له ق ب ل وإال رد فنس تبعد م ا مل يك ن الزم ا أو لزوم ا بعي دا. انظر: )اخلضري 1398 ه ص: 121 ( و)العبيدان 2002 م ص: )287 112 و)الباحسني 1434 ه ج: 2 ص: 420 (. وأيضا : أال ختالف نصا ثابتا فإن خالفته ردت ألنا تبينا باملخالفة خطأ هذا الفهم عىل النص إذ النصوص ال تتعارض. ومن هنا قدم أهل العلم داللة االقتضاء عىل داللة اإلشارة عند التعارض» لرجحها بقصد املتكلم هلا بخالف داللة اإلشارة«)اآلمدي 1402 ه ج: 4 ص: 254 ( وانظر: )القرايف 1994 م ج: 8 املطلب الرابع: داللة اإلشارة والتفسر اإلشاري: لعل من املناسب جدا البحث يف هذه اجلزئية وهي هل ثمت ارتباط أو تشابه بني داللة اإلشارة وبني التفسر اإلشاري السيام وأن كال منهام يشرك يف كلمة اإلشارة. ولإلجابة عن هذا السؤال البد من تصور التفسر اإلشاري فأقول مستعينا باهلل تعاىل: يع رف التفس ر اإلش اري بأن ه: تأوي ل الق رآن بغر ظاهره إلشارة خفية تظهر ألرباب السلوك والتصوف يمكن اجلمع بينها وبني الظاه ر )الزرق اين )د.ت( ج: 2 ص: 78 ( وع ىل هذا تدور كلامت أهل العلم يف بيان تفسر الصوفية. )ابن تيمية 1416 ه ج: 13 ص: 241 ( و)ابن القيم 1423 ه ج: 2 ص: 389 ( و)األلوس ي 1415 ه ج: 1 ص: 8 ( و)الذهب ي )د.ت( ج: 2 ص: 261(. وهذا التفسر منه ما هو صحيح ومنه ما ه و باط ل. فمن أمثلة التفسر الباطل: تفسر بعضهم قوله جل شأنه:)إ ن اهلل ي أ م ر ك م أ ن ت ذ ب ح وا ب ق ر ة ژ )البقرة: ٦٧ ( هي النفس. وقوله تعاىل:)اذ ه ب إ ىل ف ر ع و ن ژ )طه: ٢٤ ( ه و القل ب. وهبذين املثالني مثل شيخ اإلسالم )ابن 23
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( تيمية 1416 ه ج: 13 ص: 241 ( ثم قال:»من قال هذا هو املراد فقد كذب عىل اهلل إما متعمدا وإما خمطئا «. ومث ال الصحي ح: ق ول م ن ق ال: قول ه تع اىل: )ال ي م س ه إ ال امل ط ه ر ون ژ )الواقعة: ٧٩ ( : هو اللوح املحفوظ أو املصحف وكام أن اللوح املحفوظ الذي كتب فيه حروف القرآن ال يمسه إال بدن طاهر فمعاين القرآن ال يذوقها إال القلوب الطاهرة وهي قلوب املتقني. وصحح شيخ اإلسالم)ابن تيمية 1416 ه ج: 13 ص: 242( هذا املعنى وقال:» وهلذا يروى هذا عن طائفة من السلف«. لكن هذا الصحيح -كام ترى- ليس تفسرا وال بيان ا للف ظ الق رآين ولكن ه قي اس ع ىل املعن ى املس طور. وقد توىل اإلجابة عن سؤالنا املذكور آنفا شيخ اإلسالم ابن تيمية V حيث قرر أن التفسر اإلشاري ليس تفسرا ملعنى اللفظ القرآين ولكنه من باب القياس واالعتبار للمع اين املذك ورة يف اآلي ة ك ام ه و احل ال يف ه ذا املثال. ق ال العالم ة اب ن القي م )اب ن القيم 1423 ه ج: 2 ص: 390 (:»وسمعت شيخ اإلسالم ابن تيمية - قدس اهلل روحه - يقول: الصحيح منها ما يدل عليه اللفظ بإشارته من باب قياس األوىل«. وقال ابن تيمية )ابن تيمية 1416 ه ج: 13 ص: 242( عن هذا النوع:»هذا من نوع القياس«. وتلميذه األملعي-ابن القيم- عىل هذا أيضا فكان يقول)ابن القيم 1429 ه ص: 124 ( عند بيان أنواع التفسر:»وتفسر عىل اإلشارة والقياس وهو الذي ينحو إليه كثر من الصوفية وغرهم«. وهلذا أنكر شيخ اإلسالم ابن تيمية V عىل من قال عن هذا املعنى املستنبط بالتطريق اإلشاري: إنه املراد بلفظ اآلية وعده من االفراء عىل كتاب اهلل D. قال V )ابن تيمية 1416 ه ج: 13 ص: 241 (:»وهذان قسامن: «أحدمها» أن يقال: إن ذلك املعنى مراد باللفظ فهذا افراء عىل اهلل... و»القسم الثاين«أن جيعل ذلك من باب االعتبار والقياس ال من باب داللة اللفظ فهذا من نوع القياس فالذي تسميه الفقهاء قياسا هو الذي تسميه الصوفية إشارة وهذا ينقسم إىل صحيح وباطل كانقسام القياس إىل ذلك«. فأن ت تلح ظ اعتب ار الش يخ أن ه ذا االس تنباط ليس من باب داللة اللفظ وإنام هو من باب القياس وحينئذ يتبني لك -إن شاء اهلل تعاىل- الفرق بني املصطلحني فداللة اإلشارة من باب داللة اللفظ كام سبق بيانه بحيث يكون اللفظ داال عىل املعنى وذلك بلزومه كام مر كثرا. وأما التفسر اإلشاري فهو من باب القياس 24
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 وفرق بني األمرين. وعليه فام فعله بعض الفضالء من حر بعض األمثلة للتفسر اإلشاري يف باب داللة اإلشارة يعد فعال جمانبا للصواب لكونه يوهم أن باهبام واحد وليس كذلك. ( ا لعبيد ا ن 2002 م ص: 2( 88 و ( ا جلز ا ئر ي 1426 ه ج: 2 ص: 628( و ( ا لبا حسني 1434 ه ج: 2 ص: 420(. لكن يشركان يف نقطتني اثنتني مها: أوهلا: كالمها حيتاج إىل إعامل ذهن وصفاء قلب فهام من التدبر الذي يمتدح فاعله إن أصاب وجه احلق. ثانيه ا: أن كليه ام خ ارج ع ن التفس ر فاملعن ى قد بان واتضح لقارئ القرآن الكريم فال يضر القارئ املبتدئ جهله هبام. القسم الثاين: دراسة بعض ما استنبط بطريق داللة اإلشارة. ن ي ق ت ل املوضع األول: ٹ ٹ)و ال ت ق ول وا مل يف س ب يل اهلل أ م و ات ب ل أ ح ي اء و ل ك ن ال ت ش ع ر ون ژ )البقرة: ١٥٤ (. ٹ ٹ)و ال حت س ب ن ال ذ ين ق ت ل وا يف س ب يل اهلل أ م و ات ا ب ل أ ح ي اء ع ند ر هب م ي ر ز ق ون ژ )آل عمران: ١٦٩ (. بيان داللة اإلشارة من اآليتني: تن ص اآليت ان الكريمت ان ع ىل فض ل الش هداء ويثب ت اهلل فيه ام أهن م أحي اء عن ده تع اىل وليس وا بأموات كام يظن الناس فموضوعهام الذي سيقتا ل ه ه و فض ل الش هادة يف س بيل اهلل تع اىل وتش ر اآليت ان عن د مج ع م ن العل امء- إىل أن الش هيد ال يغسل وال يصىل عليه ألن الغسل للميت وليس للحي والشهيد حي وليس بميت فال يغسل. وقل مثل هذا يف الصالة عليه )انظر:آل بورنو 1424 ه ج: 8 ص: 728 (. وقد استدل املالكية والشافعية واحلنابلة هباتني اآليتني عىل مذهبهم ونزعوا منهام هذه الداللة. قال احلنابلة يف الشهيد:»ال يغسل لقوله ل وا يف س ب يل اهلل أ م و ات ا تعاىل: )و ال حت س ب ن ال ذ ين ق ت ب ل أ ح ي اء ع ند ر هب م ي ر ز ق ون ژ )آل عمران: ١٦٩ ( واحلي ال يغسل«. انظر: )البهوتي 1414 ه ج: 1 ص: 344( و)الرحيباين 1415 ه ج: 1 ص: 845(. قال املاوردي )املاوردي 1419 ه ج: 3 ص: 34 (:»والداللة عىل أهنم ال يغسلون وال يصىل عليهم قوله تعاىل:)و ال حت س ب ن ال ذ ين ق ت ل وا يف س ب يل اهلل أ م و ات ا ب ل أ ح ي اء ع ند ر هب م ي ر ز ق ون ژ )آل عمران: ١٦٩ ( فأخر بحياهتم واحلي ال يغس ل وال يص ىل علي ه«انظر:)الد م ري 1425 ه ج: 3 ص: 68 (. وهب ذا اس تدل املالكي ة -أيض ا - ع ىل مذهبه م. )املازري 2008 م ج: 1 ص: 1187 (. 25
جملة الشمال للعلوم اإلنسانية )7006-1658 )ISSN: اجمللد )5( العدد )1( جامعة احلدود الشمالية ) 1441 ه / 2020 م( لكن هذا االستدالل فيه نظر ال خيفى ذلك ألن اهلل تعاىل ذكر حياهتم واملراد حياة برزخية هلا أحكامه ا الت ي تناس بها فه ي تؤخ ذ م ن الكت اب والسنة ألهنا حياة غيبية ال يدخلها القياس وال يمكن فيها إعامل العقل والغسل والصالة من أح كام الدني ا وليس ت م ن أح كام ال رزخ حت ى نلحقها هبا. وأيضا : لو أعملنا هذا الدليل الذي أعملوه وهو أن الشهيد حي لقلنا: إذا ال يقسم ماله وال تنكح زوجته ألنه حي وقسم املال وانقطاع النكاح لألموات وليس لألحياء وهذا ما مل يقل به أحد من العقالء فضال عن العلامء وهو إلزام ال حميد عنه وال انفكاك منه. وهلذا فقد انتقد هذا االستنباط غر واحد من العلامء ال سيام بعض علامء املالكية وهم مم ن يذهب ون إىل ع دم تغس يل الش هيد وال الص الة عليه وأما األحناف فلكون مذهبهم الصالة عىل الشهيد فقد اعرضوا هذا الدليل بام ذكرت آنفا. ا نظر : ( ا لكا سا ين 1406 ه ج: 1 ص: 324 ( و)العيني 1420 ه ج: 3 ص: 270(. يقول أبو الوليد ابن رشد )ابن رشد 1408 ه ج: 2 ص: 300 ( عن هذا التعليل:»وهذا اعتالل فيه نظر إذ ال شك يف أهنم قد ماتوا وخرجوا من الدنيا وصاروا يف عداد املوتى ووجب أن تنكح نساؤهم وتقسم أمواهلم فليس كون أرواحهم حية عند اهلل بامنع من الصالة عليهم كام ال يمنع ذلك من الصالة عىل سائر املؤمنني وإن كانت حلياهتم مزية بأهنم عند رهبم يرزقون ويأكلون يف اجلنة وينعمون وعند النفخ يف الصور ال يفزعون وال خيمدون وال يصعقون«. انظر: )املازري 2008 م ج: 1 ص: 1187(. فهذه الداللة غر صحيحة وأنت خبر أن بطالن الدليل ال يعني بطالن املدلول. املوضع الثاين: ٹ ٹ )أ ح ل ل ك م ل ي ل ة ب اس ل ك م و أ نت م ك م ه ن ل الص ي ام الر ف ث إ ىل ن س ائ ل ب اس هل ن ع ل م اهلل أ ن ك م ك نت م خت ت ان ون أ نف س ك م ف ت اب ع ل ي ك م و ع ف ا ع نك م ف اآل ن ب ارشوه ن و اب ت غ وا م ا ك ت ب اهلل ل ك م و ك ل وا و ارش ب وا ح ت ى ي ت ب ني ل ك م اخل ي ط األ ب ي ض م ن اخل ي ط األ س و د م ن ال ف ج ر ث م أ مت وا الص ي ام إ ىل الل ي ل و ال ت ب ارشوه ن و أ نت م ل ك ح د ود اهلل ف ال ت ق ر ب وه ا ع اك ف ون يف امل س اج د ت لن اس ل ع ل ه م ي ت ق ون ژ ك ذ ل ك ي ب ني اهلل آي ات ه ل )البقرة: ١٨٧ (. موضع داللة اإلشارة:)ف اآل ن ب ارشوه ن و اب ت غ وا م ا ك ت ب اهلل ل ك م و ك ل وا و ارش ب وا ح ت ى ي ت ب ني ل ك م اخل ي ط األ ب ي ض م ن اخل ي ط األ س و د م ن ال ف ج ر ژ. بيان داللة اإلشارة: قالوا: أباح اهلل تعاىل األكل والرب واجلامع إىل طلوع الفجر وهذا يلزم منه 26
علي بن جريد العنزي: داللة اإلشارة يف القرآن الكرمي تنظريا وتطبيق ا 58-3 أن من فرغ من مجاع أهله آخر الليل سيطلع علي ه الفج ر وه و جن ب فنس تفيد صح ة ص وم اجلنب ألنه لو كان صوم اجلنب باطال ملا أبيح اجلامع إىل آخر حلظة من الليل وألوجب اهلل عىل م ن أراد الص وم االمتن اع ع ن ال وطء قب ل الفج ر بوقت يسع االغتسال. وخالصة القول: أن اآلية تشر إىل صحة صوم ا جلنب. وهذا ما استنبطه ابن عباس L وربيعة الرأي والشافعي. انظر: )ابن بطال 1423 ه ج: 4 ص: 50 ( و)ابن العريب 1424 ه ج: 1 ص: 576 (. وعليه تواردت كلامت العلامء ومذاهبهم استدالال هبذه اآلية الكريمة وعليه إطباق كلمة أهل األصول والتفسر من غر منازعة وال ممانعة. قال ابن قدامة )ابن قدامة )د.ت( ج: 3 ص: 148(:»اجلنب له أن يؤخر الغسل حتى يصبح ثم يغتسل ويتم صومه يف قول عامة أهل العلم«. يقول أبو بكر اجلصاص)اجلصاص 1405 ه ج: 1 ص: 241 (:»وأما اجلنابة فإهنا غر مانعة من صحة الصوم لقوله: )ف اآل ن ب ارشوه ن و اب ت غ وا م ا ك ت ب اهلل ل ك م و ك ل وا و ارش ب وا ح ت ى ي ت ب ني ل ك م اخل ي ط األ ب ي ض م ن اخل ي ط األ س و د م ن ال ف ج ر ژ فأطلق اجلامع من أول الليل إىل آخره ومعلوم أن من جامع يف آخر الليل فصادف فراغه من اجلامع طلوع الفجر أنه يصبح جنبا وقد حكم اهلل بصحة صيامه بقوله) ث م أ مت وا الص ي ام إ ىل الل ي ل ژ«انظر: )ابن العريب 1424 ه ج: 1 ص: 576 ( و)الكيا اهلرايس 1405 ه ج: 2 ص: 467 ( و)ابن عادل 1419 ه ج: 3 ص: 315(. وملا ذكر النووي V خالف من خالف من أهل العلم وأن من أصبح جنبا مل يصح صومه قال النووي )النووي )د.ت(.ج: 6 ص: 308 ( يف احلجة عليهم:»دليلنا نص القرآن قال اهلل تعاىل: )ف اآل ن ب ارشوه ن و اب ت غ وا م ا ك ت ب اهلل ل ك م و ك ل وا و ارش ب وا ح ت ى ي ت ب ني ل ك م اخل ي ط األ ب ي ض م ن اخل ي ط األ س و د وا الص ي ام إ ىل الل ي ل ژ ويلزم م ن ال ف ج ر ث م أ مت بالرضورة أن يصبح جنبا إذا بارش إىل طلوع الفجر«. وانظر -رمحك اهلل- كيف جعل النووي V هذا االستنباط من نص القرآن وهذا يؤكد أن دالل ة اإلش ارة م ن ب اب اللف ظ القرآين. وكذا كان العلامء يردون مذهب من أبطل صوم من أصبح جنبا من مجاع أهله هبذه اآلية يقول ابن عبد الر)ابن عبد الر 1421 ه ج: 3 ص: 291 (:»قد ثبت عن النبي يف الصائم يصبح جنبا ما فيه غناء واكتفاء عن قول كل أحد ودل كتاب اهلل تعاىل عىل مثل ما ثبت عن النبي H يف ذلك: 27