الجمھورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة محمد خيضر- بسكرة كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية قسم علم االجتماع ا
|
|
- ريما بنو خالد
- منذ 5 سنوات سابقة
- المشاهدات:
النسخ
1 الجمھورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة محمد خيضر- بسكرة كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية قسم علم االجتماع الرقم التسلسلي:... رقم التسجيل:... عنوان المذكرة مذكرة مكملة لنيل شھادة الماجستير تخصص: علم اجتماع البيئة في علم االجتماع إعداد الطالب: فريد بوبيش أعضاء لجنة المناقشة الرتبة العلمية االسم واللقب أستاذ عبد العالي دبلة أستاذ عبد الرحمن برقوق أستاذ جابر نصر الدين أستاذ محاضر"أ" عباس سعاد إشراف: أ.د. عبد الرحمان برقوق تاريخ المناقشة:... الجامعة الصفة بسكرة رئيسا بسكرة مشرفا مقررا بسكرة عضوا مناقشا بسكرة عضوا مناقشا السنة الجامعية: / م
2 فھرس المحتويات الصفحة مقدمة... أ الفصل األول موضوع الدراسة أوال: ثانيا: ثالثا: إشكالية الدراسة... تساؤالت الدراسة... أھمية الدراسة رابعا: أھداف الدراسة ومبررات اختيارھا أھداف الدراسة... مبررات اختيار موضوع الدراسة _2 09 خامسا: تحديد مفاھيم الدراسة مفھوم االتجاھات البيئية... مفھوم التنمية المستديمة... مفھوم العمران المستديم... _1 _2 _3 29 سادسا: الدراسات السابقة والمشابھة... الفصل الثاني مكونات االتجاھات البيئية تكوينھا وعالقتھا بالسلوك البيئي 38 أوال: مكونات االتجاھات البيئية _1 المكون الفكري"المعرفي"... cognitive component 38 _2 المكون العاطفي"الوجداني"...Affective Component 39 _3 المكون السلوكي...Behavioral component
3 ثانيا: تكوين االتجاھات البيئية مراحل تكوين االتجاھات البيئية _1 _المرحلة اإلدراكية المعرفية المرحلة التقييمية... المرحلة التقريرية... _2_1 _3_1 2_ عوامل ومصادر تكوين االتجاھات البيئية _2 _تكرار استجابات معينة... 2_2 _الخبرات الشخصية... 3_2 _الخبرات االنفعالية الصادمة... 4_2 _التقليد شخصية الفرد 2_5_ "عوامل خاصة بالفرد ذاته"... 2_6_ عوامل أخرى لھا عالقة بالحدث أو الموقف موضوع االتجاه _ تكوين االتجاھات البيئية في ضوء نظريات االتجاھات ثالثا: تطور االتجاھات البيئية وعالقتھا بالسلوك البيئي االتجاھات البيئية في ضوء نظريات عالقة اإلنسان بالبيئة... االتجاھات البيئية في ظل مراحل تطور عالقة اإلنسان بالبيئة... _1 _ االتجاھات البيئية في مرحلة جمع الثمار وصيد الحيوانات... االتجاھات البيئية في مرحلة الرعي... االتجاھات البيئية في مرحلة الزراعة... االتجاھات البيئية في مرحلة الصناعة... _1_2 _2_2 _3_2 _4_ _ عالقة االتجاھات البيئية بالسلوك البيئي... رابعا: االتجاھات البيئية المعاصرة وأزمة العالقة بين اإلنسان والبيئة_مقاربة سوسيولوجية... 1_ مظاھر أزمة عالقة اإلنسان بالبيئة...
4 مشكلة التلوث البيئي مشكلة استنزاف الموارد البيئية... 2_ التحليل السوسيولوجي للروافد االجتماعية التاريخية لالتجاھات البيئية المعاصرة... 2_1_ الروافد الثقافية لالتجاھات البيئية المعاصرة... 2_2_ الروافد االقتصادية لالتجاھات البيئية المعاصرة"مسؤولية الرأسمالية"... الفصل الثالث االتجاھات البيئية في ظل طروحات التنمية المستديمة أوال: طروحات مفھوم التنمية المستديمة في ضوء المؤتمرات العالمية ثانيا: إشكالية مفھوم التنمية المستديمة في ظل طروحاته المختلفة ثالثا: أبعاد التنمية المستديمة... 1_ األبعاد البيئية _األبعاد االقتصادية األبعاد االجتماعية... األبعاد البشرية... األبعاد التكنولوجية أو التقنية... _3 _4 _5 109 رابعا: الحفاظ على البيئة في ظل طروحات التنمية المستديمة خامسا: األبعاد الرئيسية لالتجاھات البيئية في ظل طروحات التنمية المستديمة االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد البيئية(الدائمة المتجددة والغير متجددة).. االتجاه نحو ترشيد االستھالك وحماية البيئة من االستنزاف... االتجاه نحو حماية البيئة من التلوث... _1 _2 _3 123 االتجاه نحو المحافظة على التوازن البيئي"الحلقة المحللة"... _ االتجاه نحو نبذ المعتقدات البيئية الخاطئة... االتجاه نحو معالم البيئة... _5 _6
5 7_ االتجاه نحو استخدام الطاقات البديلة _ االتجاه نحو مستقبل البيئة الفصل الرابع االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم 127 أوال: مالمح التجاھات بيئية مستديمة في عمران الحضارات القديمة عمران حضارة بالد ما بين النھرين... عمران الحضارة الفرعونية... عمران الحضارة اإلغريقية... عمران الحضارة الرومانية... عمران الحضارة اإلسالمية... _1 _2 _3 _4 _5 137 ثانيا: مالمح ألزمة االتجاھات البيئية في عمران الحضارة الحديثة عمران العصور الوسطى... عمران عصر النھضة... عمران عصر الثورة الصناعية... عمران العصر الحديث... _1 _2 _3 _4 144 ثالثا: االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم... 1 _جذور العمران المستديم ودواعي ظھوره األبعاد المحورية لالتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم... بعد الحماية... بعد الترشيد... بعد الجودة... بعد الكفاءة... بعد الديمومة... _2 _1 _2 _3 _4 _5
6 160 رابعا: المعماري بين حاجة اإلنسان للعمارة والمحافظة على البيئة في ظل العمران المستديم... الفصل الخامس اإلجراءات المنھجية للدراسة 166 أوال: مجاالت الدراسة المجال المكاني... المجال البشري... المجال الزمني... _1 _2 _ ثانيا: ثالثا: المنھج المتبع في الدراسة... عينة الدراسة وكيفية اختيارھا كيفية اختيار عينة الدراسة... حجم العينة... خصائص عينة الدراسة... _1 _2 _3 178 رابعا: أدوات جمع البيانات... 1_ إعداد وصياغة فقرات االستبيان _ صدق االستبيان... 3_ صياغة تعليمة االستبيان... 4_ تطبيق االستبيان... 4_1 توزيع االستبيان على أفراد العينة... 4_2 كيفية جمع البيانات الخام وتفريغھا... 4_3 مفتاح تقدير االستجابات على المقياس خامسا- أساليب المعالجة اإلحصائية المستخدمة في الدراسة... الفصل السادس عرض وتحليل نتائج الدراسة
7 أوال: عرض وتحليل البيانات ثانيا: نتائج الدراسة في ضوء تساؤالتھا النتائج المتعلقة بالسؤال األول ومناقشتھا... النتائج المتعلقة بالسؤال الثاني ومناقشتھا... النتائج المتعلقة بالسؤال الثالث ومناقشتھا... _1 _2 _3 216 ثالثا: تحليل عام لنتائج الدراسة رابعا: الخالصة والمناقشة خامسا: توصيات ومقترحات خاتمة... المراجع... ملخص الدراسة المالحق فھرس الجداول واألشكال فھرس المحتويات
8 مقدمة: تنتمي ھذه الدراسة إلى ميدان علم االجتماع البيئي وقد نشأت الحاجة إلى البحث العلمي في ھذا الميدان ارتباطا بطبيعة التغيرات التكنولوجية واالجتماعية والمشكالت البيئية الملحة في عالم اليوم وبضرورة العمل على إقرار عالقة متوازنة بين اإلنسان والبيئة. ورغم أن ھذا الميدان قد يبدو جديدا على البحث السوسيولوجي حيث لم يستخدم "علم االجتماع البيئي" و مصطلح إال منذ عقدين من الزمان تقريبا إال أن علم االجتماع يتضمن في بنائه كنظام معرفي ومنذ نشأته المحددات البيئية للسلوك فقد أشار "دانكان" "Duncan" إلى أن ابن خلدون قد بحث في أھمية العالقة بين التنظيم االجتماعي وأشكاله من جھة وظروف المعيشة من جھة أخرى فالبيئة الجغرافية وما تشمله من مساحة وموارد ومناخ 1 تؤثر في تشكيل البناء االجتماعي الثقافي للمجتمع. "كاتون وأيضا فقد اھتم المتخصصون في علم االجتماع الريفي كأمثال "دانالب "Dunlap "catton بدارسة وفھم استخدامات األرض والنشاطات وبموضوعات أخرى لھا عالقة بعلم االجتماع البيئي فھم أول من استجاب للمشكالت البيئة من وجھة نظر 2 اجتماعية. دوركايم" كما استفاد علماء االجتماع البيئي المحدثين أمثال وخاصة كتابه "تقسيم العمل في المجتمع" "شنايبرغ" من كتابات "إميل حيث ربط في كتابه بين درجة تعقد البناء االجتماعي بالكثافة السكانية وندرة الموارد والعمليات االجتماعية فالزيادة السكانية ضمن موارد محدودة أو نادرة تؤدي إلى عمليات التنافس والصراع مما قد يؤدي إلى استنزاف للموارد وتعاظم المشكالت البيئية. وكذلك من العلماء الذين تأثروا بكتابات دوركايم العالم "روبرت بارك" و"ارنست بارغس" وعلماء اجتماع آخرون قاموا بتطوير علم اإليكولوجيا البشرية في جامعة شيكاغو األمريكية. وبينما اعترف علماء اإليكولوجيا البشرية ھؤالء بأھمية عالقة البيئة بتنظيم الحياة االجتماعية إال أنھم لم يدرسوھا بالتفصيل خاصة من جانبھا الثقافي األمر الذي جعل االستفادة من اإليكولوجيا البشرية في مجال علم االجتماع البيئي محدودة. 1 _ صالح بن محمد الصغير: بعض المحددات االجتماعية والثقافي ة والديموغرافي ة لمس توى االتجاھ ات البيئي ة- دراس ة تحليلية مطبقة على طلبة جامعة الملك سعود بالرياض مجلة جامعة الملك سعود م 11 اآلداب ص المرجع نفسه ص 258.
9 كما كان لحركات حقوق اإلنسان ومناھضة الحرب التي سادت في النصف األخير من القرن المنصرم وما قامت عليه من إيديولوجية أثر في قيام توجه رافض للعالقة القائمة بين اإلنسان وبيئته أدى ھذا األمر إضافة إلى الخلفية اإليديولوجية للعاملين في ھذا الميدان ومعظمھم من اليساريين المعتدلين إلى شحذ وزيادة االھتمام بالمسائل البيئية وضرورة دراستھا وفھمھا في إطارھا الصحيح من خالل منظور سوسيولوجي وذلك بالتركيز على دراسة العالقة بين البيئة والتنظيم االجتماعي والنسق اإليديولوجي. وأدت ھذه المحاوالت في تناول النسق البيئي من منظور سوسيولوجي إلى العودة إلى الكتابات واألطر النظرية السابقة في علم االجتماع لالستفادة منھا في بناء منظور علمي سوسيولوجي لدراسة النسق البيئي. وكما لعبت الحركات البيئية دورا كبيرا في تنامي الوعي البيئي في العالم الغربي المتقدم في الوقت الذي لم يشھد فيه العالم النامي مثل ھذه الحركات لعدة أسباب لعل أھمھا حداثة الوعي بمشكالت البيئة إضافة إلى وجود مشكالت اجتماعية تتقدم مشكالت البيئة في سلم األولويات. وقد ارتبطت ھذه الحركات البيئية أصال بحركات اجتماعية كان لعلم االجتماع مساھمة فيھا حيث نجحت في لفت انتباه المنظرين االجتماعيين إلى خطورة المشكالت البيئية مما أسھم في تطوير أطر نظرية ذات مضامين بيئية ساعدت على ظھور علم االجتماع البيئي. وعموما فإن علم االجتماع البيئي في تطوره وامتداد جذوره سواء إلى "ابن خلدون" أو "إميل دوركايم" أو مدرسة شيكاغو أو علم االجتماع الريفي أو الحركات البيئية قد تأثر بشكل أو بآخر بھؤالء العلماء وبھذه المدارس والحركات جميعھا وبالذات في المقولة التي اشتركت فيھا جميع ھذه المؤثرات وھي: أن ھناك عالقة بين البيئة الطبيعية والتنظيم االجتماعي وأنه يجب أخذ ھذه المقولة بعين االعتبار عند دراسة المجتمعات البشرية وھكذا تشكل لدينا في النصف األخير من القرن المنصرم علم االجتماع البيئي. ونتيجة لذلك فقد تقدم علم االجتماع البيئي كميدان من ميادين علم االجتماع لغرض دراسة العالقات القائمة بين المجتمع والبيئة معتمدا على ما توصل إليه علم االجتماع من أطر نظرية وطرق منھجية ولقد اھتم العلماء في ھذا الميدان الجديد بدراسة وتحديد العوامل والوسائل التي تربط المجتمع بالبيئة وركزوا بداية على مفاھيم كالثقافة وخاصة
10 القيم والمعتقدات لما لھا من أھمية في تشكيل اتجاھات الناس وبالتالي طرق تعاملھم مع البيئة. ولما كانت االتجاھات البيئية إحدى مجاالت االھتمام والبحث في علم االجتماع البيئي وعلى غرار ھذا التوجه جاءت ھذه الدراسة التي بين أيدينا لتبحث في قضية االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم خاصة وقد بدأ أمر االھتمام بالبيئة يأخذ طابعا مميزا في وقتنا الحاضر ھو طابع تقويم السلوك اإلنساني نظرا لما يقوم به اإلنسان من أعمال ونشاطات مختلفة ومن أھمھا النشاط العمراني والتي غيرت مظاھر البيئة المختلفة وتسببت في ظھور المشكالت البيئية كالتلوث واستنزاف الموارد البيئية وغيرھا التي أصبحت تھدد الحياة على كوكب األرض. ھذا من جھة ومن جھة أخرى فقد أكدت التوصيات التي أصدرتھا المؤتمرات والندوات البيئية العديدة أن معظم ھذه المشكالت البيئية ترجع إلى األنماط السلوكية الخاطئة والتي تعزى بدورھا إلى االفتقار للمعارف واالتجاھات البيئية السليمة التي من شأنھا أن تجعل من نشاطات اإلنسان المختلفة منسجمة مع البيئة بھدف الحفاظ عليھا للجيل الحاضر ولألجيال القادمة. ھذه الرؤية المتوازنة لعالقة اإلنسان بالبيئة والتي يمكن لالتجاھات البيئية أن تساھم في بنائھا ھي ما تدعو إليھا طروحات التنمية المستديمة في جميع النشاطات التي يمارسھا االنسان في البيئة وبالخصوص النشاط العمراني لما له من تأثير ملموس وعميق على البيئة ومن ھنا جاءت الدعوة لعمران مستديم. أضف إلى ذلك أنه قد ثبت لدى عدد من الباحثين أن لالتجاھات البيئية التي يحملھا األفراد دالئل ھامة على نوعية عالقتھم بالبيئة كما أن معرفة واقع ھذه االتجاھات طبيعتھا والعوامل المؤثرة فيھا تمكننا من وضع السياسات والبرامج الالزمة والضرورية لبناء عالقة مثمرة مع البيئة عن طريق إعداد اإلنسان المتفھم لبيئته والمدرك لظروفھا والواعي بما يواجھھا من مشكالت والقادر على المساھمة االيجابية في التغلب على ھذه المشكالت والذي لديه الدوافع للقيام بكل ذلك عن رغبة وطواعية. ومن ھذا المنطلق وبناء على ما سبق جاء اختيارنا لموضوع ھذه الدراسة التي تصب في حقل علم االجتماع البيئي والتي جاءت بھدف الكشف عن االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم لدى عينة من طلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة وقد
11 اعتمد الباحث في معالجته لموضوع ھذه الدراسة على ستة فصول مترابطة فيما بينھا على النحو اآلتي: الفصل األول: والذي خصصه الباحث لموضوع الدراسة وقد تناول فيه إشكالية الدراسة وتساؤالتھا ثم أھمية الدراسة وأھدافھا ومبررات اختيارھا باإلضافة إلى تحديد مفاھيم الدراسة وفي األخير عرض بعض الدراسات السابقة والمشابھة مع حوصلة للنتائج التي أسفرت عنھا ھذه الدراسات. الفصل الثاني: وقد تناول فيه الباحث مكونات االتجاھات البيئية وتكوينھا وتطورھا بتطور عالقة اإلنسان بالبيئة باإلضافة إلى عالقة ھذه االتجاھات البيئية بالسلوك البيئي وفي األخير ناقش الباحث االتجاھات البيئية المعاصرة وأزمة العالقة بين اإلنسان والبيئة من منظور سوسيولوجي استھله الباحث ببعض مظاھر أزمة عالقة اإلنسان بالبيئة باعتبارھا تمثل أزمة إنسان وليس أزمة مكان ومؤدى ذلك أن أزمة البيئة تجسد مشكلة إنسانية ترتبط بالمكون الكلي لسلوك اإلنسان وعالقته بالمكان وموقفه من عناصره الذي ھو أھم ھذه العناصر وبذلك تعد االتجاھات البيئية المكتسبة أو المتعلمة حجر األساس في ھذه األزمة ومن ثم تصبح القضية قضية اتجاھات بيئية سلبية غذتھا لدى الفرد مراحل تاريخية من الخبرة حطمت في داخله معنى العالقة المعتدلة بينه وبين بيئته. لذلك عمد الباحث إلى تحليل الروافد االجتماعية التاريخية لھذه االتجاھات البيئية السلبية وكيف أفضت إلى تأزم عالقة اإلنسان بالبيئة في وقتنا الحاضر وھو األمر الذي أصبح يھدد حياة اإلنسان على كوكب األرض ما أفضى بھذا اإلنسان إلى طرح فكرة التنمية المستديمة التي من شأنھا االضطالع بمعالجة ھذه المشكلة على اعتبار أنھا مفھوم أو طرح حضاري جديد يمس جميع نشاطات اإلنسان وجوانبھا االجتماعية واالقتصادية والثقافية...الخ ويراعي ضرورة التوفيق في العالقة بين اإلنسان والبيئة وي ديم استمرارية التنمية مع المحافظة على البيئة. الفصل الثالث: والموسوم بعنوان: "االتجاھات البيئية في ظل طروحات التنمية المستديمة" تناول فيه الباحث طروحات مفھوم التنمية المستديمة في ضوء المؤتمرات العالمية ثم إشكالية ھذا المفھوم في ظل الطروحات المختلفة بشأنه ثم قام الباحث بسرد أبعاد التنمية المستديمة باإلضافة إلى تحليل قضية الحفاظ على البيئة في ظل طروحات التنمية المستديمة وفي األخير قام الباحث باستنباط األبعاد الرئيسية لالتجاھات البيئية في ظل
12 طروحات التنمية المستديمة مع قراءة تحليلية لكل بعد وذلك بعد الرجوع إلى عدد من الدراسات التي تناولت موضوع االتجاھات البيئية والتي يدعوا الباحثون إلى تبنيھا في ظل التنمية المستديمة. الفصل الرابع: والموسوم بعنوان "االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم" وقد استھله الباحث بالحديث عن مالمح االتجاھات البيئية المستديمة في عمران الحضارات القديمة ) بالد ما بين النھرين الفرعونية اإلغريقية الرومانية اإلسالمية ) ثم تناول الباحث مالمح ألزمة االتجاھات البيئية في عمران الحضارة الحديثة (عمران العصور الوسطى عصر النھضة عصر الثورة الصناعية العصر الحديث). بعد ذلك عمد الباحث الى الحديث عن االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم متناوال جذور العمران المستديم ودواعي ظھوره ثم قام باستنباط األبعاد المحورية لالتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم وھي: الحماية الترشيد الجودة الكفاءة الديمومة ووضعھا في قالب سوسيولوجي يخدم أھداف الدراسة الحالية.وفي األخير تناول الباحث موقع المعماري بين حاجة اإلنسان للعمارة وبين المحافظة على البيئة في ظل العمران المستديم باعتباره المعني األول بقضية االستدامة في مجال العمران. الفصل الخامس: والذي خصصه الباحث لإلجراءات المنھجية للدراسة حيث تناول فيه مجاالت الدراسة (المجال المكاني والبشري والزمني) والمنھج المتبع في الدراسة ثم العينة وحجمھا وطريقة اختيارھا باإلضافة إلى أدوات جمع البيانات وكيفية بنائھا والتحقق من صدقھا ثم توزيعھا على أفراد العينة وجمع البيانات الخام وتفريغھا وفي األخير تناول الباحث أساليب المعالجة اإلحصائية المعتمدة في الدراسة حيث اعتمد الباحث على برنامج الحاسب اآللي "الحزمة اإلحصائية للعلوم االجتماعية" (SPSS) حيث استخدم فيه طرق ومعالجات إحصائية متعددة على غرار مقاييس النزعة المركزية ومقاييس التشتت. الفصل السادس: والذي قام فيه الباحث بعرض وتحليل نتائج الدراسة حيث استھله الباحث بعرض وتحليل عام للبيانات الميدانية التي تم تجميعھا في ھذه الدراسة وضمنه جملة من الجداول اإلحصائية وكذا مدرجات تكرارية ومنحنيات بيانية. ثم قام الباحث بعرض ومناقشة وتحليل نتائج الدراسة في ضوء تساؤالتھا مجيبا بذلك عن ھذه التساؤالت. بعدھا قام الباحث بتحليل عام لنتائج الدراسة في ضوء أھدافھا والجانب النظري والدراسات السابقة. وفي
13 األخير وضع الباحث خالصة عامة للدراسة ككل ونتائجھا التي أسفرت عنھا مع مناقشتھا في ضوء تصوره العام لموضوع الدراسة وأبعاده الواقعية وأتبع الباحث ذلك بجملة من التوصيات والمقترحات لألطراف المعنية تضمنت توصيات علمية وأخرى عملية.
14 أوال: إشكالية الدراسة: ثمة اتفاق بين علماء االجتماع وعلماء البيئة على أن اإلنسان ابن بيئته وأنه كما يؤثر فيھا يتأثر أيضا بھا وأن نجاحه أو فشله تقدمه أو تأخره متوقف على نوعية عالقته بھا. ولئن اتصفت عالقة اإلنسان ببيئته بالتوازن في العصور السابقة فان ھذه العالقة بدأت تضطرب في عصرنا الحالي وبدأ أمر االھتمام بالبيئة والمحافظة عليھا يعد شيئا أساسيا فھي المكان الذي يسكن فيه والھواء الذي يتنفسه والماء الذي يشربه والطعام الذي يأكله والشك أن تھديد أي من ھذه الجوانب السابقة يشكل تھديدا لبقاء اإلنسان ووجوده. ومع مرور الوقت بدأ أمر االھتمام بالبيئة يأخذ طابعا مميزا ھو طابع تقويم السلوك اإلنساني وسبب ذلك يرجع لما يقوم به اإلنسان من أعمال غيرت مظاھر البيئة المختلفة وتسببت في ظھور المشكالت البيئية كالتلوث واستنزاف الموارد البيئية وغيرھا التي أصبحت تھدد الحياة على كوكب األرض. وانطالقا من ھذا المعنى أكدت التوصيات التي أصدرتھا المؤتمرات والندوات البيئية العديدة أن معظم ھذه المشكالت البيئية ترجع إلى األنماط السلوكية الخاطئة والتي تعزى بدورھا إلى االفتقار للمعارف واالتجاھات البيئية السليمة التي من شأنھا أن تجعل من نشاطات اإلنسان المختلفة منسجمة مع البيئة بھدف الحفاظ عليھا للجيل الحاضر ولألجيال القادمة. ولما كانت البيئة وحمايتھا على ھذه الدرجة من األھمية ونحن نعد العدة للتكيف مع متطلبات القرن الجديد فمن الضروري أن يأتي أي نشاط تنموي نقوم به إنتاجيا كان أو استھالكيا ملبيا لمتطلبات المحافظة على البيئة ومكوناتھا وأن يصاحبه استخدام رشيد وعقالني للموارد البيئية. ھذه الرؤية المتوازنة بين البيئة والتنمية ھي ما تدعو إليھا فكرة "التنمية المستديمة". وعلى اعتبار أن التنمية المستديمة ال تستثني أي قطاع تنموي أو نشاط بشري _ألنھا في الحقيقة تدعو إلى تطور اإلنسان من خالل استخدام حكيم وعادل للموارد البيئية_ فمن الضروري أن تكون لھذا المفھوم مساحة واسعة من التأثير في القطاع العمراني لما لھذا القطاع من دور كبير في العملية التنموية وما له من تأثير ملموس وواسع في البيئة المحيطة باإلنسان. وھذا ما دعا إليه إعالن شيكاغو الذي صدر عن االجتماع الثامن عشر لإلتحاد
15 العالمي للمعماريين والذي ع قد في مدينة شيكاغو في الواليات المتحدة األمريكية في عام ھذا اإلعالن وضع العمران المستديم محورا رئيسيا في الممارسة المعمارية وطلب من معماريي العالم أن يطوروا ممارساتھم وآلياتھم لجعلھا تنسجم ومتطلباته. وبذلك أصبحت االستدامة واحدة من أھم االعتبارات التي يتم أخذھا بالحسبان عند مزاولة المعماريين والمھندسين لمھنتھم وقد أصبح الحديث عن العمران المستديم من األمور المألوفة في األوساط المھنية الھندسية في الكثير من الدول المتقدمة منھا والنامية بما فيھا الجزائر. وعليه فالضرورة تحتم على المعماري أن يستوعب وأن يتفاعل مع القواعد الرئيسية التي تجعل من القطاع العمراني قطاعا تنمويا مستديما. والتفاعل المطلوب يتطلب ارتقاء في الثقافة والممارسة المعمارية. فإذا كانت المباني ھي تجسيد لما نحمله من أفكار وصورة صادقة لما نبدعه من حلول فإن الثقافة البيئية أو باألحرى االتجاھات البيئية الصحيحة تجعل ھذه األفكار والحلول تتناغم وقوانين الطبيعة. وھنا تأتي االتجاھات البيئية بوصفھا إحدى مقتضيات التوفيق أو اإلخفاق لعملية االستدامة في القطاع العمراني إذ كلما كانت قضايا حماية البيئة من التلوث واالستنزاف وترشيد استخدام الموارد البيئية المتجددة وغير المتجددة واالھتمام بجودة البيئة الداخلية والخارجية للمنشأة العمرانية والكفاءة في استخدام الموارد الدائمة وغير الدائمة للطاقة في المنشأة العمرانية وديمومة ھذه المنشأة وعناصرھا األساسية وديمومة استيعابھا إلضافات وتعديالت جديدة...الخ فكلما كانت ھذه القضايا في بؤرة اھتمام المعماري ) أي كانت اتجاھاته البيئية ايجابية في ھذا الصدد) كلما يسر له ذلك حسن أداء مھمته في تصميم وتنفيذ المشاريع العمرانية لجعلھا تنسجم ومتطلبات العمران المستديم. غير أنه إذا كان المعماري ال يھتم للقضايا البيئية المشار إليھا وال يمتلك اتجاھات ايجابية إزاءھا أو أنھا ضعيفة عنده تأتى من ذلك الخلل وتسرب النقص إلى الدور الذي يمكن أن يضطلع به كفاعل رئيس في عملية االستدامة في القطاع العمراني. ورغم أن ھذا االھتمام المتنامي بالبيئة ومشكالتھا في ظل طروحات االستدامة والعمران المستديم قد أسفر عن تسابق الباحثين إلجراء العديد من البحوث والدراسات والتي تباينت اھتماماتھا بحسب المجاالت البحثية التي تعنى بھا. ورغم ھذه الجھود التي
16 بذلت في ھذه الدراسات البيئية المختلفة وأھمية المجاالت التي كانت محل عنايتھا إال أن محور االھتمام في معظمھا كان منصبا على البيئة الطبيعية من حيث مصادرھا عناصرھا توازنھا واستنزافھا وتلوثھا...الخ متناسية غالبا أھمية العوامل االجتماعية والثقافية واألخالقية وانعكاس كل ھذه الجوانب على طبيعة االتجاھات البيئية والسلوك البيئي. ومن ھذا المنطلق ونظرا ألنه قد ثبت لدى عدد من الباحثين أن لالتجاھات البيئية التي يحملھا األفراد دالئل ھامة على نوعية عالقتھم بالبيئة فإنه كانت الحاجة ماسة إلى ھذه الدراسة التي تھدف إلى التعرف على االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم لدى عينة من طلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة وعلى ما قد يظھر من فروق في ھذه االتجاھات بين الجنسين وبين األعمار. حيث تعود أھمية التركيز على طلبة الھندسة المعمارية ألنھم بمثابة العناصر الفاعلة التي تستطيع توطين ھذه االتجاھات وتأصيلھا كممارسة معمارية مستديمة ت راعي عالقة البعد اإلنساني بالبيئة وتحافظ على البيئة وتبقيھا كمصدر عطاء متجدد ومستديم وذلك أثناء تصميم وتنفيذ المشاريع العمرانية في المستقبل. كما أن مرحلتھم العمرية ومستواھم المعرفي يؤھلھم لتحديد المعالم الواضحة التجاھاتھم البيئية. ولبلوغ الھدف الذي تسعى إليه ھذه الدراسة انطلق الباحث من جملة من التساؤالت. ثانيا: تساؤالت الدراسة يحاول الباحث من خالل ھذه الدراسة اإلجابة على األسئلة التالية: 1- ما نوع االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة تبعا للدرجة الكلية والدرجات الجزئية ألبعاد (محاور) مقياس االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم 2- ھل توجد فروق ذات داللة إحصائية في االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة تعزى لمتغير النوع االجتماعي (الجنس) تبعا للدرجة الكلية والدرجات الجزئية ألبعاد مقياس االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم 3- ھل توجد فروق ذات داللة إحصائية في االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة تعزى لمتغير السن (العمر) تبعا للدرجة الكلية والدرجات الجزئية ألبعاد مقياس االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم
17 ثالثا: أھمية الدراسة: تبرز االتجاھات البيئية واالتجاھات نحو البيئة بأشكالھا المختلفة كمتغيرات رئيسية في دراسات ما صار يعرف في السنوات األخيرة بعلم االجتماع البيئي وتعتبر البحوث التي توجھت إلى دراسة ھذه االتجاھات كھدف رئيسي لھا قليلة في جملتھا لذا تتحدد أھميتھا مشكلة الدراسة الحالية بعدة اعتبارات: 1- اعتبارات نظرية: تكتسي ھذه الدراسة أھميتھا من الناحية النظرية من خالل مجموعة من النقاط الجوھرية والمتمثلة في اآلتي: - أنھا تعالج موضوعا حديثا وھو موضوع االتجاھات البيئية والذي من شأنه أن يسھم بإضافة جديدة في ميدان سوسيولوجيا البيئة أو علم االجتماع البيئي. - كما تكتسي ھذه الدراسة أھمية كبرى ضمن حقل علم اجتماع البيئة على اعتبار أن ھذا األخير يركز في جوھره على عالقة التفاعل الحاصل بين البيئة و اإلنسان أو المجتمع وتعتبر االتجاھات البيئية أحد أھم أوجه ھذا التفاعل. - أن لمفھوم االتجاھات قيمة كبيرة في مجال البحوث النفسية واالجتماعية والتربوية والبيئية بوصفھا وسيلة للتنبؤ بالسلوك كما تعتبر منابع الطاقة الحقيقية الموجھة لسلوك اإلنسان. لذلك فاالتجاھات البيئية تعد من أھم مكونات الخبرة التي تحدد مدى قدرة الفرد على المساھمة في حماية البيئة والمحافظة عليھا وذلك في مختلف النشاطات الحياتية التي يقوم بھا. - كما تبرز أھمية ھذه الدراسة أيضا والتي يحاول فيھا الباحث التعرف على االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة وأھم العوامل المؤثرة فيھا وذلك من منظور اجتماعي حيث أن معظم الدراسات البيئية كان محور اھتمامھا منصبا على البيئة الطبيعية متناسية أثر العوامل االجتماعية والثقافية عليھا وانعكاس أثر ھذه العوامل على السلوك البيئي واالتجاھات االيجابية نحو البيئة لذا جاءت أھمية ھذه الدراسة لسد مثل ھذا
18 النقص وأيضا لما ثبت من عالقة قوية بين المتغيرات االجتماعية والمتغيرات البيئية. - أن ھذا الميدان الجديد للدراسات السوسيولوجية الزالت تعوزه تصورات ونماذج نظرية متقدمة قياسا إلى ما حققه علم االجتماع من تطور في ميادينه األخرى تستخدم كأطر ذات معنى للدراسات فيه. والمعروف أن نشوء ھذا الميدان وحتى تسميته ب "علم االجتماع البيئي" لم تظھر إال حديثا منذ عقد من الزمان تقريبا. اعتبارات منھجية: - ارتباطا بالحاجة إلى تطور التنظير في ھذا الميدان تبرز أيضا مشكلة بناء طرق وأدوات لجمع البيانات تالئم طبيعة البحث فيه ورغم ما يذخر به علم االجتماع من أدواته وتقنياته إال أن البعض قد يعترض على نقلھا إلى ھذا الميدان ويرى ضرورة بناء طرق وأدوات خاصة به. وبالرغم من اختال وجھات النظر بشأن استخدام نظريات علم االجتماع وطرق وأدوات البحث فيه لتطوير ميدان علم االجتماع البيئي فإن ھذا الميدان الناشئ البد وأن يفيد من منجزات العلوم االجتماعية المختلفة سواء بالنسبة للنظرية أو المنھج بما يتالءم "وظيفيا" مع ھذا الميدان. - كذلك من شأن األداة المستخدمة في ھذه الدراسة أن تساعد الباحثين والمھتمين بالقضايا البيئية في التعرف على االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم لدى طلبة الھندسة المعمارية بمختلف الجامعات األخرى. اعتبارات عملية: - تنبع األھمية العملية للبحث من أھمية البيئة في العملية العمرانية ومن أھمية مھنة الھندسة المعمارية في االضطالع بھذا الدور ومن دور المعماري المعد والمؤھل "للحفاظ على البيئة" كعامل وفاعل رئيس في عمليات البناء والتعمير في مختلف جوانبھا. كما يكتسب البحث أھمية خاصة بالنظر إلى -2-3
19 دور االتجاھات البيئية وأھميتھا في نجاح المھندس المعماري في مھنته وأدائه لدوره بحب وحماس ورغبة تدفعه للحفاظ على البيئة لألجيال القادمة. - ومن جوانب األھمية العملية لھذا البحث كونه يأتي في إطار سعي كليات الھندسة المعمارية باألخذ بمبدأ التنمية المستديمة في إعدادھا للمھندسين المعماريين حيث سيمكن ھذه الكليات من تقصي االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية في ظل طروحات العمران المستديم كما سيمكنھا أيضا من تقويم أدائھا في مجال بناء االتجاھات البيئية االيجابية التي تخدم االستدامة العمرانية لدى الطلبة في ھذا الصدد. رابعا: أھداف الدراسة ومبررات اختيارھا: 1- أھداف الدراسة: تھدف ھذه الدراسة إلى ما يلي: - تحديد المحاور أو األبعاد الرئيسية لالتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم. - التعرف على نوع االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة تبعا للدرجة الكلية والدرجات الجزئية ألبعاد مقياس االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم. - التعرف على ما إذا كانت توجد فروق ذات داللة إحصائية في االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة تعزى لمتغير النوع االجتماعي (الجنس) تبعا للدرجة الكلية والدرجات الجزئية ألبعاد مقياس االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم. - التعرف على ما إذا كانت توجد فروق ذات داللة إحصائية في االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة تعزى لمتغير السن (العمر) تبعا للدرجة الكلية والدرجات الجزئية ألبعاد مقياس االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم. - وضع المقترحات والتوصيات في ضوء نتائج الدراسة بحيث يمكن االستفادة منھا في إعداد طلبة الھندسة المعمارية المتفھمين لبيئتھم والمدركين لظروفھا
20 والواعين بما يواجھھا من مشكالت والقادرين على المساھمة االيجابية وعن رغبة وطواعية في الحفاظ على البيئة في مشاريعھم العمرانية المستقبلية. 2- مبررات اختيار موضوع الدراسة: كان وراء اختيارنا لموضوع الدراسة عدة مبررات منھا: - توفره على المقاييس العلمية التي تسمح له بأن يكون موضوع بحث ودراسة. - ألنه موضوع يفرض نفسه بصورة ملحة على اعتبار أن االتجاھات البيئية والبيئة بصفة عامة قضية الساعة خاصة في ظل تصاعد طروحات االستدامة التي تمس جميع مجاالت الحياة. - كما أنه على الرغم من المجھودات المبذولة في كل أنحاء العالم من أجل حماية البيئة من خالل سن القوانين والتشريعات البيئية إال أنه ال يمكن االعتماد عليھا وحدھا لتحقيق ھذا الغرض المرجو منھا إن لم تستند إلى وعي تام وإدراك يصل إلى ضمير اإلنسان ويتحول ھذا الوعي واإلدراك إلى قيم واتجاھات ايجابية تصبح ضوابط للسلوك والممارسات بما يحافظ على النظام البيئي والمكونات البيئية وينظم العالقة بين اإلنسان والبيئة مما يجعل ھذا اإلنسان قادرا على التعايش مع بيئته والعمل على حمايتھا والمحافظة عليھا من منطلق رغبة وطواعية وھو ما سينعكس إيجابا على جميع نشاطاته في الحياة فتأخذ طابعا مستديما بحيث تفي بحاجيات الجيل الحاضر واألجيال القادمة مع ضمان حماية البيئة. - وألن العديد من علماء البيئة يرون أن الحل الجذري لألزمة البيئية الراھنة يتطلب تنمية االتجاھات االيجابية نحو البيئة وتغيير االتجاھات السلبية نحوھا بل أكدوا على أن التغييرات البيئية الحقيقية التي نحن بحاجة إليھا إنما ھي تغيير في االتجاھات البيئية. خامسا: تحديد مفاھيم الدراسة: 1_ مفھوم االتجاھات البيئية: يشكل مفھوم االتجاھات وتعريفھا إحدى اإلشكاليات التي تتباين حولھا وجھات نظر كثيرة من علماء النفس وعلماء االجتماع ال بل حتى بين علماء المجال التخصصي الواحد
21 ويمكن لنا أن نتفھم ھذا التباين في دالالت المفھوم بالنظر إلى التمايز في المنظومات القيمية لدى األفراد والجماعات حيث تكشف القيم عن نفسھا في المواقف واالتجاھات والسلوك 3 اللفظي والفعلي والعواطف التي يكونھا األفراد نحو موضوعات معينة. وتفيد المراجع بأن "ھربرت سبنسر" "H.Spenser" ھو أول من استخدم مفھوم االتجاھات حيث قال في كتابه "المبادئ األولى" principles" "the first عام 1862 م: "إن وصولنا إلى أحكام صحيحة في المسائل الجدلية يعتمد إلى حد كبير على االتجاه الذھني 4 الذي نحمله في أثناء إصغائنا إلى ھذا الجدل أو االشتراك فيه" ويعتبر جوردن آلبورت من أوائل المھتمين بمفھوم االتجاه حيث عرفه "بأنه حالة من التھيؤ والتأھب العقلي العصبي التي تنظمھا الخبرة وتوجه استجابات الفرد نحو عناصر البيئة" وقد أوضح أيضا أن حالة التأھب ھذه قد تكون قصيرة المدى أي لحظية أو تكون 5 بعيدة المدى أي تستمر لزمن طويل. كما يرى كامبل أيضا أن االتجاه االجتماعي لفرد ما ھو الترابط الرصين الستجاباته بالنسبة لمجموعة من المشكالت االجتماعية. فيحدد االتجاه على أساس أنه المفھوم الذي يعبر عن محصلة ويتماشى "برين" مع ھذا التعريف السابق استجابات الفرد نحو موضوع 6 ذي صبغة اجتماعية وذلك من حيث مدى تأييد الفرد لھذا الموضوع أو معارضته له. ونجد في ھذا الصدد أن ثمة مجموعة من الباحثين استخدمت مخططا ثالثيا لالتجاه باعتباره مكون معرفي ووجداني وسلوكي وھذا المنظور لالتجاھات أكثرھا قبوال وشيوعا اليوم. ومن أعضاء ھذه المجموعة "باكمان" حيث اعتبر االتجاه بمثابة تنظيمات معينة 7 لمشاعر فرد ما أو أفكاره واستعداده إلصدار فعل ما نحو جانب من جوانب بيئته. 3 - محمد علي محمد: مفھوم القيم االجتماعية_األسس النظرية والمؤثرات اإلجرائية القاھرة: المرك ز اإلقليم ي للبح وث والتوثيق في العلوم االجتماعية 1982 م ص عبد شمت المجيدل: اتجاھات طلب ة كلي ة التربي ة ف ي ص اللة نح و مھن ة التعل يم_دراس ة ميداني ة المجل ة التربوي ة العدد 81 المجلد 21 الكويت: جامعة الكويت مجلس النشر العلمي 2006 ص السيد فؤاد البھي وعبد الرحمن سعد: علم النفس االجتماعي_رؤية معاصرة سلسلة المراج ع ف ي التربي ة وعل م ال نفس الكتاب التاسع القاھرة: دار الفكر العربي 1999 ص صبحي سيد: تصرفات سلوكية ط 2 المدينة المنورة: مكتبة إبراھيم الحلبي 1988 ص محم د ب ن عليث ة األحم دي: دور عل م ال نفس ف ي تع ديل االتجاھ ات نح و البيئ ة مت اح عل ى:
22 وعلى ذلك يظھر أثر االتجاه في المواقف التي تتطلب من الفرد تحديد اختياراته الشخصية أو االجتماعية أو الثقافية معبرا بذالك عن جماع خبرته الوجدانية والمعرفية والنزوعية. وعلى غرار مفھوم االتجاھات فقد تعددت التعريفات التي حاولت توضيح معنى االتجاه البيئي إذ جاء تعريفه بأنه: "استعداد الشخص الذھني الذي يجعله يسلك سلوكا معينا 8 في المواقف البيئية المختلفة". وعرف أيضا بأنه " الموقف الذي يتخذه الفرد إزاء بيئته من حيث استشعاره لمشكالتھا أو عدم استشعاره واستعداده للمساھمة في حل ھذه المشكالت وتطوير ظروف البيئة على نحو أفضل أو عدم استعداده كذلك موقفه من استغالل الموارد الطبيعية في ھذه البيئة استغالال راشدا كان أم جائرا وموقفه من المعتقدات السائدة فيھا 9 رفضا أو قبوال سلبا أو إيجابا". وفي تعريف آخر جاء أن االتجاه البيئي " مفھوم يصف استجابة الفرد إزاء مشكلة أو موضوع متعلق بالبيئة ويؤثر ھذا المفھوم في قبول الفرد لھذه المشكلة أو ھذا 10 الموضوع". كما ع رف أيضا بأنه " مفھوم يعبر عن محصلة استجابات الفرد نحو موضوع من موضوعات البيئة ذي صبغة اجتماعية وذلك من حيث تأييد الفرد لھذا 11 الموضوع أو معارضته له". وعرفه آخرون على" أنه مفھوم يعبر عن استجابة قبول أو رفض من جانب الفرد إزاء قضية بيئية 12 " كما جاء أيضا في تعريف آخر على أنه " الموقف الذي يتخذه الفرد أو االستجابة 13 التي يبديھا إزاء قضية من قضايا البيئة إما بالقبول والموافقة أو بالرفض والمعارضة" وباستعراض ما تضمنته التعريفات السابقة يالحظ أنھا تناولت االتجاه البيئي من حيث مظاھره وليس دوافعه لذا فقد أطلق على المظاھر السلوكية للفرد نحو المواقف البيئية 8 - المرجع نفسه. 9 - سحر عبد الرحمن لبيب: فاعلية استخدام مدخل الوس ائط المتع ددة ف ي تنمي ة المف اھيم واالتجاھ ات البيئي ة ل دى ط الب الحلقة الثانية من التعليم األساسي رسالة ماجستير غير منشورة مصر: جامعة عين الشمس معھ د الدراس ات والبح وث البيئية قسم التربية والثقافة 2003 ص محم د ص الح ال دين عب د م دكور: تط وير بع ض الب رامج البيئي ة ف ي التلفزي ون المص ري وت أثيره عل ى تنمي ة االتجاھات البيئية للمشاھد رسالة دكتوراه غير منش ورة مص ر: جامع ة ع ين ش مس معھ د الدراس ات والبح وث البيئي ة قسم التربية والثقافة 1999 ص طلعت منصور غب : دراسات تجريبية ف ي االتجاھ ات النفس ية نح و البيئ ة ف ي الكوي ت مجل ة العل وم االجتماعي ة العدد 2 المجلد 13 الكويت: مجلس النشر العلمي_جامعة الكويت 1985 ص سحر عبد الرحمن لبيب: فاعلية استخدام مدخل الوسائط المتعددة في تنمية المفاھيم واالتجاھ ات البيئي ة ل دى ط الب الحلقة الثانية من التعليم األساسي مرجع سابق ص المرجع نفسه ص 46.
23 أنه مفھوم يصف استجابة الفرد من حيث ايجابية االتجاه أو سلبيته ولم يتعرض للدوافع التي أدت إلى المظاھر السلوكية. وفي تعريف آخر جاء أن االتجاھات البيئية تبدأ عادة على شكل نزعات جزئية ال تلبث أن تتآلف وتترابط وتتماسك في شكل اتجاھات واضحة. وھذا يؤكد أن االتجاھات البيئية مكتسبة ومتعلمة عن طريق تكرار اتصال الفرد بموضوع االتجاه في مواقف تثير في 14 نفسه خبرات سابقة. ويتضح من التعريف السابق أنه تناول الدوافع التي تؤدي إلى السلوك الظاھر وأن االتجاھات البيئية مكتسبة ومتعلمة وأن تكرار اتصال الفرد بموضوع االتجاه تثير في النفس خبرات ما. لذلك ع رف االتجاه البيئي على أنه " الموقف الذي يتخذه الفرد أو االستجابة التي يبديھا إزاء مشكلة أو قضية بيئية إما بالقبول والموافقة أو بالرفض والمعارضة نتيجة 15 مروره بخبرة معينة تتعلق بتلك المشكلة أو القضية". أو على أنه: "محصلة استجابات الفرد التي يبديھا إزاء مشكلة أو قضية بيئية وذلك إما بالقبول أو الرفض نتيجة مروره 16 بخبرة معينة تتعلق بتلك المشكلة أو القضية". كما ع رفت االتجاھات البيئية على ھذا األساس بأنھا " حالة مكتسبة من االستعداد العقلي تنظم من خالل المعلومات والخبرة وذلك لالستجابة بطريقة ثابتة نسبيا نحو موضوع من موضوعات البيئة المحيطة من حيث تأييد الفرد لھذا الموضوع أو معارضته 17 له" كما ورد أيضا في تعريف آخر أن االتجاھات البيئية ھي " محصلة خبرات ومعارف ومحكات ومفاھيم بيئية مكتسبة كانت أو متعلمة بالوسائل المختلفة واإلمكانات المتاحة تخلق في عقل ووجدان الفرد قناعة ما تظھر في استجابة الفرد سلبا أو إيجابا تجاه القضايا 18 البيئية". - محم د ص الح ال دين عب د م دكور: تط وير بع ض الب رامج البيئي ة ف ي التلفزي ون المص ري وت أثيره عل ى تنمي ة االتجاھات البيئية للمشاھد مرجع سابق ص سحر عبد الرحمن لبيب: فاعلية استخدام مدخل الوسائط المتعددة في تنمي ة المف اھيم واالتجاھ ات البيئي ة ل دى ط الب الحلقة الثانية من التعليم األساسي مرجع سابق ص محمد بن عليثة األحمدي: دور علم النفس في تعديل االتجاھات نحو البيئة مرجع سابق صالح بن محمد الصغير: بعض المحددات االجتماعي ة والثقافي ة والديموغرافي ة لمس توى االتجاھ ات البيئي ة- دراس ة تحليلية مطبقة على طلبة جامعة الملك سعود بالرياض مجلة جامعة الملك سعود م 11 اآلداب ص محم د ص الح ال دين عب د م دكور: تط وير بع ض الب رامج البيئي ة ف ي التلفزي ون المص ري وت أثيره عل ى تنمي ة االتجاھات البيئية للمشاھد مرجع سابق ص
24 وجاء في تعريف آخر أكثر شمولية ودقة أن االتجاھات البيئية ھي " محصلة المفاھيم والمعلومات البيئية لدى الفرد التي اكتسبھا وتعلمھا بالوسائل المختلفة وترسخت في وجدانه وتنعكس على مشاعره وانفعاالته وتظھر في سلوكه وتعبيراته واستجابته نحو 19 الموضوعات والقضايا البيئية وتتميز بالقابلية للتنمية والتعديل". وبالرجوع إلى التعريفات والمفاھيم السابقة عن االتجاه بصفة عامة واالتجاه البيئي نجد أنھما متفقان في كونھما يتضمنان الجانب العقلي والجانب العاطفي من حيث الرفض أو القبول الحب أو الكراھية اإليجابية أو السلبية أنھما محصلة خبرات مكتسبة أو متعلمة وبذلك تكون قابلة للتغيير فال اختالف فيما بين االتجاه بصفة عامة واالتجاه البيئي سوى أن االتجاه البيئي محدد تجاه القضايا البيئية. وفي ضوء ما سبق يمكننا تحديد المفھوم اإلجرائي لالتجاه البيئي بأنه: "مفھوم يصف استجابة الفرد إزاء مشكلة من مشكالت البيئة وي ؤثر في قبول أوعدم قبول الفرد لھذه المشكلة وھي مجموع استجابات الفرد على مقياس االتجاھات البيئية". 2_ مفھوم التنمية المستديمة: االستدامة مصطلح حديث انتقل إلى اللغة العربية من المصطلح اإلنجليزي "Sustainability" وقد جرت عادة المصادر العربية على استعمال مصطلح مستدام لوصف األشياء واألمور التي تتعلق باالستدامة وذلك ألن قواميس الترجمة من اللغة اإلنجليزية إلى العربية تترجم Sustainable إلى مستدام. غير أن ترجمة Sustainable إلى مستدام تحتاج إلى تمحيص وعند التأصيل اللغوي لكلمة البد من البحث في أصل مادتھا ومعناھا وكذلك في بنيتھا النحوية. _1_2 األصل والمعنى اللغوي للتنمية المستديمة: بالرجوع إلى المعنى اللغوي الذي ھو المدخل الرئيس الذي يساعد على سبر أغوار ھذا المفھوم ويساعد في تحديد المعنى االصطالحي الدقيق الذي على أساسه يتم فھم المصطلح ففي اللغة العربية جاء الفعل استدام الذي جذره "دوم" لمعان متعددة منھا: 20 التأني في الشيء وطلب دوامه والمواظبة عليه محمد بن عليثة األحمدي: دور علم النفس في تعديل االتجاھات نحو البيئة مرجع سابق. - ابن منظور: لسان العرب المجلد الثاني بيروت: دار صادر للطباعة والنشر 1997 ص 432.
25 فمادة استدام ھي دوم. ودام الشيء ويدام دوما ودواما وديمومة أي استمر. ودام الشيء أي سكن واستقر وبزيادة األلف والسين والتاء على دام يصبح استدام على وزن استفعل وأھم المعاني التي يشير إليھا ھذا الوزن ھي الطلب والقصد واستدام األمر أي ترفق به وتمھل واستدام عاقبة األمر أي انتظر ما يكون من عاقبته. أما معناھا في اللغة اإلنجليزية فيؤخذ من الفعل " Sustain " To والذي معناه: to provide, to Continue, to maintain, to experience, to hold up, to support, to bear, to keep. 21 وھذا يعني في اللغة العربية: يواصل يحفظ االستمرار ويدعم الحياة. ي مد يستمر يحافظ ي خبر ي مسك يدعم يتحمل واستنادا إلى القاعدة النحوية التي تقول بأن مصدر الفعل غير الثالثي الذي أوله ھمزة يكون على وزن الماضي مع كسر ثالثه وزيادة ألف قبل آخره. فإنه يكون مصدر استدام ھو استدامة. أما مستدام ومستدامة بفتح الدال فيمثالن اسم المفعول على وزن مستفعل بفتح العين أما اسم الفاعل فھو مستديم ومستديمة ومعلوم أن اسم الفاعل يشتق من الفعل المبني للمعلوم للداللة على من فعل الفعل على وجه الحدوث أما اسم المفعول فيشتق من الفعل المبني للمجھول للداللة على من يقع عليه الفعل. وقد جاء في لسان العرب أن الجوھري قد أنشد للمجنون قيس بن معاذ يقول: وإني على ليلى لزار وإنني على ذاك فيما بيننا م ست ديم ھا أي منتظر أن ت عتبني بخير. كما أنشد ابن خالويه في مستديم بمعنى م نتظر يقول: ترى الشعراء من صعق مصابا كما أنشد أيضا لقيس بن زھير يقول: فال تعجل بأمرك واستدمه وتصلية العصا: 22 أمرھا كالتأني. بصكته وآخر م ست ديم ھا فما صلى عصاك كم ستديم إدارتھا على النار لتستقيم واستدامتھا: التأني فيھا أي ما أح ك م 21 _ Sally Wehmeimer et al: Oxford Advenced Learner's Dictionary, 6th edition, Oxford: Oxford University Press, 2000, p1548. _ ابن منظور: لسان العرب مرجع سابق ص
26 ھذا من جانب ومن جانب آخر فإننا بالرجوع إلى قواعد اللغة اإلنجليزية نرى أنه وبالرغم من أن كال من الكلمتين "Sustainable" و" Sustained " يمثالن نعتا أوصفة "adjective" من الفعل "Sustain" فإن األولى تشير إلى وجود القدرة الذاتية على الفعل وتمتلك صفة اسم الفاعل أما الثانية فتشير إلى وجود أثر الفعل وتمتلك صفة اسم المفعول والفرق كبير في المعنى بين االثنين في قواميس اللغة اإلنجليزية. ونستخلص مما سبق أن المصطلح العربي األصح في مقابلة المصطلح اإلنجليزي "Sustainable" ھو "مستديم" أي الذي يمتلك في ذاته صفة االستمرار والدوام والتمھل والنظر في عاقبة األمر وكل ھذه المعاني من أھم الخصائص التي يقوم عليھا مفھوم 23 االستدامة. وعليه يكون مصطلح التنمية المستديمة "صيغة اسم الفاعل" ھي أكثر دقة من مصطلح التنمية المستدامة "صيغة اسم المفعول" وذلك من منظور ما يعكسه المعنى اللغوي في كال الحالتين ألن اسم الفاعل بنية صرفية تدل على الحدث ومحدث الحدث فحين نصف التنمية بأنھا مستديمة فقد جعلنا ديمومة التنمية راجعة إلى قوى دفع ذاتي نابعة من التنمية ذاتھا فھي محدثة االستدامة بينما صيغة اسم المفعول "المستدامة" تدل على الحدث ومن وقع عليه الحدث. 24 ھنا وقع عليھا حدث اإلدامة من الخارج. وھذا يعني أن ديمومة التنمية راجعة إلى قوى خارجية ألن التنمية فالتنمية المستدامة ھي تلك التنمية التي يديم استمراريتھا الناس أو السكان أما التنمية المستديمة فھي التنمية المستمرة أو المتواصلة بشكل تلقائي غير متكلف وفي العديد من الدراسات العربية المتخصصة استخدم المصطلحان مترادفين فبعضھم قال بالتنمية 25 المستدامة وبعضھم اآلخر يقول بالتنمية المستديمة كترجمة للمصطلح اإلنجليزي "Sustainable Development" واستخدام مصطلح التنمية المستدامة أي المستمرة ال يقدم شيئا جديدا في ھذا المجال على اعتبار أن عملية التنمية_ التي تعكس البحث عن األفضل_ ھي عملية مستمرة - عبد ال رحمن عب د الھ ادي محم د: التخط يط العمران ي المس تديم (.amohamed@mail.iugaza.edu) مت اح عل ى: عثمان محمد غنيم وماجدة أحم د أب و زن ط: التنمي ة المس تديمة_فلس فتھا وأس اليب تخطيطھ ا وأدوات قياس ھا عم ان: األردن دار صفاء للنشر والتوزيع 2007 ص المرجع نفسه ص
27 بطبيعتھا ألن البحث عن األفضل ھو جزء من التكوين التنظيمي للفرد وللجماعة وللمجتمع. وعلى صعيد آخر فإن واضعي مصطلح " Development "Sustainable قالوا بوجود الكثير من المشكالت االقتصادية واالجتماعية والبيئية في عالمنا المعاصر التي أصبحت تحول دون استمرارية عملية التنمية وبالتالي ال بد من قوى دفع ذاتي تديم ھذه العملية وفق آلية معينة وبناء على ذلك يمكننا القول بأن مصطلح التنمية المستدامة يعكس فقط مبدأ استمرارية عملية التنمية بينما يشتمل مصطلح التنمية المستديمة على مبدأ االستمرارية ويشير بشكل واضح إلى قوى الدفع الذاتي لھذه التنمية والتي تضمن استمراريتھا ونعني بذلك الجھود اإلنسانية المتمثلة في المشاركة الشعبية من جھة واالعتماد 26 على الذات في كل جانب من جوانب عملية التنمية من جھة أخرى. _2_2 المعنى االصطالحي للتنمية المستديمة: بدأ تداول مصطلح االستدامة ألول مرة لدى حراس الغابات األلمان وكان األلماني: "Hans carl von carlowitz" أول من استعمل مفھوم االستدامة عام استعملھا بعده العلماء البريطانيون والفرنسيون في علم الغابات: 1712 ثم "Sustainable yield foresty" وذلك لإلشارة إلى أن االستمرار في قطع أشجار الغابات سيؤدي في النھاية إلى 27 عدم وجود غابات لقطع أشجارھا. أما المفھوم الحديث لالستدامة فقد ظھر بعد الحرب العالمية الثانية عندما ظھرت محاوالت إلعادة صياغة معنى النمو االقتصادي ليصبح االھتمام أكثر بالعالقة المتينة بين التطور االقتصادي وجودة المعيشة وفي ستينات القرن الماضي ازداد االھتمام بمفاھيم االستدامة بشدة مع ظھور الحركات البيئية وظھور كتب تتبنى المفھوم مثل كتاب: "الربيع الصامت" Spring" "Silent لكاتبته "راكال كارسون" " Carson "Rachel سنة 1962 وكتاب: "التخطيط العمراني المستديم" " لكاتبه: "بول إيرليش" " "Sustainable Urban Planing "Pual Ehrlich سنة ولقد ظھر المفھوم الحديث لالستدامة بصيغته المعاصرة فصار ي عرف بمفھوم "التنمية المستديمة"- حينما ر بط بمفھوم التنمية في ثمانينات القرن الماضي أوال في أوربا ثم في - عثمان محمد غنيم وماجدة أحمد أب و زن ط: التنمي ة المس تديمة_فلس فتھا وأس اليب تخطيطھ ا وأدوات قياس ھا مرج ع سابق ص عبد الرحمن عبد الھادي محمد: التخطيط العمراني المستديم مرجع سابق عبد الرحمن عبد الھادي محمد: التخطيط العمراني المستديم مرجع سابق. 26
28 أمريكا الشمالية بعد ذلك. وقد مثل في بدايته ردة فعل للنخب الثقافية واالقتصادية على السلبيات الخطيرة التي أخذت تتراكم بسبب السياسات االقتصادية الرأسمالية في الدول الغربية منذ بدايات القرن العشرين. ثم بدأ المفھوم ينتشر ويتوسع استخدامه من قبل الحكومات والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية والتي من أشھرھا منظمة األمم المتحدة ولجانھا المختصة التي نظمت ودعمت وساھمت في فعاليات كثيرة من أجل التوعية باالستدامة وحث الدول والمجتمعات والمؤسسات على األخذ بھا وتطبيق قواعدھا. ومع الكم الكبير من الكتابات والمؤلفات والنشرات ومواقع االنترنت التي تتناول مفھوم التنمية المستديمة ي صبح من الصعب العثور على تعريف شامل وكامل لھا ضمن إطار إنساني عالمي موحد إذ تختلف ھذه التعريفات ل"التنمية المستديمة" باختالف طبيعة الجھات ذات العالقة بھا فتارة يكون التركيز على البيئة وتارة على االقتصاد وتارة على المجتمع. والبد لذلك من المرور السريع على بعض الخروج بتعريف أكثر دقة وشمولية. ففي عام التعريفات المتداولة ومن ثم محاولة 1980 و ضعت المحاولة الحقيقية األولى لتعريف التنمية المستديمة في اإلستراتيجية العالمية للحفاظ على البيئة والتي أوضحت ضرورة التكامل بين قيم الحفاظ على البيئة وعملية التنمية وأشارت إلى أنه "حتى تصبح التنمية مستديمة البد أن تأخذ في اعتبارھا العوامل البيئية واالجتماعية واالقتصادية كذلك وقاعدة الموارد الناضبة 29 والمتجددة." تالند" وفي عام 1987 نشرت اللجنة العالمية للبيئة والتنمية والمعروفة بلجنة "بروند "Brund tland" في تقريرھا "مستقبلنا المشترك" "Our common future" تعريفا للتنمية المستديمة بأنھا: "ھي التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون اإلخالل 30 بقدرة األجيال المقبلة على تلبية احتياجاتھا". وقد لقي ھذا التعريف تأييدا ورواجا كبيرا - عال محمد الخواجة: العولمة والتنمية المستدامة في: مصطفى طلبه (مح رر): الموس وعة العربي ة للمعرف ة م ن أج ل التنمي ة المس تدامة المجل د األول "مقدم ة عام ة" المنس ق الع ام للموس وعة: الي اس بيض ون بي روت: ال دار العربي ة للعلوم_ناشرون 2006 ص Pardy Bruce: Sustainable Development, In search of A legal Rule, Journal of Business Administration and Policy Analysis, 1999, p
29 وھو ما منح مفھوم التنمية المستديمة شعبية واسعة ومھد الطريق أمام تبنيه بإجماع دولي منقطع النظير. إال أن ھذا المفھوم قد ع رف وف ھم وط بق بطرق مختلفة جدا مما تسبب في درجة عالية من الغموض حول معنى المفھوم. وبريزيد" Prasad" "Fowke & 31 متنافسا وأحيانا متناقضا لمفھوم التنمية المستديمة. ويشار في ھذا السياق إلى أن "فوك قد أوردا أكثر من ثمانين تعريفا مختلفا وفي الغالب لذلك فقد تضمن التقرير الصادر عن معھد الموارد العالمية حصر عشرين تعريفا واسعة التداول للتنمية المستديمة وقد قسم التقرير ھذه التعريفات إلى أربع مجموعات: اقتصادية وبيئية واجتماعية وتكنولوجية. فاقتصاديا تعني التنمية المستديمة للدول المتقدمة إجراء خفض في استھالك الطاقة والموارد أما بالنسبة للدول المتخلفة فھي تعني توظيف الموارد من أجل رفع مستوى المعيشة والحد من الفقر. وعلى الصعيد االجتماعي واإلنساني فإنھا تعني السعي من أجل استقرار النمو السكاني ورفع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية خاصة في الريف. أما على الصعيد البيئي فھي تعني حماية الموارد الطبيعية واالستخدام األمثل لألرض الزراعية والموارد البيئية. وأخيرا فھي تعني على الصعيد التكنولوجي نقل المجتمع إلى عصر الصناعات النظيفة التي تستخدم تكنولوجيا منظفة للبيئة وتنتج الحد األدنى من الغازات الملوثة والحابسة للحرارة والضارة باألوزون. ومع أنه يمكن تعريف التنمية المستديمة وفقا لكل مجال من تلك المجاالت منفردا إال أن أھمية المفھوم تكمن تحديدا في العالقات المتداخلة بين تلك المجاالت. فالتنمية االجتماعية المستديمة تھدف إلى التأثير على تطور الناس والمجتمعات بطريقة تضمن من خاللھا تحقيق العدالة وتحسين ظروف المعيشة والصحة. أما في التنمية البيئية المستديمة فيكون الھدف األساس ھو حماية األنساق الطبيعية والمحافظة على الموارد الطبيعية. أما محور _ عبد بن جمع ان الغام دي: التنمي ة المس تديمة ب ين الح ق ف ي اس تغالل الم وارد الطبيعي ة والمس ئولية ع ن حماي ة البيئة ajghamdi@gmail.com () متاح على: 31
30 اھتمام التنمية االقتصادية المستديمة فيتمثل في تطوير البنى االقتصادية فضال عن اإلدارة 32 الكفؤة للموارد الطبيعية واالجتماعية. والتنمية المستديمة في ضوء ذلك ھي التنمية التي تحقق التوازن بين النظام البيئي واالقتصادي واالجتماعي وتساھم في تحقيق أقصى قدر من النمو في كل نظام من ھذه األنظمة 33 الثالثة دون أن يؤثر التطور في أي نظام على األنظمة األخرى تأثيرا سلبيا. ولكي نمسك بزمام نطاق التعريفات المتنوعة والمتنافسة للتنمية المستديمة فمن الضروري وقبل كل شيء أن نعترف بأن نقطة البداية لكثير من أدبيات التنمية المستديمة ولو أنھا في الغالب ضمنية بدال من أن تكون صريحة البيئي" تتمثل في ما يطلق عليه "التناقض Paradoxy" "Environmental ألن ھذا يعني بالنسبة لجميع المھتمين بالتنمية المستديمة تقريبا أن ھناك تناقض بين ما ھو مطلوب من األرض وبين ما يمكن لألرض أن تقدمه. كذلك لكي نطور مفھوما متفقا عليه للتنمية المستديمة فإنه يجب أن يكون ھناك فھما مشتركا للشيء المراد استدامته فكما الحظنا فيما سبق كان التركيز على استدامة المجتمع اإلنساني على األرض. لكن أي مجتمع إنساني واإلجابة طبقا لتقرير "بروندتالند" تعني ذلك المجتمع اإلنساني القادر على اإليفاء باحتياجاته إال أن تلك االحتياجات يمكن أن تفھم 34 بطرق مختلفة. ومن ثم يمكن القول أن المشكلة األكثر وضوحا في ھذا المجال تتمثل في التنامي المفرط للنشاطات اإلنسانية الستغالل موارد الطبيعة في مقابل القدرة المحدودة لألنساق الحيوية الطبيعية لإليفاء بتلك النشاطات. ولذا فإن أحد أفضل التعريفات العملية المالئمة "للتنمية المستديمة" يمكن أن تتمثل في "تحقيق الحد األعلى من الكفاءة االقتصادية للنشاط اإلنساني ضمن حدود ما ھو متاح من الموارد المتجددة وقدرة األنساق الحيوية الطبيعية على استيعابه مع ربطھا باحتياجات الجيل الحالي واألجيال القادمة بشرط أن تكون تلك االحتياجات مما ال يلحق تھديدا جديا بالعمليات الطبيعية والمادية والكيميائية والحيوية". 33 _ عبد بن جمعان الغامدي: التنمية المستديمة بين الحق في استغالل الموارد الطبيعية والمسئولية عن حماية البيئة مرجع سابق. _ محمد صالح الشيخ: اآلثار االقتص ادية والمالي ة لتل وث البيئ ة ووس ائل الحماي ة منھ ا اإلس كندرية: مكتب ة ومطبع ة 32 اإلشعاع الفنية 2002 ص 94. _ عبد بن جمعان الغامدي: التنمية المستديمة بين الحق في استغالل الموارد الطبيعية والمسئولية عن حماية البيئة مرجع سابق. 34
31 أي أن ھناك قيدا مزدوجا على التنمية المستديمة: يرتبط جانب منه بأداء العمليات الطبيعية أما اآلخر فيتعلق باإليفاء باالحتياجات الموضوعية فضال عن االحتياجات اإلنسانية الحالية والمستقبلية كلما كان ذلك ممكنا. ولتحقيق ھذا األمر فإنه البد من العمل على تعظيم إنتاجية الموارد من جھة وتقليص العبء الذي تتحمله البيئة (سواء من حيث الموارد أو الطاقة) من 35 جھة أخرى. ولذا فإن التنمية المستديمة ھي فلسفة برؤية جديدة للبحث عن بناءات اجتماعية ونشاطات اقتصادية وأنماط إنتاجية واستھالكية وتقنيات تعمل على استدامة البيئة وتمكين الجيل الحالي وتحسين حياته وضمان حياة مالئمة لألجيال القادمة. ولتحقيق ذلك ال بد من إعادة صياغة النشاطات الحالية أو ابتكار أخرى جديدة ثم العمل على دمجھا في البيئة القائمة لخلق تنمية مستديمة على أن تكون مقبولة ثقافيا وممكنة اقتصاديا ومالئمة بيئيا وقابلة للتطبيق سياسيا وعادلة اجتماعيا. وعليه فالتنمية المستديمة مفھوم أو طرح حضاري جديد يمس جميع نشاطات الحياة وجوانبھا البيئية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية...الخ ويراعي ضرورة التوفيق في العالقة بين اإلنسان والبيئة ويديم استمرارية التنمية مع المحافظة على البيئة. 3_ مفھوم العمران المستديم: 3_1_ مفھوم العمران: بالرجوع إلى المعنى اللغوي لكلمة "عمران" نجد أنه قد جاء في لسان العرب: ع م ر الرجل ماله وبيته ي عم ره ع مارة وع مورا وعمران ا أي ل ز مه. والم ع م ر ھو المنزل الواسع من 36 جھة الماء والكأل. وحسب منجد اللغة والعمران واإلعالم "العمران" ھو: 37 يعمر به المكان وتحسن حاله من كثرة األھالي ونجح األعمال والتمدن. البنيان اسم لما والمقصود باصطالح العمران ھو االيكولوجيا البشرية أو علم التبيؤ البشري ومعناه تكيف الناس مع البيئة البشرية التي يوجدون فيھا وقد وضع اصطالح العالم "ايكولوجيا" _ عبد بن جمعان الغامدي: التنمية المستديمة بين الحق في استغالل الموارد الطبيعية والمسئولية عن حماية البيئة مرجع سابق. 35 _ ابن منظور: لسان العرب مرجع سابق ص _ ميمونة مناصرية: التحول الديمغرافي وآثاره ف ي التش وه العمران ي دراس ة تطبيقي ة لح ي العالي ة الش مالية رس الة ماجستير غير منشورة الجزائر: جامع ة بس كرة كلي ة العل وم اإلنس انية واالجتماعي ة قس م عل م االجتم اع 2004/2003 ص
32 البيولوجي "ايرنست ھيڤل" سنة 1968 م حيث اشتقه من الكلمة اليونانية "oikos" والتي معناھا منزل أو سكن أو مسكن وتعني الكلمة أيضا الناس الذين يقطنون في المنزل أو ينزلون في السكن أو يقيمون في المسكن ونشاطھم اليومي للمحافظة عليه وتدبيره. ولم يأبه كثير من الباحثين أول األمر بالدراسة االيكولوجية في السنوات العشرة التالية لكتابات ھيڤل ولكن لم يمض زمن طويل حتى ازداد االھتمام بدراسة العالقات المتبادلة بين الكائنات الحية وبيئاتھا حتى أصبح يوجد ثالثة فروع للدراسة االيكولوجية وھي: االيكولوجيا الحيوانية وااليكولوجيا النباتية وااليكولوجيا البشرية أو العمران الذي لم يحظ باھتمام يذكر إال بعد الحرب العالمية األولى على عكس التقدم الذي شھدته كل من 38 األيكولوجيا الحيوانية والنباتية. والعمران بمفھوم شامل يمكن تناوله من منظورين: أحدھم يرى العمران " نتيجة " واآلخر يراه " وسيلة " فاالتجاه األول في تناول العمران يجعله ھو نتيجة تفاعل ذكاء اإلنسان مع البيئة الطبيعية في استيفاء حاجاته المادية والروحية. أما االتجاه الثاني فيتناول العمران باعتباره أداة المجتمع ووسيلته لصياغة وتجديد مفاھيمه األساسية وشحذ طاقات أفراده اإلبداعية وھذا المفھوم يعترف بالقوة الكامنة في العمران وقدرته في التأثير علي المجتمع وتنميته والتعبير عن ھويته. البيئة والعمران في أي منطقة أو بيئة ما يتطلب نمطا معينا يتفق وطبيعة ھذه المنطقة أو وينھض على أساس فلسفة ابن خلدون في العمران تلك الفلسفة التي تقوم على تقسيم العمران إلى نمطين "بدوي وحضري" بناء على عالقة اإلنسان بالطبيعة. ففي حالة النمط البدوي تكون عالقة اإلنسان بالطبيعة ھي عالقة استعمال وليست عالقة تحويل فنشاط اإلنسان يؤدي إلى تلبية الحاجات البسيطة فقط نتيجة للضعف في الموارد وھكذا فيجب أن يكون نمط العمران بدوي أما في حالة النمط الحضري للعمران تكون العالقة بين البشر والطبيعة عالقة تحويل الطبيعة بفضل العمل لتلبية كافة االحتياجات. كما أن العمران البدوي يمتاز بسيادة المصلحة المشتركة بين اإلنسان والطبيعة بينما في العمران الحضري تطغى المصالح الخاصة لإلنسان مما يتسبب في ظلمه للطبيعة والجور عليھا مما يفسد االتزان 38 _ حسن الساعاتي: التصنيع والعمران بيروت: دار النھضة العربية 1980 ص 32.
33 البيئي فيؤدى إلى ظلم الطبيعة لإلنسان باإلضافة إلى ظلم اإلنسان لنفسه عن طريق ظلمه لألجيال المستقبلية. 2_3 _مفھوم العمارة: جعله آھال. م ع م ور. العمارة لغة مصدر لفعل عمر. يقال: ع م ر بك منزلك يعمره عمارة وأع م ره أي ومكان عام ر أي ذو ع مارة. وع م ر ت الخراب أ ع م ره ع مارة فھو عام ر أي 39 والم ع م ور ھو المخدوم والع م ار ة ھي ما ي ع م ر به المكان. وعمر المنزل جعله آھال وعمر الرجل بيته لزمه والعمارة ھنا ال تعني البناء فقط بل تتضمن االرتقاء والمالزمة أيضا ومن ھنا يمكن أن نعرف العمارة بالبناء المأھول وھذا ما يعطيھا بعدا 40 إنسانيا. اإلنساني والبعد المقصود ھو كل ما يتعل ق بالعالقة بين اإلنسان والمكان بھدف تحقيق االنسجام الفكري والحسي والوظيفي وأيضا بني ة التغيير االيجابي أو المرغوب حسب ما ھو ممكن ومتاح. فھذا التعريف يترتب عليه فھم تأثر السلوك اإلنساني بالمكان أو البيئة المحيطة وھو ما يتعل ق بعمليات اإلدراك وتلم س المعنى وردود الفعل النفسية ثم االستجابة الحركية واإلنتفاعي ة وذلك وفقا إلمكانات البيئة أو المكان وبما يتماشى ودوافع اإلنسان وينسجم مع توق عاته أو الصور الراسخة في ذھنه والتي ال ي فھم محتواھا إال في نطاق العلوم اإلنسانية المختلفة كعلم النفس وعلم االجتماع واألنثروبولوجيا والدراسات الثقافية والحضارية. 41 لذلك ت عرف العمارة كونھا نتاج التدخل الواعي في نظام الطبيعة كما تعرف أيضا بأنھا تشكيل وظيفي يؤدي أغراضا إنسانية ومتطلبات حياتية بوسائل مكانية ومادية وبارتباط وثيق بحياة المجتمع وزمانه لذا فإنھا تخضع للمؤثرات الحضارية والزمانية واالجتماعية واالقتصادية إضافة إلى خضوعھا لعوامل طبيعية ومناخية. ومن ناحية أخرى فإن العمارة ھي ذلك الفن الذي يتخذ المادة ركيزة والفعل والخيال وسيلة لإلنتاج وإنتاجه _ ابن منظور: لسان العرب مرجع سابق ص _ عبد الرحيم غالب: موسوعة العمارة اإلسالمية عربي_فرنسي_انجليزي بيروت (بدون ناشر) ص _ محمد أحم د الح دأ: الطبيع ة ودورھ ا المباش ر وغي ر المباش ر ف ي العم ارة ش كال ومض مونا مجل ة الباح ث الج امعي العدد: 14 اليمن: جامعة إب 2007 ص
34 ھو ذلك المحيط البيئي الذي ي وجده اإلنسان ليمارس فيه نشاطاته الحياتية والروحية ضمن 42 جدران وأسقف تفصله عن مؤثرات الطبيعة غير المرغوب فيھا. فالمباني التي ھي النتاج األساسي لفن العمارة تقي اإلنسان من تقلبات الجو وتوفر له المناخ المالئم الستمرارية حياته وفعالياته فيھا فھي تنطوي على مضمون أو غاية نفعية تعبر عن مالمح الحياة االجتماعية ومدى تطورھا المادي والروحي فإذا لم تلب العمارة حاجات اإلنسان الحياتية مادية كانت أم روحية فھي فاشلة لذا يجب التعرف أوال على 43 الغاية ثم ي ختار الشكل واألسلوب للحل المعماري لتوفير تلك الغاية والعمارة أداة فنية شاخصة تعكس من خيال م نش ئاتھا مستويات وحاجات المجتمع لذا فھي ليست أشكاال مرئية نابعة من وعي فني فردي للمعماري فقط وإنما تعبر عن مفھوم المحيط االجتماعي وظروفه وبذلك تكون سجال واضحا وراسخا لحضارة ذلك 44 المجتمع. إن اختالف الحضارات والبيئات االجتماعية يعطي العمارة خصوصيتھا وإن نوعية األبنية وطرزھا وكذلك تخطيطات المدن تمثل التراث المعماري لألمة وبذلك يمكن تحديد موقعھا القومي والحضاري بين األمم. وإن اإلبداعات واالنجازات المعمارية في إنشاء المباني والوحدات المعمارية المرتبطة بأحداث وطنية وتاريخية تمثل الوجه الواضح للحضارة وتكون السجل الحضاري إلى جانب التراث في الثقافة. إن اإلنتاج اإلبداعي في العمارة يتطلع إلى المستقبل إضافة إلى توفير الحاجة االجتماعية اآلنية وھذا ما يجعلھا 45 عامال مؤثرا في المجتمع ووساطة للتقدم الحضاري. من خالل ما تقدم نستنتج أن العمارة علما وفنا تستند إلى العديد من المفاھيم الفلسفية والنفسية واالجتماعية والبيئية واللغوية لتكون عامل تأثير إيجابي في المجتمع ووساطة للتقدم الحضاري وأداة إلبراز الوجه الحضاري لألمة بكل ما تتضمنه من خصوصيات تعبر عن كيانھا وجوانبھا. ومازلنا نحتفظ بذاكرتنا أن الحضارات واألمم التي ظلت ترتقي في سجل الزمن منذ آالف السنين عبرت عن نفسھا بكل عمق ومسؤولية من خالل تراثھا 42 _ الحارث عبد الحميد حسن: اللغة السيكولوجية في العمارة المدخل في عل م ال نفس المعم اري دمش ق: دار ص فحات للدراسات والنشر 2007 ص 23. _ المرجع نفسه ص _ المرجع نفسه ص 24. _ الحارث عبد الحميد حسن: اللغة السيكولوجية في العمارة مرجع سابق ص
35 المعماري العريق الذي ظل شامخا عبر الزمان والمكان ليروي لنا قصة ھذه الحضارة أو تلك وما تنطوي عليه من إبداع وابتكار وفعل خالق واألمثلة كثيرة في ذاكرة التاريخ لحضارة وادي الرافدين وحضارة وادي النيل وحضارة العرب المسلمين فضال على 46 الحضارات العالمية األخرى مثل الصينية والھندوسية واليونانية وغيرھا. ويمكن القول أن العمارة ھي محصلة المساعي اإلنسانية الھادفة إلى تحقيق التوازن مع النظام الموجود في الطبيعة أو ھي محصلة المساعي اإلنسانية إلضفاء النظام على 47 بيئتنا العمرانية بوصفھا نوعا من المعادلة والموازنة اإلنسانية للنظام الموجود في الطبيعة وتذھب العمارة في تعاملھا مع الطبيعة إلى أبعد من المحددات البيولوجية التي كانت أساس تعامل اإلنسان البدائي مع الطبيعة وظواھرھا ويعيق ھذا التعامل _في وقتنا الحاضر_ قصور نظرة اإلنسان المعاصر كونھا بالنسبة إليه مواضيع للتحصيل العلمي 48 حصرا. إن عدم تأمين العمارة المعاصرة لمتطلبات حياتنا الروحية والسيكولوجية والفشل في تحقيق التوازن مع الطبيعة يتطلب منا وقفة تأملية نتفحص من خاللھا اإلمكانية العديدة التي يمكن استخالصھا من التوجه إلى الطبيعة عوضا عن االبتعاد عنھا متقصين أوال: خبرات أسالفنا في التكامل المتعدد في وجوھه والتنوع في مستوياته والذي كان نتاجه عمارة تقليدية تلبي حاجات اإلنسان العملية والسيكولوجية وثانيا: الطروحات المعمارية والعملية والفنية المختلفة والتي تسعى لبناء نظرية تقربنا من الطبيعة عوضا عن ابتعادنا عنھا وتحررنا منھا 49 بفعل التطور التكنولوجي الذي غمر عصرنا. 3_3_ مفھوم العمران المستديم: ي عتبر العمران المستديم أو العمارة المستديمة أو العمارة الخضراء أو العمارة الذكية أو المباني والمدن الصديقة للبيئة أحد االتجاھات الحديثة في الفكر المعماري والذي يھتم بالعالقة بين المباني والبيئة سواء كانت طبيعية أو مصنوعة فالعمارة المستديمة تدعو إلرساء دعائم فكر معماري وبيئي جديد بصورة أكثر عمقا وفھما وارتباطا بالطبيعة وباألنظمة البيئية ككل. 46 _ المرجع نفسه ص 24_25. _ محمد أحمد الحدأ: الطبيعة ودورھا المباشر وغير المباشر في العمارة شكال ومضمونا مرجع سابق ص 381. _ محمد أحمد الحدأ: الطبيعة ودورھا المباشر وغير المباشر في العمارة شكال ومضمونا مرجع سابق ص 381. _ المرجع نفسه ص
36 وأصل تسمية العمارة المستديمة بالعمارة الخضراء أتى من الشجر األخضر ودورة الحياة الطبيعية له وأثره في اإلنسان والبيئة معا ودوره في إعادة تشغيل الھواء "Recycle" وتحويل ثاني أكسيد الكربون الفاسد إلى أكسجين نقي. ھذا الفكر يستلزم أن تكون المباني مفيدة لإلنسان والبيئة مثلھا مثل الشجر خاصة أن المباني لھا دورة كاملة تسمى Cycle" "Building Life فالعمارة الخضراء تلبي احتياجات الناس ومتطلباتھم من الراحة والصحة العامة وتزيد من القدرة اإلنتاجية لإلنسان. وھي تساھم في تقليل االحتياج إلى توليد الطاقة الكھربائية الملوثة للبيئة وتزيد من االعتماد على الطاقة النظيفة مثل الشمس والرياح وغيرھا وتسمح باستعمال المواد الطبيعية للبناء وإعادة تشغيل المياه 50 المستعملة والمواد الصلبة. كما يطلق أيضا على العمارة المستديمة اسم العمارة الذكية ذلك أنھا ھي تلك العمارة التي تھدف إلى تقليل استھالك الطاقات الطبيعية وإلى استخدام المواد الطبيعية في البناء. ومثل ھذه العمارة تحقق ھدفين غاية في األھمية في وقت واحد فھي أوال تقلل الضغط على موارد الطاقة الطبيعية غير المتجددة كما أنھا ثانيا تعزز االستخدام وتزيد من 51 كفاءة استخدام المنظومة المعمارية. 52 منھم : وھناك العديد من المفاھيم والتعريفات التي وضعھا عدد من الباحثين في ھذا المجال المعماري "كين يانج" Yeang" "Ken الذي ناقش مفھوم العمارة الخضراء من وجھة نظر بيئية فھو منزعج من تأثير المباني علي األنظمة الطبيعية وھو يرى أن العمارة الخضراء أو العمارة المستديمة يجب أن تقابل احتياجات الحاضر دون إغفال حق األجيال القادمة لمقابلة احتياجاتھم أيضا فالقرارات التصميمية ال ينحصر تأثيرھا ع ىل ولكن يمتد تأثيرھا لألجيال القادمة أيضا. ويرى المعماري مباني تصمم وتنفذ وتتم البيئة فقط "وليام ريد" Reed" "William أن المباني الخضراء ما ھي إال إدارتھا بأسلوب يضع البيئة في اعتباره ويرى أيضا أن أحد _ علي رأفت: العمارة البيئي ة الخض راء والتنمي ة العمراني ة مجل ة ع الم الفك ر الع دد 4 المجل د 34 الكوي ت: المجل س الوطني للثقافة والفنون واآلداب 2006 ص _ محسن محمد إبراھيم: العمارة المستديمة mlines12@hotmail.com) ( متاح على: 52 _ المرجع نفسه. 50
37 اھتمامات المباني الخضراء يظھر في تقليل تأثير المبنى على البيئة إلى جانب تقليل تكاليف إنشائه وتشغيله. أما "سوزان ماكسمان" Maxman" "Susan فترى أن العمارة المستديمة ھي العمارة التي تناسب ما يحيط بھا وبصورة ما متوافقة مع معيشة الناس ومع جميع القوى المحركة للمجتمع. Abercrombie" أما وكما يرى أنه توجد المعماري "ستانلي أبركرومبي" "Stanley عالقة مؤثرة بين المبنى واألرض. المعماري "ايان مشارج" Macharg" "Ian فيرى: "أن مشكلة اإلنسان مع الطبيعة تتجلى في ضرورة إعطاء الطبيعة صفة االستمرارية بكفاءة كمصدر للحياة كما أنه ينظر للمشكلة من وجھة نظر بيئية تدعو ومن وجھة نظر البعض فإن العمارة للتفكير في العالم والتعلم منه. المستديمة الخضراء ھي منظومة عالية الكفاءة تتوافق مع محيطھا الحيوي بأقل أضرار جانبية فھي دعوة إلى التعامل مع البيئة بشكل أفضل يتكامل مع محدداتھا تسد أوجه نقصھا أو تصلح عيبھا أو تستفيد من ظواھر ھذا المحيط البيئي ومصادره ومن ھنا جاء وصف ھذه العمارة بأنھا (خضراء) مثلھا كالنبات الذي يحقق النجاح في مكانه حيث أنه يستفيد استفادة كاملة من المحيط المتواجد فيه للحصول على متطلباته الغذائية فالنبات كلما ازداد عمرا ازداد طوال فھو لم يخلق مكتمال منذ بدايته حتى يصل إلى مرحلة االستقرار ومن ھذه الناحية بالذات اقترن اسم العمارة الخضراء بمرادف آخر و إذ تعتبر ھو التصميم المستديم. (Sustainable Design) العمارة تحديدا فريدا في مجال االستدامة فالمشروعات المعمارية تستھلك كميات كبيرة من المواد وتخرج كميات أكبر من المخلفات والنفايات لذلك وصفت العمارة المستديمة وإلى بالعمارة الذكية فھي تلك العمارة استخدام المواد الطبيعية في البناء. التي تھدف إلى تقليل استھالك الطاقات الطبيعية ومثل ھذه العمارة تحقق ھدفين غاية في األھمية في وقت واحد فھي أوال تقلل الضغط على موارد الطاقة الطبيعية غير المتجددة كما أنھا ثانيا تعزز االستخدام وتزيد من كفاءة استخدام المنظومة المعمارية. وقد عرف اإلنشاء المستديم بأنه عبارة عن االبتكار واإلدارة المسئولة عن بناء بيئة صحية قائمة على الموارد الفعالة والمبادئ البيئية ) & Efficient Resource
38 (Ecological Principle وھدف ھذه النوعية من العمارة ھو الحد من التأثير السلبي على البيئة من خالل الطاقة وفعالية الموارد. الخضراء ومن مجمل ھذه التعريفات نستطيع الوصول إلى أن العمران المستديم أو العمارة تقليل استھالك تعظيم المستديمة تعني تلك المباني المصممة بأسلوب يحترم البيئة مع األخذ في االعتبار الطاقة والمواد والموارد مع تقليل االنسجام مع الطبيعة. أو كما جاء في بعض التعريفات أن العمارة تأثيرات اإلنشاء واالستعمال علي البيئة مع البيئية ھي ثمرة التفاعل الكامل والوثيق بين المواطن والعوامل البيئية من حوله وفريق التصميم البيئي بقيادة المھندس المعماري وھي تلك العمارة التي تحقق للمواطن الحد الكافي من متطلباته البيئية والحد األدنى من التلوث البيئي والحد المقبول من الشروط الصحية الالزمة لمعيشته وھو ما ينعكس بدوره على درجة نوعية وكفاءة البيئة الحضرية ومدى انتماء المواطن لتلك البيئة والتزامه ووعيه بالمحافظة عليھا. ومن مجمل ما سبق يمكن القول أن العمران المستديم ھو عملية تصميم المباني بأسلوب يحترم البيئة ويأخذ في االعتبار تقليل استھالك الطاقة والمواد والموارد وتقليل تأثيرات اإلنشاء واالستعمال علي البيئة مع تعظيم االنسجام مع الطبيعة. بالمحاور الثالثة اآلتية: المحور األول: وذلك بااللتزام أن يأتي التعديل في البيئة المحيطة إليجاد بيئة داخلية أفضل لإلنسان بحيث يكون ھذا التعديل بأقل قدر ممكن من الضرر للبيئة ومنسجما مع متطلباتھا المادية والجمالية. المحور الثاني: أن ينصب االھتمام على استخدام حكيم للموارد غير المتجددة وكذلك ضرورة االعتماد أو االستفادة بأقصى قدر ممكن من المصادر الطبيعية المتجددة. المحور الثالث: أن تأتي استجابة القطاع العمراني في إطار ما يطرحه من مخلفات وانبعاثات متماشية مع إمكانية البيئة من ھواء وماء وتربة وعمر المشروع. لتقبل المخلفات العمرانية وعلى كافة مراحل وحركة كل محور من ھذه المحاور يجب أن تجري في إطار من القواعد يجعل من موضوع البيئة وسالمتھا فرصة لتطوير القطاع العمراني وجعله مستديما.
39 وعليه يمكن تحديد مفھوم العمران المستديم إجرائيا على أنه ذلك النمط من العمران الذي يأخذ بعين االعتبار: _ حماية البيئة من التلوث واالستنزاف. _ ترشيد استخدام الموارد البيئية المتجددة وغير المتجددة. _ االھتمام بجودة البيئة الداخلية والخارجية للمنشأة العمرانية. _ الكفاءة في استخدام الموارد الدائمة وغير الدائمة للطاقة في المنشأة العمرانية. _ ديمومة المنشأة العمرانية وعناصرھا األساسية وديمومة استيعابھا إلضافات وتعديالت جديدة. سادسا: الدراسات السابقة والمشابھة تنتمي ھذه الدراسة إلى ميدان علم االجتماع البيئي وقد نشأت الحاجة إلى البحث العلمي في ھذا الميدان ارتباطا بطبيعة التغيرات التكنولوجية واالجتماعية والمشكالت البيئية الملحة في عالم اليوم وبضرورة العمل على إقرار عالقة متوازنة بين اإلنسان والبيئة. ورغم أن ھذا الميدان قد يبدو جديدا على البحث السوسيولوجي (االجتماعي) حيث لم يستخدم مصطلح علم االجتماع البيئي 53 إال منذ عقد من الزمان تقريبا إال أن علم االجتماع يتضمن في بنائه كنظام معرفي ومنذ نشأته المحددات البيئية للسلوك فقد أشار "دانكن" "Duncan" إلى أن ابن خلدون قد بحث في أھمية العالقة بين التنظيم االجتماعي وأشكاله من جھة وظروف المعيشة من جھة أخرى فالبيئة الجغرافية وما تشمله من مساحة 54 وموارد ومناخ تؤثر في تشكيل البناء االجتماعي الثقافي للمجتمع. ونشير ھنا إلى أن ابن خلدون قد بين في مقدمته ارتباط العناصر وتكامل عالقاتھا كاالرتباط التسلسلي بين تلك العناصر من مواد وأحياء والتي تشكل شبكة تقوم على 55 االعتمادية والتكامل. وأيضا فقد اھتم المتخصصون في علم االجتماع الريفي كأمثال "دانالب "Dunlap و "كاتون "catton بدارسة وفھم استخدامات األرض والنشاطات 53 - صالح بن محمد الصغير: بعض المحددات االجتماعية والثقافية والديموغرافي ة لمس توى االتجاھ ات البيئي ة- دراس ة تحليلية مطبقة على طلبة جامعة الملك سعود بالرياض مجلة جامعة الملك سعود م 11 اآلداب ص _ المرجع نفسه ص عبد الرحمن بن خلدون: المقدمة ض بط وش رح وتق ديم: محم د اإلس كندراني بي روت: دار الكت اب العرب ي 2005 ص 76.
40 وبموضوعات أخرى لھا عالقة بعلم االجتماع البيئي فھم أول من استجاب للمشكالت البيئة 56 من وجھة نظر اجتماعية. ونتيجة لتزايد االھتمام بالبيئة ومشكالتھا في السنوات األخيرة فقد برز اھتمام كبير لمعرفة االتجاھات البيئية لألفراد وأھمية الدور الذي تلعبه في الحفاظ على البيئة أو تدميرھا إذ تأكد على أن استمرار وجود عدد من الكائنات الحية بما في ذلك اإلنسان يعتمد على قدرتنا على إحداث تغييرات واعية في اتجاھاتنا 57 نحو البيئة وقضياھا المتعددة. إن ما تقدم يؤكد على أھمية عالقة اإلنسان ببيئته والدور الذي تلعبه االتجاھات البيئية في تحديد ھذه العالقة لذا فقد أجري عدد من الدراسات والبحوث االجتماعية البيئية للتعرف على واقع االتجاھات البيئية لدى شرائح المجتمع المختلفة وأھم العوامل المؤثرة في تباين االتجاھات نحو البيئة لدى األفراد في المجتمع وكان بعض ھذه الدراسات يتوجه إلى دراسة االتجاھات نحو البيئة الطبيعية واآلخر إلى البيئة المشيدة (أو البيئة التي من صنع اإلنسان) والثالث قد يجمع بينھما. وسنحاول فيما يلي تناول أھم المقاييس التي استخدمت لقياس االتجاھات البيئية وتحديد أھم العوامل المؤثرة في تكوين وتشكيل اتجاھات األفراد نحو البيئة سلبا أو إيجابا وذلك من خالل استعراض بعض ھذه الدراسات التي تناولت العالقات بين ھذه المتغيرات وطبيعة االتجاھات البيئية. لقد لوحظ من خالل مراجعة الدراسات السابقة أن ھناك عددا من المقاييس التي تم استخدامھا لقياس اتجاھات األفراد نحو البيئة إال أن معظمھا كان عبارة عن مقياس ذي مؤشر واحد 58 "مقياس أحادي البعد". وأيضا وكنتيجة لكثرة المقاييس المستخدمة لقياس االتجاھات البيئية فإنه حتى المقاييس ذات المؤشرات المتعددة "مقياس متعدد األبعاد" لم تستخدم في عدد كاف من الدراسات وذلك لرسم االستمرارية والثبات لھذا المقياس ويستثنى من ذلك مقياس النموذج البيئي الجديد (New Environmental paradigm) "Dunlap and Van liere" والذي طوره كل من "فان ليير ودانالب" (NEP) اتجاھات لقياس األفراد نحو البيئة ولقد ب ني ھذا المقياس على نظرية الفھم العالمي الشامل للبيئة صالح بن محمد الصغير: بعض المحددات االجتماعية والثقافية والديموغرافية لمستوى االتجاھات البيئية مرجع سابق ص صالح بن محمد الصغير: بعض المحددات االجتماعية والثقافية والديموغرافية لمستوى االتجاھات البيئية مرجع سابق ص المرجع نفسه ص 259.
41 والتي صاغھا كل من "كاتن ودانالب" Dunlap" "catton and مقياس متعدد األبعاد غطى ثالث مجاالت ھي: أ_ تأثير البشر على التوازن الطبيعي. ب-حدود حجم النمو السكاني واستخدام الموارد الطبيعية ج- سيطرة البشر على الطبيعة. ولقد اشتمل ھذا المقياس على 59 وھو عبارة عن 12 عبارة أو مؤشر تغطي الجوانب الثالثة السابقة ومصممة وفق طريقة "ليكرت" ذات التدرج الرباعي حيث تتراوح درجات المبحوثين من 12 "اتجاھات سلبية كاملة نحو البيئة" إلى 48 "اتجاھات إيجابية كاملة نحو البيئة". ونذكر من ھذه العبارات على سبيل المثال ما يلي: - التوازن الطبيعي مسألة رقيقة وحساسة للغاية ويمكن تشويھھا بسھولة. - يجب أن يعيش البشر في تناغم وانسجام مع الطبيعة لكي يظلوا باقين. - للبشر الحق في تعديل البيئة الطبيعية لتتناسب مع احتياجاتھم. ولقد استخدم ھذا المقياس (NEP) لقياس االتجاھات البيئية لدى األفراد في عدد من الدراسات حيث أستخدمه كل من liere" "Dunlap and Van كما استخدمه كل من "Albrecht" و "Arcury" و "Bultena" وغيرھم. وعلى المستوى العربي قام كل من "صبري الدمرداش إبراھيم" 60 بتطوير مقياس لالتجاھات البيئية غطى خمسة مجاالت ھي : أ- الموارد الطبيعية ب- المشكالت البيئية ج- التوازن البيئي د- المعتقدات المتعلقة بالبيئة ھ- حماية البيئة وقد اشتملت االستبانة على ومصممة وفق طريقة " ليكرت " ذات التدرج الخماسي. و"محمد أحمد دسوقي" 46 عبارة أو مؤشرا تغطي الجوانب الخمسة السابقة - المرجع نفسه ص صالح بن محمد الصغير: بعض المحددات االجتماعية والثقافية والديموغرافية لمستوى االتجاھات البيئية مرجع سابق ص
42 أ( ب( ج( د( ھ( ( (20) كما قام "طلعت منصور غب " ببناء مقياس لالتجاھات البيئية يتألف من عشرين 61 عبارة بحيث يجيب المفحوص عن كل عبارة منھا وفقا لمقياس متدرج من ثالث فئات: موافق متردد معترض. ويتضمن المقياس خمسة مجاالت (مقاييس فرعية) لالتجاھات نحو البيئة ويتضمن كل مجال أربع عبارات وھذه المقاييس الفرعية ھي: االتجاھات نحو المحافظة على مصادر الحياة. ( االتجاھات نحو حماية البيئة من التلوث. ( ( ( االتجاھات نحو معالم البيئة. االتجاھات نحو الطابع الجمالي للبيئة. االتجاھات نحو مستقبل البيئة. كما قام صالح بن محمد الصغير بتطوير مقياس لالتجاھات البيئية يتألف من (14) عبارة ومصمم وفق طريقة ليكرت ذات التدرج الخماسي (موافق جدا موافق غير متأكد 62 غير موافق غير موافق جدا). وقد أ خذت العبارات الثالث األولى من مقياس النموذج البيئي الجديد (NEP) الذي طوره كل من "دانالب وفان ليير" والعبارات من 4 إلى 8 أ خذت من مقياس االتجاھات البيئية الذي طوره كل من "صبري الدمرداش إبراھيم" و"محمد أحمد دسوقي". أما العبارات من إلى 9 14 فقد قام الباحث بصياغتھا بناء على خبرته في ھذا المجال ومعلوماته المكثفة عن طبيعة المجتمع والبيئة في المملكة العربية السعودية. كما تبرز بعض الدراسات العالقة الوثيقة بين االتجاھات االجتماعية والثقافية واالقتصادية والديموغرافية. الدراسات على أن المعرفة البيئية لھا عالقة متسقة وإيجابية حيث وجد كل واالتجاھات "مالوني و وارد" "Maloney and Ward" البيئية وبعض المتغيرات فعلى سبيل المثال دلت كثير من مع اتجاھات األفراد نحو البيئة في دراساتھم عن المعرفة البيئة والتي طبقت على طالب جامعيين وغير جامعيين وأعضاء بعض األندية االجتماعية أنه يمكن التنبؤ بمستوى اتجاھات األفراد نحو البيئة بواسطة معرفة كمية المعلومات التي يمتلكونھا عن البيئة ومشكالتھا فقد أكدت دراسة "رامسي و ريكسون" _ طلعت منصور غب : دراسات تجريبية في االتجاھات النفسية نحو البيئة في الكويت مرجع سابق ص 157. _ صالح بن محمد الصغير: بعض المحددات االجتماعية والثقافية والديموغرافية لمستوى االتجاھات البيئية مرجع سابق ص 267.
43 أ( ب( ج( "Arbuthnot" وكذلك دراسة "آربيتنوت" "Ramsey and Rickson" أن المعلومات البيئية لألفراد مؤشر التجاھاتھم نحو البيئة فاألفراد الذين يملكون معلومات أكثر عن البيئة 63 يبدون إيجابية أكثر في اتجاھاتھم نحو البيئة من ذوي المعلومات البيئية المحدودة. إن الوظائف المتعددة للتعليم وأھميته في إحداث تغيرات إيجابية ومرغوبة في سلوك األفراد واتجاھاتھم نحو العديد من القضايا قد أكدته العديد من الدراسات وتؤكد كثير من الشواھد الميدانية العالقة الطردية بين المستوى الدراسي لألفراد و اتجاھاتھم اإليجابية البيئة فقد أكدت دراسة "باتل" "Buttle" وكذلك دراسة "دانالب وفانليير" نحو Van liere" "and Dunlap 64 أن األفراد األكثر تعليما يبدون إيجابية أكثر في اتجاھاتھم نحو البيئة. كذلك أشارت ھذه الشواھد الميدانية إلى أن ھناك عوامل أخرى تؤثر إيجابيا في مستوى االتجاھات البيئية و من أھمھا العمر و الجنس (الذكور أكثر إيجابية في اتجاھاتھم نحو البيئة من اإلناث) و مكان اإلقامة (األفراد ذو الخلفية الريفية يبدون إيجابية أكثر في اتجاھاتھم نحو البيئة من ذوى الخلفية الحضرية أو البدوية) و المشاركة في األنشطة الالصفية. فقد قام "وورث" "worth" 65 من ثالث مجموعات مختلفة ھي : ( طالب المدارس الثانوية و عدد أفرادھا 585 تلميذا. ( طالب الجامعات و عدد إفرادھا بدراسة استھدفت قياس االتجاھات البيئية على عينة 462 طالبا. ( الكبار وعدد أفرادھا 571 فردا. ومن أھم النتائج التي توصلت إليھا ھذه الدراسة ما يلي: - أن للعمر عالقة قوية و مباشرة بدرجات االتجاه حيث ترتبط الدرجات المرتفعة لالتجاھات بالتقدم المطرد في العمر داخل كل مجموعة. - أظھر عامل الجنس الذي يقارن بين اتجاھات البنين و اتجاھات البنات نسبة مئوية عالية من النقاط لصالح البنين في كل من المجموعات الثالث. - أظھر عامل اإلقامة (في الريف أو الحضر) أن األفراد ذوي الخلفية الريفية يحققون بصفة دائمة معدالت أعلى من أولئك ذوي الخلفية الحضرية. - صالح بن محمد الصغير: بعض المحددات االجتماعية والثقافية والديموغرافية لمستوى االتجاھات البيئية مرجع سابق ص المرجع نفسه ص المرجع نفسه ص
44 - يرتبط االشتراك في األنشطة االجتماعية الالصفية ارتباطا مباشرا بالحصول على درجات عالية في اختبار االتجاھات حيث تمت مالحظة فروق ذات داللة معنوية في كل من المجموعات الثالث حيث أحرز األفراد الذين شاركوا في ھذه األنشطة نقاطا أكثر داللة وإيجابية في اتجاھاتھم نحو البيئة. ولقد توصل كل من Rickson" Ramsey and و "smyth and Brook نتائج مشابھة لنتائج الدراسة السابقة حيث وجدوا أن ھناك عالقة طردية بين كل من إلى اتجاھات األفراد نحو البيئة والعمر والجنس (الذكور أكثر إيجابية) ومكان اإلقامة (ذوي الخليفة الريفية أكثر إيجابية ) والمشاركة في األنشطة الالصفية. بينما دلت دراسة كل من فوزي الحبشي ومنصور عبد المنعم على عدم وجود فروق دالة إحصائيا بالنسبة لمتغير 66 الجنس وأن ھذا المتغير ليس له تأثير على االتجاھات البيئية. وفي دراسة ل"طلعت منصور غب " حول االتجاھات العامة نحو البيئة في الكويت لدى الكويتيين من الجنسين وبأعمار مختلفة وكذلك اتجاھاتھم نحو بعض الجوانب المتعلقة بالمحافظة على بعض مصادر الحياة كالكھرباء والماء وبحماية البيئة من بعض عوامل التلوث وبقواعد المرور وسالمته وبمقومات البيئة الرئيسية وبالمقومات الجمالية للبيئية في الكويت كالحدائق والشوارع والشواطئ والتخطيط العمراني وبمستقبل البيئة. نتائج الدراسة بأن محصلة استجابات الكويتيين إزاء المواقف البيئية المختلفة تعكس اتجاھات إيجابية مرتفعة بصفة عامة لدى الفئات العمرية المختلفة. وأظھرت كما كشفت أيضا بأن الكويتيين في توجھھم نحو البيئة يتميزون باتجاه بيئي عام متسق إلى حد كبير. وباإلضافة إلى ذلك كشفت الدراسة عن وجود فروق في االتجاھات نحو البيئة كدالة للعمر وللجنس حيث يبدي الكبار في مرحلتي الرشد والشيخوخة اتجاھات إيجابية نحو البيئة أكثر من المراھقين والذكور أكثر من اإلناث. وفي دراسة ل"صالح بن محمد الصغير" حول بعض المحددات االجتماعية والثقافية والديمغرافية لمستوى االتجاھات البيئية" حاول فيھا تقصي العالقة بين مستوى االتجاھات البيئية ومجموعة من المتغيرات الثقافية واالجتماعية والديمغرافية وقد كشفت ھذه الدراسة أن الطلبة يختلفون في اتجاھاتھم نحو البيئة باختالف خصائصھم الثقافية واالجتماعية - صالح بن محمد الصغير: بعض المحددات االجتماعية والثقافية والديموغرافية لمستوى االتجاھات البيئية مرجع سابق ص
45 والديمغرافية حيث أن اتجاھات الطلبة نحو البيئة تكون أكثر ايجابية بزيادة كمية المعلومات التي يمتلكونھا عن البيئة كما ترتبط زيادة ايجابية االتجاھات البيئية بالتقدم المطرد في العمر كما أبرزت ھذه الدراسة أھمية (الجنس) كمتغير له أثره في اتجاھات الطلبة نحو البيئة فقد بينت النتائج أن التباين في مستوى االتجاھات البيئية لدى الطلبة تبعا الختالف الجنس بأنه تباين ذو داللة إحصائية مرتفعة حيث دلت ھذه النتائج على أن الطالب (الذكور) أبدوا ايجابية أكثر في اتجاھاتھم نحو البيئة من الطالبات (اإلناث). كما كشفت ھذه الدراسة أھمية المستوى الدراسي حيث تزداد ايجابية االتجاھات البيئية للطلبة بارتفاع مستواھم الدراسي. كما كشفت ھذه الدراسة عن عدم وجود فروق ذات داللة إحصائية في مستوى االتجاھات البيئية للطلبة تبعا الختالف مكان اإلقامة. وتبرز بعض الدراسات العالقة الوثيقة بين ما يعرف ب"اإلدراك البيئي" وبين االتجاھات البيئية ففي دراسة ل"لووينثال" تبين أن اتجاھات الناس نحو المناظر الطبيعية وحاجاتھم وقيمھم تؤثر في استجاباتھم لھذه المناظر وتلك حقيقة ينبغي أن توضع في االعتبار في علم ھندسة المناظر. فاإلدراك البيئي لمعالم البيئة ومقوماتھا ولتغيرھا ولما قد يحدث من تدھور في بعض جوانبھا كتلوث الھواء أو الماء أو تشوه الجانب الجمالي فيھا ينطوي كذلك على موقف من الفرد إزاء البيئة: تقبله أو رفضه لھا إعجابه بھا أو نفوره منھا حمايتھا أو إھمالھا تحسينھا أو تركھا دون رعاية. ھذا الموقف الذي يتخذه الفرد "مع" أو "ضد" 67 البيئة في أي جانب من جوانبھا المختلفة ھو لب دراسة االتجاھات البيئية. وعليه فإن إدراك المتعلم للعالقة التبادلية بين العلم والتكنولوجيا والمجتمع والبيئة يضمن وعي المتعلم وقدرته على ترشيد استخدام موارد البيئة وحسن االنتفاع بھا وحماية البيئة مما يواجھھا من مشكالت وما يھددھا من أخطار والمحافظة على التوازن في النظم البيئية المختلفة واستخدام المسارات العلمية في دراسة البيئة والتنمية المستديمة للحفاظ على البيئة لألجيال القادمة. من عرض الدراسات السابقة يتبين أن نتائج ھذه الدراسات أجمعت على أن لكل من كمية المعلومات التي يمتلكھا األفراد عن البيئة (المعرفة البيئية) والمستوى الدراسي والعمر والمشاركة في األنشطة االجتماعية الالصفية تأثيرا إيجابيا على مستوى االتجاھات 67 - طلعت منصور غب : دراسات تجريبية في االتجاھات النفسية نحو البيئة في الكويت مرجع سابق ص
46 البيئة لدى األفراد. وكذلك أكدت نتائج معظم ھذه الدراسات على أن ھناك عالقة بين مكان اإلقامة ومستوى االتجاھات البيئية حيث إن األفراد ذوي الخلفية الريفية يحققون بصفة دائمة معدالت أعلى في مقياس مستوى االتجاھات البيئة من أولئك ذوي الخلفية الحضرية. بينما تضاربت النتائج بالنسبة ألثر الجنس كمتغير في إكساب األفراد االتجاھات البيئية المرجوة حيث أكدت بعض الدراسات أن ھذا المتغير ليس له تأثير على مستوى االتجاھات البيئية لدى األفراد بينما دلت نتائج بعض ھذه الدراسات على أن ھناك فروقا ذات داللة إحصائية بين االتجاھات أوال: مكونات االتجاھات البيئية: عناصر ھي:. البيئية للذكور واإلناث وذلك لصالح الذكور إن االتجاھات البيئية كغيرھا من االتجاھات ھي بناء تنظيمي يتكون من ثالثة _1 المكون الفكري"المعرفي" cognitive component وھو ما يتعلق بتوفر معلومات وخبرة وثقافة لدى الفرد تساعده على تكوين معارف ومعتقدات يتبناھا تجاه الشيء أو الحدث وتكون تلك المعتقدات من األفكار والمعرفة 68 والمشاھدات والتفسير المنطقي للعالقات بينھا. وعليه فالمكون المعرفي ھو عبارة عن المعلومات والخبرات والمعارف التي تتصل بموضوع االتجاه والتي انتقلت إلى الفرد عن طريق التلقين أو عن طريق الممارسة 69 المباشرة باإلضافة إلى رصيد القناعات والتوقعات. ونستنتج مما سبق أن المكون المعرفي يتعلق بمعلومات الفرد ومعتقداته عن موضوع االتجاه أو معرفته بالواقع حوله. فمثال تعد معرفة الفرد واعتقاده في قيمة البيئة الطبيعية ومواردھا وأھميتھا ومعرفته بالوقائع المتعلقة بالمخاطر الطبيعية بمثابة مثال 70 للمكون المعرفي التجاھه نحو الطبيعة. _2 المكون العاطفي"الوجداني" Affective Component يتضح ھذا المكون من خالل مشاعر الحب والكراھية التي يبديھا الفرد نحو موضوع أو مثير معين يشده نحو موضوع االتجاه وبالتالي فحب اإلنسان لموضوع معين يدفعه إلى ماھر أحمد: السلوك التنظيمي_مدخل بناء المھارات ط 5 اإلسكندرية: مركز التنمية اإلدارية 1995 ص السيد فؤاد البھي وعبد الرحمن سعد: علم النفس االجتماعي_رؤية معاصرة مرجع سابق ص محمد بن عليثة األحمدي: دور علم النفس في تعديل االتجاھات نحو البيئة مرجع سابق.
47 االتجاه نحوه بشكل ايجابي أما كرھه لموضوع معين ونفوره منه فإنه يدفعه بشكل سلبي نحو ھذا الموضوع. وھذا الجانب يتمثل في النواحي العاطفية واالنفعالية المرتبطة باألشياء واالتجاھات واألحداث المختلفة فشعور الفرد_مثال_ 71 ايجابيا أو سلبيا حيث يتمثل في حب العادات والتقاليد أو كراھيتھا. العاطفية) نحو العادات والتقاليد إما شعورا وعليه فالمكون الوجداني لالتجاه يتألف من تقويمات الفرد(مشاعره استجاباته االيجابية أو السلبية نحو شيء ما أو شخص ما. فمثال حب الفرد للطبيعة ووصفه 72 لمشاعره االيجابية نحوھا يعد المكون الوجداني التجاھه نحوھا. _3 المكون السلوكي Behavioral component تؤدي االتجاھات دورا أساسيا في توجيه سلوك اإلنسان حيث يعبر سلوك الفرد عن رصيد معرفته وخبراته الشخصية وعاطفته المصاحبة لھذه المعرفة ولذلك يعتبر الجانب السلوكي ھو المحصلة النھائية للترجمة العملية لتفكير اإلنسان وانفعاالته حول موضوع معين وبالتالي فان االتجاھات ھي التطبيق العملي والتعبير الفعلي لسلوك اإلنسان فإما أن تدفعه إلى القرب من ھذا الموضوع عندما تكون ھذه االتجاھات ايجابية وإما أن تدفعه إلى 73 النفور من ھذا الموضوع عندما تكون االتجاھات سلبية. فالمكون السلوكي ھو عبارة عن مجموعة التعبيرات واالستجابات الواضحة التي يقدمھا الفرد في موقف ما بعد إدراكه ومعرفته وانفعاله في ھذا الموقف. جوانب وذلك بعد تكامل اإلدراك باإلضافة إلى رصيد الخبرة والمعرفة التي تساعد على تكوين االنفعال 74 وتوجيھه فيقوم الفرد بتقديم االستجابة التي تتناسب مع ھذا االنفعال. وعليه ي شير المكون السلوكي لالتجاه البيئي إلى السلوكيات البيئية التي يقوم بھا الفرد وتتعلق بموضوع االتجاه فيشمل السلوك الظاھر للفرد الموجه نحو موضوع االتجاه فعدم قطع األزھار والمحافظة على المساحات الخضراء واإلبقاء على برية األماكن الطبيعية أمثلة للمكون السلوكي لالتجاه نحو الطبيعة والذي يتأثر بكل من المكون الوجداني(المشاعر - أحم د محم د الكن دري: عل م ال نفس االجتم اعي والحي اة المعاص رة الكوي ت: مكتب ة الف الح للنش ر والتوزي ع 1995 ص محمد بن عليثة األحمدي: دور علم النفس في تعديل االتجاھات نحو البيئة مرجع سابق أحمد محمد الكندري: علم النفس االجتماعي والحياة المعاصرة مرجع سابق ص السيد فؤاد البھي وعبد الرحمن سعد: علم النفس االجتماعي_رؤية معاصرة مرجع سابق ص
48 االيجابية نحو الطبيعة في ھذه الحالة) والمكون 75 لإلنسان في إحداث التوازن االيكولوجي والجمالي معا). المعرفي (المعتقدات عن أھمية الحياة النباتية فمثال الشخص المحب للبيئة والطبيعة ويعرف قيمتھا تجده يحمل اتجاھا ايجابيا نحو العناية بھا من حيث صيانتھا وعدم تلويثھا أو إتالفھا أو استنزاف مواردھا أما إذا كان اتجاھه سلبيا نحوھا فنجده يتصرف بشكل غير مبال نحوھا ولھذا نستنتج مما ذكر سالفا أن االتجاھات تعمل كموجھات لسلوك اإلنسان بشكل عام. ونخلص إلى القول أن المكون السلوكي لالتجاه البيئي يتضمن جميع االستعدادات السلوكية المرتبطة بالبيئة ومشكالتھا. وأنه _أي ھذا المكون_ ھو نتاج تفاعل المكونين السابقين كما يتفاعل معھما في نفس الوقت لتشكيل اتجاه الفرد نحو البيئة فھي ال تعمل منفردة. وعلى ھذا األساس أخذ المكون المعرفي لالتجاھات البيئية لإلنسان يتشكل مباشرة مع اتصاله األول بالبيئة الطبيعية ومظاھرھا المختلفة من جبال وأنھار وبحار وأشجار ونباتات وحيوانات...الخ وبذلك أخذت تتشكل معرفته بھذه المظاھر وكذا الوقائع المتعلقة بالمخاطر الطبيعية ) بمثابة المكون المعرفي التجاھه نحو البيئة). كما أخذ في ذات الوقت المكون الوجداني التجاھه نحو البيئة بالتشكل من خالل ما تكون لدى الفرد من تقويمات ومشاعر واستجابات عاطفية ايجابية أو سلبية ) ( صاحب اتصاله واحتكاكه بھا من آثار سلبية أو ايجابية. نحو مظاھر البيئة الطبيعية المختلفة وما كما كان يتشكل بالتوازي المكون السلوكي التجاھه نحو البيئة كمحصلة لرصيد المكونين السابقين الذين تشكال لديه وكذا لتفاعله معھما. حيث يعبر سلوك الفرد عن رصيد معرفته وخبراته الشخصية وعاطفته المصاحبة لھذه المعرفة ولذلك يعتبر الجانب السلوكي ھو المحصلة النھائية للترجمة العملية لتفكير اإلنسان وانفعاالته حول موضوع معين متعلق بالبيئة. ثانيا: تكوين االتجاھات البيئية: 1- مراحل تكوين االتجاھات البيئية: يتكون االتجاه البيئي عند الفرد ويتطور من خالل التفاعل المتبادل بين ھذا الفرد وبيئته بكل ما فيھا من مظاھر وخصائص ومقومات. وتكوين االتجاھات البيئية لدى الفرد محمد بن عليثة األحمدي: دور علم النفس في تعديل االتجاھات نحو البيئة مرجع سابق. 75 -
49 بغض النظر عن كونھا سالبة أو موجبة إنما ھو دليل على نشاط الفرد وتفاعله مع بيئته وكغيرھا من االتجاھات تمر االتجاھات البيئية في تكوينھا بثالث مراحل وھي: 1_1 _المرحلة اإلدراكية المعرفية: فھذه المرحلة إدراكية تنطوي على اتصال الفرد اتصاال مباشرا بمظاھر وعناصر البيئة الطبيعية المختلفة مما يمكن اإلنسان من الوصل بين عالمه العقلي وعالم الطبيعة ذلك 76 أن اإلدراك يعد وسيلة للتكيف مع البيئة ومثيراتھا المختلفة. وعلى ھذا األساس يبدأ االتجاه البيئي في التبلور لدى اإلنسان حول أولى العناصر والمثيرات البيئية التي تحيط به ويتعرف عليھا ومن ثم تتكون لديه الخبرات والمعلومات التي تصبح إطارا معرفيا لھذه المثيرات والعناصر البيئية. _2_1 المرحلة التقييمية: وھي مرحلة تقييمية يقوم فيھا الفرد بتقييم حصيلة تفاعله مع ھذه المثيرات والعناصر البيئية ويستند في عملية التقييم ھذه إلى ذلك اإلطار اإلدراكي المعرفي بما فيه من متغيرات موضوعية مثل خصائص البيئة ومقوماتھا ومن متغيرات ذاتية تتعلق بالجانب االجتماعي من اإلدراك مثل تصورات الفرد عن البيئة وعناصرھا. ولكون اإلنسان قادر على االنتقال من اإلدراك الحسي للبيئة إلى التعبير الحدسي عنھا لذلك تتميز ھذه المرحلة بنمو الميل لدى اإلنسان نحو عناصر ومظاھر بيئية معينة. 1_3_ المرحلة التقريرية: ھي مرحلة التقرير وإصدار الحكم بالنسبة لعالقة الفرد مع أي عنصر من عناصر البيئة بعد أن يستقر ويثبت ميله على ھذا العنصر فإذا كان الحكم موجبا تكون اتجاه بيئي موجب لدى الفرد وإذا كان الحكم سالبا تكون لديه اتجاه بيئي سالب. 2_ عوامل ومصادر تكوين االتجاھات البيئية: ثمة مجموعة من العوامل والمصادر الھامة التي تلعب دورا أساسيا في اكتساب الفرد اتجاھات بيئية معينة وتدعيمھا وھي على النحو التالي: _ العت وم ع دنان يوس ف: عل م ال نفس المعرف ي النظري ة والتطبي ق عم ان: دار المس يرة للنش ر والتوزي ع والطباع ة 2004 ص
50 1_2 _تكرار استجابات معينة: فإذا تكررت استجابات الفرد إزاء عنصر من عناصر البيئة أو ظاھرة بيئية معينة فان ھذا التكرار يعمق من استجاباته ويكامل بينھا على نحو يكون لديه اتجاه بيئي معين إزاء ذلك العنصر أو تلك الظاھرة. فالشخص الذي لم يقف موقفا حاسما في البداية إزاء عملية تجميع القمامة الخاصة بالشارع أو المنطقة التي يسكنھا في موقف قريب من منزله لعدم إصابته بضرر ظاھر منھا فإنه بانتشار الروائح الكريھة منھا ثم ربما تعرضه لمرض معين بسببھا تتكامل استجاباته شيئا فشيئا وتتعمق مكونة لديه اتجاھا مضادا نحو ھذه 77 العملية. كما أن تعرض الفرد مثال لتجربة بيئية معينة ) حيوانات أليفة حيوانات مفترسة أنھار ضخمة براكين زالزل فيضانات زيارة منطقة صحراوية أو جبلية...الخ ) ومع تكرار ھذه التجربة بآثارھا سواء كانت سلبية أو ايجابية على الفرد فإنھا تؤدي في النھاية إلى تكامل استجابات ھذا الفرد شيئا فشيئا وتتعمق مكونة لديه اتجاھا بيئيا معينا يخص ذلك الشيء أو تلك الظاھرة. ثم يصبغ األفرد ھذا االتجاه البيئي بصبغة اجتماعية تأخذ شكل "عادات معتقدات تقاليد أعراف...الخ" فيتناقلھا أفراد المجتمع جيال بعد جيل من خالل عملية التنشئة االجتماعية التي تصبح ناقلة لھذه االتجاھات البيئية وتتمظھر بعد ذلك في سلوكيات الناس وحياتھم اليومية. فمثال ت حدثنا النقوش والصور التي ع ثر عليھا مسجلة على جدران المعابد والمقابر التي تعود إلى الحضارة الفرعونية عن معرفة سكانھا للكثير من عناصر الحياة الحيوية في بيئتھم مثل نبات البردي واللوتس والنخيل والزيتون والتي عثر على عينات منھا مع مومياوات العديد من ملوك مصر الفرعونية وقد بلغ تقديرھم ألھميتھا إلى درجة تقديسھا بعد معرفتھم لمزاياھا وفوائدھا كنباتات طبية لالستشفاء من بعض األمراض وأيضا في 77 - سحر عبد الرحمن لبيب: فاعلية استخدام مدخل الوسائط المتعددة في تنمية المفاھيم واالتجاھ ات البيئي ة ل دى ط الب الحلقة الثانية من التعليم األساسي مرجع سابق 2003 ص 47.
51 78 عمليات تحنيط جثث الموتى. وبالتالي أخذ اتجاھھم نحو ھذه العناصر البيئية صبغة اجتماعية. 2_2 _الخبرات الشخصية: حيث أن ھناك تأثير للخبرات الشخصية للفرد في تكوين اتجاھاته البيئية فمتى ما كانت ھذه الخبرات المكتسبة سارة عن أحداث بيئية معينة ) كصيد حيوانات أليفة أو قطف وأكل ثمار لذيذة أو قضاء عطلة في منتجع للسياحة البيئية...الخ ( فإن االتجاھات سوف تكون نحوھا ايجابية وسيميل إلى تكرارھا مستقبال. ومتى ما كانت ھذه األحداث البيئية مؤلمة مزعجة ) كالتعرض لھجوم حيوان مفترس أو أكل ثمار حامضة أو المرض بسبب السباحة في مياه ملوثة...الخ ( فإن االتجاھات نحوھا سوف تكون سلبية وبالتالي سوف يعمل على تجنب تكرارھا أو تكرار ما يشبھھا من أحداث. 3_2 _الخبرات االنفعالية الصادمة: وھي الخبرات التي تھز وجدان الفرد وتشحنه بشحنة انفعالية قوية توجه سلوكه على نحو معين فالفرد الذي تعود االستحمام في مياه ملوثة ثم أصيب بالبلھارسيا وعانى ويالتھا 79 ومضاعفاتھا يمكن أن يكتسب اتجاھا مضادا نحو االستحمام في مثل ھذه المياه الملوثة. كما أن تعرض شخص ما للتسمم وآثار جانبية خطيرة بسبب تناوله نوع معين من الطعام أو النبات أو تعرضه للسعة حشرة سامة..الخ يمكن أن يكسبه اتجاھا مضادا نحوھا. 4_2 _التقليد: ال شك أن التقليد يعتبر من العوامل الھامة في تكوين اتجاھات األفراد نحو البيئة وفي أية مرحلة من مراحل التاريخ البشري بدءا باإلنسان األول الذي تكونت لديه بعض االتجاھات البيئية من تقليد الحيوانات في نمط معيشتھا فقد تعلم اإلنسان من الحيوانات والطيور المختلفة أساليب كثيرة بدءا من الغراب الذي علم ابن آدم كيف يواري جثمان 80 أخيه. فقد ورد إلينا في قصة ابني آدم قابيل وھابيل أن قابيل قتل أخاه ھابيل وحين احتار ماذا يفعل بجثته بعث غرابا ليعلمه كيف يدفن أخاه وكان ذلك من بين أولى _78 محمد خم يس الزوك ة: البيئ ة ومح اور ت دھورھا وآثارھ ا عل ى ص حة اإلنس ان االس كندرية: دار المعرف ة الجامعي ة 2005 ص ص 130_ محمد بن عليثة األحمدي: دور علم النفس في تعديل االتجاھات نحو البيئة مرجع سابق. 80 _ حسين عبد الحميد أحمد رش وان: البيئ ة والمجتم ع دراس ة ف ي عل م اجتم اع البيئ ة اإلس كندرية: المكت ب الج امعي 2006 ص 98.
52 االتجاھات البيئية التي تعلمھا اإلنسان بتقليد الحيوان (ونحن نعلم أن الجثة لو بقيت غير مدفونة لتعفنت ولكانت مصدرا لتلوث البيئة من حولھا). كما قد يكون تكوين االتجاھات البيئية بتقليد الفرد آلبائه وأجداده وأفراد مجتمعه أو أفراد مجتمعات أخرى خاصة إذا كانت ھذه المجتمعات "غالبة" بالمفھوم الخلدوني وھو ما نراه اليوم في بلدان العالم السائر في طريق النمو وتريد اللحاق بركب الدول المتقدمة إذ نجدھا تتسارع في تقليد أنماط النشاط االقتصادي الرأسمالي بكل ما تتضمنه من اتجاھات سلبية نحو البيئة كاستنزاف الموارد البيئية مثال. خاصة وأن البيئة الثقافية والتي يتفاعل معھا الفرد سواء على المستوى المحلي أو اإلقليمي أو العالمي (في إطار العولمة) بما تتضمنه من قيم بيئية تسھم بشكل كبير في تحديد اتجاھاته البيئية. 2_5_ شخصية الفرد "عوامل خاصة بالفرد ذاته": تلعب سمات شخصية الفرد دورا ھاما في تكوين اتجاھاته البيئية وتنميتھا فاإلنسان يميل إلى تقبل االتجاھات البيئية التي تتفق مع سمات شخصيته. بمعنى أن لتكوين شخصية الفرد أثر في تھيئته وإعداده لتقبل اتجاھات بيئية دون أخرى. ولھذا نجد أن السمات الشخصية تؤدي دورا أساسيا في تكوين وتعديل االتجاھات البيئية ومن ھذه السمات الذكاء والصحة والعمر وغيرھا من السمات الشخصية المؤثرة على اتجاھات الفرد نحو البيئة. كما أن تجارب الفرد خبراته مستواه الثقافي والتعليمي مستوى إدراكه قدرته على التحليل واالستنباط مدى استقالليته... الخ ھذه أيضا تحدد اإلطار العام الذي تتكون ضمنه اتجاھاته البيئية. 2_6_ عوامل أخرى لھا عالقة بالحدث أو الموقف موضوع االتجاه: فالفرد بطبيعته مدفوع إلشباع حاجاته ورغباته ) الطعام الشراب األمن الدفء...الخ ( وذلك للتخفيف من حدة التوتر الناتج عن ھذه الحاجات. وعادة ما يتبنى الفرد مجموعة من االتجاھات البيئية التي توجه سلوكه وتتيح له فرصة التعبير عن ذاته وتساعده على إشباع حاجاته ورغباته المتعددة والمتجددة. ولذلك يتكون لدى الفرد اتجاه ايجابي نحو كل المواقف والمظاھر واألحداث البيئية المساھمة إيجابا في إشباع رغباته. بينما يتخذ الفرد موقفا مضادا من المظاھر واألحداث البيئية التي أعاقت تحقيق ھذا الھدف مما يجعله يتبنى اتجاھا بيئيا سلبيا إزائھا.
53 فمثال حاجة الفرد إلى األمن والدفاع عن الذات تعتبر من بين أھم األھداف والحاجات التي يسعى الفرد إلى تحقيقھا وعليه فإن الفرد يقوم أحيانا بتكوين بعض االتجاھات البيئية لتبرير فشله أو عدم قدرته على تحقيق ھذا الھدف وھو ما نجده لدى بعض القبائل اإلفريقية حتى في يومنا الحاضر من تقديس لبعض العناصر والمظاھر البيئية التي يعجز أفراد ھذه القبائل أمامھا مثل الزالزل البراكين الفيضانات الحيوانات المفترسة...الخ فتتكون لديھم اتجاھات بيئية سلبية نحو ھذه العناصر والمظاھر البيئية بحيث تصورھا على أنھا أرواح شياطين أو قوى خارجة عن الطبيعة...الخ وذلك بھدف تبرير عدم قدرتھم عن الدفاع عن ذاتھم أمامھا. كما أن تكيف اإلنسان مع الظروف والمظاھر البيئية المحيطة به ھدف يسعى إليه لتحقيق التوازن النفسي والفسيولوجي لذلك يعمل الفرد على تكوين االتجاھات البيئية التي تحقق له ھذا الھدف. وبناء على ما سبق يمكن أن نقول أن تكوين االتجاھات البيئية لدى الفرد في ظل اآلثار والعوامل السابقة يتخللھا ما يسمى بعمليتي التعليم والتعلم االجتماعي. فالتعليم يعتبر أحد مصادر المعلومات التي تسھم وبشكل مباشر في نمو اتجاھات الفرد نحو البيئة وتنميتھا بدءا من األسرة فالمدرسة فالجامعة خاصة في ظل تنامي ما سمى بالوعي البيئي والحركة الخضراء والتنمية المستديمة. أضف إلى ذلك أن التعلم االجتماعي سواء بالثواب والعقاب أو بالنمذجة من خالل تفاعل الفرد مع العناصر البيئية واالجتماعية التي يتعامل معھا فيؤثر فيھا ويتأثر بھا. فاألفراد عامة يتعلمون وفقا لھذين المبدأين فاألفعال التي تؤدي إلى نواتج إيجابية تثبت بينما يتجنب األفراد األفعال التي تؤدي إلى نواتج سلبية ) كتلوث البيئة وما ينتج عنه من آثار سلبية ) كما تنشأ اتجاھات بيئية معينة لدى األفراد عن طريق النمذجة أو مالحظة كلمات أو سلوك اآلخرين وباألحرى سلوك المجتمعات إزاء قضايا البيئة. 3_ تكوين االتجاھات البيئية في ضوء نظريات االتجاھات: يخضع تكوين االتجاھات نحو البيئة غالبا لنفس مبادئ التعلم التي تكمن وراء تكوين االتجاھات كما أوضحتھا النظريات والدراسات المتخصصة في علم النفس االجتماعي خاصة.
54 يمكن تفسير عملية تكوين االتجاھات نحو البيئة وفقا لمبادئ التعلم باالشتراط 81 الكالسيكي فالفرد قد يكتسب اتجاھا ايجابيا(استجابة شرطية) غير شرطي) نحو موضوع البيئة (مثير إذ اقترن ھذا الموضوع بمثير سار(مثير شرطي) كما قد يكتسب اتجاھا سلبيا إذا اقترن الموضوع بمثير غير سار. فاالتجاه االيجابي أو السلبي نحو البيئة ككل أو نحو الشاطئ أو البر أو نحو مدينة من المدن أو نحو شارع أو حي أو مبنى أو حجرة أو مصنع أو مستشفى أو مدرسة أو غيرھا إنما يعتمد إلى حد كبير على الخبرات االيجابية أو السلبية التي تقترن عندنا بھا. ويفترض نموذج "بيرني وكلور" المعروف "بنموذج التدعيم 82 االنفعالي لالستجابات التقويمية" : أن المثيرات التدعيمية المرتبطة باإلثابة أو العقاب من البيئة الطبيعية أو االجتماعية إنما تستدعي استجابات انفعالية غير صريحة لدى األفراد فالمثيرات المثيبة تجعلنا نشعر شعورا طيبا والمثيرات الضارة أو المنفرة تجعلنا نشعر شعورا سيئا وتكون االستجابة التقويمية الصريحة سواء نحو المثيرات التدعيمية أو المثير الشرطي دالة لدرجة االرتياح للحالة الوجدانية المرتبطة بذلك المثير. ووفقا لنموذج بيرني وكلور كما ھو الحال في االشتراط الكالسيكي يعمل أي مثير محايد يرتبط بأحداث بيئية سارة أو غير سارة على استدعاء انفعاالت إيجابية أو سلبية كما يجري تقويمه على ھذا النحو. تلك ھي ظاھرة "تعميم المثير" التي تعني أن مجموعة من المثيرات المتعلقة بالمثير المحايد سوف تستدعي نفس االستجابة. "سكينر". وقد تتكون االتجاھات البيئية وفقا لمبادئ التعلم باالشتراط الوسيلي بناء على ھذه النظرية تكون االتجاھات المتعلمة وسيليه كما قرره instrumental حيث يؤدي التعبير عن االتجاه إلى نواتج إيجابية أو سلبية واالتجاه الذي يلقى إثابة على ما يترتب عليه من نواتج إيجابية ھو االتجاه الذي يبقى ويتقوى. فما تلقاه نواتج سلوك األفراد في البيئة من إثابة أو عقاب إنما يحدد اتجاھاتھم نحو البيئة. وبمعنى آخر يكون االتجاه نحو البيئة دالة للنواتج اإليجابية أو السلبية المترتبة على التمسك بذلك االتجاه. ل:"فستنجر" كما يمكن أن تتكون بعض االتجاھات البيئية وفقا لنظرية التنافر المعرفي التي ترى بأن األشخاص يسعون دائما إلى تحقيق االتساق داخل أنساق معتقداتھم من جھة وبين أنساق معتقداتھم وسلوكھم من جھة أخرى. فمثال قد يكون شخص - طلعت منصور غب : دراسات تجريبية في االتجاھات النفسية نحو البيئة في الكويت مرجع سابق ص المرجع نفسه ص
55 ما على معرفة وإدراك تام بان تلوث الھواء والماء والتربة جراء رمي النفايات فيھا وإطالق الغازات الملوثة يؤثر سلبا على التوازن البيئي وعلى صحة اإلنسان ويسبب أمراض فتاكة وھو نفسه يعلم بأنه يقوم برمي النفايات الملوثة ويقود سيارته أو شاحنته بشكل مفرط ما يزيد من كمية غاز العادم الذي ينطلق في الھواء ويلوثه فتجد أن ھذا الشخص يعاني مما يسميه فستنجر ب:"التنافر المعرفي" وأفضل طريقة ليتخلص من ھذه الحالة ھي أن يتوقف عن التسبب في التلوث إال أن ھذا الشخص ال يستطيع فيلجأ إلى أسلوب آخر وھو التشكيك في األدلة العلمية التي تؤكد بأن التلوث يؤدي إلى خلل في التوازن البيئي وإلى اعتالل صحة اإلنسان. نحو البيئة. وتقدم نظريات التعلم االجتماعي تفسيرا لبعض الطرق التي بھا تتكون االتجاھات ووفقا لھذه النظريات إذا الحظنا شخصا آخر( نموذج) يسلك بطريقة معينة فربما نقلد ذلك السلوك. وإذا الحظنا أن النموذج يلقى إثابة على سلوكه أو إذا تلقينا نحن إثابة على تقليد ذلك السلوك فمن المتحمل كثيرا أن نكرر ذالك السلوك والعكس صحيح في حالة العقاب فمثال إذا الحظ طفل أن والده ال يھتم بنظافة الشوارع والطرقات أو ال يھتم بالمحافظة على الماء والكھرباء في المنزل فإنه قد يقلد ھذا النموذج السلوكي المالحظ. ھذا الشكل من أشكال التعلم يعرف ب"التعلم بالمالحظة learning" "observational الذي به 83 يمكن تفسير تعلم الكثير من االتجاھات نحو البيئة ويعتبر أصحاب ھذا االتجاه (التعلم االجتماعي) أن البيئة ومشكالتھا من المشكالت االجتماعية أكثر من كونھا تعكس عدم الكفاءة الشخصية وتؤكد نظرية التعلم المعرفي أن التقليد والمحاكاة له أثر كبير في نشأة وتطور االتجاھات والسلوكيات. ھذا التقليد أو التعلم ھو تعلم بالنموذج كتقليد الوالدين المدرس نجوم السينما وعلى ذلك فالمجتمع يلعب دورا ھاما في التشجيع على تكرار ھذه السلوكيات خاصة إذا ما أثاب الفرد أو الجماعة على ھذه االتجاھات أو السلوكيات والعكس صحيح. بمعنى أن اتجاھات وسلوكيات األفراد والجماعات تجاه البيئة ھي سلوك متعلم عن طريق التفاعل االجتماعي بين الفرد ومن يتعلم 84 منه ھذا السلوك. - طلعت منصور غب : دراسات تجريبية في االتجاھات النفسية نحو البيئة في الكويت مرجع سابق ص _ نظيمة أحمد سرحان: منھاج الخدمة االجتماعية لحماية البيئة من التلوث القاھرة: دار الفكر العربي 2005 ص
56 تكوين االتجاھات نحو البيئة ھو ھكذا نتاج عملية تعلم من خالل الخبرة االجتماعية المعاشة لألفراد في بيئتھم. واالتجاھات في ذالك تتضمن عدة مكونات متكاملة: المكونات االنفعالية أو الوجدانية(الشعور باالرتياح أو عدم االرتياح الحب أو الكراھية بالتأييد أو الرفض لموضوع من الموضوعات) والمكونات المعرفية أو مجموعة المعارف والمعتقدات المرتبطة بموضوع اإلتجاه والمكونات النزوعية أو السلوكية وھي مجموعة األنماط السلوكية أو االستعدادات السلوكية التي تتسق أو من المفروض أن تتسق مع االنفعاالت والمعارف المتعلقة بموضوع االتجاه. ثالثا: _1 تطور االتجاھات البيئية وعالقتھا بالسلوك البيئي: االتجاھات البيئية في ضوء نظريات عالقة اإلنسان بالبيئة: كانت وال تزال عالقة اإلنسان بالبيئة وموقفه منھا قضية تستثير جدال كثيرا فلقد وجد"جالكين" في استعراضه لتاريخ الفكر الغربي عن الطبيعة والثقافة منذ الحضارة اإلغريقية حتى القرن الثامن عشر ثالثة توجھات فكرية بشأن ھذه العالقة: فكرة التأثير البيئي فكرة اإلنسان كعامل جغرافي وفكرة األرض المصممة التي تعبر عن االتساق بين اإلنسان والبيئة. أما "كلوكھوھن وسترودبك" فيميزان في عالقة اإلنسان بالبيئة بين ثالثة اتجاھات: خضوع اإلنسان للطبيعة وسيطرتھا عليه وسيطرة اإلنسان على الطبيعة 85 واالنسجام مع الطبيعة. وسترودبك" ومن الواضح أن ثمة تقارب بين ھذه المفاھيم الثالث كما حددھا "كلوكھوھن و"جالكين" رغم اختالف االھتمامات العلمية بين ھؤالء الباحثين. ھذه المفاھيم سلوكيا يشير المفھوم األول (التأثير البيئي خضوع اإلنسان للطبيعة) وإذا فسرنا إلى العوامل البيئية كمتغيرات مستقلة والسلوك اإلنساني كمتغيرات تابعة والعكس بالنسبة للمفھوم الثاني (اإلنسان كعامل جغرافي سيطرة اإلنسان على الطبيعة) اإلنساني كمتغيرات مستقلة والتغيرات في البيئة كمتغيرات تابعة. يحاول الذي يعتبر السلوك أما المفھوم الثالث فھو 86 إقامة نوع من التوازن بين ھاتين الفئتين من المتغيرات. وھذا ما ت شير إليه نظريات عالقة اإلنسان بالبيئة. - طلعت منصور غب : دراسات تجريبية في االتجاھات النفسية نحو البيئة في الكويت مرجع سابق ص. 147 المرجع نفسه ص
57 وعليه فقد تباينت نظريات العالقة بين اإلنسان والبيئة وفي محاولة إيكولوجية لتصنيف التوجھات التي تناولت موقع الفرد بالنسبة للبيئة تم تصنيفھا في ثالث فئات: اإلنسان خاضع للطبيعة اإلنسان مسيطر على الطبيعة اإلنسان متآلف مع الطبيعة. ويفترض المنحى األخير وجود عالقة توافقية بين القوى الطبيعية واستخدام اإلنسان للبيئة. 87 وتقوم ھذه العالقة على منحى تعاوني مع البيئة قد يسفر عن استخدام أفضل للبيئة. فخضوع اإلنسان للطبيعة يعني أن ھناك عالقة مقررة تستند إلى الحتمية. وأساس ھذه العالقة أن اإلنسان يتفاعل مع بيئته متأثرا في دائرة تعكس خضوع اإلنسان للبيئة. فاإلنسان ال يمكنه أن يحيى بعيدا عن البيئة وال بمعزل عنھا ما دامت البيئة تقدم له العناصر الحياتية من طاقة وغذاء وكساء وھواء وماء وغيرھا. فالنظرية أو المدرسة الحتمية (Determinism) وكما تسمى أيضا بالمدرسة البيئية ت ظھر سلطان البيئة على مقدرات اإلنسان وبالتالي فھي تعطي للبيئة الطبيعية الوزن األكبر في مجال العالقة بين اإلنسان وبيئته وتنظر ھذه المدرسة إلى اإلنسان باعتباره كائن سلبي تجاه قوى الطبيعة وھو من خالل الحتمية البيئية م سير وليس م خير. ويقوم الفكر الحتمي أو البيئي على مفھوم أساسي ھو أن اإلنسان يتواجد في بيئته التي تؤثر فيه تأثيرا أكيدا ومن الضروري أن يتكيف معھا ويعيش في حدود إمكانياتھا. وھذا االعتماد الوثيق يقتضي تدفقا ذا اتجاه واحد من البيئة إلى مكوناتھا أي أن ھناك حركة 88 مركزية جاذبة من البيئة إلى الكائنات الحية والمجتمعات اإلنسانية. والحتمية في الحقيقة دعوة قديمة قدم الفكر البيئي. من ھيبوقراط وأرسطو الذين ربطا بين المناخ وطبائع الشعوب وعاداتھم. ومن روادھا األقدمين نذكر كل فعلى سبيل المثال وصف أرسطو سكان شمال أوربا بأنھم شجعان ويمتازون بالجرأة إال أنھم يفتقرون إلى المھارات والخبرات بينما امتاز اآلسيويون بالمھارة والخبرة إال إنھم تنقصھم الشجاعة. ھذا بينما امتاز اإلغريق بالجرأة والشجاعة من ناحية والخبرة والمعرفة من ناحية أخرى. وظھر نفس االتجاه في مقدمة ابن خلدون في العصور الوسطى الذي أوضح فيھا أثر الھواء في أخالق البشر والمناخ في طبائع الشعوب. فقد وصف مثال أھل المناطق الحارة - محمد بن عليثة األحمدي: دور علم النفس في تعديل االتجاھات نحو البيئة مرجع سابق. _ حسين عبد الحميد أحمد رشوان: البيئة والمجتمع دراسة في علم اجتماع البيئة مرجع سابق ص
58 بالخفة والطيش والتأخر بينما وصف أھل حوض البحر المتوسط بالجرأة والشجاعة 89 والمعرفة. ومع كل ھذا لم يكن الفكر الحتمي مبلورا كنظرية أو فلسفة واضحة المعالم حتى منتصف القرن 19 عندما أعلن "فريدريك راتزل" األلماني الجنسية (1844 _1904) مبدأ الحتمية في عالقة اإلنسان مع بيئته ويقوم الفكر الحتمي أو البيئي عند راتزل على أساس واضح وھو أن اإلنسان يعيش في بيئة تؤثر فيه تأثيرا كبيرا وعليه أن يتكيف مع بيئته ويعيش على ما تجود به من موارد. ثم جاءت بعده تلميذته "ألن سمبل" (1863 _1932) التي أخذت على عاتقھا الدعوة لھذه المدرسة ) النظرية ( في الواليات المتحدة األمريكية وقد فاقت في حماسھا للحتمية حماس أستاذھا وفي ھذا الصدد تقول "ألن سامبل" " Ellen :"Sample أن اإلنسان ابن البيئة فھي التي ربته ورعته لقد تخللت البيئة عظامه ولحمه وعقله وروحه كما وجھت أفكاره وغيرت من ألوانه وأشكاله ونشاطاته أو بمعنى آخر أن 90 البيئة ھي كل شيء في حياة اإلنسان. والنظرية الحتمية ھذه واجھت معارضة من مدارس أخرى ترى العكس في عالقة اإلنسان بالبيئة فھناك رأي مضاد للحتمية يرى أن ) اإلنسان ھو المسيطر على البيئة) وليس مجرد مخلوق سلبي ينصاع لسلطان البيئة الطبيعية فال يستطيع تغييرھا لصالحه. فاإلنسان بما حباه من فكر وإدراك وقدرات يستطيع أن يحول المظاھر البيئية لصالحه فيطوع عوامل البيئة الحتياجاته واختياراته وإرادته في اتخاذ القرارات التي تفيده وليس الخضوع لحتمية البيئة المطلقة. االحتمالية أو المدرسة اإلمكانية وقد أطلق على النظرية المضادة لفكرة الحتمية النظرية "Possibilism" التي ظھرت في منتصف القرن العشرين. وتتلخص فلسفة ھذه المدرسة في أن اإلنسان ليس مجرد مخلوق سلبي غير مفكر خاضع تماما لمؤثرات وضوابط البيئة الطبيعية ولكنه قوة ايجابية فعالة ومفكرة وذات خاصية ديناميكية من التغير والتطور كما ترتكز فلسفة ھذه المدرسة على أن البيئة الطبيعية تقدم لإلنسان عددا من االختيارات وأن اإلنسان بمحض إرادته يختار منھا ما يتالءم مع قدراته وأھدافه وطموحاته وتقاليده. كما ترى أنه ما من بيئة لم تمتد إليھا يد - عبد الرحمن بن خلدون: المق دمة ض بط وش رح وتق ديم: محم د اإلس كندراني بي روت: دار الكت اب العرب ي 2005 ص ص 79_ زين الدين عبد المقصود: البيئة واإلنسان_عالقات ومشكالت الكويت: دار البحوث العلمية 1981 ص
59 اإلنسان بالتعديل والتغيير والتحوير وال تكاد توجد بيئة ما لم تتضمن آثار وبصمات أنشطة اإلنسان فالبيئة لم تعد مظھرا طبيعيا بل أيضا مظھرا إنسانيا وحضاريا في نفس الوقت. ومن ثم ليس ھناك حتمية مطلقة صارمة بل ھناك إمكانية مرنة وبما أن اإلنسان ھو سيد 91 البيئة والمسيطر عليھا فھو الذي يحدد نمط استغالله لموارد بيئته. والنظرية االحتمالية ھذه تستند إلى البراھين الواقعية في ھذا العصر من حيث تأكيدھا على الدور الفاعل لإلنسان في البيئة وقدرته على تغيير البيئات الطبيعية إلى بيئات مشيدة وتزايد إبداعاته وتفوقه الصناعي وغيرھا فضال عن تعاظم دور اإلنسان في إحداث تغييرات جذرية في البيئة الطبيعية نجمت عنه آثار بيئية سلبية أو ايجابية خصوصا في القرن الواحد والعشرين حيث الطفرات الصناعية والتكنولوجية والتوسعات في االكتشافات العلمية وتزايد األبحاث الطبية والتقنية وغيرھا. وربما األزمة اإلنسانية الحالية المتجسدة في التدمير البيئي وتصاعد الخالفات على استغالل الموارد الطبيعية واحتماالت حدوث نزاعات حربية مدمرة للبيئة ھي بعض الظواھر المخيفة لقدرة اإلنسان على أن يكون فوق البيئة مسيطرا على كل مقوماتھا 92 ووجودھا أرضا وبحرا وجوا. ومع ذلك فقد ظھرت مدرسة أخرى تحاول أن تخلق توليفة واحدة بين النظريتين: الحتمية واالحتمالية في عالقة اإلنسان بالبيئة. وھذه (النظرية التوفيقية أو التكيفية) التي تؤكد أن النظريتين السابقتين ليستا على خطأ وإنما ھناك وسطية بين الخضوع للبيئة وسيطرة اإلنسان عليھا اعتمادا على الحالة البيئية. ففي بعض البيئات نجد تعاظم الدور البيئي وتأثيراته البالغة على سلوك الفرد المنفلت أو غير المنضبط بينما في بيئات أخرى يحدث الدور اإليجابي لإلنسان في مواجھة معوقات البيئة وتنطلق النظرية التوافقية من الواقع الفعلي ألوجه العالقات الفعلية القائمة بين البيئة واإلنسان. ومن ثم يرى رواد ھذه المدرسة أن الحتمية قائمة في بعض البيئات واإلمكانية قائمة في بيئات أخرى فإذا ما اقترنت بيئة صعبة مع إنسان متخلف تسود الحتمية وإذا ما اقترنت بيئة سھلة مع إنسان متطور تسود اإلمكانية. - المرجع نفسه ص محمد بن عليثة األحمدي: دور علم النفس في تعديل االتجاھات نحو البيئة مرجع سابق
60 والواقع أن طرح قضية موقف اإلنسان من البيئة واتجاھه نحوھا ال يتم بنظرة ثنائية: البيئة في مقابل اإلنسان أو اإلنسان في مقابل البيئة. فھذه النظرة تفترض تأثيرات سببية مباشرة بسيطة: البيئة تؤثر في اإلنسان أو اإلنسان يؤثر في البيئة. ولكن النظرة الدينامية إلى العالقة بين اإلنسان والبيئة تؤكد على التفاعل المتبادل بينھما وعلى دور العمليات 93 النفسية التي تتوسط ھذا التفاعل. وھذا ما تنادي به مدرسة التفاعل "Interaction" التي ترى أن ھناك تأثير متبادل بين البيئة ومكوناتھا فالكائن الحي ال يتأثر بكل ما يحيط به من ظواھر كالحرارة والطاقة فحسب بل أن البيئة ھي األخرى تتأثر بالكائن الحي عن طريق التغذية المرتدة الخارجية التي يسري تيارھا إلى البيئة بمعنى أن البيئة تؤثر في الكائنات الحية التي تسكنھا وھي 94 بدورھا تؤثر في البيئة المحيطة. وتعد ھذه المدرسة أقرب إلى الواقعية والموضوعية فقد أكدت على وجود عالقة تفاعلية بين اإلنسان والبيئة. فالواقع يشير إلى أن إشباع احتياجات اإلنسان تتم عن طريق تحويل بعض عناصر المنظومة البيئية إلى مصادر ثروة تزيد من درجة إشباعه الحتياجاته. واإلنسان يحاول جاھدا اكتشاف الجديد لمعالجة العناصر المتوفرة في ھذا المحيط بتقنيات 95 جديدة الستخدامھا. وتقدم النظرية التفاعلية معطيات تساعد على فھم العالقة بين البيئة واإلنسان فكال اإلنسان والبيئة يتفاعالن في سياق موقف محدد وأنه يمكن لذلك تناولھما في ضوء الموقف الذي يتفاعالن فيه. ھكذا يمكن النظر إلى البيئة على أنھا عملية مستمرة نشطة كلية تتضمن تفاعال بين كل مكوناتھا وإلى أن اإلنسان وبيئته كل متكامل ال ينفصل وأن كالھما 96 يتحدد على أساس تفاعلھما في سياق مواقف كلية معينة. يتفق تناول قضية عالقة اإلنسان ببيئته واتجاھه وفقا لھذا المنظور الدينامي أيضا مع المنحى المعروف ب( التفاعل التعاملي المتبادل) ) (Transactionism الذي قدمه" ديوي وبنتلي" فاإلنسان وفقا لھذه النظرية ينتمي إلى عالمه البيئي كمكون متكامل معه. ويكون 93 - Holahan.C.J: Environment and behavior, New york: Plenum Press, 1978, p.10_11 _ حسين عبد الحميد أحمد رشوان: البيئة والمجتمع دراسة في علم اجتماع البيئة مرجع سابق ص 94. _ المرجع نفسه ص طلعت منصور غب : دراسات تجريبية في االتجاھات النفسية نحو البيئة في الكويت مرجع سابق ص
61 سلوك اإلنسان وحتى أكثر معارفه تقدما ليس نشاطا ي عزى إليه وحده ولكن كعمليات 97 للموقف الكلي لإلنسان_البيئة ھكذا تكون عالقة اإلنسان بالبيئة كعالقة العضو بالجسم فكل عضو من أعضاء الجسم يغذي ويتغذى يأخذ ويعطي. والبد في ذلك كله من حدوث توازن كلي في ھذه العالقة الوظيفية المتبادلة بين اإلنسان وبيئته وال بد في كل ذلك من ترشيد العالقة بين مدخالت ومخرجات نظام التفاعل بين اإلنسان وبيئته. فلكل نظام مدخالته ومخرجاته وكل مخرجاته تصبح مدخالت وكذا في عالقة دائرية مركبة. ولكن اإلنسان بسلوكه البيئي وباتجاھاته السلبية نحو البيئة لم يقم وزنا كبيرا لھذا التوازن فصار يأخذ من البيئة أكثر مما يعطيھا ولم يعن كثيرا بالمحافظة على قوتھا وفاعليتھا 98 ورونقھا واختالل توازنھا مصدر الكثير من المشكالت البيئية. 2_ االتجاھات البيئية في ظل مراحل تطور عالقة اإلنسان بالبيئة: لقد مرت عالقة اإلنسان بالبيئة بمراحل تطور تعكس ظھور االتجاھات البيئية المختلفة وتعقدھا من جھة ودرجة االھتمام بالبيئة من جھة أخرى. وسنحاول ھنا استكشاف ھذه العالقة في سياقھا التاريخي من خالل التعرض إلى الخط السوسيو_تاريخي لإلنسان ومسار تحول اتجاھاته نحو البيئة وقبل التطرق إلى ذلك نشير إلى أن االتجاھات البيئية ھي من بين أولى االتجاھات التي تكونت لدى اإلنسان منذ وجوده على األرض ألن اتصاله األول والمباشر كان بينه وبين البيئة المحيطة به. _1_2 االتجاھات البيئية في مرحلة جمع الثمار وصيد الحيوانات: وتبدأ من األصول األولى للجنس البشري حتى سنة 7000 قبل الميالد تقريبا. وتعتبر ھذه أول مرحلة مارس فيھا اإلنسان نشاطاته بطريقة بدائية وبسيطة فقد قنع بما تجود به الطبيعة فقام بقطف الثمار وجذور النباتات والقواقع والحشرات لسد حاجته الغذائية وقام كذلك بصيد األسماك والحيوانات البرية. وبالتالي فإن سلوكه في ھذه المرحلة كان سلوكا فطريا تميز بالتفاعل اإليجابي مع البيئة الطبيعية حيث عمل على استغاللھا 99 وفق ما تقتضيه احتياجاته وكان نشاطه محدودا ال يتعدى ما يشبه أثر الكائنات األخرى المرجع نفسه ص محمد بن عليثة األحمدي: دور علم النفس في تعديل االتجاھات نحو البيئة مرجع سابق. _ حسين عبد الحميد أحمد رشوان: البيئة والمجتمع دراسة في علم اجتماع البيئة مرجع سابق ص
62 ونشير إلى أن ھذه المرحلة قد اتسمت بالتوازن بين اإلنسان والبيئة التي يعيش فيھا ذلك ألن أعداد البشر كانت تتزايد بمعدالت خطية بطيئة وألن معدالت استھالكھم للموارد الطبيعية كانت ھينة وألن مخرجاتھم من مخلفات نشاطاتھم كانت مما تستوعبه العمليات البيئية الطبيعية أي في حدود قدرة البيئة على الحمل وبالتالي فإن حاجات اإلنسان في ھذه المرحلة كانت محدودة بقدر ما ھي محدودة ثقافته وتكنولوجيته وكذا محدودية اتجاھاته البيئية التي كانت ترى في البيئة وعناصرھا مصدرا لسد حاجاته الفطرية البسيطة وأولھا الغذاء حيث نجده استخدم الحجر المشقوف للصيد كما استعمل النار لمطاردة قطعان الحيوانات تمھيدا لصيدھا لذلك عاش اإلنسان في ھذه المرحلة في توازن وانسجام مع بيئته الطبيعية. "األنيميزم" كما تتميز مجتمعات القنص والجمع غالبا بارتباطھا بنمط ديني معين يعرف ب أو المبدأ األحيائي."Aminism" ويرتكز ھذا المبدأ على االعتقاد بأن األرواح 100 تسكن كل شيء في عالم الطبيعة. وھو ما ينم عن اتجاھات بيئية تحمل في صميمھا نظرة احترام وتقديس ھذه المجتمعات لبيئتھم الطبيعية. _2_2 االتجاھات البيئية في مرحلة الرعي: وتبدأ من سنة 7000 قبل الميالد وحتى سنة 3000 قبل الميالد. وقد انتقل اإلنسان إلى ھذه المرحلة عقب مرحلة الصيد ذلك أن قدرة اإلنسان على اكتساب الخبرة والمعرفة ونقلھا إلى األجيال من بعده جعلته أفضل تكيفا للعيش في البيئة فقد اكتسب الخبرة في تحسين ظروف حياته تدريجيا حيث بدأ بتربية بعض الحيوانات لتوفير بعض حاجياته (غذاء كساء...الخ). لمجتمعات الزراعة البدائية والبسيطة. وتغطي مجتمعات الرعي نفس المرحلة من التطور التكنولوجي التي فلقد استأنست الحيوانات واستزرعت النباتات في 101 نفس الوقت تقريبا وسارت العمليتان يدا بيد وجنبا إلى جنب. وتتميز ھذه المرحلة بالتنقل فكانت تنتقل الجماعة وراء المراعي حيث تعيش على المراعي الطبيعية وبذلك ينتفع الناس بمنتجات الحيوان نتيجة الرعي واستئناس الحيوان. وخالل ھذه المرحلة بدأت تظھر عوامل االختالل في توازن البيئة الطبيعية نتيجة اإلفراط في الرعي وقطع الغابات مما أثر سلبا على إنتاجية األرض. ويمكن القول أن ھذه المرحلة _ السيد عبد العاطي السيد: البيئة والمجتمع اإلسكندرية: دار المعرفة الجامعية 2007 ص 132. _ المرجع نفسه ص
63 وسعت من دائرة استغالل اإلنسان لموارد البيئة الطبيعية نتيجة اإلفراط في الرعي والذي أثر على توازن البيئة. _3_2 االتجاھات البيئية في مرحلة الزراعة: وتبدأ من سنة 3000 قبل الميالد حتى سنة 1800 ميالدي. وقد كان الدخول إلى ھذه المرحلة بعد تحقيق المجتمعات اإلنسانية مخزونا متراكما من المعلومات الجوھرية حول النباتات والحيوانات. لقد ألف الناس األنماط السلوكية لبعض الحيوانات مثلما ألفوا سلوكھم أنفسھم وتمكنوا من تحديد مئات األنواع من النباتات الصالحة لألكل وأصبحوا على دراية تامة بعمليات إنتاجھا وتكاثرھا ونموھا. لذلك كان التحول من صيد الحيوانات إلى رعيھا ومن جمع الفواكه والخضروات إلى زراعتھا يمثل خطوة طبيعية ال تتطلب تفسيرا خاصا كما قد يتخيل البعض. فالتحول من الجمع والقنص إلى الرعي ثم الزراعة أمنت المجتمعات لنفسھا مصدرا للغذاء أو الطعام أكبر وأكثر استقرارا ولقد كان من الطبيعي أنه عندما 102 المجتمعات شطرھا. فھمت مبادئ زراعة النباتات تحولت األعداد الكبيرة من أعضاء فبعد أن أخذ اإلنسان في االستقرار ودجن بعض الحيوانات بدأ في ھذه المرحلة بزرع بعض أنواع النباتات وبذلك أصبح منتجا للغذاء بحيث ارتبطت ھنا حياة اإلنسان باألرض واستقرت حياته فيھا وبدأ رصيده الثقافي والتكنولوجي باالتساع وتعددت اختراعاته شيئا فشيئا حيث أقام القناطر وشيد بعض السدود على األنھار للتحكم في مياھھا عالوة على إبداع أساليب ونظم جديدة للري وقد ازدادت سيطرة اإلنسان على عناصر الطبيعة حينما استخدم اآلالت في الزراعة وأنتج المحاصيل وربى الحيوانات بشكل واسع ليستھلك لحومھا وألبانھا في غذائه وأوبارھا في كسائه وبھذا صار اإلنسان أھم عنصر من عناصر االستھالك واختفت تقريبا بقية عناصر البيئة األخرى خلف أنشطة اإلنسان العديدة. وفي ھذه المرحلة أخذ اإلنسان يؤثر في البيئة سلبا كمزارع ومربي حيوانات ويحرق الغابات ويستخدم مناطقھا ألغراض الزراعة والرعي مما أدى إلى تآكل التربة وارتفاع معدالت انجرافھا وفي ھذا الصدد تشير الباحثة " نعمت عنيسى " إلى أن: "توازن الطبيعة وقع اإلخالل به لدى ظھور الطبيعة البدائية كعائق أمام نمو الزراعة(..) _ السيد عبد العاطي السيد: البيئة والمجتمع مرجع سابق ص
64 وكان الغذاء ولم يزل مشكلة اإلنسان البدائي والمعاصر وكذلك مشكلة الحيوان وقد حل البدائي مشكلته بالقنص واإلفادة من انتاج الطبيعة. لكنه أراد أن يرفع مستواه الغذائي فزرع 103 األرض وجردھا من غاباتھا التي كانت تغطي مساحات شاسعة". غير أنه ينبغي اإلشارة في ھذا الصدد إلى أنه لما علم بعض الناس بأن نشاطھم الزراعي له آثار سلبية على البيئة تعلموا بعض الطرق لحمايتھا " فالصينيون القدماء مثال عينوا مفتشين لكفالة عدم تردي األراضي المزروعة نتيجة سوء الممارسة واليونانيون والرومان القدماء كتبوا عن العناية بالتربة وإدارة األرض. فكتب أفالطون في " القوانين" 104 الملوث". ما يمكن اعتباره أول تعبير معروف عما نصفه اآلن بأنه مبدأ الغرم على كما أنه على الرغم من التغيرات البيئية التي بدأت تأخذ شكلھا على سطح الكرة األرضية في ھذه المرحلة إال أن الدورات الطبيعية استطاعت استيعابھا في ھذه المرحلة 105 بفعل الكائنات الحية وخاصة الدقيقة منھا. غير أنه على مر آالف السنين ونتيجة بحث اإلنسان عن مناطق نفوذ وأراض جديدة للزراعة أدى إلى اختفاء حضارات بأكملھا وأوضح" ديل وكارتر" في كتابھما "القوى: التربة الفوقية والحضارة" عن تدھور حضارة شمال إفريقيا بالقرب من قرطاج القديمة " تونس الحالية" نتيجة الغزو الروماني حيث " عمدت روما إلى الزراعة الكثيفة لتعويض انخفاض المحصول مما أدى إلى إفقار الناس على مر التاريخ وحتى وقتنا الراھن كما أدى ذلك إلى استنزاف عدة أراضي زراعية جديدة نتيجة الزراعة والرعي الكثيف مما ساھم في 106 تدھور اإلنتاجية وأدى في النھاية إلى تدمير األرض إلى األبد". وكما تشير الدراسات التاريخية والحفريات العلمية إلى أن العصر النيوليتيكي Neolitlique كان منعرجا حاسما غير من فعل اإلنسان في الطبيعة إذ جعله أكثر نعمة عنيسي: مخاطر تلوث البيئة على اإلنسان لبنان: دار الفكر العربي 1998 ص مصطفى كمال طلبة: إنقاذ كوكبنا التحديات واآلمال ) حالة البيئة في العالم 1972_1992) بيروت: مرك ز دراس ات الوحدة العربية 1992 ص _ سوزان أحمد أبو رية: اإلنسان والبيئة والمجتمع اإلسكندرية: دار المعرفة الجامعية 2008 ص موسثيت دوغالس: مب ادئ التنمي ة المس تدامة ترجم ة بھ اء ش اھين الق اھرة: ال دار الدولي ة لالس تثمارات الثقافي ة 1997 ص ص 14_13. ھو العصر الحجري الجديد أين ظھرت أدوات حجرية مصقولة وبدايات تربية الماشية والزراعة.
65 تأثيرا وتدميرا مقارنة بوضعه في العصر الباليوتيكي Palèolitlique 107 ففي العصر النيوليتيكي تسبب اإلنسان في تحوالت واضحة في محيطه الطبيعي ببدئه تمھيد األرض بسبب نشاطاته الزراعية والرعوية إلى استخدام النار من أجل الحفاظ على مراعي ماشيته ھذه التغيرات ما لبثت أن تسارعت خالل مر العصور حتى أن بعض الحضارات زالت وھي نفسھا ساھمت في تقريب ھذه النھاية باستنفاذ المصادر الطبيعية كحضارة المايا مثال وبالتالي فإن ھذه األمثلة تنم عن تحول سلبي واضح في االتجاھات البيئية لإلنسان في ھذه المرحلة والتي انعكست في مظاھر اإلخالل بالتوازن البيئي نتيجة سعي اإلنسان للبحث عن مناطق نفوذ وأراضي جديدة للزراعة وتجريد األرض من غاباتھا. _4_2 االتجاھات البيئية في مرحلة الصناعة: تبدأ ھذه المرحلة من سنة 1800 ميالدي وحتى الوقت الراھن. فقد كا التراكم التدريجي للمعلومات التكنولوجية خالل المرحلة الزراعية بمثابة المبشر األول بحدوث الثورة الصناعية فقد مھد ھذا المخزون الھائل من المعلومات الطريق إلى زيادة سرعة معدالت التجديد التكنولوجي عندما أصبحت الظروف األخرى داخل المجتمعات أكثر مالئمة. وبالتالي أدى ھذا التراكم المعرفي والثقافي والتكنولوجي إلى دخول اإلنسان مرحلة الثورة الصناعية حيث تطورت الحرف المھنية وشيدت المصانع واخترعت اآللة البخارية من قبل "جيمس واط" سنة والتي تعتبر رمزا لبداية الثورة الصناعية. حيث استطاع اإلنسان باستخدام التكنولوجيا الحديثة تحويل الموارد الطبيعية إلى سلع وخدمات مختلفة وصاحب ذلك بالطبع مواد ونفايات غريبة عن النظم البيئية الطبيعية كالغازات الصناعية والمبيدات الكيميائية واأللياف الصناعية والبالستيك وغيرھا من المواد التي لم تكن ضمن مكوناتھا األساسية. وقد عجزت الدورات الطبيعية عن استيعاب ھذه المواد الدخيلة فظھرت مشاكل بيئية خطيرة أخذت تأثيراتھا السلبية تمتد إلى 109 العناصر البيئية الحية وغير الحية وظھرت مشكالت التلوث بمختلف أنواعھا. كان اإلنسان خالله عنصرا في الطبيعة يتغذى بواسطة الصيد وااللتقاط وعصر ما قبل التاريخ اإلنساني خالد شوكات: الجريمة البيئية مرجع سابق ص س امح الغرايبي ة ويح ي الفرح ان: الم دخل إل ى العل وم البيئي ة ط 4 عم ان_األردن: دار الش روق للنش ر والتوزي ع 2002 ص _ سوزان أحمد أبو رية: اإلنسان والبيئة والمجتمع مرجع سابق ص 82.
66 وأخذت اآللة التي تستعمل الوقود الحفري كمصدر للطاقة تحل محل األدوات الحرفية المستعملة في ذلك الوقت. كما استعملت وسائل النقل المختلفة مثل القطار والسفن البخارية ثم الطائرات في وقت متأخر كما أدخلت اآللة الزراعية واستعمل السماد الكيميائي والمبيدات الكيميائية في اإلنتاج الزراعي وتفاقمت ظاھرة االستھالك المفرط وغير العقالني ما أدى استنزاف أكثر للموارد الطبيعية التي طلب منھا عطاء تجاوز طاقاتھا 110 الفعلية أحيانا فبدت عليھا عالمات التدھور واالختالل. فمجيء المجتمعات الصناعية المتقدمة قلب عالقة اإلنسان بالبيئة رأسا على عقب حيث سمحت التطورات التكنولوجية الكبيرة التي شھدتھا المجتمعات الصناعية الحديثة باالتجاه نحو مزيد من االستھالك واالستنزاف لموارد البيئة من بترول وغاز وفحم وخامات معدنية خاصة مع سھولة استخراجھا بفضل التكنولوجيا وكذلك اتجاه األفراد نحو مزيد من االستھالك الذي يتطلب زيادة في وتيرة التصنيع والذي ينجم عنه زيادة في استنزاف موارد البيئة وتلويثھا. حيث أدى التقدم العلمي والتكنولوجي في ھذه المرحلة إلى فتح شھية اإلنسان تجاه البيئة فتجاوز الحدود المعقولة الحتياجاته الطبيعية فبدأت بذلك اتجاھاته البيئية تأخذ أبعادا سلبية خطيرة( قھر الطبيعة واستنزاف خيراتھا والنظر إليھا على أنھا خزان للثروة وتغليب المصلحة الفردية المادية اآلنية على مصلحة البيئة ) مما أفضى إلى أزمة حقيقية في عالقة اإلنسان بالبيئة في وقتنا الراھن. وعليه يمكن القول أن عددا من االتجاھات البيئية التي ظھرت لدى أفراد المجتمعات الصناعية كان جديدا تماما ويمثل تعارضا واضحا التجاھات بيئية ماضية ويعد السفه في استھالك موارد البيئة واستنزافھا من أبرز األمثلة على ذلك. فعلى مدى الفترة الطويلة من نھاية مرحلة الجمع والقنص وحتى المراحل المبكرة للتصنيع كان التقدم التكنولوجي دائما يصاحب بازدياد استھالك واستنزاف الموارد البيئية وكذا ازدياد معدالت التلوث البيئي. ونتيجة لذلك فقد شھدت المجتمعات الصناعية المتقدمة مظاھر استنزاف الموارد وتلوث البيئة ما لم يشھده أي مجتمع في التاريخ. _3 عالقة االتجاھات البيئية بالسلوك البيئي : - زكريا مصطفى: واقع اإلعالم والتوعية البيئية المجل ة العربي ة للثقاف ة الع دد 19 ت ونس: المنظم ة العربي ة للتربي ة والثقافة والعلوم 1990 ص ص 158_
67 ثمة عالقة وثيقة بين االتجاه البيئي والسلوك البيئي بقدر ما يتضمن االتجاه نزعة سلوكية أو استعدادا سلوكيا. ورغم أن بعضا من الباحثين في علم النفس االجتماعي(مثل ويكر) قد يتشكك في العالقة بين ) االتجاه- السلوك) وقد يعتبرھا ضعيفة أو غير متسقة إال أنه توجد دراسات عديدة تكشف عن إمكانية التنبؤ بأنماط سلوكية بيئية معينة من 111 اتجاھات معينة نحو البيئة بل لم تعد االختبارات الحديثة للعالقة بين اتجاھات األشخاص وسلوكھم خاضعة للسؤال التقليدي الذي ركزت عليه الدراسات السابقة المبكرة وھو: ھل ھناك عالقة بين االتجاه والسلوك فالدراسات الحديثة بدأت تطرح أسئلة دقيقة للغاية تدور ھذه األسئلة حول ما يلي: نوع االتجاھات والسلوك المدروس طرق القياس طبيعة العالقة بين االتجاھات والسلوك عوامل الشخصية. ويؤكد "فيشباين" على أن االتجاھات كما يجري التعبير عنھا تتأثر بالمعايير االجتماعية. ھذه المعايير في ارتباطھا مع االتجاھات تتنبأ بالمقاصد السلوكية والتي بدورھا تتنبأ بالسلوك الظاھري. فعلى سبيل المثال من المعايير االجتماعية السائدة اليوم االھتمام البالغ بالمشكالت البيئية رغم أن المشاعر الحقيقية إزاء بعض أشكال التلوث كتلوث الھواء أو الماء قد ال تكون قوية كالمعايير االجتماعية لذا يذھب "فيشباين وآجزين" إلى أن مقاييس االتجاھات التي تتضمن بنودا كافية تغطي مكونات اإلتجاه يحتمل أكثر أن 112 تتنبأ بفئة من األنماط السلوكية وتفترض بعض الدراسات (فستنجر بيم ھيبيرالين) أن االتجاھات في بعض األحيان تتبع السلوك فمثال تغيير السلوك يتبعه تغيير في االتجاھات. ورغم ما تقدمه ھذه الدراسات من تأييد لوجھة النظر ھذه التي تنطلق من نظرية التنافر المعرفي لفستنجر إال 113 أنھا ليست دائما صحيحة فاالتجاھات تسبق السلوك كما تتبع السلوك على حد سواء ومن الواضح أنه إذا جرى قياس مجموعة كافية من االتجاھات المحددة نحو البيئة وتجمعت محكات سلوكية كافية في ھذا القياس فإن دراسة االتجاھات البيئية تستطيع إلى حد كبير أن تكون " منبئات " للسلوك البيئي ) بروفولد فيشباين وآجزين أوريوردان ). - طلعت منصور غب : دراسات تجريبية في االتجاھات النفسية نحو البيئة في الكويت مرجع سابق ص المرجع نفسه ص طلعت منصور غب : دراسات تجريبية في االتجاھات النفسية نحو البيئة في الكويت مرجع سابق ص
68 تكشف دراسة قام بھا ) كولينر) عن وجود عالقات ارتباطية مرتفعة بين االتجاھات نحو المكتبات كما تقاس بمقياس لالتجاھات باستخدام طريقة التمايز السيمائي ل "أوسجود" 114 وبين المحكات السلوكية كما تتحدد بكيفية االستخدام الفعلي للمكتبات وھذا ما يدعى بمعيار تناسب القياس. وعليه فعندما يختلف مستوى قياس االتجاه البيئي عن مستوى قياس السلوك البيئي تضعف العالقة بينھما أي يضعف التنبؤ بالسلوك البيئي لألفراد من درجاتھم على مقياس االتجاھات البيئية. وھذا من الناحية النظرية أما من الناحية العملية نقول أن امتالك الفرد التجاه بيئي معين يؤدي به إلى أن يسلك سلوكا بيئيا يتوافق مع ذلك االتجاه وأن عدم تنبؤ االتجاھات التي نقيسھا أحيانا بالسلوك يرجع إلى عيب في معيار تناسب القياس ال إلى خلل بين االتجاه الفعلي والسلوك الفعلي. شرط أال يكون ھناك خلل في بناء االتجاه في حد ذاته بمعنى أن يكون ثمة اتساق بين مكونات االتجاه. فلو انخفضت درجة االتساق بين المكونين المعرفي "الذھني" والعاطفي "الوجداني" التجاه ما فإن درجات األفراد على مقياس االتجاھات لھذا االتجاه لن تتنبأ بسلوكھم وھو ما أشرنا إليه في الفصل السابق. كما أنه كلما كان االتجاه البيئي قويا وكلما كان االرتباط بين مكوناته المعرفية والوجدانية والسلوكية قويا كلما أصبحت عالقته بالسلوك البيئي لصيقة وھو ما أوضحته بعض الدراسات التي تشير إلى أن االتجاھات المتكونة من خالل الخبرة المباشرة بموضوع االتجاه ترتبط بعالقة أكثر قوة بالسلوك الظاھر وذلك بالمقارنة باالتجاھات المتكونة بأسلوب آخر وھو ما أشرنا إليه في الفصل السابق أيضا. وعليه فإن رصيد الخبرات البيئية للفرد واحتكاكه بمختلف عناصر البيئة أو بقضية بيئية معينة تزيد من قوة اتجاھه البيئي ومن عالقة ھذا االتجاه بسلوكه البيئي. كما أن ھذه العالقة تزداد قوتھا كلما كان االتجاه وثيق الصلة بحياة اإلنسان فمثال االستجابة السلوكية لشخص ما تجاه حشرة سامة أو طعام فاسد أو اتساخ المنزل...الخ تكون قوية ذلك أن اتجاھه ھنا جد لصيق بحياته اليومية غير أننا نجد استجابته السلوكية تجاه ظاھرة الدفيئة أو ثقب األوزون مثال ضعيفة إلى حد ما لضعف صلة ھذا التجاه بحياته اليومية المرجع نفسه ص 151.
69 رابعا: االتجاھات البيئية المعاصرة وأزمة العالقة بين اإلنسان والبيئة_مقاربة سوسيولوجية: 1_ مظاھر أزمة عالقة اإلنسان بالبيئة: لقد أدى التعامل غير العقالني لإلنسان مع البيئة إلى تأزم عالقته بھا وقد تجلت مظاھر ھذه األزمة في ظھور عدد من المشكالت البيئية الخطيرة وأھمھا: 1.1 -مشكلة التلوث البيئي: ويعرف التلوث بأنه تواجد أي مواد تفسد نظام الطبيعة وما تحتويه من كائنات نباتية وحيوانية وغالف جوي باإلضافة إلى إفسادھا للخواص يؤدي ذلك إلى اإلخالل بالتوازن البيئي. الطبيعية والكيميائية لألشياء بحيث كما أ شير إلى التلوث كذلك على أنه: حدوث تغير أو خلل في النظام اإليكولوجي للبيئة وفي الحركة التوافقية التي تتم بين مجموعة من 115 العناصر المكونة للنظام اإليكولوجي. ويرى البعض أن التلوث وكميتھا المناسبة. ھو وجود أي مادة أو طاقة في غير مكانھا وزمانھا فالماء يعد ملوثا إذا ما أضيف إلى التربة بكميات تحل محل الھواء فيھا واألمالح تعد ملوثا عندما تتراكم في األرض الزراعية بسبب قصور نظام الصرف والنفط مكون من مكونات البيئة لكنه يصبح ملوثا عندما يتسرب إلى مياه البحار واألصوات 116 عندما تزداد شدتھا عن حد معين تعد ملوثات تضايق اإلنسان. وفي ضوء ذلك يبدو جليا وواضحا أن تلوث البيئة يشمل: - التلوث الملموس: ويتمثل في التلوث الغازي ) في الجو) والتلوث الصلب (الفضالت والنفايات وغيرھا) والتلوث اإلشعاعي ) بالمواد الكيماوية وغيرھا من الملوثات السائلة). اإلشعاع النووي ) والتلوث السائل (تلوث المياه - التلوث الحسي: ويتمثل في التلوث الضوضائي ) ضوضاء المصانع حركة المرور ازدحام الشوارع والساحات وأصوات الطائرات واآلالت الكھربائية...الخ ) والتلوث البصري ) انعدام مظاھر الجمال في البيئة وسيادة مظاھر القبح فيھا). _ حسين عبد الحميد أحمد رشوان: البيئة والمجتمع دراسة في علم اجتماع البيئة مرجع سابق ص محمد محمود السرياني: المنظور اإلسالمي لقضايا البيئة- دراس ة مقارن ة الري اض: جامع ة ن ايف للعل وم األمني ة مركز الدراسات والبحوث 2006 ص
70 وعليه فالتلوث البيئي ھو تغيير الصفات الطبيعية للعناصر التي تتحكم في البيئة التي يعيش فيھا اإلنسان و أھمھا الماء و الھواء و التربة تغيير يؤدي إلى اإلضرار بھا نتيجة االستعماالت غير السليمة لھذه العناصر و قد يكون ھذا التلوث ملموسا أو محسوسا. فقد أصبح تلوث البيئة ظاھرة نحس بھا جميعا فلم تعد البيئة قادرة على تجديد مواردھا الطبيعية فاختل التوازن بين عناصرھا المختلفة ولم تعد ھذه العناصر قادرة على تحليل مخلفات اإلنسان أو استھالك النفايات الناتجة من نشاطاته المختلفة وأصبح جو المدن ملوثا بالدخان المتصاعد من عوادم السيارات وبالغازات المتصاعدة من مداخن المصانع ومحطات الطاقة والھواء في أغلب المناطق المأھولة اختلت فيه نسب الغازات المكونة له لصالح الضار منھا بفعل آالت االحتراق الداخلي في المصانع والسيارات مع تقلص المساحات الخضراء والغذاء وصل إليه التلوث عن طريق المبيدات والكيماويات الحافظة وغيرھا من اإلضافات الضارة والتربة أصابھا التلوث بسبب بقايا المبيدات واألسمدة الكيماوية والمخلفات الغريبة واألمالح الزائدة وحتى الكائنات الحية لم تخل من ھذا التلوث فكثير منھا يختزن في أنسجته الحية نسبة من بعض الفلزات الثقيلة. ولم تسلم المجاري المائية من التلوث فمياه األنھار والبحيرات في كثير من األماكن أصبحت في حالة يرثى لھا نتيجة لما ي لقي فيھا من مخلفات الصناعة من فضالت اإلنسان كما أصاب التلوث البحيرات المقفلة والبحار المفتوحة على السواء. وصار التلوث الصوتي من لوازم العصر بعد زيادة الضوضاء واألصوات المؤرقة بمصادرھا الحديثة المختلفة وظھر التلوث اإلشعاعي نتيجة استخدام الذرة سواء في الحرب أو في السلم مشكلة استنزاف الموارد البيئية: لقد أسرف اإلنسان تحت ضغط الزيادة السكانية من جھة ونتيجة للتطور العلمي والتكنولوجي من جھة أخرى في استغالل موارد البيئة األمر الذي أدى إلى استنزاف ھذه الموارد. فقد أدى التقدم الھائل في الصناعة الذي صاحب الثورة الصناعية إلى إحداث ضغط ھائل على كثير من الموارد الطبيعية خصوصا تلك الموارد غير المتجددة مثل الفحم وزيت البترول وبعض الخامات المعدنية والمياه الجوفية وھي الموارد الطبيعية التي احتاج تكوينھا إلى انقضاء عصور جيولوجية طويلة وال يمكن تعويضھا في حياة اإلنسان. وأصبحت بعض األراضي الزراعية غير قادرة على اإلنتاج كذلك ازدادت مساحة
71 األراضي التي جردت من األحراش والغابات وارتفعت أعداد الحيوانات والنباتات التي تنقرض كل عام كما ارتفعت نسبة األنھار والبحيرات التي فقدت كل ما بھا من كائنات حية وتحولت إلى مستنقعات. ولذلك ي عرف االستنزاف بأنه: ھو تقليل قيمة المورد أو اختفاؤه عن أداء دوره العادي المحدد له في منظومة الحياة ومن ثم فان استنزاف الموارد يعد مشكلة بيئية خطيرة 117 تواجه البشرية وتھدد استمرارية وجودھا. فالموارد المتجددة تتعرض لالستنزاف إذا ما استغلت بدرجة أكبر من قدرتھا التجديدية أو التعويضية. أما الموارد غير المتجددة فھي تتعرض لالستنزاف إذا ما أفرطنا في استغاللھا بما يعجل بسرعة استنزافھا ويخرجھا عن وظيفتھا بل قد تختفي تماما من البيئة ونخسرھا كمورد. وتأتي خطورة استنزاف الموارد فيما يحدثه ھذا االستنزاف من خلل واضح في النظام البيئي وما يصاحب ھذا الخلل من حدوث الكثير من المشكالت. وال غرو أن قضية تلوث البيئة واستنزاف مواردھا تعد مظھرا من مظاھر أزمة عالقة اإلنسان بالبيئة خاصة وقد أصبح ي نظر إلى أزمة البيئة ومشكالتھا المختلفة على أنھا في األساس ھي أزمة إنسان وليست أزمة مكان. ومؤدى ذلك أن أزمة البيئة تجسد مشكلة إنسانية ترتبط بالمكون الكلي لسلوك اإلنسان وعالقاته بالمكان وموقفه من عناصره الذي ھو أھم ھذه العناصر. ولقد أفرز ذلك التوجه اتجاھا يؤكد على أن أي محاولة لحل مشكالت البيئة يجب أن تنبع أساسا من معرفة دقيقة بطبيعة العالقة بين اإلنسان وبيئته والمتغيرات الثقافية والبنائية التي تشكل تلك العالقة وتحددھا. ومن ثم يتعين أن نبدأ بفھم اإلنسان كي نفھم المكان ويمكن التدخل في حماية ووقاية اإلنسان ليصبح عنصرا داعما ألدواره في اإلنتاج والبناء واإلبداع فھو المتغير المباشر في تشكيل أزمة المكان كما أنه المتعرض 118 األول لتأثيراتھا المدمرة. وأن أي عالج لآلثار المدمرة الناتجة عن استغالل اإلنسان 119 للبيئة يجب البحث عنه في النظم االجتماعية والثقافية. - محمد محمود السرياني: المنظور اإلسالمي لقضايا البيئة- دراسة مقارنة مرجع سابق ص _ أحمد النكالوي: أساليب حماية البيئة العربية من التلوث_مدخل إنساني تكاملي الرياض: مركز الدراسات والبحوث بأكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية 1999 ص _ سعد العبد الصويان: اإلنسان والبيئة من منظور أنثروبولوجي مجلة رسائل جغرافية العدد: 248 الكويت: قسم الجغرافيا لجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية 2001 ص
72 "ادموند تيش" فثمة فھم جديد للبيئة باعتبارھا ليست شيئا فيزيقيا أو طبيعيا إنما ھي _كما ذھب مجموعة مدركات ثقافية مترابطة_ ومؤدى ذلك أن مدركات البيئة ھي في األصل منتج ثقافي يتعين إعمال العقل في فھمھا واالتصال بھا. ومفاد ذلك أن البيئة من وجھة النظر الثقافية ھي البيئة التي تتألف عناصرھا أساسا من المدركات الثقافية وبالتالي فھي تمثل الوعاء أو الموجه األول ألنماط البيئات األخرى بمفھومھا الطبيعي واإليكولوجي والتي ال يمكن عزل تفاعالتھا 120 التي تؤلف شبكتھا. معھا وتأثرھا بموجھاتھا الفكرية والقيمية ومنظومة العالقات ويدعم ھذا التصور السابق للبيئة "دافيد كانتر" في تأكيده على البعد االجتماعي الثقافي لھا فھي مجموعة من العناصر أو المتغيرات المؤسسية االجتماعية والثقافية التي تحدد سلوك الفرد وتشكل فھمه ومواقفه من عناصرھا الطبيعية والعمرانية وعالقاته بھا 121 وتفاعله معھا. ومن مجمل العوامل المتقدمة يتضح البعد أو المكون الجوھري للبيئة وھو مكون بشري اجتماعي ومادي أساسا. ومن ثم فقد فرض تساؤل رئيسي نفسه على ساحة البحث في اإلطار المفھومي المكون ألزمة البيئة والمتمثلة على مستوى االھتمام التقليدي بھا في التلوث واستنزاف الموارد البيئية. تعد االتجاھات المكتسبة أو المتعلمة واإليديولوجيات حجر األساس في أزمة البيئة. 122 بشكل مباشر إلى مشكالت البيئة: األول: وينحصر ھذا السؤال في ما ھو منشأ أزمة البيئة _تبعا للمنظور النفسي واالجتماعي- والقيم وقد ميز الباحثين بين ثالثة اتجاھات تقود االتجاه الكمي االستغاللي الذي يزن البيئة في ضوء إحصاءات أو كم اإلنتاج وأطنانه إلى آخر ذلك وليس في ضوء مدى إسھامھا في المحافظة على حياة وصحة البشر وسالمة عقولھم. الثاني: اتجاه يستند إلى الفخامة واالستھالك والفردية وھي عناصر ينجم عنھا بالضرورة استغالل البيئة واستنزافھا. _ أحمد النكالوي: أساليب حماية البيئة العربية من التلوث_مدخل إنساني تكاملي مرجع سابق ص 23. _ المرجع نفسه ص 24. _ أحمد النكالوي: أساليب حماية البيئة العربية من التلوث_مدخل إنساني تكاملي مرجع سابق ص
73 الثالث: اتجاه يطلق عليه الحضرية (Urbanisme) وھي الحالة التي يزداد فيھا انفصال البشر عن معالم الطبيعة. ومن ثم يجعل التوجه نحو الحضرية األفراد غرباء داخل إطاراتھم األيكولوجية وعناصرھا األولية. ويرى العلماء والباحثين في ھذا المجال أن تنمية الفاعلية على مواجھة مشكالت البيئة يفرض عدم تبني واكتساب تلك االتجاھات على مدى جيل كامل على األقل بحيث تحل محلھا اتجاھات أخرى تدعوا إلى ضرورة النظر إلى الطبيعة باحترام األول_ _كما كان يفعل اإلنسان وخشوع وأن يترسب اإليمان بأن البشر ما ھم إال أجزاء صغيرة ال يتسنى لھا االستمرار دون االعتماد على الطبيعة وأن نمط الحياة الذي يسعى إلى تحقيق التوازن 123 واالنسجام مع الطبيعة أفضل وأحب من ذلك الذي يسعى إلى مجرد غزوھا ومحاربتھا. ونظرة حول االتجاھات المتقدمة يتسنى القول أنھا التفت حول قضية واحدة كبرى ھي أزمة البيئة. ويدور محور ھذه األزمة حول اإلنسان باعتباره العنصر األول المنتج إلشكالياتھا المتعددة. بيد أن تلك االتجاھات وان التقت حول أزمة البيئة فإنھا التقت أيضا حول مستويين من مستويات البيئة: أعراض األزمة مشخصة ومجسدة وھي البيئة الطبيعية. األول البيئة الظاھرة التي يتجلى في إطارھا كمدركات الثانية البيئة غير الظاھرة التي تعمل بمثابة مجمل المتغيرات الكامنة التي تفعل فعلھا في إنتاج سائر األعراض الظاھرة وھي البيئة االجتماعية والتنظيم االجتماعي ومنظومة عالقاته وقيمه وموجھاته 124 السلوكية. ولقد التقت التوجھات جميعھا حول أن ھذا المستوى الثاني ھو الذي يتعين أن يخضع للتحليل واالھتمام طالما كان اإلنسان ھو محور أزمة البيئة _كما أسلفنا فيما تقدم_ وطالما كان ھذا اإلنسان من ناحية أخرى ھو المنتج للتنظيم االجتماعي الخاضع لضغط وجبر ما أسھم في خلقه من ظواھر وترابطات كما ذھب إميل دوركايم في مؤلفه الشھير "قواعد 125 المنھج في علم االجتماع". ويقدم المنظور النفسي االجتماعي بعدا ثالثا في صنع أزمة البيئة أال وھو سيطرة بعض التصورات واالتجاھات التي تشجع على مزيد من االبتزاز للبيئة من جانب اإلنسان _ المرجع نفسه ص 46. _ أحمد النكالوي: أساليب حماية البيئة العربية من التلوث_مدخل إنساني تكاملي مرجع سابق ص 47. _ المرجع نفسه ص
74 وعلى اغترابه وبعده عنھا ال يھمه في ھذه الحالة إلى من تتجه بآثارھا أو ما مصدر توجھھا ذلك. ومن ثم يجب اإلمساك باتجاھات إيجابية تدفع إلى احترامھا وتقديسھا وصيانتھا ورفض االتجاھات السلبية الالمبالية أو غير المكترثة بأوضاعھا. ومن ثم تصبح القضية قضية اتجاھات غير واقعية سلبية غذتھا لدى الفرد مراحل تاريخية من الخبرة حطمت في داخله معنى العالقة المعتدلة المتوازنة بينه وبين بيئته باعتباره أحد عناصرھا وليس كلھا 126 على اإلطالق. _2 التحليل السوسيولوجي للروافد االجتماعية التاريخية لالتجاھات البيئية المعاصرة: يشكل ھذا التعاظم لظاھرة التلوث البيئي والدخان الذي يسود السماء بسبب احتراق البترول والغازات األخرى وظاھرة استنزاف الموارد البيئية وتعاظم انحسار الحياة البرية واختفاء غابات المطر بمعدل منذر وتآكل طبقة األوزون...الخ جميعھا تشكل مظاھر حقيقية ألزمة عالقة اإلنسان بالبيئة والتي تعكس بدورھا اآلثار الجانبية السلبية لالتجاھات الحديثة نحو العالم الطبيعي وقد ذھب الكثير من الدارسين إلى أن ھذه االتجاھات تبعد كل البعد عن الحداثة ويمكن تتبع جذورھا إلى التحركات المبكرة لما أصبح عليه في النھاية المجتمع الغربي الصناعي حيث األصقاع ھي البادئة بالثورة الصناعية. وقد أوضح "وايت "White كانت أوروبا الغربية دون غيرھا من أن كل من التكنولوجيا الحديثة والعلم الحديث ذات أصول غربية ويمكن تتبع أصولھا رجوعا إلى التقاليد اليھودية المسيحية والتي شكلت نمو 127 الحضارة الغربية والتي انجر عنھا ظھور االتجاھات البيئية المعاصرة التي أفضت باإلنسان إلى العمل أو االمتناع عن العمل الذي يسبب ضررا بمكونات الطبيعة مجتمعة أو بإحداھا. ولما أصبح العالم أشبه بقرية كونية حسب تعبير "باربارا جاكسون" نظرا للثورة العلمية التي أحدثھا اإلنسان في مجال االتصاالت والمعلومات فإن ھذه االتجاھات البيئية المعاصرة السلبية ذات األصول الغربية أخذت بعدا دوليا واكتسحت معظم ثقافات ومجتمعات العالم بطريقة أو بأخرى. فمثال خالل القرن التاسع عشر تمكن األوروبيون من _ المرجع نفسه ص فرانس يس.ت وم اك آن درو عل م ال نفس البيئ ي ترجم ة عب د اللطي ف محم د خليف ة وجمع ة س يد يوس ف الكوي ت: مطبوعات جامعة الكويت 2002 ص 385.
75 إحداث تغييرات بيئية كبيرة في أراضيھم وقام المستعمرون بنقل أنماط جديدة من الحياة إلى األراضي التي استعمروھا واستوطنا فيھا. 128 المتوارثة التي كانت تدار بھا أنظمة البيئة. واندثرت العديد من الطرق والتقاليد المحلية ومعروف أن الطبقة المسيطرة اقتصاديا وسياسيا تكون مسيطرة اجتماعيا وبالتالي تكون أقدر على نشر قيمھا من غيرھا من الطبقات وذلك من خالل سيطرتھا على وسائل اإلعالم والتربية واإلنتاج وأيضا تكون الدول المتقدمة صناعيا واقتصاديا أقدر على نشر قيمھا على العالم أجمع المھم أن ھذه القيم المادية قد حولت اإلنسان أوال إلى أداة إنتاج تابعة لآللة ثم أداة استھالك غير ضرورية تفرضھا وسائل اإلعالم على حياته...وذلك جاء من اعتبار اإلنتاج ھو غاية عملية التنمية وبالتالي كان االستھالك ھو محور السلوك اإلنساني بغض النظر عما يسببه ھدف زيادة اإلنتاج من تھديدات الستمرار وجود الجنس البشري. 129 وكانت النتيجة تدھور البيئة واستنزافھا وزيادة التلوث وانعكس ذلك عل قيم األفراد. ھكذا وجد اإلنسان نفسه في أزمته مع بيئته وأخذ يلمس يوما بعد آخر أنھا غير قادرة على أن تعطيه اليوم ما كانت تمنحه باألمس ومن ثم أصبحت التكنولوجيا تقف في قفص االتھام ينظر إلى فوائدھا بعين الشك والريبة بسبب القلق الشديد من آثارھا الضارة 130 على البيئة وبسبب نموھا السريع غير المنضبط. وعلى الرغم من أن البعض قد وجه أصابع االتھام إلى التكنولوجيا (أي اآللة) غير أن "لويس ممفورد" في دراسة له يستنتج أن اآللة محايدة وكما استنتج "رايلي" أن جزءا من المسؤولية يقع على الموقف الثقافي من الطبيعة وتحديدا مسؤولية الثقافة 131 اليھودية_المسيحية وأيضا في التنظيم االقتصادي للمجتمع. وھو ما سنحاول الوقوف عليه في ھذا التحليل. _1_2 الروافد الثقافية لالتجاھات البيئية المعاصرة: يكتسب اإلنسان إنسانيته من خالل ثقافته "فليس لإلنسان طبيعة إنما له ثقافة" كما يقول البنيوي عالم األنثروبولوجيا "كلود ليفي ستراوس" وأساس الجريمة ومنھا الجريمة _ حسين عبد الحميد أحمد رشوان: البيئة والمجتمع دراسة في علم اجتماعه البيئة مرجع سابق ص 77. _ أحمد محمد موسى: الخدمة االجتماعية وحماية البيئة القاھرة: المكتبة العصرية للنشر والتوزيع 2007 ص 41. _ سوزان أحمد أبو رية: اإلنسان والبيئة والمجتمع مرجع سابق ص خالد شوكات الجريمة البيئية مرجع سابق ص
76 132 البيئية ثقافي حتما فھي خيار ثقافي قبل أي شيء. ومن ھنا يمكن اعتبار الجوانب االجتماعية جزءا من رصيد موارد البيئة واعتبار البعد المعنوي أحد الجوانب البيئية غير المادية للبيئة وھذا يفتح الباب أمامنا واسعا لدراسة الجوانب االجتماعية والثقافية والدينية 133 وعالقتھا بالبيئة من خالل دراسة التصور الثقافي للبيئة لدى اإلنسان بكل تشعباته والذي أفضى إلى ظھور االتجاھات البيئية المعاصرة التي انجر عنھا تأزم العالقة بين اإلنسان والبيئة. فالتصور الثقافي للبيئة ھو الموقع الذي تحتله البيئة في المنظومة الفكرية لإلنسان والذي يرسخه البعد الديني أو الفلسفي أو األسطوري أو ھي الصورة التي تستقر في ذھن اإلنسان وتتأتى له من دين أو فلسفة أو تراث ثقافي أو حضاري فتحدد له حقيقة البيئة 134 ومنشؤھا ومصيرھا وعوامل تدبيرھا المادية وغير المادية ويعتبر التصور الثقافي للبيئة المسؤول األول والرئيس عن تحديد وتقنين عالقة اإلنسان بالبيئة فھو الذي يحدد طبيعة تلك العالقة ويضبط سلوك اإلنسان تجاه بيئته. فاإلنسان ھو الكائن الوحيد الذي يحمل تصورا ثقافيا عن البيئة وذلك لكونه الكائن البيئي الوحيد الذي تتوفر لديه ملكة اإلدراك والوعي والتخيير في التصرفات والسلوك أما باقي عناصر البيئة من جمادات وكائنات فھي ال تملك ذلك الوعي والتخيير واإلدراك والتصور الثقافي الذي يحمله اإلنسان وبالتالي فإن تعاملھا وتفاعلھا في البيئة ومعھا يكون جبريا تلقائيا وغريزيا وحسب النظام والسنة التي ھداھا لھا. أما اإلنسان فإن سلوكه مع بيئته ليس جبريا وإنما اختياريا وينبثق من خلفيته الثقافية والعقيدية والتراثية ومن ھنا تنبع أھمية التصور الثقافي فالصورة الثقافية للبيئة ال تستمد أھميتھا من قيمتھا المعرفية فحسب وإنما تستمدھا باألخص من وقوعھا موقع التوجيه الفاعل لتعامل اإلنسان سلوكيا مع البيئة فبحسب ما تكون عليه تلك الصورة ينطبع السلوك البيئي لإلنسان. وعلى سبيل المثال فلو كان اإلنسان يعتقد في تصوره أن عناصر البيئة من أنھار وجبال وحيوانات ھي آلھة مقدسة تملك له الضر والنفع فإن سلوكه إزاءھا سوف يكون سلوك المسترضي لھا بالقرابين القاعد عن استثمارھا بما يطور حياته وفي مقابل المرجع نفسه ص عبد المنزالوي ياسين البيئة من منظور إسالمي دار كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع 2008 ص عبد المنزالوي ياسين البيئة من منظور إسالمي مرجع سابق ص
77 ذلك فلو كان يعتقد في تصوره الثقافي أن في البيئة عدو له وحائال دون ممارسة حياته وتطويرھا فإن سلوكه إزاءھا سوف يكون سلوك المعادي لھا المصارع لعناصرھا مع ما يتبع ذلك من آثار التدمير الناتجة عن روح العداء وممارسة الصراع وكذلك األمر في كل حال تكون عليه الصورة الثقافية للبيئة وھو أمر تشھد به سير الحضارات في تطابق تصرفاتھا إزاء البيئة مع الصور الثقافية التي تحملھا عنھا والحضارة الراھنة خير مثال 135 على ذلك فعلى سبيل المثال تحول العوامل الدينية دون االستفادة من بعض المواد فالھندوس يقدسون األبقار ويحول ذلك دون االستفادة من حوالي 80 مليون رأس من األبقار في 136 الھند. وحتى وقت قريب كان اليابانيون يعتزون بتقليد مفھوم قديم متوارث ھو "الموتاناي" وھو ينص على أن كل شيء في العالم ھو ھبة من الخالق ومن ثم ينبغي على اإلنسان أن يشعر باالمتنان له وأن يحرص على كل شيء ويعتبر أن إضاعة أو تبديد أي شيء خطيئة كبرى. وقد أثر ھذا المفھوم في سلوك اليابانيين خالل أزمنة طويلة فحرصوا على االستخدام األمثل والترشيد للموارد المختلفة. ومع التطور الصناعي بدأ ھذا المفھوم يتالشى وبدأ 137 محاكاة المجتمع الياباني للمجتمع الغربي في أنماط االستھالك وأساليب الحياة. لذلك فالثقافات اإلنسانية ھي التي وجھت الفرد والمجتمع إلى التعامل بشكل مدمر وإجرامي مع الطبيعة وقد مرت في ھذا التوجه بأشواط تاريخية مھمة ال يمكن تجاھلھا وھي إجماال تشكل جذور االتجاھات البيئية المعاصرة وأصولھا والتي أفضت إلى أزمة العالقة بين اإلنسان والبيئة. فمنذ ظھور اإلنسان البدائي على سطح األرض كان تأثيره على البيئة ال يكاد يذكر لكن مع تقدم الزمن وتأسس التصورات الدينية كتعابير ثقافية الحقة تأكد االنقالب الحاصل في العالقة بين اإلنسان واألرض. وسوف نبحث على وجه التحديد موروثين ثقافيين غربيين قرنھما بعض الدارسين بمشكالتنا البيئية والحيابيئية وھما الموروث الديني الغربي أو - عبد المجيد عمر النجار: قضايا البيئة من منظور إسالمي الدوحة: مركز البحوث والدراسات (ب دون ت اريخ) ص ص 78_ _ رمضان محمد مقلد وآخرون: اقتصاديات الموارد والبيئة اإلسكندرية: جامعة اإلسكندرية 2000 ص _ حسين عبد الحميد أحمد رشوان: البيئة والمجتمع دراسة في علم اجتماعه البيئة مرجع سابق ص
78 138 اليھودي_المسيحي وتطور العلم. فالمسيحية والعلم الحديث ھما المعلمان الكبيران في الثقافة الغربية وبالرغم من أن معظم التاريخ الغربي يأخذ شكل الصراع بين ھذين الشكلين الثقافيين فإن بينھما كثيرا من المشابھة. وسوف نبحث مظاھر االستمرار بين المسيحية والعلم الكتشاف أصول السيطرة الغربية ونبحث بعض المسلمات المتعلقة بالطبيعة والتي توجد ضمنا في الثورة العلمية الغربية. إن الدارسين الذين ذھبوا إلى أن جذور مشكالتنا الحيابيئية تكمن في النظرة اليھودية_المسيحية إلى الطبيعة ويؤكدون تفرد فكرة التوحيد في اليھودية والمسيحية في مقابل الديانات البدائية المؤمنة بتعدد اآللھة وبحيوية المادة وعبادة الطبيعة حيث يمثل الدين التوحيدي ثورة في العالقة مع الطبيعة فمتطلبات الوحي التوراتي فجرت أطر التجربة والمفاھيم األسطورية عن العالم فقد كسرت العالقة العضوية بين اإلنسان واألرض بعد أن كان يتعامل معھا بوصفھا الخاضعة والمغذية فتعرض سلم القيم للتغير فاإلنسان ھو الذي يسيطر على الطبيعة بعد أن كان عنصرا من عناصرھا وھي الحقيقة الغالبة المھيمنة وخسرت الطبيعة الكثير من قدسيتھا ومن روحھا فأصبحت شيئا موضوعيا ماديا بالنسبة لإلنسان األرض لم تعد األصل لم تعد البدء فھي أثر مخلوق وھي مخلوقة كي تستقبل 139 الخضرة األشجار األسماك الحيوانات وأخيرا اإلنسان األرض تأتي بعد الخالق فالمفھوم التوحيدي لم يعد يرى في كل صخرة في كل نبتة في بعض الحيوانات كائنات مقدسة ويلخص "بطرس الرسول" 140 "لم يعد ھناك معبودات في العالم ليس ھناك سوى إله واحد" في رسالته إلى أھالي كونيثة ھذه النظرة بقوله: وطبقا لما ذكره "لين وايت": "ما يفعله الناس لبيئتھم يعتمد على ما يعتقدونه عن أنفسھم في عالقتھم باألشياء األخرى حولھم. بمعتقداتنا عن طبيعتنا حيث ترتبط البيئة البشرية بدرجة كبيرة Our Nature ومصيرنا_أي بالدين" وھو ما ورثته المسيحية من اليھودية ثم قامت بالتنقيح لتصل إلى أن ھناك طريقة ثنائية للتفكير والتي ال يكون فيھا اإلنسان مجرد جزء عادي من الطبيعة. كما أنه يختلف اختالفا كليا عن المخلوقات األخرى. _ كافين رايلي: الغرب والعالم القس م األول ترجم ة عب د الوھ اب المس يري وھ دى عب د الس ميع حج ازي مراجع ة فؤاد زكريا سلسلة عالم المعرفة رقم 90 الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب 1985 ص خالد شوكات الجريمة البيئية مرجع سابق ص ص 14_13. المرجع نفسه ص 14.
79 وطبقا لھذه الرؤية فإن الطبيعة قد خلقت لتخدم أغراض اإلنسان كما أنھا إرادة أن تستخدم كما 141 يرى اإلنسان ويشاء وقد ذ كر ھذا االتجاه بوضوح في سفر التكوين حيث ينطلق "أرنولد توينبي" من اآلية 28 /سفر التكوين_اإلصحاح األول: "وباركھم الرب وقال لھم: أثمروا وأكثروا وامألوا األرض وأخضعوھا وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على وجه 142 األرض" لكي يرجع سبب أمراض عالم اليوم الكبرى مثل السفه في استھالك موارد البيئة التي ال تعوض وتلويث ما لم يتبدد منھا إلى ظھور ھذا المعتقد. خالل ھذا المعتقد نما في العقلية الغربية ھاجس قھر الطبيعة وترويضھا من أجل االنتفاع بخيراتھا دو أن يأبه لما يمكن أن يترتب عن ھذا الفعل من آثار سلبية. ومن لقد كان اإلنسان قبل اليھودية والمسيحية يقدس الطبيعة ويعبدھا أنھا إلھة وكل ما يبرز منھا من نبات ما ھي إال شركات في ألوھية الطبيعة ويركز اليھودي_المسيحي بين اإلنسان والطبيعة أكثر من تركيزه على "لين وايت" على الفصل التوحيد فقد أدى ھذا الفصل إلى ظھور لون من العلم أدى إلى تغير شكل العالم وإلى ظھور نظرة جديدة بني عليھا العالم الجديد ) أي االفتراض القائل بأن الناس والطبيعة مختلفون بشكل جوھري) فكان لذلك كما يرى "كافين رايلي" نتائج ھائلة بالنسبة إلى البيئة الحيوية. ويرجع ذلك إلى أن العلماء من أمثال "غاليلو" حولوا انتباھھم عن كل السمات الذاتية للعالم واتجھوا إلى 143 السمات الموضوعية أي تلك الصفات التي يمكن قياسھا وھذا يعني أنھم ركزوا على تلك الصفات في الشيء التي يمكن قياسھا ألن المقاييس غير قابلة للتأويل والتفسير وھكذا فإن قيمة العلم تكمن في أن نتائجه ال يمكن الجدال بشأنھا. ولكن مشكلة العلم من وجھة نظر البنية الحيوية ھي أنه كان من الضروري التغاضي عن العنصر اإلنساني أو "الذاتي" حتى يمكن لم الصفات الموضوعية ومن ثم فإن نتيجة النظرة العلمية ھي رؤية موضوعات العالم الطبيعي كما 144 لو كانت ميتة. وفي مقالته "لعنة ھابيل" يرى "ديفيد كرونفيلد "D.Crownfield أننا يمكن أن نجد بدايات اتجاھاتنا ومواقفنا الحالية نحو الطبيعة في كتابات ترجع إلى قدم سفر التكوين - فرانسيس.ت وماك آندرو علم النفس البيئي مرجع سابق ص كافين رايلي: الغرب والعالم القسم األول مرجع سابق ص ص 251_ المرجع نفسه ص _ المرجع نفسه ص
80 ويوضح نظرته بقصة ھابيل وقابيل: حيث كان ھابيل راعي غنم بينما كان قابيل حارثا لألرض ومع مرور الزمن أحضر قابيل إلى األرض وأحضر ھابيل أول إنتاج قطيعه ونظر 145 ينظر ولم يعتبر قربان قابيل. "يھوه" "يھوه" قربانا من الفاكھة التي أنتجتھا إلى قربان ھابيل وأخذه ولكن لم والسؤال المطروح ھنا: لماذا قبل "يھوه" قربان ھابيل ورفض قربان قابيل لم تكن ھناك إشارة إلى أن قابيل قد اقترف شيئا كان االختالف الوحيد الظاھر بين األخوين ھو أن قابيل كان يزرع الحبوب بينما كان ھابيل يربي األغنام. وطبقا لما يقوله "كرونفيلد" ھذه القصة الكثير عن قيم اليھود القدماء وعالقاتھم بالعالم الطبيعي كان اليھود قوما يفضلون تربية األغنام وكان بينھم وبين أھل فلسطين صراع ال ينتھي حيث كان أھل فلسطين يعيشون على زراعة الحبوب. تظھر فاليھود كان تنظيمھم االجتماعي قبليا ويسوده النظام األبوي كما أن تحالفھم ووالءھم األول للجماعة وليس لألرض أو ألي مكان بعينه. ومن وجھة النظر االيكولوجية تعد ھذه العقلية غير مالئمة ألن األغنام تعد أصل االقتصاد غير القابل للدوران.Nonrecycling Economy وبالنسبة للقائمين على الرعي تعد الھجرة واالنتقال ھي الحل لمشكالتھم فعندما تنضب الموارد في مكان ما ينتقل الشخص بكل بساطة 146 إلى مكان آخر أكثر اخضرارا. وقد تخلل ھذا المنحى التنقلي Nigratory في الحياة تفكير اإلنسان الغربي عن العالقة بين الطبيعة واإلنسان وكان له تأثير عميق على االتجاھات الغربية ليس فقط نحو الطبيعة ولكن أيضا نحو الزمن. وكما قال "كرونفيلد" بكلماته: "لقد أ نكر أو أ ھمل الحاضر وتم التغاضي عنه ترك بكل مشكالته وعيوبه...سوف يتم حل مشكالت الحاضر في 147 مستقبل مأسوي متداخل" وبذلك أصبح الوجود مجرد انتقال وھجرة من ھذا العالم إلى مستقبل أفضل وأصبح اإليمان يعني ) الثقة بزعيم القبيلة الراعي المقدس والمسيح والتكنولوجيا ( وأن ھناك طريقة سيتم التوصل إليھا للھروب من المراعي المتدھورة لبقاع فرانسيس.ت وماك آندرو: علم النفس البيئي مرجع سابق ص المرجع نفسه ص. 386 يتعلق بالھجرة أو الترحال - فرانسيس.ت وماك آندرو: علم النفس البيئي مرجع سابق ص 387.
81 أفضل. ففي مثل ھذه المجتمعات يعتقد الناس بشدة أن ھناك قوة إعجازية سماوية ستتدخل 148 لمصلحتھم لتضع األمور في نصابھا. وحتى اليوم يعتقد الكثيرون بأن التكنولوجيا وموارد الطاقة الجديدة أو حتى الھجرة للفضاء الخارجي سوف تحل بطريقة كلية وقاطعة مشكالتنا البيئية. وغالبا ما تكون ھناك صعوبة في أن نغير سلوكيات الناس المدمرة بيئيا في ضل ھذه الظروف وقد الحظ "Burke 149 التغير الدائم. "برك أن نظرة الحياة ھذه تؤدي ال محالة إلى تكنولوجيا ھدفھا ليس االستقرار ولكن وقد اتسعت الفجوة الموجودة بين اإلنسان والعالم الطبيعي بتطور المسيحية خالل فجر العصور الوسطى. وكانت أكثر الفلسفات شيوعا خالل األيام األخيرة لإلمبراطورية الرومانية ھي الفلسفة األفالطونية الجديدة والتي اعتمدت في األساس على كتابات أفالطون. وكانت فلسفة أفالطون تفترض أن ما نراه في العالم ليس حقيقيا ولكن نسخة غير دقيقة من الواقع الفعلي والذي يوجد في مكان آخر ھو "عالم األشكال الحقيقية" وطبقا ألفالطون فإن ما يزيد الطين بلة ھو أننا نتلقى ھذه النسخ غير الدقيقة للواقع من خالل حواسنا والتي تشوه ھذه النسخ أكثر بدورھا. وھكذا فبالنسبة ألصحاب المذھب األفالطوني الجديد فإن الطريقة الوحيدة للمعرفة الحقة ھي باالبتعاد عن التمحيص والفحص األمبيريقي للعالم الفيزيقي والتأمل في الحقائق الكامنة التي نولد بھا. ومن خالل عمل "القديس أوجستين" في األساس استوعبت األفالطونية الجديدة المجموعات المتناثرة وغير المكتملة لمعتقدات المسيحية األولى لكي تكون النظام المتماسك األول للعقيدة المسيحية والتي ستقود 150 وتوجه وتطور أوروبا والعالم الغربي لأللف عام المقبلة. بشكل عام. وكان من نتاج ھذه العقيدة الجديدة قلة االھتمام بالحياة اليومية وبالعالم الفيزيائي لم يكن اإلنسان من الكائنات الطبيعية الفيزيقية ولكن من الكائنات الروحانية المحبوسة في ھياكل من اللحم البشري. كانت الروح فقط ھي الحقيقة ولم تكن الحياة على األرض سوى ھجرة عبر حياة غير سارة والتي يجب أن يتحملوھا للوصول إلى "الخالص فرانسيس.ت وماك آندرو: علم النفس البيئي مرجع سابق ص المرجع نفسه ص المرجع نفسه ص 387.
82 األبدي "Salvation الحياة الحقيقية في العالم اآلخر. ويمكن أن نجد تأريخا ممتازا لھذه االتجاھات ووصفا للحياة خالل أوائل العصور الوسطى في أعمال مؤرخ أوروبي محترم عاش في ھذه الفترة وھو المبجل "Bede "بيد الذي رسم لوحة لعالم يصلي فيه الناس للھروب من أجسادھم المسجونين فيھا وھو عالم مملوء بالمعجزات ورسائل من الرب. لم يحدث شيئا بالمصادفة كان كل حدث في العالم الطبيعي رسالة من الرب وكانت الطبيعة 151 موجودة فقط لتكون وسيلة الرب لالتصال باإلنسان ومكافأته ومعاقبته. وكانت نتيجة ھذا االتجاه نحو الطبيعة مزيجا غريبا من الخوف والتكبر والالمباالة وفي فن العصور الوسطى نادرا ما يرى المرء تمثيل الطبيعة حيث إن اإلنسان واألشكال السماوية كانت تسيطر على األعمال الفنية فعندما يتم رسم الطبيعة يكون ذلك فقط بمحض المصادفة ويكون التعبير عنھا غير واقعي. فكان المرء ال يرى سوى عروض مثالية أو 152 أسطورية ليست محل اھتمام ومخيفة. كانت حياة الفالح األوروبي التقليدي حياة غير آمنة وكانت الطبيعة عدوا يخاف منه الجميع ويخشون اقتحامھا ولم تكن مصدر راحة. وطبقا "لبرك" كانت أوروبا القرون المظلمة مظلمة بالفعل كانت بھا غابات ال يخترقھا أحد وتتجول فيھا حيوانات برية متوحشة الخنازير البرية والدببة والذئاب باإلضافة إلى رجال يصلون من العنف إلى درجة أنھم يعيشون في تجمعات صغيرة في أكواخ منتشرة في أنحاء الغابة وكان ينجوا ويعيش في حياة تملؤھا المغامرات أولئك الذين لديھم السالح الوفير والذين يمتلكون شجاعة روحية. وتصور جميع أنواع القصص الخرافية واألساطير التي نشأت في أوروبا خالل القرن الثاني عشر إلى القرن الخامس عشر وجريتل ) ( على سبيل المثال رد ردنج ھود وھانسيل الغابات على أنھا مسكن لكل ما ھو شرير ومخيف ومكان على اإلنسان أن 153 يتجنبه بسرعة مھما كانت التكاليف. وھكذا فقد ورث المجتمع الغربي اتجاھا بأنه ليس جزءا فعليا من الطبيعة فالطبيعة وضعت له ليستخدمھا كما يحلو له وليست لديه أية التزامات أخالقية للحفاظ عليھا وقد شجع ھذا االتجاه المسيحي المبكر على التفكير في األجسام واألرض وحتى الزمن أو الوقت المرجع نفسه ص المرجع نفسه ص من المفاھيم الشائعة في الديانة المسيحية - فرانسيس.ت وماك آندرو: علم النفس البيئي مرجع سابق ص 388.
83 على أنھا أشياء للمرء أن يتخلص منھا وال يمكن إعادة استخدامھا وال تجديدھا وھي عارضة وزائلة ويعتقد "كرونفيلد" "بان ھذه االتجاھات وصلت إلى قمة جديدة مع نمو المذھب الالھوتي "لكالفن" وأخالقيات العمل وغزو الحدود األمريكية األمامية. ويبدو أن الناس كانوا ملزمين أو مجبرين أن يكتسحوا المراعي األولى حتى جذورھا فقط عن طريق االستخدام الكامل لھذا المكان الذي نتوقف فيه مؤقتا ونظھر استعدادنا للرحيل إلى منزلنا 154 الحقيقي". لقد تميزت المجتمعات الغربية الصناعية على نطاق واسع باتجاھات تشجع استغالل الطبيعة وغزوھا لمصلحة اإلنسان. فمثال بالنسبة لألمريكيين األوائل كانت البرية مصدر تھديد فھي مكان يجب استعادته واسترداده وقد مال الغربيون التقليديون ألن يطوعوا الطبيعة على ھوى اإلنسان أكثر من أن يكيفوا أساليب حياتھم مع البيئات المحيطة بھم. وأرخ "سارانيين "Saarinen لمقاومة النازحين األنجلو أمريكان لقبول صحاري أريزونا كما ھي باإلضافة إلى محاوالتھم الستبدال البيئات الشرقية األكثر رطوبة والتي تعودوا عليھا. وكذلك كان التراث األدبي المروج والذي ط ور في القرن التاسع عشر إلغراء األمريكيين المستقرين األوائل للذھاب نحو الغرب قد أكد إمكانية التكيف على األرض وذھب بعيدا ألن يقلل من مخاوف المخاطر الطبيعية والغابات التي ال يخترقھا أحد 155 والبراري الرتيبة. وعليه فقد كانت البيئة في التصور الغربي الوضعي أو باألحرى كانت االتجاھات البيئية لإلنسان الغربي حبيسة ھذا التصور ومنطلقاته وروافده الثقافية المتعددة والتصور الغربي عموما بني على الفلسفة اليونانية والنھج الديكارتي مما جعل العالقة بين اإلنسان والبيئة عالقة مادية بحتة تحكمھا المصالح والمنافع المنظورة الضيقة التي أنتجت أزمة البيئة الحالية. فالفلسفة اليونانية تنظر إلى البيئة وعناصرھا على أنھا عالم وضيع حقير وجد لخدمة اإلنسان المتميز بالعقل والروح والرفعة وھذه النظرة كانت األساس الذي بنى عليه "ديكارت" فكره وتصوره والذي أصبح بدوره أحد أھم مفردات الفكر والفلسفة الغربية حيث يقول "آلغور" في كتابه "األرض والميزان": "إن النھج الديكارتي إزاء قصة اإلنسان المرجع نفسه ص فرانسيس.ت وماك آندرو: علم النفس البيئي مرجع سابق ص 389.
84 يسمح لنا باالعتقاد بأننا منفصلون عن كوكب األرض مخولون بأن ننظر إليھا على أنھا مجرد تجمع من الموارد الطبيعية غير الحية التي يمكن استغاللھا بالطريقة التي تروقنا وقد 156 أفضى بنا ھذا المفھوم المغلوط األساسي إلى أزمتنا الراھنة" وھو ما أدى إلى أن يستقر في ذھن اإلنسان وفكره أنه مركز الكون ذلك ألنه تعلم من أفكار متوارثة أن وظيفة الكون األولى ھي تقديم الخيرات له وتوفير ما يرغبه من وسائل الرفاھية وأن معيار الخير والصواب ھو صالح اإلنسان أي ما يضنه لصالحه وقد تضخم ھذا الشعور بدرجات متوالية في التاريخ بقدر ما تضمنت قدرة اإلنسان على الفعل وعلى التأثير بفضل ما طوع لنفسه من تطبيقات علمية 157 وتكنولوجية. فقد تميزت ھذه النظرة الوضعية للبيئة بعنصرين رئيسيين: أولھما الخواء الروحي واالفتقار إلى البعد القيمي واألخالقي وثانيھما اعتماد المادية والمصالح الذاتية أساسا في التعامل مع البيئة فالفلسفة الغربية مثال تعتبر اإلنسان ھو المقياس في الوجود وھو الحقيقة الوحيدة فيه فكان النتاج الطبيعي لھذه النظرة الغربية االنفصال الروحي بل والعداء واالعتداء والظلم واالستئثار والفردية واألنانية مما ولد ما نراه من أزمة البيئة الحالية وھذه األزمة ھي التي أجبرت المجتمعات الغربية على االھتمام بالبيئة والمحافظة عليھا فعندما برزت مشكلة التلوث واتسعت وانعكست بشكل سلبي على اإلنسان والحيوان والنبات والمناخ وباتت تھدد حياة اإلنسان الغربي ورفاھيته تعالت الصيحات وتزايدت الصرخات لتدارك ھذا الخطر الكبير الذي يزداد يوما بعد يوم فعقدت المؤتمرات والندوات وسنت األنظمة والقوانين وصيغت المعاھدات واالتفاقات وغدت قضية البيئة من األولويات العالمية بل ال تكاد ترى أية اتفاقية دولية مھما كان موضوعھا تخلو من ذكر البيئة إال أنه وبالرغم من ذلك فقد صيغت ھذه االتفاقيات بنفس التصور الغربي والوضعي مما أفقدھا الكثير من فعاليتھا ومصداقيتھا. بل إنك لتشعر باالنفصام العجيب في تعاملھم مع قضايا البيئة في حال تعارض المصالح مع المبادئ فترى االنحياز الواضح للمصالح على حساب 158 القيم والمبادئ عبد المنزالوي ياسين: البيئة من منظور إسالمي مرجع سابق ص 26. _ سوزان أحمد أبورية: اإلنسان والبيئة والمجتمع مرجع سابق ص عبد المنزالوي ياسين: البيئة من منظور إسالمي مرجع سابق ص ص 27_
85 ولما كانت األنواع األخرى من نبات وحيوان تستخدم موارد بيئتھا إلشباع مجموعة محددة من الحاجات المشكلة تشكيال جينيا ووراثيا كانت الخاصية الثقافية ھي أھم ما يميز الكائنات اإلنسانية عن غيرھا فقد كان للثقافة اإلنسانية قدرة كبيرة على إيجاد ذلك التباين الھائل في الحاجات والرغبات التي طورھا بنو اإلنسان والتي لم تكن قاصرة على بقاء األفراد واألنواع فقط وإنه لكي تشبع ھذه الحاجات المكثفة ثقافيا اعتمدت المجتمعات اإلنسانية بصفة أساسية على نوع المعلومات التي تساعد الناس على استخدام الموارد البيئية بطرق جديدة وإلشباع حاجات جديدة أال وھي التكنولوجيا ) التقنية 159.( ولكي ت شبع الثقافة الغربية الوضعية حاجاتھا أفرزت ) التكنولوجية الحديثة والعلم الحديثة ( الذين كرسا ھذه الثقافة المعادية للطبيعة وزادا في تأزيم العالقة بين اإلنسان والبيئة حيث نمت أزمة العالقة ھذه بين اإلنسان والبيئة جنبا إلى جنب مع النمو االجتماعي وتقدم المجتمع بصفة خاصة في ظل التصور الثقافي الغربي. ذلك أن تاريخ الجنس البشري إذا ما أخذ برمته يجعلنا نستطيع اقتفاء اثر نوعين من العالقات التي تتضمن اجمالي النشاط البشري: النوع األول عالقة اإلنسان ببيئته الطبيعية نظام اإلنسان-الطبيعة والنوع الثاني: العالقات بين األفراد والمجتمع "العالقات االجتماعية" ويتآلف ھذان النوعان من العالقات تآلفا وثيقا ويتشابكان وال يمكن الفصل بينھما إال نظريا في سياق البحث العلمي فاإلنسان نفسه يعد جزءا من الطبيعة نتاجھا وأعلى مرحلة في تطورھا. وكون حياة اإلنسان مرتبطة بالطبيعة ماديا وروحيا بشكل ال فكاك منه ال يعني في قليل أو كثير سوى أن الطبيعة متماسكة مع نفسھا بشكل ال يقبل فكاكا إذ اإلنسان جزء من الطبيعة. كما أن للتقدم التكنولوجي انتكاسة وله جانب سلبي فإذا ما أخضع اإلنسان الطبيعة لنفسه فانه يدخل في صراعات عديدة صعبة للغاية مع الطبيعة ويحدث تناقضات قد تفضي إلى مشكالت بيئية خطيرة لذلك فإن مشكلة التكنولوجيا الحديثة ھي في أصلھا الثقافي فھي في جوھرھا تنطوي على سمة ثنائية أي أنھا طبيعية واجتماعية في آن واحد. وقد لخص "ھيوبرت" في محاضرة له عن الحضارة والعلم والتقنية انتقادات لتقنية اليوم قائال: "إن أسباب انتقاد التقنية واضحة تماما فھذه األسباب تكمن في أن العلم قد عمل 159 _ السيد عبد العاطي السيد: البيئة والمجتمع مرجع سابق ص 361.
86 على تدھور بيئتنا أو إن شئت الدقة عدم التطبيق الدقيق للتقنية العلمية التي أدت إلى المشكالت المعروفة اآلن ومن بينھا تلوث البيئة واستخدام العلم في أغراض الحرب والتدمير والنتائج الفرعية واآلثار الجانبية للتقدم الطبي وفضال عن ذلك ھناك حقيقة أن 160 العلم والتقنية لم يمكنا اإلنسان من جعل حياته أكثر سعادة وتوفيقا". إذ نجد أحد أعالم ومؤسسي الفكر الغربي الحديث "فرانسيس بيكون" يقول في ھذا الصدد: "يجب أن تحقق المعرفة العلمية سيادة اإلنسان على مظاھر الطبيعة وتھدف إلى 161 تحقيق سيطرة اإلنسان على عالمه عن طريق العلم". على الطبيعة والستغاللھا لراحة اإلنسان ورفاھيته بل جعل بمعنى أن العلم ھو أداتنا للسيطرة "بيكون" ھذا الھدف ھو كل ما نريده من النظريات واالكتشافات العلمية والقوانين العامة التي نستخرجھا عن طريق االستقراء للوصول إلى نتائج علمية. لذا أشارت أصابع االتھام إلى "بيكون" باعتباره مدافع عن التحكم في الطبيعة ألجل منفعة البشرية فقد استطاع أن يصوغ أخالقيات جديدة ت جيز استغالل الطبيعة من أجل الجنس البشري ومن ھنا كانت الھيمنة البشرية على الطبيعة كعنصر متكامل في برنامج 162 فضح أسرار الطبيعة. وبصدد ذلك أشار "جوزيف غالنفيل" الفيلسوف اإلنجليزي الذي دافع عن برنامج "بيكون" أن ھدف الفلسفة الطبيعية يتمثل في توسيع المعرفة بواسطة المالحظة والتجربة...وبذلك فإن بمعرفة الطبيعة يمكن السيادة عليھا وقيادتھا واستعماله في خدمة الحياة البشرية. وينبغي من أجل بلوغ ھذا الھدف تطوير الفنون واألدوات من أجل استقصاء 163 أصول وأعماق األشياء وكشف مكائد الطبيعة المنعزلة. ولقد ذھب ديكارت في مؤلفه "مقال في المنھج" إلى أنه من خالل معرفة براعات 164 الحرفيين المھرة وقوى األجسام نستطيع أن نجعل أنفسنا سادة الطبيعة ومالكھا. - عبد الجبار عباس: اآلثار السلبية للتقنية على البيئة جريدة الصباح االثنين 12 ديسمبر 2007 صفحة العلوم. 161 _ فؤاد زكريا: األورجانون الجديد لفرنسيس بيكون مجلة تراث اإلنسانية المجلد الثالث 1964 ص _ كارولين ميرشانت: موت الطبيعة الفلسفة البيئي ة الج زء 2 ترجم ة: مع ين ش فيق رومي ة ع الم المعرف ة (ب دون تاريخ) ص ص _ حسن محمد محي الدين السعدي: دراسات في العلوم اإلنسانية وقضايا البيئ ة اإلس كندرية: دار المعرف ة الجامعي ة 2008 ص _ ريني ه ديك ارت: مق ال ع ن الم نھج ترجم ة: محم ود محم د الخض يري مراجع ة وتق ديم: محم د مص طفى حلم ي القاھرة: الھيئة المصرية العامة 1985 ص
87 تصور ويعتقد بعض الباحثين أن ھذا التفكير كان بمثابة المنطلق الثقافي الذي نشأ عنه "تقني اقتصادي نفعي" للعالم يرى في النمو القيمة المطلقة باعتباره السبيل األوحد لتحقيق التقدم االجتماعي واعت برت اإلنتاجية قيمة سامية من حيث أنھا ال تتمثل فقط 165 في زيادة السلع المادية وإنما ھي تعني كذلك تعميم سيطرة اإلنسان على الطبيعة. ويبدو أن األزمة البيئية التي يعاني منھا العالم اليوم مرتبطة في حقيقتھا في جانب كبير منھا بأسطورة سيطرة اإلنسان على الطبيعة ذلك أن التركيز على قدرة اإلنسان في إخضاع البيئة وعلى حل جميع المشكالت قد أسھم في خلق الوضع الخطير الذي نجد أنفسنا 166 فيه اآلن. والمالحظ أن النقد على ھذا المستوى المادي يركز المناقشة على القائمة المألوفة التي تضم الوسائل التي من خاللھا أسھم كل من العلم والتقنية في تدھور البيئة ونحن نواجه اليوم ھذه المشكلة التي تعود أساسا إلى كل من العلم والتقنية وبينما حصلت اإلنسانية على فوائد جمة نتيجة للتقدم العلمي والتقني الذي أدى إلى نمو صناعي نجد أن ھذا التقدم يلوث كوكبنا ويستنفذ موارده ولقد قيل أن التقنية الحديثة التي ظھرت خالل النصف األخير من القرن الماضي تطلبت مزيدا من الموارد وأدت إلى مزيد من التلوث ونحن نعلم جيدا كيف أن المبيدات الحشرية قد ھددت حياة الطيور والحيوانات فالثورة الخضراء ال تبدو خضراء حينما نأخذ بعين االعتبار اعتمادھا على التطبيقات في مجال المخصبات والمبيدات الحشرية أي أننا نحدث تخريبا ال يمكن معالجته لكائنات حية في كوكبنا فكثير من المزايا التي حصلنا عليھا خالل القرون الثالثة الماضية قد جاءت على حساب تلوث كوكبنا واستنزاف موارده. يتضح أن مشكلة البيئة قد أصبح لزاما علينا النظر إليھا نظرة تكاملية سلوكية شاملة. وأن على اإلنسان أن يدرك أن اعتقاده نتيجة ارتقاء مجتمعه وتقدمه العلمي والتقني بأنه فوق الطبيعة أمر غير صحيح بل عليه أن يسير مع الطبيعة على قدم المساواة وأنه لن يستطيع حل مشكالته مع بيئته إن ھو لم ينظر إليھا من أبعادھا كافة: الطبيعية واالجتماعية والثقافية بل واإلنسانية باعتباره أحد عناصر البيئة أو أنه على األقل عامل التغيير فيھا فال بد في العصر الراھن ونحن قد دخلنا األلفية الثالثة من بلورة نظرة _ حسن محمد محي الدين السعدي: دراسات في العلوم اإلنسانية وقضايا البيئة مرجع سابق ص 105. _ محمد الجوھري: دراسات أنثروبولوجية معاصرة اإلسكندرية: دار المعرفة الجامعية 1993 ص
88 جديدة أو اتجاه جديد وموقف جديد لعالقة اإلنسان بالبيئة وقد تكون فكرة "ليو بولد" البيئة الشھير نواة لھا حيث يقول: "إننا نحقق فكرة أخالقية المحافظة على األرض حين ننظر الحب إليھا على أنھا مجتمع ننتمي إليه وبذلك يمكننا أن نستخدم األرض بطريقة تنم عن 167 واالحترام". _2_2 الروافد االقتصادية لالتجاھات البيئية المعاصرة"مسؤولية الرأسمالية": لقد ساد اعتقاد لدى االقتصاديين مؤداه أن درجة التغلب على مشكلة الندرة تقاس بحجم الدخل الحقيقي للفرد أي نصيبه من السلع الرأسمالية واالستھالكية الجديدة وكان التصور أن مقياس التقدم يتمثل في العمل على رفع متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي ولكن التساؤل حول صحة ھذا التصور تفرضھا حقائق أھمھا: أوال: أن زيادة النشاط االقتصادي ال يمكن استمرارھا إلى ما ال نھاية وذلك لما يصاحبھا من زيادة في معدالت استھالك الموارد الطبيعية القابلة للنفاذ. ثانيا: أستاذ أن ما ت سببه ممارسة كل من النشاطين اإلنتاجي واالستھالكي في ظھور مخلفات يلزم التخلص منھا في الطبيعة الھواء واألرض التي تمثل المخازن التي تلقى فيھا ھذه النفايات وكلما زادت المخلفات المرغوب التخلص منھا كلما أدى ذلك إلى زيادة معدالت التلوث في البيئة المحيطة باإلنسان. ومما تقدم يتبين أن المنافع المتولدة عن زيادة النشاط اإلنتاجي (التي تقاس بالحجم الحقيقي للدخل القومي) ال تمثل المنفعة الصافية حيث ي قاب ل ذلك بتكاليف اجتماعية تقلل من أثر تلك المنافع وتتمثل ھذه التكاليف في: حجم الموارد الطبيعية المستنزفة لزيادة اإلنتاج وفي معدل إفساد البيئة من مخلفات األنشطة اإلنتاجية مما يجعل البيئة أقل صالحية وأكثر ضررا بصحة اإلنسان. وعليه فإننا نجد أن اإلنسان يواجه مشكلة مزدوجة فكلما حاول زيادة رفاھيته عن طريق زيادة اإلنتاج فإنه يعاني في نفس الوقت من زيادة معدالت إفساد البيئة المحيطة به. ويمكن اعتبار تعظيم الحجم اإلجمالي لإلنتاج زيادة صافية في الرفاھية االقتصادية للبشر إذا لم ي صاحبه تخريب وإفساد للبيئة التي يعيش فيھا اإلنسان أما إذا لزم زيادة النشاط اإلنتاجي استنفاذ نھائي للمواد غير القابلة للتجدد وإفساد كامل للبيئة فحينئذ يكون اإلقالل من النشاط عبد الجبار عباس: اآلثار السلبية للتقنية على البيئة جريدة الصباح االثنين 12 ديسمبر 2007 صفحة العلوم
89 اإلنتاجي إلى أدنى حد ممكن ھو الھدف النھائي ولما كانت زيادة النشاط اإلنتاجي يترتب عليھا زيادة الرفاھية البشرية ولكن تصاحبھا زيادة تلوث البيئة التي يعيش فيھا اإلنسان وبالتالي إنقاص رفاھيته لذلك فإنه ال بد من تحقيق بعض التوازن بين االثنين وھذا ھو جوھر المشكلة االقتصادية للبيئة. غير أن بعض المفكرين يرون أن المشكلة ليست في النشاط االقتصادي بحد ذاته بقدر ما ھي في النظام االقتصادي السائد وبالتحديد النظام الرأسمالي. فمثال نجد "لويس ممفورد" يتھم بشكل رئيسي الرأسمالية لتسببھا في المشكالت البيئية وذلك لعدة أسباب أھمھا أن الرأسمالية من الناحية المثلى نظام المشروع الخاص والتحكم والربح على حين أن قضية البيئة ھو اھتمام عام فحين تعمل الرأسمالية على أكمل وجه وبأقل تدخل فإن كل القرارات الخاصة باستخدام الثروة وإنتاج السلع يصدرھا على نحو فردي خاص من يملكون الثروات والسلع وھم يتخذون قراراتھم في إطار ما سيتحقق لھم من أرباح فنظام 168 الملكية واألرباح نظام يعمل عادة ضد المصالح االجتماعية والعامة. وكما يقول "كافين رايلي": "إن االستغالل الخاص والملكية الخاصة في اإلطار البيئي ھو تدمير ) لألرض المشاع ) وتكاليف التلوث يتقاسمھا الجميع دائما أما الربح 169 الخاص فال مقاسمة فيه أبدا". وعليه فإن "التدھور البيئي الراھن ليس سوى نتيجة واحدة من النتائج السلبية العميقة للنظام الرأسمالي العالمي الذي كان وال يزال يستنزف الموارد الطبيعية ويجھد 170 البيئة ويضر بالحياة بأسلوب غير مسبوق في التاريخ. واألدلة على ذلك واضحة وضوح الشمس فمع والدة النظام الرأسمالي العالمي منذ القرن السادس عشر بدأ والزال يكرس انقسام العالم إلى شمال غني يزداد غنى وجنوب فقير يزداد فقرا إذ تشير اإلحصائيات أنه يبلغ إجمالي الناتج القومي للشمال دوالر ويتحكم الشمال ب 15 تريليون %90 من الناتج الصناعي العالمي في حين يبلغ نصيب الجنوب بكل طاقاته وموارده وثقله السكاني واتساعه الجغرافي %10 فقط من القيمة الصناعية المضافة في العالم كذلك يحتفظ الشمال بحوالي %84 من إجمالي النشاط التجاري العالمي خالد شوكات: الجريمة البيئية مرجع سابق ص كافين رايلي: الغرب والعالم مرجع سابق ص عبد الخالق عبد : التنمية المستديمة والعالقة بين التنمي ة والبيئ ة مجل ة المس تقبل العرب ي الع دد 167 بي روت: مركز دراسات الوحدة العربية يناير 1993 ص 97.
90 في حين تراجع نصيب الجنوب من التجارة الدولية إلى %16 بعد أن كان %20 عام من ناحية أخرى فإن الشمال يستھلك سنويا 12 ضعفا لما يستھلك الجنوب كما أن متوسط دخل الفرد 171 الجنوب. في الشمال أصبح اآلن يساوي حوالي 20 ضعف متوسط دخل الفرد في فھل نستغرب بالتالي أن دول العالم الفقير تزداد فقرا وال تستطيع شيئا حيال أي نوع من أنواع التنمية ال قصيرة األجل وال مستديمة وبالتالي فإن االستنتاج البديھي ھو أن دمار البيئة الطبيعية والديون الخارجية ھما ظاھرتان متالزمتان ومتشابكتان فالطبيعة ھي التي تدفع ثمن الدين دائما وأرقام منظمة التعاون االقتصادي والتنمية الفوائد تدفع بمعدل (O.E.C.D) تبين أن 3 الوتيرة لم تتغير خالل العشر سنوات باليين دوالرا أسبوعيا من قبل الدول النامية واألعجب أن ھذه الماضية ومنذ أزمة الديون في عام 1982 دفعت أمريكا الالتينية كل شھر وخالل 108 أشھر 4 باليين دوالرا للشمال حتى أفريقيا جنوب 172 الصحراء الغارقة في وحول الفقر والمجاعة تعتصر بليون دوالر شھريا لسداد ديونھا. وال غرابة إذن وانطالقا من ھذا الوضع المأسوي أن تلجأ الدول المدينة خاصة وھي ال تملك عملة مقبولة عالمية لسداد ديونھا إلى الطبيعة تستدرھا لكسب أي قرش تسدد به ديونھا وھذا ما يحصل فعال فاإلحصائيات تشير إلى أن زراعة الكوكا لوحدھا تكلف اجتثاث ھكتار من الغابة األمازونية وإذ تحول أوراق الكوكا لصناعة الكوكايين مما يسبب تصريف ماليين اللترات من كوكتيل متفجر مكون من: حامض السولفوزيك والكيروزين واألسيتون واألمونياك في األنھار مما يجعل الحياة في بعض أجزاء حوض األمازون مستحيلة مع ما لذلك من تأثير على حياة السكان وعلى التنوع البيئي في 173 الغابة. لقد كان للنظام الرأسمالي األثر العميق في التركيب االجتماعي وطبيعة سلوك اإلنسان تجاه بيئته فقد قامت الرأسمالية على مبدأ الحرية المطلقة للفرد في تصرفاته ومعتقدات وملكيته وھو ما يتجسد في شعار دعه يعمل دعه يمر كيف شاء ومتى شاء غير أن مروره الذي كان يتم بامتطاء الثروة المالية كثيرا ما يكون على حساب المجتمع خالد شوكات: الجريمة البيئية مرجع سابق ص خالد شوكات: الجريمة البيئية مرجع سابق ص المرجع نفسه ص 26.
91 والبيئة وھدر لمواردھا وتھديد لصحة الكائنات الحية بما فيھا اإلنسان. ولكون النظام الرأسمالي يحمي في حقيقة األمر أصحاب رؤوس األموال ويضمن لھم ممتلكاتھم واستمرار نشاطاتھم الصناعية والتجارية...وغيرھا ويسكت في نفس الوقت باقي أفراد المجتمع مقابل لقمة عيشھم اليومية فال تجد البيئة بذلك من يدافع عنھا ويھتم ألمرھا ويوقف أطماع أصحاب رؤوس األموال ونشاطاتھم التي تستنزف تدريجيا النظام البيئي وتسھم في تفاقم مشكالت البيئة. كما أن ارتكاز إيديولوجية النظام الرأسمالي على الحرية الفردية قد جعلت بطبيعتھا العالقات االجتماعية نتيجة لتلك الحرية بل ھي عرضة لھا بحيث يغيب مفھوم المجتمع ككتلة ملتحمة ليصبح مجرد تجمع أفراد مستقلين عن بعضھم البعض. وھذه النزعة الفردية التي تطغى على أفراد المجتمع لھا مفعول مباشر على عالقة اإلنسان بالبيئة بحيث تفقد قيمتھا التماسكية. فتصبح بذلك البيئة بكل معالمھا مصبا للنفايات والقمامة وتصبح الموارد البيئية على تنوعھا عرضة لالستنزاف وال أحد يعنيه األمر. ودون أن ننسى ھنا اإلشارة إلى النظام االقتصادي االشتراكي الذي لم يعمر طويال غير أنه كان أحد أھم الروافد االقتصادية التي ساھمت في تشكيل االتجاھات البيئية المعاصرة السلبية للعديد من األفراد والجماعات. وكنقيض إليديولوجية النظام الرأسمالي فقد جاءت اإليديولوجية االشتراكية لترد االعتبار للجماعة باعتبارھا ھي األصل في المجتمع غير أن ھذا التمجيد لمفھوم الجماعة كان بمثابة رد فعل كلي معاكس لما في الرأسمالية من إطالق الحرية الفردية وھو ما جعل الفرد في ھذه الحالة يفقد قيمته واستقالليته كليا كوحدة اجتماعية وال يكون له معنى إال في إطار ذلك المجموع. وقد أفرز ھذا المفھوم لإلنسان تصورا مجموعيا ألوجه الحياة العامة والخاصة بحيث اختزلت من المعادلة البشرية كل العناصر التي تميز األفراد عن بعضھم معنويا وماديا مما أفضى إلى ظاھرة الالمباالة الشائعة لدى أفراد المجتمعات التي تبنت االشتراكية وبالتالي تغلب عليھم روح البايلك تجاه البيئة ومواردھا والتي تصبح مصبا للنفايات والقمامة أو مصدرا عاما للثروة مما يعرضھا لالستنزاف فھذه االتجاھات والسلوكات البيئية ال تجد لھا تفسيرا إال فقدان ضمير المسؤولية والتالحم الجماعي ما بين األفراد وھو ما جعل من قضية البيئة
92 _في ظل التصور االشتراكي_ مبھمة الھوية ال تعرف لھا مسئوال حقيقيا فالكل مسئول وال أحد مسئول. ولكن النظام الرأسمالي الذي نشأ في غرب أوروبا أو النظام االشتراكي الذي نشأ بعده في شرقيھا ليسا من صنع البيئة أو إمالئھا. بل أن الثورة الصناعية نفسھا ليست من نتائج البيئة المباشرة فھي شيء حديث يرجع عھده إلى ثالثة قرون فحسب وھي نتيجة تطور حضاري وتاريخي طويل بدأ في إقليم الشرق األدنى وحوض البحر المتوسط وساعد على ظھوره تطور فكري أيضا ال عالقة له بالبيئة ھذا التطور الذي كان من شأنه التحرر من اآلراء والمعتقدات التقريرية (Dogmatic) واعتناق المذھب التجريبي (Empirical) والتفكير العلمي (Reasoning) وال ريب أن ھذا التطور الفكري (وھو إنساني ال شك فيه) قد فتح األذھان وجعلھا "تختار" مجاالت جديدة لالستغالل االقتصادي ووجھھا نحو التعدين على نطاق واسع والبحث عن الفحم كمصدر من مصادر القوة ثم استنباط مصادر أخرى كبرى كقوة الماء والكھرباء وبالتالي البحث عن مجاالت البيئة التي 174 تستغل فيھا ھذه المصادر الجديدة وھكذا. وفوق كل ھذا مما قيل عن النظامين االقتصاديين الرأسمالي واالشتراكي فإن أھم ما يشتركان فيه ھو كونھما يتحدان في موقفھما من األخالق والعالقات اإلنسانية االجتماعية حيث يضحي كل منھما في سبيل المادة باعتبارھا عصب الحياة مما انعكس سلبا على التكوين الثقافي واالجتماعي لإلنسان المعاصر وبالتالي على اتجاھاته البيئية أيضا. حيث أن جشع اإلنسان في وقتنا الراھن وطمعه تحت مبرر التقدم والرقي جعل الروح المصلحية تتملكه في عالقته مع البيئة فلم ينظر إليھا إال على أنھا مصدر للخدمات التي يحصل عليھا في أسرع وقت وبأقل ثمن. يجب أن بل أنه لم يتورع عن إلحاق الضرر بأخيه اإلنسان في سبيل تحقيق مصالحه وأھدافه. ولعل النظريات االقتصادية التي صاحبت الثورة الصناعية في الغرب خير دليل على أنانية اإلنسان إذ لم تھتم بمصير األمم والشعوب األخرى أو البيئة بقدر اھتمامھا بحساب الخسارة أو الربح فغابت عنھا الضوابط األخالقية _ محم د الس يد غ الب: البيئ ة والمجتم ع تط ور التفكي ر ف ي العالق ة ب ين البيئ ة والمجتم ع ط 3 اإلس كندرية: مكتب ة األنجلو المصرية 1963 ص
93 واإلنسانية التي يجب أن تحكم تصرفات اإلنسان عند اضطالعه بمسؤولية تعمير 175 األرض. وتجدر اإلشارة إلى أن النظريات التنموية التي ظھرت قبل وبعد الحرب العالمية الثانية قد ركزت على تحقيق ھدف رئيسي تمثل في مضاعفة العوائد االقتصادية وتقليل 176 كلف اإلنتاج بغض النظر عن الكلف االجتماعية والبيئية. وقد انعكس ذلك على عمليات التنمية نفسھا التي تمت في معظم دول العالم المتقدم والنامي منذ ذلك الوقت والتي ركزت بدورھا على الجوانب االقتصادية بالدرجة األولى وأھملت البيئية وبنسب متفاوتة في مراحل زمنية مختلفة. الجوانب االجتماعية والجوانب وعموما فقد تميزت الثقافة االقتصادية التي سادت في دول العالم بشقيه النامي والصناعي منذ نھاية الحرب العالمية الثانية بمجموعة من القيم والقناعات التي ساھمت بشكل مباشر وغير مباشر في زيادة حدة المشكالت االقتصادية واالجتماعية والبيئية في ھذه 177 الدول ومن ھذه القيم على سبيل المثال ال الحصر : - االعتقاد بأن الموارد موجودة بشكل غير محدود في الطبيعة: وأصحاب ھذا االعتقاد يقولون بأنه يمكن استغالل الموارد في إنتاج البضائع والسلع المختلفة وقد تعامل ھذا االعتقاد مع قسم كبير ومھم من الموارد على أنھا بضائع حرة أصحاب Goods) (Free أي ليس لھا قيمة أو أن قيمتھا صفر األمر الذي شجع على استغالل ھذه الموارد وإھدارھا أكثر وأكثر والكلفة الوحيدة التي يتم احتسابھا ھي كلفة استخراج ھذه الموارد. - االعتقاد بأن ليس ھناك حدود للنمو االقتصادي: ومعروف أن اقتصاد السوق الحر ال يأخذ بعين االعتبار ذلك ويؤمن أصحاب ھذا االعتقاد بأن النمو أن يستمر إلى ما ال نھاية. - االعتقاد بأن األكثر ھو األفضل Better) :(More is ويبدو ھذا في سلوك كثير من الشركات والدول على حد سواء فتحقيق معدالت نمو اقتصادي أو أرباح عالية يعني في نظر الكثيرين أن األوضاع على ما يرام وھذا غالبا ليس صحيحا بدليل ما يشھده العالم اليوم من مشكالت بيئية تجمعت بفعل ھذه القناعات وألن الكم ال يعكس بالضرورة الكيف والنوعية. - حسن شحاتة: تلوث البيئة القاھرة: مكتبة الدار العربية للكتاب 2000 ص _ الحنيطي حرب: الجغرافيا االقتصادية مسقط: وزارة التربية والتعليم وشؤون الشباب 1985 ص _ عثمان محمد غنيم وماج دة أحم د أب و زن ط: التنمي ة المس تديمة_فلس فتھا وأس اليب تخطيطھ ا وأدوات قياس ھا عم ان_ األردن: دار صفاء للنشر والتوزيع 2007 ص
94 ص" - االعتقاد بأن العملية الصناعية ھي عملية خطية تبدأ في النقطة "س" وتنھي في النقطة ": وھذا النوع من التفكير ال يأخذ بعين االعتبار المضاعفات الدائرية للعملية الصناعية لذلك فإننا نندھش عندما ينجم عن نشاطاتنا الصناعية نتائج وآثار بيئية واجتماعية خطيرة فاإلنتاج الذي تنتجه الشركات بعشرات الماليين من الدوالرات سيكلفنا الحقا مئات الماليين من الدوالرات للتخلص من آثاره البيئية ومعالجة آثاره االجتماعية. - االعتقاد بأن النظام االقتصادي ھو نظام مغلق ومتكامل وقائم بذاته: وأصحاب ھذا االعتقاد تناسوا بأن العوائد االقتصادية المختلفة ھي حصيلة استغالل الموارد الطبيعية ويتجاھل ھؤالء أيضا التكلفة االجتماعية والبيئية التي تنجم عن النشاطات االقتصادية المختلفة لإلنسان ألنھا ال تظھر في قوائم الموازنات العامة للشركات والدول ولو أخذت ھذه التكلفة بالحسبان لتبين أن كثيرا من ھذه الشركات سيخرج خاسرا برغم أنه يظھر في قوائم الموازنات رابحا. لقد كانت ھذه الثقافة االقتصادية السبب الرئيس في ظھور واستفحال الكثير من 178 المشكالت البيئية والمشكالت االقتصادية واالجتماعية. وإن مثل ھذه القيم التي شكلت النسيج األساسي للثقافة االقتصادية في القرن العشرين تذكرنا بمقولة دوجالس موسشيت (D.Muschett) التي يقول فيھا: "بأن الدول الصناعية الغنية ال تعرف شيئا عن االستدامة 179 في الوقت الذي ال تعرف فيه غالبية دور العالم األخرى شيئا عن التنمية". لذلك نرى أن ھذه األمور جميعھا تؤكد وجھة النظر القائلة: بأن المشكلة ال يمكن أن تحل من خالل آلية السوق الحر السائدة والتي مازالت تھمل كلفة استغالل واستھالك الموارد الطبيعية وتسعى سعيا محموما إلى زيادة معدالت النمو االقتصادي بغض النظر عن أي اعتبارات بيئية. وعن التزايد في معدالت النمو ھذا والذي ھو دليل على الكمية الكبيرة من الموارد التي تستھلك من رأس المال الطبيعي دون أن يتم تعويضھا لذلك تقف آلية السوق التي تقوم على مبدأ األكثر ھو األفضل عاجزة عن تحديد حجم األكثر المطلوب أو الكافي والذي يجب أن يقف عنده النمو االقتصادي وھذا ما يطرحه أنصار التنمية المستديمة من خالل السؤال التالي: How much enough is enough? _ عثمان محمد غنيم وماجدة أحم د أب و زن ط: التنمي ة المس تديمة_فلس فتھا وأس اليب تخطيطھ ا وأدوات قياس ھا مرج ع سابق ص _ موسشيت دوغالس: مبادئ التنمية المستدامة ترجمة بھ اء ش اھين الق اھرة: ال دار الدولي ة لالس تثمارات الثقافي ة 1997 ص
95 يتبين لنا مما سبق أن قضية أزمة العالقة بين اإلنسان والبيئة يمكن النظر إليھا وفي جانب كبير منھا على أنھا قضية اتجاھات بيئية سلبية مكتسبة أو متعلمة غذتھا لدى الفرد روافد اجتماعية تاريخية (إيديولوجية وثقافية واقتصادية) حطمت في داخله معنى العالقة المعتدلة المتوازنة بينه وبين بيئته. والذي يمثل في الحقيقة سقوطا لثقة اإلنسان في طبيعته االجتماعية المتجاوزة وتمركزا حول جسده وطموحه وأحالمه المادية وھذا ما أشار إليه الفيلسوف االجتماعي األمريكي والمفكر البيئي البيئية تعود إلى انھيار النسيج العضوي "موراي بوكتشين" الذي يرى أن األزمة 180 للمجتمع والطبيعة. حيث إن االستغالل المفرط للموارد الطبيعية وتلويث البيئة وانھيار األنظمة البيئية سيبقى السلوك السائد ما دامت اتجاھاتنا البيئية يحكمھا ھاجس التنمية المادية والحفاظ على المكتسبات االقتصادية وما دامت ھي المسيطرة على نظرتنا للحياة وما دام واقعنا االجتماعي والثقافي واالقتصادي ينم عن غياب الوعي بالعالقة التي تربط بين اإلنسان والبيئة وباألحرى بين التنمية والمحافظة على البيئة والذي يعد السبب الرئيس في تدھور البيئة وانھيار التنمية وتھديد سالمة اإلنسان على كوكب األرض. وعلى اعتبار أن اإلنسان ي شكل المجال الفكري على األرض والذي ترتبط سالمته بسالمة المجال الحيوي على حد تعبير "تيالرد دي شاردان" فإن أي تغيرات سلبية تطرأ على األنظمة البيئية الطبيعية تنعكس بالضرورة على المجال الحيوي الفكري لإلنسان حيث يعيش اإلنسان متميزا بفكره عن بقية الكائنات الحية بمستوياتھا المختلفة. وھو ما جعل التغيرات السلبية التي طرأت على البيئة كظاھرة التلوث واستنزاف الموارد البيئية الخ تؤثر على المجال الفكري لإلنسان فتفطن في وقتنا الراھن إلى أزمة عالقته مع البيئة واالنعكاسات السلبية التجاھاته نحوھا. مما تمخض عنه طرح فكرة االستدامة أو التنمية المستديمة على اعتبار أن لب المشكلة كما أشرنا في التحليل السابق يكمن في غياب الوعي بالعالقة التي تربط بين اإلنسان والبيئة وباألحرى بين التنمية والمحافظة على البيئة. واالستدامة من شأنھا االضطالع بمعالجة ھذه المشكلة على اعتبار أنھا مفھوم أو طرح حضاري جديد يمس جميع نشاطات الحياة وجوانبھا االجتماعية واالقتصادية والثقافية...الخ _ علم البيئة البحث عن نموذج جديد متاح على: 180
96 ويراعي ضرورة التوفيق في العالقة بين اإلنسان والبيئة ويديم استمرارية التنمية مع المحافظة على البيئة. أوال: طروحات مفھوم التنمية المستديمة في ضوء المؤتمرات العالمية: 1972 في عام نشر"نادي روما" تقريرا بعنوان حدود النمو Limits to " "growth الذي أشار إلى أنه إذا استمرت اتجاھات النمو في التصنيع ومعدل تزايد السكان وإنتاج األغذية واستنزاف المصادر فإن قدرة األرض الستيعاب ھذا النمو ستصل إلى نھايتھا في السنوات المائة (100) التالية. وقد شكل ھذا التقرير الدعامة النظرية لحركة 181 التنمية المستديمة المعاصرة. تبع ذلك اھتمام دولي واضح بمفھوم التنمية المستديمة حول البيئة اإلنسانية الذي انعقد في مدينة ستوكھولم في عام العالم بھذا الموضوع حيث تمخض عنه وثيقتان ھما: حيث يعتبر مؤتمر الحكومات 1972 م بداية اھتمام حكومات إعالن ستوكھولم للمبادئ البيئية األساسية التي ينبغي أن تحكم السياسة وخطة عمل مفصلة فضال عن إنشاء برنامج األمم المتحدة البيئي 182 وكالة بيئية دولية. (UNEP) "United Nations Environmental Program" كأول وبرغم أن المؤتمر قد اعترف بالحقوق السيادية للدول الستغالل مواردھا وفقا لسياستھا البيئية الخاصة بھا إال أنه طلب من الدول عند استغالل مواردھا ضمان عدم استنزاف الموارد غير المتجددة وحماية الموارد الطبيعية من خالل التخطيط الحذر لصالح الجيل الحالي واألجيال القادمة. ولتحقيق ذلك التغير وجھت الدول نحو تبني اقتراب متكامل ومتناسق لتخطيطھا التنموي لكي تضمن توافق التنمية مع الحاجة إلى حماية وتحسين البيئة. وتبرز أھمية مؤتمر ستوكھولم في أنه حدد عالقة مشتركة بين استنزاف الموارد بھدف التنمية وحماية البيئة وھي عالقة تم تبنيھا الحقا في اإلستراتيجية العالمية للحفاظ على البيئة التي بلورت وألول مرة مفھوم "التنمية المستديمة" عندما أكدت على أنه "لكي تكون ھو عبارة عن منظمة كونھا مجموعة من العلماء واالقتصاديين األوروبيين عام 1923 وسميت ب " نادي روما" Club "of Rome" عبد الرحمن عبد الھادي محمد: التخطيط العمراني المستديم مرجع سابق. 182 _ عبد بن جمعان الغامدي: التنمية المستدامة بين الحق ف ي اس تغالل الم وارد الطبيعي ة والمس ئولية ع ن حماي ة البيئة مرجع سابق.
97 التنمية مستديمة فالبد أن تأخذ في الحسبان العوامل االجتماعية والبيئية فضال عن 183 االقتصادية." ففي عام 1980 و ضعت المحاولة الحقيقية األولى لتعريف التنمية المستديمة في اإلستراتيجية العالمية للحفاظ على البيئة والتي أوضحت ضرورة التكامل بين قيم الحفاظ على البيئة وعملية التنمية وأشارت إلى أنه "حتى تصبح التنمية مستديمة البد أن تأخذ في اعتبارھا العوامل البيئية واالجتماعية واالقتصادية كذلك وقاعدة الموارد الناضبة 184 والمتجددة." وقد مثلت اإلستراتيجية العالمية للحفاظ على البيئة بدورھا الخلفية اإلطارية لتقرير بروندتالند الذي منح المفھوم شعبية واسعة ومھد الطريق أمام تبنيه بإجماع دولي منقطع النظير في مؤتمر األمم المتحدة للبيئية والتنمية "The United Nations Conference (UNCED)" on Environment and Development ثم من خالل إعالن ريو 21. وأجندة ففي عام 1983 قامت الجمعية العامة لألمم المتحدة بإنشاء اللجنة العالمية للبيئة والتنمية والمعروفة اختصارا "WCED" والتي ت عرف أيضا بلجنة "بروند تالند" tland" "Brund ومع نشر الوكالة لتقريرھا "مستقبلنا المشترك" "Our common future" في عام 1987 م الذي جاء متزامنا مع الصدمة البيئية األكبر للرأي العام العالمي المتمثلة في اكتشاف ثقب األوزون "ozone hole" فوق القارة المتجمدة الجنوبية والتي دفعت إلى االتفاق في نفس العام على بروتوكول مونت لمعاھدة "فيينا" حول حماية طبقة األوزون بھدف تنظيم استخدام وإطالق المواد المستنفذة لألوزون مثل غازات الكلوروفلوروكربون (CFCs) والھالون (Halons) أصبح مفھوم التنمية المستديمة World Conservation Strategy (1980), available at: عال محمد الخواجة: العولمة والتنمية المستدامة في: مصطفى طلبه (محرر): الموسوعة العربية للمعرف ة م ن أج ل التنمية المستدامة المجلد األول "مقدمة عامة" بيروت: الدار العربية للعلوم_ناشرون 2006 ص 415. وھو اسم رئيسة وزراء النرويج "جرو ھ ارلم بروندتالن د" tland" "Gro Harlem Brund الت ي كان ت رئيس ة اللجن ة في ذلك الوقت. وبطلب من األمين العام لألمم المتحدة قامت بتشكيل لجنة للبحث عن أفضل السبل التي تم ك ن كوكبن ا ال ذي يشھد نم وا س كانيا متس ارعا م ن أن يس تمر ف ي اإليف اء باالحتياج ات األساس ية م ن خ الل ص ياغة افتراض ات عملي ة ت ربط قضايا التنمية بالعناية بالبيئة والمحافظة عليھا وترفع من مستوى الوعي العام بالقضايا ذات الصلة بالموضوع.
98 مفھوما محوريا للتفكير المستقبلي. وقد عرفھا ھذا التقرير بأنھا "ھي التنمية التي تلبي 185 احتياجات الجيل الحاضر دون اإلخالل بقدرة األجيال المقبلة على تلبية احتياجاتھا". وقد اكتسب تعريف ھيئة بروند تالند للتنمية المستديمة شھرة دولية ورواجا كبيرا غير أن ھذا لم يمنع من ظھور عدد من التقارير والمؤتمرات والدراسات التي حاولت وضع تعريفات بديلة لمفھوم التنمية المستديمة ففي تقرير صدر عام االستشراف العالمي لعام 1990 عن األمم المتحدة حول 2000 في المجال االقتصادي واالجتماعي والبيئي تم مجددا التركيز على أھمية التنمية المستديمة ويرى التقرير في ھذا الشأن " أن التنمية المستديمة ال تتضمن ضرورة وقف النمو االقتصادي بل تتطلب االعتراف بأن مشكلة الفقر والتخلف والمشاكل البيئية المتعلقة بھا ال يمكن حلھا دون نمو اقتصادي متين وأن التنمية المستديمة ستتطلب تغييرا في مسارات النمو الحالية لجعلھا أقل استھالكا للموارد وللطاقة وأكثر عدالة وأن النمو الناتج عن االستنزاف المتسارع للموارد ليس مستديما من الناحية البيئية 186 واالقتصادية وفي عام انعقد مؤتمر األمم المتحدة للبيئة والتنمية UNCED والذي عرف بقمة األرض في الفترة من 3_4 أفريل عام 1992 في ريو دي جانيرو في البرازيل وشاركت فيه دولة وقد توصل المؤتمر إلى خمس اتفاقيات : 1_ أجندة 21: وھي خطة عالمية للتحرك من أجل تحقيق التنمية المستديمة وتتكون من أكثر من مئة منطقة عمل تمتد من التجارة والبيئة مرورا بالزراعة واقتالع الغابات إلى نقل التكنولوجيا وبناء القدرات. وكانت أجندة 21 بمثابة خطة عمل القرن الحادي والعشرين إذ أشارت إلى أن ھناك ارتباطا بين النشاط اإلنساني وقضايا البيئة وأن القضايا العالمية تتطلب سياسات محلية. كما أكدت أن البشر يعتمدون على األرض من أجل استمرار حياتھم ولذلك فھناك حاجة ماسة إلى مشاركة المواطنين في التخطيط لتطوير مجتمعاتھم Pardy Bruce: Sustainable Development, In search of A legal Rule, Journal of Business Administration and Policy Analysis, 1999, p عال محمد الخواجة: العولمة والتنمية المستدامة في: مصطفى طلبه (محرر): الموسوعة العربية للمعرف ة م ن أج ل التنمية المستدامة مرجع سابق ص المرجع نفسه ص 417.
99 2_ إعالن ريو عن البيئة والتنمية: والتنموية. وي تضمن 27 مبدأ يحكم التكامل بين السياسات البيئية 3_ بيان المبادئ حول الغابات: ويعد أول توافق عالمي حول إدارة غابات العالم والمحافظة عليھا وتنميتھا المستديمة. _4 _5 االتفاقية اإلطارية بشأن تغير المناخ: وقد أكدت ضرورة استقرار معدالت غازات االحتباس الحراري في الجو عند المستويات التي ال تضر بالمناخ العالمي. اتفاقية التنوع البيولوجي: وتقوم على الحفاظ على التنوع الجيني وتنوع الفصائل والنظم اإليكولوجية والمشاركة في استغالل فوائده وتقاسمھا بصورة عادلة ومتوازنة. وتكمن أھمية أول قمة لألرض في ريو في أنھا قد وضعت حجر األساس لرؤية عالمية جديدة عن البيئة محولة األجندة الكونية إلى التنمية المستديمة من خالل إثارة اھتمام الرأي العام العالمي بالعالقة المتبادلة بين األبعاد البيئية واالجتماعية والثقافية واالقتصادية والسياسية للتنمية كما مھدت الطريق أمام مفھوم التنمية المستديمة الختراق الخطاب االقتصادي والسياسي. ففي تلك القمة ألزم المجتمع الدولي نفسه بمفھوم التنمية 188 المستديمة. وبعد مضي عقد على مؤتمر ريو انعقد المؤتمر العالمي للتنمية المستديمة في "جوھانسبرغ" لمراجعة التقدم الذي تم إقراره في تطبيق أجندة ) 21 خطة عمل األمم المتحدة للبيئة والتنمية) ممثلون ألكثر من أجندة وذلك في الفترة من 26 أوت إلى 4 سبتمبر 2002 وحضرھا 160 بلدا. وأكد المشاركون في القمة التزامھم بتنفيذ المبادئ الواردة في 21 وأھداف األلفية. وأوضحوا أن الحكم الرشيد والسالم واألمن واحترام حقوق اإلنسان وحرياته السياسية ھي عناصر مھمة بالنسبة إلى التنمية المستديمة. كما أكدوا عدم 189 توافق أنماط االستھالك واإلنتاج الحالية مع التنمية المستديمة وقد حدد ھذا المؤتمر ثالثي أھداف للتنمية المستديمة في: اإلنتاج واالستھالك. محاربة الفقر حماية المصادر الطبيعية وتغيير أنماط 188 _ عبد بن جمعان الغامدي: التنمية المستدامة بين الحق في استغالل الم وارد الطبيعي ة والمس ئولية ع ن حماي ة البيئة مرجع سابق عال محمد الخواجة: العولمة والتنمية المستدامة في: مصطفى طلبه (محرر): الموسوعة العربية للمعرف ة م ن أج ل التنمية المستدامة مرجع سابق ص 418.
100 ثم أشارت األمم المتحدة في تقرير التنمية البشرية لعام 2003 حول األھداف التنموية لأللفية إلى ضرورة دمج مبادئ التنمية المستديمة في سياسات الدول وبرامجھا ووقف التدھور الحاصل في البيئة وخسارة مواردھا. وقد تحدد ذلك في الھدف السابع أال 190 وھو ضمان االستدامة البيئية. ونالحظ أنه في بداية الجدل حول االستدامة كان ھناك اھتمام خاص باالستدامة البيئية إذ سجلت محاوالت للربط بين كيفية تحقيق النمو االقتصادي في األجل القصير دون أن يكون ذلك على حساب رأس المال البيئي حيث أن إھمال النمو االقتصادي العتبارات تدھور أوضاع البيئة يؤدي إلى عدم استمرارية ھذا النمو على المدى البعيد كما أن استمرارية عملية النمو االقتصادي تعتمد أساسا على الحفاظ على مجموعة من الخدمات البيئية األساسية وعلى بيئة صحية ومجتمعات متماسكة. ولذلك فإن مفھوم التنمية المستديمة يتطلب الربط بين األھداف االقتصادية واالجتماعية والبيئية للمجتمعات بصورة 191 متوازنة. وبرز بعد ذلك اھتمام متزايد باستدامة العنصر البشري حيث كانت ھناك مخاوف من أن العناية المبالغ فيھا بالبيئة قد تھمل حاجات البقاء للمواطنين الفقراء ومن ثم يجب توجيه االھتمام نحو قضايا البقاء والمعيشة وإشباع حاجات األفراد األساسية. ومن ثم فان للتنمية المستديمة أبعادا ثالثة رئيسية البعد البيئي: ويقصد به القيود الطبيعية (البيئية) على التنمية البشرية. والبعد االقتصادي: ويقصد به أن النمو االقتصادي يعد العنصر األساسي في تحسين مستويات معيشة األفراد. والبعد االجتماعي: وتدخل فيه اعتبارات العدالة بين األجيال وداخل األجيال نفسھا حيث يمكن أن نطلق على مفھوم التنمية المستديمة مفھوم التنمية العادلة والمتوازنة. ورغم التداخل بين األبعاد الثالثة للتنمية المستديمة فان الجمع بينھا في نطاق متكامل يبدو عملية صعبة ألنه بمجرد ذكر استدامة المھمات الثالث تبرز سريعا قضية تسمى " Trade-off " أي عملية التوازن بينھا وعدم وضعھا في مواجھة بعضھا البعض أو التضحية بأحدھا على حساب اآلخر. فرغم العالقة القوية بين االستدامة البشرية - عال محمد الخواجة: العولمة والتنمية المستدامة في: مصطفى طلبه (محرر): الموسوعة العربية للمعرف ة م ن أج ل التنمية المستدامة مرجع سابق ص المرجع نفسه ص
101 واالستدامة االقتصادية الكلية فان عدم االستدامة االقتصادية من شأنه اإلطاحة بجھود مكافحة الفقر والوفاء بالحاجات األساسية. وھناك أيضا تصادم وتعارض بين االستدامة االقتصادية الكلية واالستدامة االجتماعية أو البشرية. ولذلك فمن الضروري معرفة تأثير كل بعد على االقتصاد وتترجم ھذه األبعاد في صورة معدالت للنمو: أولھا معدل نمو االستدامة البيئية ) معدل النمو البيئي) ويقصد به المعدل األقصى والذي عنده ينمو نصيب الفرد من الناتج المحلي اإلجمالي بدون تدمير البيئة وثانيھا معدل نمو(خفض الفقر) أو المعدل البشري: وھو الحد األقصى الذي عنده ينمو نصيب الفرد من الدخل دون زيادة معدالت الفقر وأخيرا معدل نمو االستدامة االقتصادية الكلية ) المعدل االقتصادي الكلي) وھو الحد األقصى الذي ينمو عنده االقتصاد بدون تسخين كبير ) تسخين األرض نتيجة األنشطة االجتماعية واالقتصادية). وعليه فقد حدد البنك الدولي التنمية المستديمة في القرن الحادي والعشرين بأنھا 192 عملية متعددة األبعاد وتتكون من خمسة مكونات. رأس المال النقدي: رأس المال المادي: ومحطات توليد الطاقة وغيرھا. _ رأس المال البشري: رأس المال االجتماعي: ويتمثل في اإلدارة المالية السليمة والتخطيط االقتصادي المالئم. ويتمثل في البنية التحتية واألصول الثابتة مثل الطرق والموانئ ويتضمن صحة جيدة ومستوى تعليميا مقبوال. والقواعد التي تحدد طبيعة العالقات بين األفراد. رأس المال الطبيعي: ويقصد به مھارات وقدرات األفراد وكذلك المؤسسات والعالقات ويتمثل في الموارد الطبيعية والخدمات الطبيعية. ولعل ھذه الطبيعة المفتوحة لمفھوم التنمية المستديمة الذي ال يستند إلى نظرية محددة وإنما ھو أقرب إلى شعار نبيل وفكرة محببة ھو الذي حمل بعض المفكرين على أن يذھبوا مذاھب مختلفة في تصورھم لمفھوم التنمية المستديمة مما أفضى إلى ظھور ما يسمى ب"إشكالية مفھوم التنمية المستديمة". ثانيا: إشكالية مفھوم التنمية المستديمة في ظل طروحاته المختلفة: - عال محمد الخواجة: العولمة والتنمية المستدامة في: مصطفى طلبه (محرر): الموسوعة العربية للمعرف ة م ن أج ل التنمية المستدامة مرجع سابق ص
102 يبدو أن التنمية المستديمة ھي التي تصيغ اليوم الجزء األكبر من السياسة البيئية المعاصرة وقد كان للعمومية التي اتصف بھا المفھوم دورا في جعله شعارا شائعا وبراقا مما جعل كل الحكومات تقريبا تتبنى التنمية المستديمة كأجندة سياسية حتى لو عكست تلك األجندات التزامات سياسية مختلفة جدا تجاه االستدامة. وتكمن مشكلة مفھوم التنمية المستديمة في أنه يتأثر بعالقات القوة بين الدول وداخلھا وھذه الحقيقة تتطلب مراجعة نقدية للمفھوم فمن الواضح أن عالقات القوة ھي التي تصيغ المعاني واللغة التي يستخدمھا الناس. حيث تم استخدام المبدأ لدعم وجھات نظر متناقضة كليا حيال قضايا بيئية مثل التغير المناخي والتدھور البيئي اعتمادا على زاوية التفسير فاالستدامة يمكن أن تعني أشياء مختلفة بل متناقضة أحيانا لالقتصاديين وأنصار البيئة والمحامين والفالسفة ولذا يبدو أن 193 التوافق بين وجھات النظر تلك بعيدة المنال. ذلك أن غياب نظرية واضحة وراء ھذا المفھوم جعله حمال أوجه يعلق عليه من يشاء قائمة اھتماماته الخاصة دون أن يكون ھناك تصور واقعي لكيفية إنجاز التنمية 194 المستديمة على أرض الواقع. ولذلك فبرغم االلتزام الدولي تجاه التنمية المستديمة وبرغم أنھا قد تبدو للوھلة األولى واضحة إال أنھا قد ع رفت وف ھمت وط بقت بطرق مختلفة جدا مما تسبب في درجة عالية من الغموض حول معنى المفھوم الذي يعتبر من المفاھيم الصعبة والمراوغة وي شار في ھذا السياق إلى أن " فوك وبريزيد" " Prasad" "Fouk & قد أوردا أكثر من ثمانين 195 تعريفا مختلفا وفي الغالب متنافسا وأحيانا متناقضا لمفھوم التنمية المستديمة. ولكن إذا نظرنا إلى الحد األدنى من المعايير المشتركة للتعريفات والتفسيرات المختلفة للتنمية المستديمة يمكننا أن نتعرف على أربع خصائص 196 رئيسية. غير أن إشكالية مفھوم التنمية المستديمة والتعرف عليه تطالعنا عند الحديث عن ھذه الخصائص: عبد بن جمعان الغام دي: التنمي ة المس تدامة ب ين الح ق ف ي اس تغالل الم وارد الطبيعي ة والمس ئولية ع ن حماي ة البيئة مرجع سابق مصطفى كامل السيد: التنمية والبيئة_نقاش نظري في: مص طفى طلب ه (مح رر): الموس وعة العربي ة للمعرف ة م ن أجل التنمية المستدامة المجلد األول "مقدمة عامة" بيروت: الدار العربية للعلوم_ناشرون 2006 ص عبد بن جمعان الغامدي التنمية المس تدامة_ب ين الح ق ف ي اس تغالل الم وارد الطبيعي ة والمس ئولية ع ن حماي ة البيئة مرجع سابق المرجع نفسه.
103 إلى إذ ت شير أولى ھذه الخصائص إلى أن التنمية المستديمة تمثل ظاھرة عبر-جيلية أي أنھا عملية تحويل من جيل إلى آخر وھذا يعني أن التنمية المستديمة البد أن تحدث عبر فترة زمنية ال تقل عن جيلين ومن ثم فإن الزمن الكافي للتنمية المستديمة يتراوح بين 25 سنة. 50 وتتمثل الخاصية المشتركة الثانية في مستوى القياس فالتنمية المستديمة ھي عملية تحدث في مستويات عدة تتفاوت على ) عالمي إقليمي محلي) ومع ذلك فإن ما يعتبر مستديما المستوى القومي ليس بالضرورة أن يكون كذلك عل المستوى العالمي. ويعود ھذا التناقض الجغرافي إلى آليات التحويل والتي من خاللھا تنتقل النتائج السلبية لبلد أو منطقة معينة إلى بلدان أو مناطق أخرى. وتعد المجاالت المتعددة خاصية ثالثة مشتركة حيث تتكون التنمية المستديمة من ثالثة مجاالت على األقل: اقتصادية وبيئية واجتماعية ثقافية. ومع أنه يمكن تعريف التنمية المستديمة وفقا لكل مجال من تلك المجاالت منفردا إال أن أھمية المفھوم تكمن تحديدا في العالقات المتداخلة بين تلك المجاالت. فالتنمية االجتماعية المستديمة تھدف إلى التأثير على تطور الناس والمجتمعات بطريقة تضمن من خاللھا تحقيق العدالة وتحسين ظروف المعيشة والصحة. أما في التنمية البيئية المستديمة فيكون الھدف األساسي ھو حماية األنساق الطبيعية والمحافظة على الموارد الطبيعية. أما محور اھتمام التنمية االقتصادية المستديمة فيتمثل في تطوير البنى االقتصادية فضال عن اإلدارة الك فأة للموارد الطبيعية واالجتماعية. ولذلك ع رفت التنمية المستديمة على أنھا ھي تلك التنمية التي تحقق التوازن بين النظام البيئي واالقتصادي واالجتماعي وتساھم في تحقيق أقصى قدر من النمو في كل نظام من ھذه األنظمة الثالثة دون أن يؤثر التطور في أي نظام على األنظمة األخرى تأثيرا 197 سلبيا. غير أن اإلشكالية تكمن في أن ھذه المجاالت الثالثة للتنمية المستديمة والتي تبدو نظريا منسجمة لكنھا ليست كذلك في الواقع الممارس باإلضافة إلى أن المبادئ األساسية التي يقوم عليھا كل مجال مختلفة فيما بينھا فبينما تمثل الكفاءة المبدأ الرئيس في التنمية - محم د ص الح الش يخ: اآلث ار االقتص ادية والمالي ة لتل وث البيئ ة ووس ائل الحماي ة منھ ا اإلس كندرية: مكتب ة ومطبع ة اإلشعاع الفنية 2002 ص
104 االقتصادية المستديمة تعتبر العدالة محور التنمية االجتماعية المستديمة أما التنمية البيئية المستديمة فتؤكد على المرونة أو القدرة االحتمالية لألرض على تجديد مواردھا. وتتعلق رابع خاصية مشتركة بالتفسيرات المتعددة للتنمية المستديمة فمع أن كل تعريف يؤكد على تقدير لالحتياجات اإلنسانية الحالية والمستقبلية وكيفية اإليفاء بھا إال أنه في الحقيقة ال يمكن ألي تقدير لتلك االحتياجات أن يكون موضوعيا. فنحن ال نعرف قيم وتفضيالت األجيال القادمة وال نوع الحياة الذي تميل إليه فھذه أمور ال يمكن الجزم بھا وأية محاولة بھذا الشأن ستكون محاطة بعدم التيقن. ومن ثم فإن الموارد التي تبدو ذات قيمة لنا في الحاضر قد ال تكون لھا القيمة نفسھا لدى أجيال المستقبل. المستديمة يمكن تفسيرھا وتطبيقھا وفقا لمنظورات مختلفة. ونتيجة لذلك فإن التنمية أضف إلى ذلك أن عدم وضوح مدى جدوى الموارد المستخدمة في الحاضر لألجيال المقبلة تجعل من الصعب إضفاء القيمة الحقيقية عليھا فإذا كان من المعروف مثال أن قيمة أصل معين سوف تزداد في المستقبل فال شك أن ذلك سينعكس على قيمته في الحاضر وينعكس ذلك على التعامل في ھذه األصول في الحاضر بما في ذلك معدل الفائدة المرتبط 198 بحيازتھا أو استخدامھا. كما نشير إلى أنه قد تكون المساواة أو العدالة ھي العنصر المھم الذي تكاد تشتمل عليه جميع تعريفات التنمية المستديمة منذ صدور تعريف بروند تالند الذي ي عد أھم تلك التعريفات وأوسعھا انتشارا بل ثمة من يرى أن المضمون الحقيقي للتنمية المستديمة ھو المساواة أو العدالة بنوعيھا: العدالة لألجيال البشرية التي لما تولد بعد وھي التي ال تؤخذ مصالحھا في االعتبار عند وضع التحليالت االقتصادية وال تراعي قوى السوق المتوحشة ھذه المصالح. وكذلك العدالة لمن يعشون اليوم والذين ال يجدون فرصا متساوية للحصول على الموارد الطبيعية أو على الخيرات االجتماعية واالقتصادية وھذه العدالة بنوعيھا تعد 199 من أصعب التحديات التي تواجه التنمية المستديمة. - مصطفى كامل السيد: التنمية والبيئة_نقاش نظ ري ف ي: مص طفى طلب ه (مح رر): الموس وعة العربي ة للمعرف ة م ن أجل التنمية المستدامة المجلد األول مرجع سابق ص Campball Scott: Green Cities, growing cities, just cities? Urban planning and the Contradictions of sustainable development, Journal of the American Planning Association, Volume:62, Issue:3, 1996, P
105 ومع أن ھناك شبه إجماع نظري بأن المساواة ) سواء بين أفراد الجيل الحالي من جھة أو بين األجيال المختلفة من جھة أخرى ( تعتبر عنصرا أساسيا للمفھوم إال أن 200 مضمون تلك المساواة ال يزال غامضا. كما يبدوا أن ثمة تضاربا بين نوعي المساواة أو العدالة المذكورين إذ أنه ال يمكن حل قضايا البيئة في البلدان النامية دون التخفيف من عبء الفقر مما يتطلب إعادة توزيع الثروة أو الدخل ) وليس النمو ( داخل البلدان وأيضا بين األمم الغنية والفقيرة. كما يرى البعض أن تحقيق المساواة بين األجيال يعني مشاركة الرفاه بين أجيال اليوم وأجيال الغد مما يستلزم الحد من االستھالك الحالي لتدبير االستثمارات التي تحشد موارد مثل الدراية الفنية أو التقانة الالزمة للمستقبل وفي ھذا تضارب أيضا. وكمثال بيئي لھذا التضارب بين زيادة استھالك الفقراء اليوم وزيادة االستثمار لألجيال المقبلة نذكر مثال التوسع في إحراق الوقود األحفوري أو تحويل الغابات إلى استخدامات زراعية لمواجھة نمو البلدان الفقيرة وبالمقابل نجد الجھود التي تبذل بالنيابة عن األجيال المقبلة للحد من ھذه اإلجراءات وإبطاء اإلحترار الناشئ عن غازات الدفيئة وخسارة الموارد اإلحيائية. لذلك لجأ بعض المؤلفين إلى وضع تعريف ضيق وأكثر تحديدا للتنمية المستديمة انصب على جوانبھا المادية يقوم على "استخدام الموارد الطبيعية المتجددة بطريقة ال تؤدي إلى فنائھا أو تدھورھا أو إلى تناقص جدواھا المتجددة بالنسبة إلى األجيال المقبلة وذلك مع المحافظة على رصيد ثابت بطريقة فعالة أو غير متناقص من الموارد الطبيعية مثل التربة والمياه الجوفية والكتلة اإلحيائية". غير أنه يالحظ أنه حتى لو أوفى النمو االقتصادي بالمعايير البيئية ولم يزد من استھالك الموارد الطبيعية أو من إنتاج النفايات قد ال يكون كافيا للحيلولة دون انھيار البيئة في األجل الطويل ولذا ال يمكن أن ينمو السكان بال 201 نھاية. وبينما يصف تعريف "بروند تالند" بغموض شديد اإلجماع العام حول تعريف االستدامة إال أن ھناك جدال واسعا حول وسائل ضمان استقرار األجيال القادمة عبد بن جمعان الغامدي التنمية المستدامة_بين الحق ف ي اس تغالل الم وارد الطبيعي ة والمس ئولية ع ن حماي ة البيئة مرجع سابق محمد محمود اإلمام: السكان والموارد والبيئة والتنمية_التطور التاريخي في: مص طفى طلب ه (مح رر): الموس وعة العربية للمعرفة من أجل التنمية المستدامة المجلد األول "مقدمة عامة" بي روت: ال دار العربي ة للعل وم_ناش رون 2006 ص 359.
106 فالتفسيرات المتعلقة بكيفية تنفيذ التنمية المستديمة تتباين ما بين تلك التي تتبنى التركيز الضيق على االقتصاد أو اإلنتاج إلى تلك التي تدعوا إلى استيعاب واسع للثقافة والبيئة فضال عن أن ھذا التعريف قد اعتبر منحازا إلى نموذج إرشادي تنموي محدد يتمركز حول اإلنسان ولذلك ر فض وانتقد من قبل كثير من الكتاب. ذلك أن التنمية المستديمة تسعى لتحسين نوعية حياة اإلنسان ولكن ليس على حساب البيئة وھي في معناھا العام ال تخرج عن كونھا عملية استخدام الموارد الطبيعية بطريقة عقالنية بحيث ال يتجاوز ھذا االستخدام للموارد معدالت تجددھا الطبيعية وبالذات في حالة الموارد غير المتجددة أما بالنسبة للموارد المتجددة فإنه يجب الترشيد في استخدامھا إلى جانب محاولة البحث عن بدائل لھذه الموارد لتستخدم رديفا لھا لمحاولة اإلبقاء عليھا أطول فترة زمنية ممكنة وفي كال الحالتين فإنه يجب أن تستخدم الموارد بطرق وأساليب ال تفضي إلى إنتاج نفايات بكميات تعجز البيئة عن امتصاصھا وتحويلھا وتمثيلھا على اعتبار أن مستقبل السكان وأمنھم في أي منطقة في العالم مرھون بمدى صحة البيئة التي يعيشون فيھا. كما نظر عدد من المفكرين إلى إعالن ريو الذي تبنى ذلك التعريف تعريف بروند ) تالند) بريبة وشك ويتمثل مصدر القلق الرئيسي لديھم في أن الھدف األساسي الذي يرمز للمفھوم_ أي معالجة االستغالل المؤذي بيئيا للموارد الطبيعية_ كان غائبا في مؤتمر األمم المتحدة للبيئة والتنمية "UNCED" ويرى "بالميرتس "Pallmearts أن ذلك الغياب المقصود قد مثل خطوة مقنعة ذكية للوراء عن الجھود البيئية الدولية. وتركز االنتقاد بشكل رئيس على جانبين: أوال أن إضافة كلمة "التنمية" في صياغة المبدأ الثاني من إعالن ريو قد تسببت في تھميش السياسات التنموية. وثانيا: أن وضع كلمة "اإلنسانية" بالتنمية المستديمة في المبدأ األول في إعالن ريو يجعل العناصر البيئية والموارد في قلب االھتمام والكائنات الحية خاضعة لھيمنة اإلنسان مما يفسد التوازن الدقيق الذي تم التوصل إليه في 202 مؤتمر ستوكھولم بين حق استخدام الموارد الطبيعية والمسئولية عن حماية البيئة. فضال عن ذلك ال يزال كثير من المفكرين الغربيين ينظرون للتنمية المستديمة بطريقة براغماتية ال على أنھا وسيلة لتحقيق توازن استراتيجي بين الطبيعة والمجتمع وإنما كمحاولة إلزالة جزء من التوتر في العالقة المتداخلة بين الحضارة وبيئتھا. وبرغم أن - عبد بن جمعان الغام دي التنمي ة المس تدامة_ب ين الح ق ف ي اس تغالل الم وارد الطبيعي ة والمس ئولية ع ن حماي ة البيئة مرجع سابق. 202
107 مجرد نضال المجتمع العالمي لالنتقال من مرحلة النقاش النظري حول الكارثة البيئية إلى مرحلة وضع خطط عملية نحو إزالة ذلك التوتر يمثل جانبا ايجابيا إال أنه يجب في نفس الوقت االعتراف بأن غياب فھم أو رؤية واضحة حول التوجه العام لحركة الحضارة في 203 المستقبل يمثل جانبا سلبيا من مشروع التنمية المستديمة. ولكي نمسك بزمام نطاق الطروحات المتنوعة والمتنافسة للتنمية المستديمة فمن الضروري وقبل كل شيء أن نعترف بأن نقطة البداية لكثير من أدبيات التنمية المستديمة_ ولو أنھا في الغالب ضمنية بدال من أن تكون صريحة_ البيئي تتمثل فيما يطلق عليه "التناقض Paradoxy" "Environnemental ألن ھذا يعني بالنسبة لجميع المھتمين بالتنمية المستديمة تقريبا أن ھناك تناقض بين ما ھو مطلوب من األرض وبين ما يمكن لألرض أن تقدمه ذلك أن انجاز التنمية المستديمة يتطلب أمرا من اثنين إما تقليص حجم طلب المجتمع على موارد األرض أو زيادة حجم الموارد حتى يمكن على األقل تجسير الفجوة بين العرض والطلب إلى حد ما فإن ھذه العملية الھادفة إلى التوحيد التدريجي للمطلوب من الموارد والمعروض منھا _ الجوانب المتجددة وغير المتجددة من الحياة اإلنسانية _ ھي التي تحدد ما المقصود بعملية التنمية المستديمة ولكن كيف يمكن الدمج بين المطالب والموارد إن ھذا السؤال أو على وجه التحديد اإلجابات على ھذا السؤال ھي التي تنتج معاني وتعريفات متنوعة ومتنافسة للتنمية المستديمة _ كما رأينا _ وذلك ألن مسألة كيفية دمج المطالب والموارد يمكن أن ي جاب عليھا بعدة وسائل مختلفة وذلك تبعا الختالف رؤى أطياف الفكر البيئي حيث ھناك من جھة كتاب يحاولون تعديل جانب الموارد من العالقة بينما يقف في الجھة األخرى كتاب 204 يركزون على تغيير جانب الطلب. كذلك لكي نطور مفھوما متفقا عليه للتنمية المستديمة فإنه يجب أن يكون ھناك فھما مشتركا للشيء المراد استدامته كما الحظنا في ھذه الدراسة فإن للمفھوم جوھرا متمركزا حول اإلنسان بشكل مھيمن في أدبيات التنمية المستديمة حيث كان التركيز على استدامة المجتمع اإلنساني على األرض لكن أي مجتمع إنساني واإلجابة طبقا لتقرير بروند تالند تعني ذلك المجتمع اإلنساني القادر على اإليفاء باحتياجاته إال أن تلك االحتياجات يمكن أن _ المرجع نفسه عبد بن جمعان الغام دي التنمي ة المس تدامة_ب ين الح ق ف ي اس تغالل الم وارد الطبيعي ة والمس ئولية ع ن حماي ة البيئة مرجع سابق. 203
108 ت فھم بطرق مختلفة ومن ثم يمكن القول أن المشكلة األكثر وضوحا في ھذا المجال تتمثل في التنامي المفرط للنشاطات اإلنسانية الستغالل موارد الطبيعة في مقابل القدرة المحدودة لألنساق الحيوية الطبيعية لإليفاء بتلك النشاطات. ولذا فإن أحد أفضل التعريفات العملية المالئمة "لالستدامة" يمكن أن تتمثل في "تحقيق الحد األعلى من الكفاءة االقتصادية للنشاط اإلنساني ضمن حدود ما ھو متاح من الموارد المتجددة وقدرة األنساق الحيوية الطبيعية على استيعابه" مع ربطھا باحتياجات الجيل الحالي واألجيال القادمة بشرط أن تكون تلك االحتياجات مما ال يلحق تھديدا جديا بالعمليات الطبيعية والمادية والكيميائية والحيوية. أي أن ھناك قيدا مزدوجا على التنمية المستديمة: يرتبط جانب منه بأداء العمليات الطبيعية أما اآلخر فيتعلق باإليفاء باالحتياجات الموضوعية فضال عن االحتياجات اإلنسانية الحالية والمستقبلية كلما كان ذلك ممكنا. ولتحقيق ھذا األمر فإنه ال بد من العمل على تعظيم إنتاجية الموارد من جھة وتقليص العبء الذي تتحمله البيئة (سواء من حيث الموارد أو الطاقة) من 205 جھة أخرى. وھذا يعني ضمنيا العمل على تقييد النشاطات اإلنسانية ضمن نظام محدد بعناية يمكن من خالله التحقق من عدم فرض أي أعباء إضافية على النسق الحيوي لألرض أو األجيال القادمة إذن فإن ما ينبغي العمل على استدامته ھو ذلك الوضع المتوازن عالميا بين احتياجات اإلنسان واحتياجات الطبيعة حيث يجب اإليفاء بمعظم احتياجات الطبيعة ألن 206 تحقيقھا يعتبر أمرا حاسما للبشر. لذلك جاء في أحد التعريفات الدقيقة للتنمية المستديمة بأنھا: "ھي التنمية المتجددة والمجددة للموارد والتي توفق بين تلبية احتياجات اإلنسان واالعتبارات البيئية التي ال 207 تضحي بالمستقبل. وكخالصة نقول أنه على الرغم من تعدد وتشتت التفسيرات ووجھات النظر والجدل الدولي حول مفھوم التنمية المستديمة إال أن ذلك كان له أثر ايجابي تمثل في إبراز قضية التنمية المستديمة لتحتل الصدارة في النقاش الدولي العام ومع ذلك فإنه ال يجب أن نغفل المرجع نفسه عبد بن جمعان الغامدي التنمية المس تدامة_ب ين الح ق ف ي اس تغالل الم وارد الطبيعي ة والمس ئولية ع ن حماي ة البيئة مرجع سابق. 207 _ Sinclair.A.John: Public consultation for sustainable development policy initiativers, Manitoba approches journal policy studies, journal volume 30, Issue 4, 2002, p 423.
109 المخاطر المترتبة عن ذلك إذ أن البعض يخشى أن يصبح مبدأ االستدامة عديم المعنى وليس أكثر من مجرد عبارة في البالغة السياسية خاصة وأن الخطابات السياسية حول كيفية الربط بين القضايا البيئية واالقتصادية واالجتماعية قد تسببت وستستمر في إحداث خالفات سياسية وتنافس حول التعريف األفضل للتنمية المستديمة. لذلك ينبغي الخروج بھذا المفھوم من األوساط السياسية والنقاشات اليوتوبية إلى األوساط االجتماعية والثقافية على اعتبار أن جوھر التنمية المستديمة متمركز حول اإلنسان الذي ينبغي أن يتبنى ھذا المفھوم كمفھوم حضاري ضمن منظومته الثقافية واالجتماعية كاتجاھات بيئية واعية تحكم نشاطاته المختلفة بحيث تجعلھا تفي باحتياجاته الحاضرة والمستقبلية ضمن حدود قدرة البيئة على الحمل( Capacity.(Carring ويمكن القول أن أھم عامل مساعد على ذلك ھو ديناميكية الطبيعة البشرية التي استطاعت في فترة سابقة أن تتبنى الرأسمالية كمفھوم حضاري انعكس على جميع نشاطاتھا في الحياة. ثالثا: أبعاد التنمية المستديمة: يذكر عدد من الباحثين أن للتنمية المستديمة أبعادا ثالثة فھي ال ترتكز على الجانب البيئي فقط بل تشمل أيضا الجوانب االقتصادية واالجتماعية إال إنھا في حقيقة األمر 208 تتضمن أبعادا متعددة. _1 ويمكن اإلشارة ھنا إلى خمسة أبعاد متداخلة ومترابطة ومتكاملة في إطار تفاعلي ھي كل من األبعاد البيئية واالقتصادية واالجتماعية والبشرية والتكنولوجية: األبعاد البيئية: فبيئيا تحتاج التنمية المستديمة إلى حماية الموارد الطبيعية الالزمة إلنتاج المواد الغذائية والوقود ورفع كفاءة استخدامھا مع تجنب اإلسراف في استخدام األسمدة والكيميائيات ومبيدات اآلفات وكذلك التعامل مع النفايات الصناعية والزراعية والبشرية حتى ال تؤدي إلى تدھور األنھر والبحيرات وتھدد الحياة البشرية واإلمدادات المائية وصيانة التنوع الحيوي لألجيال المقبلة والحيلولة دون زعزعة استقرار المناخ أو النظم الجغرافية الفيزيائية الحيوية أو تدمير طبقة األوزون الحامية لألرض. - عل ي زي د الزعب ي: كفال ة التنمي ة المس تدامة ف ي البل دان العربي ة: مقارب ة سوس يو_ثقافي ة المجل ة العربي ة للعل وم اإلنسانية العدد 102 الكويت: شركة المجموعة الكويتية للنشر والتوزيع 2008 ص
110 ونشير إلى أن ثمة من يعبر عن البعد البيئي للتنمية المستديمة بفكرة االستدامة البيئية التي تقوم على ترك األرض في حالة جيدة لألجيال القادمة أفضل مما كانت فإذا احتفظ اإلنسان بنشاطه وأداه دون استنزاف المواد الطبيعية أو إھدار البيئة الطبيعية يكون ھذا النشاط 209 مستدام طبيعيا. أي أنه مستديم ايكولوجيا ) بيئيا وحيويا ) ونعني بھذا وحدة األنظمة البيئية الحيوية والقدرة على التحمل واالستيعاب والحفاظ على الموارد الطبيعية شاملة التنوع البيولوجي 2 _األبعاد االقتصادية: البيئة. ) الحيوي.( فالبعد االقتصادي للتنمية المستديمة يحدد االنعكاسات الراھنة والمقبلة لالقتصاد على حيث أنه يطرح مسألة اختيار وتمويل وتحسين التقنيات الصناعية في مجال توظيف الموارد الطبيعية. بحيث يتوجب على الدول المتقدمة إجراء تخفيضات متواصلة من مستويات االستھالك المبدد للطاقة والموارد الطبيعية وذلك عبر تحسين مستوى الكفاية والتوجه إلى تقانات أنظف وأقل استخداما للموارد وحماية نظمھا الطبيعية. وال بد في ھذه العملية من التأكد من عدم تصدير الضغوط البيئية إلى البلدان النامية واتخاذ إجراءات إلزالة الفقر في الدول النامية لتمكين الفقراء من رؤية المستقبل وتدبير موارد له والحد من التفاوت المتنامي في الدخل وتحويل الموارد من اإلنفاق العسكري إلى اإلنفاق على حاجات التنمية. _3 األبعاد االجتماعية: تتميز التنمية المستديمة خاصة بھذا البعد حيث أنه البعد اإلنساني والذي يجعل من النمو وسيلة لاللتحام االجتماعي ولعملية التطوير في االختيار السياسي وال بد لھذا االختيار 210 أن يكون قبل أي شيء إنصافا بين األجيال بمقدار ما ھو بين الدول والبعد االجتماعي للتنمية المستديمة ذو أھمية كبيرة فھو يضم العدالة والتحرك االجتماعي والتماسك االجتماعي والمشاركة ومنح السلطة ) التمكين ( والھوية الحضارية والتنمية المؤسسية. ويقع البعد االجتماعي في مجال تخصص علماء االجتماع وعلماء اإلنسان وعلماء السياسية. وھو في رأي البعض جزء ضروري من تعريف االستدامة إذ إن إھمال البعد االجتماعي يؤدي إلى عجز المؤسسات عن تلبية احتياجات 209 -Wat is Sustainable Developement-ed available at: علي يزيد الزعبي: كفالة التنمية المستدامة في البلدان العربية: مقاربة سوسيو_ثقافية مرجع سابق ص
111 المجتمع وھو ما نراه واضحا في المآسي التي تحدث من رواندا إلى الصومال ومن 211 البوسنة إلى ليبيريا. وطبقا " مجتمع. 4_ األبعاد البشرية: لمورين ھارت " فاالستدامة ليست حركة بيئية لكنھا حركة فبشريا تعني التنمية المستديمة تحقيق تقدم كبير في تثبيت نمو السكان وإعادة توجيه الموارد أو إعادة تخصيصھا لضمان الوفاء أوال بالحاجات البشرية األساسية إضافة إلى تحسين الرفاه االجتماعي وحماية التنوع الثقافي واالستثمار في رأس المال البشري واستخدام الموارد البشرية استخداما كامال وذلك بتحسين التعليم والخدمات الصحية ومحاربة الفقر. ومن المھم بصورة خاصة أن في فقر مطلق أو في المناطق النائية. _5 األبعاد التكنولوجية أو التقنية: تصل الخدمات األساسية إلى الذين يعيشون فمن الناحية التكنولوجية تعني التنمية المستديمة التحول إلى تكنولوجيات أنظف وأكفأ أقرب ما يمكن من " انبعاثات الصفر " أو " العمليات المغلقة " لتقليص النفايات واالنبعاثات والتقليل من استھالك الطاقة وغيرھا من الموارد الطبيعية إلى أدنى حد وتمكين الدول النامية من التخلص من نفاياتھا المدمرة للبيئة ذلك أن التكنولوجيات المستخدمة اآلن في البلدان النامية كثيرا ما تكون أقل كفاية وأكثر تسببا في التلوث من التكنولوجيات المتاحة في البلدان الصناعية. ذلك أن التنمية المستديمة اصطالح يرتبط عامة مع تحقيق تقدم اقتصادي تقني يحافظ على الرأسمال الطبيعي الذي يشمل الموارد الطبيعية 212 والبيئية. - إس ماعيل س راج ال دين: التنمي ة المس تدامة وث روات الش عوب ترجم ة: لمي اء ص الح ال دين األي وبي الق اھرة: دار المعارف 2004 ص _ موسوعة النظم الداعمة للحياة متاح على: 211
112 رابعا: الحفاظ على البيئة في ظل طروحات التنمية المستديمة: يفترض تعريف التنمية المستديمة الصادر عن تقرير بروند تالند والذي يعد أكثر التعريفات شيوعا للتنمية المستديمة_ بأن إستراتيجية التنمية التي تحمل ھذا االسم (المستديمة) ھي تلك التي تحقق التوفيق بين التنمية االقتصادية واالجتماعية من ناحية والحفاظ على البيئة الطبيعية من ناحية أخرى. ولتوضيح كيفية تحقيق مثل ھذا التوفيق والحفاظ على البيئة في ظل التنمية المستديمة ينبغي مناقشة الطروحات الفكرية التي أنتجت في النھاية ھذا الفھم للتنمية المستديمة مع التركيز على أربعة وثائق أساسية تعتبر من أھم الروافد التي أفضت إلى بلورة ھذا المفھوم أولى ھذه الوثائق صدرت عن "االتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة والموارد الطبيعية" تحت عنوان: "اإلستراتيجية العالمية للحفاظ على الموارد" سنة والوثيقة الثانية صدرت عن "اللجنة العالمية للبيئة والتنمية" تحت عنوان "مستقبلنا المشترك" والمشھورة بتقرير بروندتالند سنة والوثيقة الثالثة صدرت أيضا عن "االتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة والموارد الطبيعية" تحت عنوان "العناية باألرض" سنة أما الوثيقة الرابعة والمعروفة باسم "أجندة القرن 21" فقد صدرت عن "مؤتمر قمة األرض" ب ريو دي جانيرو سنة وقبل التطرق إلى مضمون ھذه الوثائق ومدى ما توليه من أھمية لقضية الحفاظ على البيئة في ظل طروحاتھا لفكرة التنمية المستديمة ينبغي اإلشارة إلى أن ھذه الوثائق لم تنبثق من فراغ فقد سبقھا انشغال المجتمع الدولي بقضايا الحفاظ على البيئة كما تجلى ذلك في
113 الكثير من المؤتمرات الدولية والدراسات المھمة التي تمت في إطار منظمة األمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ) اليونسكو ( وفي إطار االتحاد الدولي للحفاظ على البيئة. فقد عقدت منظمة اليونسكو مؤتمر حول مكانة اإلنسان في نظام الجزيرة االيكولوجي وذلك بمناسبة انعقاد المؤتمر الباسيفيكي للعلوم في "ھونولولو" سنة 1961 كما نشر االتحاد العالمي خطوطا إرشادية تدعو إلى أخذ االعتبارات البيئية في الحسبان عند التخطيط للتنمية االقتصادية سنة كما لم تكن ھذه اإلستراتيجية لبنة أفكار االتحاد الدولي وحده وإنما شاركھا في صياغتھا كل من الصندوق العالمي للحياة البرية وكذلك برنامج األمم المتحدة للبيئة. وإذا كانت "اإلستراتيجية العالمية للحفاظ على الموارد" ھي أولى ھذه الوثائق فإنھا تعد_ كما يرى بيل أدامز_ نقطة تحول في تناول قضايا البيئة فقد سعت إلى تحويل االھتمام من مجرد البحث عن الوقاية إلى محاولة اكتشاف أسلوب يعالج فقدان سالالت الكائنات البرية كما أكدت االعتقاد المتزايد بأن إدماج أھداف الحفاظ على الموارد والتنمية ھو شرط أساسي لوجود نظام اجتماعي مستديم. لقد انطوت ھذه اإلستراتيجية على أفكار كانت تتطور منذ عقد من الزمان في إطار االتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة وكانت موضوعا للنقاش في اجتماع الجمعية العامة لالتحاد في بانيف في كندا سنة 1972 وبدأ كل من االتحاد وبرنامج األمم المتحدة للبيئة في تفصيل معالم منھج استراتيجي للحفاظ على البيئة منذ سنة 1975 وأعدا مشروع تقرير سنة 1977 وتناقشا حوله مع كل من منظمتي اليونسكو واألغذية والزراعة ) فاو ). FAO وھذا المسار الذي مرت به اإلستراتيجية يفسر لماذا خرجت في صورة وثيقة توفيقية تظم أفكار كل من شاركوا في صياغتھا وقد حددت ثالثة أھداف للحفاظ على البيئة انعكست كلھا في ما بعد في كل وثائق التنمية المستديمة أولھا ضرورة استمرار كل العمليات االيكولوجية األساسية وثانيھا الحفاظ على التنوع الجيني وثالثھا ھو االستخدام المستديم للموارد الطبيعية. والمقصود بالعمليات االيكولوجية األساسية ھو تلك العمليات التي تحكمھا أو تدعمھا أو تشكلھا األنظمة االيكولوجية والتي ھي ضرورية إلنتاج الغذاء وللصحة ولكل جوانب البقاء اإلنساني والتنمية المستديمة مثل سقوط المطر وتدفق األنھار ونمو النباتات أما الحفاظ على التنوع الجيني فيقصد به اإلبقاء على مختلف المواد الجينية في كل النباتات والحيوانات وھذا التنوع الجيني ضروري
114 لإلنتاج في المستقبل كما أن السالالت البرية قد تكون لھا وظيفة اقتصادية في المستقبل حتى وإن لم تكن لھا وظيفة اقتصادية معروفة في الحاضر فليس من السھل التنبؤ بما قد يكشف عنه العلم في السنوات المقبلة من أوجه استخدام جديدة لھذه السالالت ليست معروفة اآلن كاستخدامھا في إنتاج األدوية والعقاقير أو المواد الكيماوية أو كمدخالت في بعض 213 الصناعات. وھكذا خلصت ھذه الوثيقة إلى أن الحفاظ على الموارد يعني إدارة االستخدام البشري للمحيط الحيوي Biosphere بحيث يوفر أقصى الفوائد للجيل الحالي مع اإلبقاء على إمكانية الوفاء بحاجات األجيال القادمة وتطلعاتھا وذلك ألن السالالت البرية والنظم االيكولوجية ضرورية لبقاء البشر وللتنمية االقتصادية وقد نبھت الوثيقة إلى أنه إذا كان تعديل بعض األوضاع البيئية ھو جزء من عملية التنمية مثل بناء السدود أو شق الطرق في وسط الغابات إال أنھا حذرت من أن بعض نماذج ھذا التعديل قد ال تحقق أھداف التنمية االقتصادية واالجتماعية. والمخرج ھو جعل الحفاظ على البيئة أولوية عالية في عملية التنمية وإدماج كل من المحافظة على الموارد والتنمية معا في كل مراحل صنع السياسة االقتصادية منذ بدايتھا حتى تنفيذھا وإدارتھا فمثل ھذا اإلدماج ھو الذي سينھي ھذا النزاع الظاھر بين ھدفي التنمية االقتصادية والحفاظ على الموارد البيئية. أما الوثيقة الثانية "مستقبلنا المشترك" فھي التقرير الذي أعدته اللجنة العالمية للبيئة والتنمية والذي قدمته للجمعية العامة لألمم المتحدة سنة 1987 وأصبح يحمل اسم رئيسة ھذه الجنة "بروندتالند" كما سبق وأشرنا في ھذه الدراسة. وقد طرح عناصر النقاش حول التنمية المستديمة في السياق االقتصادي والسياسي للتنمية الدولية وكرس وضع قضايا البيئة ضمن القضايا السياسية التي ينشغل بھا المجتمع الدولي كما أنه دفع األمم المتحدة لمناقشة كل من التنمية والبيئة كقضية واحدة بل وأكد أنه من غير المجدي مناقشة قضايا التنمية دون إطار أوسع يشمل العوامل التي تؤدي إلى الفقر وعدم التكافؤ في العالم وھكذا فقد شدد على الصالت المتبادلة بين الفقر واألوضاع البيئية واعتبر واضعو ھذا التقرير أن الفقر ھو سبب ونتيجة رئيسيان في آن واحد لمشاكل البيئة العالمية. - مصطفى كامل السيد: التنمية والبيئة_نقاش نظري في: مص طفى طلب ه (مح رر): الموس وعة العربي ة للمعرف ة م ن أجل التنمية المستدامة المجلد األول مرجع سابق ص
115 وتستند إستراتيجية التنمية المستديمة في ھذا التقرير على مفھومين ھما الحاجات األساسية والقيود ويعني مفھوم الحاجات األساسية كقاعدة للتنمية ضرورة توجه جھود التنمية نحو مكافحة الفقر ويعني المفھوم الثاني وجود حدود لما يمكن للبيئة أن تقدمه للبشر وھذه القيود أو الحدود ھي ما تفرضه التكنولوجيا المستخدمة والتنظيم االجتماعي القائم فال يمكن أن يحصل البشر من الطبيعة على ما يتجاوز إمكانات التكنولوجيا التي يستخدمونھا وال التنظيم االجتماعي الذي يحدد حاجاتھم وكيفية تعاملھم مع الموارد الطبيعية فقد يتم ھذا التعامل بصورة فردية وخاصة كما يمكن أن يخضع لقواعد يضعھا ھذا التنظيم االجتماعي. وھنا يكمن الفارق بين تقرير مستقبلنا المشترك ووثيقة اإلستراتيجية العالمية للحفاظ على الموارد فھذه األخيرة تبدأ من الحاجة إلى الحفاظ على النظم االيكولوجية وتحاول إثبات الجدوى االقتصادية لذلك في حين يبدأ تقرير بروندتالند من حاجات البشر وينطلق بعد ذلك ليحدد السياسات البيئية المطلوبة لبلوغ أھداف اقتصادية 214 واجتماعية معينة. والطريق إلى تحقيق ھذه التنمية المستديمة التي يتحدث عنھا تقرير بروندتالند ھي من خالل النمو االقتصادي في دول الجنوب وفي إطار انتعاش االقتصاد العالمي ولكن النمو الذي يتحدث عنه التقرير ليس أي نوع من النمو ولكنه نمو له طبيعة خاصة من حيث أنه نمو مستديم يستند إلى الوعي بالبيئة وضرورة الحفاظ عليھا ويسعى إلى توزيع عوائده بالتساوي بين البشر كما أنه متكامل من حيث طبيعته إذ يأخذ في االعتبار التنمية االقتصادية واالجتماعية في آن واحد وھو كثيف االستخدام للمادة وللطاقة. ويعلق "بيل أدامز" على ھذا التوصيف للنمو في ھذا التقرير بالقول إنه ينسجم تماما مع الفلسفة االقتصادية السائدة في دول الشمال والتي ترى في النمو االقتصادي حال لكل المشاكل بما 215 فيھا مشكلة الفقر. ثم توسعت دائرة النقاش حول قضايا الحفاظ على البيئة في ظل استراتيجيات االستدامة بصدور تقرير جديد عن االتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة عنوانه باألرض: "العناية إستراتيجية الستدامة العيش" وتعاونت في إصداره المنظمات نفسھا التي شاركت - مصطفى كامل السيد: التنمية والبيئة_نقاش نظ ري ف ي: مص طفى طلب ه (مح رر): الموس وعة العربي ة للمعرف ة م ن أجل التنمية المستدامة المجلد األول مرجع سابق ص المرجع نفسه ص
116 في إصدار اإلستراتيجية العالمية للحفاظ على الموارد وشدد ھذا التقرير على أھمية األوضاع السياسية المحلية والعالمية كشروط لتنفيذ اإلستراتيجية التي يتوخاھا وحدد تسعة مبادئ للتنمية المستديمة تشمل االھتمام بالحفاظ على البيئة لكن ھذا التقرير ناقش أيضا مسائل متنوعة مثل اإلنفاق العسكري وعدم المساواة في توزيع الثروة ومستويات المعيشة وأوضاع الجنسين كما اھتم بتنفيذ اإلستراتيجية التي يدعو إليھا وطرح قواعد لميزانية تأخذ في االعتبار القضايا ذات األولوية ولكنه لم يفرد للنمو االقتصادي مكانة خاصة. وخلص التقرير إلى اعتبار القضايا التالية ذات أولوية في الئحته وھي: احترام الطابع االجتماعي لحياة البشر والعناية به وتحسين نوعية الحياة اإلنسانية والحفاظ على إحيائية الكوكب األرضي وتنوعه والتقليل من استنفاذ الموارد غير القابلة للتجدد والتصرف في حدود ما تقدر الطبيعة على تقديمه تغيير أنماط االتجاھات والقيم الشخصية وتمكين المجتمعات المحلية من العناية ببيئتھا الخاصة وطرح إطار قومي إلدماج قضايا التنمية والحفاظ على البيئة في آن واحد وتشكيل تحالف عالمي. ثم جاءت بعد ذلك الوثيقة الرابعة وھي "أجندة القرن 21 " الصادرة عن م ؤتمر قمة األرض الذي عقد في ريو دي جانيرو سنة وقد كان من أھم ما نتج عن ھذه القمة في ما يتعلق بمفھوم التنمية المستديمة إصدار إعالن ريو بشأن البيئة والتنمية والذي تضمن سبعة وعشرين مبدأ تتعلق بأبعاد التنمية المستديمة كما رآھا المشاركون في ھذا المؤتمر كان من أھمھا التأكيد على أن البشر ھم في صميم اھتمامات التنمية المستديمة وأن لھم الحق في حياة صحية ومنتجة باالنسجام مع الطبيعة وضرورة الوفاء بالحق في التنمية لضمان التكافؤ في تلبية الحاجات التنموية والبيئية لألجيال الحاضرة والقادمة وأن على جميع الدول والشعوب التعاون الستئصال الفقر باعتبار ذلك أمرا ال غنى عنه لتحقيق التنمية المستديمة وأن من واجب الدول التعاون بروح الشراكة العالمية للحفاظ على نظام األرض اإليكولوجي وحمايته واستعادة صحته وتكامله. وأضاف اإلعالن أنه لتحقيق التنمية المستديمة وضمان نوعية أفضل للحياة لكل الناس ينبغي على الدول خفض وإزالة أنماط اإلنتاج واالستھالك التي ال يمكن استدامتھا وإتباع السياسات الديموغرافية المناسبة. ومضت المبادئ التالية لإلعالن لكي تحدد وسائل إنفاذه على طريق تحقيق التنمية المستدامة وذلك من خالل دعم القدرات المحلية لتعزيز الفھم العلمي لقضايا البيئة بواسطة
117 تبادل المعرفة العلمية والتكنولوجية ومشاركة كل المواطنين المعنيين على المستوى ذي الصلة وإصدار التشريعات البيئية المناسبة والتعاون في إقامة نظام اقتصادي دولي مفتوح يؤدي إلى النمو والتنمية االقتصاديين في جميع البلدان والتعاون في حظر إعادة توطين أو نقل األنشطة والمواد التي تسبب تدھورا شديدا للبيئة إلى دول أخرى. وكذلك قطعت القمة خطوات مھمة إللزام الدول بھذه المبادئ من خالل معاھدات دولية ملزمة وإيجاد المنظمات الملتزمة بالعمل لھذا الغرض. فقد فتحت القمة للتوقيع اتفاقيتين مھمتين ھما اتفاقية األمم المتحدة للتنوع البيولوجي واتفاقية األمم المتحدة اإلطارية بشأن تغير المناخ وھي االتفاقية التي أفضت إلى التوقيع على بروتوكول كيوتو سنة 1997 والذي قبلت فيه الدول المتقدمة باستثناء الواليات المتحدة األمريكية العمل على خفض انبعاث ستة من الغازات التي تسبب االحتباس الحراري لكي يقل مستواھا في الفترة عن مستوى 1990 بخمسة في المائة %5 في المتوسط. كما أنشأت القمة لجنة األمم المتحدة للتنمية المستديمة ومجلسا من العلماء الذين يسعون لجمع المعلومات وتحليلھا ونشرھا حول أوضاع البيئة في العالم ويسمى "مجلس كوكب األرض" وذلك فضال عن مجلس رجال األعمال للتنمية المستديمة والعديد من المنظمات غير الحكومية على األصعدة القومية والدولية تجاھد كلھا لتحقيق ھذا 216 الغرض. ومع ذلك فإن التقدم المحرز على طريق تحقيق التنمية المستديمة في فترة العقد الالحق على قمة األرض كان أقل بكثير من اآلمال التي انطلقت في ريو فلم تنظم الواليات المتحدة األمريكية إلى االتفاقيات التي وقعت في ريو وفي كيوتو ولم تنفذ معظم االلتزامات التي أعلنت سنة 1992 ولعل القارئ لتقرير مستقبلنا المشترك ولإلعالن السياسي الصادر عن قمة األرض في ريو يجد األفكار نفسھا. وھو ما انعكس أيضا على مؤتمر جوھانسبيرغ سنة 2002 والذي جاء ليراجع التقدم المحرز منذ انعقاد مؤتمر ريو ويضع خطة عمل جديدة لتأكيد تنفيذ ما اتفق عليه في أجندة 21 إال أنه لم يظف جديدا باستثناء أنه وسع وعزز فھم التنمية المستديمة وخصوصا الصالت المھمة بينھا ومكافحة الفقر وحماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية. وانتھى ھو اآلخر إلى قائمة عريضة من االلتزامات واألھداف المحددة التي يتعين العمل على الوفاء بھا لتحقيق تنفيذ أكثر فعالية لغايات التنمية - مصطفى كامل السيد: التنمية والبيئة_نقاش نظري في: مص طفى طلب ه (مح رر): الموس وعة العربي ة للمعرف ة م ن أجل التنمية المستدامة المجلد األول مرجع سابق ص
118 المستديمة. كما أكدت قمة جوھانسبيرغ أن حماية البيئة وليس تقييد التقدم االجتماعي والنمو االقتصادي الزمة للتنمية المستديمة كھدف لأللفية وكعنصر مھم لتحقيق أھداف األلفية 217 األخرى كتقليل الفقر والجوع. وكخالصة نقول أنه قد جرى الربط بين قضيتي التنمية والحفاظ على البيئة منذ انعقاد مؤتمر األرض األول في ستوكھولم في السويد سنة 1972 وأصبح ھذا الربط بينھما مقبوال تدريجيا في المجتمع الدولي مع شيوع مفھوم التنمية المستديمة الذي طرحه بقوة واضعو الوثائق األربعة السالفة الذكر خاصة منھا تقرير مستقبلنا المشترك الذي صدر عن اللجنة العالمية للبيئة والتنمية ثم تكرس ھذا المفھوم بعد انعقاد قمتي األرض الثانية والثالثة خصوصا وقد حملت األخيرة مصطلح التنمية المستديمة في تسميتھا الرسمية. غير أنه إذا كان ھذا المفھوم قد شكل نقدا ألنماط التنمية التي سادت في الشمال وفي الجنوب في الشرق االشتراكي سابقا وفي الغرب الرأسمالي إال أنه لم يتبلور بعد في صورة إستراتيجية متكاملة تعالج قضايا الفقر والتردي البيئي في آن واحد أو تستجيب لتباين أسباب تدھور البيئة بين كل من دول الشمال ودول الجنوب. وعليه ربما يكون من المفيد التركيز على األبعاد االجتماعية للبيئة من ثقافة بيئية ووعي بيئي واتجاھات بيئية ايجابية...الخ والتي قد يكون من المفيد أخذھا جميعا في االعتبار عند محاولة رسم إستراتيجية جديدة أكثر فاعلية لدفع التنمية والحفاظ على البيئة في آن واحد. خامسا: األبعاد الرئيسية لالتجاھات البيئية في ظل طروحات التنمية المستديمة: 218 بالرجوع إلى بعض الدراسات التي تناولت موضوع االتجاھات البيئية ومن منطلق فھمنا لقضية التنمية المستديمة التنمية المستديمة في األبعاد اآلتية: يمكننا أن نجمل االتجاھات البيئية في ظل طروحات - محمد محمود اإلمام: السكان والموارد البيئية والتنمية_التطور التاريخي في: مصطفى طلب ه (مح رر): الموس وعة العربية للمعرفة من أجل التنمية المستدامة المجلد األول مرجع سابق ص
119 1_ االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد البيئية ) الدائمة المتجددة والغير متجددة): تحتوي البيئة على موارد طبيعية متنوعة وبمقادير محددة تكفل لإلنسان ولغيره من الكائنات الحية األخرى سبل الحياة المالئمة على سطح األرض ولتلك الموارد دورة يختلف مداھا الزمني تبعا لطبيعة كال منھا بحيث تتوازن فيما بينھا لتكون إطارا يكفل استمرار الحياة على األرض. و تصنف الموارد البيئية Resources" "Environmental تبعا لمدى استمرار توافرھا إلى ثالثة أصناف وھي: موارد البيئة الدائمة وموارد البيئة المتجددة وموارد البيئة غير المتجددة. أ- موارد البيئة الدائمة Resources" :"Permanent وتشمل مكونات المحيط الحيوي ذات الكمية الثابتة وھي الھواء(طاقة الرياح) و الشمس(الطاقة الشمسية). ب- موارد البيئة المتجددة Resources" :"Renewable وھي الموارد الطبيعية التي تمتلك خاصية التجديد ذاتيا ويمكن إثراؤھا وإعادة إنتاجھا. وتشمل الكائنات الحية(النباتية والحيوانية) والتربة والماء. ج- موارد البيئة غير المتجددة Resources" :"Non-Renewable وھي الموارد الطبيعية التي ال تتجدد خالل حياة اإلنسان أي تلك التي يستغرق تجددھا ماليين السنين. فھي غير متجددة المصدر وتؤخذ عادة من باطن األرض أو من مياه حفرية وھي ذات مخزون محدود وتشمل الفحم والبترول (النفط) والغاز الطبيعي والخامات المعدنية (المعادن). وھذه الموارد البيئية تتعرض للنفاذ والنضوب ألن معدل استھالكھا يفوق معدل تعويضھا الذي يكون بطيئا جدا بحيث ال يدركه اإلنسان في عمره القصير ومن ھنا سميت ھذه الموارد بالموارد غير المتجددة. إن المعطيات والحقائق المذكورة تحتم على اإلنسان أن يدرك بأن المحيط الذي يعيش فيه ويحدد له ولغيره من البشر شروط البقاء يمتلك موارد غير متجددة ولھا نھاية مثلما لموارده المتجددة نھاية أيضا وستختفي إذا لم يحسن استخدامھا وواصل استنزافھا أ_ طلعت منصور غب : دراسات تجريبية في االتجاھات النفسية نحو البيئة في الكويت مرجع سابق. ب _ سحر عبد الرحمن لبيب: فاعلية استخدام مدخل الوسائط المتعددة في تنمي ة المف اھيم واالتجاھ ات البيئي ة ل دى ط الب الحلقة الثانية من التعليم األساسي مرجع سابق. ج_ محمد بن عليثة األحمدي: دور علم النفس في تعديل االتجاھات نحو البيئة مرجع سابق. د_ صالح بن محمد الصغير: بعض المح ددات االجتماعي ة والثقافي ة والديموغرافي ة لمس توى االتجاھ ات البيئي ة- دراس ة تحليلية مطبقة على طلبة جامعة الملك سعود بالرياض مرجع سابق.
120 وھو ما نشھده في وقتنا الحاضر من جشع اإلنسان في سبيل إشباع حاجاته ومتطلباته وسعيه لتحقيق أكبر قدر من الرفاھية والراحة من خالل السيطرة على موارد البيئة وتوجيھھا تبعا لمصالحه دون مراعاة لحق األجيال القادمة في استخدام ھذه الموارد مما أدى إلى استنزافھا. وال شك أن ھذا االستنزاف ينجم في المقام األول عن السلوك الخاطئ لإلنسان تجاه بيئته نتيجة الفتقاره لالتجاھات البيئية المرجوة والمتمثل في االتجاه نحو ترشيد استخدام ھذه الموارد لذلك ينبغي إعداد الفرد القادر على أن يفي بمتطلبات حياته من خالل استخدام موارد البيئة بحيث ال يعرضھا للنفاذ بل يعمل على الحفاظ عليھا وتنميتھا بحيث ننمي لديه االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد البيئية وھو االتجاه الخاص بالتعامل الحكيم مع مجموعة المواد في البيئة التي ال دخل لإلنسان في وجودھا أو تكوينھا ولكنه يعتمد عليھا ويؤثر فيھا أو يتأثر بھا أوكليھما بصورة أو بأخرى كالثروة النباتية والثروة الحيوانية والتربة والموارد المائية ) كموارد متجددة). والبترول والغاز الطبيعي والفحم والخامات المعدنية ) كموارد غير متجددة). واالعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية (كموارد دائمة للطاقة) فيصبح الفرد يمتلك اتجاھا نحو ترشيد استھالك ھذه المصادر الحيوية من منطلق وعيه بأھميتھا الحيوية مما ينعكس إيجابا على مواقفه ونشاطاته المختلفة في البيئة فيتجه نحو العمل استدامة ھذه المصادر وھو ما يعني استغاللھا بشكل حذر ومعقول ومنظم لتغطي حاجات البشر دون اإلضرار باألنظمة البيئية الحية أو اإلضرار بإمكانية توفرھا أيضا لألجيال القادمة. _2 االتجاه نحو ترشيد االستھالك وحماية البيئة من االستنزاف: يمكن تناول قضية االستھالك في مسألة ما يسمى في الفلسفة االجتماعية "بالمجتمعات االستھالكية" 219 وليدة الرأسمالية السيما الجيل الثالث منھا. وبالعودة إلى األصول اللغوية لكلمة االستھالك الفرنسية نجد أنھا مشتقة من الفعل (Consommation) في اللغة (Consommer) والذي يعني: "استعمال الشيء إلى _ عمار يزلي: اإلھالك في االستھالك جريدة الشروق اليومي العدد: 2717 األحد 13 سبتمبر 2009 ص
121 نھايته" أي تناوله واستعماله إلى آخر نفس وقد ت رجم ھذا المفھوم إلى العربية ترجمة جيدة باالستھالك. ففي اللغة الفرنسية نستخدم ھذا الفعل (Consommer) إلظھار مدى اإلسراف في االستعمال حتى أنه يقال Consommé) (Un Mariage أي "زواج كامل" ويقصد به زواج منته بالدخلة. أما في اللغة العربية فقد اشتق الفعل "استھلك" من الفعل "ھلك" أي مات نقول: أو انتھى. رجل ھلك أو ھالك أي متوفى والسين ليفيد الفعل بأن الھالك والنھاية ھنا إنما يقع على الفاعل. أي انتھى أجله. ونسبق الفعل بالم األلف االستھالك إذن ھو إنھاء الشيء والقضاء عليه قضاء مبرما ونھائيا لكن في اللغة العربية يفيد أن القضاء النھائي ھذا إنما يعود علينا نحن فنحن نقضي على أنفسنا بالقضاء على الشيء المراد استعماله (أكله لبسه أو استعماله) فالمفھوم كما نالحظ ال يدل فقط على التبذير واإلسراف بل يدل على التأثير السلبي على الذات المستعملة لھذا الشيء أو ذاك إذا ما زاد عن اللزوم. ومنه يقال: "كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده". من ھذا الباب المفاھيمي يبدو أننا نھلك أنفسنا من حيث أردنا أن نحسن إليھا والدليل واضح كلما استھلكنا كلما زاد حبنا لالستھالك وإلى ما ال نھاية وبال حدود. ومن الواضح في أيامنا ھذه انتشار قيم مادية بحتة وقصيرة األجل تھتم بالربح بغض النظر عن الخسائر بعيدة المدى وذلك جاء من اعتبار اإلنتاج ھو غاية عملية التنمية وبالتالي كان االستھالك ھو محور السلوك اإلنساني بغض النظر عما يسببه ھدف زيادة اإلنتاج من تھديدات الستمرار وجود الجنس البشري. وكانت النتيجة تدھور البيئة واستنزافھا وزيادة التلوث وانعكس ذلك على قيم األفراد حيث نجد أن معظم أو كثيرا من األفراد اليوم يجرون وراء الربح المادي السريع... ومعروف أن الطبقة المسيطرة اقتصاديا وسياسيا تكون مسيطرة اجتماعيا وبالتالي تكون أقدر على نشر قيمھا من غيرھا من الطبقات وذلك من خالل سيطرتھا على وسائل اإلعالم والتربية واإلنتاج وأيضا تكون الدول المتقدمة صناعيا واقتصاديا أقدر على نشر قيمھا على العالم أجمع المھم أن ھذه القيم المادية قد حولت اإلنسان أوال إلى أداة إنتاج تابعة لآللة ثم أداة استھالك غير ضرورية 220 تفرضھا وسائل اإلعالم على حياته. _ أحمد محمد موسى: الخدمة االجتماعية وحماية البيئة القاھرة: المكتبة العصرية للنشر والتوزيع 2007 ص
122 وضمن ھذا النسق اإلعتقادي تصبح النقود ومالكيھا ھي السلعة األسمى وتطغى معايير الحياة المترفة المسرفة المدفوعة بالنزعة االستھالكية الواسعة على كل االعتبارات األخرى ويصبح السوق ھو المحدد األساسي لما يحدث في المجتمع ويتعزز االعتقاد بأن الوفرة (من خالل اإلنتاج واالستھالك الواسعين) ستحل كل المشاكل. ومن جانبھا ساھمت وسائل اإلعالم وبخاصة التلفاز الذي أصبح األداة الرئيسة للتنشئة االجتماعية في المجتمع الصناعي الحديث في التأكيد على أولوية الثروة والنقود في تحديد مكانة الفرد في المجتمع. ونتيجة لھذا الوھم المضلل الذي نشأ من خالل ھذا االعتقاد في التقدم والتنمية وخرافة التطور اإلنساني يؤكد "رسل" "Russell" أننا نستھلك اآلن في سنة واحدة أكثر مما 221 استھلكه اإلنسان في كل الفترة الممتدة منذ ميالد المسيح وحتى فجر الثورة الصناعية. أثارت ھذه الحقيقة حفيظة رجال الدين في الغرب فھذا "جون تايلور" أسقف الكنيسة اإلنجليكانية يناقش في كتابه الذي يحمل عنوان "Enough is Enough" للتخفيف من حدة النزعة االستھالكية السائدة في المجتمعات الصناعية. إرشادات عملية بھدف تقليل االستھالك غير الضروري من أجل المحافظة على البيئة والحيلولة دون استنزاف الموارد وذلك استنادا إلى التقاليد الدينية اليھودية والمسيحية وقد ع رفت ھذه اإلرشادات في الغرب 222 وإرشادات أخرى مماثلة وردت في دراسات أخرى متخصصة باسم األخالق البيئية. ولذا فإن االستدامة ھي فلسفة برؤية جديدة للبحث عن بناءات اجتماعية ونشاطات اقتصادية وأنماط إنتاجية واستھالكية وتقنيات تعمل على استدامة البيئة وتمكين الجيل الحالي وتحسين حياته وضمان حياة مالئمة لألجيال القادمة. ولتحقيق ذلك ال بد من إعادة صياغة النشاطات الحالية أو ابتكار أخرى جديدة ثم العمل على دمجھا في البيئة القائمة لخلق تنمية مستديمة على أن تكون مقبولة ثقافيا وال يتاح لنا ذلك إال باكتساب األفراد االتجاھات البيئية المناسبة التي تجعلھم يحرصون على ترشيد االستھالك وحماية البيئة من االستنزاف. _3 االتجاه نحو حماية البيئة من التلوث: 221 _ عبد بن جمعان الغامدي: التنمية المستدامة بين الحق في استغالل الم وارد الطبيعي ة والمس ئولية ع ن حماي ة البيئة مرجع سابق. 222 _ موسشيت دوغالس: مبادئ التنمية المستدامة ترجمة بھاء شاھين القاھرة: الدار الدولية لالستثمارات الثقافية 1997 ص 20.
123 الواقع أن اإلنسان في عالقته بالبيئة استغل الثروات الطبيعية والمعادن والمياه والتربة استغالال خاطئا مما نجم عنه تلوث بيئي خطير حيث أنه استطاع أن يستغل مصادر حفرية للوقود ھي الفحم والبترول وبذلك أصبح يحرق مواد كربونية أكثر بكثير من قدرة النظم البيئية على االستيعاب. الھواء الجوي. ونتج عن ذلك تزايد مضطرد في أكسيد الكربون في وثانيھا- أن الصناعة أصبحت قادرة على إنشاء مركبات كيميائية طارئة على النظم البيئية غريبة عليھا أي أن التحوالت الطبيعية في دورات المواد غير قادرة على استيعابھا ألن النظم البيئية ال تشتمل على كائنات قادرة على تحليلھا وإرجاعھا إلى 223 عناصرھا األولى كما تفعل بالمركبات العضوية الطبيعية. لذلك ي عنى ھذا المجال باتجاھات حماية البيئة من أخطار التلوث التي صارت تھدد الكثير من الدول كظاھرة عالمية تتبدى في حضارة ھذا العصر خاصة فيما يعرف باثولوجيا البيئة". _1_3 ويتضمن االتجاه نحو حماية البيئة من التلوث ما يلي: االتجاه نحو حماية الھواء من التلوث: ب" ال يستطيع اإلنسان بل مختلف الكائنات األخرى االستغناء عن الھواء الجوي فلكل غاز من مكوناته دوره الھام في حياة مختلف الكائنات والھواء عبارة عن مخلوط من الغازات بنسب معينة وتلك النسب شبه ثابتة ) األكسجين % 21 النيتروجين % 78 غازات أخرى (%1 وثبات كميته بالھواء الجوي. ويرجع ھذا الثبات إلى دورة كل غاز في الطبيعة والتي تضمن تجدده ولم يسلم الھواء من التلوث بدخول مواد غريبة عليه كالغازات واألبخرة والجسيمات المختلفة المتصاعدة من ثورات البراكين أو حرائق الغابات وبرغم من ذلك فالبيئة كانت قادرة على استيعاب ھذا التلوث وإعادة استمرار حياة الكائنات المختلفة. االتزان ما بين مكونات الھواء المختلفة لتضمن بذلك ولكن مع التقدم التكنولوجي وانتشار الميكنة تلوث الھواء باألدخنة وعوادم السيارات واألتربة واألكاسيد المختلفة ) الكربون الكبريت النتروجين) والكائنات الدقيقة الناتجة من تحلل النباتات والحيوانات النافقة ومخلفات اإلنسان مما أدى إلى عدم قدرة البيئة على إعادة االتزان ما بين مكونات الھواء مما أدى إلى ظھور العديد من المشكالت البيئية مثل ) 223 _ محمد صباريني ورشيد الحمد: اإلنسان والبيئة_التربية البيئية األردن_أربد: مكتبة الكتاني 1994 ص. 110
124 االحتباس الحراري األمطار الحمضية تآكل طبقة األوزون). وتلك المشكالت تمثل تھديدا الستمرار حياة مختلف الكائنات وخير وسيلة لحماية الھواء من التلوث ھو الحد من ملوثاته والوصول بھا إلى الحد اآلمن وذلك باستعمال أجھزة تنقية وتجميع الغازات والجسيمات ومحاولة معالجتھا وإقناع اإلنسان بضرورة استخدام تلك الحلول وال يتأتى ھذا اإلقناع إال من خالل تنمية اتجاھه نحو حماية الھواء من التلوث. 3_2 _ االتجاه نحو حماية المصادر المائية من التلوث: إن الماء من أساسيات استمرار حياة مختلف الكائنات الحية فبدونه ال تستطيع خاليا الكائنات الحية القيام بوظائفھا المختلفة مما يؤدي إلى ھالك تلك الكائنات. وتبلغ المساحة التي يشغلھا الماء نحو %,70 8 تقريبا من مساحة الكرة األرضية % 97 من إجمالي كمية المياه عبارة عن مياه مالحة متمثلة في المحيطات والبحار والنسبة الباقية تشمل المياه الجليدية واألنھار الجليدية والمياه الجوفية أما المياه العذبة الموجودة في األنھار أو البحيرات العذبة والمستنقعات فتمثل % 1 فقط من إجمالي كمية الماء على سطح األرض. وتلك الكميات السابق ذكرھا ذات قدر ثابت ويرجع ذلك إلى دورة الماء في الطبيعة. ويتلوث الماء بكل ما يغير من خواصه وطبيعته فالمياه السطحية والجوفية تتلوث عن طريق صرف مخلفات المصانع والمنازل ومياه الري بما تحمله تلك المياه من مخلفات صلبة ومواد كيماوية وكائنات دقيقة التي من شأنھا إلحاق الضرر لكل من يعتمد على تلك المصادر المائية في حياته لذلك كان البد من سن القوانين والتشريعات التي من شأنھا حماية تلك المصادر المائية من التلوث ويجب أن يسبق إصدار تلك التشريعات إعداد األفراد القادرين على فھم خطورة تلك المصادر المائية ومن ثم العمل على حمايتھا من تلك األخطار وذلك من خالل تزويد األفراد بالخبرات الالزمة وفي مقدمتھا االتجاھات المرجوة التي تجعلھم يسلكون إزاء بيئتھم ومواردھا المائية سلوكا راشدا سواء قبل حدوث المشكالت البيئية وتلوث ھذه الموارد أو في تعاملھم معھا حال حدوثھا. 3_3 االتجاه نحو حماية التربة من التلوث: إن ما يلوث الماء ويلوث الھواء فھو بدوره يلوث التربة ذلك ألن نظم الماء والھواء والتربة يرتبط بعضھا ببعض ارتباطا وثيقا والتربة تتلوث نتيجة لتراكم النفايات الصلبة والمخلفات المنزلية والصناعية واألسمدة الكيميائية المستخدمة في الزراعة ومن ملوثات
125 التربة أيضا سقوط األمطار الحمضية وملوحة التربة فتفقد األراضي الزراعية خصوبتھا وتصبح غير صالحة للزراعة. وال شك أن ھذا كله ناتج عن نشاطات اإلنسان وبخاصة ذات الصلة باألرض والتربة ذلك أن ھذا اإلنسان يفتقر إلى االتجاھات التي من شأنھا أن تحول دون تلويث التربة وتجعل من نشاط اإلنسان إزاء ھذه التربة نشاطا حكيما مدروس العواقب وھذا ھو االتجاه الذي ينبغي أن ننميه لدى األفراد في ھذا المجال. _4 وعليه فالنشاطات التي يمارسھا اإلنسان على وجه الخصوص تتطلب منه الحكمة في ممارستھا وبعد النظر حتى ال يكون إثمھا أكبر من نفعھا وال يتاح له ذلك إال باكتساب االتجاھات المناسبة التي تجعله يحرص أشد الحرص على عدم تلويث بيئته. ويؤكد بعض الباحثين في ھذا الخصوص أنه يمكن إحداث تغيير ھائل في سلوك األفراد نحو بيئتھم من 224 خالل تغيير اتجاھاتھم على النحو الذي يستھدف صيانتھم لھذه البيئة والمحافظة عليھا لتخل االتجاه نحو المحافظة على التوازن البيئي"الحلقة المحللة": يكاد يكون من المسلم به أن البيئة الطبيعية في توازن دائم ما لم تمتد إليھا يد اإلنسان بھذا التوازن فمن المعروف أن عناصر أو معطيات البيئة سواء كانت حية أو غير حية تتفاعل وترتبط ببعضھا البعض في تناسق دقيق يتيح لھا أداء دورھا بشكل عادي في إعالة الحياة على سطح األرض. عليه ھذا التفاعل وھذه التمامية بشكلھا العادي نطلق عليھا التوازن البيئي. ولمزيد من اإليضاح نقول أن عناصر البيئة تتفاعل وفق نظام معين يطلق 225 "النظام البيئي" ويتكون أي نظام بيئي من أربع مجموعات ھي : 1_ مجموعة العناصر غير الحية: وتشمل الماء والھواء بغازاته المختلفة والتربة والمعادن 2- مجموعة العناصر الحية المنتجة Makers" :"Food وتتضمن الكائنات الحية النباتية وھي التي تصنع غذاءھا بنفسھا من عناصر المجموعة األولى. 3 _مجموعة العناصر الحية المستھلكة والالحمة واإلنسان. 4 _مجموعة المحلالت أو المفسخات :"Consumers" وتتضمن الحيوانات العاشبة " Decomposers ":وھي العناصر التي تقوم بتحليل المواد العضوية إلى مواد يسھل امتصاصھا وتتضمن كل من البكتيريا والفطريات. محمد بن عليثة األحمدي: دور علم النفس في تعديل االتجاھات نحو البيئة مرجع سابق. - زين الدين عبد المقصود: البيئة واإلنسان_عالقات ومشكالت الكويت: دار البحوث العلمية 1981 ص
126 لذلك إذا حدث أي خلل أو نقص في مكونات أي عنصر من ھذه العناصر فان ھذا يؤثر في درجة التفاعل داخل النظام ونقول أن النظام البيئي بدأ يختل ويضطرب ويفقد توازنه وقدرته العادية على صنع الحياة. وھنا يحدث ما نسميه الخلل أو التدھور البيئي والذي كثيرا ما يصاحبه ظھور المشكالت البيئية العديدة والتي باتت تھدد اإلنسان في وقتنا الحاضر بسبب إخالل ھذا اإلنسان بمقومات التوازن البيئي. ولعل في ترشيد سلوك اإلنسان إزاء بيئته ما يجعله يدرك العالقات الدقيقة واالرتباطات الوثيقة بين مكوناتھا مما يجعله ال يخل بھا. وھذا ال يتأتى إال باكتسابه االتجاھات البيئية السليمة في ھذا الشأن. 5_ االتجاه نحو نبذ المعتقدات البيئية الخاطئة: تسود بعض المناطق بعض المعتقدات الخاطئة إزاء بعض مكونات البيئة فمثال يسود التشاؤم من البومة مع أنھا ليس لھا عالقة بالتفاؤل أو التشاؤم وإنما لھا عالقة وثيقة بالمحافظة على مقومات التوازن البيولوجي فيھا حيث تأكل العصافير والفئران والقضاء عليھا يساعد في ظھور ھذه الكائنات في صورة آفات طارئة كذلك ال يزال البعض يعتقد أن العصافير طيور نافعة مع أنھا أضحت من اآلفات الضارة في البيئة الزراعية. واإلنسان الواعي بيئيا يرفض مثل ھذه المعتقدات ويأخذ اتجاھا مضادا نحوھا وھذا يدعو إلى ضرورة إكسابه مثل ھذه االتجاھات. 6_ االتجاه نحو معالم البيئة: ويختص ھذا المجال ببعض المعالم البارزة المميزة للبيئة وفي مقدمتھا معالم البيئة الطبيعية كالغابات والبراري والصحاري والشواطئ والجبال...الخ باعتبارھا أماكن استرخاء واستجمام وكذلك معالم البيئة المبنية أو المشيدة كالعمران الحديث بما يشمله من أبنية وشوارع وحدائق وساحات عامة. ويمكن أن نحدد االتجاھات نحو معالم البيئة في محورين ھما: 6_1_ االتجاه نحو الطابع الجمالي للبيئة:
127 يتضمن ھذا المجال العناية بالمظھر الجمالي للحدائق العامة والشوارع والطرقات وواجھات المنازل والشواطئ الساحلية وما يفرضه ذلك من تخطيط عمراني يعكس طابعا جماليا مميزا. 6_2_ االتجاه نحو زيادة مساحة المسطحات الخضراء: أدت ممارسات اإلنسان غير السليمة في استخدامات األرض إلى ظواھر بيئية خطيرة ومن تلك الممارسات الرعي الجائر حيث أدى إلى تدھور الحشائش القابلة للغذاء بالنسبة للحيوان ليحل محلھا الشجيرات الشوكية ذات القيمة األقل كغذاء للحيوان أو تماسك التربة فيؤدي ذلك إلى تعريتھا. كذلك تدھور الغطاء النباتي من خالل قطع األشجار والشجيرات وذلك للحصول على األخشاب للصناعة أو أخشاب الوقود أو لتحويل األراضي إلى مدن سكانية وصناعية وتلك الممارسات من شأنھا إلحاق الضرر بمصانع إنتاج الغذاء واألكسجين على سطح األرض ) النباتات الخضراء). لذلك يجب إعداد الفرد القادر على الحفاظ على الغطاء النباتي وتنميته من خالل تبنيه لالتجاھات البيئية االيجابية في ھذا الصدد. 7_ االتجاه نحو استخدام الطاقات البديلة: إن اعتماد اإلنسان على الوقود األحفوري المتمثل في البترول والفحم والغاز الطبيعي في الحصول على الطاقة الالزمة لممارسة أنشطته المختلفة أدى إلى ظھور العديد من المشكالت البيئية المعقدة من تلوث ألنظمة الماء والھواء والتربة. لذلك البد من التفكير في مصادر طاقة نظيفة غير ضارة بالبيئة لتحل محل استخدام للوقود األحفوري ومن تلك المصادر الواعدة استغالل الطاقة الشمسية وكذلك طاقة الرياح والطاقة الناتجة عن ظاھرة المد والجزر. وھذا يدعونا إلى تھيئة األفراد لتبني استخدام ھذه الطاقات البديلة عن رغبة وطواعية منھم وذلك من خالل تزويدھم باالتجاھات البيئية الضرورية في ھذا الشأن. 8_ االتجاه نحو مستقبل البيئة: وقد أخذت االتجاھات في ھذا المجال توجھا مستقبليا من خالل العمل على ضمان استدامة البيئة والحفاظ عليھا لألجيال القادمة. وھو جوھر ما تسعى إليه التنمية المستديمة على اعتبار أنھا "ھي التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون اإلخالل بقدرة
128 األجيال المقبلة على تلبية احتياجاتھا". وذلك بالمحافظة على رصيد ثابت بطريقة فعالة أو غير متناقص من الموارد الطبيعية مثل التربة والمياه والكتلة اإلحيائية والتنوع البيولوجي وترك األرض في حالة جيدة لألجيال القادمة. ون شير في األخير إلى أن أبعاد االتجاھات البيئية متداخلة فيما بينھا إلى حد كبير فاتجاه الشخص نحو استخدام الطاقة البديلة مثال مرتبط باتجاھه نحو ترشيد استخدام الموارد الطبيعية كما أن اتجاھه نحو المحافظة على التوازن البيئي له عالقة باتجاھه نحو حماية البيئة من التلوث وغيرھا. ويرجع ھذا إلى تداخل العناصر البيئية فيما بينھا إلى درجة أن أي خلل يصيب إحداھا سينعكس سلبا على باقي العناصر األخرى ذلك أن البيئة كل متكامل. أوال: مالمح التجاھات بيئية مستديمة في عمران الحضارات القديمة: خالل التاريخ اإلنساني مع العمارة وعمليات البناء نجد أمثلة واضحة الحترام اإلنسان لبيئته ومحاولته التكيف معھا وھو ما يتضح من خالل دراسة العديد من نظم البناء والعمارة في مختلف الحضارات البشرية القديمة وسنحاول فيما يلي أن نعطي العديد من األمثلة المختلفة باختالف الحضارات والتي توضح صدق المقولة السابقة وسيتم التركيز بقدر اإلمكان على مالمح االتجاھات البيئية المستديمة التي أثرت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على العمارة والعمران في ھذه الحضارات وساھمت في المحافظة على التوازن البيئو_عمراني فيھا. 1_ عمران حضارة بالد ما بين النھرين: تمتد بالد مابين النھرين Mesopotamia مسافة 900 كم من منحدرات ھضبة أرمينيا حيث ينابيع نھري دجلة والفرات وحتى الخليج العربي الذي كان ينتھي عند مدينة "أور" وقد تعاقبت على ھذه األرض حضارات عدة منذ األلف الرابع قبل الميالد. وكان من أھم الحضارات التي قامت في ھذه المنطقة ھي الحضارة السومرية في الجنوب والحضارة األكادية في وسط العراق والحضارة البابلية ومركزھا مدينة بابل التي وصلت في عھد "حمورابي" إلى ذروة حضارتھا ويمتاز فن العمارة في منطقة الرافدين بعدة خصائص 226 حددتھا طبيعة المناخ واألرض : البھنسي عفيف: الفنون القديمة بيروت: دار الرائد اللبناني ص 119. _
129 فمدن مابين النھرين أخذت في تصميمھا بعين االعتبار النواحي المناخية وتأثير الرياح الخماسية (الساخنة) لذلك تم تغيير اتجاه الشوارع بشكل مفاجئ للتخفيف من اآلثار 227 الضارة لھذه الرياح. كما و جد في الكثير من ھذه المدن شوارع معبدة وشبكات لتوزيع 228 المياه العذبة باإلضافة إلى شبكات لتصريف المياه المستعملة وتجھيزات مدنية أخرى. وإذا تحدثنا عن الحضارة اآلشورية البد أن ال ننسى ما تركته ھذه الحضارة للبشرية جمعاء خاصة ما يتعلق بالجانب الطبيعي منھا والمتمثل في الحدائق المعلقة التي كانت تمتاز بھا مدنھا والدليل على ذلك الحدائق المعلقة لمدينة بابل فرغم الموقع الجغرافي الذي تقع فيه ھذه الحضارة والمتميز بمناخه الصحراوي وقلة غطائه النباتي جعل من ھذه الحضارة مضرب األمثال عن ولوعھا بالعناصر الطبيعية والمتمثلة في المساحات الخضراء والمياه ھذه العناصر الطبيعية كانت عبارة عن مكيفات ھوائية 229 على تدريب اإلنسان العتياد الذوق والجمال. للمدينة تلطف حرارة جوھا وتعمل ومما سبق ذكره نستخلص أن المدن اآلشورية عبارة عن مزيج بين البيئة الطبيعية 230 والبيئة المشيدة فكان بناء ھذه المدن متأقلم ومندمج مع الطبيعة. 2_ عمران الحضارة الفرعونية: إذا نظرنا إلى مصر الفرعونية وتاريخھا المعماري العظيم فإننا نجد أن المھندس المعماري نجح في ابتكار حلول لبت احتياجات مجتمعة في ظل عدة مؤثرات يأتي على رأسھا المعتقدات الدينية والظروف البيئية السائدة. فقد تم توجيه أسطح األھرامات نحو الجھات األصلية بدقة عالية وتم عمل مجريان يخترقان جسم ھرم خوفو فتحاتھما في غرفة الملك أحدھما تتجه نحو النجم الشمالي حيث كانت _حسب معتقداتھم_ تستقر الروح بعد الموت ثم تأتي عن طريق ھذه الفتحة لتحل في مومياء الملك ثانية لتبعثھا إلى الحياة األخرى أما المجرى الثاني فھو في الجھة المقابلة وذلك من أجل استمرار التھوية العرضية للغرفة من الشمال إلى الجنوب. كما يالحظ أن _ مصطفى صالح لمعي: عمارة الحضارات القديمة بيروت: دار النھضة العربية للطباعة والنشر 1979 ص 63. _ دوالبورت. ل: بالد مابين النھرين ترجمة مارون الخوري بيروت (بدون ناشر) 1976 ص 17. _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي رسالة دكتوراه الدولة في العمران غي ر منش ورة جامع ة منت وري_قس نطينة كلي ة عل وم األرض والجغرافي ا والتھيئة العمرانية قسم الھندسة المعمارية والعمران 2001/2000 ص _ المرجع نفسه ص 99.
130 الفراعنة قد استخدموا أنظمة التھوية الطبيعية في مبانيھم ومثال ذلك نظام التھوية غير المباشر بواسطة استخدام "مدخنة التھوية الرأسية" بمقبرة أو دار خلود "سنوسرت عنخ" 12 (األسرة 1972 ق م) فالمقبرة توجد تحت األرض ويصل إليھا دھليز ھابط تتخلله أربعة متاريس وأعلى الممر نفق ھوائي رأسي يصل إلى سطح األرض للتھوية الطبيعية 231 وقد ثبت حديثا أھمية ھذا النفق في ترشيح رطوبة التربة أيضا. كما استعمل المعماري المصري القديم اإلضاءة الطبيعية إلنارة الطريق الجنائزي لھرم "أوناس" بسقارة وھو طريق من الحجر الجيري ناصع البياض أرضية وحوائط وسقفا عرضه 2,60 م وارتفاعه 3 م وطوله 700 م والطريق مغلق تماما إال من فتحة ضيقة جدا في السقف عرضھا ستة سنتمترات وبطول الطريق تدخل منھا أشعة الشمس المباشرة فتسقط على األرضية الحجرية المصقولة فتنعكس على الحائطين الجانبيين حيث 232 كانت تظھر النقوش الملونة والبارزة والغائرة على أجمل صورة. لقد ارتبطت عمارة المعابد في عھد المصرين القدماء مع الدورات الفلكية والكونية مثل دورات حركة انتقال الشمس في األبراج السماوية إذ أن الفكر المعماري في عھدھم قد تعدى مرحلة التكيف مع البيئة المحيطة ليتوافق أيضا مع الكون بأكمله. ويجب أال ننسى تأثير البيئة المصرية والتي ظھرت في تفاصيل األعمدة المصرية القديمة حيث استعار المصريون القدماء في تجميلھا أشكال األزھار والنباتات التي وجدت في وادي النيل وقد حملت ھذه األعمدة فيما بعد أسماء تلك األزھار والنباتات كعمود البردي نسبة إلى ورق 233 نبات البردي والعمود اللوتسي نسبة إلى زھرة اللوتس والعمود النخيلي. كما أن قيام حضارة الفراعنة بالقرب من وادي النيل كان له الدور الكبير في استيطان الفراعنة فأقاموا زراعة جد متطورة وزرعوا الحدائق بالقرب من قصورھم فكانت لھم الجنة التي يركنون إليھا طلبا للراحة والترفيه وللتذوق بالجمال الطبيعي الذي توفره كما ال ننسى الدور الذي تلعبه ھذه الحدائق في تلطيف الجو داخل المدن وخارجھا وحماية المدن كذلك من الرمال التي تمتاز بھا المنطقة فكانت مدنھم غاية في التوازن _ يحي وزيري: العمارة اإلسالمية والبيئة سلسلة عالم المعرفة رقم 304 الكوي ت: المجل س ال وطني للثقاف ة والفن ون واآلداب يونيو 2004 ص _ لجنة الفنون التشكيلية: الطابع القومي لفنوننا المعاصرة القاھرة: الھيئة المصرية العامة للكتاب 1978 ص _ يحي وزيري: العمارة اإلسالمية والبيئة مرجع سابق ص 16_
131 البيئي الحضري من الناحية الطبيعية والمناخية فكونوا عمرانا بيئيا يتماشى وظروفھم 234 الطبيعية. كانت البيئة الطبيعية داخل المدن الفرعونية متزنة ال يشوبھا خلل وكانت المحافظة عليھا وتطويرھا من أولويات السلطة الحاكمة حيث احتلت الحدائق دورا ھاما في قصور ومدن مصر القديمة كبديل للحدائق المعلقة كما سمح المخطط الشطرنجي لھذه المدن بتأمين 235 المساحات المنتظمة الضرورية لذلك. 3_ عمران الحضارة اإلغريقية: في العصر اإلغريقي بدأت نظريات العمارة والتخطيط في الغرب تأخذ إطارھا الفلسفي وظھر التخطيط الشبكي للمدينة اإلغريقية وقد ذكر أرسطو أن ھذا النظام كان من صياغة المھندس اإلغريقي "ھيبوداموس" (500 ق م) وكان من أھم العوامل التي دفعته إلى ذلك توصيات األطباء حيث أوصى "ھيبوقراط" بضرورة تخطيط المدينة بحيث يمكن للمساكن أن تدخلھا الشمس وجاء على لسان أحد األطباء اإلغريق أن ذلك يتم لو أنشأت الشوارع متقاطعة في زوايا قائمة ومواجھة نحو الجھات األصلية فتصبح المدينة حسنة التھوية وتدخل مساكنھا الشمس وبذلك صاغ "ھيبوداموس" أصول تخطيط المدن لإلغريق واشتھر باسم "التخطيط الشبكي" 236 متأثرا بھذه التوجيھات. كما يرجع الحصول على التدفئة الطبيعية عن طريق االستفادة من اإلشعاع الشمسي إلى اليونانيين القدماء فعلى سبيل المثال قاموا بتخطيط مدينة "أولينثيس" "Olynthus" في القرن الخامس قبل الميالد حيث يسمح توجيه الشوارع باستقبال متساو للشمس كما كانو يقومون بتشييد معظم مبانيھم بمواجھة الشرق مع وجود فتحات كبيرة تجاه الجنوب وھذا األسلوب في التشييد يسمح بالحصول على أكبر قدر من األشعة الشمسية في الشتاء عندما 237 تنخفض الشمس في السماء وھو أكثر الفصول احتياجا للشمس. 234 _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص _ عبد الجواد توفيق أحمد: تاريخ العمارة والفن في العصور األولى القاھرة (بدون ناشر) 1971 ص _ عبد محمد: تاريخ تخطيط المدن القاھرة: مكتبة األنجلو المصرية 1981 ص _ رودمان دافيد م الين ولينس ن نيك والس: ث ورة ف ي ع الم البن اء ترجم ة ش ويكار ذك ي الق اھرة: ال دار الدولي ة للنش ر والتوزيع 1997 ص 60.
132 الشمس في اليونان ساطعة ومبھرة والجو صافي وطبيعة األرض جبلية مرتفعة وفي ھذه البيئة الطبيعية أقام المعماري اليوناني المعابد الكبيرة التي توضح تفاصيلھا المعمارية المنھج العميق لرؤية اإلنسان للمباني في ھذا الضوء الساطع ومدى توافقھا مع البيئة الطبيعية فلم يحاول اليونانيون أن يطغوا بمبانيھم على الطبيعة ولكنھم حاولوا أن يضعوا المباني في الطبيعة كأحد عناصرھا. وھنا يتوفر المقياس اإلنساني للطبيعة وھنا يظھر ما يعبر عنه المعماريون بالمقياس اآلدمي وھكذا تكونت المدينة اليونانية ككتلة واحدة في ھذه البيئة الجبلية وكانت المباني ت رى مع خلفياتھا الجبلية ولم يكن تجميع المباني يتم على أساس التصميم الذي يضعه المعماري في وقت واحد من الزمن بل كان يتم على أساس من الفكر التخطيطي الذي يساعد على تكامل بناء المباني العامة على مدى أطول من الزمن وكان تصميم الحيز الفراغي لألجورا بوسط المدينة مبني على أساس توزيع الحجوم والفراغات وحركة المشاة التي كانت توجه إلى محاور المباني والفراغات حتى يمكن االنتقال من فراغ إلى آخر من خالل البوابات الرسمية. فكان لكل مبنى من األجورا (وسط المدينة) ذاته الخاصة ولم يكن ملتحما مع المباني المجاورة أو متداخال معھا. كما كان التشكيل الفراغي لألجورا مرتبطا بالطبيعة الجميلة للموقع وقد ظھرت 238 المدينة اليونانية بصورتھا التلقائية المرتبطة بطبيعة المكان في األرض األم. ويعتبر الغطاء النباتي الذي يحيط باألغورا وينتشر عبر أرجاء المدينة دليل على 239 العناية الفائقة التي كان يوليھا اليونانيون للطبيعة. لقد تم اختيار مواقع المدن في أماكن ذات طبيعة طبوغرافية معقدة مثل أثينا وعلى ارتباط بشواطئ البحر لتكون ثغورا يسھل بواسطتھا تقديم النجدة كما ھو الحال في "بيريه" مرفأ أثينا. وفي بعض األحيان كانت المدينة تحاول إيجاد مرفأين لھا أحدھما حربي واآلخر للخدمات السلمية. وبھذه الميزة حافظ اإلغريق على السھول وبذلك المحافظة على البيئة الطبيعية. كما تم اختيار مواقع المدن في غالبية األحيان في المواقع المحمية من التأثيرات وتسمى أيض ا "األغ ورا" وق د ب دأت األغ ورا س احة عفوي ة التك وين لتتح ول فيم ا بع د لتك ون ف ي مرك ز التنظ يم للمدين ة ولتكون مكان التقاء فكري وتجاري بشكل خاص. 238 _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص _ المرجع نفسه ص 76.
133 الضارة للرياح الشديدة المسيطرة كما كان الموقع يتمتع إلى حد كبير بإشراف جيد على 240 المناظر الطبيعية المحيطة. وعموما جاءت الحضارة اإلغريقية لتضفي طابعا مميزا للمدينة خاصة من جانبه البيئي فاندمجت المدينة مع البيئة الجبلية والطبيعية في نفس الوقت فلم تغير من تضاريس الجبال ولم تحطم الغابات ولم تغير مجرى الوديان فأعطت بذلك لوحة فنية طبيعية غاية في الجمال فكان البحر يمثل واجھتھا األمامية بلونه األزرق وواجھتھا الخلفية الجبال والغابات الخضراء التي كانت تحتضن المدينة التي يغطيھا القرميد األحمر وبھذا خلقت المدينة منحى شكله متناوبا بين اللون األزرق فاللون األحمر فاللون األخضر وبھا تكون التضاد في األلوان فأعطى في األخير التوازن حقيقة أن مدن اليونان عبارة عن 241 داخل الطبيعة. 4_ عمران الحضارة الرومانية: لوحات فنية طبيعية ورث الرومان فنون األتروسكيين الذين جاءوا من آسيا الصغرى واستعمروا ايطاليا منذ القرن التاسع قبل الميالد وقد تأثر الفن المعماري الروماني بالتقاليد السائدة في الشرق 242 عن طريقين : األول ما ورثه عن األتروسكيين الذين جلبوا معھم استخدام القباب والعقود والتي أخذوھا أصال من الفن الرافدي والسقوف الجمالونية وزخرفة الجدران بالرسوم الملونة (الفريسك) الثاني ما أخذوه بعد احتالل الرومان لسوريا من تقاليد العمارة الشرقية. 243 وتمتاز العمارة الرومانية بعدة خصائص أھمھا : أ_ استعمل الرومان طرز العمارة اإلغريقية نفسھا (الدوري واأليوني والكورنثي) إال أنھم أدخلوا عليھا بعض التعديل مع مالحظة أن الطراز الروماني كان أكثر رشاقة من الطرز اإلغريقية. ب_ يقوم المنزل الروماني على األسس الرافدية القديمة نفسھا وھي أن تنفتح الغرف بنوافذھا وأبوابھا على الفناء الداخلي مع عدم وجود للنوافذ الخارجية كما استعاضوا عن 240 _ المرجع نفسه ص _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص _ الريحاوي عبد القادر: العمارة العربية السورية دمشق: وزارة الثقافة واإلرشاد القومي 1979 ص _ البھنسي عفيف: الفنون القديمة مرجع سابق ص 239.
134 األسقف الخشبية في الفن اإلغريقي بالعقود والقبوات التي أخذوھا عن العمارة الرافدية من خالل األتروسكيين. ج_ أقيمت العمارة الرومانية بالحجر المنحوت بدقة وفي بداية األمر استعملت الفواصل المعدنية لتثبتھا ولكن الرومان اھتدوا إلى نوع من المالط يشبه االسمنت يتكون من تراب بركاني مخلوط بكسر الحجارة أو الرخام المعجون بالكلس وقد صنعوا منه قوالب طينية صلدة استعملت في بناء الجدران. د_ أسس الرومان مدنا عديدة في كل البالد التي أخضعوھا وكان تخطيطھا متأثرا بالتخطيط الھيبودامى (اإلغريقي) أي على ھيئة شبكة من الشوارع المتعامدة وذلك لسرعة إنشائھا ولسھولة حكم المدينة. مما ال شك فيه أن الرومان استفادوا وأغنوا تجاربھم المعمارية والعمرانية من خالل ما ورثوه من العمارة اليونانية واآلشورية. ورغم أن روما تعتبر من أكبر إمبراطوريات عھد الرق إال أنھا حافظت على التوازن البيئي داخل مدنھا فاتساع اإلمبراطورية جعل مناطقھا تتعرض لعوامل مناخية مختلفة من مناطق يسود فيھا مناخ معتدل إلى أخرى ذات مناخ حار مما أدى إلى خلق خواص معمارية تالئم كل منطقة على حدة وما ينطبق على إيطاليا ينطبق على المناطق التي كانت ضمن اإلمبراطورية الرومانية لھذا نرى بعض 244 االختالف في التفاصيل المعمارية أو بعض التنوع في اإلضافات المعمارية. وقد اعتنى الرومان بالحدائق والبساتين خاصة في العاصمة روما لما يمتاز به الرومان من حس مرھف وذوق للجمال وحبھم للرياضة واالستجمام فبنوا السرك والحمام والجمنازيوم والمكتبات فكانت رياضتھم عضلية وفكرية فاستمتعوا بالراحة النفسية 245 والفيزيولوجية. ونخلص إلى أن حضارة الرومان رغم كبر رقعتھا إال أنھا أنتجت مدنا كبيرة وعظيمة عظمة اإلمبراطورية وميزة ھذه المدن أنھا بنيت بنفس المواد المحلية الموجودة بالقرب من كل مدينة وبھذا كان التنوع في شكلھا العام ولونھا لون موادھا رغم أن المبادئ التي صممت بھا كانت مستمدة من روما حافظ الرومان على المخزون الطبيعي الذي كان _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص _ المرجع نفسه ص
135 يحيط بالمدن وزادوا فيه بالزراعة التي كانوا يعتمدون عليھا من زيتون وتين وفواكه أخرى زيادة على ذلك الحدائق العمالقة التي كانت تحيط بالقصور والتي كانت تمثل المتنفس الطبيعي للسكان وأماكن الراحة واالستجمام لھم وللملوك وحاشيتھم والدليل على 246 ذلك حدائق فلورنسا والبندقية وغيرھا من المدن الرومانية. 5_ عمران الحضارة اإلسالمية: كانت العمارة اإلسالمية على مر العصور مرآة تنعكس عليھا المقومات البيئية الحضرية للسكان في كل عصر سواء كانت من الناحية االجتماعية أو الثقافية أو من الناحية الطبيعية والمناخية. والتشكيل المعماري للعمارة اإلسالمية بذلك كان يعبر بصدق عن 247 الوظيفة والبيئة الطبيعية والثقافية واالجتماعية السائدة. لقد اختلفت أساليب البناء في العمارة اإلسالمية القديمة باختالف البيئة الطبيعية والصناعية في كل قطر من أقطارھا. األمر الذي أوجد االختالفات الواضحة في التعبير المعماري في ھذه األقطار وإن كان يربط بينھا وحدة حضارية تتمثل في السلوك االجتماعي والثقافي ويعني ذلك أنه مع اختالف أساليب البناء فإنه يمكن أن تكون ھناك وحدة تعبيرية عن العمارة اإلسالمية مع أن لكل أسلوب من أساليب البناء إمكاناته المعمارية الخاصة سواء أكان البناء بالطابوق كما في العراق أو إيران أو المغرب العربي أو بالحجر كما في 248 مصر وسوريا واليمن أو بالطين اللبنة كما ھو في المناطق الصحراوية. إن المتتبع لتاريخ المدينة اإلسالمية يجد أنھا بنيت باألحكام وضعت من قبل المختصين في القضاء والمفاھيم المعمارية والتخطيطية التي وضعھا الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب إلنشاء مدينتي الكوفة والبصرة وكذلك آراء ابن الزبير وابن عباس في توسعة المسجد الحرام وكذلك المفاھيم التي أرساھا المفكرون المسلمون. إن الغرض من األحكام ھو تحسين نوعية البيئة سواء كانت مبنية طبيعية خاصة شبه خاصة أو عامة. أما وظائف األحكام فيمكن إجمالھا في اآلتي: تنظيم الواقع البيئي وتحسينه تجنب حدوث ضرر بيئي إيجاد حلول بيئية جديدة ووضع قواعد فنية للتصميم. إن كل وظيفة من ھذه الوظائف تعتبر مجاال عاما من مجاالت أحكام البنيان اإلسالمية وعليه فإن تحسين ظروف وأحوال البيئة 246 _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية _ المرجع نفسه ص 93. _ المرجع نفسه ص ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص 99.
136 المعاشة ھو المجال الشامل لألحكام والذي يتضمن مجالين رئيسيين ھما: التصميم 249 المعماري والبيئة الحضرية. من خالل وظائف األحكام السالفة الذكر يتبين لنا أن المدينة اإلسالمية كانت تحافظ على البيئة بشتى أنواعھا سواء بيئة طبيعية أو بيئة مشيدة وبذلك حافظت على التوازن البيئي داخل وخارج المدن ألن المسلمين كانوا ينظرون إلى المدينة داخل مجالھا العمراني 250 ومجالھا اإلقليمي والجھوي. يتضح بعد سردنا لتاريخ اإلنسان مع العمارة والمباني في الحضارات القديمة من خالل تطرقنا للعديد من نظم البناء والعمارة في مختلف ھذه الحضارات مع محاولة استقراء مالمح االتجاھات البيئية المستديمة التي أثرت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على العمارة والعمران في ھذه الحضارات وساھمت في المحافظة على التوازن البيئو_عمراني فيھا نجد أنھا تقدم لنا أمثلة واضحة الحترام اإلنسان لبيئته والتجانس معھا والتكيف مع ظروفھا فقد تأثرت جميع شعوب ھذه الحضارات بالعوامل البيئية عند تصميمھا لمبانيھا. فقد حرص اإلنسان في ھذه الحضارات على أن يتضمن بناؤه للمأوى عنصرين رئيسيين ھما الحماية من المناخ ومحاولة إيجاد جو داخلي مالئم لراحته. وھذه األساليب ھي نتاج التفاعل بين عنصرين أساسيين: األول ھو الثروات الطبيعية من المواد الخام والثاني ھو المناخ السائد في المنطقة وذلك في وجود أنشطة معينة تمارس داخل وحول ھذه المباني وفي إطار ھيكل اجتماعي يؤثر علي أساليب التصميم. لذا اضطر الناس في المناطق الحارة والجافة والدافئة الرطبة إلى استنباط وسائل لتبريد مساكنھم أو تدفئتھا في فصل الشتاء في المناطق الباردة وذلك باستخدام مصادر الطاقة والظواھر الفيزيائية الطبيعيتين فنجد مثال أنھم قد تأثروا بحركة الشمس في بناء مساكنھم فقد شيدوا معظم مبانيھم بمواجھة الشرق مع وجود فتحات كبيرة تجاه الجنوب وھذا األسلوب في التشييد يسمح بالحصول على أكبر قدر من أشعة الشمس في الشتاء عندما تنخفض الشمس في السماء وتتقي بسھولة حرارة الشمس العالية في الصيف. 249 _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: 250 _ المرجع نفسه ص 98. البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص 98.
137 وقد تبين أن ھذه الحلول عموما أكثر انسجاما مع وظائف جسم اإلنسان الفيزيولوجية من الوسائل الحديثة التي تعمل بالطاقة الكھربائية كأجھزة التبريد و تكييف 251 الھواء ومن ھذه المعالجات البيئية القديمة نذكر وباختصار ما يلي : الفناء الداخلي: يقوم بتخزين الھواء البارد ليال لمواجھة الحرارة الشديدة نھارا في المناخ الحار الجاف. الملقف: ھو عبارة عن مھوى يعلو عن المبنى وله فتحة مقابلة التجاه ھبوب الرياح السائدة القتناص الھواء المار فوق المبنى والذي يكون عادة أبرد ودفعه إلى داخل المبنى. توضع في وسط الفناء الخاص بالمنزل ويقصد بالنافورة إكساب الفناء المظھر الجمالي وامتزاج الھواء بالماء وترطيبه و من ثم انتقاله إلى الفراغات الداخلية. السلسبيل: النافورة: عبارة عن لوح رخامي متموج مستوحى من حركة الرياح أو الماء يوضع داخل كوة أو فتحة من الجدار المقابل لإليوان أو موضع الجلوس للسماح للماء أن يتقطر فوق سطحه لتسھيل عملية التبخر وزيادة رطوبة الھواء ھناك. اإليوان: وھو عبارة عن قاعة مسقوفة بثالثة جدران فقط ومفتوحة كليا من الجھة الرابعة وتطل على صحن مكشوف وقد يتقدمھا رواق. وربما اتصلت ب قاعات وغرف متعددة حسب وظيفة البناء الموجودة فيه. الشخشيخة: وھي تستخدم في تغطية القاعات الرئيسية وتساعد على توفير التھوية واإلنارة غير المباشرة للقاعة التي تعلوھا كما تعمل مع الملقف على تلطيف درجة حرارة الھواء وذلك بسحب الھواء الساخن الموجود في أعلى الغرفة. المشربية: عبارة عن فتحات منخلية شبكية خشبية ذات مقطع دائري تفصل بينھا مسافات محددة ومنتظمة بشكل ھندسي زخرفي دقيق وبالغ التعقيد وتعمل على ضبط الھواء والضوء إضافة إلى توفيرھا الخصوصية. األسقف: وھي السقوف المقببة على شكل نصف كرة أو نصف اسطوانة تكون مظللة دائما إال وقت الظھيرة كما تزيد سرعة الھواء المار فوق سطوحھا المنحنية مما يعمل على خفض درجة حرارة ھذه السقوف. 251 _ تاريخ العمران البيئي متاح على :
138 وبالنظر إلى العمران المعاصر نجد أن الطراز الدولي للعمارة و الذي أماله المعماريون الغربيون على المجتمع العالمي بغرض توحيد الفكر المعماري و التخطيطي في جميع أنحاء العالم نجده أصبح مھيمنا دون مراعاة لالختالفات البيئية والحضارية والثقافية لكل مجتمع باإلضافة إلى أنه ولد أزمة في العالقة بين البيئة والعمران من خالل ما أفرزه من تلوث وتشويه للبيئة واستنزاف لمواردھا...الخ ومن ھنا تظھر أھمية التعمق في التراث المعماري الخاص بكل منطقة من أجل االستفادة من الظروف التي أوجدت ھذا التراث ثم تقييمه بغرض استلھام ما يتواءم منه ويصلح للتطبيق في البيئة والمجتمع المعاصر بما يتوافق مع كل بيئة بشقيھا الطبيعي والحضاري. ثانيا: مالمح ألزمة االتجاھات البيئية في عمران الحضارة الحديثة: جاءت المدينة الغربية الحديثة كمرآة عاكسة للحضارة والتكنولوجيا المادية التي ميزتھا فأعطت إنتاجا ماديا خاليا من الروح فكانت عبارة عن امتداد لمدينة الرق القديمة من ناحية البيئة االجتماعية ولكن بطريقة كان مظھرھا الحرية وباطنھا العبودية واالستغالل البشع فأصبح اإلنسان كآلة يطوعھا رجال األعمال والمستثمرين في مشاريعھم سواء كانت فالحية حرفية أو صناعية وبأثمان بخسة ال تلبي احتياجاتھم اليومية الغذائية. وبالرغم من تطور النظرة االستغاللية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين التي طغى عليھا نوع من االھتمام بالجانب الصحي والمادي للعمال إال أنه كان العتبارات مادية بحتة ألن المستثمر أصبح يفكر في اآللة اإلنسانية بأن ال تتوقف عن العمل ألن في توقفھا خسارة مادية معتبرة. فصمم العديد من األغنياء أحياء عمالية لعمالھم بالقرب من المصانع على حساب األراضي الفالحية والغابية تفتقد للعديد من المرافق الصحية كقنوات الصرف الصحي ومياه الشرب...الخ زيادة على صغر المساكن التي كانوا يقطنونھا وبذلك بدأت بوادر اإلخالل بالبيئة سواء كانت طبيعية أو مشيدة وأصبح سكان ھذه األحياء يعانون من األمراض العديدة خاصة المتنقلة التي فتكت بھم بل أبادت العديد من األحياء النتشار وباء الطاعون والكوليرا 252 وغيرھا. تعاظم اإلخالل بالبيئة شيئا فشيئا فأصبح يھدد المدينة برمتھا لينتقل بعد ذلك إلى محيط المدينة ولكن مع بداية القرن العشرين أصبح خطره على المستوى القومي واإلقليمي 252 _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص 101.
139 عندما أدرك العلماء تنقل الدخان والغازات السامة في الجو وبدأت تظھر األمطار الحمضية التي تتلف الغابات والمحاصيل الزراعية لتنتقل بعدھا إلى سكان المدن الذين أصبحوا يعانون من ھذه الغازات السامة من الناحية النفسية والفيزيولوجية وينتقل التلوث إلى الغذاء والماء والبحار والمحيطات وتنوع التلوث فأصبح التلوث الضوضائي (الصوتي) والتلوث البصري حيث أصبح اإلنسان يعاني من المشاھد اليومية التي تصادفه في طريقه 253 واألصوات المزعجة التي يتلقاھا من الماكنات المختلفة التي تجوب شوارع المدينة. ونتيجة للنزوح الريفي الذي تسببت فيه الصناعة أصبح اإلنسان يدرك الخلل بين المدينة والريف فھذا األخير الذي يعول المدينة بالمواد الغذائية ليس بمقدوره اآلن أن يقوم بتغطيتھا من ھذا الجانب لذا فكروا في وسائل تكنولوجية كالبيوت البالستيكية واألسمدة والمشاتل واستعمال المواد الكيميائية والمبيدات مما أثر سلبا على البيئة وعلى صحة اإلنسان على حد سواء. ويجدر بنا التتبع التاريخي لنشأة عمران المدينة الحديثة وظھوره في الغرب ليس بغرض التعرف على أشكاله وإنما بھدف إلقاء الضوء على العوامل االقتصادية واالجتماعية والثقافية التي أفرزت ھذا النمط من العمران الذي يعكس في حقيقة األمر أزمة العالقة بين اإلنسان والبيئة وباألحرى أزمة االتجاھات البيئية في ظل ھذا العمران. ذلك أن المنتجات المعمارية في الحضر ھي واحدة من المنتجات الثقافية إن لم تكن أھما على اإلطالق ألي أمة من األمم. وتعكس المنتجات المعمارية الحالة الثقافية واالقتصادية واالجتماعية والتكنولوجية والعلمية والسياسية للشعوب المختلفة وكل ابتذال أو تدھور 254 يلحق بالمنتجات المعمارية في مجتمع ما إنما يدل على تدھور وانحالل ھذا المجتمع. 1_ عمران العصور الوسطى: ففي العصور الوسطى جاءت المدينة كملجأ للتجار والفالحين من اإلقطاعيين الذين خلفتھم اإلمبراطورية الرومانية فكانت مثاال لالرتباط االجتماعي بين اإلنسان والمدينة وظھر ذلك في تشكيالتھا العمرانية التلقائية. التي تدعوا إلى الدين الجديد حيث مصدر السلطة الدينية. كما ظھر في مركزھا الذي تتوسطه الكنيسة وقد تميز التشكيل العمراني لمدينة 253 _ المرجع نفسه ص _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص 134.
140 العصور الوسطى بساحة الكنيسة ذات التشكيل اإلنساني التي تختلف فيھا األضالع وتتجانس فيھا المباني ويرتفع فيھا برج الكنيسة وقد بلغ التشكيل العمراني حدا كبيرا من العناية في البناء والزخرفة. كما تميزت ساحة المدينة باالختالف المنظوري ألركانه المختلفة وتوفر عنصر المفاجئة من مداخلھا المختلفة حتى أصبحت مثال ي حتذى به في 255 التصميم الحضري المعاصر. ففي مدينة العصور الوسطى اإلقطاعية ومن وجھة النظر البيئية كان الدور اإليجابي والمھم الذي لعبه اإلقطاعي في المحافظة على األرضي الزراعية المحيطة بالمدن وعدم ترك الفرصة لتوسعھا أفقيا على األراضي أدى إلى المحافظة على البيئة الطبيعية المحيطة وبالتالي المحافظة على التوازن البيئي الجھوي زيادة على ذلك كانت المدن اإلقطاعية صغيرة من حيث مساحتھا العمرانية وبنيت بمواد بناء محلية حافظت على المنظر والمظھر العام للمدينة الذي أدمجھا داخل موقعھا الطبيعي. غير أنه ونتيجة لصغر المساحة العمرانية كانت األبنية متراصة مما أدى إلى كثافة سكانية عالية وفقدان المرافق الصحية في ھذه المدن فكان الوضع الصحي سيئا كما كانت النفايات تتكدس فيھا وتظھر حتى فوق الجسور وعلى أطراف األنھار وتعتلي الشوارع والطرقات مما أدى إلى ظھور األوبئة واألمراض وحدوث انھيارات عند وقوع أي طوفان أو عارض طبيعي. والنتيجة ھي أن المدن اإلقطاعية كانت تعيش توازنا بيئيا خارج محيطھا العمراني وخلال بيئيا حادا داخل 256 المدينة. 2_ عمران عصر النھضة: إن المتتبع لتطور مدينة عصر النھضة يالحظ أنھا اعتنت بالجماليات المعمارية والعمرانية من ناحية الشكل وغاب عنھا المضمون فنجد الحدائق ذات األشكال الھندسية والنافورات المنحوتة التي تدخل في تركيبتھا المستوية والفضائية تزين القصور والمرافق الحكومية التي بدأت في الظھور كدار البلدية والخزينة ودار المالية وغيرھا وظھرت مخططات المدن بطرق مستمدة من التخطيط القديم للمدن اليونانية والرومانية مع إدخال بعض التعديالت عليھا فأخذت أشكال ھندسية متعددة منھا الدائري ومنھا النجمي...الخ 255 _ سلوى سقال عمر وصفي مارتيني: نظريات تخط يط الم دن س وريا: مديري ة الكت ب والمطبوع ات الجامعي ة جامع ة حلب 1992 ص 58_ _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص 105.
141 فأعطت لوحات فنية رائعة. رغم ھذا االعتناء إال أن المدينة كانت تعيش داخل جبال وأكداس من القمامة ومياه قذرة تجوب الشوارع مما تسبب في العديد من الجائحات التي اجتاحت المدن آنذاك حتى مدن العالم الثالث التي كانت تعتبر صغيرة مقارنة بالمدن 257 األوروبية. مدينة القرن ومن خصائص الزمن أنه يغلف الماضي بغاللة من الرومانسية فكثيرا منا يتصور 18 وكأنھا آية في الجمال والھدوء حيث القالع الشامخة والبيوت الجميلة الھادئة والفتية يرتدون المالبس الجميلة المزركشة ومياه األنھار التي تخترقھا نظيفة رقراقة. ولكن ينبغي أن ال ننسى أن في معظم المدن األوروبية لم تكن تستعمل األواني والشوك سوى في بيوت األثرياء أما عامة الناس فكانوا يتناولون الطعام بأيديھم ومن قدور مشتركة وكان الصابون من األمور النادرة كما كان الناس يرمون كل يوم إلى الشوارع واألزقة القمامة والمياه القذرة وكانت المدن غارقة في األوساخ وتجتاحھا الجائحات المرضية بين حين وآخر. وقد 258 نمت حول باريس تالل حقيقية من القمامة ومع بداية تطور العمل الحرفي بدأت المدينة تعرف نوعا من النزوح الريفي سببه المداخيل التي يقدمھا الحرفيون للعمال وكنتيجة حتمية بدأ توسع المدن أفقيا على حساب األراضي الزراعية وبذلك ظھر نوع من الخلل البيئي بين المدينة والغطاء النباتي المحيط بھا. وعليه فالمدينة والعمران بصفة عامة في عصر النھضة كان ينم عن مشكالت بيئية كثيرة والتي تنم بدورھا عن أزمة في االتجاھات البيئية في ھذا العصر. 3_ عمران عصر الثورة الصناعية: مع انتھاء عصر النھضة ودخول أوروبا عصر الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر بدأت النظريات التخطيطية تتطور لمالحقة التطورات االقتصادية واالجتماعية والتكنولوجية التي صاحبت الثورة الصناعية. ومع تطور سبل المواصالت واالتصال بدأت المجتمعات تتحرك على نطاق أوسع خارج المدينة القائمة أو تھاجر إلى مواقع جديدة لمدن جديدة حول مواقع اإلنتاج الجديدة. وكان التطور التكنولوجي ومن ثم التحول االقتصادي أسرع من معدالته من أن يواكب التحوالت االجتماعية بل وسبقھا. األمر الذي ساعد على إيجاد فجوة كبيرة بين التطور االقتصادي التكنولوجي السريع بطبيعته والتطور االجتماعي _ المرجع نفسه ص 124. _ محمد العويدات: مشكالت البيئة دمشق: األھالي للطباعة والنشر والتوزيع 1995 ص 152_
142 البطيء بطبيعته ھو كذلك. وبالتالي ساعد على إيجاد الخلل االجتماعي مع فقدان التوازن 259 االيكولوجي بين السكان والبيئة العمرانية الجديدة. إن الثورة الصناعية كانت ثورة تكنولوجية وثورة على المدينة وعلى القيم اإلنسانية التي كان يعيشھا اإلنسان في السابق ثورة أتت على األخضر واليابس فالتھمت ما حولھا وكل ما صادفھا في طريقھا فأنجبت مدنا حديثة من حيث البناء والتصميم وأحياء ا تفتقد إلى الراحة بكل معانيھا سواء نفسية فيزيولوجية مناخية جمالية روحية...الخ. فأفقد اإلنسان توازنه داخل محيطه الحضري ألنه اعتاد المناظر الطبيعية التي كان يحياھا في الريف والقرية وحتى المدينة في السابق. فأصبح ساكن المدينة الصناعية يعيش داخل مجال مغلق وصغير من ناحية المساحة تنقصه الحديقة والبستان عكس البيت القروي الذي كان يقطنه وما يوفره له من مجال رحب داخل وخارج البيت واكتفاء ذاتي من الخضر والفواكه ناھيك عن الراحة وبعده عن الملوثات بشتى أنواعھا سواء دخان وأصوات مزعجة ومناظر كئيبة وقبيحة تشمئز لھا النفوس. إذ التھمت الثورة الصناعية الحدائق العامة والمتنزھات داخل المدن وامتدت يدھا إلى خارج المدن حيث توسعت المصانع على حساب الغابات والحقول الفالحية ذات المردود الفالحي والبيئي وزاد تطاولھا إلى أن وصل تأثيرھا السلبي على المستوى الجھوي واإلقليمي من جراء العوادم المنطلقة من مصانعھا واألمطار 260 الحمضية التي تعمل على تكوينھا الغازات السامة. ولم يقتصر إيذاء المدينة والمصانع للبيئة المحيطة بالمدن بل امتد ليصل إلى مسافات بعيدة جدا بغازاته السامة ومياه المجاري الملوثة بالفضالت الصناعية والكيماوية واألمطار الحمضية التي قضت على المحاصيل الزراعية والعديد من الغابات والبساتين ولھذا أصبحت المدن الصناعية عبارة عن مصدر الخلل البيئي. 4_ عمران العصر الحديث: في بداية القرن التاسع عشر كانت المدينة على العموم والغربية (الرأسمالية) على الخصوص تعاني من أزمة حادة تتعمق باستمرار. ولقد ظھرت ھذه األزمة نتيجة للكبر المفاجئ الذي نجم عن تطور وتمركز الصناعة. ولقد كان ھذا التمركز والتطور فوضويا 259 _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص 114.
143 في مركز ھذه المدن حيث اختفت المساحات الخضراء وحلت محلھا المصانع واألبنية السكنية الكثيفة حيث ظھرت األحياء العمالية الفقيرة والقذرة. وتبين لنا صور ومخططات مدن العصر الحديث أن المدينة الحديثة جاءت لتتوسع على األراضي الزراعية الخصبة وتلتھم ذات المردود العالي دون أن تولي اھتماما بالمحيط الطبيعي سواء داخل المدينة أو 261 خارجھا. لقد أسھب رواد العمارة الغربية في تفسير نظرياتھم في العمارة والعمران في ھذه الفترة فمنھم من اعتنق العضوية والتكامل مع البيئة الطبيعية ومنھم من اعتنق الوظيفية والقواعد اإلنشائية ومنھم من اعتنق القيم الفراغية والتشكيلية ومنھم من اعتنق التبسيط ومن اتجه إلى الخشونة في التعبير ومنھم من ارتكن إلى النعومة والليونة في الخطوط والمسطحات ومن انطلق إلى اآلفاق المستقبلية تعبيرا عن الطفرات العلمية ومن مال إلى اإلنسانية في التصميم والتنفيذ ومن استطلع إمكانيات الماضي في تشكيل عمارة وعمران الحاضر. وكلھا فلسفات قائمة على االنفعاالت الشخصية التي ترسبت في نفس كل منھم نتيجة لخلفياته الثقافية واالجتماعية وممارساته المھنية. وقد تمسك كل منھم بنظريته وأسھب في تأكيدھا بالنشر واإلعالم وكذلك باإلنجاز والتنفيذ فجاءت النظريات في كل ھذه االتجاھات مرتبطة بالواقع وليست خالية من المضمون. فكان لھا تأثيرھا المباشر على المدارس المعمارية في الغرب في العلم والممارسة كما كان لھا تأثيرھا الفكري على قطاعات عريضة من المجتمع إن لم يكن عليھا ككل كما امتدت لتصيب مدن العالم الثالث فيما بعد. ھكذا ارتبطت النظريات الغربية ارتباطا وثيقا بالواقع االجتماعي كما ارتبطت بالواقع العلمي والتكنولوجي والمھني في دول الغرب إال أنه رغم كل البحث واألفكار والنظريات لم تخرج المدينة من الفوضى العارمة التي مست كيانھا خاصة من الناحية 262 البيئية. وتطاول ھذا الخلل ليمتد إلى المناخ الحضري الذي تغير بشكل ملحوظ في نھاية القرن العشرين (20) نتيجة التخريب والتلف الذي أصاب العديد من المحميات الطبيعية التي تتنفس بھم الكرة األرضية زيادة إلى ظاھرة الدفيئة (االحتباس الحراري) التي أصبحت _ المرجع نفسه ص ص 116_ _ محم د فاض ل الش يخ ب ن الحس ين: البيئ ة الحض رية ف ي م دن الواح ات وت أثير الزح ف العمران ي عل ى توازنھ ا اإليكولوجي مرجع سابق ص 119_
144 تعيشھا معظم المدن فارتفعت درجة الحرارة وتناقص التساقط ووصل التلوث الجوي داخل المدن إلى درجات خطيرة تھدد حياة اإلنسان في كل لحظة. وبذلك كانت المدينة الحديثة ھي مدينة التناقضات والخلل البيئي على جميع األصعدة خاصة ما يمس اإلنسان الذي أصبح يعيش داخل تناقضات أفرزھا التطور التكنولوجي والكبر الھائل للمدن مما أدى إلى اإلخالل ببيئة المدينة سواء منھا 263 المباني والبيئة االجتماعية التي فقدت وحدتھا وتكاملھا. الطبيعية التي التھمتھا ونخلص إلى القول أن الحضارة الغربية الحديثة جاءت لتعم كافة أرجاء المعمورة بكل ما تحمله بنظرياتھا المعمارية وأنماطھا العمرانية التي ال تعطي لإلنسان حقه في الراحة والعيش داخل المدينة رغم كل ما بذل من جھد وتفكير وبحث ألنھا اعتمدت على الجانب المادي وأھملت الجوانب األخرى وخاصة الجانب البيئي فشكل عمرانھا انعكاسا حقيقيا ألزمة االتجاھات البيئية. ونتيجة لما سبق من أزمة االتجاھات البيئية التي اتسمت بھا طرق التخطيط والبناء والتعمير مع ظھور الحضارة الحديثة وبالتالي أفضى ذلك إلى تأزم العالقة بين البيئة والعمران الحديث مما جعل بعض الباحثين والمعماريين على وجه الخصوص يطلقون على ھذا النمط من العمران اسم "العمران المريض" أو "المباني والمدن المريضة" ذلك أنھا 264 تعمل على : أوال: ثانيا: ثالثا: استنزاف الطاقة والموارد. تلويث البيئة بما يخرج منھا من انبعاثات غازية وأدخنة أو فضالت سائلة وصلبة. التأثير السلبي على صحة مستعملي المباني نتيجة استخدام مواد كيماوية التشطيبات أو ملوثات أخرى مختلفة. وبناءا وأطروحات قادرة على على ھذه السلبيات قامت مبادئ العمارة المستديمة الخضراء حاملة أفكار التغلب على السلبيات السابقة. ذلك أن معركة تحقيق مستقبل بيئي قابل لالستدامة ھي معركة نخوضھا أساسا في مدن العالم فاآلن تجمع المدن ما بين الكثير من المشاكل البيئية الرئيسية لكوكب األرض وھي: النمو السكاني والتلوث وتدھور الموارد وتوليد النفايات. ومن قبيل المفارقة أن المدن تمثل أيضا أفضل فرصة متاحة لدينا 263 _ المرجع نفسه ص 122. _ التصميم المستدام والعمارة الخضراء متاح : 264
145 لتحقيق مستقبل قابل لالستدامة. إال أن التحضر لن يؤتي ثماره من حيث القابلية لالستدامة 265 تلقائيا فھذه الثمار تتطلب االستعداد بعناية. ثانيا: االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم: 1 _جذور العمران المستديم ودواعي ظھوره: مع بداية الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر تغيرت كل النظريات المعمارية التقليدية وبرز تركيز كامل وشديد على الوظيفة والكفاءة االقتصادية كمنبع للتصميم وتجاھل المعماريون إرضاء حاجات اإلنسان الفيزيائية كدرجة الحرارة ونسبة الرطوبة وشدة اإلضاءة وغير الفيزيائية كتحقيق الراحة النفسية ومراعاة الجوانب الثقافية والحضارية واالجتماعية كما اتجه المعماريون إلى توحيد المفردات المعمارية عالميا وعاملوا المنشآت كما لو كانت آالت. ومن ھنا ظھرت فجوة واسعة عميقة بين العمارة والبيئة. وقد سمى المھتمون بدراسة الطبيعة واالتزان البيئي ھذه العمارة باسم "العمارة المدمرة" Architecture" "Destructive ألنھا أثرت سلبا على البيئة واتزانھا الطبيعي. وفي أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر كان التصنيع يحث الخطى وكذلك االكتشافات العلمية "لداروين" و"ليل" وآخرين أعادوا تشكيل فھم اإلنسان للطبيعة كما حدثت تطورات ملحوظة في تقنيات اإلنشاء والتشييد المعماري خصوصا في مجال استخدام الزجاج والمعادن والتطور في تقنيات اإلضاءة الصناعية والتكييف. وقد كان "جون راسكن" من األوائل الذين رصدوا أضرارا التقدم الصناعي ونادى بأن على العمارة أن تتجاوب مع البيئة وكتب في مؤلفاته "بأن أعارنا األرض لنحيا عليھا بعض الوقت وھبة ومنحة عظيمة لكن ملكيتھا تؤول ألبنائنا وأحفادنا أكثر مما تعود _ ثري ا أحم د عبي د: حال ة س كان الع الم 2007 إط الق إمكاني ات النم و الحض ري ص ندوق األم م المتح دة للس كان متاح على: (UNFPA) 265
146 لنا وليس لدينا أدنى حق في أن نتجاھلھم أو أن نشركھم في عقاب على جرائم لم يقترفوھا أو حتى أن نحرمھم من نعم وھبھا لھم ليس لنا أدنى حق في ذلك". فالتفاعل بين اإلنسان والعمارة والبيئة ھو مظھر رئيسي من مظاھر الحضارة اإلنسانية. وفي أثناء الثورة الصناعية ظھر فھم خاطئ ل ھذه العالقة فقد اعتقد اإلنسان أن عليه أن يظھر قدرته على قھر الطبيعة مستخدما أدواته وإمكانياته التقنية ولم يتبين خطأه إال بعد أن بدأت األزمات البيئية في الظھور. 266 للمكان. ولم تدمر العمارة المدمرة البيئة فقط وإنما دمرت أيضا الھوية والسمات الثقافية وعليه فقد ظھرت في اآلونة األخيرة عدة شعارات ومفاھيم تضمنت عملية االستدامة في ميادين مختلفة ومجاالت متنوعة لتخدم عملية الحفاظ علي البيئة المستديم" منھا مفھوم "العمران والذي دخل حيز االستعمال والرواج واالنتشار في األوساط المھنية في قطاعات صناعة البناء والتشييد في الدول الصناعية المتقدمة فقط في التسعينيات من القرن المنصرم ولكن جذور ھذه الحركة يمكن تتبعھا لسنوات طويلة ماضية. فبعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارھا وانقشعت معاركھا عن مدن أصابھا الھدم والتخريب اتجھت أبحاث المشتغلين بالعمران المدني في القارة األوروبية إلى وضع أسس عمرانھم الجديد على قواعد سليمة من حيث االستجابة لمطالب السكان والمالئ مة بينھا وبين البيئة الطبيعية وما يرجونه للبيئة االجتماعية من اتجاھات سليمة وصحيحة ولذلك فرع جديد من الدراسة أطلق عليه تخطيط المدن Planing) (Country and Town وج علت له معاھد خاصة يدرس فيھا الطلبة قواعد الجغرافيا الطبيعية المحلية وما تحتاج إليه البلدة أو المدينة من مصادر طبيعية كتوفير ماء الشرب واختيار البقعة الصحية التي يتوافر فيھا مواد البناء من البيئة المحلية...كما يدرس الطلبة أيضا مبادئ العمارة وتخطيط المدن وتوزيع األحياء التجارية والصناعية والعلمية والمساكن الخاصة وبعبارة مجملة دراسة عوامل البيئة الطبيعية واالجتماعية التي تؤثر في إنشاء المدينة وتخطيط المدينة على أساس 267 طبيعي واجتماعي سليم. 266 ( متاح على : mlines12@hotmail.com ) _ محسن محمد إبراھيم: العمارة المستدامة _ محم د الس يد غ الب: البيئ ة والمجتم ع تط ور التفكي ر ف ي العالق ة ب ين البيئ ة والمجتم ع ط 3 اإلس كندرية: مكتب ة األنجلومصرية 1963 ص ص 348_
147 وفي بداية الستينات من القرن الماضي ظھرت العديد من الصيحات التي نادت بحماية البيئة والطبيعة وظھر التفكير في المبنى كنظام بيئي مصغر يتفاعل ويتداخل مع النظام البيئي األكبر أتبعھا ظھور العديد من الجمعيات والمؤسسات المھتمة بالعمارة البيئية والمبنى البيئي من خالل فكرة االستدامة مثل حركة بيولوجيا البناء والتي اعتبرت المبنى كائن حي يمثل لإلنسان طبقة الجلد الثالثة 268 (Third skin) حيث بدأ العالم يعترف باالرتباط الوثيق بين التنمية االقتصادية والبيئة وقد تنبه المتخصصون إلى أن األشكال التقليدية للتنمية االقتصادية تنحصر على االستغالل الجائر للموارد الطبيعية وفي نفس الوقت تتسبب في إحداث ضغط كبير على البيئة نتيجة لما تفرزه من ملوثات ومخلفات ضارة. فقد تعالت األصوات البيئية المنادية بتقليل اآلثار البيئية الناجمة عن األنشطة البشرية المختلفة ونادت بخفض المخلفات والملوثات والحفاظ على قاعدة الموارد الطبيعية لألجيال القادمة. ونتيجة لذلك فقد أولت القطاعات العمرانية _خاصة في الدول المتقدمة_ في العقد األخير من القرن المنصرم عناية خاصة واھتماما واسعا بمواضيع حماية البيئة والتنمية المستديمة ذلك أن القطاعات العمرانية في ھذا العصر لم تعد بمعزل عن القضايا البيئية الملحة التي بدأت تھدد العالم وتم التنبه لھا في السنوات القالئل األخيرة خاصة إذا علمنا أن ھذه القطاعات من جھة تعتبر أحد المستھلكين الرئيسيين للموارد الطبيعية كاألرض والمواد والمياه والطاقة ومن جھة أخرى فإن عمليات صناعة البناء والتشييد الكثيرة والمعقدة ينتج عنھا كميات كبيرة من الضجيج والتلوث والمخلفات الصلبة. وتبقى مشكلة ھدر الطاقة والمياه من أبرز المشاكل البيئية-االقتصادية للمباني بسبب استمرارھا وديمومتھا طوال فترة تشغيل المبنى. ولھذه األسباب وغيرھا ونتيجة لتنامي الوعي العام تجاه اآلثار البيئية المصاحبة ألنشطة البناء فقد نوه بعض المتخصصين أن التحدي األساسي الذي يواجه القطاعات العمرانية في ھذا الوقت إنما يتمثل في مقدرتھا على اإليفاء بالتزاماتھا وأداء دورھا التنموي تجاه تحقيق مفاھيم التنمية المستديمة الشاملة وأضاف آخرون بأن اإلدارة والسيطرة البيئية على المشاريع العمرانية ستكون واحدة من أھم 268 ( متاح على : mlines12@hotmail.com (_ محسن محمد إبراھيم: العمارة المستدامة
148 المعايير التنافسية الھامة في ھذه القطاعات في القرن الواحد والعشرين. من ھنا نشأت في الدول الصناعية المتقدمة مفاھيم وأساليب جديدة لم تكن مألوفة من قبل في تصميم وتنفيذ المشاريع ومن ھذه المفاھيم "التصميم المستديم" و"العمارة الخضراء" و"المباني المستديمة" ھذه المفاھيم جميعھا تعكس االھتمام المتنامي لدى القطاعات العمرانية بقضايا التنمية االقتصادية في ظل حماية البيئة وخفض استھالك الطاقة واالستغالل األمثل للموارد الطبيعية واالعتماد بشكل أكبر على مصادر الطاقة المتجددة (Renewable 269.Sources) فالتصميم المستديم والعمارة الخضراء واإلنشاءات المستديمة والبناء األخضر...الخ ھذه المفاھيم جميعھا ما ھي إال طرق وأساليب جديدة للتصميم والتشييد تستحضر التحديات البيئية واالقتصادية التي ألقت بظاللھا على مختلف القطاعات في ھذا العصر فالمباني الجديدة يتم تصميمھا وتنفيذھا وتشغيلھا بأساليب وتقنيات متطورة تسھم في تقليل األثر البيئي وفي نفس الوقت تقود إلى خفض التكاليف وعلى وجه الخصوص تكاليف التشغيل والصيانة Costs) (Running كما أنھا تسھم في توفير بيئة عمرانية آمنة ومريحة. وھكذا فإن بواعث تبني مفھوم االستدامة في القطاع العمراني ال تختلف عن البواعث التي أدت إلى ظھور وتبني مفھوم التنمية المستديمة بأبعادھا البيئية واالقتصادية 270 واالجتماعية المتداخلة. فالعمارة المستديمة تعزز وتتبنى مفھوم التنمية المستديمة الذي أكد بما ال يدع مجاال للشك أن ضمان استمرارية النمو االقتصادي ال يمكن أن يتحقق في ظل تھديد البيئة بالملوثات والمخلفات وتدمير أنظمتھا الحيوية واستنزاف مواردھا الطبيعية. والسبب في ذلك أن تأثيرات األنشطة العمرانية والمباني على البيئة لھا أبعاد اقتصادية واضحة والعكس صحيح فاستھالك الطاقة الذي يتسبب في ارتفاع فاتورة الكھرباء له ارتباط وثيق بظاھرة المباني المريضة Buildings) (Sick التي تنشأ من االعتماد بشكل أكبر على أجھزة التكييف االصطناعية مع إھمال التھوية الطبيعية وھذا الكالم ينسحب على االعتماد بشكل أوحد على اإلضاءة االصطناعية إلنارة المبنى من الداخل مما يقود إلى زيادة فاتورة الكھرباء وفي نفس الوقت يقلل من الفوائد البيئية والصحية فيما لو كانت أشعة الشمس _التصميم المستدام والعمارة الخضراء متاح على : التصميم المستدام والعمارة الخضراء متاح على: _
149 تدخل في بعض األوقات إلى داخل المبنى. و يؤدي في النھاية إلى إصابة اإلنسان بأمراض مختلفة عضوية و نفسية. فقد أثبتت األبحاث الحديثة أن التعرض لإلضاءة االصطناعية لفترات طويلة يتسبب في حدوث أضرار جسيمة على صحة اإلنسان على المستويين النفسي والبدني. وتعد عملية التعرض للذبذبات الضوئية الصادرة عن مصابيح اإلنارة (الفلورسنت) واالفتقاد لإلضاءة الطبيعية من أھم اآلثار السلبية التي تعاني منھا بيئة العمل المكتبي فقد ظھرت نتيجة لذلك شكاوى عديدة من المستخدمين في بعض الدول الصناعية المتقدمة تضمنت اإلحساس باإلجھاد الجسدي واإلعياء والصداع الشديد واألرق كما أن اإلضاءة الصناعية الشديدة تعتبر في مقدمة األسباب المرجحة ألعراض الكآبة في بيئات العمل. ھذا من جھة ومن جھة أخرى فإن الھدر أو االستخدام المفرط لمواد البناء أثناء تنفيذ المشروع يتسبب في تكاليف إضافية ويقود في نفس الوقت إلى تلويث البيئة بھذه المخلفات التي تنطوي على نسب غير قليلة من المواد السمية والكيميائية الضارة. وھكذا فإن الحلول والمعالجات البيئية التي تقدمھا العمارة المستديمة تقود في نفس الوقت لتحقيق فوائد اقتصادية ال حصر لھا على مستوى الفرد والمجتمع. وحسب تستھلك حوالي االستھالك بحوالي بعض التقديرات فإن مجال العمارة وصناعات البناء على مستوى العالم (%40) 3) من إجمالي المواد األولية Materials) (Raw ويقدر ھذا مليار) طن سنويا. ففي الواليات المتحدة األمريكية تستھلك المباني وحدھا (%65) من إجمالي االستھالك الكلي للطاقة بجميع أنواعھا وتتسبب في (%30) 271 من إنبعاثات البيت الزجاجي. ويشير المعماري جيمس واينز Wines) (James في كتابه "العمارة الخضراء" أن المباني تستھلك س دس إمدادات الماء العذب في العالم وربع إنتاج الخشب وخ مسين الوقود والمواد المصنعة. وفي نفس الوقت تنتج نصف غازات البيت الزجاجي الضارة ويضيف بأن مساحة البيئة المشيدة environment) (built في العالم ستتضاعف خالل فترة وجيزة جدا تتراوح بين سنة قادمة وھذه الحقائق تجعل من عمليات إنشاء وتشغيل المباني العمرانية واحدة من أكثر الصناعات استھالكا للطاقة والموارد في العالم. إلى _ التصميم المستدام والعمارة الخضراء متاح على :
150 كما أن التلوث الناتج عن عدم كفاءة المباني والمخلفات الصادرة عنھا ھي في األصل ناتجة عن التصميم السيئ للمباني فالملوثات والمخلفات التي تلحق أضرارا كبيرة بالبيئة ليست سوى نواتج عرضية (by-products) لطريقة تصميم مبانينا وتشييدھا وتشغيلھا وصيانتھا وعندما تصبح األنظمة الحيوية (bio-systems) غير صحية نتيجة لھذه الملوثات فإن ذلك يعني وجود بيئة غير آمنة للمستخدمين. فالتكلفة العالية للطاقة والمخاوف البيئية والقلق العام حول ظاھرة "المباني المريضة" المقترنة بالمباني الصندوقية المغلقة في فترة السبعينات جميعھا ساعدت على إحداث قفزة البداية لحركة العمارة المستديمة. لذلك فالمؤيدون للعمارة المستديمة يراھنون على المنافع والفوائد الكثيرة لھذا االتجاه. ففي حالة مبنى إداري كبير على سبيل المثال - فأن إدماج أساليب التصميم المستديم Techniques) (Sustainable Design والتقنيات الذكية Technology) (Clever في المبنى ال يعمل فقط على خفض استھالك الطاقة وتقليل األثر البيئي ولكنه أيضا يقلل من تكاليف اإلنشاء وتكاليف الصيانة ويخلق بيئة عمل سارة ومريحة ويحس ن من صحة المستخدمين ويرفع من معدالت إنتاجيتھم كما أنه يقلل من المسئولية القانونية التي قد تنشأ بسبب أمرض المباني ويرفع من قيمة ملكية المبنى وعائدات اإليجار. وھكذا فإن تيار االستدامة في قطاع البناء يعمل على توفير تكاليف الطاقة على المدى الطويل ففي مسح ميداني أجري على 99 مبنى من المباني المستديمة في الواليات المتحدة وجد أنھا تستھلك طاقة أقل بنسبة %30 مقارنة مع المباني التقليدية المماثلة. لذا فإن أي تكاليف إضافية يتم دفعھا في مرحلتي التصميم والبناء يمكن استعادتھا بسرعة. وبالمقارنة بذلك فإن اإلفراط في النظرة التقليدية لمحاولة تقليل تكاليف البناء األولية يمكن 272 أن يؤدي إلى مواد مھدرة وفواتير طاقة أعلى بصورة مستمرة. ولكن فوائد المباني المستديمة ليست مقصورة فقط على الجوانب البيئية واالقتصادية المباشرة فاستعمال ضوء النھار الطبيعي في عمارات المكاتب على سبيل المثال باإلضافة إلى أنه يقلل من تكاليف الطاقة التشغيلية فھو أيضا يجعل العاملين أكثر إنتاجا فقد وجدت الدراسة التي أجراھا المتخصصان في علم النفس البيئي بجامعة ميتشيغان "راكال 272 _ التصميم المستدام والعمارة الخضراء متاح على:
151 وستيفن كابلن" Kaplan" "Rachel and Stephen أن الموظفين الذين تتوفر لھم إطاللة على مناطق طبيعية من مكاتبھم أظھروا رضى أكبر تجاه العمل وكانوا أقل وتعرضھم لألمراض كان أقل. كما أن إحدى الشركات العاملة في مجال إجھادا الفضاء Martin) (Lockheed تبين لھا أن نسبة الغياب ھبطت بنسبة (%15) بعد أن قامت بنقل (2500 موظف) إلى مبنى مستديم م نشأ حديثا في كاليفورنيا والمردود االقتصادي لھذه الزيادة في معدل اإلنتاجية المبنى خالل عام واحد فقط. ع وض المبالغ اإلضافية التي أنفقت أثناء تشييد وعلى نفس المنوال فإن استعمال ضوء النھار الطبيعي في مراكز التسوق يؤدي إلى رفع حجم المبيعات فالمجموعة االستشارية المتخصصة في تقنيات المباني ذات الكفاءة في الطاقة Mahone) (Heschong ومقرھا كاليفورنيا وجدت أن المبيعات كانت أعلى بنسبة (%40) في المخازن التسويقية التي تمت إضاءتھا من خالل فتحات السقف (Skylights) وقد وجدت المجموعة أيضا أن أداء الطالب في قاعات 273 الدرس المضاءة طبيعيا أفضل بنسبة %20. كما أن حماس اليوم للعمارة والمباني المستديمة له أصوله المرتبطة بأزمة الطاقة في السبعينات فقد بدأ المعماريون آنذاك يفكرون ويتساءلون عن الحكمة من وجود مباني صندوقية محاطة بالزجاج والفوالذ وتتطلب تدفئة ھائلة وأنظمة تبريد مكلفة ومن ھناك تعالت أصوات المعماريين المتحمسين الذين اقترحوا العمارة األكثر كفاءة في استھالك الطاقة ومنھم: وليام ماكدونو بروس فول وروبرت فوكس من الواليات المتحدة توماس ھيرزوج من ألمانيا نورمان فوستر وريتشارد روجرز من بريطانيا. ھؤالء المعماريون أصحاب الفكر التقدمي بدأوا باستكشاف وبلورة التصاميم المعمارية التي ركزت على التأثير البيئي طويل المدى أثناء تشغيل وصيانة المباني وكانوا ينظرون لما ھو أبعد من ھم التكاليف األولية Costs) (Initial للبناء. ھذه النظرة ومنذ ذلك الحين تأصلت في بعض أنظمة تقييم المباني مثل معيار (BREEAM) الذي تم تطبيقه في بريطانيا في العام 1990 م. ومعايير رئاسة الطاقة والتصميم البيئي (LEED) في الواليات المتحدة األمريكية ل وھي اختصار وھذا (Leadership in Energy and Environmental Design) المعيار األخير تم تطويره من طرف المجلس األمريكي للبناء األخضر (USGBC) وتم 273 _ التصميم المستدام والعمارة الخضراء متاح على:
152 البدء بتطبيقه في العام 2000 م. واآلن يتم منح شھادة (LEED) للمشاريع المتميزة في تطبيقات العمارة المستديمة الخضراء في الواليات المتحدة األمريكية. إن معايير (LEED) تھدف إلى إنتاج بيئة مشيدة أكثر خضرة ومباني ذات أداء اقتصادي أفضل وھذه المعايير التي يتم تزويد المعماريين والمھندسين والمطورين والمستثمرين بھا تتكون من قائمة بسيطة من المعايير المستخدمة في الحكم على مدى التزام المبنى بضوابط االستدامة ووفقا لھذه المعايير يتم منح نقاط للمبنى في جوانب مختلفة فكفاءة استھالك الطاقة في المبنى تمنح في حدود (17 نقطة) وكفاءة استخدام المياه تمنح في حدود (5 نقاط) في حين تصل نقاط جودة وسالمة البيئة الداخلية في المبنى إلى حدود (15 نقطة) أما النقاط اإلضافية فيمكن اكتسابھا عند إضافة مزايا محددة للمبنى مثل: مولدات الطاقة المتجددة أو أنظمة مراقبة غاز ثاني أكسيد الكربون. وبعد تقدير النقاط لكل جانب من قبل اللجنة المعنية يتم حساب مجموع النقاط الذي يعكس تقدير (LEED) وتصنيفھا للمبنى المقصود فالمبنى الذي يحقق مجموع نقاط يبلغ (39 نقطة) يحصل على تصنيف (ذھبي) وھذا التصنيف يعني أن المبنى يخفض التأثيرات على البيئة بنسبة (%50) على األقل مقارنة بمبنى تقليدي مماثل له أما المبنى الذي يحقق مجموع نقاط يبلغ (52 نقطة) فيحوز على تصنيف (بالتيني) وھذا التصنيف يعني أن المبنى يحقق خفض في التأثيرات البيئية بنسبة (%70) 274 على األقل مقارنة بمبنى تقليدي مماثل. لذلك فالعمارة المستديمة أو باألحرى العمران المستديم يتبنى فكرة أن اإلنسان ھو محور االرتباط بين البيئة االقتصاد-االجتماع ألن تأثيرات األنشطة اإلنسانية على البيئة لھا أبعاد اقتصادية واجتماعية واضحة والعنصر المتلقي للضرر في النھاية ھو اإلنسان فمثال استھالك الطاقة الذي يتسبب في ارتفاع فاتورة الكھرباء له ارتباط وثيق بظاھرة المباني المريضة Buildings) (Sick التي تنشأ من االعتماد بشكل أكبر على أجھزة التكييف االصطناعية عكس ما كانت عليه مدننا القديمة التي تعتمد على التھوية الطبيعية والتكييف الطبيعي. 2_ األبعاد المحورية لالتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم: 274 _ التصميم المستدام والعمارة الخضراء متاح على :
153 لم تعد قضية البيئة في القطاع العمراني مجرد فكر كمالي أو مجرد دعوة يناقشھا المختصون في ندواتھم أو مؤتمراتھم الدورية وإنما أصبحت البيئة مطلبا مھما من الضروري التفاعل معه واالستجابة لمتطلباته. وصناعة المعرفة_ ھذا الموضوع الذي بات يشكل _ھو 275 اإلطار لتقدم وحضارة اإلنسان في القرن القادم. وھذا ھو المعنى الذي أشار إليه "أالن موغار" رئيس المركز العلمي والتقني للعمارة في فرنسا عندما قال: "إن التنمية البيئية وصناعة المعرفة ھما اللتان ستشكالن طبيعة وھيكل مستقبلنا". بل إن ھناك اتجاھا عالميا متزايدا يؤكد أن الھم البيئي ستكون له األولوية والحضور في تكنولوجيا المستقبل وصناعته. الناس وحسب الدراسة التي أجرتھا مؤسسة ففي الواليات المتحدة األمريكية نجد أن %91 من "جالوب" يدعمون فكرة المزيد من االستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والطاقة المنتجة من الرياح 276 وذلك على حساب الخيارات األخرى في التعامل مع مشكلة الطلب المتزايد على الطاقة. وفي الخطة التي قدمھا وزير الطاقة األمريكي "سبنسر" للسنوات العشرين القادمة والتي أسماھا "الخريطة التكنولوجية لھيكل المباني" ھناك تأكيد على توجه الحكومة الفيدرالية والمحلية وبالتعاون مع القطاع الخاص على دعم البحوث والصناعات التي 277 تجعل من بيوت المستقبل أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وأكثر مسالمة لبيئتنا الطبيعية وبعد مخاضات طويلة وصعبة لحل إشكالية التوفيق بين متطلبات التنمية وضرورة المحافظة على البيئة وسالمتھا جاءت فكرة التنمية المستديمة _كما رأينا في الفصل السابق_ ثم تعزز حضور وتقبل ھذا المفھوم على الساحة العالمية وأصبح محور المخططات المستقبلية واألساس لتغيير الكثير من القوانين والتشريعات المحلية والعالمية والتي تمس من دون استثناء كل القطاعات التنموية. ومن ھنا جاءت الدعوة لصناعة 278 خضراء وھندسة خضراء وعمارة خضراء وحتى ثقافة خضراء. _ ھاشم عبد الصالح: العمران والبيئة_ ضرورة البحث عن طرق لتفعيل الموض وع البيئ ي ف ي التنمي ة العمراني ة مجلة عالم الفكر العدد 3 المجلد 32 الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب مارس 2004 ص _ Green Building News, May 2001, "American Favor Conservation Over Production" available at: /news /2001/ 05.html/. 277 _ Green Building News, May 2001, "USDOE Announces Project to map Future of Building" available at: /news /2001/ 05.html/. 278 _ ھاشم عبد الصالح: العمران والبيئة_ ضرورة البحث عن طرق لتفعيل الموضوع البيئي في التنمية العمراني ة مرجع سابق ص
154 عام ولما كانت التنمية المستديمة ال تستثني أي قطاع تنموي أو نشاط بشري _ألنھا في الحقيقة تدعو إلى تطور اإلنسان من خالل استخدام حكيم وعادل للموارد الطبيعية_ فمن الضروري أن تكون لھذا المفھوم مساحة واسعة من التأثير والتفاعل في القطاع العمراني لما لھذا القطاع من دور كبير في العملية التنموية وما له من تأثير ملموس وواسع في البيئة المحيطة باإلنسان. وھذا ما دعا إليه إعالن شيكاغو الذي صدر عن االجتماع الثامن عشر لإلتحاد العالمي للمعماريين الذي عقد في مدينة شيكاغو في الواليات المتحدة األمريكية في ھذا اإلعالن وضع التنمية البيئية واالجتماعية محورا رئيسيا في الممارسة المعمارية وطلب من معماريي العالم أن يطوروا ممارساتھم وآلياتھم لجعلھا تنسجم 279 ومتطلبات ھذا النوع من التنمية. لبيئته المحيطة _ لذلك يتوجب على المعماري أن يكون شاعرا ومدركا للظروف الدائمة والمتغيرة اإلقليمية والعولمية_ بمكوناتھا الثالثة: طبيعية ايكولوجية كانت أم عضوية أم مشيدة. كما أن عليه أن يكون واعيا بمدى تحكم كل منھا في األخرى باإليجاب أو السلب وما ھو مفروض عليه احترامه منھا كعوامل ثابتة مستقرة. وعليه في ھذه الحالة أن يؤكدھا بالبيئة العمرانية والمعمارية التي ي نشئھا وأال يكون سببا في اإلخالل بالتوازن البيئي الطبيعي والثقافي الذي ھو مرتبط تمام االرتباط بما يشكله في القرى والمدن والصحاري وعلى شواطئ البحار واألنھار وما قد يسببه من إضرار باالتزان المادي والنفسي للمتلقي. وبذلك يلزم أن تكون المحافظة على البيئة محددا لفكرة وطريقة تعامله مع ما يحيط بالمبنى إليجاد الرابطة بين العمل المعماري والعمراني والبيئة المحيطة ولتحقيق االنسجام والتوافق بين العمل المعماري والعمراني والنسيج البيئي المحيط وذلك من مفھوم المواءمة 280."Appropriateness" وعليه فالعمران المستديم ي حتم على المعماري بأن يأخذ في اعتباره منظومة التوافق بين البيئة والعمران وعناصر التجانس الوظيفي والجمالي بينھما. 281 مع البيئة في ثالثة محاور رئيسية وھي: فالقطاع العمراني يتشابك 279 _ المرجع نفسه ص _ علي رأفت: العمارة البيئية الخضراء والتنمية العمرانية مجل ة ع الم الفك ر الع دد 4 المجل د 34 الكوي ت: المجل س الوطني للثقافة والفنون واآلداب 2006 ص _ ھاشم عبد الصالح: العمران والبيئة_ ضرورة البحث عن طرق لتفعيل الموضوع البيئي ف ي التنمي ة العمراني ة مرجع سابق ص 93.
155 المحور األول: تعديل البيئة المحيطة إليجاد بيئة خاصة باإلنسان. المحور الثاني: وتشغيلھا وصيانتھا. استخدام الموارد المتاحة الطبيعية والمصنعة إلنتاج ھذه البيئة المصنعة المحور الثالث: التخلص من النفايات واالنبعاثات المصاحبة لعملية اإلنتاج والتشغيل والصيانة. وحركة كل محور من ھذه المحاور يجب أن تجري في إطار من القواعد يجعل من موضوع البيئة وسالمتھا فرصة لتطوير القطاع العمراني وجعله مستديما. ففي المحور األول يجب أن يأتي التعديل في البيئة المحيطة إليجاد بيئة داخلية أفضل لإلنسان بحيث يكون ھذا التعديل بأقل قدر ممكن من الضرر للبيئة ومنسجما مع متطلباتھا المادية أما والجمالية. المحور الثاني فعنده يجب أن ينصب االھتمام على استخدام حكيم للموارد غير المتجددة وكذلك ضرورة االعتماد أو االستفادة بأقصى قدر ممكن من المصادر الطبيعية المتجددة. أما المحور الثالث فيجب أن تأتي استجابة القطاع العمراني في إطار ما يطرحه من مخلفات وانبعاثات متماشية مع إمكان البيئة من ھواء وماء وتربة لتقبل المخلفات العمرانية وعلى كافة مراحل وعمر المشروع وفي إطار ھذا المحور ھناك حاجة للعمل والسعي جديا للوصول إلى مرحلة تنعدم فيھا المخلفات والمنبعثات بكل أنواعھا وإن وجدت فھي بأقل قدر ممكن مع إتاحة إمكان إعادة استخدامھا وتدويرھا في العملية العمرانية. ھذه القواعد التي من خاللھا يمكن لھذه المحاور الرئيسية الثالثة أن تتحرك 282 يمكن تقديمھا باعتبارھا القواعد الرئيسية للتنمية العمرانية المستديمة والقابلة لالستمرار. ومنذ تزايد اإلحساس في القطاع العمراني بضرورة التجاوب والتفاعل مع مفھوم التنمية المستديمة وتحمل المسؤولية في ظل ھذا التوجه العالمي الجديد باعتباره قطاعا تنمويا مھما كانت ھناك محاوالت لصياغة ووضع جملة من القواعد وتقديمھا على أنھا القواعد الرئيسية لمفھوم التنمية العمرانية المستديمة (العمران المستديم). ففي دراسة للدكتور "شارلز كيبرت" Kibert" "Charles من مركز العمران والبيئة بجامعة فلوريدا والمقدمة أمام المؤتمر العالمي األول عن القطاع العمراني والتنمية المستديمة الذي عقد عام 1994 ذكر ھذا الباحث ستة قواعد أساسية للتنمية العمرانية المستديمة _ ھاشم عبد الصالح: العمران والبيئة_ ضرورة البحث عن طرق لتفعيل الموض وع البيئ ي ف ي التنمي ة العمراني ة مرجع سابق ص
156 (العمران المستديم) ھذه القواعد التي أشار إليھا الباحث ھي: الترشيد إعادة االستخدام االعتماد على المصادر المتجددة أوال ومن ثم المصادر ذات المخلفات القابلة إلعادة التصنيع والتدوير حماية ما حولنا من نظم بيئية تجنب المواد الضارة صحيا وأخيرا االھتمام بجودة البيئة التي توفرھا ھذه 283 الم نشأة العمرانية. ومن مجمل ما سابق وفي ظل ھذه الطروحات العمرانية المستديمة يمكن أن نستوحي األبعاد المحورية لالتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم ووضعھا في قالبھا السوسيولوجي فيما يلي: _ 1_ بعد الحماية: تعتبر الحماية من اآلثار المترتبة على ممارسة النشاط العمراني إحدى الركائز المھمة للعمران المستديم واليوم لم تعد حماية البيئة مقتصرة فقط في جانبھا السلبي على معالجة ما يلحق البيئة من ضرر وإنما تتجاوز ذلك إلى الحماية اإليجابية المتمثلة في مبادرة اإلنسان في جعل نشاطه التنموي معززا للبيئة ونظمھا وھذا المفھوم ھو الذي تنشده التنمية العمرانية المستديمة وتعتبره إحدى الركائز المھمة في مسيرتھا. وتندرج تحت ھذا المحور االتجاھات البيئية التالية: االتجاه نحو حماية البيئة من التلوث: ويعني االتجاه نحو حماية الھواء من التلوث االتجاه نحو حماية التربة من التلوث واالتجاه نحو حماية المصادر المائية من التلوث. _ االتجاه نحو حماية البيئة من االستنزاف: ويضم االتجاه نحو حماية الثروة النباتية من االستنزاف االتجاه نحو حماية التربة من االنجراف واالتجاه نحو حماية الرقعة الزراعية من االنحسار. 2_ بعد الترشيد: ما دام المنتج المعماري ھو في الحقيقة عملية إشباع لمجموعة من الحاجات المتأصلة في نفس اإلنسان فإننا ومن أجل تنمية عمرانية مستديمة مطالبون باالستجابة المعقولة والحكيمة لھذه الحاجات ومن دون إسراف. والترشيد ال يعني أبدا أننا ننقص من راحة اإلنسان أو محاولة التضييق عليه وإنما الترشيد في األساس ھو محاولة لتأسيس بيئة فكرية وعملية تسعى دوما للوصول إلى الحل األفضل الحل الذي يعطينا أفضل ما نريد في مقابل تفكير أكثر وموارد مادية أقل. وتنضوي تحت ھذا المحور االتجاھات البيئية اآلتية: 283 _Charles J. Kibert: Establishing Principles And Model For Sustainable Construction, Proceeding The First International Conference of CIB 16,November, 1994, P 6_9.
157 _ االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد البيئية المتجددة: ويتضمن االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد المائية االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد النباتية واالتجاه نحو ترشيد استخدام موارد األرض (الرمال واألتربة). (الخشب ومشتقاته) _ االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد البيئية غير المتجددة: ويضم االتجاه نحو ترشيد استخدام الوقود األحفوري (الفحم والبترول والغاز الطبيعي ومشتقاتھا) االتجاه نحو ترشيد استخدام المواد المعدنية الكھربائية. (الحديد والنحاس وغيرھا) واالتجاه نحو ترشيد استخدام الطاقة 3_ بعد الجودة: ونعني بھا الجودة فيما يقدمه المنتج المعماري من بيئة داخلية وخارجية _ تعني االرتقاء بحياة اإلنسان وھذا من أھم ما تسعى إليه فكرة العمران المستديم. إن المنتج المعماري الذي ال يملك نصيبا معقوال من الجودة في تصميمه ومواده ونظمه فإنه في العادة قد يكون عمره قصيرا لعدم استخدامه لقصوره في تلبية حاجات المستفيد بالكفاءة المطلوبة أو لعلو كلفة تشغيله وصيانته وعندھا نضطر إلى إحداث الكثير من التعديالت واإلضافات الجذرية أمال في تحسينه وفي كلتا الحالين ھناك ھدر وضياع للكثير من الطاقات والموارد الطبيعية التي استھلكت لتصميم ذلك المنتج المعماري وصناعته. وتأتي تحت ھذا المحور االتجاھات البيئية التالية: االتجاه نحو االھتمام بجودة البيئة الداخلية للمنشأة العمرانية: ويعني االتجاه نحو الطابع الجمالي للبيئة الداخلية االتجاه نحو توظيف المساحات الخضراء في البيئة الداخلية واالتجاه نحو صحة البيئة الداخلية. _ االتجاه نحو االھتمام بجودة البيئة الخارجية للمنشأة العمرانية: ويتضمن االتجاه نحو الطابع الجمالي للبيئة الخارجية االتجاه نحو توظيف المساحات الخضراء في البيئة الخارجية واالتجاه نحو صحة البيئة الخارجية للمنشأة العمرانية. 4_ بعد الكفاءة: ھناك دائما خيارات متعددة وطرق متنوعة وعدد ال محدود من األساليب إلشباع حاجاتنا الوظيفية والجمالية المطلوبة في المنتج المعماري والمطلوب ھو اختيار األفضل واألكمل من بين ما ھو موجود. إن الكفاءة تعني ھنا حسن االختيار أو اإلدارة الفعالة لعملية االختيار واتخاذ القرار. ھذا الحسن في االختيار واإلدارة الفعالة يتطلبان من بين عدة أشياء قاعدة واسعة من المعلومات ومناھج متطورة لعمليات التقييم والمقارنة.
158 ويتضمن ھذا المحور االتجاھات البيئية التالية: _ االتجاه نحو الكفاءة في استخدام الموارد غير الدائمة للطاقة في المنشأة العمرانية: ويعني االتجاه نحو الكفاءة في استھالك الطاقة الكھربائية االتجاه نحو الكفاءة في استخدام المواد ذات المخلفات القابلة إلعادة التصنيع والتدوير واالتجاه نحو الكفاءة في استخدام المواد األولية الطبيعية في البيئة المحيطة. _ االتجاه نحو الكفاءة في استخدام الموارد الدائمة للطاقة في المنشأة العمرانية: ويضم االتجاه نحو الكفاءة في استھالك المياه االتجاه نحو الكفاءة في استخدام الطاقة الشمسية واالتجاه نحو الكفاءة في استخدام الطاقة المنتجة من الرياح. 5_ بعد الديمومة: إن المنتج المعماري يستھلك الكثير من طاقات اإلنسان وكما ھائال من المواد الطبيعية ولذلك فال بد لھذا المنتج أن يصمم ويصنع بكيفية تمكنه من البقاء طويال. وال يعني ھذا البقاء ثبات وجوده كما ھو وإنما استمرارية وبقاء عناصره األساسية وقابليته الستيعاب عناصر وإضافات جديدة تعكس ارتقاء معرفة اإلنسان وتطور نظم حياته. وحتى ال نضطر إلى ھدر الكثير من طاقات اإلنسان وتحميل البيئة الكثير من األعباء الجديدة. وتتبع ھذا المحور االتجاھات البيئية اآلتية: _ االتجاه نحو ديمومة المنشأة العمرانية وعناصرھا األساسية: ويعني االتجاه نحو ديمومة مقاومتھا للمؤ ثرات المناخية االتجاه نحو ديمومة متانة وصالبة مواد البناء واالتجاه نحو ديمومة عناصرھا مع تغير ظروف البيئة المحيطة. _ االتجاه نحو ديمومة استيعاب المنشأة العمرانية لعناصر وإضافات جديدة تعكس ارتقاء معرفة اإلنسان وتطور نظم حياته: ويضم االتجاه نحو ديمومة تقبلھا ألعمال الصيانة االتجاه نحو ديمومة تقبلھا إلضافات جديدة تعكس تطور نظم حياة اإلنسان واالتجاه نحو ديمومة تقبلھا لتعديالت جديدة دون اللجوء لعملية الھدم.
159 رابعا: المعماري بين حاجة اإلنسان للعمارة والمحافظة على البيئة في ظل العمران المستديم: إن اإلنسان كمخلوق بشري تتجاذبه قوتان المحدودية الناتجة من النقص المتأصل في طبيعته وكينونته البشرية واألخرى الرغبة والدافع الفطري لتجاوز ھذا النقص من أجل تعزيز وجوده وديمومة بقائه. والمحصلة النھائية لھذا التجاذب ھي التي تحدد مقدار حركة اإلنسان إما تكامال ورقيا وإما تراجعا وانحطاطا. وما يحدد ھذا وذاك ھو مقدار ما يستثمره اإلنسان مما أودعه من قدرات عقلية وبدنية إلشباع حاجاته ومتطلباته المادية والمعنوية. ومن ھنا كانت األھمية التساع المعرفة واطرادھا وتنامي المھارات البدنية 284 وتنوعھا باعتبارھا ضرورة لتكامل اإلنسان في وجوده وبقائه. وفي ھذا اإلطار تأتي حاجة اإلنسان إلى ملجأ كمطلب وحاجة أساسية ال بد أن يسعى إلى إشباعھا إذا ما أراد لوجوده البقاء واالستمرار. ومن ھنا مارس اإلنسان العمارة منذ القدم ليقوم بتصنيع منتجات عمرانية لتشكل له ذلك الملجأ الذي يحميه ويقيه من الفضاء المفتوح بكل ما يحويه من ظروف قاسية ومتقلبة وانعدام في األمن وغياب في الخصوصية. وھذا يعني أن ما أراده اإلنسان ھو إيجاد أو تصنيع بيئة خاصة به يجد فيھا خصوصيته ويحقق من خاللھا الكثير من مقومات بقائه. وما كان بمقدور اإلنسان أن يمارس ھذا اإلبداع والتصنيع لو لم تقف الطبيعة إلى جانبه من خالل تسخير ما تحويه من إمكانات وما تختزنه من مصادر طاقة ) ضوء وحرارة ورياح وغيرھا). ومواد أولية من (ماء وحجر وخشب وغيرھا). 284 _ ھاشم عبد الصالح: العمران والبيئة_ ضرورة البحث عن طرق لتفعيل الموضوع البيئي ف ي التنمي ة العمراني ة مرجع سابق ص 87.
160 وھذه الحاجة المتأصلة عند اإلنسان للملجأ دخلت في تفاعل متبادل مع تطور فكر اإلنسان واتساع نشاطاته وعندھا أصبح لإلنسان أكثر من ملجأ واحد يأوي إليه فھناك المسكن أو البيت وھناك محل عمله وھناك ملجأ آخر ليتعلم فيه وآخر ليتعبد فيه وھناك أماكن أخرى أوجدھا اإلنسان ليمارس فيھا العديد من نشاطاته االجتماعية والترفيھية المتنوعة. فمن بناء المساكن والمدارس والمستشفيات والمصانع إلى إنشاء الطرق والجسور ونظم الخدمات التي يستعملھا الناس جميعا كلھا مستلزمات ضرورية لتھيئة البيئة المناسبة لمعيشة اإلنسان وتطوره. ھذه األھمية الكبيرة التي تحظى بھا صناعة التشييد والبناء تؤكدھا األرقام الكبيرة والمتنامية لألموال التي تصرفھا دول العالم على المشاريع العمرانية أو ما يسمى بالبنية األساسية وحجم العمالة التي ي سند إليھا تنفيذ ھذه المشاريع والقيام بأعمالھا. فمثال بلغ إجمالي األموال المصروفة على المشاريع العمرانية في الواليات المتحدة األمريكية سنة 1989 أكثر من 400 مليار دوالر وھو ما يعادل %8 من الناتج القومي اإلجمالي في ذلك العام. أما في المملكة العربية السعودية فقد بلغت حصة مشاريع التشييد والبناء واإلنفاق 285 الحكومي وفي خالل سنة واحدة (1984) ما يقارب 130 بليون. ومع كل ھذا تبقى عملية أو تصنيع البيئة المناسبة واألفضل لإلنسان تبعا لطبيعة نشاطه ھي المحور واألساس لھذا اإلبداع والتصنيع. وھذا التطوير المستمر في إنتاج وتحسين البيئة العمرانية لتواكب تنوع نشاطات اإلنسان المتجددة انتھى باإلنسان في وقتنا الحاضر إلى أن يقضي أفضل %90 ولكن يبقى السؤال المطروح وھو: 286 من يومه العادي في بيئة داخلية مصنعة. ھل كان النجاح دوما حليف اإلنسان إلنتاج بيئة والجواب بالتأكيد أن ھناك الكثير من النجاح والكثير من اإلبداع في إشباع ھذه الحاجة األساسية ولكن مازالت ھناك مساحات واسعة تنتظر من اإلنسان وبفعل تطور معارفه المزيد من اھتمامه من اجل تطويرھا سعيا إلى بيئة أفضل لإلنسان حاضرا ومستقبال. ولعل أغلب المساحات المقصود تطويرھا ھنا ھي موجودة داخل اإلنسان وليس _ ھاشم عبد الصالح: العمران والبيئة_ ضرورة البحث عن طرق لتفعيل الموض وع البيئ ي ف ي التنمي ة العمراني ة مرجع سابق ص _ المرجع نفسه ص
161 في خارجه وما نعنيه بالضبط ھو استجابة اإلنسان المتوازنة لحاجاته ومتطلباته وإلى حد ما رغباته. اإلنسان مطالب بالتوازن في حركة استجابته لحاجته المتأصلة إلى العمران ألن كل شيء من حولنا يسير وفق توازنات دقيقة وخروج اإلنسان عن ھذه التوازنات أو المكابرة عليھا يجلب لإلنسان الكثير من المشاكل التي قد تعيق تطوره وتكامله. وھناك الكثير من األمثلة في ھذا المجال والتي ينبغي النظر إليھا على أنھا مؤشرات لما وقعنا فيه من استجابات خاطئة لحاجاتنا ورغباتنا في تطوير منشآتنا العمرانية. فنجد أن منظمة حماية البيئة األمريكية (EPA) تشير إلى أن مشكلة جودة الھواء في منشآتنا العمرانية ھي من المشاكل البيئية األھم في وقتنا الحاضر. وھناك دراسات تقدر التكلفة الصحية المباشرة لھذه المشكلة في الواليات المتحدة األمريكية بحدود 30 بليون دوالر ويصل ھذا الرقم إلى 100 بليون دوالر إذا أخذنا في االعتبار فاقد اإلنتاجية بسبب اآلثار الصحية السلبية لھذه 287 المشكلة. وإذا أخذنا ھذه المشكلة في بعدھا العالمي ففي عام العالمية بأن ھناك مابين 1984 قدرت منظمة الصحة 10_%30 من المباني الموجودة في العالم ھي مبان مريضة حسب 288 المقاييس الصحية المعتمدة وھذه النسبة نفسھا للناس الذين يمرضون بسبب ھذه المباني. ھذا وباإلضافة إلى أن للمشاريع العمرانية تكلفة بيئية عالية ففي الواليات المتحدة األمريكية يتبين أن ھذا القطاع يستھلك في حدود الطاقة المنتجة ھو في حدود نتائجھا إلى أن %30 من المواد األولية وأن نصيبه من %42. وفي دراسة أخرى أجريت في المملكة المتحدة خلصت %56 من الطاقة تذھب إلى القطاع العمراني بنشاطاته المتعددة وبكل 289 مراحله من تصنيع للمواد اإلنشائية ونقلھا ومن ثم مرحلة التشييد والتشغيل والصيانة. ھذه المساحة المھمة والمتسعة لقطاع البناء والتشييد في حياتنا ومسيرتنا التنموية تتطلب من األطراف والدوائر الفاعلة والمھتمة بھذا القطاع أن تستجيب بحساسية أكبر للھموم البيئية وأن تسعى إلى تبني وتطوير نظم وسياسات وطرق تفكير ومناھج تحقق درجة عالية من االنسجام بين حاجاتنا التنموية ومستلزماتھا الضرورية وبين متطلبات السالمة والحماية للبيئة من حولنا بأبعادھا المتنوعة المباشرة وغير المباشرة والمعاصرة _ ھاشم عبد الصالح: العمران والبيئة_ ضرورة البحث عن طرق لتفعيل الموض وع البيئ ي ف ي التنمي ة العمراني ة مرجع سابق ص _ المرجع نفسه ص _ المرجع نفسه ص
162 والقادمة مستقبال. إن المطلوب ھنا ليس إجراء تغييرات جزئية وإضافات شكلية في طرق التصميم وأساليب البناء وما إليه من أمور وتفصيالت ثانوية بل يجب أن نعيد النظر جذريا في األطر التي تالمس رؤانا ومناھجنا ونظمنا ونحن نتعامل مع حاجة اإلنسان المتأصلة إلى العمران. وھنا يأتي دور المھندس المعماري الذي على يديه _ولما يملكه من قدر كبير من التأثير_ تأخذ فكرة المشروع ب عدھا الوظيفي ودورتھا االقتصادية وتأثيراتھا البيئية. إن المھندس المعماري مطالب باالرتقاء بالممارسة المعمارية بشقيھا التصميمي والتنفيذي إلى 290 حالة من التوافق واالنسجام مع متطلبات البيئة. صحيح أن الحاجة إلى البيئة المصنعة ھي التي أدخلت العمران كنشاط وممارسة في حياة اإلنسان ومن ثم أخذ ھذا النشاط يتطور بفعل تفاعله مع تطور اإلنسان وتطور حاجاته ولكن تبقى ھناك صورة رئيسية لھذه الحاجة يتعين عل المعماري إشباعھا وھو يمارس العمارة أال وھي التناغم واالنسجام مع البيئة الطبيعية. في البداية كان اإلنسان ي عبر عن ھذه الحاجات وي برزھا بصورة فطرية من خالل تصنيعه بنفسه ما يريد من منتجات معمارية من قبيل المسكن والمعبد وغيرھما. ومن ثم وبعد تراكم الخبرة اإلنسانية واكتساب بعض جوانب المعرفة بدأت الممارسة المعمارية تحتاج إلى أفراد يشاركون ذلك اإلنسان في التخطيط والتصميم واإلعداد لما ھو مطلوب من منتجات عمرانية ومن ثم ينفردون _إلى حد كبير_ في مرحلة التصنيع. ولما كان ھناك بطء في عملية التصنيع ومحدودية في تطور المعرفة كانت مساحة التأثير للمتلقي كبيرة وباتساع الممارسة المعمارية وتطور أشكالھا بدأ تراجع دور المتلقي لحساب المعماري المصنع الذي أصبح له النصيب األكبر في التفكير والرؤية وإلى حد ما اإلنفراد في التصنيع ومن ثم واستجابة لتطور اإلنسان نحو التخصصية انفصلت عملية التصنيع عما يسبقھا من تفكير وتصميم والتي أنيطت مسؤولياتھا للمعماري بصفته المفكر والمبدع وت ركت عملية التصنيع للحرفيين. وبدخول اإلنسان عصر المعرفة والتكنولوجيا استجدت حقول معرفية جعلت من صناعة البناء أكثر اتساعا وأبعد تطورا وأصبح من الضروري اإللمام بھا من قبل المعماري حتى يتسنى له إنتاج ما يواكب ما وصل إليه اإلنسان من تطور ورقي. وبازدياد _ ھاشم عبد الصالح: العمران والبيئة_ ضرورة البحث عن طرق لتفعيل الموض وع البيئ ي ف ي التنمي ة العمراني ة مرجع سابق ص
163 ھذا التطور تجزأت صناعة البناء إلى مجموعة من العلوم مما أدى بالمعماري أن يعمل برفقة المھندس اإلنشائي والكھربائي والصحي وغيرھم من ذوي التخصصات المختلفة. ومع كل ھذا بقيت الريادة وقيادة الفريق للمعماري باعتباره الطرف الذي تقع عليه مسؤولية الخروج بفكرة المبنى أو المشروع وتحديد أبعاده التصميمية وعلى الباقين مساعدته في ترجمة ھذه األفكار كل حسب وظيفته وتخصصه. من خالل ما سبق يتبين أن المنتج المعماري المعماري ھنا بحاجة إلى معرفة ما يريد المستفيد من مع األخذ باالعتبار اإلمكانات والموارد المتاحة. ومن ثم يأتي دور المعماري لتحديد عناصر المشروع أو المنتج المعماري من خالل استجابة عقالنية لحاجات المستفيد التي تم االتفاق عليھا من خالل المثاقفة فيما بينھما مع ضرورة المحافظة على البيئة التي يتكئ عليھا المعماري فيما يحتاج من مواد وموارد تمكنه من تحويل مشروعه أو منتجه من فكرة وتصور إلى واقع وحقيقة ملموسة. وعليه فال بد من بناء منظومة من القيم واالتجاھات البيئية اإليجابية التي تجعل للبيئة والمحافظة عليھا مساحة واسعة في فكر وممارسة المعماري وفي ظل ھذه المعرفة التي تتحرك في فضاء من القيم اإليجابية يتمكن المعماري من الخروج بأنظمة معمارية تخدم 291 حاجة اإلنسان وتستجيب في الوقت نفسه لمتطلبات البيئة من حوله. وإجماال فإن دور المعماري ھام في عملية حماية البيئة بالموقع المراد عمرانه إذ أن مقياس نجاح العمران في ظل التنمية المستديمة ھو مقدار جودة الشكل النھائي الذي يجمع البنيان والموارد الطبيعية والظروف الثقافية بمعنى آخر فنجاح العمران معماريا يكون بتحويله المتداد طبيعي للمكان بروحه وأشكاله المختلفة. وتتطلب عملية المحافظة على الخصائص المميزة لموقع ما تفھما عميقا للنظام البيئي القائم وإدراكا للعالقة بين الموارد البيئية المختلفة المختلفة وبصفة أدق امتالك اتجاھات بيئية مستديمة. أوال_ مجاالت الدراسة: 1_ المجال المكاني: 291 _ ھاشم عبد الصالح: العمران والبيئة_ ضرورة البحث عن طرق لتفعي ل الموض وع البيئ ي ف ي التنمي ة العمراني ة مرجع سابق ص 90.
164 ي قصد به المجتمع الذي يختاره الباحث إلجراء الدراسة الميدانية. ويتوقف اختيار الباحث لمجتمع بحثه على طبيعة المشكلة موضوع الدراسة من جانب وعلى تحديده 292 لمفاھيم بحثه والمؤشرات التي اعتمد عليھا في تعريفاته اإلجرائية التي ينطلق منھا. وبما أن دراسة موضوع االتجاھات البيئية يحتاج إلى دراسة وصفية لعدد كبير من األفراد باختالف ثقافاتھم والمحيط االجتماعي الذي يعيشون فيه ومثل ھذه الدراسة تحتاج إلى جھود كبيرة من حيث الوقت والجھد وإلى فرق بحثية للوصول إلى نتائج دقيقة تختلف باختالف األفراد من حيث (الجنس والسن والمستوى الثقافي واالجتماعي واالقتصادي...الخ) وھذا ما يزيد من صعوبة الدراسة واتساعھا. ولھذا ارتأينا أن يكون ميدان الدراسة ھو الجامعة حيث تمثل الجامعة صرحا فكريا يحمل في طياته العديد من المتغيرات العلمية والتكنولوجية واالجتماعية فھو يحرص على إمداد الطالب بجميع المستويات العلمية بمختلف طبعوھا. كما أن الجامعة ميدان الدراسة تتمتع بوجود العديد من التخصصات وتحتوي على طلبة من مختلف البيئات والثقافات والطبقات االجتماعية والمستويات العلمية باإلضافة إلى أن ھذا االختيار يسھل علينا االتصال بأفراد العينة. وعليه ففي دراستنا ھذه الموسومة ب: "االتجاھات البيئية للطلبة في ظل طروحات العمران المستديم" ووفقا للتعريف اإلجرائي الذي وضعه الباحث يصبح مجتمع البحث إحدى كليات الھندسة المعمارية بالجامعة وقد انصب اختيارنا على كلية الھندسة المعمارية بجامعة محمد خيضر بسكرة. 2_ المجال البشري: ي عرف مجتمع البحث على أنه جميع المفردات أو الوحدات التي تتوافر فيھا الخصائص المطلوب دراستھا وعادة ما يعرف مجتمع البحث باسم إطار مجتمع البحث الذي يشمل جميع أسماء وعناوين مفردات مجتمع البحث. ولذلك يجب على الباحث أن يحدد مجتمع بحثه تحديدا دقيقا 293 تبعا للموضوع المحدد بدقة في عنوان الدراسة أو البحث. _ س عيد ناص ف: محاض رات ف ي تص ميم البح وث االجتماعي ة وتنفي ذھا نم اذج لدراس ات وبح وث ميداني ة الق اھرة: مكتبة زھراء الشرق 1997 ص _ عل ي غرب ي: أبج ديات المنھجي ة ف ي كتاب ة الرس ائل الجامعي ة قس نطينة: دي وان المطبوع ات الجامعي ة المطبع ة الجھوية بقسنطينة 2006 ص
165 وعليه يشير المجال البشري إلى تحديد وحدات المجتمع األصلي للدراسة والمتمثل في ھذه الدراسة في العدد الكلي لطلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة المسجلين للعام الدراسي 2010/2009 حيث بلغ عددھم لھذا العام( 1037 ) طالب وطالبة موزعين على النحو اآلتي: الجدول رقم (01): يبين توزيع أفراد مجتمع الدراسة توز سنوات التدرج الجامعي يع الط لبة أفرا د مج تمع الدر ا أل و ل ى ا ل ث ا ن ي ة ا ل ث ا ل ث ة ال ر ا ب ع ة ال خا م س ة الم جم وع الن سبة الم ئو ية اسة نظا % م كال سي كي نظا % 26 4 / / / م L. M. D 10 0 % الم ج مو
166 ع 3_ المجال الزمني: ويقصد به الفترة الزمنية التي استغرقھا البحث بدءا من اختيار المشكلة وإعداد خطة البحث فتحرير الجانب النظري ثم الدخول في الجانب الميداني بتحديد اإلجراءات والخطوات المنھجية وإعداد أدوات البحث واختيار عينة الدراسة وصوال إلى جمع البيانات 294 الميدانية وتحليلھا وكتابة التقرير النھائي للبحث. بمرحلتين: وبما أن الدراسة الحالية تضم شقين أحدھما نظري واآلخر ميداني لذلك نجدھا مرت *المرحلة األولى: والتي تم فيھا إعداد الجانب النظري وقد استغرقت فترة زمنية معتبرة من جانفي أھمھا: 2009 م إلى غاية فيفري 2010 م وھذه الفترة الطويلة نسبيا ترجع إلى عدة أسباب _ ميل ورغبة الباحث في العمل الجدي والطموح مما يتطلب فترة زمنية طويلة. _ أن البحث يتسم بالجدة والحداثة لذلك كانت المراجع حوله قليلة حتى أن الباحث أثناء فترة تربصه في مدينة دمشق من المراجع ذات العالقة بموضوع الدراسة. (المعروفة بمكاتبھا التي تعج بالمراجع) لم يجد إال عددا قليال جدا _ تعديل الباحث لموضوع بحثه عدة مرات بسبب شح المراجع. _ سعي الباحث وراء إيجاد توليفة صحيحة لموضوع دراسته بحيث تتناسب ومدركات مجتمع الدراسة خاصة وأن موضوع الدراسة يتسم بالجدة والحداثة. جانفي وقد مرت ھذه المرحلة على النحو التالي: 2009 م إلى جوان حيث خصص الباحث الفترة الممتدة من 2009 م لجمع كل ما توفر من مصادر ومراجع متعلقة بموضوع الدراسة ووضع ملخصات لھا وتعديل إشكالية وخطة الدراسة في ضوء ذلك وكلما طرأ 294 _ سعيد ناصف: محاضرات في تصميم البحوث االجتماعية وتنفيذھا نماذج لدراسات وبحوث ميدانية مرجع سابق ص 41.
167 جديد يستدعي ذلك. أما الفترة الثانية والتي دامت من جوان 2009 م إلى فيفري 2010 م فقد خصصھا الباحث لكتابة وتحرير الفصول األربعة للجانب النظري. *المرحلة الثانية: والتي تم فيھا الجانب الميداني من الدراسة والذي استغرق فترة دامت من فيفري 2010 م إلى أكتوبر 2010 م. وقد مرت ھذه المرحلة على النحو التالي: حيث بدأھا الباحث بمرحلة استطالعية تمھيدية وتحضيرية لعملية التطبيق وقد استغرقت فترة امتدت من فيفري 2010 م إلى ماي 2010 م وكانت بمثابة الخطوة األولى التي من خاللھا تمكن الباحث من اإلحاطة بأبعاد المشكلة المراد دراستھا ميدانيا والبدء في جمع المعلومات المتعلقة بمجتمع الدراسة حيث تم خاللھا تعرف الباحث عن قرب على أفراد العينة أي خصائص عينة الدراسة مما ساعده على بناء أداة الدراسة المتمثلة في استمارة استبيان حول االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم لدى طلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة وبعد بناء االستمارة قام الباحث بتعديلھا عدة مرات لكي تتناسب تماما مع موضوع الدراسة من جھة ومع خصائص أفراد عينة الدراسة من جھة أخرى وذلك بناء على توصيات المحكمين وآراء وانطباعات بعض أفراد مجتمع الدراسة لتصبح بعد ذلك جاھزة للتطبيق. بعد أن أصبحت االستمارة في شكلھا النھائي جاءت مرحلة التطبيق بالنسبة للباحث والتي امتدت من ماي 2010 م إلى أكتوبر 2010 م. وقد استھلھا بتوزيع االستمارة على عينة الدراسة المحددة للحصول على المعلومات والبيانات المطلوبة واستغرقت عملية توزيع االستمارة مدة أسبوع من 04 ماي 2010 م إلى 12 ماي 2010 م. بعدھا قام الباحث بجمع نسخ االستمارة التي تم توزيعھا على أفراد العينة ثم انكب بعد ذلك على عمله المكتبي لتفريغ المعطيات في صورة كمية تسمح بإجراء مختلف التحليالت اإلحصائية الالزمة في الدراسة من أجل بلوغ أھدافھا التي بنيت عليھا.
168 ثانيا_ المنھج المتبع في الدراسة: لم يعد األساس في التقدم العلمي الحصول على كم معرفي أكثر إنما األساس ھو الوسيلة التي تمكننا من الحصول على ھذا الكم واستثماره في أقصر وقت ممكن وبأبسط الجھود. والوسيلة في ذلك ھي المنھج العلمي بكل معطياته. ولذلك يعرف المنھج بأنه عبارة عن مجموعة العمليات والخطوات التي يتبعھا الباحث بغية تحقيق أھداف بحثه. وبالتالي فالمنھج ضروري للبحث إذ ھو الذي ينير 295 الطريق ويساعد الباحث في ضبط أبعاد مساعي أسئلة وفرضيات البحث. وعموما فإن للمنھج معنيين أحدھما واسع واآلخر ضيق. فمن حيث المعنى الواسع تشير كلمة منھج إلى مجموعة األطر واإلجراءات والخطوات التي يضعھا الباحث عن دراسته لمشكلة بحثية معينة أما من حيث المعنى الضيق للمنھج في العلوم االجتماعية فإنه ينحصر في اإلجابة على التساؤل اإلشكالية إلى 296 سوف تجرى الدراسة جانب سؤال مؤداه: على م ن م ن البشر _ رشيد زرواتي: ت دريبات عل ى منھجي ة البح ث العلم ي ف ي العل وم االجتماعي ة ط 3 قس نطينة: دي وان المطبوع ات الجامعية_المطبعة الجھوية بقسنطينة 2008 ص _ علي غربي: أبجديات المنھجية في كتابة الرسائل الجامعية مرجع سابق ص
169 فالمنھج سبيل كل باحث ألجل الوصول إلى نتائج الموضوع المراد دراسته واإلجابة على أسئلته ويتم ذلك بإتباع خطوات تؤدي إلى الحقيقة التي نريد الوصول إليھا. وتختلف مناھج البحث بناءا على طبيعة وميدان المشكلة موضوع البحث فقد يصلح المنھج التجريبي في دراسة مشكلة ما ال يصلح فيھا المنھج التاريخي أو دراسة الحالة وھكذا دواليك إذ كثيرا ما تفرض مشكلة البحث المنھج الذي يستخدمه الباحث وأية محاولة من الباحث إلتباع منھج على ھواه ال يتالءم مع طبيعة الموضوع تعتبر خطأ فادحا يسيء إلى الباحث وال يتوصل إلى نتائج دقيقة كما أن اختالف المنھج ال يرجع فقط إلى طبيعة وميدان المشكلة بل أيضا إلى إمكانيات البحث المتاحة فقد يصلح أكثر من منھج في دراسة بحثية معينة ومع ذلك تساھم الظروف المتاحة أو القائمة في تحديد نوع المنھج الذي يختاره 297 الباحث. وانطالقا من طبيعة الموضوع والھدف األساسي منه كان المنھج الوصفي ھو المنھج األساسي في ھذه الدراسة والذي يمكن من خالله تحقيق أھداف البحث ومن ثمة اإلجابة على تساؤالت الدراسة كما أنه يعد السبيل لوصف الظاھرة موضوع الدراسة وتحليلھا وتفسيرھا وتقويمھا للوصول إلى األھداف التي بنيت عليھا. وألنه يأخذ بالمنحى اإلحصائي في وصف الظواھر المدروسة فيمكن من خالله الكشف عن درجات األفراد على مقياس االتجاھات البيئية فضال عن إمكانية الكشف عن داللة الفروق إحصائيا بين درجات األفراد في استجاباتھم على فقرات المقياس والسن. تبعا لجملة من المتغيرات أھمھا الجنس لذلك يعرف المنھج الوصفي بأنه عبارة عن طريقة لوصف الموضوع المراد دراسته من خالل منھجية علمية صحيحة وتصوير النتائج التي يتم التوصل إليھا على أشكال رقمية 298 معبرة يمكن تفسيرھا. أو كما يعرف بأنه طريقة لوصف الظاھرة وتصويرھا كميا وكيفيا وذلك عن طريق جمع المعلومات النظرية والبيانات الميدانية عن المشكلة موضوع 299 البحث ثم تصنيفھا وتحليلھا والوصول إلى النتيجة. _ المرجع نفسه ص 73_ _ عبي دات محم د وآخ رون: منھجي ة البح ث العلم ي القواع د والمراح ل عم ان_األردن: دار وائ ل للنش ر 1999 ص _ محمد شفيق: البحث العلمي_الخطوات المنھجية إلعداد البحوث االجتماعية اإلسكندرية: المكتب الجامعي الحديث 1985 ص
170 أضف أن ھذه الدراسة تعتبر من الدراسات التحليلية التي تستھدف التعرف على االتجاھات البيئية لمجتمع الدراسة المتمثل في طلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة وأھم المحددات والعوامل المؤثرة سلبا أو إيجابا في مستوى اتجاھاتھم البيئية. ولھذا الغرض اعتمد الباحث في ھذه الدراسة المنھج الوصفي أو كما يسمى عادة المنھج الوصفي التحليلي. فقد ورد في بعض تعاريف المنھج الوصفي بأنه أسلوب من أساليب التحليل الذي يعتمد على معلومات كافية ودقيقة عن ظاھرة أو موضوع محدد من خالل فترة أو فترات زمنية معلومة وذلك من أجل الحصول على نتائج علمية وتفسيرھا بطريقة موضوعية بما 300 ينسجم مع المعطيات الفعلية للظاھرة. وباإلجمال فالمنھج الوصفي ھو طريقة علمية منظمة لوصف الظاھرة عن طريق جمع وتصنيف وترتيب وعرض وتحليل وتفسير وتعليل وتركيب للمعطيات النظرية والبيانات الميدانية بغية الوصول إلى نتائج علمية توظف في السياسات االجتماعية بھدف 301 إصالح مختلف األوضاع المجتمعية. باإلضافة إلى ما سبق وبغض النظر عن كون المنھج الوصفي من المناھج المتداولة والمستعملة بشكل واسع من طرف الباحثين. فقد اعتمدناه أيضا في ھذه الدراسة لكونه يعد األكثر كفاءة في كشف حقيقة الظاھرة وإبراز حقائقھا فالمنھج الوصفي يقوم بدراسة 302 الظاھرة كما توجد في الواقع ووصفھا وصفا دقيقا والتعبير عنھا كيفيا وكميا. كما استخدم الباحث المنھج الوصفي حيث يتميز ھذا المنھج بأنه ينصب على الواقع المراد دراسته بھدف الكشف على األوضاع القائمة المتصلة بموضوع الدراسة وذلك بمحاولة التعمق فيھا وبالتالي فھو أنسب الطرق التي تؤدي إلى جمع وتحليل البيانات من خالل مقابالت مقننة أو من خالل استبيانات وذلك بغرض الحصول على معلومات من 303 أعداد كبيرة من المبحوثين تمثل مجتمعا معينا. وانطالقا مما تقدم تم تطبيق المنھج الوصفي وفقا للخطوات التالية: 300 _ علي غربي: أبجديات المنھجية في كتابة الرسائل الجامعية مرجع سابق ص _ رشيد زروات ي: من اھج وأدوات البح ث العلم ي ف ي العل وم االجتماعي ة الجزائ ر_ع ين مليل ة: دار الھ دى للطباع ة والنشر والتوزيع 2007 ص _ عم ار بوح وش ومحم ود ال ذنيبات: من اھج البح ث العلم ي وط رق إع داد البح وث الجزائ ر: دي وان المطبوع ات الجامعية 1995 ص _ الجوھري محمد محمود: طرق البحث االجتماعي القاھرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع 1985 ص 115.
171 *المرحلة األولى: وقد تم خاللھا جمع المعلومات النظرية التي لھا عالقة بموضوع البحث بعدھا تم مناقشة ذوي االختصاص ومحاولة االستفادة من خبراتھم حول المعطيات النظرية األكثر تالؤما مع موضوع الدراسة. *المرحلة الثانية: الدراسة. *المرحلة الثالثة: ممثلة لمجتمع البحث. *المرحلة الرابعة: االستمارة. *المرحلة الخامسة: وتفسيرھا. *المرحلة السادسة: واقتراحات. وھي مرحلة الوصف الدقيق وقد شملت تحديد وصياغة تساؤالت تحديد مجتمع البحث وتعيين خصائصه ومميزاته: وذلك الختيار اختيار األدوات المنھجية المناسبة لدراسة مشكلة البحث: وھي تحديد المؤشرات المرتبطة بموضوع البحث ومحاولة تحليلھا تحليل البيانات وتفسيرھا والخروج باستنتاجات ثم توصيات عينة
172 ثالثا_ عينة الدراسة وكيفية اختيارھا: العينة ھي جزء من مجتمع الدراسة الذي تجمع منه البيانات الميدانية. وھي تعتبر جزءا من الكل بمعنى أنه تؤخذ مجموعة من أفراد المجتمع على أن تكون ممثلة للمجتمع لتجرى عليھا الدراسة. فالعينة إذن ھي جزء معين أو نسبة معينة من أفراد المجتمع 304 األصلي ثم تعمم نتائج الدراسة على المجتمع كله. إن طريقة المعاينة (العينة) تفرض نفسھا كأسلوب لجمع البيانات عندما يكون الباحث غير قادر على إجراء دراسته على جميع مفردات مجتمع البحث حيث يلجأ عندھا إلى 305 اختيار عينة يجري عليھا الدراسة. ونحن بصدد ھذا البحث لدينا مجتمع الدراسة ھم طلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة المسجلين للسنة الدراسية 2010/2009 أما عينة الدراسة من ھذا المجتمع فقد تمثلت في طلبة المرحلة النھائية (السنة الخامسة) بكلية الھندسة المعمارية اختيروا بطريقة العينة القصدية والسبب في اقتصار ھذه الدراسة على ھذه العينة دون طالب المراحل األخرى المھنية ) األولى الثانية الثالثة والرابعة (طالب مھندس) ( ھو أن طالب السنة الخامسة أقرب إلى الحياة ومن ثم مرت بھم تجارب وخبرات علمية وسلوكية خالل السنوات األولى والثانية والثالثة والرابعة. لذا يمكن من خاللھم الحكم على االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية. وكذلك الستحالة دراسة المجتمع كله وبھدف حصر الدراسة في عدد قليل نسبيا يمكن الباحث من جمع عدد أكبر من البيانات وأكثر تفصيال. وھذا ما تؤكده كتب المنھجية _ رشيد زرواتي: مناھج وأدوات البحث العلمي في العلوم االجتماعية مرجع سابق 2007 ص 334. _ علي غربي: أبجديات المنھجية في كتابة الرسائل الجامعية مرجع سابق ص
173 1 إذ تشير إلى أن أسلوب البحث بالعينة يستخدم عندما ال يمكن للباحث القيام بأسلوب المسح 306 االجتماعي أي عند استحالة دراسة جميع أفراد المجتمع لظرف من الظروف. كيفية اختيار العينة: تم اختيار عينة البحث بإتباع أسلوب العينة الغرضية أو القصدية. وھي بناء على اسمھا تخضع الختيار مقصود تبعا لطبيعة الموضوع وأھداف البحث إذ تتشكل مفردات العينة ممن تتوفر فيھم الشروط المحددة مسبقا ولھذا فإن أي اختيار عشوائي من مجتمع البحث قد ينتقي مفردات ال تحمل أية مواصفات يتطلبھا البحث فيضيع الوقت وتتأثر 307 النتائج. 2 ويشير بعض الباحثين في منھجية البحث العلمي في العلوم االجتماعية إلى أن العينة 308 الغرضية ت ستخدم عموما في الدراسات االستطالعية التي تتطلب القياس. ودراستنا ھذه تھدف إلى قياس االتجاھات البيئية لدى طلبة الھندسة المعمارية الغرضية تناسبھا أكثر وتفي بغرض البحث. مما يعني أن العينة حيث أن الباحث يلجأ إلى ھذه الطريقة ) العينة المقصودة أو الغرضية ( وفقا لتقديره بأن الحاالت التي يختارھا تفي بغرض البحث. حجم العينة: 309 ولذلك تعتبر عينة غرضية أو مقصودة. بصفة عامة فإن اختيار نوع العينة وحجمھا يتوقف بالدرجة األولى على ظروف كل 310 بحث على حدة وإذا أردنا التحديد نقول أن حجم العينة يخضع لالعتبارات التالية : أ_ أھداف الدراسة من وجھة نظر المستفيد منھا. ب- مستوى الدقة اإلحصائية المطلوبة. ج_ أخطاء غير المعاينة: وھي تلك األخطاء التي تحدث وتتزايد كلما كبر حجم العينة فالباحث يفضل زيادة حجم العينة تجنبا ألخطاء المعاينة فيقع بدال من ذلك في أخطاء غير المعاينة. وتتمثل أخطاء غير المعاينة مثال في عدم استجابة بعض مفردات العينة أو عدم _ رشيد زرواتي: تدريبات على منھجية البحث العلمي في العلوم االجتماعية مرجع سابق ص _ علي غربي: أبجديات المنھجية في كتابة الرسائل الجامعية مرجع سابق ص _ رشيد زرواتي: تدريبات على منھجية البحث العلمي في العلوم االجتماعية مرجع سابق ص _ سعيد ناصف: محاضرات في تصميم البحوث االجتماعية وتنفيذھا نماذج لدراسات وبحوث ميدانية مرجع سابق ص _ علي غربي: أبجديات المنھجية في كتابة الرسائل الجامعية مرجع سابق ص 135_
174 مالئمة االستمارة أو خطأ تفريغ وتحليل البيانات وغيرھا من األخطاء التي يحتمل وقوعھا أكثر وتؤثر على نتائج الدراسة مع كبر الحجم. د_ وقت البحث. ه_ تكلفة البحث. و_ خطة تجميع البيانات. ز_ خطة تحليل البيانات. وعلى ھذا األساس تم اختيارنا لعينة الدراسة واضعين بعين االعتبار النقاط السابقة. وقد بلغ أفراد العينة المدروسة (104) طالب وطالبة من العدد اإلجمالي ألفراد مجتمع الدراسة أي طلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة والذين يبلغ عددھم (1037) طالب وطالبة وتم الوصول لھذا العدد بعد تطبيق االستبيان على جميع أفراد العينة القصدية وھم طلبة السنة الخامسة والمقدر عددھم ب (127) فرد وبعد تصحيح االستبيان الحظنا أن بعضھا ناقصة اإلجابة من حيث بنود االستبيان أو البيانات األخرى ولھذا تم استبعادھا وبلغ عددھا (23) استبيان وبھذا أصبح حجم العينة (104) بنسبة (%10.02). 3 خصائص عينة الدراسة: لقد جاء اختيارنا لعينة الدراسة وفقا لما يلي: _ اختيارھا بطريقة العينة القصدية (الغرضية) حيث انحصرت في طلبة المرحلة النھائية (سنة خامسة) الذين تلقوا تكوينا علميا أكاديميا معتبرا يسمح لھم ويؤھلھم ليكونوا عينة جيدة للدراسة. _ شمولھا لطلبة ينتمون إلى خلفيات اجتماعية متفاوتة ومناطق إقامة مختلفة. _ أفراد العينة من جنس مختلف (ذكور إناث) و أعمار مختلفة. وسوف نتعرض ببعض من التفصيل إلى العينة حسب بعض خصائصھا. 1-3 توزيع العينة حسب الجنس: تضم العينة الطلبة من الجنسين (ذكور وإناث) وكان توزيعھا حسب ھذه الخاصية كما في الجدول التالي:
175 الجدول رقم( 02 ): يبين توزيع أفراد العينة حسب الجنس. الجنس ذكور إناث المجموع العدد النسبة المئوية %56.73 %43.27 %100 يتضح لنا من خالل الجدول أن عدد الذكور متقارب إلى حد ما مع عدد اإلناث أي (59) ذكور بنسبة (%56.73) مقابل (45) إناث بنسبة (%43.27) وھذا التوزيع يجعل العينة ممثلة لكال الجنسين في المجتمع الكلي طلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة- إلى حد ما. 2-3 توزيع العينة حسب السن: العينة تضم طلبة من أعمار مختلفة وقد ارتأينا توزيعھا حسب ھذه الخاصية على ثالث فئات عمرية كالتالي: الجدول رقم( 03): يبين توزيع أفراد العينة حسب السن. السن المجموع العدد النسبة المئوية %52.88 %38.46 %08.65 %100
176 يتضح لنا من الجدول أن أعلى نسبة من أفراد العينة ھم الذين تتراوح أعمارھم بين (23-21) سنة كانت بنسبة (%52.88) ثم تليھا الفئة( ) سنة بنسبة (%38.46) أما الفئة (29-27) سنة كانت بنسبة( %08.65 ). رابعا_ أدوات جمع البيانات: إن استعمال منھج معين في أي بحث يستلزم على الباحث االستعانة بأدوات ووسائل مساعدة ومناسبة تمكنه من الوصول إلى المعلومات الالزمة لبحثه والتي يستطيع 311 بواسطتھا معرفة واقع وميدان دراسته. ويقصد باألداة الوسيلة التي تستخدم في البحث بغرض جمع البيانات والمعلومات 312 الالزمة وعلى ذلك فإن مفھوم األداة يرتبط باإلجابة على سؤال يبدأ بكلمة استفھام ومن المسلم به أن نجاح البحث في تحقيق أھدافه يتوقف على االختيار الرشيد ألنسب األدوات المالئمة للحصول على البيانات والجھد الذي يبذله الباحث في تمحيص ھذه 313 األدوات وتنقيحھا وجعلھا على أعلى مستوى من الكفاءة. وتعد االستمارة من أھم األدوات المنھجية أو ھي اإلجراء األكثر تجزئة في مراحل البحث العلمي الميداني أين يصل البحث إلى أقصى دقائقه لتبدأ بعد ذلك مرحلة التركيب وتستعمل االستمارة لجمع المعلومات من المبحوثين بواسطة أسئلة مكتوبة يقدمھا الباحث بنفسه أو بواسطة البريد أو يطبقھا مع المبحوثين (وبخاصة في حالة ما إذا كان مجتمع البحث أميا). ومھما كانت تسمية ھذه األداة: استبيان أو استقصاء أو استيبار فإن أسئلة االستمارة تكون منصبة حول معرفة اتجاھات ونوايا ودوافع مفردات مجتمع الدراسة حول 314 موضوع معين. وتستخدم االستمارة لجمع البيانات الميدانية وتعرف بأنھا نموذج يضم مجموعة أسئلة توجه إلى األفراد من أجل الحصول على معلومات حول موضوع أو مشكلة أو موقف ويتم تنفيذ االستمارة إما عن طريق المقابلة الشخصية أو عن طريق 315 البريد. _ ربحي مصطفى عليان عثمان محمد غنيم: مناھج وأساليب البحث العلمي: النظرية والتطبيق عم ان_األردن: دار الصفاء للنشر والتوزيع 2000 ص _ حسن عبد الباسط: أصول البحث االجتماعي القاھرة: دار الفكر العربي 1978 ص _ عبد العال عبد الحليم رضا: البحث في الخدمة االجتماعية القاھرة: دار الثقافة للطباعة والنشر 1988 ص _ علي غربي: أبجديات المنھجية في كتابة الرسائل الجامعية مرجع سابق ص _ محمد علي محمد: علم االجتماع والمنھج العلمي القاھرة: دار المعرفة الجامعية 1980 ص
177 وعلى الرغم من أن االستبيان كأداة لجمع البيانات يمكن استخدامه في كل من البحوث االستطالعية والوصفية والتجريبية إال أنه أكثر استخداما ومالئمة للبحوث الوصفية وبخاصة فيما يطلق عليه المسوح االجتماعية. وذلك ألن المسح االجتماعي يتطلب الحصول على بيانات عن وقائع محددة من عدد كبير نسبيا من األشخاص ال يستطيع الباحث مقابلتھم أو االنتقال إليھم لما يتطلبه ذلك من جھد ووقت وتكاليف كثيرة. ووفقا لطبيعة المشكلة موضوع الدراسة فإن الباحث قد يستخدم االستبيان كأداة وحيدة لجمع البيانات وقد يستخدمه كأداة مساعدة إلى جانب أدوات بحثية أخرى كالمالحظة أو المقابلة 316 أو التحليالت اإلحصائية. وعليه فقد قام الباحث في ھذه الدراسة باستخدام استمارة استبيان لمعرفة االتجاھات البيئية لدى طالب الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة. وقد فضل الباحث استخدام ھذه الوسيلة لألسباب اآلتية: _ يعطى االستبيان للمبحوثين الفرصة الكافية لإلجابة على األسئلة بدقة. _ يعطي االستبيان للمبحوثين الفرصة لإلجابة على األسئلة بصراحة وموضوعية قد ال تتحقق في غيرھا من األدوات. _ يعد االستبيان أداة منظمة ومضبوطة لجمع البيانات من الميدان. _ يتميز االستبيان بالمرونة وإمكانية شرح ما قد يكون غامضا على المبحوثين. _ ال يحتاج االستبيان إلى عدد كبير من جامعي البيانات نظرا ألن اإلجابة على األسئلة تعتمد فقط على المبحوث. وبغرض جمع المعلومات المتعلقة باالتجاھات البيئية للطلبة في ظل طروحات العمران المستديم قام الباحث ببناء أداة تتمثل في استبيان اشتمل على محورين : المحور األول يخص البيانات الشخصية ألفراد عينة الدراسة: (العمر). النوع االجتماعي (الجنس) والسن أما المحور الثاني فقد تمثل في مقياس لالتجاھات البيئية يتألف من ثالثين (30) عبارة موزعة بالتساوي على األبعاد المحورية الخمسة لالتجاھات البيئية في ظل طروحات _ سعيد ناصف: محاضرات في تصميم البحوث االجتماعية وتنفيذھا نماذج لدراسات وبحوث ميدانية مرجع سابق ص 77. أنظر الملحق رقم (01). 316
178 العمران المستديم والتي تم استعراضھا في الجانب النظري للدراسة وقد ارتأينا أن يكون االستبيان مغلقا وفقا ألسلوب ليكرت (likert) ذو التدرج الخماسي حيث يطلب فيھا من الفرد أن يعبر عن درجة اتجاھه في العبارات التي يتضمنھا المقياس والذي يحمل ميزان متدرج من حيث الموافقة الشديدة أو المعارضة وتأخذ كل استجابة منھا درجة معينة وفقا لخمسة بدائل ھي( أوافق بشدة أوافق غير متأكد ال أوافق ال أوافق بشدة ( تحمل أوزانا ھي ( ) وتحسب الدرجات بالترتيب التنازلي للعبارات الموجبة والعكس بالنسبة للعبارات السالبة. وما يبرر ھذا التوجه أي اعتماد الباحث أسلوب ليكرت التدريجي عوامل عديد لعل أبرزھا ھو أن أسلوب ليكرت يعد أكثر األساليب شيوعا واستخداما في قياس االتجاھات كما أنه أقل تكلفة وجھدا ووقتا مقارنة بغيره من األساليب وألنه أسلوب يأخذ بمبدأ التدريج فھو عامل مساعد آخر للباحث للتمييز بين االتجاھات التي يحملھا طلبة الھندسة المعمارية نحو البيئة. باإلضافة إلى أنه يعد شكال من أشكال االستبيان المغلق المحدد الصياغة بالنسبة لفقراته مما يسھل عملية تصحيحه ويعتبر من بين أحسن أدوات جمع البيانات كما يسھل اإلجابة على المبحوثين بحيث يعطي نوعا من الحرية للمفحوص في اإلجابة على فقراته دون التكتم على ما يريد ولھذا فإن أداة الدراسة تسمح بالحصول على نتائج تعتبر استجابات فعلية لكل المبحوثين. اتجاھه 317 بالنسبة لكل عبارة. وما يميز ھذه الطريقة أيضا أنھا تتيح للفرد أن يعبر عن ونظرا لما ألفراد عينة الدراسة ) طلبة الھندسة المعمارية ( من دور مھم ومحوري في عالقة اإلنسان بالبيئة وما يتوقع منھم من تولي وظائفھم كمھندسين معماريين في المستقبل فإن توفير أداة تتمتع بمعامالت صدق وثبات عالية تقيس اتجاھاتھم البيئية ضرورية جدا قبل التعامل مع ھذه االتجاھات في المستقبل. تصبح وعليه فقد سعى الباحث إلى بناء مثل ھذه األداة في ھذه الدراسة مستفيدا من توجيھات المختصين وتوصيات مصممي أدوات قياس االتجاھات بحيث يجب أن يعكس مقياس االتجاھات مايلي: 317 _ مجدي احمد محمد عبد : السلوك االجتماعي و دينامياته القاھرة: دار المعرفة الجامعية 1996 ص 77.
179 *الطبيعة الشخصية لالتجاھات: من خالل صياغة فقرات تتمركز حول الذات ) Ego (centeric items وھي الفقرات التي تعبر عن مشاعر الفرد وعواطفه نحو موضوع االتجاه. وذلك من خالل صياغة فقرات تصف سلوكا يرغب فيه الطالب (المبحوث) أو يتجنبه أو يقوم به فعال. *األثر االجتماعي: من خالل صياغة فقرات تتمركز حول الجماعة (social centered items) بحيث تصور أفكار الفرد (المبحوث) بما يتوقعه من سلوك اآلخرين أو تصف شعوره اتجاه ممارسة يقوم بھا اآلخرون. *االتساق :(consistency) من خالل صياغة فقرات تتمركز على الفعل ) action ( centered Items وھي الفقرات التي تصف سلوك الفرد في المواقف الفعلية ذات 318 االرتباط بموضوع االتجاه. أي تصف شعور طالب الھندسة المعمارية لما يجب أن تكون عليه الممارسة المعمارية. ولما كان البحث الحالي يتطلب تحديد مستوى أفراد عينة الدراسة في مقياس االتجاھات البيئية ونظرا لعدم توافر أية أداة محلية أو أجنبية تقيس االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم فقد كان لزاما على الباحث إعداد اختبار ليقيس الغرض المطلوب. وعليه فقد تم إعداد مقياس االتجاھات البيئية الذي يتفق وأغراض البحث الحالي في ضوء ما تم التوصل إليه من أبعاد محورية لالتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم وفق عدة مراحل يمكن حصرھا فيما يلي: _1 إعداد وصياغة فقرات االستبيان. 2_ صدق االستبيان. 3_ صياغة تعليمة االستبيان. 4_ تطبيق االستبيان. وفيما يلي شرح للمراحل السابقة يوضح كيفية إجراء كل مرحلة على حدا: 1_ إعداد وصياغة فقرات االستبيان: أحمد عبد المجيد الصمادي وعبد العزيز السرطاوي: تك وين مقي اس اتجاھ ات ط الب الجامع ة نح و المع اقين مجل ة العلوم االجتماعية المجلد 24 العدد 2 الكويت: مجلس النشر العلمي- جامعة الكويت صيف 1996 ص 217_218.
180 يعتبر توفير فقرات االستبيان من أھم الخطوات الالزمة في بنائه ولھذا قام الباحث بإعداد وصياغة مفردات المقياس لتمثل األبعاد أو المحاور الخمسة للمقياس والتي حددت لتمثل االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم. ومن أجل ذلك تم إتباع الخطوات التالية في بناء مفردات المقياس: _ تحديد المحاور ذات العالقة باالتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم. _ تجزئة ھذه المحاور إلى أخرى فرعية. _ تجزئة المحاور الفرعية إلى أخرى أكثر تفرعا بحيث تأخذ صيغة إجرائية. _ صياغة مجموعة من األسئلة (البنود) التي تقيس االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم وأبعاده الخمسة بحيث ر وعي أن تكون ھذه البنود في الصورة األولية كافية وشاملة وممثلة ألبعاد المقياس بحيث تغطي كل الفروع التفصيلية اإلجرائية المتوصل إليھا والتي يمكن بيانھا فيما يلي: البعد األول: االتجاه نحو حماية البيئة من التلوث واالستنزاف: وتندرج تحت ھذا المحور االتجاھات البيئية التالية: أ_ االتجاه نحو حماية البيئة من التلوث: ويضم *االتجاه نحو حماية الھواء من التلوث *االتجاه نحو حماية التربة من التلوث *االتجاه نحو حماية المصادر المائية من التلوث ب_ االتجاه نحو حماية البيئة من االستنزاف: ويضم *االتجاه نحو حماية الثروة النباتية من االستنزاف *االتجاه نحو حماية التربة من االنجراف *االتجاه نحو حماية الرقعة الزراعية من االنحسار البعد الثاني: االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد البيئية المتجددة وغير المتجددة: وتنضوي تحت ھذا المحور االتجاھات البيئية اآلتية: أ_ االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد البيئية المتجددة: *االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد المائية ويضم
181 *االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد النباتية (الخشب ومشتقاته) *االتجاه نحو ترشيد استخدام موارد األرض (الرمال واألتربة) ب_ االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد البيئية غير المتجددة: ويضم *االتجاه نحو ترشيد استخدام الوقود األحفوري (الفحم والبترول والغاز الطبيعي ومشتقاتھا) *االتجاه نحو ترشيد استخدام الموارد المعدنية (الحديد والنحاس وغيرھا) *االتجاه نحو ترشيد استخدام الطاقة الكھربائية. البعد الثالث: االتجاه نحو االھتمام بجودة البيئة الداخلية والخارجية للمنشأة العمرانية: وتأتي تحت ھذا المحور االتجاھات البيئية التالية: أ_ االتجاه نحو االھتمام بجودة البيئة الداخلية للمنشأة العمرانية: ويضم *االتجاه نحو الطابع الجمالي للبيئة الداخلية *االتجاه نحو توظيف المساحات الخضراء في البيئة الداخلية *االتجاه نحو صحة البيئة الداخلية ب_ االتجاه نحو االھتمام بجودة البيئة الخارجية للمنشأة العمرانية: ويضم *االتجاه نحو الطابع الجمالي للبيئة الخارجية *االتجاه نحو توظيف المساحات الخضراء في البيئة الخارجية *االتجاه نحو صحة البيئة الخارجية البعد الرابع: االتجاه نحو الكفاءة في استخدام الموارد الدائمة وغير الدائمة للطاقة في المنشأة العمرانية: ويتضمن ھذا المحور االتجاھات البيئية التالية: أ_ االتجاه نحو الكفاءة في استخدام الموارد غير الدائمة للطاقة في المنشأة العمرانية: *االتجاه نحو الكفاءة في استھالك الطاقة الكھربائية *االتجاه نحو الكفاءة في استخدام المواد ذات المخلفات القابلة إلعادة التصنيع والتدوير *االتجاه نحو الكفاءة في استخدام المواد األولية الطبيعية في البيئة المحيطة ب_االتجاه نحو الكفاءة في استخدام الموارد الدائمة للطاقة في المنشأة العمرانية: ويضم *االتجاه نحو الكفاءة في استھالك المياه *االتجاه نحو الكفاءة في استخدام الطاقة الشمسية *االتجاه نحو الكفاءة في استخدام طاقة الرياح
182 البعد الخامس:االتجاه نحو ديمومة المنشأة العمرانية وعناصرھا األساسية وديمومة استيعابھا إلضافات وتعديالت جديدة: وتتبع ھذا المحور االتجاھات البيئية اآلتية: أ_ االتجاه نحو ديمومة المنشأة العمرانية وعناصرھا األساسية: ويضم *االتجاه نحو ديمومة مقاومتھا للمؤ ثرات المناخية *االتجاه نحو ديمومة متانة وصالبة مواد البناء *االتجاه نحو ديمومة عناصرھا مع تغير ظروف البيئة المحيطة ب_ االتجاه نحو ديمومة استيعاب المنشأة العمرانية لعناصر وإضافات جديدة تعكس ارتقاء معرفة اإلنسان وتطور نظم حياته: ويضم *االتجاه نحو ديمومة تقبلھا ألعمال الصيانة *االتجاه نحو ديمومة تقبلھا إلضافات جديدة تعكس تطور نظم حياة اإلنسان *االتجاه نحو ديمومة تقبلھا لتعديالت جديدة دون اللجوء لعملية الھدم لذلك قام الباحث في مرحلة أولى بإعداد أكثر من مأتي بند أو عبارة أو ما يسمى حاليا ب"بنك األسئلة أو البنود" وھذه العملية تطلبت من الباحث القيام بعمل استطالعي جبار حيث جمع كل العبارات التي تتصل بموضوع االتجاه في صيغ مختلفة وذلك بعد التعرف على مواطن الغموض التي تحيط بالظاھرة و األبعاد األساسية للموضوع الذي سنقوم بدراسته والمراجعة الدقيقة لإلطار النظري وكل ما توفر لدينا من مراجع واالستعانة بمراجعة األدبيات التي لھا عالقة بالدراسة الحالية كالدراسات السابقة وباالعتماد على عدد من مقاييس االتجاھات البيئية المستخدمة في بعض الدراسات البيئية التي توفرت لدى الباحث. وكانت الخطوة التالية بعد ذلك استخالص جميع األفكار التي ورد ذكرھا سواء من خالل الدراسات السابقة ومن نتائج العمل االستطالعي حول االتجاھات البيئية في ظل طروحات العمران المستديم وقد وصل عدد الفقرات المتحصل عليھا من المصادر السابقة الذكر( 70 ) فقرة. وبناء على التوصيات السابقة (توصيات مصممي أدوات قياس االتجاھات) وكذا بناء على واقع استجابات بعض أفراد مجتمع الدراسة في مقابالت شخصية وأسئلة مفتوحة أجريناھا معھم وبعد مناقشة مضامين الفقرات مع مجموعة من األساتذة قمنا باستبعاد عدد
183 _ من الفقرات ودمج بعضھا اآلخر ليصبح عددھا النھائي (30) فقرة أو عبارة موجبة وسالبة. وتم إعدادھا في صورة يمكن استخدامھا بمعنى أن يتوافر في كل عبارة أو بند المفھوم المحدد الذي يثير اھتمام المفحوص ويدعوه إلى أن يستجيب لمضمونه وما يھدف إليه بحيث تعكس مضامين ھذه الفقرات المكونات الثالث لمفھوم االتجاھات البيئية وھي المكون المعرفي (الوعي البيئي) المكون االنفعالي (الشدة االنفعالية) والمكو ن النزوعي (سلوك المعماري تجاه البيئة) وقد صيغت فقرات المقياس بحيث تصف الفقرة سلوكا يرغب فيه المعماري أو يتجنبه أو يقوم به فعال أو تصف شعورا اتجاه ممارسة يقوم بھا المعماريون اآلخرون أو تصورا لما يجب أن يكون عليه سلوك المعماري. كما حرصنا في ذات الوقت على أن تكون عبارات المقياس مستوفية للشروط العلمية المتعارف عليھا لدى أخصائيي قياس االتجاھات آخذين في الحسبان محكات الصياغة الجيدة لفقرات مقياس يقيس االتجاھات وفق سلم ليكرت المتدرج وھي المحكات المتعارف عليھا في مجال قياس االتجاھات ومن أھمھا: أن تبنى العبارات باالعتماد على خصائص الجماعة (األفراد المراد قياس اتجاھاتھم) ونوعية المواقف التي تتصل باالتجاه. أن توجه العبارات لغويا بالطريقة التي يحتمل أن تدركھا المجموعة المختبرة بحيث تكون بسيطة تتحاشى النفي المزدوج. أن تكون صياغة العبارات واضحة ال تحتمل التأويل. _ أن تكون العبارات قصيرة قدر اإلمكان. _ أن تحمل كل عبارة فكرة واحدة فقط. أن ال توحي العبارات بنوعية اإلجابة. أن ال تكون العبارات عامة وال مركبة. أن ال تصاغ العبارات بلغة الماضي أو على نحو تفسر به على أنھا حقائق. أن يتوخى الباحث في صياغته لعبارات االستبيان الدقة بحيث تبتعد عن الترادف والتكرار في المعنى. _ أن تكون العبارات محددة المعنى واضحة اللفظ ومختصرة في صياغتھا بكالم منطقي يخدم الھدف من إجراء الدراسة.
184 ووفقا لذلك تمت كتابة الفقرات بحيث كان نصفھا في كل بعد موجبا ونصفھا اآلخر سالبا ورتبت فقرات المقياس الثالثين (30) في قائمة بشكل منتظم بحيث تأتي الفقرة األولى من البعد األول موجبة والفقرة الثانية من البعد الثاني سالبة والفقرة الثالثة من ا البعد الثالث موجبة والفقرة الرابعة من البعد الرابع سالبة والفقرة الخامسة من البعد الخامس موجبة ثم يقلب الترتيب فتؤخذ فقرة سالبة من البعد األول تليھا فقرة موجبة من البعد الثاني وھكذا إلى أن تنتھي الدورة ومن ثم يتم البدء في دورة جديدة في الترتيب وھكذا حتى استكمال ترتيب جميع الفقرات. وح دد نمط االستجابة عليھا وفق أسلوب ليكرت بتدريج خماسي على النحو التالي (أوافق بشدة أوافق غير متأكد ال أوافق ال أوافق بشدة). 2_ صدق االستبيان: 319 االختبار الصادق يقيس ما وضع لقياسيه أي أنه يكشف فعال عن المتغير أو المتغيرات التي وضع من اجل الكشف عنھا ويدل صدق أداة الدراسة على الذي تقيسه أي مضمون ھذه األداة وطرق حساب صدقھا يدل على العالقة بين األداء على ھذه األداة والحقائق التي تدل على السلوك الفعلي ألفراد العينة. وقد تم االعتماد في ھذه الدراسة على صدق المحكمين فبعد أن تم إعداد فقرات االستبيان البالغ عددھا (30) فقرة قام الباحث بتصنيفھا كل في البعد الذي أ عد ت لقياسه ثم عرضت الفقرات مصنفة في مقاييسھا الفرعية على لجنة من المحكمين والبالغ عددھم (5) محكمين من جامعة محمد خيضر بسكرة للحكم على صدق عبارات االستبيان من حيث أنھا تقيس موضوع الدراسة"االتجاھات البيئية للطلبة في ظل طروحات العمران المستديم" وفق التساؤالت التي طرحتھا ما يلي: 1_ مدى تغطية فقرات المقياس لألبعاد الخمسة. الدراسة. وذلك بھدف التأكد من صالحية المقياس من حيث 2_ مدى وضوح الفقرات ومدى توافقھا وارتباطھا مع مقياسھا الفرعي الذي تقع فيه. 3_ مدى مالئمة البدائل الخمسة لإلجابة عن كل فقرة من فقرات المقياس. 4_ مدى سالمة الفقرات لغويا ومدى مناسبتھا للمستجيب. 5_ مدى مطابقة ھذه الفقرات لمعايير صياغة فقرات االتجاه. 319 _ فؤاد البھي السيد : علم النفس اإلحصائي وقياس العقل البشري القاھرة: دار الفكر العربي 1978 ص 400. أنظر الملحق رقم (02).
185 6_ التأكد مما إذا كانت الفقرات تقيس فعال ما أعدت لقياسه. وقد أبدى المحكمون مالحظاتھم حول الفقرات واقترحوا إعادة صياغة بعض الفقرات من الناحية اللغوية وحصلت جل الفقرات على درجة اتفاق بين المحكمين حيث تم تعديل الفقرات التي اتفق أغلب المحكمين بأنھا غامضة. ولزيادة التأكد من مدى صالحية فقرات االستبيان بعد تعديله من حيث الصياغة تم إعادته إلى بعض المحكمين في صورته النھائية ونتيجة لھذا تبين أن جميع المحكمين أيدوا صالحية جميع الفقرات وبناء عليه تم طبع االستمارة لتطبيقھا في الميدان. 3_ صياغة تعليمة االستبيان: بعد بناء االستبيان وجمع فقراته وعرضه على لجنة تحكيم تمت كتابة تعليمة االستبيان حيث تضمنت البيانات الشخصية الخاصة بالمبحوثين من حيث الجنس السن (من أجل التعرف على خصائص العينة) حيث طلب من المبحوث وضع عالمة (x) في الخانة المناسبة. أما بالنسبة للتعليمات فقد تم فيھا إعطاء فكرة مختصرة عن المقياس وطبيعة الفقرات التي يتكون منھا وأن الھدف من ھذا خدمة البحث العلمي مع إعطاء بعض المالحظات على كيفية اإلجابة وذلك بوضع عالمة (x) واحدة أمام كل فقرة. وبعد االنتھاء من وضع جميع الخطوات لبناء االستبيان قمنا بفحصه لتحديد مدى وضوحه لدى أفراد العينة وذلك بعرضه على مجموعة من طلبة الھندسة المعمارية بجامعة بسكرة والذين بلغ عددھم (20) طالبا تم المراعاة في اختيارھم تمثيل مختلف المتغيرات المراد دراستھا في العينة خاصة متغير السن الجنس وأن يكونوا من طلبة السنة النھائية والغرض من ھذا التجريب التعرف على: _ وضوح التعليمات بالنسبة للمستجيب. _ الدقة في صياغة الفقرات والكشف عن الفقرات غير الواضحة بالنسبة للمستجيب وتعديلھا. 4_ تطبيق االستبيان:
186 بعد تحكيم استمارة االستبيان والتأكد من صدق المقياس و تعديل العبارات الصعبة أو غير الواضحة أصبح المقياس في صورته النھائية مكونا من (30) عبارة جاءت مرحلة تطبيق االستمارة بالنسبة للباحث حيث تمت طباعتھا ثم توزيعھا على عينة الدراسة. 4_1 توزيع االستبيان على أفراد العينة: حيث تم توزيع 127 استمارة بمعدل %100 عدد أفراد العينة (طالب الھندسة المعمارية سنة نھائية) وذلك في الفترة الممتدة من 04 ماي 2010 م إلى 12 ماي 2010 م أي مع أواخر السنة الدراسية حيث كان طالب الھندسة المعمارية سنة نھائية قد استكمل تقريبا مساره التعليمي كمھندس معماري ومقبل على ممارسة ھذه المھنة وھذه العينة بالذات ھي التي يقصدھا الباحث من دراسته. وقد حرص الباحث أثناء توزيع االستبيان على تفادي المباالة وعدم جدية أفراد العينة في اإلجابة على فقرات المقياس من خالل تبيان أھمية إجاباتھم. كما قام الباحث بتوجيھھم إلى كيفية اإلجابة عن الفقرات وحثھم على اإلجابة بصورة صادقة وموضوعية والتأكد من كتابة البيانات الشخصية لكل طالب وطالبة وكذلك التأكد من اإلجابة على جميع الفقرات. بعدھا قام الباحث بجمع نسخ االستمارة التي تم توزيعھا على أفراد العينة وسھر الباحث على استرجاعھا كلھا وبعد الفرز واستبعاد االستمارات ناقصة اإلجابة من حيث بنود االستبيان أو البيانات الشخصية استقر العدد على (104) استمارة تم تفريغ معطياتھا في صورة كمية وإدخالھا التحليل اإلحصائي. 2_4 كيفية جمع البيانات الخام وتفريغھا: عقب جمع نسخ المقياس التي تم توزيعھا على أفراد العينة صمم الباحث جدوال لتفريغ المعطيات في صورة كمية تسمح بإجراء مختلف التحليالت اإلحصائية الالزمة في الدراسة وأفرد الباحث صفا لكل فرد من أفراد العينة بينما تضمنت األعمدة األولى من الجدول البيانات الخاصة بالخصائص الشخصية ألفراد العينة ويتعلق األمر بكل من متغير (النوع والسن) وتم التعبير عن ھذه المتغيرات بقيم كمية من النوع االسمي تماما مثل ما توضحه البيانات الواردة في الجدول التالي:.(01) أنظر الملحق رقم
187 جدول رقم (04) يبين تحويل المعطيات إلى بيانات كمية اسمية المتغيرات الجنس السن التقدير الكمي داللة التقدير ذكر أنثى 21_23 سنة 24_26 سنة 27_29 سنة أما بقية األعمدة فخصصت للتقديرات المقابلة الستجابات األفراد على بنود المقياس وتضمنت األعمدة الالحقة درجة الفرد على المقياس ككل وتحسب بجمع التقديرات المقابلة لألعمدة الخاصة ببنود المقياس يلي ذلك عمود يشير إلى متوسط التقديرات التي تعطى للطالب (المبحوث) مقابل استجاباته على فقرات المقياس وخصصت بقية األعمدة لدرجة الطلبة من أفراد العينة على كل بعد من أبعاد المقياس وھو اإلجراء الذي يسمح بتقديم تحليالت معمقة عن استجابات األفراد على المقياس ويمثل الجدول التالي نموذجا مصغرا توضيحيا لجدول تفريغ البيانات الذي اعتمده الباحث: جدول رقم (05) نموذج لجدول تفريغ البيانات أفراد العينة الجنس السن بند رقم فقرات المقياس بند رقم بند رقم بند رقم الدرجة على المقياس متوسط التقديرات نوع االتجاه درجة البعد األول درجة البعد الثاني درجة البعد الثالث درجة البعد الرابع درجة البعد الخامس تتراوح بين تماما 5 1- يتراوح بين محايد أو سالب أو سالب تتراوح بين تتراوح بين تتراوح بين تتراوح بين تتراوح بين
188 4_3 مفتاح تقدير االستجابات على المقياس: يتكون مقياس االتجاھات البيئية للطلبة في ظل طروحات العمران المستديم من (30) فقرة ويتم تقدير استجابات األفراد على المقياس تبعا لبدائل االستجابة المحددة تدريجيا وفق أسلوب ليكرت ذو التدرج الخماسي حيث تقدر استجابة (أوافق بشدة) بخمس درجات و(أوافق) بأربع درجات و(غير متأكد) بثالث درجات و(ال أوافق) بدرجتين واستجابة (ال أوافق بشدة) بدرجة واحدة كل ذلك بالنسبة للفقرات الموجبة والمحددة أرقامھا في المقياس باألرقام التالية:
189 .( ) بينما تقدر استجابات الطلبة على الفقرات السالبة كالتالي: حيث تعطى استجابة (أوافق بشدة) درجة واحدة و(أوافق) درجتين و(غير متأكد) ثالث درجات و(ال أوافق) أربع درجات واستجابة والتي تحمل األرقام التالية: (ال أوافق بشدة).( ) خمس درجات وذلك تبعا لفقرات المقياس السالبة وقد تم تحديد أوزان لھذه البدائل الخمسة كما ھو موضح في الجدول التالي: الجدول رقم (06): يبين البدائل الخمسة لالستبيان ودرجاتھا. بدائل االستجابة الدرجات الفقرات الموجبة الفقرات السالبة أوافق بشدة أوافق غير متأكد ال أوافق ال أوافق بشدة أما درجة الطالب على كل بعد من أبعاد المقياس فتحسب بحاصل جمع التقديرات المقابلة ألرقام الفقرات المشكلة للبعد على النحو الذي يوضحه الجدول التالي: جدول رقم (07) يوضح توزيع أرقام فقرات المقياس على األبعاد المحددة في المقياس واتجاھاتھا م أبعاد المقياس أرقام الفقرات لكل بعد في المقياس عدد الفقرات الموجبة عدد الفقرات السالبة المجموع الحماية الترشيد الجودة
190 الكفاءة الديمومة خامسا_ المجموع أساليب المعالجة اإلحصائية المستخدمة في الدراسة: بغرض الكشف عن اتجاھات طلبة الھندسة المعمارية نحو البيئة في ظل طروحات العمران المستديم وفق منحى وصفي فقد مھدت جملة من المعالجات اإلحصائية للبيانات الطريق أمام الباحث لبلوغ ھذا المسعى باستخدام برنامج الحاسب اآللي: "الحزمة اإلحصائية للعلوم االجتماعية" (Statistical Package For Social Sciences) _ المعروف باسم( SPSS ) وھو أداة إلجراء التحليالت اإلحصائية الالزمة لتحليل بيانات 320 األبحاث العلمية وفي كافة نواحي العلوم االجتماعية. حيث استخدم الباحث في برنامج الحزمة اإلحصائية للعلوم االجتماعية Spss الطرق أو المعالجات اإلحصائية التالية: مقاييس النزعة المركزية. _ مقاييس التشتت. حيث استخدم الباحث كال من ما يلي: *التكرارات: ھي الطريقة التي توضح كيفية استجابات مجموعات الدراسة (حسب الجنس والسن) على األبعاد الفرعية للمقياس. وبالتالي توضح التكوين الھرمي التجاھاتھم البيئية. *اإلرباعيات: ھي الطريقة التي استخدمت في تعيين وضع مجموعات الدراسة في استجاباتھم على مقياس اتجاھاتھم البيئية من حيث كونھا (مرتفعة متوسطة ضعيفة) *المتوسط الحسابي (الوسط الحسابي): والذي يعرف على أنه مجموع القيم على 321 عددھا. وھي درجة تعبر عن اإلجابة العامة لعينة الدراسة أو ھي الدرجة التي تنوب عن مجموع اإلجابات أو استجابات جميع األفراد على مقياس الدراسة. _ جمال محمد شاكر محمد: التحليل اإلحصائي للبيانات باستخدام( SPSS ) اإلسكندرية: ال دار الجامعي ة 2005 ص _ رشيد زرواتي: تدريبات على منھجية البحث العلمي في العلوم االجتماعية مرجع سابق ص
191 *الوسيط: يعرف على أنه مجموعة من المشاھدات أو البيانات إذا رتبت حسب قيمھا ترتيبا 322 تصاعديا أو تنازليا فالوسيط ھي القيمة التي تقع في المنتصف. *المنوال: ھو القيمة األكثر تكرارا أو شيوعا من غيرھا. *المدى: يعرف على أنه الفرق بين أكبر قيمة في الظاھرة المدروسة وبين أصغر قيمة الظاھرة لنفسھا. كما يسمى بالمدى العام: ليعطي فكرة عن مدى انتشار أو تباعد قيم الظاھرة 323 المدروسة. *االنحراف المعياري( déviation :(Standard ويعرف على أنه الجذر التربيعي 324 لمتوسط مربعات االنحرافات عن الوسط الحسابي. وھو الطريقة التي توضح إلى أي مدى تشير أو تقترب درجات أفراد عينة الدراسة عن المتوسط الحسابي لذلك يعد من أھم مقاييس التشتت الرتباطه بأغلب المقاييس اإلحصائية وله قيمتان موجبة وسالبة وقد استخدم الباحث االنحراف المعياري في عدد من االختبارات المعتمدة في ھذه الدراسة. *اختبار( test T): Sttudent لبيان داللة الفرق بين متوسطي مجموعتين مستقلتين test) (Independent samples t وداللة الفرق بين المتوسط الحسابي للمجموعة والمتوسط الفرضي للمقياس test) (one sample t وقد استخدم االختبار في الدراسة لمعرفة داللة الفرق بين المتوسط الحسابي لدرجات األفراد على المقياس والمتوسط الفرضي وبين متوسطات درجات األفراد على مقياس االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية في ظل طروحات العمران المستديم حسب متغير الجنس. *تحليل التباين أحادي االتجاه Anova) :(one way لبيان داللة الفرق بين درجات أكثر من مجموعتين على مقياس االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية في ظل طروحات العمران المستديم تبعا لمتغير السن. وھي الطريقة التي تكشف إلى أي مدى اختلفت مجموعات الدراسة (حسب السن) في االستجابات على مقياس الدراسة أي إلى أي مدى اختلفت قيمھم. *طول خاليا مقياس ليكرت الخماسي: وذلك لتقدير نوع االتجاھات البيئية التي يحملھا أفراد العينة ويتم حساب الطول الحقيقي لخاليا مقياس ليكرت بحساب حاصل قسمة المدى على 322 _ المرجع نفسه ص 228. _ رشيد زرواتي: تدريبات على منھجية البحث العلمي في العلوم االجتماعية مرجع سابق ص 231. _ المرجع نفسه ص
192 عدد التقديرات حيث أن أعلى تقدير يحصل عليه الطالب (المبحوث) في الفقرة ھو (5) وأدنى تقدير ھو( 1 ) لذا فالمدى يساوي (1-5=4) وبعد تقسيم قيمة المدى على عدد التقديرات نحصل على طول الخاليا الصحيح للمقياس أي (5/4=0.8) ثم نضيف حاصل القسمة ألقل تقدير على الفقرة وھو واحد صحيح لتحديد الحد األدنى للخلية وھكذا دواليك حتى نصل إلى أعلى تقدير وھو خمسة ويعرف نوع االتجاه الذي يحمله الطالب (المبحوث) بقسمة درجته الكلية على عدد فقرات المقياس (30) فنحصل على قيم تتراوح كلھا بين (1 و 5 ) وتبعا للسلم الموضح في الجدول أدناه يتحدد نوع االتجاه الذي يحمله طالب الھندسة المعمارية نحو البيئة. ولتوضيح ذلك نضرب المثال التالي: ) لو أن طالبا من أفراد العينة تحصل على درجة كلية على المقياس قدرھا (66) فحاصل قسمة ھذه الدرجة على عدد الفقرات يساوي (2.2=30/66) بصورة جلية: أي أن الطالب يحمل اتجاھا بيئيا سالبا). والجدول التالي يوضح ذلك جدول رقم (08) يوضح كيفية تحديد نوع االتجاه البيئي الذي يحمله الطالب (المبحوث) طول خاليا المقياس الدرجات المقابلة لطول الخاليا تقدير نوع االتجاه التقديرات المعتمدة في الدراسة اتجاه سالب اتجاه سالب تماما (غير مرغوب ( اتجاه سالب اتجاه محايد اتجاه محايد اتجاه موجب اتجاه موجب (مرغوب ( اتجاه موجب تماما أوال_ عرض وتحليل البيانات: من أجل إعطاء توصيف دقيق لدرجات الطلبة من أفراد العينة على مقياس االتجاھات البيئية لطلبة الھندسة المعمارية في ظل طروحات العمران المستديم قام الباحث بواسطة برنامج الحزمة اإلحصائية للعلوم االجتماعية (SPSS) بإجراء العديد من المعالجات اإلحصائية على غرار مقاييس النزعة المركزية ومقاييس التشتت لتقرير نوع االتجاھات البيئية التي يحملھا الطلبة تبعا لسلم التقدير المشار إليه في الفصل السابق وقبل
193 عرض قراءات الباحث لنتائج التحليالت اإلحصائية نعرض جملة من الجداول التي تضم قيم بعض المقاييس اإلحصائية لدرجات أفراد العينة على المقياس وأبعاده منفصلة إضافة إلى بعض الرسومات التوضيحية التي تتمثل في مدرجات تكرارية ومنحنيات بيانية كما يلي: جدول رقم (09) يوضح بعض المقاييس اإلحصائية لدرجات أفراد العينة على المقياس المقاييس اإلحصائية القيمة 116, , ,21 10, ,47_ 0,89 85, , , , ,0000 الدرجة الكلية على مقياس االتجاھات البيئية المتوسط الوسيط المنوال المدى التباين االنحراف المعياري أقل درجة أعلى درجة االلتواء التفلطح الميئين األول الميئين الخامس الميئين العاشر الربيع األول الربيع الثالث الميئين الستين جدول رقم (10) يوضح بعض المقاييس اإلحصائية لدرجات أفراد العينة على بعد الحماية المقاييس اإلحصائية القيمة 24, , ,5 3, ,40_ 0,56_ الدرجة على بعد الحماية المتوسط الوسيط المنوال المدى التباين االنحراف المعياري أقل درجة أعلى درجة االلتواء التفلطح
194 17, , , ,0000 الميئين األول الميئين الخامس الميئين العاشر الربيع األول الربيع الثالث الميئين الستين جدول رقم (11) يوضح بعض المقاييس اإلحصائية لدرجات أفراد العينة على بعد الترشيد المقاييس اإلحصائية القيمة 20, , ,17 3, ,04_ 0,34_ 13, , , ,0000 الدرجة على بعد الترشيد المتوسط الوسيط المنوال المدى التباين االنحراف المعياري أقل درجة أعلى درجة االلتواء التفلطح الميئين األول الميئين الخامس الميئين العاشر الربيع األول الربيع الثالث الميئين الستين جدول رقم (12) يوضح بعض المقاييس اإلحصائية لدرجات أفراد العينة على بعد الجودة المقاييس اإلحصائية القيمة 25, , ,38 3, ,43_ 3,35 13,0000 الدرجة على بعد الجودة المتوسط الوسيط المنوال المدى التباين االنحراف المعياري أقل درجة أعلى درجة االلتواء التفلطح الميئين األول
195 20, , ,0000 الميئين الخامس الميئين العاشر الربيع األول الربيع الثالث الميئين الستين جدول رقم (13) يوضح بعض المقاييس اإلحصائية لدرجات أفراد العينة على بعد الكفاءة المقاييس اإلحصائية القيمة 22, , ,39 3, ,24_ 0,31_ 14, , , , ,0000 الدرجة على بعد الكفاءة المتوسط الوسيط المنوال المدى التباين االنحراف المعياري أقل درجة أعلى درجة االلتواء التفلطح الميئين األول الميئين الخامس الميئين العاشر الربيع األول الربيع الثالث الميئين الستين جدول رقم (14) يوضح بعض المقاييس اإلحصائية لدرجات أفراد العينة على بعد الديمومة المقاييس اإلحصائية القيمة 22, , ,37 2, ,12_ 0,01 15, ,0000 الدرجة على بعد الديمومة المتوسط الوسيط المنوال المدى التباين االنحراف المعياري أقل درجة أعلى درجة االلتواء التفلطح الميئين األول الميئين الخامس
196 19, ,0000 الميئين العاشر الربيع األول الربيع الثالث الميئين الستين جدول رقم( 15 ) يوضح بعض المقاييس اإلحصائية لدرجات أفراد العينة على المقياس التكرارات متوسط التقديرات االتجاه البيئي اتجاه سالب (غير مرغوب) اتجاه محايد اتجاه موجب (مرغوب) شكل رقم (01) ( يوضح المدرج التكراري والمنحنى للدرجات الكلية شكل رقم (02) يوضح المدرج التكراري والمنحنى لدرجات بعد الحماية شكل رقم (03) يوضح المدرج التكراري والمنحنى لدرجات بعد الترشيد شكل رقم (04) يوضح المدرج التكراري والمنحنى لدرجات بعد الجودة
197 شكل رقم (05) يوضح المدرج التكراري والمنحنى لدرجات بعد الكفاءة شكل رقم( 06 ) يوضح المدرج التكراري والمنحنى لدرجات بعد الديمومة جدول رقم( 16 ) يوضح الفروق في متوسطات درجات األفراد على المقياس حسب بعض المتغيرات
صندوق استثمارات اجلامعة ومواردها الذاتية ( استثمارات اجلامعة الذاتية ) مركز مركز استثمارات الطاقة املتجددة االستثمارات مركز اإلمام للمالية واملصرفية ا
صندوق استثمارات اجلامعة ومواردها الذاتية ( استثمارات اجلامعة الذاتية ) استثمارات الطاقة املتجددة االستثمارات اإلمام للمالية واملصرفية العقارية استثمارات تقنية املعرفة التنمية الصحية الوسائط املتعددة مركز
Microsoft PowerPoint - Session 7 - LIBYA - MOH.pptx
دولة ليبيا وزارة الصحة مركز المعلومات والتوثيق 1 إعداد : محمد إبراھيم صالح مدير مركز المعلومات والتوثيق 2 المحتويات. المؤسسات المسئولة في مجال االحوال المدنية واإلحصاءات الحيوية. االطار القانوني لتسجيل.
الخطة الاستراتيجية ( 2015 – 2020 )
/ كلية العلوم الاجتماعية ) 2018 2017 الخطة ( االست ارتيجية مركز التطوير األكاديمي وضبط الجودة 2 صفحة االسم أ. د. يونس الشديفات د. سطام الشقور د. عمر السقرات د. هايل البري د. رضوان المجالي د. مسلم الرواحنة
Morgan & Banks Presentation V
المحرم 1433/ ديسمبر 2011 1 1 د. صنهات العتييب االستاذ بجامعة الملك سعود د. مسري الشيخ مستشار تطوير المصرفية اإلسالمية 2 علي اإلجابة الندوة تحاول التساؤالت التالية: املصرفية أين اإلسالوية يف البنوك التقميدية
وزارة الترب ة بنك األسئلة لمادة علم النفس و الح اة التوج ه الفن العام لالجتماع ات الصف الحادي عشر أدب 0211 / 0212 األولى الدراس ة الفترة *************
وزارة الترب ة بنك األسئلة لمادة علم النفس و الح اة التوج ه الفن العام لالجتماع ات الصف الحادي عشر أدب 2 / 22 األولى الدراس ة الفترة ************************************************************************************
االبداع في صياغة المواقف المضحكة من خصائص الشخص ذو الذكاء: الفكاهي A. الذاتي B. اللغوي C. العاطفي D. االتصال الذي يتخذ فيه الفرد قراراته بناء على المع
االبداع في صياغة المواقف المضحكة من خصائص الشخص ذو الذكاء: الفكاهي A. الذاتي B. اللغوي C. العاطفي D. االتصال الذي يتخذ فيه الفرد قراراته بناء على المعلومات التي يتلقاها من حواسة هو االتصال: A. الجمعي B.
الجامعة الأردنية
ر 5 الجامعة األردنية كلية اآلداب/ قسم الفلسفة ================== المادة : إشكاليات في الفكر العربي المعاصر )دكتوراه( أستاذ المادة: أحمد ماضي رقمها: )4393032( بالنظر إلى تعذر د ارسة كافة اإلشكاليات كما
. رصد حضور المرأة في وسائل اإلعالم المحلية 2017
. رصد حضور المرأة في وسائل اإلعالم المحلية 2017 المقدمة : عينة الدراسة الصحافة المطبوعة : الرأي والغد والدستور والسبيل. المواقع اإللكترونية : عمون وسرايا وخبرني والوكيل. التلفزيون : التلفزيون األردني ورؤيا.
Microsoft Word - moneybookers
الرحيم الرحمن االله بسم א א א ãããaewt{tuaçxà دليل المستخدم العربي في MONEYBOOKERS شرح بنك أوال عن البنك: :معلومات وقلربيزدنيعلما من بريطانيا. 1- البنك جنسيته المناسبة للعمل بھا. به تختار العملة -2 من 5
دبلوم متوسط برمجة تطبيقات الهواتف الذكية
دبلوم متوسط برمجة تطبيقات الهواتف الذكية الهواتف الذكية عدد مرات تنزيل التطبيقات توقع ارتفاع عدد مرات تنزيل التطبيقات 178B 2017 258B 2020 66% 54% عدد مستخدمي 3,8B االجهزة الذكية 4/2018 استخدام التطبيقات
نتائج تخصيص طالب وطالبات السنة األولى المشتركة بنهاية الفصل الدراسي الثاني 1438/1437 ه يسر عمادة شؤون القبول والتسجيل بجامعة الملك سعود أن تعلن نتائج
نتائج تخصيص وات السنة األولى المشتركة بنهاية الفصل الدراسي الثاني 1438/1437 ه يسر عمادة شؤون القبول والتسجيل بجامعة الملك سعود أن تعلن نتائج تخصيص وات السنة األولى المشتركة بعد نهاية الفصل الدراسي الثاني
المواصفات الاوربية لإدارة الابتكار كخارطة طريق لتعزيز الابتكار في الدول العربية
المواصفات االوربية إلدارة االبتكار كخارطة طريق لتعزيز االبتكار في الدول العربية د. عوض سالم الحربي Workshop on Fostering Innovation in the Public Sectors of Arab Countries Cairo, Egypt, 30-31 October 2017
easy - translation
From: http://ar.miraath.net/audio/5030/01 Shaikh Ahmad Bazmool Http://ar.miraath.net/audio/download/5030/usool_us_sunnah_01.mp3 أما األمر األول فھو أنه يظن أن ھذا العلم ثقيل وال يفھمه فھذا خطأ فھذا خطأ
السيرة الذاتية للدكتور محمد شلال العاني
السيرة الذاتية لألستاذ الدكتور أولا : معلومات شخصية: محمد شاللحبيب 1 - السم الرباعي واللقب: محمد شالل حبيب يوسف 2 - اللقب العلمي: أستاذ 3 - التحصيل العلمي: دكتو اره في القانون الجنائي 5 - عنوان السكن الحالي:
اسم المفعول
اسم المفعول اسم المفعول اسم ي شتق من الفعل المتعدي المبني للمجهول المتعدي وهي تدل على وصف من يقع عليه الفعل. يصاغ اسم المفعول على الن حو التالي : 1 الفعل الثالثي : على وزن م ف ع ول مثل: ك ت ب : م ك ت وب
اململكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي جامعة اجملمعة عماده خدمه اجملتمع كليه الرتبية بالزلفي دبلوم التوجيه واالرشاد الطالبي ملخص منوذج توصيف مق
اململكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي جامعة اجملمعة عماده خدمه اجملتمع كليه الرتبية بالزلفي دبلوم التوجيه واالرشاد الطالبي ملخص منوذج توصيف مقرر )نظريات التعلم ) 435/434 ه منوذج توصيف مقرر دراسي
WATER POLICY REFORM IN SULTANATE OF OMAN
"تحديات ومعوقات متابعة ورصد خدمات مياه الشرب والصرف الصحي في مناطق الريف بالمقارنة مع مناطق الحضر في سلطنة عمان" اعداد زاهر بن خالد السليماني رئيس الجمعيه العمانيه للمياه المحتويات المقدمه ادارة موارد
نظرية الملاحظة
إعداد أ.هدى القحطان صاحب هذه النظر ة هو ألبرت باندورا ومن مإلفاته كتابه مبادئ تعد ل السلوك عام 1969 ثم كتابه عن نظر ة التعلم االجتماع عام 1971 ح ث تناول ف ه أحدث تصور دق ق لنظر ة التعلم االجتماع والمعرف
الوحدة األولى المالمح البشرية للوطن العربي عنوان الدرس : سكان الوطن العربي أوال :أكمل الجدول التالي: 392 مليون نسمة %5.3 %39.9 %60.1 عدد سكان الوطن ال
0 الوحدة األولى المالمح البشرية للوطن العربي عنوان الدرس : سكان الوطن العربي أوال :أكمل الجدول التالي: 392 مليون نسمة %5.3 %39.9 %60.1 عدد سكان الوطن العربي: نسبة سكان الوطن العربي إلى سكان العالم: نسبة
REPUBLIQUE ALGERIENNE DEMOCRATIQUE ET POPULAIRE وزارة التعليم العالي والبحث العلمي Ministère de l enseignement supérieur et de la recherche scientifiq
ماستر. 1 لسان ات تطب ق ة ق: 16 النظر ات اللسان ة إنجلز ة 2018-06-19 ش خ إدر س المنهج و المنهج ة فن ات البحث و الكتابة فارس حس ن الطرش التحل ل التول دي خالدي هشام المبادئ المنهج ة للتحل ل اللسان الهادي
PowerPoint Presentation
مشروع التسويق ولوجيستيات االعمال الزراعية المتقدمة التحليل المالي كيبف تحدد سعر التكلفة والسعر النهائي الى أي مدى يعكس السعر الجودة 50 قرش للكيلو جنيه للكيلو هل التكاليف هي المكون الوحيد للسعر 3 مالذي
Microsoft Word - wgri add1-ar..doc
CBD Distr. GENERAL 29 April 2014 ORIGINAL: ENGLISH الھيئة الفرعية للمشورة العلمية والتقنية والتكنولوجية االجتماع الثامن عشر مونت / - االجتماع الخامس / - - ( ) XI/4 -. ( ) UNEP/CBD/WGRI/5/1 UNEP/CBD/SBSTTA/18/1
نموذج السيرة الذاتية
بسم اهلل الرحمن الرحيم البيانات الشخصية االسم تاريخ ومكان الميالد الكلية القسم عمان العلوم التربوية المكتبات و المعلومات المؤهالت الد ارسية الدرجة العلمية التخصص الجهة المانحة لها 2012 دكتو اره علم المعلومات
Microsoft Word - QA-Reliability
اختبار صلاحية الاستبانات Questionnaires Reliability Analysis لتقويم ا دوات جمع البيانات الميدانية (الاستبانات) باستخدام قياس ليكرت لدرجة الموافقة Likert Scale من نوعان هناك الاختبارات التي لها تخضع ا ن
عناوين حلقة بحث
عناوين ا بحاث مقترحة دكتور ياسر الشرفا قسم ا دارة الا عمال والعلوم المالية والمصرفية 1 -ا ثار استقلالية سلطة النقد على فعالية السياسة النقدية الفلسطينية 2 -الا صلاحات المصرفية على مكافحة تبييض الا موال
صندوق استثمارات اجلامعة ومواردها الذاتية ( مركز تنمية أوقاف اجلامعة ) إدارة األصول واملصارف الوقفية إدارة االستثمارات الوقفية إدارة إدارة األحباث وامل
صندوق استثمارات اجلامعة ومواردها الذاتية ( مركز تنمية أوقاف اجلامعة ) إدارة األصول واملصارف الوقفية إدارة االستثمارات الوقفية إدارة إدارة األحباث واملنتجات الوقفية إدارة املشاريع الوقفية إدارة عالقات الداعمني
)) أستطيع أن أفعلها(( المادة : لغة عربية الصف و الشعبة: السابع االسم : عنوان الدرس: ورقة مراجعة )) العمل الفردي (( األهداف: أن يجيب الطالب على جميع اأ
)) أستطيع أن أفعلها(( المادة : لغة عربية الصف و الشعبة: السابع االسم : عنوان الدرس: ورقة مراجعة )) العمل الفردي (( األهداف: أن يجيب الطالب على جميع األسئلة بعد قراءتك * لنص الشعري بعنوان )أعطني الناي(
المحاضرة الثانية عشر مقاييس التشتت درسنا في المحاضرة السابقة مقاييس النزعة المركزية أو المتوسطات هي مقاييس رقمية تحدد موقع أو مركز التوزيع أو البيانات
المحاضرة الثانية عشر مقاييس التشتت درسنا في المحاضرة السابقة مقاييس النزعة المركزية أو المتوسطات هي مقاييس رقمية تحدد موقع أو مركز التوزيع أو البيانات وهي مهمة في حالة المقارنة بين التوزيعات المختلفة وكان
السياسات البيئية السياسات البيئية 1
السياسات البيئية السياسات البيئية 1 1.المقدمة : يقدم البنك السعودي لالستثمار الخدمات المصرفية لألفراد والخدمات المصرفية للشراكت والخزينة وإدارة األصول وخدمات الوساطة للعمالء في جميع أنحاء المملكة العربية
8 مادة إثرائية وفقا للمنهاج الجديد األساسي الثامن للصف الفصل الدراسي األول إعداد املعلم/ة: أ. مريم مطر أ. جواد أبو سلمية حقوق الطبع حمفوظة لدى املكتبة
8 مادة إثرائية وفقا للمنهاج الجديد الساسي الثامن للصف الفصل الدراسي الول إعداد املعلم/ة:. مريم مطر. جواد و سلمية حقوق الطع حمفوظة لدى املكتة الفلسطينية رقم إيداع )017/614( من وزارة الثقافة تطل من املكتة
PowerPoint Presentation
عرض لنظام المعماري الاستراتيجي لمتابعة الأداء وتنفيذ الاستراتيجيات 1999 مقدمة تاسست عام في مصر شركة مساهمة خاصة من عام 2002 المقر الرئيسي بالقاهرة 35 موظف شركاء استراتيجيين في الشرق الأوسط خبرات دولية
التعريفة المتميزة لمشروعات الطاقة المتجددة في مصر
تعريفة التغذية للطاقة المتجددة في مصر أكتوبر 4102 أعد الجهاز هذه الوثيقة لتجيب عن أهم االسئلة التي تخص منظمومة الطاقة المتجددة بشكل عام و على االخص تعريفة التغذية ما هو الوضع الراهن فيما يخص قطاع الطاقة
دائرة التسجيل والقبول فتح باب تقديم طلبات االلتحاق للفصل األول 2018/2017 " درجة البكالوريوس" من العام الدراسي جامعة بيرزيت تعلن 2018/2017 يعادلها ابتد
دائرة التسجيل والقبول فتح باب تقديم طلبات االلتحاق للفصل األول 2018/2017 " درجة البكالوريوس" من العام الدراسي جامعة بيرزيت تعلن 2018/2017 يعادلها ابتداء من عن فتح باب تقديم طلبات االلتحاق بإمكان الطلبة
الذكاء
ا ل ذ ك ا ء و ا ل ف ر و ق ا ل ف ر د ي ة ا ل ذ ك ا ء ع ل ى ا ل ر غ م م ن تشابه كافة أ ف ر ا د ا جل ن س ا ل ب ش ر ي ف ي م ظ ا ه ر ا ل ن م و ا مل خ ت ل ف ة أ ن ه ن ا ك ت ف ا و ت ا ف ي م ا ب ي ن ه م ف ي ا
Microfinance in Egypt: General study
The Egyptian financial Supervisory authority التمويل األصغر في مصر: دراسة عامة غادة والي مستشار رئيس مجلس اإلدارة لشؤون التمويل األصغر الھيئة العامة للرقابة المالية المضمون تعريف التمويل األصغر خلفية تاريخية
بسم هللا الرحمن الرحيم المادة: مقدمة في بحوث العمليات )100 بحث ) الفصل الدراسي األول للعام الدراسي 1439/1438 ه االختبار الفصلي الثاني اسم الطالب: الرق
بسم هللا الرحمن الرحيم المادة: مقدمة في بحوث العمليات ) بحث ) الفصل الدراسي األول للعام الدراسي 9/8 ه االختبار الفصلي الثاني اسم الطالب: الرقم الجامعي: أستاذ المقرر: الدرجة: أكتب اختيارك لرمز اإلجابة الصحيحة
وزارة التعليم العالي والبحثالعلمي الجامعة المستنصرية كلية اآلداب قسم الفلسفة الوجود اإلهلي يف فلسفة كانط النقدية رسالة تقدمت بها الطالبة: زينب وايل شو
وزارة التعليم العالي والبحثالعلمي الجامعة المستنصرية كلية اآلداب قسم الفلسفة الوجود اإلهلي يف فلسفة كانط النقدية رسالة تقدمت بها الطالبة: زينب وايل شويع إىل جملس كلية اآلداب اجلامعة املستنصرية وهي جزء
الدرس : 1 مبادئ ف المنطق مكونات المقرر الرسم عناصر التوج هات التربو ة العبارات العمل ات على العبارات المكممات االستدالالت الر اض ة: االستدالل بالخلف ا
الدرس : 1 مبادئ ف المنطق مكونات المقرر الرسم عناصر التوج هات التربو ة العبارات العمل ات على العبارات المكممات االستدالالت الر اض ة: االستدالل بالخلف االستدالل بفصل الحاالت االستدالل بالتكافؤ نبغ تقر ب
تأثير اتفاقيتي الشراكة عبر المحيط الهادئ والشراكة في التجارة والاستثمار عبر الأطلسي على الدول العربية
التحديات والفرص التفاقيات التجارة العمالقة على االقتصاديات العربية: اتفاقيتي الشراكة عبر المحيط الهادئ والشراكة في التجارة واالستثمار عبر األطلسي اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ) TPP ) اتفاقية الشراكة
الرقابة الداخلية والرقابة الخارجية
الرقابة الداخلية - التدقيق الداخلي الرقابة الخارجية القاضي أفرام الخوري الرقابة الداخلية - التدقيق الداخلي والرقابة الخارجية الفقرة االولى : المقاييس العامة ألي نظام رقابي 1 هدف الرقابة : الرقابة على الوسيلة
doc11
الجزء األول من الكتاب المدرسي (3 ع ت 3 ت ر ر ( التطورات الزمنية الرتيبة تطور جملة كيميائية نحو حالة التوازن الوحدة 4 DAHEL MT Lycée benalioui salah SETIF ***********************************************************
Microsoft Word - Document1
للنشر الفوري 0 نوفمبر 0 لالتصال :جيل صافي (00696968) gilles.saphy@tunisia.cceom.org يشجع مركز كارتر المجلس الوطني التأسيسي على ضرورة ضمان ھيئة مستقلة و شفافة إلدارة االنتخابات يشيد مركز كارتر بالمنھج االستشاري
منحهما جائزة "الوسام الذهبي لإلنجاز": - Monitoring Media إتحاد المصارف العربية يكر م عدنان وعادل القص ار في القمة المصرفية العربية الدولية في باريس Ta
منحهما جائزة "الوسام الذهبي لإلنجاز": - Monitoring Media إتحاد المصارف العربية يكر م عدنان وعادل القص ار في القمة المصرفية العربية الدولية في باريس Table of Content الوسام الذهبي لعدنان وعادل القص ار في
مشروع قانون المحكمة الدستورية التقرير العليا الرابع والسبعون مشروع قانون مقدم من الحكومة تقرير لجنة الفصل التشريعى األول دور
https://www.ilovepdf.com مشروع قانون المحكمة الدستورية التقرير العليا الرابع والسبعون مشروع قانون مقدم من الحكومة تقرير لجنة الفصل التشريعى األول دور االنعقاد العادى الرابع الشئون الدستورية والتشريعية
Ministry of Higher Education& scientific Research University of technology Department of Architecture Faculty of Staff Researches وزارة التعليم العالي
عنوان البحث التواصل الشكلي في النتاج المعاصر دور التدريسي في تفعيل تقنية التعليم الرقمي نظرية الفوضى وتوليد الشكل المعماري العالقات التكوينية في التصوير العرلب االسالمي واثرها في اعمال الرسم للفنان فؤاد
PowerPoint Presentation
دورة تدريبية لمعلمي ورؤساء أقسام الرياضيات من األحد /5 /31 إلى الخميس /6 /4 مركز التدريب والتطوير اإلدارة العامة لمنطقة الجهراء التعليمية برنامج التدريب : المنهج الوطني الكويتي إقبال المطيري الكفايات وأنواعها
رسالة كلية التمريض: تلتزم كلية التمريض - جامعة دمنهور بتقديم سلسلة متصلة من البرامج التعليمية الشاملة إلعداد كوادر تمريضية ذوى كفاءة عالية فى مهارات ا
معايير تقييم أداء أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة معايير تقييم أداء أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم أوال: معايير تقييم أداء أعضاء هيئة التدريس من قبل رئيس القسم العلمى 1. اإلعداد للبرامج األكاديمية :-
الموضوع الثالث تحليل التباين ANOVA) (Two Way الثنائي One Depended نلجأ الى ھذا القانون عند توفر متغيرين يتوقع بينھما تداخل او تفاعل (في تحليل التباين
الموضوع الثالث تحليل التباين ANOVA) (Two Way الثنائي One Depended نلجأ الى ھذا القانون عند توفر متغيرين يتوقع بينھما تداخل او تفاعل (في تحليل التباين االحادي كنا نقارن بين ثالث مجاميع في متغير واحد مثال
الالئحة التنفيذية لنظام رسوم األراضي البيضاء الفصل األول تعريفات المادة األولى: ألغراض هذه الالئحة يكون للكلمات و العبارات اآلتية أينما وردت فيها المع
الالئحة التنفيذية لنظام رسوم األراضي البيضاء الفصل األول تعريفات المادة األولى: ألغراض هذه الالئحة يكون للكلمات و العبارات اآلتية أينما وردت فيها المعاني الموضحة أمام كل منها مالم يقتض السياق غير ذلك :
جامعة الشارقة كلية اآلداب والعلوم االنسانية واالجتماعية قسم علم ااالجتماع االمتحان النهائي للفصل الدراسي األول للعام الجامعي /1/ ا
جامعة الشارقة كلية اآلداب والعلوم االنسانية واالجتماعية قسم علم ااالجتماع االمتحان النهائي للفصل الدراسي األول للعام الجامعي 0-0 0// 0 اسم المساق: مجتمع االمارات رقم المساق: التاريخ االسم:... الرقم الجامعي...
Microsoft PowerPoint - 4eme_science_13 [Mode de compatibilité]
www.elbassair.com Le site éducatif الموقع التربوي السنة الرابعة متوسط علوم -2 المفاھيمي: المجال إعداد األستاذة: خليفة فوزية الوظيفي في العضوية التنسيق العصبي. األولى:االتصال الوحدة التعلمية: الحصة و الحركة.
الاتصال الفعال بين المعلم والطالب
) 10-10 مدرسه التعاون ( بحث إجرائي عن االتصال الفعال وإثارته لدافعية التعلم لدي الطالب في مدرسة التعاون االتصال عامل هام من العوامل التي تقوم عليها حياة الناس وكل فرد منا يمارس االتصال مع من حوله من أفراد
جمعية زمزم للخدمات الصحية التطوعية بإشراف وزارة الشؤون االجتماعية تصريح رقم )411( نظام إدارة الجودة Quality Management System إجراءات الئحة تقنية املع
جمعية زمزم للخدمات الصحية التطوعية بإشراف وزارة الشؤون االجتماعية تصريح رقم )411( نظام إدارة الجودة Quality Management System إجراءات الئحة تقنية املعلومات زمزم 19 إعداد االسم : هاني عبدالعزيز فلمبان الوظيفة
الشريحة 1
القيادة 1 القيادة -الم ادة - تعر فات الم ادة -الفرق ب ن الم ادة واإلدارة - عناصر الم ادة اإلدار ة - نظر ات الم ادة اإلدار ة 2 القيادة تنطوي الم ادة على عاللة تبادل ة ب ن من بدأ بالفعل وب ن من نجزه وهذه
16 أبريل 2019 االطالق الرسمي للجائزة
16 أبريل 2019 االطالق الرسمي للجائزة إطالق جائزة ولي العهد ألفضل تطبيق خدمات حكومية والموجهة لطالب الجامعات في المملكة األردنية الهاشمية نبذة عن الجائزة 300+ جامعة +30 حكومية وخاصة في المملكة األردنية
Microsoft Word doc
جامعة فيلادلفيا الكلي ة: الا داب والفنون القسم: التصميم الجرافيكي الفصل:الاول من العام الجامعي 2010/2009 المادة: النقد الفني مستوى المادة: الرابع موعد المحاضرة: نر ) 9:458:15 ( خطة تدريس المادة Course
عرض تقديمي في PowerPoint
المحاكاة وتمثيل األدوار أوال : مفهوم طريقة تمثيل األدوار : أن يقوم الطالب بدور شخصية أخرى, سواء كانت هذه الشخصية تاريخية أو خيالية أو واقعية, ويعبر عن آرائها وأفكارها في الموضوع أو القضية المطروحة.] 1
Microsoft Word - ?????? ??? ? ??? ??????? ?? ?????? ??????? ??????? ????????
ملخص اجتماع الجمعية العامة الغير العادية المواد المعدلة من النظام الاساسى للشركة المادة (21) قبل التعديل: يتولي إدارة الشركة مجلس إدارة مو لف من ثلاثة أعضاء علي الا قل و أحد عشر عضوا علي الا كثر تعينهم
الجلسة الأولى: الابتكار والملكية الفكرية
الجلسة الثانية :الملكية الفكرية واالبتكار في المجتمعات األكاديمية الملكية الفكرية والمؤسسات األكاديمية دور الملكية الفكرية الجامعية إدارة الملكية الفكرية الجامعية وسياساتها ما الهدف األساسي الذي خلقت من
مؤتمر: " التأجير التمويلي األول " طريق جديد لالستثمار لدعم وتنمية المشروعات القومية والشركات الصغيرة والمتوسطة تحت رعاية : و ازرة االستثمار و ازرة اال
مؤتمر: " التأجير التمويلي األول " طريق جديد لالستثمار لدعم وتنمية المشروعات القومية والشركات الصغيرة والمتوسطة تحت رعاية : و ازرة االستثمار و ازرة االتصاالت وتكنولوجيا المعلومات الهيئة العامة للرقابة المالية
المرأة "عدوة نفسها"... الكوتا النسائية "في ذمة هللا" روزيت 22 شباط :45 المصدر: "النهار"الق انون والكوتا يا سادة.) االنترن
المرأة "عدوة نفسها"... الكوتا النسائية "في ذمة هللا" روزيت فاضل@ rosettefadel @ 22 شباط 2018 20:45 المصدر: "النهار"الق انون والكوتا يا سادة.) االنترن خسرنا الجولة ال المعركة: احترام الكوتا النسائية غاب
Microsoft Word - 1-NURSE CALL SYSTEM
أنظمة التيار الخفيف 1 -نظام استدعاء الممرضات Eman.A (نظام استدعاء الممرضات) NURSE CALL SYSTEM الھدف من النظام : تسھيل عملية الرعاية الصحية للمرضي, مساعدته في حالة الطوارء. تسھيل التواصل بين فريق العالج
السيرة الذاتية دكتور / عاطف محمد أحمد أحمد أوال: البيانات الشخصية: أستاذ مشارك بقسم المحاسبة كلية التجارة - جامعة بنى سويف مصر والمعار لكلية الدراسات
السيرة الذاتية دكتور / عاطف محمد أحمد أحمد أوال: البيانات الشخصية: أستاذ مشارك بقسم المحاسبة كلية التجارة - جامعة بنى سويف مصر والمعار لكلية الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع جامعة الدمام السعودية األسم:
الــــــرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنــــشاءات مــشاريع األبـــــــراج ﺍﻟـــﺮﺑــﻊ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ 2017 )سنة األساس (2013 ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺻﺪﺍﺭ : ﻣﺎﺭﺱ 2018 الـرقم الــــق
الــــــرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنــــشاءات مــشاريع األبـــــــراج ﺍﻟـــﺮﺑــﻊ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ )سنة األساس (2013 ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺻﺪﺍﺭ : ﻣﺎﺭﺱ 2018 الـرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنشاءات 1 مفصال حسب : مجموعات المواد والخدمات
بسم الله الرحمن الرحيم
االسم: المعلومات التعريفية طارق مفلح جمعة أبو حجي ر الجنسية: فلسطيني تاريخ الميالد: 9/7/1978 الحالة االجتماعية: متزوج العنوان: فلسطين غزة رقم الهاتف : 2565936-08 0097 هللامسب السيرة الذاتية( C.V ) رقم
الــــــرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنــــشاءات مــشاريع األبـــــــراج ﺍﻟـــﺮﺑــﻊ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ 2017 )سنة األساس (2013 ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺻﺪﺍﺭ : ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ 2017 الـرقم الـــ
الــــــرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنــــشاءات مــشاريع األبـــــــراج ﺍﻟـــﺮﺑــﻊ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ 2017 )سنة األساس (2013 ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺻﺪﺍﺭ : ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ 2017 الـرقم الــــقياسي لتكاليف اإلنشاءات 1 مفصال حسب : مجموعات المواد
Microsoft PowerPoint - modern_Fusha
أخبار وتنبيھات سيمينار التنوع اللغوي في العالم العربي المحاضرة الرابعة 19 سبتمبر 2013 اكتشفت طريقة ترتيب شرائح الباوربوينت من اليمين إلى اليسار. مجموعات اللھجات: ابدأوا التفكير في أي لھجة تريدون دراستھا
<4D F736F F D20CFE1EDE120E3E5C7D1C7CA20C7E1CADDDFEDD E646F63>
National Center for Examinations & Educational Evaluation (NCEEE) المركز القومى لالمتحانات والتقويم التربوى قسم البحوث وحدة االختبارات النفسية والتربوية دليل إثراء مھارات التفكير المتمايز في ضوء اتجاھات
PowerPoint Presentation
Forum du Futur منتدى المستقبل أفاق النمو االقتصادي والخيارات االقتصادية واالجتماعية الكبرى في تونس Perspectives de Croissance Economique et Choix Fondamentaux Economiques et Sociaux en Tunisie Mustapha
Allomani Warehouse User Guide
المخزن warehouse.allomani.com دليل المستخدم اللوماني للخدمات البرمجية www.allomani.com / 11 اكتوبر / 2010 1 P a g e المحتويات اضافة و اعداد موقعك في المخزن... 3 اعداد بيانات ال...FTP 3 اعدادات بيانات حقوق
Microsoft Word - CO_RT10
إعداد : تقديم الشكل أسفله يمثل مضخم يعتمد على ترانزيستور. فھو يحتوي على شبكة من المقاومات تمكن من تقطيب و مكثفات تعمل على ربط المضخم بأخر وذلك بتمرير اإلشارات المتناوبة. R1 100k 1µF 1µF (Load) Rc (charge)
الرسالة األسبوعية/ الصف السادس 2018 / 9 - األحد 16 أولياء األمور الكرام : إليكم الرسالة األسبوعية وما سيتم إنجازه هذا األسبوع: األسبوع الماضي : تم اال
الرسالة األسبوعية/ الصف السادس 2018 / 9 - األحد 16 أولياء األمور الكرام : إليكم الرسالة األسبوعية وما سيتم إنجازه هذا األسبوع: األسبوع الماضي : تم االنتهاء من مراجعة أهم المهارات النحوية وسيتم إرسال األوراق
1
1 الشبكة السورية لحقوق اإلنسان )SNHR( هي منظمة حقوقية غير حكومية وذات غايات غير ربحية تأس ست في حزيران/ يونيو 2011 نتيجة لالزدياد الممنهج في انتهاكات حقوق اإلنسان في سوريا ذلك بهدف المساهمة في حفظ حقوق
CME/40/5(b) Madrid, April 2015 Original: English لجنة منظمة السياحة العالمية للشرق األوسط اإلجتماع األربعون دبي اإلما ارت العربية المتحدة 5 أيار/مايو
Madrid, April 2015 Original: English لجنة منظمة السياحة العالمية للشرق األوسط اإلجتماع األربعون دبي اإلما ارت العربية المتحدة 5 أيار/مايو 1025 البند 5 )ب( من جدول األعمال المؤقت 5. تنفيذ برنامج العمل العام
Microsoft Word - إعلانات توظيف لسنة 2017
الجمهوریة الجزاي ریة ا يمقراطیة الشعبية République Algérienne Démocratique et Populaire Ministère de l Enseignement Supérieur Et de la Recherche Scientifique Université d OumElBouaghi Sous Direction des
لقانون العام للمساواة في المعاملة - 10 أسئلة وأجوبة
القانون العام للمساواة في المعاملة Allgemeines Gleichbehandlungsgesetz (AGG) 10 أسئلة وأجوبة Arabisch 1 ما أهداف قانون AGG يستهدف قانون AGG منع أي شكل من أشكال التمييز بسبب: األصل العرقي العمر الجنس الهوية
Date: م :17 الجودة ضمان تقرير CAD Website: app.nawroz.edu.krd Page 1 from 6
الجودة ضمان تقرير CAD 17-1 Website: app.nawroz.edu.krd Page 1 from عبد الامير سهم رسن الكلية: کلیة الهندسة القسم: الاتصالات وهندسة الحاسوب تاريخ الميلاد: 1-7-195 الاختصاص العام: هندسة الميكانيك الاختصاص
كلية الطب البيطري ملتقي التوظيف الثاني كلية الطب البيطري- جامعة الزقازيق األربعاء 7122/2/72 تحت رعاية رئيس الجامعة: أ.د/ أحمد الرفاعي عميد الكلية: أ.د
ملتقي التوظيف الثاني - جامعة الزقازيق األربعاء 7122/2/72 تحت رعاية رئيس الجامعة: أ.د/ أحمد الرفاعي عميد الكلية: أ.د/ مهدي عبدالجواد عبدالقادر رابطة الخريجين: أ.د/ آمال أنيس مهدي )رئيس مجلس اإلدارة( كلمة
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة محمد خيضر بسكرة- كلية اآلداب والعلوم االجتماعية قسم علم االجتماع دراسة ميدانية على بعض متوسطات بلدية -باتنة -
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة محمد خيضر بسكرة- كلية اآلداب والعلوم االجتماعية قسم علم االجتماع دراسة ميدانية على بعض متوسطات بلدية -باتنة - مذكرة مقدمة لنيل شھادة الماجستير في علم االجتماع -
نشرة توعوية يصدرها معهد الدراسات المصرفية دولة الكويت - ابريل 2015 السلسلة السابعة- العدد 9 كفاءة سوق األوراق املالية Efficiency of the Securities Mar
نشرة توعوية يصدرها معهد الدراسات المصرفية دولة الكويت - ابريل 2015 السلسلة السابعة- العدد 9 كفاءة سوق األوراق املالية Efficiency of the Securities Market تعتبر األسواق المالية ذات أهمية كبرى لالقتصاد القومي
Slide 1
تصميم السيرة الذاتية كصفحات الويب د. احمد عادل اسماعيل عمادة المركز الجامعي لخدمة المجتمع و التعليم المستمر. WWW.Dr-Ahmed.Info Info@Dr-Ahmed.Info -------------- المرجع: www.support.office.com اهداف المحاضرة
الخدمة العربية للكرازة باإلنجيل Arabic Bible Outreach Ministry بين العقل واإليمان الجزء األول بقلم د. ھيرمان بافينك ترجمة د. عبد ا
بين العقل واإليمان الجزء األول بقلم د. ھيرمان بافينك ترجمة د. عبد المسيح أسطفانوس All Rights Reserved جميع الحقوق محفوظة الرجاء التقيد جميع الحقوق محفوظة للمؤلف وال يجوز إعادة نشر أو طبع ھذا الكتاب بأي
Microsoft Word - Sample Weights.doc
ورشة العمل الا قليمية حول تصميم العينات الدوحة ١٥-١٧ ا يار/ مايو ٢٠٠٧ ترجيح العينات ا عداد خميس رد اد مستشار العينات ١ المحاضرة الثامنة ترجيح العينات مقدمة ان عملية ترجيح العينة تعنى عملية اعادة وضع العينة
العدد الثالث عرش يناير أهداف التنمية المستدامة: "تحويل عالمنا" باالبتكار Eng. Maritza VARGAS Independent Environmental and Sustainability Consu
4 أهداف التنمية المستدامة: "تحويل عالمنا" باالبتكار Eng. Maritza VARGAS Independent Environmental and Sustainability Consultant أهداف التنمية المستدامة في 25 سبتمبر 2015 اعتمدت قمة األمم المتحدة للتنمية
منح مقد مة من مبادرة ألبرت أينشتاين األكاديمية األلمانية لالجئين إلى النازحين السوريين في لبنان يعرف باسم "دافي (DAFI) العام األكاديمي الجامعي 4102/41
منح مقد مة من مبادرة ألبرت أينشتاين األكاديمية األلمانية لالجئين إلى النازحين السوريين في لبنان يعرف باسم "دافي (DAFI) العام األكاديمي الجامعي طلب مساعدة تعليمية مالحظة: إن الموعد النهائي لتقديم الطلبات
Microsoft Word - Governance Report 2016 Arabic
تقرير مجلس إدارة بي إن بي باريبا السعودية لالستثمار عن أداء و أنشطة الشركة للعام المالي 2016 م 1 P a g e يسر مجلس إدارة شركة بي إن بي باريبا السعودية لالستثمار أن يتقدم بتقريره السنوي عن أداء الشركة و
االسم الكامل: معيد. الوظيفة: رمي بنت سليمان بن أمحد امللحم. المعلومات الشخصية الجنسية سعودية. تاريخ الميالد 1407/4/19 ه القسم الدراسات اإلسالمية. البر
االسم الكامل: معيد. الوظيفة: رمي بنت سليمان بن أمحد امللحم. المعلومات الشخصية الجنسية سعودية. تاريخ الميالد 1407/4/19 ه القسم الدراسات اإلسالمية. البريد الجامعي الرسمي reem_almulhem@hotmail.com الهاتف
بسم الله الرحمن الرحيم الخطة الدراسية لدرجة الماجستير في قانون الملكية الفكرية ( مسار الشامل ) 022 ش 5 رقم الخطة أوال : أحكام وشروط عامة : ثانيا : ثال
بسم الله الرحمن الرحيم الخطة الدراسية لدرجة الماجستير في قانون الملكية الفكرية ( مسار الشامل ) 022 ش 5 رقم الخطة أوال : أحكام وشروط عامة : ثانيا : ثالثا : 0 2 شروط خاصة : تتفق هذه اخلطة مع تعليمات برامج
المملكة العربية السعودية
Kingdom of Saudi Arabia Ministry of Higher Education Al- Majmaah University اللكة العربية السعودية وزارة التعلي العالي جاعة الجعة الذاتية السيرة حاضر ساح عبد الكري إبراهي اللغويات بكلية العلو والدراسات
( اختبارات الفروق لعينتين مستقلتين Samples) 2) Independent مان- ويتني( U (Mann-Whitney ب( نحتاج الى ھذا القانون الغراض المقارنة بين مجموعتين او عينتين
( اختارات الفروق لعينتين مستقلتين Samples) 2) Independent مان ويتني( U (MannWhitney ( نحتاج الى ھذا القانون الغراض المقارنة ين مجموعتين او عينتين مستقلتين مثال المقارنة ين عينة للذكور م ع عينة لالناث او
PowerPoint Presentation
اليوم اإلعالمي حول التوجيه الجامعي إدارة الشؤون األكاديمية والشراكة العلمية بالجامعة 15 جويلية 2016 بالمعهدالعالي للتصرف بقابس جامعة قابس جامعة الجنوب الشرقي خارطة جامعية تمتد على أربع واليات + 15 مؤس
6 الجمهورية الج ازي رية الديمق ارطية الشعبية مديرية التربية لولاية الطارف و ازرة التربية الوطنية امتحان البكالوريا التجريبي في مادتي التاريخ والجغ ارف
6 الجمهورية الج ازي رية الديمق ارطية الشعبية مديرية التربية لولاية الطارف و ازرة التربية الوطنية امتحان البكالوريا التجريبي في مادتي التاريخ والجغ ارفيا ) دورة ماي ( 2017 المدة : 03 ساعات ونصف الشعبة :تسيير
Doc-Presse-Final1
الملف الصحفي 02 أكتوبر 2014 التقييم األو لي للفترة االنتخابية 1 www.mourakiboun.org : غموض ونقاط استفھام في ما يتعلق بسجل الناخبين الحظت شبكة مراقبون تضاربا في األرقام التي قدمتھا الھيئة العليا المستقلة
PowerPoint Presentation
ZAD Consult- Management Consultations and Feasibility Studies شركة زاد لدراسات الجدوى الهندسية و االقتصادية 1 دراسات جدوى مبدئية دراسات الجدوى االقتصادية المتقدمة تخطيط االعمال التقييم الدراسات السوقية
brochure
Gaza Community Mental Health Programme يعد العنف ضد المرأة من أكثر أشكال العنف انتشارا ويمس حياة ملايين من النساء في كل أنحاء العالم بغض النظر عن أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية وعن مستواهن التعليمة ويتجاوز
طور المضغة
طىر المضغة ف خ ل ق ن ب ال ع ل ق ة م ض غ ة أد/ حنف محمىد مذبىل عضى الهيئة العبلمية لإلعجبز العلم ف القرآن والسنة يتم التحول سريع ا من علقة إلى مضغة خالل يومين )من اليوم 24 إلى اليوم 26( لهذا وصف القرآن
المملكة العربية السعودية م ق س ..../1998
SFDA.FD 2483 /2018 الدهون )األحماض الدهنية( المتحولة Trans Fatty Acids ICS : 67.040 تقديم الهيئة جهة مستقلة الغرض األساسي لها هو القيام بتنظيم وم ارقبة الغذاء والدواء واألجهزة الطبية ومن مهامها وضع اللوائح
????? ??????? ????????? :::...
حصاد( حمد م د ق ا ھ ي دورة* ن م و ع ظ ة م ش ف اء و ك م ب ا م يونس:[ ن م ر ح م ة و ھ د ى و اإلفتتاحية* قصيدة* االنتخابات* من* استعراض* 1 of 7 3/30/2009 3:23 PM المجاھدين )) شبكة الشورى اإلسالمية < ::: قسم
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم اهلل الرحمن الرحيم السيرة الذاتية اوال البيانات الشخصية االسم بدر رفعت سلمان دويكات 1691 تاريخ الميالد مكان الوالدة الحالة االجتماعية متزوج ولي أربعة أوالد الجنسية فلسطيني الوظيفة الحالية أستاذ مساعد