أوراق مؤتمر: )السلفيون وآفاق املستقبل( ضمنت األوراق التي وصلت إىل اللجنة العلمية قبل انعقاد املؤتمر 1
اإلفتتاحية الشيخ / أحمد بن عبدالرحمن الصويان 1
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل خاتم األنبياء واملرسلني.. وبعد : فإن ختصيص السلفيني هبذا املؤمتر ليس تعصبا أو حتزبا أو إقصاء لآلخرين معاذ اهلل فاألمة أحوج ما تكون يف هذه املرحلة خصوصا إىل التعاون عىل الرب والتقوى والبعد عن االفرتاق والتعصب. لكن لذلك أسباب موضوعية منها: أن احلملة عىل التيار السلفي قطعت أشواطا بعيدة جديرة باملدارسة واملناقشة فالغرب جعل لكل مرحلة من حروبه عىل اإلسالم شعارا جديدا فبعد شعار )احلرب عىل اإلرهاب( تبنى اآلن )حرب العقائد واألفكار( وأصبحت )احلرب عىل السلفية( أحد معامل املرحلة وهو يسعى لتصدير إسالم عرصي متسامح يمكن ترويضه واحتواؤه, يكون بديال عن اإلسالم السلفي الذي يصفونه بالتشدد واالنغالق. وهلذا فقد سعى لبناء شبكة من اإلسالميني املعتدلني خيرتق من خالهلم واقع املسلمني الدعوي والفكري ويعيد تفسري اإلسالم ليتوافق مع مصاحله ونفوذه السيايس. ومنها: أن االجتاهات البدعية التقليدية من جهة أخرى- وجدت نفوذها ينحرس ويتآكل, يف الوقت الذي يزداد فيه نفوذ التيار السلفي وهلذا سعت جاهدة إلحياء ما اندرس من أعالم البدعة, وشنت هجوما ضاريا عىل منهج السلف وأئمته يف القديم واحلديث ووجد الغرب يف بعضهم حليفا يمكن توظيفه ملواجهة السلفيني. وأما التيارات واألحزاب العلامنية والليربالية فقد تعاملت بتشنج وقلق شديد من احلضور السلفي الذي أذهلهم -خاصة بعد الثورات العربية - وراحت متارس أرخص األساليب يف تشويه صورة السلفيني يف اإلعالم العريب, وأصبحت السلفية هي )الفزاعة( التي يصيح يف التحذير منها بعض السياسيني واإلعالميني واملفكرين العرب. هذه احلملة بأبعادها املختلفة ليست رشا حمضا بل إهنا تدل عىل أن التيار السلفي حقق وهلل احلمد واملنة حضورا قويا ونجاحا كبريا, أذهل السلفيني أنفسهم فضال عن غريهم وهذا حيمل السلفيني أمانة عظيمة و مسؤولية كبرية تتالءم مع حساسية وخطورة املرحلة التارخيية التي متر هبا املنطقة العربية. لكننا يف الوقت نفسه ندرك أن بعض السلفيني كغريهم من أبناء الدعوة - فيهم من األدواء واملشكالت ما نرى أنه يعوق من إنطالقتهم وحيد من تأثريهم وهذه املشكالت حتتاج إىل مصارحة ومكاشفة يف تدارسها وعالجها واألمر كام قال الشاعر: ومل أر يف عيوب الناس عيبا كنقص القادرين عىل التامم لقد فرضت الثورات العربية واقعا جديدا ليس عىل األنظمة واحلكومات واألحزاب التقليدية فحسب, 2
بل حتى عىل الوسط اإلسالمي نفسه وعىل التيار السلفي خصوصا. وهذا يتطلب أفقا جديدا يتجاوز ردود األفعال املترسعة والرؤى االنطباعية القارصة ثم يستوعب املتغريات املتالحقة ويعيد ترتيب األوليات ويقرأ الواقع ببصرية واعية تتخلص من أدواء وأثقال املايض التي أهدرت فرصا دعوية كثرية وبطأت من إنطالقة بعض العلامء والدعاة. وهذه القراءة ال يمكن أن يقوم هبا شخص واحد أو مؤسسة واحدة أو فصيل واحد ولكن جيب أن تستنهض الطاقات وتأتلف اجلهود وجتتمع اخلربات لتحقيق ذلك. من أجل ذلك كله رأينا يف "جملة البيان" أن يعقد هذا املؤمتر ملناقشة هذه اآلفاق والتحديات وأزهار الربيع العريب مل ا تقطف بعد الستدراك ما يمكن استدراكه من آفاق وفرص دعوية ولتحقيق التعاون عىل الرب والتقوى والتشاور وتبادل اخلربات والتجارب. وحرصنا أن يكون ذلك بعيدا عن األضواء ووسائل اإلعالم من أجل تتميز حواراتنا بأكرب قدر ممكن من املكاشفة واملصارحة عىل بساط من املحبة واألرحيية وسعة الصدر وحسن الظن. ونتطلع بتعاونكم وتسديدكم حتقيق األهداف اآلتية: 1- تعزيز التواصل والتعارف وبناء الثقة واألخوة. 2- تبادل اخلربات والتجارب العملية. 3- احلوار حول بعض اإلشكاالت بني السلفيني أنفسهم ومع الواقع من حوهلم. 4- الوضوح واملكاشفة يف ترشيد األداء السلفي. وهذه األهداف كام ترون أهداف كبرية ومتشعبة, ونتطلع يف هذا اللقاء إىل معاجلة بعضها, لكننا بالتأكيد ال نستطيع مناقشة مجيع القضايا واإلحاطة بكل التفاصيل, وهلذا أقرتح عىل أصحاب الفضيلة احلرص عىل الرتكيز, وجتاوز املقدمات, وتأجيل االستطرادات قدر اإلمكان, حتى ال يكون ذلك عىل حساب املحاور األساسية. أهيا العلامء والدعاة: هذا اللقاء جيمع ثلة كريمة من السلفيني, لكنه ال يمثل كل السلفيني, فهناك كوكبة مباركة دعوناهم ومل تتيرس مشاركتهم معنا, وهناك كوكبة أوسع مل تتيرس لنا دعوهتم ألسباب عديدة, مادية وتنظيمية, نرجو أن نراهم يف مناسبات أخرى قادمة ونرجو أن ينجح هذا املؤمتر يف تأليف القلوب ومجع الشتات وتوحيد الصفوف فهذا هو سبيل النرص بإذن اهلل تعاىل - قال جل وعال: }وال تنازعوا فتفشلوا وتذهب رحيكم{ ]األنفال:.]46 3
ختاما : من املسائل التي سببت لنا حرجا كبريا يف إعداد الربنامج العلمي أن هذا اللقاء جيمع نخبة من أشياخنا األعالم وكنا نتساءل: من سيتحدث منهم ومن سيداخل والذي نتمناه أن نستفيد من اجلميع قدر اإلمكان لكن الوقت كام ترون قصري جدا فلعنا نسدد ونقارب ومثلكم يلتمس العذر وحيسن الظن. وربام يكون هذا اللقاء فاحتة خري للقاءات قادمة بإذن اهلل تعاىل - ت تم م ما بدأنا فيه يف هذا املؤمتر. وصىل اهلل عىل حممد وآله وسلم 4
االنقسام السلفي: أسبابه وعالجه أ.د. ناصر العمر 1
االنقسام السلفي: أسبابه وعالجه احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل املبعوث رمحة للعاملني وعىل آله وصحبه أمجعني وبعد. فقد أمر اهلل سبحانه وتعاىل عباده املؤمنني باالجتامع واالتفاق وهناهم عن الشقاق واالفرتاق فقال عز من قائل: }ي ا أ ي ا ال ذ ين آم ن وا ات ق وا اهلل ح ق ت ق ات ه و ال مت وت ن إ ال و أ ن ت م م س ل م ون )102( و اع ت ص م وا ب ح ب ل اهلل مج يع ا و ال ت ف ر ق وا{ ]آل عمران: 103[ 102 وامتن عليهم بنعمة تأليف قلوهبم فقال: }و اذ ك ر وا ن ع م ت اهلل ع ل ي ك م إ ذ ك ن ت م أ ع د اء ف أ ل ف ب ني ق ل وب ك م ف أ ص ب ح ت م ب ن ع م ت ه إ خ و ان ا و ك ن ت م ع ىل ش ف ا ح ف ر ة م ن الن ار ف أ ن ق ذ ك م م ن ه ا ك ذ ل ك ي ب ني اهلل ل ك م آي ات ه ل ع ل ك م هت ت د ون } ]آل عمران: 103[ وبني وبال التنازع والفرقة فقال: }و ال ت ن از ع وا ف ت ف ش ل وا و ت ذ ه ب ر حي ك م } ]األنفال: 46[. وأوىل الناس اليوم بامتثال هذه األوامر والنواهي هم السلفيون أهل السنة واجلامعة يف هذا العرص وإنام سموا أهل اجلامعة الجتامعهم وعدم افرتاقهم لكن الواقع ييش بغري املأمول فالناظر يف الساحة اإلسالمية يرى من انقسام السلفيني وتفرقهم ما يدمع العني ويدمي القلب ونحن يف هذه الكلامت نقف مع هذه الظاهرة مبينني بعض أهم أسباهبا وطرق عالجها. أوال : أسباب االنقسام السلفي االنقسام السلفي اليوم له كثري من األسباب ونحن هنا لسنا بصدد حرصها مجيعا لكننا ننبه عىل طائفة من أمهها ونبني العالج املقرتح وال خيفى أن األمر يف هذا اجتهادي وهذه الكلامت من املأمول أن تكون لبنة يف بناء املراجعات الرضورية والنقد الذايت الذي ينبغي أن يتداعى له الغيورون ال أقول عىل الدعوة السلفية فحسب بل عىل دين اإلسالم وأمة اإلسالم. وفيام ييل عرض رسيع لعرش من األسباب املختارة نتبعه بذكر العالج املقرتح. السبب األول: اختالف األفهام والتعصب للرأي: لقد خلق اهلل سبحانه وتعاىل خلقه متفاوتني يف العقل والفهم والطباع وكان من نتيجة هذا التفاوت أن وجد االختالف بني الناس منذ بدايات البرشية األوىل -كام يف قصة ابني آدم- إىل يومنا هذا إىل أن يرث اهلل األرض ومن عليها. فاالختالف أمر واقع مالزم للمجتمعات اإلنسانية وليس املجتمع املسلم عن هذا الواقع ببعيد وليس أهل السنة واجلامعة كذلك عنه ببعيد. وهذا االختالف عىل قسمني رئيسني كام هو معلوم فاختالف تنوع واختالف تضاد أما األول فهو الذي يكون كل فرد من أفراده صحيحا يف نفسه ومثاله االختالف يف روايات القرآن أو صيغ الصالة عىل النبي صىل اهلل عليه وسلم يف الصالة أو هيئات الصالة وما أشبه ذلك فهذا االختالف ال يرض ما دام كل ذلك ثابتا عن النبي صىل اهلل عليه وسلم. وأما اختالف التضاد فال يكون كل فرد من أفراده صحيحا يف نفسه فإن كان يف أمر الدنيا فقد يكون هناك مصيب وخمطئ أو قد ال يوجد مصيب وأما يف أمور الدين -ومثاله 2
اختالف الفقهاء يف األحكام الفقهية أو املحدثني يف احلكم عىل األحاديث- فال جيوز أن ختلو األمة من قائل باحلق يف كل مسألة يف أي زمن من األزمنة والصواب يف مثل هذه املسائل مع أحدهم ال مجيعهم ألن احلق واحد ال يتعدد. اختالف التضاد يف حد ذاته ال ينبغي أن يكون سببا من أسباب الفرقة والبغضاء واالنقسام إذا كان يف مسائل االجتهاد فقد بني النبي صىل اهلل عليه وسلم أن لكل من املصيب واملخطئ أجره إذا اجتهد يف طلب احلق قال صىل اهلل عليه وسلم: "إذا حكم احلاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" ))) لكن الذي يؤدي للفرقة هو إرصار كل فريق عىل رأيه وتعصبه له وعدم اتساع قلبه وصدره للخالف. السبب الثاين: إعجاب كل ذي رأي برأيه وحب الرياسة والظهور: وال شك أن يف هذا من إيغار الصدور وبث بذور الشقاق واخلالف ما فيه فكيف إذا تفشى بني كثري من أفراد اجلامعة إن هذه اآلفات كفيلة بإحداث االنقسام يف أي جمموعة تظهر فيها فإذا أعجب املرء برأيه مل يكد يسمع لغريه فضال عن أن يقبل منهم وهذا خالف ما أمر به رب العزة تبارك وتعاىل نبيه عليه الصالة والسالم حيث قال: }و ش او ر ه م يف األ م ر { ]آل عمران: 159[ وهو خالف حال املؤمنني الذين وصفهم سبحانه بقوله: }و أ م ر ه م ش ور ى ب ي ن ه م } ]الشورى: 38[. وأيضا فقد قيل قديام : حب الظهور يقسم الظهور وهو إن كان يقسم ظهر صاحبه فإنه أيضا يقسم ظهر اجلامعة عندما يكون مصحوبا بحب الرياسة. وحب الرياسة والتقدم قد خيفى عىل املرء وخلطره اعتنى أئمة السلف األائل بالتحذير منه: قال شداد بن أوس - ريض اهلل عنه -:»يا بقايا العرب: إن أخوف ما أخاف عليكم: الرياء والشهوة اخلفية«قيل أليب داود السجستاين:»ما الشهوة اخلفية قال: حب الرياسة«قال ابن تيمية معقبا :»فهي خفية ختفي عن الناس وكثريا ما ختفي عىل صاحبها«))) وقال سفيان الثوري:»إياك وحب الرياسة فإن الرجل تكون الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة وهو باب غامض ال يبرصه إال البصري من العلامء السامرسة فتفقد نفسك واعمل بنية«. السبب الثالث: نفي السلفية عن اآلخرين: السلفية ليست كلمة مبهمة وال مصطلحا خفيا بل هي منهج واضح بني يقوم عىل األخذ بالكتاب والسنة وتعظيمهام والعمل هبام يف الظاهر والباطن وحتكيمهام يف كل االعتقادات واألفعال واألقوال مع ضبط ذلك كله بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعني ومن تبعهم بإحسان وسار عىل درهبم ومنهجهم من األئمة املتبوعني والعلامء العاملني وهذه هي السبيل التي أمر اهلل عز وجل عباده باتباعها كام يف قوله جل وعز: }و م ن ي ش اق ق الر س ول م ن ب ع د م ا ت ب ني ل ه اهل د ى و ي ت ب ع غ ري س ب يل صحيح البخاري )6919( 2676/6 صحيح مسلم.)1716( 1342/3 ))) جمموع الفتاوى 346/16. 3
امل ؤ م ن ني ن و ل ه م ا ت و ىل و ن ص ل ه ج ه ن م و س اء ت م ص ري ا{ ]النساء: 115[. ومثل هذا ال خيفى عىل أحد ممن ينتمي للسلفية أفرادا ومجاعات فمن زعم االنتامء للسلفية حاكمنا ظاهره إىل ما سبق ووكلنا رسيرته إىل اهلل هذا هو الواجب وأما احلاصل اليوم فكثري منه يسري بخالف هذا األصل األصيل حيث تنفي السلفية دون تثبت وبأدنى شبهة بل أحيانا بمحض التشهي والتشفي. إن الناظر يف تاريخ هذه األمة جيد من حال صدرها األول عجبا ففي اجلمل وصفني وصل األمر إىل أن رفع الصحابة ريض اهلل عنهم أمجعني سيوفهم يف وجه بعض لكن هذا ما محلهم عىل البغي عىل إخواهنم بنفي كل فضيلة عنهم وإخراجهم من دائرة اجلامعة الواحدة ففي تاريخ دمشق البن عساكر أن عليا قال: )من كان يريد وجه اهلل منا ومنهم نجا. يعني يوم صفني( ))) فانظر كيف أنه ريض اهلل عنه مل ينف أن يكون منهم من يطلب احلق ويريد وجه اهلل وفيه أيضا : )سمع عامر رجال يقول: كفر أهل الشام. قال: مل يكفروا إن حجتنا وحجتهم واحدة وقبلتنا وقبلتهم واحدة ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن احلق فحق علينا أن نردهم إىل احلق( ))) وفيه )عن مكحول أن أصحاب عيل سألوه عمن قتلوا من أصحاب معاوية قال: هم املؤمنون( ))) وعىل الطرف اآلخر وكام يف تاريخ دمشق أيضا : )جاء نعي عيل بن أيب طالب إىل معاوية وهو نائم مع امرأته فاختة بنت قرظة فقعد باكيا مسرتجعا فقالت له فاختة: أنت باألمس تطعن عليه واليوم تبكي عليه! فقال: وحيك أنا أبكي ملا فقد الناس من حلمه وعلمه( ))). فال حيل لنا أن ننفي السلفية عن أحد ممن يرفع شعارها بمحض التشهي وال بمجرد االختالف معه وحتى لو قدر وقوع خالف منهجي يف مسألة أو أكثر فإن هذا ال يكفي لنفي السلفية عن املخالف اللهم إال إن كان هناك إمجاع سلفي سابق ال خالف فيه وعلمنا إرصاره عىل تنكب منهج السلف الواضح البني قال ابن تيمية رمحه اهلل: ( فاملتأول واجلاهل املعذور ليس حكمه حكم املعاند والفاجر بل قد جعل اهلل لكل يشء قدرا ( ))) وأما دعوى اإلمجاع التي مل تثبت أو األمر املحتمل أو ما وقع فيه خالف بني السلف أنفسهم فكيف حيل ألحد اليوم أن ينفي السلفية بمثل هذا االختالف! السبب الرابع: سوء الظن باملخالفني وإلقاء التهم جزافا : األصل أن حتمل حال املسلمني عىل السالمة السالمة من الكفر والبدع واملخالفات وال ينتقل عن هذا األصل إال بيقني ويتأكد هذا مع من يرفع راية اإلسالم ويدعو إليه ومن باب أوىل مع من يدعو إىل منهج السلف ويذب عنه ويزعم االنتساب إليه. فإن قدر أن صدر من بعض األفاضل ما حيتمل أن خيالف ما يدعون إليه من منهج السلف فينبغي محل كالمهم تاريخ دمشق /1(.)346 تاريخ دمشق /1(.)347 تاريخ دمشق /1(.)344 تاريخ دمشق /42( )582 جمموع الفتاوى /3( )288 4
وأفعاهلم عىل أحسن املحامل واالعتذار عنهم بشتى أنواع األعذار كسبق اللسان أو القلم أو الذهول عن االحتامل الرديء أو غري ذلك. ثم لو قدر أن يصدر من الفاضل ما ال حيتمل التأويل وال احلمل عىل املحمل احلسن فإنه حيتمل من الفاضل ما ال حيتمل من غريه وسابق فضله وعلمه قد يكون بحرا تنغمر فيه مثل هذه الزلة وأي امرئ ال يقع يف الزالت واألخطاء واهلنات وانظر إذا شئت إىل حال النبي صىل اهلل عليه وسلم مع حاطب بن أيب بلتعة ريض اهلل عنه يوم فتح مكة حيث احتمل منه سعيه إلفشاء رسه إىل قريش ملا له من سابقة يوم بدر ففي الصحيحني أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال له: )ما محلك يا حاطب عىل ما صنعت قال ما يب إال أن أكون مؤمنا باهلل ورسوله وما غريت وال بدلت أردت أن تكون يل عند القوم يد يدفع اهلل هبا عن أهيل ومايل وليس من أصحابك هناك إال وله من يدفع اهلل به عن أهله وماله. قال: صدق فال تقولوا له إال خريا. قال فقال عمر بن اخلطاب: إنه قد خان اهلل ورسوله واملؤمنني فدعني فأرضب عنقه. قال فقال: يا عمر وما يدريك لعل اهلل قد اطلع عىل أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم اجلنة. قال: فدمعت عينا عمر وقال: اهلل ورسوله أعلم( ))) وانظر يف املقابل إىل حاله صىل اهلل عليه وسلم مع املنافقني الذين قال قائلهم: )ما أرى ق ر اءنا هؤالء إال أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء( يريد بذلك أصحاب رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم كيف مل يقبل اعتذراهم قال ابن كثري رمحه اهلل: )فر فع ذلك إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم فجاء إىل رسول اهلل وقد ارحتل وركب ناقته فقال: يا رسول اهلل إنام كنا نخوض ونلعب. فقال: }أ ب اهلل و آي ات ه و ر س ول ه ك ن ت م ت س ت ه ز ئ ون )65( ال ت ع ت ذ ر وا ق د ك ف ر ت م ب ع د إ يام ن ك م إ ن ن ع ف ع ن ط ائ ف ة م ن ك م ن ع ذ ب ط ائ ف ة ب أ هن م ك ان وا جم ر م ني { وإن رجليه لتنسفان احلجارة وما يلتفت إليه رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم وهو متعلق بنسعة رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم( ))) واملقصود التفريق بني الناس من حيث نفس اخلطأ وإعطاؤه مكانه وكذلك من حيث اعتبار سابقة الفضل ألهل الفضل الذين بدرت منهم زلة. هذا واحتامل خطأ الفاضل وإقالة عثرته يشء والسكوت عن الباطل الذي صدر منه يشء آخر فال خيفى هنا أن إلقاء التهم جزافا أمر خمتلف عن التخطئة فالتخطئة مبنية عىل ما يظهر من األقوال واألفعال وأما إلقاء التهم فيتعامل مع النيات حيث حياسب اآلخرين عىل مكنونات ضامئرهم وحيمل أقواهلم وأفعاهلم عىل أسوأ املحامل مستحرضا فساد نية وقصد اآلخر أو أنه خيفي يف صدره ما ال يبديه للمؤمنني. السبب اخلامس: غياب املرجعية اجلامعة: ونعني هبذه املرجعية العامل أو العلامء الذين يلقون قبوال عند جمموع السلفيني بحيث يرجعون إليهم ويصدرون عن رأيم عند االختالف أو عند وقوع النوازل وقد أمر اهلل صحيح البخاري.)5904( 2309 /5 ))) تفسري ابن كثري )4/ 171(. 5
سبحانه وتعاىل بالرد إىل هؤالء يف مثل هذه املواطن قال اهلل سبحانه وتعاىل: }و إ ذ ا ج اء ه م أ م ر م ن األ م ن أ و اخل و ف أ ذ اع وا ب ه و ل و ر د وه إ ىل الر س ول و إ ىل أ ويل األ م ر م ن ه م ل ع ل م ه ال ذ ين ي س ت ن ب ط ون ه م ن ه م و ل و ال ف ض ل اهلل ع ل ي ك م و ر مح ت ه ال ت ب ع ت م الش ي ط ان إ ال ق ل يال{ ]النساء: 83[ قال العالمة السعدي رمحه اهلل: )هذا تأديب من اهلل لعباده عن فعلهم هذا غري الالئق. وأنه ينبغي هلم إذا جاءهم أمر من األمور املهمة واملصالح العامة ما يتعلق باألمن ورسور املؤمنني أو باخلوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا وال يستعجلوا بإشاعة ذلك اخلرب بل يردونه إىل الرسول وإىل أويل األمر منهم أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون األمور ويعرفون املصالح وضدها. فإن رأوا يف إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنني ورسورا هلم وحترزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مرضته تزيد عىل مصلحته مل يذيعوه وهلذا قال: { ل ع ل م ه ال ذ ين ي س ت ن ب ط ون ه م ن ه م } أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. ويف هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث يف أمر من األمور ينبغي أن يوىل م ن هو أهل لذلك وجيعل إىل أهله وال يتقدم بني أيديم فإنه أقرب إىل الصواب وأحرى للسالمة من اخلطأ( ))). وال خيفى أن مثل هذه املرجعية كانت موجودة مع بدء اندفاعة الصحوة اإلسالمية السنية السلفية يف العرص احلارض يف حياة املشايخ الثالثة ابن باز واأللباين وابن عثيمني رمحة اهلل عليهم حيث كانت مجوع السلفيني حول العامل تقر هلم بالعلم والفضل وترجع إىل أقواهلم وتسرتشد بآرائهم وقد كان بينهم رمحهم اهلل من التوافق والرتاحم والتقدير املتبادل ما يعزز وحدة السلفيني وإن اختلفت االجتهادات يف بعض املسائل قلت أو كثرت وبرغم ظهور بوادر االنقسام السلفي يف عرصهم إال أن وجودهم كان بمثابة صامم األمان والكابح من االنزالق الرسيع نحو هذا االنقسام وهذا فضل اهلل يؤتيه من يشاء. السبب السادس: االختالف يف تنزيل احلكم الرشعي عىل الواقع: جزء مهم من اخلالف عىل الساحة السلفية اليوم مرجعه إىل هذا األمر فقد تكون الكلمة متفقة عىل احلكم الرشعي يف مسألة ما لكن اخلالف يقع يف تنزيل هذا احلكم عىل الواقع وهذا يرجع إىل اختالف األنظار حيال الواقع واالختالف يف فهمه ومعرفة أبعاده وتفاصيله واألمر يف هذا واسع فإن العقول تتفاوت واألفهام ختتلف واإلملام بأبعاد الواقع يتفاوت كذلك ومثل هذا ال ينبغي أن يكون سببا للتدابر والتقاطع واالنقسام ما دام الضابط يف التعامل مع الواقع هو املنهج السلفي نفسه. السبب السابع: قلة العلم وفوىض الساحة العلمية والدعوية: ونقصد هبذه الفوىض اجلرأة التي نراها من بعض الناس الذين ال يرقون إىل مرتبة طالب العلم فضال عن أن يكونوا علامء حيث نجد الواحد منهم يتكلم يف كل باب من أبواب العلم والدعوة وإذا سئل أفتى بغري علم فضل وأضل هذا مع كون املسألة ))) تفسري السعدي )ص: 190(. 6
الواحدة من أمثال هذه املسائل لو عرضت عىل عمر جلمع هلا أهل بدر. ولئن كان مثل هذا األمر ليس باألمر اجلديد إال أن انتشار وسائل االتصال احلديثة قد ساهم يف تعاظم أثر هذا األمر وخطورته فرسائل املحمول ومواقع الشابكة العاملية أتاحت كام هائال من فرص نرش اآلراء واملعلومات. إن بابا عظيام من أبواب االنقسام السلفي هو تلك احلرب الرضوس التي نرى رحاها تدور يف جنبات املنتديات والغرف الصوتية املنترشة عىل الشابكة فإذا أخذنا بعني االعتبار أن الرشحية األعظم من السلفيني ليست منضوية حتت راية مجاعة أو مجعية معينة بحيث يمكن أن تنضبط يف إطار توجهاهتا أو توجيهاهتا أمكننا أن ندرك سبب استفحال األمر. إن املرء ليعجب من جرأة بعضهم عىل تقحم مواطن ليسوا من أهلها مع ما استقر يف أذهان طلبة العلم من خطورة الفتوى بغري علم وقد يكون من أسباب ذلك شيوع مفاهيم حرية الرأي والتعبري يف هذا العرص بحيث أصبحت متثل مرتكزا رئيسا يف الوعي اجلمعي لكثري من الناس حتى صار الفرد السلفي الذي مل يثن الركب عند أهل العلم واكتفى بسامع الدروس املسجلة واستقى كثريا من معلوماته الرشعية من املنتديات واملواقع غري قادر عىل التمييز بني ما هو مقبول وما هو ليس مقبوال يف هذا الباب. السبب الثامن: اخللل يف ميزان التقويم: الناظر يف اخلالفات عىل الساحة السلفية يرى أن كثريا مما يؤدي منها إىل االنقسام ليس عىل تلك الدرجة من األمهية التي أعطيت له فمنها ما وسع سلفنا السكوت عنه ومنها ما قدم وحقه التأخري ومنها ما أعطي أكرب من حجمه بكثري ومرجع هذا يف نظرنا إىل وجود خلل لدى البعض يف ميزان التقويم والنظر إىل األمور وهذا الداء -كغريه- ليس جديدا ففي صحيح البخاري عن ابن أيب نعم قال: "كنت شاهدا البن عمر وسأله رجل عن دم البعوض فقال: ممن أنت فقال: من أهل العراق. قال: انظروا إىل هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي صىل اهلل عليه وسلم وسمعت النبي صىل اهلل عليه وسلم يقول: مها رحيانتاي من الدنيا" ))) فانظر إىل هذا الرجل ملا اختل عنده امليزان كيف استعظم مسألة دم البعوض ومل ير فيام وقع من أهل العراق بحق احلسني ريض اهلل عنه من دعوته ثم إسالمه لعدوه ما يستحق السؤال والندم واالهتامم! فكذلك فيام جيد عىل الساحة إذ قد يؤدي هذا اخللل إىل أن يعادي املرء عىل أمر ال يستحق لكنه يأخذ عنده أكرب من حجمه فيكون يف نظره عظيام ومن هنا تقع الفرقة وفيام ييل نكتفي بذكر مثالني يف الساحة اإلسالمية اليوم: األول: اخللل يف تقويم اجلامعات والتنظيامت اإلسالمية: نظرا لنزوع بعض السلفيني إىل النقد السلبي فقد أدى ذلك إىل عدم العدل واإلنصاف عند كثري منهم أثناء حديثهم وتقويمهم للجامعات اإلسالمية العاملة يف صحيح البخاري 2234 /5.)5648( 7
الساحة وهذا أحدث رشخا وردة فعل عند تلك اجلامعات فأصبحت نظرة أفرادها للسلفيني نظرة سلبية ثم انعكس هذا األثر عىل التجمعات السلفية فأصبح بعضها ينقد بعضا مما زاد من االختالف والتفرق. اآلخر: اخللل يف عدم التفريق بني احلزبية وبني التجمع والتنظيم: نظرا لطغيان احلزبية عىل بعض التنظيامت واجلامعات اإلسالمية وحتذير السلفيني من احلزبية فقد تعدى هذا املفهوم إىل اخللط بني احلزبية املمقوتة وبني التجمع والتنظيم املرشوع فأصبح مصطلح )احلزبية( عند بعض السلفيني يعني حتريم التجمع والتنظيم الذي هو من األصول الالزمة ألي بناء ومرشوع حتى وصل األمر إىل تعمد الفوىض والتفرق خوفا من االهتام باحلزبية فأصبح من مسالك بعضهم )الفوىض املنظمة( خوفا من هتمة احلزبية املحرمة. السبب التاسع: طالب السوء وعدم التثبت من نقل الكالم: تارخينا اإلسالمي فيه كثري من النامذج التي أطلق عليها اسم علامء السوء الذين يرشون دينهم بعرض من الدنيا قليل فريضون الوالة أو العامة ويسخطون رهبم لتحقيق مصاحلهم الشخصية من مال أو جاه أو سلطان دون خوف من اهلل عز وجل اجلديد يف العرص احلديث عىل الساحة السلفية هو ظهور ما يمكن أن نسميهم طالب السوء وهم أناس يتحلقون حول املشايخ لطلب العلم أو حضور الدروس العامة ثم ينقلون ما يسمعونه من أحد املشايخ لغريه ممن قد يقول يف املسألة بقول آخر وقد يزيد الطالب كالما من عنده أو قد يفهم الكالم عىل غري وجهه فيقع من نسبته القول هلذا العامل من الرش ما اهلل به عليم ورش من كل ما سبق من يعلم بوجود خالف يف مسألة ما فيأيت ألحد املشايخ فيقول: ما تقول يا شيخ فيمن يقول كذا وكذا وقد يكون الشيخ خايل الذهن وال يقصد إساءة أو جترحيا ألحد فيأخذ الطالب مقالته إىل الشيخ اآلخر قائال : الشيخ الفالين يقول عنك كذا وكذا. فكم من فتنة أشعلها أمثال هؤالء الطالب وكم من عداوات وإحن قامت بسببهم وإىل اهلل املشتكى. ومن جهة أخرى فإن جزءا من هذه املشكلة يقع عىل عاتق املشايخ أنفسهم حيث يقبلون كالم هؤالء التالميذ وقد ال يكونون خربوا أحواهلم وتأكدوا من عدالتهم وضبطهم وإنام يكتفون برؤيتهم حيرضون جمالسهم ويسألوهنم ويستفتوهنم. السبب العارش: ضعف روح املبادرة: عندما تنظر يف واقع العاملني يف الساحة اإلسالمية وبخاصة يف جانب املشاركات السياسية تلحظ ضعف املبادرة لدى كثري من السلفيني فهم يأتون بعد أن يتضح املسار واألحداث األخرية يف الثورات العربية تكشف عن هذا اخللل والناس يسلمون قيادهتم ملن يبادر يف التحرك لريفع معاناهتم ال من يأيت يف آخر القافلة. السبب احلادي عرش: اخلالف حول املبادرات التي جتري يف الساحة السياسية: بل وجتد االختالف نحو هذه املبادرات التي يسبقهم إليها اآلخرون فانقسام الساحة السلفية يف األحداث ظاهر عرب بعض الرموز السلفية مما يضعف من مكانتهم وأثرهم يف املجتمعات واملتأمل ملا حدث يف مرص وما حيدث يف اليمن يرى 8
هذا االختالف والتشتت الذي ال خيفى أثره عىل تلك املجتمعات ونظرهتم للسلفيني. السبب الثاين عرش: التنظري والنقد أبرز من تبنى املشاريع اإلجيابية: مما يلحظ عىل التجمعات السلفية تركز بعضها عىل التنظري ونزوع بعضها إىل نقد مبادرات اآلخرين ومناهجهم مع ضعف األثر العميل والتواصل اإلجيايب مع املجتمعات إال يف برامج ذات أثر حمدود يف البناء الشامل للمجتمعات. السبب الثالث عرش- الشدة بدل الرفق: حيث وقع االختالف فال بد من وجود النقاش واملحاورة واملجادلة بل إن إظهار كل من املختلفني ما عنده من علم يف املسألة واجب يف حق أهل العلم وطالبه قال تعاىل: }و إ ذ أ خ ذ اهلل م يث اق ال ذ ين أ وت وا ال ك ت اب ل ت ب ي ن ن ه ل لن اس و ال ت ك ت م ون ه } ]آل عمران: 187[ وقال صىل اهلل عليه وسلم: "من كتم علام تلجم بلجام من نار يوم القيامة" ))) لكن من أسباب االنقسام السلفي اليوم ما نراه من شدة عىل املخالف وسلقه بألسنة حداد وتقريعه وتوبيخه وهذا مما يثري القلوب بال شك. ))) صحيح ابن حبان )95( 297 1/ قال شعيب األرنؤوط : إسناده صحيح عىل رشط الصحيح. 9
ثانيا : وسائل عالج حالة االنقسام.1 1 إدراك وجود املشكلة واالعرتاف بأمهيتها: إن أول خطوة حلل أي مشلكة هي معرفة وجودها واإلقرار برضورة حلها فاإلنسان ال يمكن أن يسعى لعالج نفسه ما مل يعرف أنه مريض أوال ويقر -دون مكابرة- بحاجته للعالج ثانيا. إن هذا اإلدراك يكاد يكون غائبا عند قطاع ال يستهان به من أبناء الدعوة السلفية والسيام الذين حيرصون السلفية يف أنفسهم! بعض هؤالء هم جزء من املشكلة ألهنم فرسان هذا االنقسام وأبطاله وبعضهم يعيش منعزال عن متابعة واقع الدعوة عىل املستوى العام فال يعرف حقيقة احلال وبعضهم يقر بوجود املشكلة لكنه ال يدرك حجمها وال أبعادها وال مآالهتا وبعضهم يدرك كل ذلك لكنه ال يضع حل هذه املشكلة عىل سلم األولويات واالهتاممات. لقد قال تعاىل: }ق ل ه و ال ق اد ر ع ىل أ ن ي ب ع ث ع ل ي ك م ع ذ اب ا م ن ف و ق ك م أ و م ن حت ت أ ر ج ل ك م أ و ي ل ب س ك م ش ي ع ا و ي ذ يق ب ع ض ك م ب أ س ب ع ض ان ظ ر ك ي ف ن رص ف اآل ي ات ل ع ل ه م ي ف ق ه ون } ]األنعام: 65[ ويف صحيح البخاري من حديث جابر ريض اهلل عنه قال: "ملا نزلت هذه اآلية }قل هو القادر عىل أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم{ قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم: أعوذ بوجهك. قال: }أو من حتت أرجلكم{. قال: أعوذ بوجهك. }أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض{. قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم: هذا أهون أو هذا أيرس" ))) ويف صحيح مسلم أنه صىل اهلل عليه وسلم قال: "سألت ريب ثالثا فأعطاين ثنتني ومنعني واحدة. سألت ريب أن ال يلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألته أن ال يلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن ال جيعل بأسهم بينهم فمنعنيها" ))) فهذا يدل عىل أن االفرتاق واقع لكن السعي لدفعه مأمور به لقوله تعاىل: }و ال ت ك ون وا م ن امل رش ك ني )31( م ن ال ذ ين ف ر ق وا د ين ه م و ك ان وا ش ي ع ا ك ل ح ز ب ب ام ل د ي م ف ر ح ون } ]الروم: 32[ 31 وألمره تعاىل باالتفاق وحتذيره وحتذر نبيه صىل اهلل عليه والسالم من االفرتاق فالواجب واحلال كذلك أن يسعى كل فرد من أفراد الدعوة إىل نرش الوعي بني مجوع السلفيني وبيان خطورة هذا االنقسام فيسعى كل يف حميطه بام آتاه اهلل من قدرة عىل التواصل مع املشايخ وطلبة العلم وعوام السلفيني إليصال هذه الرسالة وحث املشايخ وطلبة العلم عىل التصدي هلا بالدراسة والتحليل ووضع احللول وسبل العالج ونرش التوصيات واملقرتحات والفتاوى هبذا اخلصوص. إن العقبة الكربى يف هذا املجال تكمن فيمن ينفي السلفية عن إخوانه ذلك أنه يرى أنه بموقفه هذا يقوم هلل عز وجل بحقه وقد يرى أن هذا من أوجب الواجبات عليه حيث يكشف للناس حقيقة مدعي السلفية التي هي منهم براء والسبيل مع هؤالء اإلخوة هي أن جيتمع رؤوس الفريقني املتنازعني يف البلد بحضور عدد من صحيح البخاري.)4352( 1694/4 صحيح مسلم.)2890( 2216/4 10
العلامء املعتربين لتتم مناقشة املسائل اخلالفية بروح العلم والعدل واإلنصاف كام سيأيت قريبا إن شاء اهلل..2 2 اإلخالص وتقوى اهلل: املدقق يف أسباب االنقسام سالفة الذكر يلمس أن جزءا كبريا من حل هذه املعضلة يكمن يف تقوى اهلل سبحانه وتعاىل فلو أن كل فرد اتقى اهلل عز وجل وخشيه حق خشيته لغلب الصالح العام للسلفيني بل لعموم األمة املسلمة عىل صاحله اخلاص أو عىل صالح مجاعته الضيقة ولعرف إلخوانه حقوقهم فحفظها ومل يضيعها ولعرف ألهل العلم حقوقهم ومنازهلم التي أنزهلم اهلل إياها فلم يتعرض هلم بسوء أو جتريح أو اهتام بالباطل. إن املرء قليل بنفسه كثري بإخوانه وقد هنى اإلسالم عن الكرب والعجب واالستطالة عىل الناس وأمر بالتواضع قال صىل اهلل عليه وسلم: "العز إزاره والكربياء رداؤه فمن ينازعني عذبته" ))) وقال صىل اهلل عليه وسلم: "إن اهلل أوحى إىل أن تواضعوا حتى ال يفخر أحد عىل أحد وال يبغي أحد عىل أحد" ))) وقد أعجب املسلمون يوم حنني بكثرهتم فأنكر اهلل سبحانه وتعاىل عليهم بقوله: }و ي و م ح ن ني إ ذ أ ع ج ب ت ك م ك ث ر ت ك م ف ل م ت غ ن ع ن ك م ش ي ئ ا{ ]التوبة: 25[ هذا وهم أهل احلق بال ريب ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم بني أظهرهم فكيف بمن حسبه أن يكون يغلب عىل ظنه أنه عىل احلق وليس معه معصوم وال شهادة أو تزكية من معصوم! فكل هذا وأمثاله مما ينبغي أن يضعه املرء نصب عينيه قبل أن يقدم ويقتحم ويتصدر املجالس ويديل بدلوه بام قد يفرق وال جيمع وليتق اهلل أن يكون ممن وصفهم النبي صىل اهلل عليه وسلم بقوله: "من طلب العلم ليجاري به العلامء أو ليامري به السفهاء أو يرصف به وجوه الناس إليه أدخله اهلل النار" ))). إن إعجاب املرء برأيه وسوء الظن وإلقاء التهم بال تثبت وإن امليش بني أهل العلم وغريهم بالنميمة مما ينايف تقوى اهلل عز وجل وهو من أعظم أسباب الفرقة والتنازع بني الناس وإن املرء ليعجب ممن يتصدى ألمر الدعوة إىل اهلل عز وجل وتعليم الناس ثم خيلط ذلك بمثل هذه املوبقات. إن عالج هذه اآلفات إنام يكون بتقوى اهلل عز وجل واتباع أمره حيث قال: }ي ا أ ي ا ال ذ ين آم ن وا اج ت ن ب وا ك ث ري ا م ن الظ ن إ ن ب ع ض الظ ن إ ث م و ال جت س س وا و ال ي غ ت ب ب ع ض ك م ب ع ض ا أ حي ب أ ح د ك م أ ن ي أ ك ل حل م أ خ يه م ي ت ا ف ك ر ه ت م وه و ات ق وا اهلل إ ن اهلل ت و اب ر ح يم } ]احلجرات: 12[ وبامتثال هدي النبي صىل اهلل عليه وسلم حيث قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب احلديث وال حتسسوا وال جتسسوا وال حتاسدوا وال تدابروا وال تباغضوا وكونوا عباد اهلل إخوانا " ))) وهذا حيتاج من العلامء الربانيني املصلحني إىل جهد كبري ومضاعف لرأب الصدع وتدارك األمر الذي استفحل وتطاير رشره واهلل سائل كال عام قام به يف هذا املجال الذي يكاد يكون من أعظم أبواب األمر باملعروف والنهي عن املنكر يف هذا الزمان ملا له من أثر عىل مستقبل األمة مجعاء حيث متثل الدعوة السلفية ))) صحيح مسلم )2620( سنن أيب داود )4090( 456 2/ وصححه األلباين. ))) صحيح مسلم )2865( سنن أيب داود )4895( 690 2/ وصححه األلباين. ))) سنن الرتمذي )2654( 32/5 وحسنه األلباين. صحيح البخاري.)5717( 2253 /5 11
الرافعة احلقيقية هلا لالرتقاء هبا إىل ما حيبه اهلل ويرضاه من رفعة وسؤدد ومحل لرسالة اهلل سبحانه وتعاىل النقية من كل شائبة إىل العاملني. وإن املرء ليعجب كذلك من هؤالء املتصدرين الذين خيلطون عملهم بسوء القصد والنية أو يريدون بعملهم هذا غري وجه اهلل من املنصب أو اجلاه أو رصف وجوه اخللق إليهم أفام وجدوا يف كتاب اهلل وسنة نبيه عن مثل هذا زاجرا وواعظا لكنه قدر اهلل سبحانه وتعاىل وأمره الذي ال يرد قال تعاىل: }أ ف ر أ ي ت م ن اخت ذ إ هل ه ه و اه و أ ض ل ه اهلل ع ىل ع ل م و خ ت م ع ىل س م ع ه و ق ل ب ه و ج ع ل ع ىل ب رص ه غ ش او ة ف م ن ي د يه م ن ب ع د اهلل أ ف ال ت ذ ك ر ون } ]اجلاثية: 23[ وقال النبي صىل اهلل عليه وسلم: "أول الناس يقىض هلم يوم القيامة ثالثة... ]ومنهم[ رجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأيت به فعرفه نعمه فعرفها قال: فام عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عامل وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب عىل وجهه حتى ألقي يف النار" ))). وقال: "جياء بالرجل يوم القيامة فيلقى يف النار فتندلق أقتابه يف النار فيدور كام يدور احلامر برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فالنا ما شأنك أليس كنت تأمرنا باملعروف وتنهانا عن املنكر قال: كنت آمركم باملعروف وال آتيه وأهناكم عن املنكر وآتيه" ))) فنعوذ باهلل أن تكون هذه حالنا أو حال أي واحد من إخواننا..3 3 العمل بالعلم والتأيس بالسلف الصالح: السلفيون من أحرص الناس عىل متابعة السلف الصالح والتأيس هبم والدعوة إىل ذلك فمجالسهم ودروسهم مليئة بالكالم عن عقيدة السلف وعلمهم وعبادهتم وإخالصهم وأخالقهم لكن الواقع اليوم يظهر أن هناك انفصاال يف كثري من األحيان بني الواقع وبني ما ندعو إليه فهل كان السلف رضوان اهلل عليهم يقعون يف أعراض بعض أو كان بعضهم خيرج بعضهم من دائرة أهل احلق ويرميه بالبدع وعظائم األمور مهام عظم اخلالف بينهم لقد وقعت مقتلة عظيمة بني أصحاب النبي صىل اهلل عليه وسلم يوم اجلمل ويوم صفني وسالت دماء غزيرة زكية طاهرة لكن القلوب عادت واجتمعت وتآلفت فمن اهلل عىل أهل السنة باالجتامع بعد االفرتاق وباالحتاد بعد االنقسام وهذا ما كان ليتم لو مل تكن القلوب طاهرة زكية وما مل يكن اجلميع يريد احلق واخلري ويعذر صاحبه فام كان أحد منهم حريصا عىل قتل أخيه ففي تاريخ ابن عساكر أنه )ملا قتل طلحة والزبري جعل عيل وأصحابه يبكون( ))) وفيه )أن عليا انتهى إىل طلحة بن عبيد اهلل وقد مات فنزل عن دابته ))) سنن النسائي )3137( 23/6 وصححه األلباين. صحيح البخاري.)3094( 1191/3 ))) تاريخ دمشق )115/25(. 12
وأجلسه فجعل يمسح الغبار عن وجهه وحليته وهو يرتحم عليه ويقول: ليتني مت قبل هذا اليوم بعرشين سنة( ))) وفيه أنه قال: )عزيز عيل أبا حممد بأن أراك جمندال يف األودية وحتت نجوم السامء! ثم قال: إىل اهلل أشكو عجري وبجري قال نرص بن عيل: فسألت األصمعي عن قوله عجري وبجري فقال: رسائري وأحزاين التي متوج يف جويف( ))) وفيه أيضا أن حممدا بن عبيد اهلل األنصاري قال: )جاء رجل يوم اجلمل فقال: ائذنوا لقاتل طلحة. فسمعت عليا يقول: برشه بالنار( ))) ومر معنا أن معاوية ملا بلغه مقتل عيل ريض اهلل عنهام بكى واسرتجع وقال: )أنا أبكي ملا فقد الناس من حلمه وعلمه( ))) ومر معنا وصف عيل وعامر ألهل الشام الذين حاربوهم باإليامن. قال ابن تيمية رمحه اهلل: )كان السلف -مع االقتتال- يوايل بعضهم بعضا مواالة الدين ال يعادون كمعاداة الكفار فيقبل بعضهم شهادة بعض ويأخذ بعضهم العلم عن بعض ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة املسلمني بعضهم مع بعض مع ما كان بينهم من القتال والتالعن وغري ذلك( ))) فام أحرانا اليوم أن نتمثل هبؤالء األماجد ونحن بفضل اهلل مل نصل فيام بيننا إىل حد االقتتال. وانظر إىل ابن تيمية رمحه اهلل حيث يصف والة األمر يف مرص والشام يف زمانه أهنم من الطائفة املنصورة رغم أن دولتهم كانت تنرص األشعرية والصوفية يقول رمحه اهلل تعاىل: )أما الطائفة بالشام ومرص ونحومها فهم يف هذا الوقت املقاتلون عن دين اإلسالم وهم من أحق الناس دخوال يف الطائفة املنصورة التي ذكرها النبي صىل اهلل عليه وسلم بقوله يف األحاديث الصحيحة املستفيضة عنه: "ال تزال طائفة من أمتي ظاهرين عىل احلق ال يرضهم من خالفهم وال من خذهلم حتى تقوم الساعة"( ))) وما ذاك إال لكوهنم قاموا مقاما ال يقومه أحد يف زماهنم فهل ترى حال أي فريق من السلفيني اليوم أقل شأنا من حال أولئك! وما أحرانا اليوم أن نتمثل بالصاحلني عىل مر العصور فنجتنب سوء الظن وهبت الناس وامليش بالنميمة بني األقران من األشياخ وطلبة العلم ونجتنب التعصب املقيت والعجب والكرب واالستطالة عىل اخللق فحري بنا إن نحن فعلنا ذلك أن يؤلف اهلل بني القلوب ويصلح األحوال ويعيد اللحمة للصف السلفي واهلل عىل كل يشء قدير..4 4 البعد عن التعصب املقيت: إذا كان اجلمع بني األقوال يف اختالف التضاد متعذرا فال يلزم من ذلك أن ينقسم الصف املسلم وأن تتباغض القلوب قال يونس الصديف: )ما رأيت أعقل من الشافعي ناظرته يوما ))) السابق. ))) السابق. تاريخ دمشق /25(.)116 تاريخ دمشق /42( )582 جمموع الفتاوى /3(.)285 الفتاوى الكربى /3(.)544 13
يف مسألة ثم افرتقنا ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى أال يستقيم أن نكون إخوانا وإن مل نتفق يف مسألة!( ))). إن غياب مثل هذه الروح وتفيش روح التعصب للرأي هي التي تشعل اخلالفات والعداوات ورحم اهلل أئمتنا حيث قالوا: رأينا صواب حيتمل اخلطأ ورأي غرينا خطأ حيتمل الصواب فبمثل هذا الفهم جتتمع القلوب وتستقيم الصفوف وليس معنى ما سبق أن نردد العبارة املشهورة: نتعاون فيام اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيام اختلفنا فيه ألهنا ال تصح هبذا اإلطالق ولكن نقول: نتعاون فيام اتفقنا عليه ونتناصح فيام اختلفنا فيه فيعذر بعضنا بعضا فيام كان اخلالف فيه سائغا وينكر بعضنا عىل بعض فيام سوى ذلك. فلسنا ندعو إىل أن يمتنع العلامء وطلبة العلم عن الرد عىل بعضهم وال أن يمتنع أحدهم عن ختطئة غريه وال أن يمتنع أي أحد عن إنكار املنكر وإن صدر من عامل فكل هذا مطلوب لكن املرء ال ينبغي له يتعصب لرأيه وال أن حيمل الناس عليه حتى إذا مل يوافقوه عاداهم وأنكر عليهم قال ابن مفلح رمحه اهلل: )قال أمحد يف رواية املروذي ال ينبغي للفقيه أن حيمل الناس عىل مذهبه( )))..5 5 إجياد املرجعية اجلامعة: برغم وجود كثري من أهل العلم اليوم إال أن عددا غري قليل منهم يقترص دوره عىل ما يتعلق بتعليم العلوم الرشعية دون االنخراط يف الشؤون العامة كام أن الدور اجلامع ملن يتصدى للشأن العام يكاد يكون غائبا حيث ينحرص تأثري العامل يف بلده أو منطقته وال يمتد تأثريه ليشمل الساحة السلفية املمتدة يف خمتلف بقاع العامل ومع اختالف الرؤى واالجتهادات يف التعاطي مع الشأن العام فإن احتامالت االنقسام تكون أكثر. إن وجود مثل هذه املرجعية اجلامعة يقلل كثريا من احتامالت االنقسام بني السلفيني حيث يمكن تضييق اخلالف إىل أدنى مستوى ممكن ومن ثم ال يكون اخلالف وتعدد اآلراء وتشظيها بال ضابط من حيث العدد واالتساع بل يكون مثل هذا االختالف منحرصا يف أضيق احلدود. وال شك أن وجود مثل هذه املرجعية ال يمكن أن يتم بتوصيات وال بقرارات لكنه يتم مع الزمن برتاكم اخلربات لدى املؤهلني من أهل العلم لشغل هذا املوقع ولكن ما يمكن القيام به اليوم هو دعوة أهل العلم من خمتلف البقاع للتجمع يف جمامع علمية أو هيئات إرشادية تقوم بدراسة املستجدات والنوازل التي متر باألمة وبحث املسائل العلمية الكبار التي قد يقع الشقاق بسببها لتسرتشد مجوع السلفيني بام يصدر عنها ومن ثم تقوم بتصويب العمل السلفي وتوعيته وتصويب مساره وهذه خطة سلفية قال الذهبي رمحه اهلل يف السري: )قال أبو شهاب احلناط: سمعت أبا حصني يقول: إن أحدهم ليفتي يف املسألة ولو وردت عىل عمر ))) سري أعالم النبالء )10/ 16(. اآلداب الرشعية /1(.)212 14
جلمع هلا أهل بدر( ))). وال مانع من وجود أكثر من هيئة عىل مستوى العامل اإلسالمي عىل أن يتم التنسيق والتشاور فيام بينها للخروج بمواقف موحدة يف التعامل مع املستجدات والنوازل التي متر باألمة..6 6 وساطة احلكامء: أما وقد وقع االنقسام يف الصف السلفي فالواجب أن ينتدب بعض أهل العلم ممن مل يدخلوا يف اخلالفات والتحزبات لرأب الصدع ورد املتخالفني إىل الضوابط السلفية السنية التي يدينون هبا فتطرح مسائل اخلالف عىل طاولة البحث ويتعاهد اجلميع أن يكون إحقاق احلق هو مههم ويستحسن أن يتم تنظيم هذا العمل حتى ال يكون عشوائيا أو وقتيا وذلك بإنشاء مجعيات أو هيئات متخصصة يف هذا املجال. إن القيام باإلصالح بني التجمعات السلفية أو طالب العلم السلفيني بل بني من ينتسب إىل اإلسالم- من أجل املهام فإصالح ذات البني من أعظم األعامل كام بني النبي صىل اهلل عليه وسلم بقوله: "أال أخربكم بأفضل من درجة الصيام والصالة والصدقة قالوا: بىل يارسول اهلل. قال: إصالح ذات البني وفساد ذات البيت احلالقة" ))) وانظر كيف أن النبي صىل اهلل عليه وسلم تأخر يوما عن صالة اجلامعة للقيام بالصلح تعرف عظيم قدر هذا العمل ففي صحيح البخاري "عن سهل بن سعد ريض اهلل عنه أن أناسا من بني عمرو بن عوف كان بينهم يشء فخرج إليهم النبي صىل اهلل عليه وسلم يف أناس من أصحابه يصلح بينهم فحرضت الصالة ومل يأت النبي صىل اهلل عليه وسلم فجاء بالل فأذن بالل بالصالة ومل يأت النبي صىل اهلل عليه وسلم فجاء إىل أيب بكر فقال: إن النبي صىل اهلل عليه وسلم حبس وقد حرضت الصالة فهل لك أن تؤم الناس فقال: نعم إن شئت. فأقام الصالة فتقدم أبو بكر ثم جاء النبي صىل اهلل عليه وسلم يميش يف الصفوف حتى قام يف الصف األول... احلديث" ))). لقد أمر اهلل سبحانه وتعاىل عباده املؤمنني حال اقتتال طوائف منهم بالدخول بينهم والسعي يف الصلح قال تعاىل: }و إ ن ط ائ ف ت ان م ن امل ؤ م ن ني اق ت ت ل وا ف أ ص ل ح وا ب ي ن ه ام ف إ ن ب غ ت إ ح د امه ا ع ىل األ خ ر ى ف ق ات ل وا ال ت ي ت ب غ ي ح ت ى ت ف يء إ ىل أ م ر اهلل ف إ ن ف اء ت ف أ ص ل ح وا ب ي ن ه ام ب ال ع د ل و أ ق س ط وا إ ن اهلل حي ب امل ق س ط ني )9( إ ن ام امل ؤ م ن ون إ خ و ة ف أ ص ل ح وا ب ني أ خ و ي ك م و ات ق وا اهلل ل ع ل ك م ت ر مح ون } ]احلجرات: 10[ 9 واملطالع للتاريخ جيد أن كثريا من التنازع واالقتتال بني املسلمني كان فيه تقصري يف باب الصلح بني املتخاصمني لذا فإننا نقرتح أن تنربي يف كل منطقة فرقة من أهل اخلري والصالح من العلامء وطلبة العلم الذين حيظون بالقبول من املتنازعني لتقوم بام ندب اهلل سبحانه وتعاىل إليه وذلك باجلمع بني املتنازعني وحماولة تقريب وجهات النظر وإزالة ما يف القلوب من شكوك وظنون ودعوة اجلميع للنزول عىل كتاب اهلل جل وعال وسنة نبيه صىل اهلل عليه وسلم ))) سري أعالم النبالء )5/ 416(. ))) سنن أيب داود )2/ 697( قال الشيخ األلباين : صحيح. صحيح البخاري.)2544( 957/2 15
وما كان عليه السلف الصالح وأهل العلم املاضون. لقد قال اهلل عز وجل لنبيه صىل اهلل عليه وسلم: }ق ل ي ا أ ه ل ال ك ت اب ت ع ال و ا إ ىل ك ل م ة س و اء ب ي ن ن ا و ب ي ن ك م } ]آل عمران: 64[ وذلك حسام ملادة النزاع وإحقاقا للحق وإبطاال للباطل والسلفيون بفضل اهلل منهجهم واحد ودعوهتم واحدة ومرجعيتهم واحدة فليجتمع املتنازعون منهم عىل كلمة سواء يرددوهنا مجيعا وهي حتكيم كتاب اهلل وسنة نبيه صىل اهلل عليه وسلم بفهم السلف لتكون حكام فيام شجر بينهم وليكن املصلحون من أهل احلكمة حكام عدال بني األطراف مجيعا وليكن رائد اجلميع هو طلب رضا اهلل واحلرص عىل الدعوة وعىل أمة اإلسالم مجيعا فهذه واهلل خطة رشد ما ينبغي لعاقل أن يتخلف أو يعرض عنها..7 7 حتصيل العلم الرشعي املؤصل والدراسة املستفيضة للواقع: العلم جنة يعصم صاحبه بإذن اهلل من الوقوع يف مواطن الزلل وقد سبق معنا أن قلة العلم واحدة من أسباب االنقسام الذي نراه اليوم. والعلم املطلوب هو العلم املنهجي املؤصل الذي تناقله علامؤنا األفذاذ جيال بعد جيل وطريق حتصيله معروفة واضحة فكام قيل: أخي لن تنال العلم إال بستة... سأنبيك عن تفصيلها ببيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة... وصحبة أستاذ وطول زمان فال بد من اجللوس بني يدي الشيوخ املتقنني والصرب عىل الطلب سنني طوال حتى يتم تأصيل هذا العلم وترسيخه بمعرفة الدليل وأقوال العلامء ومواطن اإلمجاع احلقيقي واملدعى ومواطن اخلالف املعترب وغري املعترب ومن ثم جييز الشيخ تلميذه للتصدر والفتيا إن رأى منه نجابة وديانة وأما أن يكون شيخ طالب العلم هو احلاسوب أو أن يقرأ نتفا من الكتب املتناثرة عىل شيخ هنا وشيخ هناك أو أن يكتفي بقراءة الكتب دون أستاذ ثم يتصدر للتدريس والتعليم بل ربام للفتيا واالجتهاد فهذه طريق ردية ومزلة أقدام ال يؤمن عىل صاحبها من اهلالك وبسبب هذه الطريق وقع كثري من الشقاق واالنقسام كام سبق. وحيث إن جزءا من املشكلة سببه اختالف النظر حيال الوقائع واملستجدات فإن األمر حيتاج من العلامء املؤصلني ومن طلبة العلم النابغني إىل مزيد تأمل وتعرف عىل تفاصيل الواقع املعارص الذي يزداد تشعبا وتعقيدا يوما بعد يوم وهذه املهمة ينبغي أن توليها املجامع واهليئات العلمية التي سبق اقرتاحها مزيدا من االهتامم مع االستعانة باخلرباء املتخصصني يف شتى املجاالت الرضورية لتتضح الرؤية للجميع ومن ثم يكون احلكم عىل صورة مطابقة للواقع أو أقرب ما تكون إليه..8 8 االهتامم برتبية الطالب والتثبت من األخبار: لقد كان بعض السلف يصحبون العلامء ليتعلموا منهم السمت احلسن وطيب األخالق وما أحوجنا اليوم إىل من يأخذ بأيدي طالب العلم إىل حماسن األخالق ليرتفعوا عن الصغائر وسفاسف األمور التي ترض وال تنفع وليرتفعوا عن نقل األخبار بني 16
األقران حسام ملادة الفتنة وقطعا لدابرها. وهذه مهمة أهل العلم واملشايخ الذين يتصدون للتدريس فال ينبغي االكتفاء بتدريس العلوم الرشعية املجردة بل البد من تعاهد الطالب بالتوجيه واإلرشاد فإن العلم ينبغي أن يورث صاحبه العمل به والتخلق بأخالق اإلسالم الرفيعة أما إن مل ينعكس هذا العلم املتلقى عىل أخالق وسلوكيات الطالب فليس هذا هو العلم النافع الذي ترجى به الدار اآلخرة. وإن من واجب املشايخ كذلك أن يتثبتوا من األخبار التي ينقلها طالهبم فقد قال تعاىل: }ي ا أ ي ا ال ذ ين آم ن وا إ ن ج اء ك م ف اس ق ب ن ب إ ف ت ب ي ن وا أ ن ت ص يب وا ق و م ا ب ج ه ال ة ف ت ص ب ح وا ع ىل م ا ف ع ل ت م ن اد م ني } ]احلجرات: 6[ وهذا هو منهج أهل السنة واجلامعة أتباع األثر واألخبار فإن هلم عناية بالرواية أكثر من غريهم فحري بأتباعهم السلفيني أن يسريوا عىل منواهلم ويقتفوا آثارهم..9 9 ضبط الساحة العلمية والدعوية احلقيقية واالفرتاضية عىل النت: وهذا حيتاج إىل تضافر جهود أهل العلم وطالبه والدعاة إىل اهلل وعموم السلفيني اآلخذين عنهم املدركني خلطورة هذا األمر أما أهل العلم فريجى منهم التحذير من هذا التفلت -ال سيام عىل الشابكة العنكبوتية- وإصدار الفتاوى الزاجرة لغري أهل التخصص عن التكلم يف املنتديات والغرف الصوتية بغري علم رشعي مؤصل وكذلك ال بد من التأكيد عىل أصحاب املواقع واملنتديات أال يسمحوا بنرش كالم كل من عن له أن يتكلم. إن مثل هذا األمر األخري قد يكون من الصعوبة بمكان ال سيام وأنه خمالف لعرف استقر لسنوات عديدة حيث يكتفي كثري من أصحاب املواقع واملنتديات بدعوة الزوار لتقوى اهلل ومن ثم خيلون مسؤوليتهم عام يكتب يف منتدياهتم. إن ما ندعو إليه وإن كان حيمل يف طياته مشقة كبرية إال أنه يغلق بابا للرش عظيام وإال فإن إغالق املنتديات أو عدم افتتاحها ابتداء أوىل من افتتاحها وملئها بالغث والسمني والنافع والضار ال سيام مع فشو اجلهل وعدم قدرة كثريين عىل التمييز بني احلق والباطل والصواب واخلطأ والصدق والكذب. إن وجود عرش منتديات منضبطة بمثل ما ذكرنا من ضوابط خري وأوىل من عرشات بل مئات املنتديات التي متتلئ باخلري والرش مجيعا. وال بد أن يتنادى رواد املنتديات فيام بينهم بذلك وحيذر بعضهم بعضا من خطورة اإلقدام عىل الكالم فيام ال حيسن فإن األمر دين. 1 010 الرتبية عىل روح املبادرة: حيتاج املنضوون حتت لواء التجمعات السلفية إىل الرتبية عىل روح املبادرة يف حتقيق تطلعات األمة يف املشاريع الكربى التي تقاوم الظلم والطغيان وتكفل لتلك املجتمعات احلرية املرشوعة وعدم الرضوخ للباطل. فاألمة حترتم أصحاب املبادرات والصادعني باحلق الذين يسعون لتحقيق ما يسعد املجتمع ويرفع من معاناته. وأن يكونوا يف مقدمة الصفوف ال يف وسطها أو آخرها. 1 الرفق 111 بدل الشدة: لقد أمر اهلل سبحانه وتعاىل نبيه صىل اهلل عليه وسلم بمجادلة املرشكني بالتي 17
هي أحسن فقال سبحانه: }اد ع إ ىل س ب يل ر ب ك ب احل ك م ة و امل و ع ظ ة احل س ن ة و ج اد هل م ب ال ت ي ه ي أ ح س ن } ]النحل: 125[ وهنانا عن جمادلة أهل الكتاب إال بالتي هي أحسن فقال عز من قائل: }و ال جت اد ل وا أ ه ل ال ك ت اب إ ال ب ال ت ي ه ي أ ح س ن إ ال ال ذ ين ظ ل م وا م ن ه م } ]العنكبوت: 46[ فإذا كانت هذه حال جمادلة املرشكني وأهل الكتاب التي أمرنا هبا فكيف بمجادلة املؤمنني السلفيني بعضهم بعضا! لقد كان أوىل بمن يلجأ إىل الشدة أن يستحرض معاين الرفق الذي حض عليه النبي صىل اهلل عليه وسلم يف غري موضع مثل قوله صىل اهلل عليه وسلم: "إن الرفق ال يكون يف يشء إال زانه وال ينزع من يشء إال شانه" ))) وقوله لعائشة ريض اهلل عنها: " يا عائشة إن اهلل رفيق حيب الرفق ويعطي عىل الرفق ما ال يعطي عىل العنف وما ال يعطي عىل ما سواه" ))). إن الذي يلبس عىل كثري من الناس يف هذا املقام عدم قدرهتم عىل التفرقة بني مواطن إنكار املنكر ودرجاته وبني مواطن البحث العلمي ومواطن النصيحة ولسنا هنا يف وارد الدعوة لعدم نصح املخالف أو عدم اإلنكار عليه -إن لزم األمر- فضال عن الدعوة للسكوت عن أخطائه وعدم بياهنا للناس لكننا ندعو إىل احلكمة وإعطاء كل مقام ما يستحقه واحلكمة كام قال ابن القيم: "فعل ما ينبغي عىل الوجه الذي ينبغي يف الوقت الذي ينبغي" ))). إن مما يوغر الصدور ويزيد من االنقسام عىل الساحة السلفية أن يسارع البعض لنرش الردود والتعقبات مع اللمز يف املخالف أو احلط عليه ورميه بالعظائم وكان أوىل من هذا أن يكتفي ببيان اخلطأ ومناقشة املسألة مناقشة علمية هادئة أما إن رأى أن األمر عظيم وينبغي إنكاره والتحذير منه فكان أوىل به أن يسعى لصاحب املقالة بالنصيحة التي ال تكون يف العلن فيبني له وجه خطئه وخطورة ما يؤدي إليه كالمه فإن هو بني له املحجة ووجد من صاحبه إرصارا عىل رأيه دون حجة ودليل أو شبه دليل فحينها ال تثريب عليه أن ينكر عىل العلن إعذارا إىل اهلل عز وجل ثم ما أمجل أن يكون هذا اإلنكار يف حدود األدب والرغبة الصادقة يف رد املخالف عن رأيه مع السعي لتأليف قلبه وقلب أتباعه وهذا ال يكون إال بالرفق الذي بني النبي صىل اهلل عليه وسلم أن اهلل يعطي عليه ما ال يعطي عىل غريه. 1 212 االتفاق نحو املبادرات التي جتري يف الساحة اإلسالمية: نظرا ملكانة السلفيني يف األمة فإهنم حيتاجون إىل منهج يكفل هلم االتفاق نحو املبادرات التي جتري يف الساحة والبعد عن إشاعة االنقسام واالختالف حوهلا وبخاصة أن نجاح بعض تلك املبادرات يف النهاية سيكون له األثر الذي ال ينكر نحو موقف املجتمعات من مواقف بعض السلفيني منها سلبا أو إجيابا بل إن اضطراب مواقف بعض الرموز صحيح مسلم.)2594( 2004/4 صحيح مسلم.)2593( 2003/4 ))) مدارج السالكني 479/2. 18
السلفية بني بدايتها وهنايتها فقد كثريا منهم ثقة الناس ووصفهم عام ال يليق هبم. 1 313 تبني املشاريع اإلجيابية: مما يوحد الصفوف وجيعل للتجمعات السلفية مكانتها يف املجتمعات الرتكيز عىل املشاريع اإلجيابية الشاملة التي ختدم األمة وأن تقدم أنفسها عىل البناء اإلجيايب لتلك املشاريع السياسية والرتبوية واالجتامعية ذلك يف حدود املرشوع دون أن تكون هي الصفة البارزة يف نظرة األمة هلا سواء ما يتعلق بشؤون حياهتم اخلاصة )املآكل واملشارب واللباس والعالج( أو العامة مما يرفع الظلم وحيقق العدل. 1 414 تأصيل مبدأ مرشوعية التجمع والتنظيم املرشوع وأنه ال يعني احلزبية والتفرق: وحترير هذا املفهوم سيتحول إىل واقع إجيايب ومثمر يف صفوف التجمعات السلفية نظرا لألثر السلبي يف اخللط بني مفهوم احلزبية والتجمع والتنظيم مما عاق كثريا من املشاريع الرائدة بسبب ضبابية هذه املصطلحات لدى أفراد التجمعات السلفية ونزوع ترصفاهتم إىل السلبية والنقد والفوىض. 1 515 العدل واإلنصاف يف تقوم اآلخرين: نظرا لربوز منهج النقد عند بعض التجمعات السلفية فقد نشأ عن ذلك كنتيجة طبيعية بعض التجاوز يف نقد األخريين وضعف العدل معهم واملتأمل لواقع كثري من هذه التجمعات السلفية جتد أن معرفتها بأخطاء اآلخرين أكثر من معرفتها بإجيابياهتم وأثرهم عىل األمة وهذا يقتيض الرتبية املؤصلة عىل وجوب العدل مع املخالف وعدم بخسه حقه واإلنصاف يف تقويم تلك اجلامعات والتنظيامت مما أوجبه اهلل عىل عباده: )وإذا قلتم فاعدلوا( وبخاصة أن عدم العدل يقتيض الظلم وقد حرم اهلل الظلم عىل نفسه وعىل عباده: )يا عبادي إين حرمت الظلم عىل نفيس وجعلته بينكم حمرما فال تظاملوا..( وشيوع مفهوم العدل سيخفف من توتر العالقة مع اآلخرين وسوء الظن هبم. 1 616 املشاريع املشرتكة: هناك منهج عند بعض السلفيني بأهنم ماداموا قد اختلفوا مع اجلامعات يف املنهج فال يمكن اللقاء معهم إال يف حوار أو نزاع بينام لو اختذنا منهج املشاريع املشرتكة فيام نحن متفوقون فيه مع عدم املداهنة أو السكوت عام نحن خمتلفون فيه وإنام يكون هناك التعاون وإقامة املشاريع التي تصد عدوان الظاملني وأصحاب األفكار املنحرفة وهنا احلوار والنقاش وبيان احلق فيام نحن خمتلفون فيه وهذا مما يقوي الساحة اإلسالمية ويقرب وجهات النظر وجيعل ملنهجنا قبوال عند املخالف.فاحلرص عىل هداية الناس قربة من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات. يف اخلتام ال أملك إال أن أدعو اهلل سبحانه وتعاىل أن يكون قد وفقني فيام ذكرت من أسباب ووسائل عالج ملا تعانيه الساحة السلفية اليوم من انقسام يرس العدو وحيزن الصديق فام كان من صواب فمن اهلل سبحانه وتعاىل وبمحض توفيقه وما كان من خطأ أو زلل فمني ومن الشيطان وأنا راجع عنه وتائب إىل اهلل منه. هذا واهلل أعلم وصل اللهم وسلم وبارك عىل عبدك ونبيك حممد وعىل آله وصحبه أمجعني. 19
السلفيون وآفاق املشاركة السياسية نشأت أحمد محمد ابراهيم 20
السلفيون وآفاق املشاركة السياسية العنارص: حدود املشاركة يف الواقع السيايس. أبدأ أوال بتعريف السياسة لغة ورشع ا واصطالح ا: السياسة لغة : تدور السياسة يف معناها اللغوي عىل تدبري األمور وحسن رعايتها وإصالحها. والسياسة: تدبري شئون الدولة فالساسة هم قادة األمم ومدبرو شئوهنا العامه ))). ومن أمجع معانيها اللغوية أهنا: استصالح اخللق بإرشادهم إىل الطريق املنجي يف العاجل واآلجل ))). السياسة رشع ا: جاء يف احلديث:»كانت بنو إرسائيل تسوسهم األنبياء ومعنى»تسوسهم«: تتوىل أمورهم كام تفعل األمراء بالرعية السياسة اصطالح ا: من أمجع املعاين الفقهية قول ابن عقيل احلنبيل فيام نقله ابن القيم عنه يف كتابه»إعالم املوقعني«:»السياسة ما كان من األفعال بحيث يكون الناس أقرب إىل الصالح وأبعد عن الفساد وإن مل يرشعه الرسول صىل اهلل عليه وسلم وال نزل به وحي. فام كان عدال من السياسات فالرشيعة تقر ه وما كان ظلام فالرشيعة متنعه وليس من رشط ما يدخل يف مفهوم السياسة أن يكون منصوص ا يف كتاب أو سنة فهي قانون موضوع لرعاية اآلداب واملصالح وانتظام األموال. تعريف علم السياسة الرشعية: هو علم ي بحث فيه عن األحكام والنظم التي ت دب ر هبا شئون الدولة اإلسالمية والتي مل يرد فيها نص أو التي من شأهنا التغري والتبد ل بام حيقق مصلحة األمة ويتفق مع أحكام الرشيعة وأصوهلا العامة ))). وعليه فإن كل حكم أو نظام يتعلق بشئون الدولة حقق املصلحة واتفق مع أحكام الرشيعة وقواعدها األصولية واملقاصدية هو من السياسة الرشعية وكل ما مل حيقق مصلحة أو خالف الرشيعة فإنه ال يعد ))) لسان العرب البن منظور ج 6 ص 107. ))) الكليات للكفوى ص 808 ))) أخرجه البخارى رقم 3455 مسلم رقم 1842 من حديث أىل هريرة رىض اهلل عنه. ))) النهاية ىف غريب احلديث البن األثري ج 2 ص 1031. ))) إعالم املوقعني البن القيم ج 372. ))) البحر الرائق رشح كنز الدقائق البن نجييم ج 5 ص 76. ))) املدخل إىل السياسة الرشعية الشيخ عبد العال عطوه,ص 47. 21
من السياسة الرشعية يف يشء بل وليس من اإلسالم يف قليل أو كثري إذ هي قوانني وضعية ال ارتباط هلا بالرشيعة اإلهلية. العالقة بني علمي السياسة الرشعية والفقه: السياسة الرشعية كعلم هو جزء من علم الفقه فهو أخص وعلم الفقه أعم وذلك ألن الفقه قد ينقسم إىل عبادات ومعامالت وأحوال شخصية وسياسة رشعية. فالواقع يشهد أنه مازال كثري من الناس تلتبس عليه الكثري من املصطلحات الرشعية كمصطلح الدين, والسياسة الرشعية فامزال الكثري يطلق كلمة "الدين" عىل أمور التعبد والتقرب كالصالة والصيام والزكاة واحلج وال يعلم أن التعبد هذا جزء من الدين وليس الدين كله فالدين عند اهلل هو اإلسالم واإلسالم هو االنقياد واإلذعان هلل سبحانه وتعاىل يف كل أوامره ونواهيه وقد شملت أوامر اهلل ونواهيه لنا احلياة بأرسها فليس من شأن من شؤون حياتنا إال وهلل سبحانه وتعاىل له فيه حكم فحياتنا االجتامعية واالقتصادية والسياسية قد وضع اهلل لنا أصول التعامل فيها وفصل بعض جوانبها تفصيال كامال وإن كانت بعض جوانبها قد أمجلها وترك لنا التفريع واالبتكار والتجديد وهذه النواحي أعني االجتامع واالقتصاد والسياسة هي أهم أمور البرش عىل ظهر هذه الدنيا وما كان اهلل ليرتكها عبثا أو سدى أوللتخبط والتجريب وقد جهل الناس أحكام هذه اجلوانب من جراء إزاحة اإلسالم عنها واستبدلوا بأحكام اإلسالم فيها أحكاما أخرى من صنع البرش القى الناس منها الظلم والويالت. وأما السياسة الرشعية فقد ارتبطت كلمة»سياسة«يف حس كثري من املثقفني واملتدينني بالنفاق والكذب واالنتهازية واالستغالل والطغيان واالستبداد حتى صار السيايس املحنك هو من حيسن التآمر عىل خصومه وأحيان ا عىل أنصاره! ويمتلك القدرة عىل خداع اجلامهري ودغدغة مشاعرهم ومداعبة خياالهتم بالوعود املكذوبة رسيعة الزوال. وعىل صعيد بعض املنتسبني للرشع املطهر غدا النفور من السياسة وأهلها دين ا وديدن ا حتى تعو ذ بعضهم من»ساس«و»يسوس«وغدت عند طائفة رجس ا من عمل الشيطان ال جيوز االقرتاب منها ))) وعند طائفة أخرى هي بمثابة عورة ال جيوز مسها أو كشفها. وال يمنع هذا من أن طائفة من العلامء والدعاة أعرضت عنها ألهنا ليست أولوية مقد مة عىل قائمة اإلصالح بحسب السياق الزماين واملكاين الذي عايشوه. يقول الشيخ حممد رشيد رضا:»مل أنشئ»املنار«ملقاومة سلطة أو حكومة وال ملدح سلطان أو أمري أو ))) أثر عن بعضهم قوله "أعوذ باهلل من الشيطان ومن السياسة". ))) العرب و السياسة حممد جابر األنصارى ص 74. ))) وقال بعضهم: من السياسة ترك السياسة. 22
لذم هام وإنام أ نش ئت ملساعدة العقالء عىل السعي يف تكوين األمة من طريق الرتبية والتعليم. ))) ولكل وجهة هو موليها! ومن أهل العلم والدعوة من انطىل عليه زور بعض الساسة والعسكر فدعموهم وآزروهم فلام استتب له األمر نكل بأنصاره! وما يزال التاريخ يذكر أن علامء مرص ركبوا يوم ا إىل رجل من العسكر كان أمي ا وطالبوه - بعد انسحاب احلملة الفرنسية- أن يكون حاكم مرص قائلني:»أنت رصت حاكم البلدة والرعية. فكان كام قالوا لكنه كان الطاغية الذي حدد إقامة الشيخ الرشقاوي شيخ األزهر يف منزله ونفى الشيخ عمر مكرم نقيب األرشاف وقائد املشايخ واجلامهري! هكذا فعل حممد عيل باشا بأنصاره ومؤيديه! وال يزال التاريخ يروي جمازر ومآيس عبد النارص بمن أي دوه ونرصوه!! وبسبب ما سبق ذكره هرب كثري من الصاحلني من هذا املعرتك وانحاشوا من هذا الدرك. واحلق أن أعامل السالطني املحر مة وترصفات الرؤساء الظاملة وترصفات الساسة اخلارجة عن الرشيعة ليست من السياسة الرشعية أو املرشوعة يف قليل أو كثري. يقول اإلمام السخاوي:»ومن أعظم خطأ السالطني واألمراء تسمية أفعاهلم اخلارجة عن الرشع سياسة فإن الرشع هو السياسة ال عمل السلطان هبواه ورأيه. وقد وعى ذلك مجاعة من أهل العلم كاإلمام حسن البنا ومن نحا نحوه من أهل جيله وممن بعده وحاولوا الدخول يف معرتك السياسة فام وجدوا من عصابات املشتغلني بالسياسة إال ألوانا من النكال والقتل والسجن إال يف بعض الفرتات التي اضطروا فيها لالستعانة بأهل الدين وخاصة من كان له دور سيايس لتحقيق مصاحلهم أو لدفع بعض األفكار ومعتنقيها عنهم كامحدث ىف عرص حممد انور السادات حني فتح الباب لعمل اإلسالميني يف السياسة لصد الزحف الشيوعى عىل السلطة وخاصة من أقرتب منهم إىل كراسى احلكم كعىل صربى وغريه ولكن بحمد اهلل اغتنم عدد من العلامء وغريهم هذه الفرصة فاحرتفوا العمل السياسى كأمثال الشيخ صالح أبو اسامعيل وسعوا جاهدين إلجياد مكان لرشيعة رب العاملني ىف واقع املسلمني ىف مرص وغريها من بالد املسلمني فكلل اهلل جهدهم بنجاح نسبى حيث تم وضع املادة الثانية ىف الدستور والتى تنص عىل أن الرشيعة اإلسالمية هى املصدر الرئيسى للترشيع وكان من ثامر ذلك أن وافق الربملان عىل عمل مسودة لدستور جديد قام بوضعه جممع البحوث اإلسالمية واألزهر الرشيف وبناءا عليه قام جملس الشعب بزعامة صوىف أبو طالب بعمل تقنني للرشيعة اإلسالمية وصياغتها ىف شكل ))) جملة املنار اجلديد: مقال السياسة مفاهيم ومواقف عدد 8 د. حممد العبدة ص 82 ))) عجائب اآلثار للجربتى ج 3 ص 75 ))) اإلعالن بالتوبيخ ملن ذم التاريخ للسخاوى ص 90 حتقيق روزنثال. 23