البنك المركزي العراقي صناديق الثروة السيادية: تقييم اولي لتجربة صندوق تنمية العراق المستشار الدكتور مظهر محمد صالح آيار / 0228 0
مدخل لقد جاء نمو الكيان المؤسسي لصناديق الثروة السيادية Sovereign SWFs) Wealth Funds ( كاستجابة قوية للتراكمات الحالية في الموجودات االجنبية للقطاع الرسمي او الحكومي على المستوى العالمي. ويلحظ ان نشوء تلك الصناديق الذي شاع استخدامها اصطالحيا بصناديق الثروة السيادية منذ العام 0222 هو ليس باالمر الجديد والسيما في البلدان الغنية بالموارد الطبيعية والنفطية منها بشكل خاص. وعلى الرغم من ذلك فان تلك الصناديق قد باتت تمثل نمطا سائدا في استثمار الموارد الحكومية وموجوداتها المالية في االقتصادات ذات االسواق الناشئة في يومنا هذا. وكذلك لدى البلدان التي غدى تطورها معتمدا على الصادرات من المواد االولية غير النفطية وتتمتع في الوقت نفسه بفائض كبير في موازين مدفوعاتها. وعلى هذا االساس فقد بات ينظر الى صناديق الثروة السيادية على انها صناديق استثمار متخصصة تنشؤها الحكومات او تمتلكها بغية االحتفاظ بالموجودات المالية الغراض الفترة الطويلة وعادة ماتكون تلك الصناديق ممولة من االحتياطيات الدولية او غيرها من مصادر العملة االجنبية وانها تعد ايضا من الملكيات الكبيرة التي تأخذ شكل حقوق او مطالبات claims بالعملة االجنبية على غير المقيمين. وبهذا فقد عدت تلك الصناديق المملوكة للدولة بأنها كيانات تستطيع ادارة مدخرات البالد الغراض االستثمار وتتألف من موجودات مالية كاالسهم والسندات والحقوق وادوات مالية اخرى. اال ان االموال المتراكمة في الغالب تكون بصورة ودائع من العملة االجنبية يضاف اليها الذهب وحقوق السحب الخاصة اضافة الى المركز االحتياطي للبالد لدى صندوق النقد الدولي الذي تمسكه البنوك المركزية عادة او السلطات النقدية سوية مع الموجودات االخرى للبالد مثل استثمارات المتقاعدين وصناديق النفط وغيرها. كما يمكن لهذه الصناديق ان تمسك في آن واحد بالعملة الوطنية او بالعمالت االحتياطية الدولية مثل الدوالر واليورو والين. وان الجهات التي يعزى اليها القيام بمهمة ادارة هذه الصناديق. 1 1
يمكن ان تشمل المصارف المركزية وشركات االستثمار صناديق كصناديق التقاعد الرسمية وصناديق الثروة النفطية لتتولى ادارة وغيرها. ويلحظ ايضا ان الفوائض العالية في الحسابات الجارية لموازين المدفوعات وكذلك تدفقات رؤوس االموال الداخلة الى بعض البلدان قد تركت جدال مستمرا حول السياسات االساسية التي ينبغي اعتمادها للتعامل مع تلك التراكمات المالية السيادية والتكيفات او التعديالت الممكنة إزاءها والتي منها على سبيل المثال : المستوى المطلوب من مرونة في سعر الصرف المستوى االمثل لالحتياطيات االجنبية للبالد وامكانية تخصيص جزء منها الستثمارها في تلك الصناديق السيادية. وإزاء ما تقدم يتضح الفرق بين ماتقوم به الكيانات السيادية من االحتفاظ بالثروة وبين ادارة االحتياطيات االجنبية للبالد اذ ان االولى تتولى تعظيم العائد لفترة طويلة في حين تتولى االخيرة ادارة استقرار وسيولة العمالت لفترة قصيرة. وعلى الرغم من هذا التمييز لوحظ ان العديد من المصارف المركزية والسلطات النقدية اخذت خالل السنوات االخيرة بمراكمة مقادير من االحتياطيات الدولية تفوق الحاجة الى السيولة او حاجتها الدارة التحويل الخارجي. كما بات الكثير منها يعتقد باهمية التنويع الواسع لموجوداتها كبديل لمعطيات الفترة القصيرة التي تقتضي االحتفاظ بوحدات نقدية عالية السيولة كما ان البعض من تلك المصارف المركزية ابتدء بشراء االسهم والمشتقات المالية حسب مستوياتها المختلفة. لقد حولت ظاهرة النمو في الموجودات السيادية القطاع الحكومي الى مجموعة استثمارية عالية النشاط وبهذا فان استثمار الثروة الحكومية عبر مختلف الخيارات المتاحة يقتضي توافر ادارة مالية تتسم بالدقة والحذر الشديد عند استثمار هذه الموجودات المالية الرسمية. حيث تركز القراءات الحديثة المتعلقة بصناديق الثروة السيادية على موضوعات مهمة مثل : 2
الشفافية في الحسابات الحكومية والحسابات الخارجية تحديد االهداف المختلفة والمتعددة لتلك الصناديق ودرجة االقتراب من المخاطر وآفاق االستثمار عبر االمد الطويل. التأكيد على العائد return عوضا عن التركيز على مسألة السيولة liquidity قدر تعلق االمر باحتياجات ميزان المدفوعات. ولكن تبقى التساؤالت لصيقة بصورة مستمرة بمسألة التأثير المحتمل إزاء قيام الدولة بتخصيص موجوداتها او تحويل استراتيجيات استثماراتها ذلك طبقا لدرجة تحركات رؤوس االموال الدولية واسعار الموجودات )وخير مثال على ذلك ما تقوم به الصين حاليا من استراتيجيات في ادارة احتياطياتها االجنبية ). وبهذا الشأن تشير التقديرات االولية بأن االحتياطيات الدولية التي تحتفظ بها الجهات الرسمية الدولية تبلغ حاليا قرابة 6 ر 2 ترليون دوالر يضاف الى ذلك مابين 9 ر 1 الى 9 ر 0 ترليون دوالر والتي تقع ضمن الترتيبات التي تؤشرها صناديق الثروة. وعلى الرغم من سعة هذه المقادير اال انها مازالت هي اقل ب 12 مرات من الموجودات التي تقع تحت ادارة مستثمري مؤسسات السوق الناضجة والبالغة 25 ترليون دوالر ولكن مع ذلك هي اعلى بشكل معتدل من استثمارات صناديق التحوط التي تقدر حاليا بنحو )1 ترليون دوالر الى 2 ر 1 ترليون دوالر(. وتراقب المؤسسات المالية الدولية اليوم حالة النمو المتواصلة في تلك الموجودات وتوجهات الحكومات بهذا الشأن التي اخذت تعظم تراكماتها من الموجودات االجنبية بمتوسط سنوي قدره 822 الى 922 مليار دوالر وهو توجه تسير عليه غالبية بلدان االسواق الناشئة وان هذا التوجه في تراكم االحتياطيات الدولية سيجعل اجمالي الموجودات منها يقارب 10 ترليون دوالر بحلول العام. 0210 3
هل صناديق الثروة السيادية هي من نمط واحد ام من انماط مختلفة. 0 على الرغم من انه اليوجد اتفاق شامل او عام حول تعريف صناديق الثروة السيادية والذي سبق االشارة له اال ان تلك الصناديق يتفق على تعريف مشترك لها بانها صناديق استثمار ذات طبيعة خاصة تنشأ و تمتلك من قبل الحكومات لالحتفاظ بالموجودات االجنبية الغراض الفترة الطويلة. اال ان هذا التعريف يقودنا الى تناول مسألتين اساسيتين : االولى وتتعلق بمصادر اموال صناديق الثروة السيادية اذ تأتي تلك االموال من مصادر مختلفة ومنها ذات طبيعة مشتركة. فبعض االموال هي ناتج عرضي by products للفوائض المتراكمة في الموازنات العامة للدول والناجمة عن مركب ايرادات الصادرات ومقيدات االنفاق. ويمكن ايضا ان تأتي الفوائض المالية واالدخار العام من مصادر داخلية حصريا مثل العوائد الناجمة عن خصخصة المشاريع الحكومية على سبيل المثال وهي بذلك تكون واحدة من مصادر صناديق الثروة السيادية لتماثل في الوقت نفسه الفائض في ميزان المدفوعات سواء اكان هنالك فائض مماثل في الموازنة العامة ام لم يكن. والثانية تتعلق بالتحليل العضوي الهداف السياسات المعتمدة لتلك الصناديق : اذ يلحظ ان ثمة تمييز بين االنماط المختلفة للصناديق يقوم على االهداف الرئيسة من نشأتها والتي تصنف بالشكل اآلتي : أ صناديق االستقرار : Stabilization Funds وهي صناديق تنشؤها عادة الدول الغنية بالموارد الطبيعية بغية عزل الموازنة العامة واالقتصاد الكلي من تقلبات اسعار تلك المواد ( النفط في الغالب ). اذ تراكم تلك الصناديق موجودات مالية خالل السنوات التي تتسم بالعوائد 4
التصديرية العالية بغية استخدامها في سنوات الحقة غير مؤاتية تختل فيها شروط التبادل التجاري الدولي. ويلحظ ان صناديق االستقرار كانت قد أنشأت ابتداء لتسهيل االيرادات المالية وضمان انسيابيتها خالل السنة المالية او لغرض تعقيم sterilize التدفقات الداخلة من العملة االجنبية. ولكن عندما تستمر الموجودات في صناديق الثروة بالنمو خارج المستويات المرغوبة لتحقيق هدف االستقرار فان السلطة الحكومية المسؤولة عن ادارة الصندوق تقوم من جانبها بتعديل اهدافه واعادة تصميم هيكليته بما يساعد على توسيع اغراضه. وكثيرا ما تقسم الموجودات في تلك الصناديق الى شرائح مختلفة وعلى وفق اهداف متنوعة وربما احيانا يتم خلق صناديق منفصلة )جديدة( وباهداف مختلفة او متنوعة. كما ويلحظ بأن الترتيبات المؤسسية الالزمة الدارة االنماط المختلفة من الصناديق كثيرا ما تكون بعهدة البنك المركزي بشكل رئيس ويكون قسم منها بعهدة وكاالت اخرى مستقلة. اذ يتولى البنك المركزي مسؤولية تمويل الموارد المالية الى الصناديق االخرى واحيانا تقوم الصناديق االخرى المذكورة بتحويل مواردها الى البنك المركزي ليتولى ادارة بعض عملياتها باالنابة. ب صناديق االدخار Saving Funds وهي صناديق يطلق عليها بصناديق االجيال تعبر عن رغبة الحكومات بأهمية ان تكون عوائد موارد البالد الطبيعية السيادية مشتركة عبر االجيال. حيث تتولى صناديق االدخار في تلك البلدان الغنية بالموارد الطبيعية تحويل عوائد الموارد الطبيعية غير القابلة للتجديد الى حقوق استثمارية متنوعة من الموجودات المالية الدولية. ويلحظ ان الزيادات الراهنة في اسعار النفط قد اضافت اهتمامات اخرى على االهداف االدخارية مما اخذت تشجع العمل الحكومي في ادارة الموجودات على نحو اكثر من ذي قبل وباتجاه تنويع وظائف صناديق االدخار المتأثرة بنمو الثروات السيادية. 5
ج د العمليات المتعلقة باستثمار االحتياطيات : يعد االستثمار في االحتياطيات الدولية بمثابة كيان منفصل وظيفته اما خفض التكاليف السالبة الناجمة عن االحتفاظ باالحتياطيات او لمواصلة السياسات االستثمارية ذات العوائد العالية وينظر في احيان كثيرة الى الموجودات التي تقع ضمن الترتيبات االخيرة بانها مازالت تعد ضمن نطاق االحتياطيات ( اي على الرغم من انخفاض سيولتها وارتفاع درجة مخاطرها بسبب تفضيل العائد المرتفع على السيولة ). صناديق التنمية Development Funds توظف صناديق التنمية في اعاله مواردها صوب القيام بمشاريع ذات االولوية االقتصادية واالجتماعية وتحديدا مشاريع البنية التحتية. ه صناديق احتياطي التقاعد Pension Reserve Funds من الجلي انها صناديق توظف مواردها بغية ادامة رواتب ومعاشات شريحة المتقاعدين وتستخدم هذه الصناديق احيانا بمثابة نمط لمواجهة االلتزامات العرضية contingent liabilities التي تترتب بشكل طارئ على الميزانية العمومية للحكومة Governmental balance sheet 6
تقييم اولي لوظائف واهداف صندوق تنمية العراق وهل هو صندوق ثروة سيادية عند النظر الى صناديق الثروة على وفق تقسيماتها واهدافها المختلفة والتي تم عرضها آنفا فانه يمكن اعتبار صندوق تنمية العراق DFI أحد صناديق الثروة السيادية والذي يمكن تقييمه على مستويين : المستوى االول : اذ يمثل )صندوق تنمية العراق(عند هذا المستوى احد صناديق االستقرار stabilization fund لمواجهة الحاالت العرضية والطارئة contigents في الموازنة العامة. وعلى هذا االساس تم اقتراح تسعير برميل النفط الغراض تحديد ايرادات الموازنة العامة للعام 8002 بواقع 57 دوالرا للبرميل الواحد ( وهو سعر اقل من االسعار المعتمدة حاليا في تصدير النفط العراقي بنحو 84 82 دوالرا للبرميل الواحد ) ذلك بغية تركيم موارد اضافية في الصندوق بموجب الفروقات السعرية االفتراضية المذكورة آنفا ولغايات واضحة تتعلق باعتماد سياسات استقرار وانسيابية عالية في تمويل النفقات العامة عند تعرض موارد البالد المالية الى تقلبات فجائية او غير مرغوبة خالل السنة المالية. كما يلحظ ايضا بأن االستثمارات المالية في هذا المستوى تميل الى مبدأ السيولة liquidity حاليا اكثر من ميلها الى مبدأ تعظيم العائد return مما يجعلها ضمن نطاق واهداف صناديق االستقرار التي تعمل على اساس الفترة القصيرة. المستوى الثاني : وهو حساب احتياطي بالعملة االجنبية ويقع ضمن العمليات المتعلقة باستثمار االحتياطيات الدولية التي سبق االشارة اليها اذ ينظر الى موارده في المرحلة الحالية على انها سائلة قدر االمكان لمواجهة اي اهتزازات عاجلة على استقرار القطاع الخارجي في االقتصاد وانعكاسات ذلك على السوق المالية وعموم االستقرار الداخلي. وبهذا يعد هذا المستوى ضمن صناديق الثروة السيادية ومن النمط الذي يتجنب اية تكاليف سلبية جراء ادارة تلك. 5 7
االحتياطيات في هذه المرحلة المبكرة من تراكم االحتياطيات االجنبية التي تغطي قرابة ثمانية اشهر استيرادية للعراق في الوقت الحاضر وهي لم تبلغ حدودها المثالية واهدافها النهائية بعد. وان الذهاب الى مبدأ التنويع التام يتطلب التحول التدريجي من مبدأ السيولة liquidity في ادارة تلك االحتياطيات الى مبدأ العائد return وتعظيمه مما يعني تحمل شئ من المخاطر جراء االستثمار الطويل االجل الذي يمتد الكثر من سنة واحدة وبمختلف الموجودات المالية والمقومة بمختلف العمالت وعلى وفق مايسمى staggering maturities or laddering اي التحوط من تقلبات مخاطر اسعار الفائدة interest risk وهو امر يقتضي في الوقت نفسه التنويع بين السندات على سبيل المثال حسب آجالها بين القصيرة والمتوسطة والطويلة االمد في آن واحد بغية تعظيم العوائد او الدخل الناجم عن االستثمار باقل المخاطر الممكنة. في ضوء ما تقدم يمكن االستنتاج بأن صندوق تنمية العراق يعد صندوقا للثروة السيادية وانه في الوقت نفسه يعتبر صندوقا متعدد االهداف سواء الغراض االستقرار وفقا لمتطلبات السياسة المالية وبسيولة نسبية عالية او الغراض استثمار االحتياطيات االجنبية وفقا لمتطلبات السياسة النقدية وبسيولة نسبية عالية ايضا. انتهى د المستشار. مظهر محمد صالح 8