تقارير األكراد شمال شرق سوريا: حسابات الداخل ومعطيات الخارج زياد ماجد* Al Jazeera Centre for Studies Tel: +974-44663454 jcforstudies@aljazeera.net http://studies.aljazeera.net 3 أغسطس/آب 2015
ملخص أظهرت األزمة السورية عمق التأزم بين شرائح من األكراد والعرب لكن األكراد تمكنوا من توظيف الدعم األميركي العسكري للسيطرة جغرافيا )أسوشيتد برس( كث ر الحديث في شهر يونيو/حزيران 2015 عن عمليات تهجير لسكان عرب من مناطق مختلطة قوميا شمال شرق سوريا. وذكرت شهادات مواطنين سوريين وتقارير إعالمية وتصريحات سياسية أن عمليات التهجير هذه تلت طرد "وحدات الحماية الكردية" لميليشيا "تنظيم الدولة اإلسالمية" من مدينة تل أبيض والبلدات المحيطة بها. في المقابل نفى المسؤولون األكراد صحة هذه الشهادات والتقارير والتصريحات وذكروا أن التهجير الفعلي الذي حصل في المناطق المذكورة هو ذاك الذي استهدف سكانها حين هاجمهم "تنظيم الدولة" واستولى على أراضيهم عام ي 2013 و 2014. وقد أد ى االتهام والنفي والسجال الذي تب عهما إلى فتح نقاش سوري داخلي أظهر عمق التأزم السياسي بين شرائح واسعة من األكراد والعرب السوريين وفاقم خطاب مظلومية كردي ا له مشروعيته بناء على تجارب التاريخ الحديث لكنه صار مبعث تبرير سلوكيات وممارسات غلبة راهنة. وفي ما يتخطى اإلطار السوري لمسألة التوتر الكردي العربي الواجب معالجتها على أكثر من مستوى سياسي وثقافي يبدو أن التطورات العسكرية األخيرة في الشمال والشمال الشرقي السوري أثارت قلق تركيا التي تنظر بريبة الى التمدد العسكري الكردي على حدودها الجنوبية بغطاء جوي أميركي. ولن يمر هذا األمر على األرجح دون تداعيات سياسية وميدانية في المستقبل القريب. مقدمة يتطلب البحث في واقع المناطق الشمالية والشمالية الشرقية السورية اليوم خاصة منطقة الجزيرة إثارة م عطي ين تاريخيين األول: صعود الهويات القومية وأفول اإلمبراطورية العثمانية ومسار ترسيم الحدود في المشرق العربي بعد اتفاقية سايكس- بيكو )بين بريطانيا وفرنسا( عام 1916 وما تبع ذلك من تشك ل الدول الحديثة في المنطقة. والثاني: سياسات حزب البعث عقب استيالئه على السلطة في دمشق وفرضه "التعريب" على األقليات القومية داخل سوريا ومحاولته تعديل الديموغرافيا والتسميات الجغرافية في مناطق وجودها. 2
وفي الم عطى األول تجاهلت اتفاقيات رسم الحدود وتشكيل الكيانات السياسية تطلعات قسم كبير من األكراد إلقامة دولة وطنية فو جد هؤالء أنفسهم موزعين بين إيران الصاهرة لهم في بوتقة عماد ها العنصر الفارسي وتركيا الكمالية التي واجهتهم بتشدد قومي وبحمالت قمع وتتريك والشمال ين العراقي والسوري حيث عانوا من سياسات تهميش متالحقة تحولت مع صعود البعث إلى السلطة تباع ا في البلدين إلى سياسات سيطرة م منهجة. وهنا يأتي المعطى الثاني في ما يخص الشأن السوري ذلك أن النظام البعثي عمد على مراحل عد ة بدء ا من أواسط الستينات ثم طيلة الحقبة األسدية بعد عام 1970 إلى حظر اللغة والهوية الكرديتين واعتماد التعريب في التعليم وفي مختلف أوجه الحياة العامة في المناطق ذات األغلبية الكردية كما عر ب أسماء بلدات ومدن كانت حتى ذلك الوقت م حافظة على أسمائها غير العربية. وعمل نظام األسد ابتداء من عام 1974 على إسكان فالحين عرب غمرت قراهم بحيرة سد الفرات في قرى ذات أكثرية كردية على الحدود الشمالية الشرقية في محافظة الحسكة ضمن مشروع "الحزام العربي" مما ع د سعي ا إلى تعديل ديموغرافيا المنطقة المذكورة وإن كانت نتائج األمر ظل ت محدودة) 1 (. وي ضاف إلى ما ذ كر أن عشرات اآلالف من األكراد في سوريا لم يحصلوا على وثائق سورية إذ تمن عت السلطات المتعاقبة في دمشق عن منحهم الجنسية م دعية أن أصولهم تعود إلى جنوب شرق تركيا وأنهم نزحوا إلى سوريا على دفعات خالل عقود االنتداب الفرنسي. وأد ى مختلف العوامل هذه ضمن الم عطيين اآلنفين إلى نشوء مظلومية كردية لها سردياتها وخطابها وقواها السياسية. وشك لت الساحة التركية حيث يعيش العدد األكبر من األكراد الحيز األبرز للكفاحية الكردية في محاولة النتزاع حقوق ثقافية وسياسية من أنقرة. وتحولت الكفاحية هذه في بعض أوجهها إلى العنف المسلح بعد ظهور "حزب العمال الكردستاني") 2 ( بزعامة عبد هللا أوجالن أواخر سبعينات القرن الماضي. نظام األسد و"حزب العمال الكردستاني" في الوقت الذي كان نظام حافظ األسد يفرض سياسات القمع و"التعريب" القسري على األكراد السوريين كان يعمد أيض ا إلى تشجيع حليفه في "الجبهة الوطنية التقدمية" الحزب الشيوعي السوري-جناح خالد بكداش) 3 ( على استقطاب مجموعات كردية إليه إلبعادها عن منازعة السلطات في دمشق وجعلها تقدم األيديولوجيا على االنتماء القومي. وابتداء من أوائل الثمانينات وبسبب سوء عالقته بالحكم التركي ألسباب عدة منها قضية لواء اإلسكندرون) 4 ( انفتح النظام األسدي على "حزب العمال الكردستاني" وسمح له بمعسكرات تدريب في األراضي اللبنانية التي كان ي سيطر عليها واستضاف زعيمه أوجالن في العاصمة دمشق ووف ر له الحماية األمنية وسعى إلى توظيف قتاله الجيش التركي من أجل ابتزاز السلطات التركية وإيجاد "ورقة ضغط" عليها تحقق توازن ا سياسي ا )نسبي ا( بين دمشق وأنقرة. واستمرت سياسة "احتضان" الحزب الكردي وزعيمه أوجالن لغاية عام 1998 حين ط لب من األخير مغادرة األراضي السورية بعد تهديدات تركية وحشد قوات عسكرية على الحدود فتحسنت بعدها عالقات األسد بأنقرة ووق ع البلدان "اتفاقية أضنة" األمنية )للتعاون في "مكافحة اإلرهاب"( وفتحا صفحة جديدة في عالقاتهما وع د لت الخريطة الرسمية السورية وأ زيل لواء اإلسكندرون الحق ا منها. وقد وس ع وجود أوجالن وكوادر حزبه في سوريا لسنوات طويلة وتنظيمهم أنشطة وشبكات دعم وتضامن في المناطق ذات األغلبية الكردية شعبيتهم في األوساط الكردية السورية فصار "حزب العمال" ممثال لفئات كثيرة من أكراد سوريا على نحو قر بها سياسي ا من الشرائح المساندة له في تركيا. 3
ومع انتقال السلطة من األسد األب إلى ابنه عام 2000 شهدت المناطق الكردية انعقاد منتديات حاشدة ضمن سياق ما ع رف يومها ب"ربيع دمشق". وأثارت تلك المنتديات قضايا سورية عامة مرتبطة بالمطالبة بإنهاء حالة الطوارئ في البالد )السائدة منذ عام 1963( وإطالق المعتقلين السياسيين واحترام حرية الرأي والتعبير وإقرار الحق بتأسيس الجمعيات واألحزاب. كما أثارت المنتديات قضايا كردية ترتبط باحترام الثقافة وحقوق المواطنة لألكراد وحصول "غير المجنسين" منهم على أوراقهم الثبوتية السورية. وقد تعامل النظام مع المنتديات الكردية ومع سائر المنتديات في سوريا أمني ا فأقفلها بعد أشهر على ظهورها واعتقل العشرات من منظ ميها. وفي عام 2004 انتفض ألوف الشبان األكراد ضد النظام السوري عقب مباراة كرة قدم شهدت شغب ا واستفزاز ا لجماهيرهم الكروية ثم اعتداء وحشي ا عليهم من قبل القوى األمنية ووصلت التظاهرات واالعتصامات الكردية إلى العاصمة دمشق حيث أخمدها النظام بالقتل واالعتقال. وتعددت في عامي 2005 و 2006 المبادرات السياسية من قبل أطراف المعارضة السورية وبعض الشخصيات العامة المستقلة وبينها قوى وشخصيات كردية وصدر "إعالن دمشق للتغيير الديمقراطي" واعتقل النظام قسم ا كبير ا من موق عيه ومن ضمنهم ناشطون سياسيون أكراد. عانى أكراد سوريا مثل األكثرية العظمى من مواطنيهم السوريين من منظومة القمع واالستبداد والتهميش التي أدار من خاللها ح كم األسد ين: األب واالبن البالد. واتخذت معاناتهم طابع ا خاص ا في أحيان كثيرة مرتبط ا كما ذكرنا بخصوصياتهم الثقافية القومية واللغوية الم ستهدفة وبمحاوالت توظيف قضيتهم في إطار الصراع ثم التسوية مع أنقرة. لكن معاناتهم المزدوجة هذه لم تكن استثناء وحيد ا في السياق السوري إذ إن فئات أخرى عانت مثلهم النتماءاتها الجهوية )أهل مدينة حماه ومحيطها مثال الذين ح رموا من الوظائف والكثير من الخدمات وتعرض بعض أحياء مدينتهم وعشرات اآلالف من أبنائها لإلبادة في فبراير/شباط 1982( أو األيديولوجية )بعض اليساريين وجمهور واسع من اإلسالميين السوريين ممن ن ك ل بهم وتعرضوا لمجازر وألحكام باإلعدام أ ر د ت اآلالف منهم خالل عقدي الثمانينات والتسعينات(. المسألة الكردية بعد اندالع الثورة السورية عام 2011 أتاح اندالع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 حرية التعبير السياسي وطرح المواضيع اإلشكالية المسكوت عنها داخل سوريا. كما أنه سمح بانطالق أنشطة شعبية تتخذ من االعتصامات والمسيرات والتضامن الوطني أشكاال جديدة للمطالبة بالحرية والعدالة وإسقاط حكم االستبداد. وقد شارك الشبان األكراد بفاعلية في المظاهرات واألنشطة الثورية على مدى أشهر. وعرفت مدينتا القامشلي وعامودا تجمعات حاشدة طالبت بإسقاط النظام وتضامنت مع باقي المدن السورية الثائرة السيما درعا وحمص ودوما ثم حماه التي تعرضت لقمع وحشي من قبل قوات األسد. ولعبت شخصيات كردية بارزة مثل مشعل تمو) 5 ( دور ا فاعال في قيادة التوجه الكردي المعارض وربطه بالثورة ومواجهة سياسات النظام الهادفة إلى االستثمار في أي شرخ كردي عربي أو الدفع نحوه. أد ى اغتيال تمو في أكتوبر/تشرين األول 2011 واختطاف وتوقيف عشرات الناشطين األكراد المعارضين لنظام األسد وتنامي ظاهرة العسكرة في صفوف الثورة السورية لمواجهة بطش النظام ثم تحولها إلى كفاح مسلح بعد احتالل الجيش األسدي لساحات المدن والبلدات منع ا للتجمع والتظاهر فيها واستهداف آالف المدنيين والناشطين السلميين قتال واعتقاال إلى خلق واقع سياسي كردي جديد إذ آثر معظم القوى السياسية الكردية السيما "حزب االتحاد الديمقراطي") 6 ( تحييد المناطق الكردية أمام ما أسمته: "النزاع" العسكري الناشب. ومع تصاعد هذا األخير أواخر عام 2012 وخروج قسم كبير 4
من البالد عن سيطرة األسد أنشأ "حزب االتحاد" وحلفاؤه "وحدات حماية الشعب" بهدف السيطرة على المناطق ذات األكثرية الكردية. تراجع مع الوقت الحراك الثوري في الحسكة وفي مناطق في ريف ي الرقة وحلب وبدا أن القوى الكردية الرئيسية قررت إعادة التموضع على الخارطة السورية على نحو يسمح لها باالستفادة من الصدام القائم بين النظام ومعارضيه أوال : لترنح سطوة النظام على قسم واسع من األراضي السورية بما ي تيح لها االنتشار في تلك التي تقيم فيها أكثرية كردية وثاني ا: لحاجة جميع األطراف إلى تجن ب الصدام بها. فال النظام المنهك يريد زيادة أعدائه وفتح جبهات جديدة تشغله في مناطق فيها مراكز استراتيجية له )نفط ومطار وقواعد عسكرية( وال فصائل المعارضة من الجيش الحر والكتائب والجبهات اإلسالمية تريد قتال الميليشيات الكردية ودفعها للتحالف مع النظام سواء في داخل مدينة حلب أو في العديد من مناطق السيطرة المتداخلة وطرق اإلمداد في الريفين الحلبي والرقاوي. ورغم بعض المعارك المتفرقة مع جيش النظام ومع الجيش الحر ثم مع الفصائل اإلسالمية إال أن الصدامات ظلت محدودة وتمكن المقاتلون األكراد من التحكم بمعظم المناطق ذات األكثرية الكردية تاركين جيوب ا وقواعد للنظام من ناحية وممرات لوجستية للمعارضة من ناحية ثانية. ونفذ مقاتلو "وحدات حماية الشعب" حمالت اعتقال طالت أكراد ا معارضين ل"حزب االتحاد الديمقراطي" كما طردوا بعض العائالت العربية والتركمانية الم تهمة باالستيطان أو بالتعاطف مع خصومهم. )7( لكن في المقابل يجدر القول إن التهجير الداخلي في سوريا نتيجة قصف النظام للمناطق الخارجة عن سيطرته في ما عدا المناطق الكردية أوصل أالف السوريين العرب إلى هذه المناطق بحث ا عن األمان. وفي األمر ما أبقى تمام ا مثل التهجير الذي حدث من حلب إلى الالذقية على االختالط المذهبي والقومي موجود ا في العديد من المحافظات السورية. صعود "تنظيم الدولة اإلسالمية" والصدامات الكبرى أد ى صعود "تنظيم الدولة اإلسالمية في العراق والشام" ابتداء من ربيع عام 2013 وانتشاره في العديد من مدن وبلدات محافظات دير الزور والرقة وحلب وإدلب إلى اشتباكات متفرقة بين مقاتليه والمقاتلين األكراد لم تصل حدود محاولة أي من الطرفين الحسم مع اآلخر فمقاتلو "الدولة اإلسالمية" كانوا مستغرقين في قتال "الجيش الحر" والفصائل اإلسالمية المعارضة واحتالل المناطق التي سبق لألخيرين أن حر روها من النظام فيما كان المقاتلون األكراد يرك زون على تثبيت مواقعهم وتجهيز أنفسهم للمرحلة الالحقة. وفي يناير/كانون الثاني 2014 أعلن "حزب االتحاد الديمقراطي" وحلفاؤه في الشمال الشرقي السوري تشكيل حكومة إلدارة المناطق الكردية وجرى تنظيم العمل الخدماتي واألمني وتطوير األجهزة السياسية الكردية في ما س م ي "غرب كردستان" وأثار األمر سجاالت حادة بين من اعتبره خطوة نحو "االستقالل" عن سوريا ومن رأى فيه ترتيب ا مؤقت ا إلدارة مناطق حكم ذاتي كردية. وبدا أن انعدام الثقة بين األطراف المتساج لة هو العنصر األبرز واألبلغ أثر ا سياسي ا. واستمرت األمور على هذا النحو من استتباب للسيطرة الكردية على مدن وبلدات في الحسكة وريف ي الرقة وحلب حتى يونيو/حزيران 2014 حيث حصل في ذلك الشهر التطور الدراماتيكي الكبير الذي أطلق الصراع في الشمال والشمال الشرقي السوري إذ أعلن أبو بكر البغدادي زعيم "تنظيم الدولة اإلسالمية في العراق والشام" الخالفة في يونيو/حزيران 2014 عقب استيالء قواته على الموصل في العراق وتقدمها نحو مناطق أ خرى ثم بدئها حملة لتوسيع مناطق سيطرتها 5
شمال الرقة في سوريا حيث اصطدمت بعنف ب"وحدات الحماية" الكردية واحتلت بلدات عديدة كانت تحت سيطرة األخيرة. وتسبب هجوم تنظيم الدولة في العراق كما في سوريا بتهجير عشرات اآلالف من العراقيين وآالف السوريين أكثريتهم من األكراد. وأد ى التوسع السريع ل"الدولة اإلسالمية" وما رافقه من انهيار للجيش العراقي ومن جرائم ضد المدنيين ثم من إعدام التنظيم لمخطوفين غربيين -صحافيين أميركيين وعامل إغاثة بريطاني- إضافة إلى دخول قواته إلى داخل مدينة كوباني )عين العرب( ذات األكثرية الكردية شمال محافظة حلب إلى دفع الواليات المتحدة وعدد من حلفائها الغربيين والعرب إلى التدخل العسكري فشن ت الطائرات األميركية والحليفة ابتداء من سبتمبر/أيلول 2014 مئات الغارات الجوية على مواقع التنظيم الجهادي وعلى حشوده في كوباني وفي معظم مناطق انتشاره )في سوريا والعراق(. وسمحت الغارات الجوية للقوات الكردية السورية "وحدات الحماية" بإعادة تنظيم نفسها وشن هجوم مضاد على تنظيم الدولة مدعومة بمقاتلين من البشمركة القادمين من العراق عبر األراضي التركية ومن بضع وحدات من الجيش الحر )رق اوية وحلبية االنتماء(. استمرت المعارك الطاحنة بين الطرفين حتى شهر يناير/كانون الثاني 2015 وانتهت بطرد "وحدات حماية الشعب" ل"تنظيم الدولة" من كوباني والبلدات المحيطة بها. وتواصلت بعد ذلك عمليات الكر والفر مصحوبة بمئات الغارات األميركية اإلضافية المساندة للهجوم الكردي حتى شهر مارس/آذار ثم است ؤنفت من جديد في شهر مايو/أيار 2015 وأد ت إلى خسارة "تنظيم الدولة" مدينة تل أبيض وعشرات القرى المحيطة بها. وتلت عملية طرد "تنظيم الدولة" من المنطقة اشتباكات مستمرة حتى اليوم على محاور القتال وحدودها الجديدة وأفضت هذه العمليات إلى سيطرة كردية على العديد من المعابر بين سوريا وتركيا وأفضت كذلك إلى تأمين تواصل ترابي بين المناطق التي يسيطر عليها األكراد السوريون شمال شرق وشمال البالد. ورافق مجمل األعمال الحربية منذ صيف عام 2014 لغاية صيف عام 2015 تهجير ونزوح واسعان نحو األراضي التركية. ورافقتها أيض ا عمليات إبعاد لعائالت عربية نف ذتها "وحدات الحماية" الكردية بحج ة تعامل األخيرة مع "تنظيم الدولة" أو بحج ة إقامتها على مقربة من نقاط االشتباك المباشر الجديدة. وقد تناولت تقارير صحافية هذا اإلبعاد القسري لمواطنين عرب )عبر الفضائيات العربية وفي صحيفة "صانداي تايمز" خاصة بتاريخي 27 فبراير/شباط و 1 يونيو/حزيران 2015(. وذكرتها أيض ا تصريحات رسمية أميركية حذ رت من استمرارها )تصريح جيف راثكي المتحدث باسم الخارجية في 13 يونيو/حزيران 2015( وأ خرى رسمية تركية على لسان وزير الخارجية ثم على لسان الرئيس أردوغان نفسه الذي اتهم "الغرب" بالتواطؤ مع "حزب العمال الكردستاني" في تنفيذ عمليات اإلبعاد هذه التي أوصلت - بحسبه- آالف النازحين الجدد العرب والتركمان إلى تركيا )تصريحه في 16 يونيو/حزيران 2015()8(. يمكن القول: إن "وحدات حماية الشعب" استفادت من الدعم األميركي العسكري واللوجستي لتسيطر على أجزاء مهمة من الشمال والشمال الشرقي السوري وعكس األمر حسابات في واشنطن ترى في إقامة شريط كردي متواصل ترابي ا منط لق ا لقتال بري ضد "تنظيم الدولة" في سوريا ولو أد ى األمر الى استفزاز أنقرة التي تبدو غير راضية عن األمر وغير راضية أصال عن المقاربة السياسية األميركية لألوضاع السورية. وقد رد ت تركيا على مجمل التطورات المذكورة بحذر فهي تخشى من آثار الوضع المستجد سوري ا على أوضاع مناطقها الكردية المقابلة للحدود وعلى استقرارها بعد سيطرة الميليشيات الكردية على معظم المعابر لكنها في الوقت عينه ال تريد 6
الظهور بمظهر المساند ل"تنظيم الدولة". كما أنها ت طالب واشنطن بأال تكتفي بقصف "تنظيم الدولة" جوي ا بل بتجاوز ذلك وفرض مناطق آمنة في كامل الشمال السوري تحمي المدنيين من طيران نظام األسد وتحد من النزوح إلى أراضيها. وتريد كذلك قرار ا أميركي ا واضح ا يربط "مكافحة اإلرهاب" برحيل األسد وهذه جميعها مسائل لم تبت واشنطن فيها بعد. لهذه األسباب حشدت أنقرة قوات برية جنوب البالد ووضعتها منذ مطلع شهر يوليو/تموز 2015 في حالة تأهب أم ا تنفيذها عملية عسكرية خارج الحدود وانتشارها داخل األراضي السورية فمرتبط بمجموعة عناصر منها تشكيل حكومة تركية جديدة وتطورات الوضع الميداني السوري والتنسيق مع قطر والمملكة العربية السعودية وأخير ا وليس آخر ا مفاوضات أنقرة وواشنطن ربط ا بسوريا وباالتفاق النووي األميركي-اإليراني وغير ذلك من ملفات بالغة األهمية. خالصة في ما يتجاوز آنية التحوالت الميدانية في األشهر األخيرة في محافظات الحسكة والرقة وحلب رغم أهميتها وخطورتها يبدو بحث العالقات العربية-الكردية سوري ا مسألة م لح ة ي فترض أن يتفق على أسسها المسؤولون األكراد ونظراؤهم في المعارضات السورية. وي فترض أيض ا أن يضع هؤالء أولويات ال تفصل بين مهمتي إسقاط النظام األسدي المسؤول األول عن الجرائم الوحشية وعن الخراب الذي أصاب سوريا والتصدي ل"تنظيم الدولة اإلسالمية" وطرده من األراضي السورية. وعلى أساس االتفاق على المهمتين المتكاملتين المذكورتين يمكن البحث في شكل النظام السياسي المستقبلي للبالد وضرورة أال يكون مركزي ا وأن يتيح شكال من أشكال اإلدارة الذاتية عبر ال مركزية موسعة أو صيغة فيدرالية تترافق مع احترام الحقوق الثقافية واللغوية والسياسية لجميع المواطنين ذلك أن دوامات االنتقام وسياسات الثأر واالستناد إلى "المظلومية التاريخية" لتبرير انتهاكات راهنة تؤسس لمظلوميات جديدة ولجوالت مقبلة من التشنجات والصراعات وهذا أسوأ ما قد ي صيب السوريين. * زياد ماجد - كاتب لبناني وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة األميركية في باريس صدر له عام 2013 في بيروت كتاب "سوريا الثورة اليتيمة". المصادر 1- ياسين الحاج صالح تعريبان وتكريدان وما شابه القدس العربي 27 يونيو/حزيران 2015. وفي المقال ي حيل الكاتب إلى دراسة محمد جمال باروت "التكو ن الحديث للجزيرة السورية" الصادرة عام 2013 عن "المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات" في الدوحة. 2- تأس س الحزب سري ا في تركيا عام 1978 ودخل ابتداء من عام 1984 في صراع مسلح مع السلطات التركية وهو حزب قومي وماركسي كان هدفه عند التأسيس الكفاح من أجل استقالل كردستان. 3- شهد الحزب الشيوعي السوري مجموعة انشقاقات على خلفية العالقة بموسكو وموقفها من الصراع العربي-اإلسرائيلي ثم على خلفية العالقة بنظام األسد. ومث ل جناح خالد بكداش الموقف الملتص ق بموسكو والمتحالف مع نظام األسد وكانت له قاعدة شعبية كردية مرتبطة ببكداش وعائلته الكردية. 4 -دخلت قوات تركية لواء اإلسكندرون عام 1938 بتواطؤ فرنسي )كانت سوريا يومها تحت االنتداب( وجرى عام 1939 تنظيم استفتاء فيه ض م بموجبه إلى تركيا وظل ت دمشق تعد اإلسكندرون أرض ا سورية سليبة حتى أواخر التسعينات. 5 -مشعل تمو هو أحد السياسيين األكراد الذين عملوا مع قوى المعارضة السورية قبل الثورة وسبق أن اعتقله النظام عام 2008 لمدة ثالث سنوات. ترأ س تمو "تيار المستقبل الكردي" وكان عند اغتياله عضو ا في "المجلس الوطني" الهيئة المعارضة السورية األوسع تمثيال يومها. 6- "حزب االتحاد الديمقراطي" بزعامة صالح مسلم هو الفصيل السوري المرتبط عضوي ا ب"حزب العمال الكردستاني" في تركيا. 7 -شملت عمليات الطرد هذه عائالت من بلدات في محافظة الحسكة وال يوجد تقدير دقيق ألعدادها وإنما معلومات عامة مستندة إلى تصريحات سياسية صادرة عن هيئات تركمانية وعن أطراف سياسية سورية وفصائل مسلحة وشهادات جمعها ناشطون حقوقيون وصحافيون في مخيمات النازحين في تركيا. 8 -من الواضح وفق هذه التقارير والتصريحات وما سبقها من شهادات نازحين من نواحي تل أبيض ورأس العين وتل تمر وتل حميس وتل براك وجزعة واليعربية أن عمليات تهجير قسري جرت لمواطنين عرب )وآلخرين تركمان بأعداد أقل( لكن المعلومات التفصيلية قليلة حول الموضوع وال يمكن بناء عليها اعتبار ما جرى "تطهير ا عرقي ا" وال يمكن بالمقابل التقليل من خطورته ومن تبعاته المستقبلية على العالقات الكردية-العربية سوري ا. 7 انتهى