رئي س جمل س االدارة رئي س التحرير فخري كرمي ملحق ثقايف ا سبوعي ي صدر عن جريدة املدى WWW. almadasupplements.com العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب 2016 m a n a r a t صالح عبد الصبور
3 2016 2 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب 2016 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب قراءة في "أغنية الليل" لصالح عبد الصبور عبد الكريم كاصد مسرحيات صالح عبد الصبور الشعرية.. )حدود الريادة والكم الشعري..( مل يلتف ت ال شع راء ال رواد يف الع راق )ال سي اب نازك املالئك ة عبد الوهاب البياتي بلن د احليدري( اىل كتابة امل سرحية ال شعرية ال سباب يربرها االن شغال يف مو ضوع التجدي د ال ذي شكلوا عالمات ه اال سا سية وم ع ت صاعد زخ م اندفاعهم ال شعري املع روف مل يتوفر أاي منهم على كتاب ة م سرحية شعرية خال ص ة..اال ان اهتماما الحقا قد ح صل...حي ث كتب البياتي )حماكم ة يف ني سابور( غري ان ه ذه امل سرحي ة مل تكن ذات بناء درام ي ملمو س كما ح ص ل يف الن سي ج ال شع ري عن د بلند احلي دري وذلك باعتم اد تنويع ات درامي ة يف بع ض ق صائ د )اغ اين احلار س املتع ب( وبو ضوح كمي/ فن ي يف )حوار عرب االبع اد الثالثة(..ومثل هذه اال شتغاالت مل توؤ شر اجتاها يف كتاب ة م سرحي ة شعري ة عراقية وبقي ت يف حدودها املتحققة. ومن شعراء اجليل الالحق للرواد.. اهتم ال شاعر ) سعدي يو س ف( يف كتاب ة امل سرحية ال شعري ة ومب ساحة ضيقة تق ع ضم ن جماميع ه ال شعري ة )ق صائد مرئي ة نهايات ال شم ال االفريق ي( وغريه ا. ولل شاعر )خال د ال شواف( ا سهامات ه املعروف ة يف ه ذا املجال غري انه ا مل تكن ذات فاعلية فنية م ؤوث رة تك سبها التو صيف الدرامي الكامل.و كم ا ان شع راء عراقي ي ن من االجي ال الالحقة ق د كتبوا يف امل س رح ال شع ري وعلى فرتات متباع دة غري ان هذه الكتاب ات ظل ت ه ي االخ رى يف حدوده ا املتحققة ومل ت ش ر اىل اجتاه وا ض ح ال سباب متع ددة منها..جتريبية املحاوالت وت شعب عنا ص ر الت أا سي س الفني املت شكلة من مدر سي ات ومنهجيات خمتلف ة ا ضافة البتعاد املخرجن امل سرحي ي ن العراقي ي ن ع ن اظهار ه ذه املح اوالت على من صات امل سرح ال سباب جمهولة وغام ضة ال نعرف عنها شيئا البتة! وم ن ال شع راء الع رب يف كتاب ة امل سرحي ة ال شعري ة اخلال صة..هن اك جترب ة ال شاع ر يو س ف اخل ال يف م سرحي ة )هريودي ا( وهي جترب ة فني ة متميزة..حيث كتبت عام 1954 با ستعادة تاريخية معروفة اجلذور كما ان جتارب ال شاعر )ادوني س( يف كتابه )امل سرح واملرايا( ه ي االخ رى ت شكل ا ست دراكا ا ضافي ا نوعي ا يف كتابة ريسان الخزعلي امل سرحي ة ال شعري ة اخلال ص ة وللعدي د م ن ال شعراء الع رب ا سهام ات متنوع ة يف ه ذا احلق ل االبداعي غري ان اي ا منهم مل يتوا ص ل يف ت أا سي س م شروعه وبقي ت املح اوالت ت راوح يف انت ش ار حم دود.. حي ث سرعان ما يعود ال شاع ر اىل هاج سه ال شعري االأل ص ق بتجربته ويعتد ب أان )الق صيدة( هي الرهان االكيد يف م ضمار الكتابة ال شعرية. غ ي ري ان اهتم ام ال شاعر ) ص ل الح عبد ال صب ور( كان هو االو ض ح واالر س خ يف تا سي س كتاب ة م سرحية شعرية وبانف رادات فني ة وجمالي ة و سمت جتربت ه التي ا ضاء حدوده ا يف كتابه )حياتي يف ال شع ر(... وميكن تلم س هذا الر سوخ حتى يف الرنن االيقاعي لعبارة )حياتي يف ال شعر( ولي س حياتي مع ال شعر. ان م سرحي ات صالح عبد ال صب ور تقوم على فهم متجذر لفاعلي ة وج دوى امل س رح يف ال شع ر واحلي اة ولي س تنويعا اآنيا يف الكتابة ال شعرية.. وهكذا تنوع )ال صراع( اي ض ا يف م سرحياته بحيث مل يعد هنالك ت شابها مكرورا يف طبيع ة ال ص راع م ن م سرحية اىل اخ رى... وحتى ق راءة ال شاع ر عب د ال صب ور لل شع ر العرب ي القدمي قد ج اءت ق راءة م سرحي ة ه ي االخ رى يف كتاب ه )قراءة جدي دة ل شعرن ا الق دمي( وعل ى خ ل الف م ع الكث ي ري من القراءات ال شعرية. ان االلتفات لكتابة امل سرحية ال شعرية قد جاء مبكرا وبتواز مع اال صدار ال شعري.. حيث ا صدر ال شاعر جمموعته ال شعرية االوىل عام 1957 وم سرحيته ال شعري ة االوىل )م أا س اة احلالج( ع ام 1964 ثم توالت اال ص دارات بالتن اوب كم ا سنو ضحه ا اح صائي ا يف الفق رات الالحقة للتدليل على ج ذور يف كتابة امل سرحية ال شعرية اخلال صة على م ستوى الكم والنوع وتراجع يف )الك م( ال شعري مقارنة مب ا يليه حيث انت صف ت الكتابة امل سرحي ة ن شاط ه ال شع ري و شغلت ه به م فني-درامي شعري- يكمل التجربة ال شعرية كوحدة متجان سة ولي س تنويعا الحقا يقرتن ب صفة اال ضافة التكميلية. صالح عبد ال صبور..املجاميع ال شعرية.. 1- النا س يف بالدي.. 1957 م. 2- اقول لكم... 1961 م. 3- احالم الفار س القدمي.. 1964 م. 4- ت أامالت يف زمن جريح... 1970 م. 5- شجر الليل... 1973 م. 6- االبحار يف الذاكرة... 1980 م. صالح عبد ال صبور..امل سرحيات ال شعرية,,, 1- م أا ساة احلالج... 1964 م. 2- م سافر ليل... 1970 م. 3- االمرية تنتظر... 1970 م. 4- ليلى واملجنون... 1971 م. 5- بعد ان ميوت امللك... 1972 م. ويتحلي ل اح صائ ي ن ستطي ع تلم س )كثاف ة( كتابة امل سرحي ة ال شعرية مقارن ة بكثافة كتابة املجموع ة ال شعري ة لنجد الرتاب ط االبداعي- رغ م االنت ص اف ال ذي ا ش رت الي ه- يف فه م ال شاع ر صالح عبد ال صب ور املتناوب بن كتابة ال شعر وامل سرحية ال شعرية على حد سواء. ان مث ل ه ذا التحلي ل جنده م ب ربرا كافي ا لو صف جترب ة عبد ال صب ور بالري ادة يف امل س رح ال شعري العربي بعد ا ضافة العنا صر الفنية )اجلمالية( وتنوع ال ص راع يف جمم ل ابداع ه يف امل س رح ال شعري..فمن )ما س اة احلالج( ودراميتها املتحقق ة ا سا سا يف التاريخ وق د ا ضف ى عليها الكث ي ري شعريا اىل االخري ات )م سافر ليل ليلى واملجنون االمرية تنتظر بعد ان ميوت امللك( حي ث يكون التاأم ل ال شعري -الدرام ي ) صفة عالية( يف الوجود وم ص ي ري االن سان املجهول برع عبد ال صبور يف تاأ سي س كتابة م سرحية شعرية مثلت تفرده وانفراده يف هذا االبداع. ان )الدرام ا( وباإ ضاف ة نوعي ة وادراك فن ي تت سلل اىل معظ م ق صائد ال شاعر عب د ال صبور التي تقي م تا سي سها على احلوار وتعدد اال صوات مما يجعل االنتباه جازما بان امل سرح ال شعري لب )الق ضية( التي ت شغل ال شاعر يف ت أاكيد خ صو صيته االبداعية. وبذلك تكون م سرحيات هذا ال شاع ر بن حدود الري ادة والكم ال شع ري ا شارة عالية ال ت رتدد يف ال شعرية العربي ة وباأطياف مت سق ة االلوان ي شع فيه ا امل سرح ي وال شعري..ولنك رر قوله..)ويبدو ج سمه ا الذهبي متكئا عل ى ال صحراء يك ون ال شاهدان عليكما النجم واالنداء ويبقى احلب لالباء مو صوال (. انه امل سرح..ان ه احلياة..انه احلب املو صول بن ما ضي حتق ق وحا ضر يطمح يف ان يتحقق وم ستقبل يف نية ان يق دم نف سه مم سرحا...هكذا علل ت الوجود م سرحيا..يا صالح!! يف منت صف ال ستينيات شاءت ال صدفة اأن جتمعن ي ب شعراء كثريين يف جامعة دم شق اأذك ر منه م مم دوح ع دوان عل ى كنع ان املرح وم ف و از عي د فاي ز خ ض ور فاروق مردم فوؤاد نعي س ه و آاخرين يكتبون ال شعر هواي ة ال احرتاف ا م ن بينهم القا ص أانور يون ان الذي جل ب معه ذات م س اء جمموعة )اأح ل الم الفار س الق دمي( وقد ص درت تو ا ليقراأه منفردا وق د ا ستلقى على الع شب يف حديقة اجلامعة اإىل جوار بع ض من ذكرتهم لك ن قراءت ه سرعان م ا ا ستحال ت همهمة ث م تالوة ث م اإن شادا و سط صم ت غريب مل يقطعه سوى خطوات بع ض الطال ب الذاهبن االآيب ي ن يف م ساء اجلامع ة.. وعندما انتهي أانور عند ال صفحة ا أالخرية من املجموعة: ا إالن سان ا إالن سان عرب من أاعوام وم ضى مل يعرفه ب شر حفر احل صباء ونام وتغط ى با آالالم "كانت الدموع ترقرق يف عينيه". ال اأزال اأتذك ر قراءت ه احلميم ة ل )اأغنية اللي ل( وال س يم ا املفتت ح ال ذي جع ل من ه االإن ش اد مقطع ا منف صال ع ن الق صيدة ولو خ ري ت ا آالن لو ضعت ه حت ت عن وان اآخ ر كاأن يك ون "مفتت ح" اأو "ا سته ل الل" اأو اأي اأ س م اآخ ر متيي زا له ع ن بقي ة الق صيدة ال الأن ه منف صل حق ا عن ج س د الق صيدة واإمنا حل ض وره اخلا ص ونربت ه ال شبيه ة باأداء الكور س واإف ضائ ه احلميم حي ث ميتزج ال ص وت ال شجي املفرد ب صوت الكور س فال ينف صالن اإال يف نهاية املقطع. الليل سكرانا وكاأ سنا األفاظنا التي تدار فيه نقل نا وبقلنا الله ال يحرمني الليل وال مرارته واإن اأتاين املوت فالأمت حمدثا اأو سامعا اأو فالأمت اأ صابعي يف شعرها اجلعد الثقيل الرائحة يف ركن ي الليل ي يف املقه ي ال ذي ت ضيئ ه م صابح حزينه حزينة كح زن عينيها اللت ي ن تخ شيان النور يف النهار ول و خري ت اأي ضا لب داأت باملنت اإذا صح التعبري حيث تبد أا الق صيدة: عينان سوداوان ن ض احتان باجلالل املر وا أالحزان ف شالتا يف كل يوم اأ سود ظال.. وح ي ن ا س األ نف س ي م ن اأي ن ينب ع ه ذا ال شج ى ف ل ال اأج د غ ي ري ه ذه االألف اظ التي ي شبهها ال صبور بالنق ل والبقل الدائرة هنا يف لي ل من ال شعر ال ال سك ر.. األفاظ احتوت املعن ى و شف ت عنه فاختلطت ب ه كما يختلط ال ضوء بال ض وء واملاء باملاء واأ ضفت عليه بتك رار اأحرفه ا الهام س ة شج ى سي ت رتد د طوال الق صيدة: تك رار ال سن والن ون وال كاف يف " سكرانا وكاأ سنا" القاف والالم والنون يف "نقلنا وبقلنا" ال ل الم والراء وامل د يف "ال يحرمني الليل وال مرارته" املي م والنون والت اء يف "واإن أات اين املوت فالأمت حمد ثا اأو سامعا " العن يف "اأ صابعي يف شعرها اجلعد" احل اء والت اء والن ون واله اء وال راء يف "م صاب ح حزين ة كح زن عينيه ا اللت ي ن تخ شيان النور يف النهار" ه ذا اجلنا س الناق ص يف البيتن االأو لن وه ذا اجلنا س اللفظ ي كم ا ي سم ي ه البع ض م ن املحدثن وال ذي تقابل ه لفظتا Alliteration" للح روف ال صحيح ة و Assonance حل رف امل د والعلة" يف ال شع ر االإنكلي زي يف االأبي ات االأخ ي رية األي س هما ما ميي ز هذا املقط ع ومو سيقاه الداخلي ة اجللي ة لل سم ع والت ي ت ستم د نربتها من اأعم اق الق صيدة وق د ا ستحالت لفظا ونغما يختزنان املعنى!: عينان سردابان عميقتان موتا عميقتان صمتا فاإن تكل متا تند تا تعا سة ولوعة ومقتا ك أان الق صي دة هن ا ت ستاأن ف بدايته ا ووحدته ا ال وحدته ا يف املعن ى فح س ب واإمن ا وحدتها اللفظ ية اأي ضا حيث احلروف "الن ون والت اء وا أالل ف املم دودة ال شبيهة بال ص دى وما يلح ق بها من تنوي ن" توؤدي الدور ذاته ال ذي اأد ته يف مفتتح الق صيدة اأو م ستهل ه ا لكن االأ صداء هنا تتزاحم لتنك شف ع ن س رداب ودق ات ساع ة بطيئ ة اخلطى ومعه ا يتزاح م املعن ى وينك ش ف م ست ت رتا كانك ش اف س رداب اأو م س اء معتم ي ن ف ل ال يزيدنا إاال غمو ضا وت ساوؤال وحرية : ينك شف ال سرداب حينما تدق ال ساعة البطيئة اخلطى معلنة اأن امل سا قد انك شف تقول يل العينان: " ي ا عاه ري املت وج الفودي ن باحلدي د واحل صى" " يا ملكي الغريب اال سم املزيف ال سمات" "اأحببت فيك روؤية راأيتها منذ ال صغر " "وكان ي شبهك" "ولي س اأنت.. لي س اأنت" م ن املتح د ث م ن ه و القن اع وم ن هو الوجه امل راأة اأم ال شاعر الذي اأتخذ صورة امل ر أاة وم ن هو ال شبي ه الذي تتح دث عنه امل راأة أاه و ال شاعر يف طفولت ه أاو يفاعته اأم ه و شخ ص اآخر وم ن أاين للم راأة هذه احلكم ة اإن مل تك ن حكم ة ال شاع ر الفاق د املالم ح املت واري يف الظ ل وال ذي مل ن سمع صوت ه اإال يف املفتتح ممتزجا ب صوت الكور س "كان فتى حلمي جميال ال مزو قا " "مثقفا ال ذرب الل سان" "حمت شما نبالة يف الطبع ال خوفا " "وعاطفا وال عاطفيا " "يا عاهري يا خدعتي يا قدري!" "يف ال ساعة الليلة االأخرية" "خ ذين اإىل البيت فاإنن ي اأخاف أان يبل ني الندى" "تذوب اأ صباغي ويبدو قبح وجهي" واإذ ينك ش ف م ا ه و معت م يف الق صي دة "ال سرداب امل ساء العينان" ينك شف معه ما توارى م ن وجوه خائفة م ن انبالج الفجر ويب دو قبح الوج ه املك س و باالأ صباغ شارة لوج وه اأخ رى دون اأن ينك ش ف ال س ر عن ه ذه الوج وه الت ي اختلطت فما ع ادت هي ذاتها تعرف هويتها. يف "حيات ي يف ال شع ر" يق ول ال صب ور "ويب دو يل االآن اأن حم ك الكم ال يف بناء الق صي دة هو احتواوؤها عل ى ذروة شعري ة تق ود كل اأبي ات الق صيدة اإليه ا وت سهم يف جتلياته ا وتنويره ا. وه ي لي س ت ذروة باملعن ى ال ذي جن ده يف درام ا. واإن كانت حتت وي عن ص را درامي ا ولكنه ا اأق رب ما يك ون اإىل م ا ا صطل ح العرب عل ى ت سميته "بي ت الق صيد". وم ا االختالف يف االأبنية اإال اخت ل الف يف م كان الذروة م ن الق صيدة. رمب ا كان اأي س ر االأبني ة ال شعري ة ه ي م ا جاءت ب ه الذروة يف نهاي ة الق صيدة "38" ثم ي ست شه د بق صائد لكفايف ول وركا وجاك بريفري ويعلق ثانية : "وحديثي ع ن الذروة هنا ال ينفي اإمكاني ة التق سيم التي اأرادها الناقد ال صديق يق صد الدكتور ع ز الدين اإ سماعي ل - ولكن ه جدير ب أان ي ضي ف اإليه ا ملمح ا جديدا فم ا زلت اأوؤم ن معه ب اأن هناك ت شكي ل ال دوري ا ترد فيه ذروة النهاي ة على فاحتة البدء وتندمج فيها لي صنع ا ق صي دة دائرية" 49 غ ي ري اأن ذروة النهاية يف هذه الق صيدة )اأغنية الليل( ال ترد على فاحت ة البدء كما متن ى ال صبور بل ترد دها حمق قة ما اأراده من م صطلح "ق صيدة دائرية": وت صمت العينان ترجعان عميقتان صمتا غريقتان موتا ومثلم ا ب داأت الق صي دة مبفتت ح انته ت بخامتة ه ي صوت الكور س ثانية فال ذروة هنا سوى اأ صداء بد أات بها الق صيدة وانتهت اأي ضا ليبداأ مقطع آاخر شاءت غريزة ال شاعر "التعب ي ري لل صبور" اأن يك ون تعليقا آاخر.. صوتا لل شاعر اأي ضا ون شيدا للكور س مرد دا عودة الليل ثوب ال شاعر وخبائه ووحدته. وت صمت العينان ترجعان عميقتان صمتا غريقتان موتا الليل ثوبنا خباوؤنا رتبتنا شارتنا التي بها يعرفنا اأ صحابنا "ال يعرف الليل سوى من فقد النهار" ول و خ ري ت اأخ ي ريا لف صلت ه ذا املقطع من الق صيدة لالأ سباب ذاتها التي ذكرتها عند حديثي عن املفتت ح ولتوق فت عنده الإ سدال ست ارة الق صي دة الأن ني ال اأرى م ب ربرا فني ا الإ ضاف ة مث ل ه ذه ا أالبي ات اإىل الق صي دة الت ي اكتمل ت فهي خ ارج جترب ة ال شاعر يف الق صي دة ال جتربت ه يف احلياة رمب ا وم ا أان أاى امل ساف ة ب ي ن التجربتن وما اأقربهما!: هذا شعارنا ال تبكنا اأي ها امل ستمع ال سعيد فنحن مزهوون بانهزامنا ا ستذكارات إاىل صالح عبدال صبور قلت يل مر ة: "عند حي احل سن اللقاء" وكنت بعيدا بعيدا بعيدا وحن التقينا بحي احل سن عجبا...! نقل اأي شئ * مل من شقتك املكتظة ال اأتذكر اأبدا غري رفوف الكتب امل صفوفة يف اجلدران وتلك ال سوق املمتدة حتى البو ابة وهي ت ضج بخ ضرتها يف ذاكرتي ت ضئ * و لعلي اجلندي صديقان هما اأنا و أانت لعلي اجلندي عدو واحد اأ اأنا أام اأنت * صوتك الهام س كم ينذر بالرعب
5 2016 4 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب 2016 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب اللحظات االخيرة في حياة صالح عبد الصبور قلتم لي: جابر عصفور ال تدسس أنفك فيما يعني جارك لكني أسألكم أن تعطوني أنفي وجهي في مرآتي مجدوع األنف ******* مالحنا ينتف شعر الذقن في جنون يدعو اله النقمة المجنون أن يلين قلبه وال يلين )ينشده أبناءه و أهله األدنين و الوسادة التي لوى عليها فخذ زوجه أولدها محمدا وأحمدا وسيدا وخضرة البكر التي لم يفترع حجابها انس وال شيطان( )يدعو اله النعمة األمين أن يرعاه حتى يقضي الصالة حتى يؤتى الزكاة حتى ينحر القربان حتى يبتني بحر ماله كنيسة ومسجدا وخان( للفقراء التاعسين من صعاليك الزمان مالحنا يلوي أصابعا خطاطيف على المجداف و السكان مالحنا هوى إلى قاع السفين واستكان وجاش بالبكا بال دمع.. بال لسان مالحنا مات قبيل الموت حين ودع األصحاب.. واألحباب و الزمان و المكان عادت إلى قمقمها حياته وانكمشت أعضاؤه ومال ومد جسمه على خط الزوال يا شيخنا المالح.... قلبك الجريء كان ثابتا فما له استطير أشار باألصابع الملوية األعناق نحو المشرق البعيد ثم قال: - هذي جبال الملح و القصدير فكل مركب تجيئها تدور تحطمها الصخور وانكبتا.. ندنو من المحظور لن يفلتنا المحظور - هذي إذن جبال الملح و القصدير وافرحا.. نعيش في مشارف المحظور نموت بعد أن نذوق لحظة الرعب المرير و التوقع المرير وبعد آالف الليالي من زماننا الضرير مضت ثقيالت الخطى على عصا التدبر البصير مالحنا أسلم سؤر الروح قبل أن نالمس الجبل وطار قلبه من الوجل كان سليم الجسم دون جرح دون خدش دون دم حين هوت جبالنا بجسمه الضئيل نحو القاع ولم يعش لينتصر ولم يعش لينهزم مالح هذا العصر سيد البحار ألنه يعيش دون أن يريق نقطة من دم ألنه يموت قبل أن يصارع التيار ********* هذا زمن الحق الضائع ال يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله ورؤوس الناس على جثث الحيوانات ورؤوس الحيوانات على جثث الناس فتحسس رأسك فتحسس رأسك! ************************ ************************ أصدقاء البدايات نع م تركت الكثري والكث ي ري باإبداع ك وكلماتك التى حتفر قلوبنا جميعا ولي س اجلدران فح س ب فاأنت مل متت اأبدا. اأخ ذت اأقلب ف ى هاتفى م رة اأخرى م ص رة على اأن اأحت دث اإىل اأ صدقائ ه واأن أا سم ع منه م ع ن الرجل ال ذى عاي ش وه بالواق ع ف ى ح ي ن اأنى عاي ش ته فى كلماته فقط. وبالفعل وجدته صديق عمره الثانى الناقد والدكتور جابر ع ص فور الذى ات ص لت به ورحب كثريا حكى ىل عن»عبدال صبور«وكاأنه مل ميت وحكى عن وفاته وكاأنها اأم س ولي ست من 34 سنة.»تعرفت على ص ل الح عبدال صبور سنة 1966 وكنت قبلها كتب ت بحث ا واأنا معيد بالدرا س ات العليا وهو اأول بح ث اأكتبه فى حياتى وكان ع ن»تطور الوزن واالإيق اع فى ش عر ص ل الح عب د ال ص بور«وذهبت بالبحث اإىل اأ ش هر جملة فى ذل ك الوقت وهى»جملة املجل ة«ورئي س حتريرها الكاتب الكبري يحيى حقى علي ه رحم ة الل ه وكن ت وقتها ش اب ا ص غري ا جدا ونحيف ا جدا ومل يظهر علي اأنى تخرجت فى اجلامعة اأو أانهي ت درا س تى اجلامعي ة وكنت معي دا وقتها باجلامعة. و شك يحيى حقى فى اأن اأكون اأنا من كتب هذا البحث ف أاخ ذ ي ساألنى بع ض ا أال سئلة حت ى يتاأكد من كونى كاتب البح ث وقال ىل»اقراأ البحث اأن ا عايز أا سمعه منك«وبالفعل قراأت له البحث وكان مكارا للغاية فلم يكتف ب سوؤاىل بع ض االأ سئلة ال سطحية التى تخ ص البح ث اأو قراءتى للبحث و إامن ا اأخذ ي ساألنى اأ سئلة ف ى غاية املكر حتى يتاأكد له أان ى اأنا من كتب البحث وف ى النهاية قال ىل»يا ابنى اإنت هيبقالك ساأن كبري جدا«وطلب صالح عب د ال صبور وقال له»يا صالح جملة املجلة فيها بحث عنك حمد ش كتب زيه«. اليساريون حفظوا سطوره وكان الي ساري ون كلهم حفظوا سط ور هذا الديوان ال ذى يحم ل امتزاج ا قلي ل ال م ن بع ض الوجودية القدمي ة لكن ه يحم ل الكثري م ن النزع ة االإن سانية اال شرتاكي ة وجنح الدي وان جناح ا ساحق ا سنة 1957 وكن ا منت صري ن عل ى الع دوان الثالثي وح رب 1956 و شعر»عبد ال صب ور«كان يت صدر القم ة وقتها على ال شعر املارك س ي واأ صدر بعده ديوان ه الثان ى»اأقول لك م«ولك ن اال ستجابة وقتها كان ت ق د اختلف ت ع ن ا ستجاب ة النا س لدي وان»النا س فى بالدي«حيث اإنه فى عام 1956 بداأ يحل ارتباطاته باال شرتاكية خ صو صا بوجهها ال شيوعي وذلك الأن فى عام 1955 دخل االحتاد ال سوفيتى على ت شيكو سلوفاكي ا وحدثت االأحداث التى تناولها بعد ذلك اأحد الكت اب الت شيك فى اإح دى رواياته و شعر ص ل الح عبدال صب ور اأن دخ ول االحت اد ال سوفيتى بالدباب ات ال يختل ف كثريا عن الغ زو النازى لبقية البل دان وقال إان ه اإذا كان االحت اد ال سوفيتى يدعو لال شرتاكي ة ف ل ال يدع و له ا بالدباب ة واملدفع إامن ا يدعو لها بالفكر ومن هنا فقد احرتامه لالحت اد ال سوفيت ى وان ص رف ع ن اال شرتاكي ة مبعناه ا ال شيوع ى وبحث عنها مبعناه ا االإن سانى وهى املبادئ االإن سانية التى حتقق العدل االجتماعى فى البلد ولي س الع دل االجتماعى باملعنى املارك سى اأو ال شيوع ى وكان نتيجة هذا أانه خ سر كل اأ صدقائه ال شيوعي ي ن القدام ى وب داأوا مهاجمته ف ى ديوانه الثان ى»اأقول لك م«وعندم ا اأ صدر ديوان ه الثالث»اأح ل الم الفار س الق دمي«ب داأ ي صن ع توازن ا ب ي ن دواوين ه ال سابق ة وه ذا الدي وان وج ذب الديوان امليال ي ن للنزعة اال شرتاكي ة واأي ضا امليال ي ن للنزعة االإن سانية مبعناها اال شرتاكى. وكان هذا الديوان عالمة مهمة جدا فى تاريخ ال شعر العربى ومن وقتها اأ صبحنا اأ صدقاء واأ صدر بعدها كتاب ا بعنوان»حياتى فى ال شعر«. وفى عام 1981 كان صالح عبدال صبور رئي س هيئة الكت اب وبداأت أانا وعز الدين إا سماعيل نفكر فى عمل جملة متخ ص صة فى النقد ا أالدبى بناء على اقرتاح من صالح عبدال صبور- عليه رحمة الله- واجتمعنا لكى ننف ذ هذا االق ت رتاح وبالفعل بد أان ا التنفيذ وجمعنا مق االت ولكن فوجئن ا أاثناء الطباعة ب أان امليزانية املخ ص صة للمجلة لن تكفى كل هذه املادة فذهبنا أانا وع ز الدي ن اإ سماعيل إاىل منزل ص ل الح عبدال صبور لنخربه اأننا م ستعدون للتنازل عن املكاف أاة املخ ص صة لن ا مقابل اإ ص دار املجلة كما ينبغ ى وكما نرجوها ف ضح ك كث ي ريا»عب د ال صب ور«طبع ا أالن مكاف آاتن ا لن ت ساه م فى اإ ص دار ورقة من ورق ات املجلة فهى حتتاج تكلفة عالية جدا وفى النهاية فكرنا فى تغيري قطع املجلة إاىل ا أالكرب لكى حتتوى كل املادة وجنحنا فى ذل ك وكان أاول اإ صدار ملجلة»ف صول«وجنحت جمل ة»ف ص ول«وكانت تبيع ا كم ا هائال م ن الن سخ وفرح كثريا صالح عبدال صب ور وتوالت النجاحات بع د ذلك إاىل أان رجع اأحم د عبداملعطى حجازى من باري س وجاء املكتب ل صالح عبدال صبور يدعوه اإىل عيد ميالد ابنت ه وكنت أانا باملكت ب فدعانى بالطبع وذهبنا احلفلة اأنا و أامل دنقل وزوجته عبلة الروينى و صالح عبدال صبور وزوجته سميحة غالب وابنتاه معتزة ومي وهناك قابلنا بهجت عثمان الذى تعرفت علي ه أالول مرة مبنزل اأحم د عبداملعطى حجازى فى هذه الليلة. و ض ع أام ل دنق ل شري ط كا سي ت واإذا ب ص وت عبدالرحمن ينطلق بق صيدة»امل شروع واملمنوع«من ديوان يحمل نف س اال سم وكان هذا الديوان احتجاجا على سيا سة االنفتاح يقول»االأبنودي«بديوانه: دا زمان االأونطه والفهلوة وال شنطة تعرف تقول جود نايت وتفتح ال سان سونيت وتبع أامك و أابوك الصدام األخير وكانت الق صيدة هج اء للمحبذين سيا سة االنفتاح فقال ص ل الح عبدال صبور»والل ه ال شعب امل صرى دا ي ستح ق اللى بيجرال ه أالنه ساب النا س دى تعمل فيه اللى اتعمل دا«فرد عليه بهجت عثمان بنوع من االنفعالي ة ال شيوعية التقليدية قائ ل ال»وهو ال شعب امل ص رى هيعمل اإي ه يا صالح طامل ا املثقفن بتوعه خان وه«فرد صالح»من اللى بيخونوه يا بهجت«فق ال بهجت»اأنت يا صالح خنته وبعت الق ضية كلها مبليم«. وبد أات حتدث م شادة كالمية بن بهجت عثمان واأحمد عبداملعط ى حجازى و ص ل الح عبدال صبور وحاولنا تهدئة املوقف ولك ن ا ستحالت التهدئة و شعر بعدها ص ل الح عب د ال صبور بع دم ت وازن و سع ال وعدم انتظام فى النب ض والتنف س فذهبنا به اإىل م ست شفى هيلوبولي س وكانت بجوار من زل اأحمد عبداملعطى حجازى وعندما و صلنا وك شف عليه الطبيب قال لنا»اأنا ش اكك فى حاجة يارب متطلع ش هي«وذهبت لين ادى اأ ستاذه وبعده ا بدقائق خ رج الطبيب من الغرفة ليبلغنا خرب الوفاة. مل أاع رف م اذا اأق ول لزوجت ه وبنات ه املنتظ رات مبنزل اأحمد عبداملعط ى حجازى فذهبت الأقول لهن إان الطبيب اأمر بحجزه ولكنه بخري واأو صلتهن اإىل منزل اأخيها مبدينة ن صر. و أاخ ب ربت اأخاها مبا حدث وقال له ا اأخوها ما حدث قبل نزوىل من العمارة عدت اإىل املنزل وبداأت اأخرب اجله ات املعنية واأوله م الدكتورة سه ي ري القلماوى فقال ت ىل ات صل بفالن وكان ف ل الن وقتها وكيل اأول وزارة الثقاف ة وق ال ىل ساأك ون عن دك بع د ساعة وبالفعل اأتى وتوىل كل شيء. انته ت عالقت ى ب ص ل الح عب د ال صب ور االإن س ان وحتول ت اإىل عالقتى ب صالح عب د ال صبور ال شاعر الت ى مل ول ن تنته ى اإىل االأب د, فه و كان وال يزال واحد ا من اأكرب شع راء العربية واأكرب شعراء م صر على االإطالق. عن جملة العربي االلكرتونية
7 2016 6 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب 2016 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب م ث ل ث هللا وال ح زن وال م وت مل ي عط صالح عبد الصبور الشاعر الحدايث املرصي حق ه من االهتامم كام أن العمر مل يتح له تطوير تجربته الشعرية. التقيت بعبد الصبور منذ عام 1960 وكانت لقاءايت به متواترة تارة يف دمشق وكثريا يف بريوت. عىل أن اللقاء األطول كان عام 1974 وقد كان عبد الصبور وقتذاك مديرا عاما للهيئة املرصية العامة للكتاب. وكان يف الوقت نفسه رئيسا لتحرير مجلة "الكاتب" والتي طلب مني يف ذلك الوقت أن أكون مراسلها يف بريوت. وبالفعل فقد كتبت له من بريوت رسائل عديدة يف ما بعد. وكنت طوال أربعة أسابيع يف القاهرة ألتقي به لقاء شبه يومي وقد توط دت الصداقة بيننا يف ذلك الحني كثريا ألن عبد الصبور كان ميث ل بالنسبة إيل شعر مرص الحديث. وكنت أعتربه من الرو اد الكبار إىل جانب طليعة شعراء فرتة الخمسينيات والستينيات كام كان أكرث قربا إىل قلبي بل كنت أشعر أن قصائده متث لني وتعرب عن معانايت. ولن أنىس قصيدته املذهلة التي أثارت يف ذلك الوقت ضجيجا كبريا بسبب ما طرحته من مفاهيم وما عرب ت عنه من واقع. بل إنني حفظتها عن ظهر قلب ألن مشاعري تكاد تكون طبق األصل عن مشاعر الشاعر لحظة إبداعها وكتابتها وهي قصيدة "الظل والصليب" التي عرب فيها عن تجربة وجودية عميقة يقول فيها: ياسين رفاعية "هذا زمان ال ساأم نفخ ا أالراجيل ساأم دبيب فخذ امراأة ما بن اإليت ي رجل ساأم ال عمق لالأمل أالنه كالزيت فوق صفحة ال ساأم ال طعم للندم أالنهم ال يحملون الوزر اإال حلظة ويهبط ال ساأم يغ سلهم من ر أا سهم اإىل القدم طه ارة بي ض اء تنب ت القب ور يف مغ اور الندم ". شعر ص ل الح عبد ال صب ور مبجمله يدور يف إاطار احلزن احل زن ال شفيف الذي كان يراه يف الزهرة الذابلة أاو يف وجه جائع من جياع م صر أاو يف ساقي ة من سواقي النيل حتى ن ب ربة صوت ه نف سها إاذا روى نكت ة لل ضحك. رمبا ب سبب م شكلة املوت واحلياة التي يفكر فيه ا املبدع كثريا سواء اأكان شاعرا اأم فنانا أام روائيا وقد اعتربه الدكتور لوي س عو ض شاع را ميتافيزيقيا. والواق ع أان صالح عبد ال صب ور - كم ا كان يقول - اهت م بفكرة الله قبل أان يع رف معنى كلمة امليتافيزيقيا س أان معظم االأطفال حن يفاج أاون مب شكلة املوت واحلي اة وبتع د د ا أالدي ان وحدي ث اجلنة والن ار واحلالل واحل رام: " إان فكرة الله ال ي ستط اع ا إالفالت منها ق ط. ولعل هذا هو ما عناه كريكغ ارد من قوله إان الوجود الب شري يف جوهره عذاب ديني". لك ن كث ي ريا م ن النا س ين صرفون ع ن هذا اجلانب م ن التفكري اكتف اء باملعتنق الديني امل وروث وملا ر سخ يف ا أالذه ان من كراهية التفك ي ري يف هذه ا أالم ور املت شابهة التي تقف با إالن س ان على حافة جهن م فيوؤثرون عندئذ لون ا من ا إالميان ال سه ل. ونقي ض هذا اللون من ا إالميان ال سهل هو لون من االإحلاد ال سهل جن ده شائعا يف جمتمعاتن ا احلديثة اتكاء عل ى ب س اط المادي ة اجلدلي ة اأو ب سائ ط الدارويني ة اأو غريه ا م ن ب سائ ط الفك ر الفل سفي والعلمي. ويعل ل صالح عب د ال صب ور ه ذه الظاهرة فيق ول: "لكن ي - بتوا ض ع - إان سان جاد. ال اأ ستطيع اأن اآخذ م سائل ال ضمري ماأخذا هي نا فقد يهون علي كل ما يف احلياة وتبقى غ ص ة يف قلب ي هي م ا يت صل بالف ن والفكر. فاإين أاحمل حجرها الثقيل يف ضمريي حتى أاحقق بينها وبن نف سي قدرا من االن سجام". اإن ب و سوي ه يحدثن ا اأن النا س يهتم ون بدف ن اأفكاره م ع ن امل وت اهتمام ا ال يق ل ع ن اهتمامهم بدف ن موتاهم. لك ن تلك قدرة تخون معظ م املفكرين والفنان ي ن. والتفكري يف املوت ه و بداية التفك ي ري يف الله ولذلك كان ت اآية ا أالنبياء االأوىل عل ى قدرة الله هي حديثهم عن املوت والبعث والن شور. يتح د ث عب د ال صب ور ع ن تل ك الف ت رتة من حيات ه التي كان ت تاأ سي س ا عميق ا ملبتغاه ال شع ري يف ال دوران يف اأف ق احل زن واالإمي ان يف اآن مع ا وق د ق ال يل: "كن ت يف صب اي متدي ن ا أاعمق التدي ن حتى اأين ذات م رة اأخذت اأ صل ي ليل ة كاملة طمعا يف اأن اأ ص ل اإىل املرتبة الت ي حتد ث عنها بع ض ال صاحل ي ن حن تخلو قلوبه م من كل شيء اإال ذك ر الله. بداأت صالتي كم ا يبداأ امل صل ي ع ادة وذهن ي م شتغ ل مب سائ ل احلي اة املختلف ة اأمتت م باالآي ات ث م جاه دت كي اأخلي نف سي م ن كل فكرة عدا فكرة الله. وما زل ت اأ صل ي حتى كدت اأن اأتهالك إاعياء ودفع ب ي االإعي اء والرتكي ز اإىل حالة م ن الوجد حت ى اأنني زعمت لنف س ي ساعتها اأين راأيت الل ه واأذك ر اأن بع ض اأهل ي اأدركوين كي ال ي صيبني اجلنون". ال يذك ر عبد ال صبور من ه ذه التجربة وقد كان يف الرابع ة ع شرة اإال خي االت ضئيلة. يتذك ر نف س ه صبي ا مغط ى الراأ س يرك ع وي سج د عل ى ح صري ق دمي. يدخ ل صالته وه و يذك ر ق صة ذل ك الرجل ال صال ح الذي كان ي صل ي فلدغه ثعبان فلم يتحر ك حتى اأمت صالت ه الأنه مل يح س لدغ ة الثعبان. واجتهد يف أان ي ص ل اإىل تلك املنزل ة العليا وما زال يف قيام وقعود ورك وع و سجود وهو يرى نف س ه ت صفو ركعة بع د ركعة وروحه ت شف ت سليم ا بع د ت سلي م وكان اللي ل يوغل يف م سريت ه وركبت اه تن وءان وت ضعف ان ثم يق وم بن إاحدى سجداته ف إاذا به يرى اأمامه هالة من نور في كاد ي غمى عليه هلعا وفزعا. ويتذك ر الق ول الق راآين: "وخ ر مو س ى صعقا ". مل متنحه هذه التجرب ة ال سكينة كما ي شرح يف م ا بعد بل لعلها زادت قلقه: "اإن يكن ذلك عطاء من الله فلم مل يعطه يل دون جهد واإذا كان الل ه ق د تب د ى يل فاأي ن كان يف االأماكن االأخ رى ". هذه االأ سئل ة عا ش عبد ال صبور يف بلباله ا عام ا كام ل ال. ح اول اأن يك ر ر التجربة فلم ي ستط ع. وجد نف سه يف حياته العادية سجين ا يف ما يثقل ال ضمري من كذب واأحالم يقظة جن سية وغريها من آاثام ال صبا. م اذا اأفاد اإذا من التجربة أاتراها كانت وهما إاثر وهم أام لونا من روؤية االأ شباح! اأم ام ه ذا الت س اوؤل ح اول عب د ال صب ور االنتق ال اإىل ال ضف ة ا أالخرى عل ه يجد فيها م ستق را نف سيا فاقرتب م ن الفل سفة املادية اقرتاب ا كب ي ريا خ صو ص ا بع د تخر جه من اجلامعة عام 1951. ويف الواقع ف إان ديوانه "النا س يف بالدي" كان املعرب االأ صدق عن تلك املرحلة من حياته خ صو صا قوله: "ويظ ل ي سعل واحلي اة متوت يف عينيه إان سان ميوت وعل ى حمي اه الق سي م سماح ة احل زن ال صموت والب سمة البي ضاء تهمر فوق خد يه حمبة لك يل ملن دا سوه يف درب الزحام أالقى ال سالم و صفا حمي اه واأغفت بن جفنيه غمامه بي ضاء شاحبة يطل بعمقها جنما سواد ومتط ت الرئتان يف صدر زجاجي خ ر ب وامت د ت االأنفا س جمه دة ت راوغ اأن تبوح باالنك سار: اإين انهزم ت ومل اأ ص ب م ن و سعه ا اإال اجلدار والن ور وال سع داء م ن ح ويل وقافل ة البيوت لكنه أالقى ال سالم وم ضى وال ح س وال ظل كما مي ضي مالك وتكو رت اأ ضالعه ساقاه يف ركن هناك حتى ينام من بعد اأن أالقى ال سالم". لعل هذه الروؤية للحياة واملوت هي ما يت ضح يف ه ذا الدي وان ويف اأعم ال اأخ رى مث ل "املل ك لك" لكن عبد ال صبور اأدرك يف اآخر تل ك الفرتة - كم ا قال - اأن اإميان ه باملجتمع ه و ل ون م ن التجري د واأحادي ة الروؤي ة ولع ل بع ض االأح داث ال سيا سية يف اأوروبا ال شرقي ة يف ع ام 1956 وحملة خرو شوف ض د ال ستاليني ة مع م ا صاحبها م ن ك شف لكث ي ري من فظائعه قد اأ سهم ت كل ها يف زلزلة كث ي ري من معتقدات ه يف ذلك الوق ت. عاد عبد ال صب ور اإىل حقيق ة نف س ه اإىل الل ه لكنه يق ول: "الله ال يعذ بنا باحلي اة لكنه يعطينا م ا ن ستحق ه الأنه ق د سل من ا الك ون بريئا م اد ة عمياء نحن عقلها. فماذا صنعنا به على مدى ع شرات القرون وق د كان با ستطاعتنا اأن جنعل ه جن ة وارفة ظ ل الل العدالة واخلري واملحب ة. لق د لو ثن اه بالفق ر واال ستعب اد والطغي ان ومل يب ق لنا على مائ دة احلياة سوى اجليف أالنها هي ما ن ستحق": "هل ير ضيك اأن اأدعوك يا ضيفي ملائدتي فال تلقى سوء جيفة تعاىل الله اأنت منحتنا هذا العذاب وهذه ا آالالم أالنك حينما اأب صرتنا مل نحل يف عينيك". ويقول: "لقد اأ صبحت االآن يف سالم مع الله اأوؤم ن ب اأن كل اإ ضاف ة اإىل خ ب ربة ا إالن سانية اأو ذكائه ا اأو ح سا سيته ا ه ي اخلطوة نحو الكم ال اأو هو خطوة نحو الل ه. واأوؤمن اأن غاي ة الوج ود ه ي تغل ب اخلري عل ى ال شر م ن خ ل الل ص راع طوي ل ومرير ك ي يعود االإن س ان اإىل براءته الت ي لي ست هي براءة غفلة عمياء كما كانت حن صدورها عن الله لكنها براءة اجتي از التجربة واخلروج منها كم ا يخ رج الذهب م ن الن ار وق د اكت سب ش كال ونق اء. م سوؤولي ة ا إالن س ان ه ي اأن ي شك ل الكون وينق يه يف الوقت نف سه. ولي س سعي ه الطوي ل اإال حماولة لغلغل ة العقل يف املادة وخل ق كل من سجم متوازن يقد مه بن يدي الله يف اآخر الطريق ك شهادة ا ستحقاق حليات ه عل ى ا أالر ض. إان غلغل ة العق ل يف امل ادة هي م دار احلي اة الديني ة والفل سفية والفني ة لالإن س ان وه ي اأي ضا غاي ة سعيه نحو التقدم باملفه وم االآيل التجريبي وهي م دار "الثورية" احلق ة يف سلوكه الب شري فاملجتم ع الهامد هو الذي يحر ص على ثباته امل ادي يف حال ة بعي دة عن احليوي ة واإذا قارب ه الت شكي ل والنقاء رف ضهم ا ب ضراوة اأما املجتمع الثوري فهو الذي تتوق املاد ة فيه اإىل الت شكيل والنق اء وت سعى اإىل االمتزاج بالعق ل". ويتابع: "قم ة ال ص دق هو ال صدق مع النف س. ومعناه اأن يدرك االإن سان وجوده ويعيه واأن يعرف مكانه من احلياة ويتحم ل دوره وعبء وجوده فيها )...( صدق االإن سان م ع نف س ه ه و ال ذي يع صم ه م ن التفاه ة وال سطحي ة وهم ا الع دو الل دود للحي اة. وق د هاجني ك ذب االإن سان م ع نف سه كما مل تهجني رذيلة ق ط. الأن هذا الكذب هو موطن اجلنب والتناق ض واالإ سفاف. أام ا الف ضيلة الثاني ة فه ي احلري ة واأظ ن م سرحيت ي "ماأ ساة احل ل ال ج" وق صائدي "هجم التتار" و" شنق زهران" و"مرتفع اأبدا " و" ساأقتلك" يف دي وان "النا س يف ب ل الدي" و"احلرية وامل وت" و"ثالث صور م ن غزة" يف ديوان "اأق ول لك م" وق صائ د "ل وركا" و"اأحالم الفار س الق دمي" يف ديواين الثال ث كانت كله ا متجيدا له ذه القيم ة عل ى امل ستويات املختلفة والقيمة الثالثة هي "العدالة" وهي قيم ة فردية كما اأنه ا قيم ة اجتماعية فهي عند الف رد تعني قدرت ه على و ض ع االأ شياء يف مكانه ا ال صحيح واإ صدار احلكم املحايد عليها وهي يف املجتمع حمط تقد مه و صم ام اأمان ه وتت ضاف ر العدالة واحلري ة لت صنعا القيمة احلقة يف اأ صول املواطنة ويف تربير وجود املجتمع االإن ساين. اإن شعري - بوجه ع ام - هو وثيقة متجيد له ذه القيم وتنديد باأ ضداده ا الأن هذه القيم هي قلبي وجرحي و سكيني اأي ضا اإنني ال اأتاأمل من اأجلها لكني اأنزف". صوفية من دون تصو ف اأذكر أانني قر أات ترجمة لف صل كامل من كتاب صدر باالأملانية للدكتور ناجي جنيب اأ ستاذ معه د الدرا سات ال شرقية التابع ملعهد بون بعن وان "كتاب االأحزان" عال ج فيه ظاهرة احل زن ك سلوك اجتماع ي وفيه درا سة يف التاريخ النف سي والوج داين واالجتماعي للفئ ات املتو سط ة الت ي كان ص ل الح عب د ال صب ور ميث لها خري متثي ل والذي اأخرج ال شعر م ن املرحلة الرومن سي ة اإىل مرحلة التعبري عن أاحزان املواطن العادي: "تظل حقيقة يف القلب توجعه وت ضنيه ولو جف ت بحار القول مل يجر بها خاطر ومل ين شر شراع الظن فوق مياهها مال ح وذلك اأن ما نلقاه ال نبغيه وما نبغيه ال نلقاه". وق د ا ستقل احلزن ع ن م سبقاته وبواعثه أاو يب دو اأن ه ا ستق ل. فقد حت و ل اإىل اإطار ذهني وجداين واإىل أا سلوب شعري بحيث يعج ز صاحب احل زن اأن يحد د ل ك أا سبابه وم صادره فقد تداخلت ا أال سباب وامل صادر وان صه رت يف عاطف ة اأو حال ة وجداني ة شاملة ال مهرب منها وال غنى عنها فاحلزن عن د صاحب احل زن شيء دائ م ال عار ض وه و قدره وما اأخ ذ به نف س ه يف مواجهة الكون املختل والواق ع املري ض. وقد يقول ل ك اأي ضا اإن ه قدر جيله وق در االإن سان يف ه ذا الع صر املنك وب بل وق در االن سانية يف هذه الدنيا. فم ن طبيعة احلزن اإذا امتد به الزم ن اأن ي ستقل عن م سبقاته ويتحو ل اإىل حالة مزاجي ة وجدانية شاملة قد ت شتد وقد تنب سط بفعل املوؤثرات اخلارجية لكنه موق ف احتج اج شع وري ع ام. واحتماء يف حناي ا ال ذات ومعان اة م ن الوح دة واالنتظ ار واأي ض ا احلن ي ن اإىل ش يء ما ض اأو مفتقد اأو قل اإن ه حلم باملا ضي اأو بالع ودة. واحلزن اإذا امتد به الزمن ي صبح م ن مكو نات ال ذات االإن ساني ة ي صبح ذلك ال شطر املهم من الذات والذي تركن اإليه يف ا ضطرابه ا واحلزن يف ه ذا املعنى موقف نف س ي وجداين اأو فل سفي خا ص وهو لون من "ال صوفية دون ت صو ف". وي ش ي ري الدكت ور ناجي جني ب اإىل أان هذه ال سط ور متث ل ص ل الح عب د ال صبور ويف احلقيق ة ف اإن عبد ال صب ور نف س ه حتد ث عن احل زن وعن مفهومه ل ه وهذا موجود فعال يف كتاب ه "حياتي يف ال شعر: "احلزن لي س حالة عار ضة لكنه مزاج. قد يعجزين اأن اأق ول اإنن ي حزنت لكذا ولك ذا فحياتي اخلا ص ة ساذج ة لي س ت اأم ض وال اأ سعد م ن حياة غريي... لكني اأعتق د أان االإن سان حي وان مفك ر حزين احلزن ثم رة التاأم ل واحل زن غ ي ري الياأ س ب ل لعل ه نقي ض ه. الياأ س ساك ن فاتر واحلزن مت قد. واحلزن اأي ض ا لي س ه و ذل ك ال ض رب م ن االأنن الف ج اإنه وق ود عمي ق واإن س اين. اأما اأن اأرد ه ذا احل زن اإىل حاج ة مل اأق ضه ا اأو اإىل فق د قريب اأو شقاء طفول ة فذلك ما ال اأ ستطيعه". لك ن صالح عب د ال صبور يع ود وي شري يف حدي ث ل ه )1960( اإىل بع ض منابع هذا احل زن واأ سباب ه واإىل اإط اره النف س ي العاطف ي احل ض اري: "م أا س اة ال شاع ر احلدي ث واالن س ان احلدي ث بوج ه ع ام ه ي اأن ه ق د اهت دى بثقافت ه واإح سا س ه اإىل ص ورة جدي دة للح ب ال ت كاد الفت اة تعرفه ا ب ل ال يكاد جيل ه كله يعرف ه". اإن هيامه على وجهه اأ صب ح هياما يفر ضه هو عل ى نف سه وجمي ع شبابنا مم ن ميلكون االإح سا س الذي يتج اوز ع صرهم يعانون من تلك امل شكلة واأي مراجعة لدواوين عبد ال صب ور وم سرحيات ه تبن اأن م ن اأ صول احل زن عنده تطل ع "اأنا" ال شاعر اإىل املراأة وتطل ع ه اإىل صلة بها ويزي د من حد ة هذا التطل ع و شموله ا ضطراب النظرة اإىل املراأة يف املجتمع العربي وا ضطراب العالقة بها. االت ص ال الفعل ي بامل راأة اأو "احل ص ول" عليه ا يف م ا بعد ق د ال يغري م ن م ضمون التجربة االأ سا سية وهي "عدم احل صول". نع ود اإىل الدكتور ناجي جنيب الذي يقول اإن االإيغ ال يف االأح زان والعذابات هو يف ح دود ممار س ة ال صدق م ع النف س ذلك اأن االإن س ان كاإن س ان ال يعي ش يف اأحزانه وعذابات ه وال يعي ش يف شع ره فح سب واإمنا اأي ضا يف عامل الواقع. هذا هو شرطه االإن س اين. فال صدق يعن ي أان ترتفع الهو ة بن "اأنا ال شاع ر" و" أانا الواقع" اأو ت ضيق إاىل اأق ص ى احلدود وه و ما ال أامل فيه يف إاطار الروؤية الكوني ة الفوقية ال شاملة وال اأم ل فيه م ن منظور فك رة االإن سان املطلق املتح ر ر م ن عبوديت ه واإ س اره. والتعل ق بفك رة االإن سان اخلال ص ة اأو املفردة تكث ف بطبيعتها من شعور الغربة. لذل ك كان ا إالحل اح عل ى فك رة امل وت والت ضحي ة واإي ل الم ال ذات وتق دمي القرب ان يف اأعم ال عبد ال صب ور ال شعرية وامل سرحي ة وكان حدي ث ال شاع ر ع ن ماأ ساة الوجود الب ش ري وتوق فه يف اأ سى عميق عند كلمة وليم بتلربيت س: "ا إالن سان هو املوت". عن موقع جملة ال شعر االلكرتوين
9 2016 8 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب 2016 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب صالح عبد الصبور هو االبن البكر لقصيدة التفعيلة املرصية التى هزت تدفقاتها الفتية أعمدة الشعر التقليدى وزلزلت روي ه بقوة إبان الحرب الكونية الثانية كان صالح عبد الصبور قد صافح أذن املستمع أول ما صافحها من خالل حنجرة العندليب الساحر عبد الحليم حافظ يف قصيدته لقاء التي لحنها كامل الطويل والتي كتبت ميالد مطرب س يكون له ش أن غري عادي يف تاريخ الغناء العريب وملحن س يرتبع عىل عرش األلحان الجديدة الخارجة من رحم األصالة وش اعر سيقتنص من دنياه خمس ني عاما فقط لكنها ستكون كفيلة لبناء واحدة من أكرث التجارب الشعرية العربية غنى وثراء وتجذرا. يقول مطلع األغنية التي اتشحت بوشاح رومانتييك: )بعد عامني التقينا ههنا والدجى يغمر وجه املغرب( نع م مل ينتب ه املتابع ون كثريا للقصي دة يف أول األمر كام مل ينتبه وا للصوت وال للحن غ ري أن األجواء السياسية التي شهدتها مرص يف هذه الفرتة كانت تتطلع مليالد جديد عىل الصعيد السيايس والفني واالجتامعي واالقتصادي واألديب وكان البد من وجوه جديدة وأسامء غري معهودة تناسب ما يطرأ عىل البالد من تغريات وهكذا ركب فاروق امللك الباخرة )املحروس ة( مغادرا البالد إىل غري رجعة ومع دقات املدافع امللكية التي أرص املل ك املخل وع أن تطلق يف وداعه كآخر مظهر م ن مظاهر املجد الغارب انطلق ت أيضا ويف نفس التوقيت إش ارات ميالد حياة جديدة تتخذ االش رتاكية مذهبا والتكافل االجتامعي درجا والتحام الجامهري بالقائد الش اب أساس ا للحكم وكان عىل السلطة الجديدة أن تبحث عن أس امء جديدة تحمل فكرها وتروج ملذهبها وتنرش اآلمال بني الجامهري الغفرية التي طال انتظارها لفجر آت. صالح عبد الصبور شاعر الوجود اإلنساني يف س نة 1961 كت ب ص الح عبد الصب ور وه و من ه و مقاال ع ن ف ريوز ن رش يف مجل ة روزاليوس ف. عندم ا كان صالح عب د الصبور يعمل مح ررا أدبيا بها. وعن د قراءته اآلن تتبدى كل مالمح صالح عبد الصبور الشاعر الكبري حتى وهو مي ارس الكتابة الصحفية عندم ا زار فريوز كان مع ه ص الح جاهني ق ال ثالث كلامت يف وصفها تلخص مرشوع فريوز الغنايئ كله. لنق رأ كتابات الزمن الجميل الذي مل ي رتك لن ا س وى أن نتحرس عليه كتب صالح عبد الصبور: يوسف القعيد د. أسرار الجراح وكان عل ى ال شعر أان يبحث ع ن ثوب جديد يرتديه ثوب يتيح له حركة أاكرث حرية واأبعد اأفقا و أاعمق غورا وتتيح لل شاع ر أان يرت دي ا أالقنعة ويت سلح با ستع ارات مغايرة ويتطل ع إاىل واقعية تتنا ص مع مف ردات الواقع اجلديد وم ستحدثاته املختلفة. يف هذا التوقيت ظهر ص ل الح عبد ال صبور وكان عليه أان يخو ض حربا شر سة مع حرا س عم ود ال شعر واأ ساطن روي ه الذي ن كان عل ى ر أا سه م عبا س حمم ود العقاد وال ذي كان يحي ل ق صائ ده ه و ورفاق ه إاىل جلنة النرث لالخت صا ص حيث كان العقاد مقررا للجنة ال شعر مبجل س رعاية الفنون وا آالداب وكان يرى أان مثل هذا ال شعر لي س موزون ا مما دع ا صالح اإىل كتابة مقال ة عناونها )والله العظيم م وزون( ون شبت احلرب وكان عليها أان ت ستمر طويال بن اأن صار عمود ال شعر وبن اأن صار تفعيليته اإىل أان أات ى حن من الدهر عل ى النا س يقر ؤوون فيه املجالت ا أالدبي ة فال ت كاد عيونهم تق ع على ق صي دة عمودية من فرط انت شار ال شكل اجلديد للق صيدة. مل تك ن هذه احلرب هي الوحيدة التي خا ضها صالح عبد ال صب ور لكنها كان ت االأوىل اأما آاخر احل روب فكانت حربا صغرية مل تتعد الكلمات الثالث قالها له اأحد املثقفن يف جل س ة عائلي ة حميم ة كانت الكلمات ج د قليلة لكن قلب صالح عبد ال صبور مل يحتملها فمات كل ما فعله اأنه طل ب ا ستن شاق بع ض الهواء النقي وك أان ه ت شبع متاما من ذلك اله واء امللوث الذي عبق املكان ومات متاما كما يليق بفار س يتحمل طعنات ال سيوف وتقتله الكلمة. ول د صالح عب د ال صبور يف الثالث م ن مايو عام 1931 مبدين ة الزقازيق وتويف يف الثالث ع ش ر من أاغ سط س ع ام 1981 بالقاه رة واخلم سون عام ا والثالثة شهور وا أالي ام الع شرة الواقعة بن هذين التاريخن كانت كفيلة ب صنع جترب ة شعرية ا ستثنائية و صنع ت من صاحبها شاع را تاريخي ا م ل الأ الدني ا و شغ ل النا س واأ ض اف لدي وان ال شعري العربي ق صائد ستظ ل خالدة يف عيون القراء ويف وجدان املتلقن. صباى البعيد..اأحن اإليه الألعابه أالوقاته احللوة ال سامرة حنينى غريب.. إاىل صحبتى.. اإىل اأخوتى.. إاىل حفنة االأ شقياء الظهور ينامون ظهرا على امل صطبة وقد يحلمون بق صر م شيد وباب حديد وحورية فى جوار ال سرير ومائدة فوقها األف صحن دجاج وبط وخبز كثري اإىل اأمى الربة الطاهرة تخوفنى نقمة االآخرة ون ار الع ذاب وم ا ق د أاع دوه للكافري ن ولل سارق ي ن ولالعبن وتهتف إان عرثت رجليه و إان طنطنت نحلة حوليه با سم النبى تلقى عبد ال صبور تعليم ه ا أالويل مبدينة الزقازيق ويف عام 1947 نزح اإىل القاهرة لاللتحاق بكلية ا آالداب جامعة ف ؤواد االأول حيث تخرج قبل قيام ثورة يوليو بعام واحد وابت د أا حياته الوظيفة مدر سا لكن ه مل ي ستطع ا ستكمال دوره يف التدري س فق دم ا ستقالت ه ليلتح ق برك ب ال صحاف ة فان ضم لفريق جمل ة روز اليو سف ثم جريدة ا أاله رام حتى مت انتدابه للعم ل يف وزارة الثقافة وظل يرتق ي ال درج حتى جل س عل ى مقعد رئي س جم ل إادارة الهيئة امل صرية العامة للكتاب. فت ح صالح قو س ه ال شعري يف ال ساد س ة والع شرين من عم ره عندما اأ صدر ع ام 1957 ديوانه ا أالول )النا س يف ب ل الدي( حي ث ا ستعر ض فيه كث ي ريا من قدرات ه الفنية م ستخدم ا أا سل وب التك رار وال سخري ة والتقوي س م ستعينا بالثوب الق ص صي املحكم بعده توالت دواوينه ال شعري ة ( أاقول لكم( ع ام 1961 )اأحالم الفار س القدمي( ع ام 1964. )تاأم ل الت فى زمن جريح( ع ام 1969 ) شجر اللي ل( عام 1974 )االإبحار فى الذاكرة( عام 1979. ويف امل س رح ال شع ري اأ ص در )ماأ س اة احلالج( ع ام 1964 )م ساف ر ليل( ع ام 1968 )االأمرية تنتظ ر( عام 1969 )ليل ى واملجنون( ع ام 1971 )بعد اأن مي وت امللك( عام.1975 ع ن دوره يف املجتم ع وروؤيت ه لطبيع ة ال شاع ر يقول صالح عبد ال صب ور: " اأعظم الف ضائل عندى هى ال صدق واحلري ة والعدالة و أاخبث الرذائل هى الكذب والطغيان والظل م واأن ا اأعتقد اأن هذه الف ضائل ه ى التى ت ستطيع ت شكي ل الع امل وتنقيت ه وغيابها يعن ى انهي ار العامل و شعرى بوجه عام ه و وثيقة متجيد لهذه القيم وتنديد باأ ضداده ا الأن ه ذه القي م هى قلبى وجرح ى و سكينى معا إانى ال اأتاأمل من اأجلها ولكنى أانزف!!". ال شعر زلتى التى من اأجلها هدمت ما بنيت من اأجلها خرجت من أاجلها ص لبت وحينما ع لقت.. كان الربد والظلمة والرعد ترجنى خوفا وحينما ناديته مل ي ستجب عرفت اأننى ض يعت ما اأ ضعت كان شعر ال صعاليك واملت صوفة من اأهم امل صادر التي اتكاأ عليه ا صالح عب د ال صبور كمرجعية معرفي ة ووجدانية أاث رت شع ره الغنائ ي والدرام ي على حد س واء وبرز احل ل الج وب ش ر احل ايف كقناع ي ن وا ضح ي ن ارتداهم ا ال شاعر لي صوغ كثريا من أافكاره وروؤاه عن احلق والعدل واخل ي ري واجلم ال ه ذا باالإ ضاف ة اإىل اأف كار امل صلحن االجتماعي ي ن والفال سفة واحلكماء وال شعراء على امتداد احل ضارات والبيئات االإن سانية املحتلفة التي ا ستقى منها ال شاع ر كثريا من عطاءاتهم الفكرية مثل ال شعراء كيت س و شيل ي وج ون دون وت ا س اإلي وت ورامبو ووبودلري وريلك ة وع ن تاأثره بالفل سف ة املادية يق ول صالح عبد ال صبور: ساعدتني الفل سف ة املادية التي كنت قد اقرتبت منه ا اقرتاب ا كبري ا وخا صة بعد تخرجي من اجلامعة عام 1951 م عل ى اأن اأجد يف ا أالفكار لون ا من املوقف الفكري املوح د التما س ك, واأن ديواين )النا س يف بالدي( معرب عن هذا االإح سا س". هك ذا مل ي ت رتك ص ل الح عبد ال صب ور ينبوع ا اإال و شرب من ه ومل ي ر بئ را للمعرف ة ا إالن سانية اإال واغ ت رتف منه حت ى اأقامت ه الق ص ي رية يف الهن د عندما عم ل م ست شارا ثقافيا لل سف ارة امل صرية هناك مل متر عليه مرور الكرام واإمنا فت ش عن كنوز الفل سف ة الهندية املتعددة م ستفيدا من التعددي ة املذهبي ة والدينية املت سعة الت ي متالأ شبه الق ارة الهندي ة. مما اأ ضف ى على شعره ط ل الال خابية من ظ ل الل االأ س ى واحلزن التي تل ف الفال سف ة وامل صلحن يق ول صالح عبد ال صبور: " ل س ت شاعرا حزينا ولكنى شاعر متاأمل وذلك أالن الكون ال يعجبنى و أالنى اأحمل بن جوانحى - كما قال شيللى - شهوة الإ صالح العامل وهذه ال شه وة هى القوة الدافع ة فى حياة النب ى والفيل سوف وال شاع ر الأن كال منه م ي رى النق ص ف ل ال يح اول اأن يخدع عنه نف سه بل يجتهد فى أان يرى و سيلة الإ صالحه ويجعل داأبه اأن يب شر بها ". هناك شيء فى نفو سنا حزين قد يختفى وال يبن لكنه مكنون شيء غريب غام ض حنون اأم ا عطاءات ه الفكري ة ودرا سات ه النقدي ة واإطالالت ه ال سريي ة فق د تعددت وترام ت اأطرافها وج اءت يف عدد من االإ ص دارات منها: )على م شارف اخلم سن( )و تبقي الكلم ة( )حياتي يف ال شع ر( )اأ ص وات الع صر( )ماذا يبق ى منه م للتاريخ( )رحل ة ال ضمري امل ص ري( )حتى نقه ر امل وت( )ق راءة جدي دة ل شعرن ا الق دمي( )رحلة على الورق(. هذا باالإ ضاف ة إاىل ترجماته الكثرية لعيون االإب داع االإن س اين العامل ي يف جم االت ال شع ر والق صة وامل سرح. لق د كان صالح عب د ال صب ور شاعر الوج ود ا إالن ساين ورمبا يكون ال شاع ر الوحيد يف الع صر احلديث املهموم بالق ضاي ا الفل سفي ة امل صريي ة املوؤرق ة وق د كان شاعر حزينا: تظل حقيقة فى القلب توجعه وت ضنيه ولو جفت بحار القول مل يبحر بها خاطر ومل ين شر شراع الظن فوق مياهها مالح وذلك اأن ما نلقاه ال نبغيه.. وما نبغيه ال نلقاه!! وكان ه ذا اأك ث رث ما يوؤرقه م ا يلقاه ال يبغي ه وما يبغيه ال يلقاه. وق د ذهب يف مثل ه ذه االأيام منذ سبع ة وع شرين عاما اإىل احلقيقة يف جالئه ا التام وبوتقتها البينة عله وجد هناك اأخريا ما يبتغيه. عندما كتب صالح عبد الصبور عن فيروز اأن ا م ن ع ش اق ف ي ريوز. اإن صوته ا من أاخ ص ب االأ ص وات. ميزته اأن ك حن ت سمعه حت س اأن كل كلم ة م ن كلم ات االأغنية التي تغنيها حتمل معانيها كاملة. صوت فريوز مثل كلمات ال شعراء فال شعراء ي ستعمل ون الكلمة بج سدها وروحها الكلمة الكامل ة بذراعيه ا و صدره ا وعينيه ا وكل روحها املحلقة الطائرة وت صبح الكلمة كاأنها كائن ب شري كامل. ولذلك فاإن صوت فريوز هو اأح سن االأ صوات الت ي تغني ال شع ر واأي م ستمع ال ي ستطيع اأن يت ص ور صب اح اأو شادي ة مث ل ال وهم ا تغنيان ق صيدة شعري ة ولكنه ي سمع فريوز تغن ي الق صائ د ال شعري ة البليغ ة ويطرب وين سج م. وح ي ن كانت الطائ رة حتلق بي متجهة اإىل دم شق كنت اأ ستعجل الزمن الأين كن ت اأعل م اأن فريوز ستغني الآخ ر ليلة على م س رح معر ض دم ش ق وكان يف نيت ي اأن اأ ض ع حقائبي يف الفندق ثم اأطري بالتاك سي اإىل فريوز. ولك ن الوق ت مل يكن معي. و صل ت الطائرة دم ش ق يف العا ش رة م س اء وا ستغرق ت اإج راءات اجل وازات واجلم رك وحج ز الفن دق م دة طويلة وحن ط رت بالتاك سي اإىل ف ي ريوز كان ت ف ي ريوز ق د ط ارت اإىل لبن ان. وط رت وراء فريوز اإىل لبن ان. بعد اأن انتهى مهرجان ال شعر فى دم شق الأ ستمع اإىل صوته ا. ص وت شاع رة الغن اء بعد اأن ا ستمع ت خم سة أايام متوالية مبعدل خم س ساع ات يومي ا اإىل خمتل ف اأن واع ال شعر و أاحجامه واأوزانه. ويف امل س اء كن ا الزمي ل ص ل الح جاه ي ن والنائب اللبناين اأمن احلافظ وزوجته ليلى ع س ي ريان و أانا يف الطري ق اإىل بكفيا حيث تقيم فريوز. وط ول الطري ق الذي يخل ع القل ب صعودا وهبوطا وانحدارا وارتفاعا كنت اأترمن يف سري بق صيدة شوقي اخلالدة يف بكفيا تلك الق صيدة املليئة باحلياة والرقة التي يحكي فيه ا شوق ي ق ص ة فت اة جميل ة م ن بكفيا غازله ا على الطري ق فامتنعت عن جماوبته العاطفية بالعاطف ة فلجاأ اإىل ال سالح القدمي ال ذي ال يغي ب أاث ره واجت ه بغزل ه اإىل فت اة اأخ رى فالته ب قلب اجلميل ة بالغرية وا ست سلمت بامل شاعر. وكن ت اأري د اأن اأ س أال ف ي ريوز مل اذا ال تغني ه ذه الق صيدة اإكراما لبكفي ا التي تقيم فيها و شوق ي الذي خلده ا و»للتكتي ك«الغرامي اخلال د الذي رب ط بن قلب ي شوق ي وفتاة»بكفيا«الفاتنة. وبع د ساع ة من رع ب الطريق وقفن ا اأمام بي ت ف ي ريوز. ونزلن ا وا ستقبلن ا ا أالخ وان رحباين من ص ور وعا صي. واأن ا اإىل االآن ال اأعرف م ن فيهما من صور وم ن عا صي رغم اأنن ي ق ضيت يف بيتهم ا ساعات طويلة لكن ما حيلتي!. اإن اأحدهم ا يب داأ الق صيدة والث اين يتممها واأحدهم ا يدن دن بالنغم ثم يتوق ف ليلقف االآخر النغمة الطائرة ثم يدندن. و صافحتنا فريوز وهي تتمتم وجل سنا وفريوز لي ست جميلة. إان ج سمه ا صغ ي ري نحي ل مث ل ج س م جناة ال صغرية ولكن وجه جناة اأجمل. عينا جناة حلوت ان هادئت ان وعين ا ف ي ريوز قا سيتان ك أانهما حمملقتان دائما. ولك ن الفن وحده جم ال لي س بع ده جمال وقلت لفريوز من قلبي: لقد حقق ت اأمنية من اأمنياتي حن زرتك ور أايت ك ي ا بن ت اجلب ل يف قلعت ك باأعل ى اجلبل. وبدا يل أان ف ي ريوز مل تفهم كلماتي ومتتمت بكلم ة شك ر مل اأتبينها وم ن جانبي جاءين ص وت اأح د ا أالخوي ن رحب اين وه و يرد عل ى كلماتي بكلمات اأكرث منها بالغة!. وقلت لفريوز: لق د كن ت طوال الطريق أات رمن بق صيدة شوق ي»واأغ ن اأكح ل م ن مه ا بكفي ه«واأت ساءل: ملاذا ال تغنيها. وقالت فريوز: شوق ي! ونظ رت اإىل اأح د ا أالخوي ن رحباين وكاأنها ت ساأله من شوقي. وم ن جانبي ج اءين ص وت اأح د االأخوين وهو يقول: شوق ي.. نع م.. لق د كان شوق ي يع شق لبنان واأهلها وكان يزورها كل عام. ثم التفت اإىل ف ي ريوز وقامت فريوز لتحتفي بال ضيوف. وفا ض علينا كرم اجلبل وقامت فريوز بدور» س ت البي ت«ولكنها س ت البي ت ال شرقية الت ي ت ضع املائدة وتر ص االأطباق وال شوك وال سكاكن ولكنها ال جتل س على املائدة. ث ل الث ساع ات مل تنط ق فيه ا ف ي ريوز اإال ث ل الث كلم ات ونحن جميع ا صالح جاهن واالأخ وان رحب اين واأن ا نن ش د ال شع ر بال دور ونتح دث ع ن املو سيق ى والغناء ونتناق ش يف مو سيقى سي د دروي ش وعبد الوه اب و صوت ودي ع ال ص ايف و صوت عبد احلليم وهي شاعرة الغناء ال تتكلم. وم ن وقت الآخ ر كان صوت طب ق يرفع من على املائدة اأو سكن ت سقط على االأر ض يرن كاأنه نوع م ن املو سيقى الت صويرية حلديثنا املحلق الطائ ر. ونلتفت ناحية ال صوت. فاإذا ه ي فريوز! وخرجن ا اإىل الط رق و صورة فريوز يف وجداين شاحبة. شاحبة جدا. كان االأف ضل يل وخلي ايل اأن اأظل اأح س بها نغم ا طائرا واأن اأتخيله ا حديثا عذبا وظال رقيقا ووجها مالئكيا. ولكن ي ع دت اأ س األ نف س ي مل اذا ال نكتفي م ن الفنان بفنه فق ط ونح اول اأن ن ستمتع ب شخ صيت ه اأي ضا هل ال بد اأن يكون ال شاعر العظي م متحدثا عظيم ا هل ال ب د اأن يكون الق صا ص الكبري الذي تفي ض ق ص صه بالفهم للطبيع ة الب شري ة واالإدراك لالأحا سي س واالنفع االت ه ل ال بد له ذا االإن س ان حن يتح دث اأن يك ون غنيا بالفه م والإدراك مثله حن يكتب. اإن الفنان الكبري ي شق طريقا يف احلياة بفنه فلم اذا نطالب ه اأي ض ا ب اأن ي ش ق طريقه يف املجتمع بخف ة ظله وجمال وق ع شخ صيته على النف س. كن ت عندئ ذ أافك ر يف عب د الوه اب الذي ال ي شبع ا إالن سان من حديثه. وعبد احلليم الذي يعان ق جميع من يعرفهم ويوهمهم اأنهم اأعز اأ صدقائ ه واأم كلثوم الت ي كانت شخ صيتها الطاغية سياج فنها املعجز. وكن ت أافك ر اأي ض ا يف اأن ص اف الفنان ي ن واأرباعه م و أاولئ ك املت سكع ي ن عل ى طريق الفن الذين ت ستهويك شخ صياتهم وما فيهم م ن بري ق ويعي شون حي اة فني ة حقيقية فيتحدثون ويناق شون وينقدون ويطلقون ذقونهم وي سهرون لل صباح وكل شيء فيهم باه ر العن. حتى األ وان مالب سهم ومع ذلك فلي س يف عروقه م إاال ب ضع قط رات ضئيلة من الفن. اإنها صورة خمتلفة من الفنانن واأن صافهم الذي ن تختلف شخ صياته م ويختلف ما فى ه ذه ال شخ صيات عن حياة ودفء ب شري من واحد آالخ ر وكلهم يدفعون ك أالن تلقي على نف سك هذا ال سوؤال: أايهما اأجمل.. االإن سان.. أام الفنان. كنت يف صف الفن ان. ال ا إالن سان الأين اأغتفر للفن ان اأن يكون ع صبيا أاو متوت را اأو سيئ اخلل ق أاو مرير الطعم ولكني ال اأغتفر له اأن يك ون بال طع م. وخف ت اأن اأكون ق د ظلمت فريوز وملت على صالح جاهن أا س أاله: ما راأيك يف فريوز. وقال صالح: والله م ش عارف. جريدة عمان/ 2012
11 10 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب 2016 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب 2016 "احلال ج و صديق ه ال شبلي يتحد ثان وقد ارت دى كل منهما خرقة ال صوفية شيخان يف اأواخر العمر". ال شبلي:... يا حال ج ا سمع قويل ل سنا من اأهل الدنيا حتى تلهينا الدنيا اأ سرعن ا لل ه اخلط و العج ل الن فلم ا اأ ضنانا ال شوق الظماآن طرنا بجناحن ومل سنا اأهداب النور ه ل نب ص ر عندئ ذ م ن قل ب غمامتنا الف ضيه اإال اأ شباح ا حائل ة ت ذوي يف وه ج العرفان وظالال زائلة ال مت سكها االأجفان احل ل ال ج: لكن... يا اأخل ص اأ صحابي نب ئني... كيف أاميت النور بعيني ه ذي ال شم س املحبو س ة يف ث ن ي ات االأيام "م أس اة ال ح ل ال ج" تث اق ل كل صباح ثم تنف ض عن عينيها النوم ومع النوم ال شفقه وتوا ص ل رحلته ا الوح شي ة ف وق الطرقات فوق ال ساحات اخلانات املار ستانات احلم امات وجتم ع من دنيا حمرتقه باأ صابعها احلمراء الناريه ص ورا اأ شباحا تن سج منه ا قم صانا يجري يف حل متها و س داها الدم يف كل م ساء مت سح عيني بها توقظني من سبحات الوجد وتعود اإىل احلب س املظلم قل يل يا شبلي اأاأنا اأرمد ال شبلي: ال بل حد قت اإىل ال شم س وطريقتنا اأن ننظر للنور الباطن ولذا فاأنا اأرخي اأجفاين يف قلبي واأحد ق فيه ف أا سعد واأرى يف قلبي اأ شجارا وثمارا ومالئكة وم صل ن و أاقمارا و شمو سا خ ضراء و صفراء واأنهارا وجواه ر م ن ذه ب وكن وزا م ن ياقوت ودفائن وت صاوير كل يف اأعلى سمته أاو يف اأبهى هي آاته احلال ج: هل تدري يا شيخي الطي ب مل ن و ر رب ي قلبك ال شبلي: هذا حايل يا حال ج ل ن حت سد ين وم ع اذ اأخو تنا أان يخطر يف بالك اأن حت ص ي م ا ي لق ى عب د م ن نعم ة مواله لكن ال ت س أالني أاي ضا... ما يدريني اأحوال ال صوفين مواهب احلال ج: ال اإين اأ شرح لك مل يختار الرحمن شخو صا من خلقه ليفر ق فيهم أاقبا سا من نوره هذا ليكونوا ميزان الكون املعتل وي في ضوا نور الله على فقراء القلب وكم ا ال ينق ص ن ور الله اإذا فا ض على عبد ال صبور مع رجاء النقا ش أاهل النعمة ال ينق ص نور املوهوب ي ن اإذا ما فا ض على الفقراء ال شبلي: ال يا حال ج اإين اأخ شى اأن اأهبط للنا س قد أاب سط اأجفاين فوق الدنيا ف اأرى ي س راه ا أامتن ى النعم ى والي سرى و أارى ع سراها أاتوق ى الع سرى وميوت النور بقلبي احلال ج: هبنا ج ان ب ن ا الدنيا ما ن صنع عندئذ بال شر ال شبلي: ال شر ماذا تعني بال شر احلال ج: فقر الفقراء ج وع اجلوع ى يف أاعينه م تتوه ج األفاظ ال أاوقن معناها اأحيانا أاقراأ فيها "ها اأنت تراين لكن تخ شى أان تب صرين لعن الديان نفاقك" اأحيانا أاقراأ فيها "يف عين ك ي ذوي اإ شف اق تخ شى اأن يف ضح زهوك لي ساحمك الرحمن" قد تدمع عيني عندئذ قد اأتاأمل اأما ما مي فزعا وندامه فهي العن املرخاة الهدب فوق ا ستفهام جارح "اأين الله"... أال قلب ي خوفا ي ضني روحي وامل سجون ون امل صف ودون ي سوقهمو شرطي مذهوب اللب ق د اأ ش رع يف يده سوط ا ال يعرف م ن يف راحته قد و ضعه م ن فوق ظه ور امل سجون ي ن ال صرعى قد رفعه ورجال ون ساء قد فقدوا احلرية تخذته م أارب اب م ن دون الل ه عبي دا س خري ا يا شبلي ال شر ا ستوىل يف ملكوت الله حد ثني... كيف اأغ ض العن عن الدنيا اإال اأن يظلم قلبي ال شبلي: مهال... مهال بل اأنت االآن على حافة أان يظلم قلبك احل ل ال ج: ال ب ل اإين اأتنو ر م ن ر أا سي حتى قدمي ال شبلي: صمتا و إاليك جوابك كي ترتد اإىل نف سك هل ت ساألني من ذا صنع الفقر من أالقى يف عن الفقراء كلمات تفزع من معناها واإليك جواب سوؤالك: الظلم... ه ل ت س أالني من ذا صنع القيد امللعون واأنبت سوطا يف كف ال شرطي واإليك جواب سوؤالك الظلم هل ت ساألني من ذا صنع اال ستعباد الظلم... لكني أالقي يف وجهك ب سوؤال مثل سوؤالك قل: من ص نع املوت قل: من صنع العل ة والداء قل: من و س م املجذومن وامل صروعن قل: من سمل العميان من مد اأ صابعه يف اآذان ال صم من شد ل سان البكم من سو د وجه ال سود من صف ر وجه ال صفر من األقانا يف هذي الدنيا ماأ سورين لنغ ص مب شربنا ون شاك مبطعمنا نتنف س اأب شع رائحة م ص اع د ة من رجع حلوق املوتى املوتى االأحياء املقتولن القتله الكذ اب ي ن اخلو انن ل صو ص االأطفال ومنتهكي احلرمات وجت ار الدم وزناة الليل وقو ادي القرباء وجباة بيوت املال ومرابي االأ سواق وبياعي اخلمر من األقانا بعد ال صفو النوراين يف هذا املاخور الطافح من... من... احلال ج: ال... ال... ال أاجروؤ أاتريد تقول... ال... ال... ال مت أال نف سي شك ا يا شبلي ال شبلي: بل اإين اأمالأها علما ويقينا يا حال ج ال شر قدمي يف الكون ال شر اأ ريد مبن يف الكون كي يعرف رب ي من ينجو ممن يرتد ى وعلينا أان يتدب ر كل منا درب خال صه فاإذا صادفت الدرب ف سر فيه واجعله سر ا ال تف ضح سر ك احلال ج: يا شبلي دعني اأتاأم ل فيما قد قلت االآن ها اأنت تزلزلني يف داري وال سوق يزلزلني اإن أاترك داري كلماتك جتذبني مينه... وعيوين جتذبني ي سره... "مناد ينادي باخلارج" اإبراهيم: هل أادخل يا شيخي احل ل ال ج: م ا اأجم ل خل وة روحينا يا شبلي م ا أاحل ى اأن نتكا ش ف لك ن االأي ام ضنينه ومواجدنا ال تنفد فلي شهدنا إابراهيم هل تعرف ه شاب من اأهل الله... ال شبلي:... واأحب ه احلال ج: اأدخل يا اإبراهيم "يدخ ل اإبراهي م ب ن فات ك منزع ج اخلاطر م سرعا " احل ل ال ج: م اذا تط وي يف قلب ك حتى فا ض على سيماك هد ىء من روعك فالدنيا عند ال شبلي يف خري ما دمنا يف خري اإبراهيم: ما اأ صبحنا يف خري بعد االآن ق د كن ت اأزور الي وم القا ض ي اب ن س ر ي ج نب اين اأن والة االأمر يظن ون بك ال سوء احلال ج: بي يا ابراهيم... اإبراهيم:... ويقولون هذا رجل يلغو يف اأمر احلك ام ويوؤل ب اأحقاد العام ه ورجاين اأن أانبيك رجاءه باحليطة والكتمان احلال ج: ماذا نقموا مني: اأت رى نقم وا من ي اأين اأحت د ث يف خل صائي واأقول لهم اإن الوايل قلب االأم ه هل ت صلح اإال ب صالحه ف اإذا و ل يت م ال تن س وا اأن ت ضعوا خمر ال سلطة يف اأكواب العدل اأترى نقموا مني تدبريي راأيي يف اأمر النا س اإذ اأ شهدهم مي شون اإىل املوت لك ن توجههم للم وت يباعدهم عن رب املوت اإبراهيم: زعموا اأن ق د اأر سلت ر سائل سر ية الأب ي بك ر املاذرائ ي والطول وين وحلم د القنائي و سواه م ممن يطمح لل سلطة احلال ج: هم بع ض وجوه االأم ه وهمو اأي ضا خل صائي اأحبابي وعدوين اإن ملكوا االأمر اأن حتل و سريته م وي ع ف وا ع ن سق ط الفعل أان يعط وا النا س حق وق النا س على احلك ام فنجاوب هم بحقوق احلك ام على النا س ه م زه رة اآم ايل يف ه ذا الع امل ي ا ابراهيم وله ذا اأ ر ويهم من خطرات ي واأند يهم برقيق القول ال شبلي: يا حال ج ال أادري لل ص ويف صديق ا اإال جن وى الليل وبكاء اخلوف من الدنيا واأنا شيد الوجد امل شبوب واآهات الذل وفتوح املحبوب بنور الو صل فاإذا ث قل ت يف جنبيه الوحده فليلز م اأهل اخلرقة اأبناء الفاقه ممن ق ن عوا بالياأ س عن االآمال طرحوا االإنكار ببحر الت سليم حجبوا عن اأعينهم هم الروؤيه فر أاوا ما مل تره العن قل يل... يا حال ج اأ وث قت باأن وجوه االأم ة ممن تعرف اإن و ل وا ظل وا اأهل مود ه احل ل ال ج: ال يعنين ي أان يرعوا و د ي اأو ين سوه يعنيني اأن يرعوا كلماتي ال شبلي: بل ما يدري ك باأنهمو اإن ول وا مل ت سكرهم خمر ال سلطة وب أانهمو ما التف وا حولك اإال لكراهتهم من د ب ر لك احلال ج: ق د خ ب ت اإذن لكن كلماتي ما خابت ف ست أاتي اآذان تتاأم ل اإذ ت سمع تتحد ر منها كلماتي يف القلب وقلوب ت صنع من األفاظي ق دره وت شد بها ع ص ب االأذرع ومواكب مت شي نحو النور وال ترجع اإال أان ت سقى بل عاب ال شم س روح ا إالن سان املقهور املوج ع اإبراهيم: موالي أاخ شى اأن يدركك الكيد الظامل ماذا تنوي... احلال ج: ما ير ضاه الرحمن ملخلوق يف صورته ذي روح مت صف ب صفاته اإبراهيم: هل يق صد موالي خرا سان ويظ ل به ا حت ى يه داأ عن ه ال سع ي املحموم احلال ج: خرا سان... خرا سان لينو ر قلبك رب ي يا اإبراهيم اأخرا سان... اجلن ه كي يق صدها من اأ ضنته الدنيا هل ثمت عدل و صفاء بخرا سان كي يق صد ها من اأمر ضه الظلم اإبراهيم: يا موالي الظلم بكل مكان واجلنة آاخر سعي ا إالن سان ال اأو ل سعيه )...(
13 12 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب 2016 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب 2016 1 يف درا س ة للجزائري ة فري دة سوي زف بعن وان»ال ص ورة الرتاثي ة يف شع ر عب د ال صبور- م صادر ال صورة الرتاثية يف شعر صالح عب د ال صب ور: ق راءة يف دواوينه«تقول: يعد ص ل الح عبد ال ص بور م ن ال شعراء ال ذين اأ سهموا يف تاأ صيل عالقة ال شعر با أال سطورة وذلك م ن الن احية الفنية والفل سفية املرتبطة بروؤي ا ال شاعر نظرا ملا لها من دور أا سا س يف هند س ة الق صيدة املعا ص رة ومدها بج سور من ا أالبعاد التاريخية واالجتماعية. ويف ذل ك ي ص رح الناقد علي قا س م الزبيدي قائال: اإن ه اأحد ال شع راء ال ذي ن ا ستعانوا بالرتاث يف شعره م وا ستوعبوا اأبعاده فلم يخ ل شع ره اإال قلي ل ال دون االمت زاج بعبق ال ت رتاث ومتثل ه مم ا ينم ع ن وع ي بحركة التاريخ وعمق التجربة ا إالن سانية. اإن م ساأل ة توظي ف ال ص ورة الرتاثي ة لدى ص ل الح عبد ال صبور م ساألة يف غاية ا أالهمية واإذا وقفن ا عنده ا وقف ة متاأني ة ميكنن ا الو ص ول اإىل حتدي د مالم ح منه ج جدي د يف التعام ل م ع االأ سط ورة. وم ن سم ات هذا املنه ج اأن ه يبتعد عن ال صي غ االإ سقاطية اجلاهزة وات سام ه باملرونة يف التعامل مع الدالل ة الأن الغاي ة لي س ت يف توظيف ن ص ق دمي بقدر ما ه ي اإب داع لغة جدي دة ت شبه الل غ ة ا أال سطورية من حي ث الكثافة والقدرة على الرت ميز والت صوير. ساأتط رق يف ه ذا املق ال اإىل اأه م م ص ادر ال ص ورة الرتاثي ة ال ت ي ا ستم د منه ا عب د ال صب ور مناذجه و ص وره االأدبي ة لي صنع للق ارئ صورا تراثي ة حافلة بعب ق املا ضي التليد وب شارات امل ستقبل القريب. الرتاث الد يني لق د كان ال ت رتاث الد ين ي م ص درا سخيا من م ص ادر االإله ام ال شعري وال ذي ي ستمد منه ال شعراء شخ صيات تراثية عربوا من خاللها عن جوانب من جتاربه م اخلا صة ليمزجوا بن احلداثة ال شعرية وعبق التاريخ القدمي ف شخ صي ات االأنبي اء من اأك ث رث ال شخ صيات شيوع ا يف شعرن ا املعا ص ر فق د اأح س ال شع راء من ذ القدم ب اأن ثمة رواب ط وثيقة ترب ط ب ي ن جتربتهم وجترب ة االأنبي اء فكل م ن النب ي وال شاع ر االأ صيل يحم ل ر سالة اإىل اأمت ه والف ارق بينهما اأن ر سال ة الن بي ر سال ة سماوية وكل منهم ا يتحمل العذاب يف سبيل ر سالته. وكان ت شخ صية النبي حممد صلى الله عليه و سلم من اأكرث شخ صيات الر سل شيوعا عند ال شعراء املعا صرين ملا لها من ارتباط روحي وعقدي بال شاعر. ص ل الح عب د ال صبورويوظف عب د ال صبور يف ق صي دة اخل روج مالم ح شخ صية الر س ول عليه ال سالم لي ص ور من خاللها جترب ة معا ص رة وه ي حماول ة ال ش اعر اله روب من واقع حياته املرير ومن زيف املدينة احلديث ة و شرورها بل ومن ذاته ال ت ي تكون ت ب ي ن اأح ضان ه ذا الز يف ال ذي جث م عل ى القل وب التائق ة اإىل عانقة احلياة الكرمية: 2 م اأخرج من مدينتي من موطني القدمي مطرحا أاثقال عي شي االأليم فيها وحتت الث وب قد حملت ال س رى دفنته ببابها ثم ا شتملت بال س ماء والن جوم ح اول ال ش اع ر يف ه ذه املقط ع ال شع ري ا ستخ دام خطوط هجرة الر سول من مكة إاىل املدين ة وا ستط اع أان يجع ل م ن ه ذه الهج رة ب ع دا ثاني ا للق صيدة يج ري حتت سطحها اأي اأن هذا امل ستوى هو الت عبري عن جترب ة شعوري ة تهيمن عل ى ال ش اعر وهي توق ا إالن س ان اإىل التحرر واالنعتاق بنوعيه الفكري واالإن ساين. اإذا كان الر س ول صل ى الل ه علي ه و سلم قد اختار سيدنا اأبا بكر ر ضي الله عنه لي صحبه يف الط ريق واإذا كان اأبو بكر قد افتداه حن دخ ل الغار قبله فاإن ال ش اع ر مل يتخري اأحدا م ن االأ صح اب ليفدي ه الأن م ا يه دف اإلي ه ه و اخلال ص م ن ذاته املتعبة. مل اأتخري واحدا من ال صحاب لك ي يفديني بنف سه فكل م ا اأريد قتل نف سي الثقيلة واإذا كان الر س ول قد غادر وت رك يف فرا شه سيدن ا علي ر ضي الله عن ه لي ضلل القوم فال يكت شف وا خروجه ف اإن ال ش اعر مل يرتك يف الفرا ش اأح دا من ال صحاب الأن ه يعرف اأن ه لي س هناك من يالحقه سوى ذاته وال تي يريد الت خل ص منه ا ليتحرر من واقع فر ض عليه ومل يخرته. ومل اأغ ادر يف الفرا ش صاحب ي ي ضل ل الطالب فلي س من يطلبني سوى اأنا القدمي و يبل غ جناح ال شاعر ذروته يف توظيف هذا العن صر يف ا ستخدامه حلادث متابعة س راقة للر سول صلى الله عليه و سلم وكيف ا ستطاع ال شاعر أان يوظفه توظيفا فنيا بارعا. سوخي اإذن يف الر مل سيقان الن دم ال تتبعيني نحو مهجري ن شدتك اجلحيم واأخ ي ريا يريد ال شاعر االنتق ال واملغادرة من الظ الم إاىل الن ور مدينة ال صحو ال ذي يزخر باالأ ض واء حي ث احلي اة يف مدين ة النور وال ضوء. مدينة ال صحو ال ذي يزخر باالأ ضواء وال شم س ال تفارق الظ هرية دينة الر وؤى ال تي ت شرب ضوءا 3 م ويق ول صالح عب د ال صب ور ول و تتبعنا تفا صي ل ص ور الق صيدة لوجدن ا كثريا من االإ شارات إاىل التجربة النبوية كما جند شخ صي ة امل سيح عليه ال سالم ال ت ي أاح س ال شع راء أانه م اأكرث حرية فيه ا ف أاطلق وا العن ان الأنف سه م يف ت أاوي ل مالحمه ا وانتحاله ا الأنف سه م ومعظ م مالم ح امل سي ح يف ال ش ع ر املعا ص ر م ستمدة من امل وروث امل سيحي وخ صو صا ال صلب الف داء احلياة بعد املوت. فاتخذ ال شعراء ملمح ال صلب واأ سقطوا عليه ا آالالم الت ي ظ ل يتحملها ال شاع ر املعا صر ح ي ن امت زج مبادي ة املدين ة وت رك طبيعة احلي اة احلقيقي ة يف الب وادي واالأري اف اخل ضراء لقد افت ت نت ال شاعر بت صوير نف سه صالح عب د الصبور.. رائد الش عر الحر والدراما الشعرية اأبح ر وح ده يف عي ون النا س واالأف كار واملدن تائه ا يف صحارى الوج د والظنون وق ف م ش رع القب ض ة م ش دود الب دن عل ى اأرائ ك ال سعف طارقا ن ص ف الليل يف فنادق امل شردي ن وحواني ت اجلن ون ح سبما يقول يف تاأم ل الت ليل ه.. ه و شاعر وناق د يعد من رواد ال شع ر احلديث والدرام ا ال شعرية يف م ص ر وهب ال شعر كل حيات ه فقد كان يوؤمن ب اأن ق ول ال شع ر جدير وح ده ب اأن ي ستنفد حي اة ب شري ة توهب له وتنذر م ن اأجله هو ال شاعر الراحل صالح عبد ال صبور. مولد الشاعر ولد صالح عبد ال صبور يف 3 مايو/ اأيار 1931 يف مدين ة الزقازيق مبحافظة ال شرقية تلقى تعليمه يف املدار س احلكومية ودر س اللغة العربي ة يف كلية االآداب بجامع ة فوؤاد االأول )القاه رة حاليا(, وفيها تتلم ذ على يد الرائد املفك ر ال شي خ اأمن اخل ويل ال ذي ضم عبد ال صب ور اإىل جماع ة )االأمناء( الت ي كو نها, ث م اإىل )اجلمعي ة االأدبية( الت ي ورثت مهام اجلماعة االأوىل. وكان للجماعتن تاأثريا كبريا على حركة االإب داع االأدبي والنقدي يف م صر اأخذ يكتب ال شعر يف سن مبكرة وكان ذلك يف مرحل ة درا سته الثانوية ثم شغل صالح عبد ال صب ور اأعماال عدة بعد تخرجه عن مدر سا بوزارة الرتبي ة والتعليم اإال اأنه ا ستقال منها ليعمل بال صحافة حيث عمل حمررا يف جملة روز اليو س ف ثم جريدة االأهرام. اأخذ ين شر ق صائ ده يف جملة الثقاف ة القاهرية واالآداب البريوتي ة وكان صالح عب د ال صبور مهتما بالفل سف ة والتاريخ كم ا كان مولعا ب صورة خا ص ة باالأ ساط ي ري ويف الوق ت ذات ه كان يح ب القراءة يف علوم االإن سان املحدثة كعلم النف س واالجتماع واالأنرثبولوجيا ويف عام 1961 م ع ن مبجل س اإدارة ال دار امل صري ة للتاألي ف والرتجم ة والن ش ر و شغ ل ع دة منا صب به ا عمل م ست ش ارا ثقافيا لل سفارة امل صري ة بالهن د ث م اخت ي ري رئي س ا لهيئ ة الكتاب. ح صل علي العديد من االأو سمة منها: جائزة الدولة الت شجيعية عام 1965 وو سام العل وم والفن ون م ن الطبق ة االأويل ع ام 1965 وجائزة الدول ة التقديرية يف االآداب ع ام 1981 وو سام اال ستحق اق من الدرجة ا أالويل والدكت وراه الفخري ة يف االأدب م ن جامعة املنيا ع ام 1982 اأطلقت االإ سكندرية ا سمه علي مهرجانها لل شعر الدويل. رائد الشعر الحر الكالم عن ال شكل اجلديد.. اأو ال شكل القدمي.. احل ر.. التقلي دي.. العم ودي.. العرو ض.. مناق ش ات ساذجة اأ ضعنا فيه ا وقتا طويال.. اإننا نريد ال شاع ر الذي يقول الكلمة ال صادقة ولو كانت باالإمي اء أاو الرق ص.. يعترب النقاد اأن ص ل الح عب د ال صبور من اأه م رواد حركة ال شع ر احلر العرب ي وواحدا م ن ال شعراء شيرين صبحي العرب القالئل الذي ن اأ ضافوا م ساهمة بارزة يف التاألي ف امل سرح ي, ويف التنظري لل شعر احل ر. فف ي منت ص ف ال ستين ات خا ض عبد ال صب ور اأول جترب ة يف الدرام ا ال شعري ة فكتب م سرحيت ه: ماأ ساة احلالج عام 1965 وي ري النق اد ان ه تاأث ر يف ه ذه امل سرحي ة بال شاع ر االإجنلي زي اإلي وت حي ث ج اءت م سرحيت ه شبيهة مب سرحي ة اإليوت: جرمية قت ل يف الكاتدرائية كما تاأث ر بكتابات كافكا ال سوداوي ة يقول الدكتور ك رمي الوائلي اأن عب د ال صبور تخ رج فني ا ونقدي ا من حتت عب اءة املدر س ة الرومان سي ة العربي ة وظل خمل ص ا لكثري م ن مبادئه ا طيل ة حياته يف اإبداع ه الفن ي النق دي على ال س واء وطور جانب ا م ن ت صوراته ا نح و نزع ة صوفية تدفعن ا اإىل و صفها بالرومان سي ة ال صوفية اإذ يبدو عبد ال صبور متاأثرا باملنجز ال صويف يف كتابات ه االإبداعي ة ملاأ س اة احل ل الج مثال ويف حديث ه ع ن سريت ه الفني ة يف كتاب ه حيات ي يف ال شعر اإذ يوؤك د ذلك اأثناء حتدثه ع ن املت صوف ة وا ستخدام ه م صطلحاته م ورموزه م وحم اكاة عباراته م ويطبق ذلك ب ص ورة ت كاد تك ون متماثل ة ب ي ن الوج د ال ص ويف واالإب داع ال شع ري كما اأن ه تاأثر برم وز الرومان سي ة العربي ة وبخ صائ ص الرومان سي ة الفنية ويوؤك د الوايلي اأن عبد ال صبور جت اوز هذه الروؤية وجت اوز اإبداع الق صي دة الغنائية يري س ل الف اأحمد علو ش اأن يف ق صائ د عب د ال صب ور بع دا ق ص صيا وا ضح ا اإذ اعتم د يف ا ستله ام التاريخ على احلكاي ة ال عل ى الرمز التاريخ ي. اأما العامل ال شع ري لعب د ال صب ور فريي ص دوق نور الدين انه تغلفه م سحة احلزن واالأمل وفق ما ي دل عليه املعجم ال شع ري املوظف يف القول ال شع ري وب صفة ت كاد تك ون شاملة حيث تطالعن ا مف ردات من قبي ل: اللي ل املر ض الف راغ امل وت ال شت اء وهو معج م تطفح ب ه كتابات ب در شاكر ال سي اب وعبد الوهاب البيات ي أاي ض ا ولك ن الروؤي ة يف داللته ا انهزامية باالأ سا س. ردود فعل ثائرة على شعره ثارت ثائ رة ال شعراء املحافظ ي ن علي اأ شعار عب د ال صبور الت ي اأعدوها شكل م ن اأ شكال الن ث رث الأنه ا تخل و م ن ا إاليق اع املاأل وف للق صيدة العربي ة القدمية وحن كتب صالح عبد ال صب ور ق صيدته وبعث بها اإىل م سابقة املجل س االأعل ى للفن ون االجتماعي ة وقعت ق صيدته بن ي دي العقاد وحدث ت املواجهة بن شاعر يكت ب ق صيدة ال شعر احلر و شارع م ن الدي وان وعندم ا ق راأ العق اد الق صيدة كت ب حتتها:حت ال اإىل جلن ة الن ث رث لع دم االخت صا ص مما دفع ب ص ل الح عبد ال صبور اإىل اأن يكت ب مقاال يدافع في ه عن هذا ال شعر احلر بعن وان موزون والل ه العظيم موزون كم ا ث ار الكثري م ن النقا ش ح ول و شربت شاي ا يف الطري ق والتي اأث ارت اال ستهجان واال سته زاء يف حين ه ولكنه ا لقي ت اأي ضا م ن االهتم ام م ا مه د الطري ق ال ستعم ال املفردات اليومي ة يف ال شعر العربي ومه دت لتحقي ق االنت ص ار على لغ ة القامو س التي كان ت سائ دة ومت سلط ة اآن ذاك تنق ل ن ص عب د ال صبور ب ي ن ساح ات عديدة له ا ميزة واحدة ه ي القلق الوجودي العايل واملركب ح سبما يقول سالف أاحمد علو ش فمن الغرق امليتافيزيقي اإىل نقد امليتافيزيق ليخل ص يف نهاي ة م شروعه اإىل الفهم العالئقي ال صويف فا ستط اع م ن خ ل الل عي ش ه للنقي ض ي ن امليتافيزيقي ا ونقده ا اأن ي ستخل ص املطلق اجلم ايل وين زع اإليه م ن عالق ة جدلية هي االإن سان واالإل ه ففي فرتة النقد امليتافيزيقي كان عبد ال صبور م شغوال بالوعي االجتماعي وبالتقاط ه ل ل الأمل االإن ساين ب صيغت ه االأرقى ساب را الفقر والقه ر واحلرمان ال ذي يغلف ال سواد ا أالعظم وي ست شري يف حياتهم يقول عبد ال صبور اأظنن ي مل اأدرك اأن ال شعر ه و طريقي االأول اإال يف ع ام 1953 اأما قبل تلك الف ت رتة فقد كنت م شغ وال باأ شياء كثرية كن ت اأح اول الق ص ة الق ص ي رية والكتاب ة الفل سفية على منط حم اورات اأفالطون التي قراأته ا يف مطل ع ال صب ا برتجمة حن ا خباز وفتنت بها فتونا و لكن يف ذلك العام حتددت رغبت ي االأدبي ة وارتبط ت بال شع ر ارتباط التاب ع باملتب وع. و أان ا ممن يظن ون - وهم قلة - أان قول ال شعر جدير وحده باأن ي ستنفد حي اة ب شرية توهب له وتنذر م ن اأجله. وقد وهبت ال شع ر حياتي منذ ذلك ا أالمد. وجهدت حتى اأ صري شاع را له مذاقه اخلا ص و عامله اخلا ص تاأث ر اإب داع ص ل الح عب د ال صب ور مب ص ادر متنوع ة فم ن شع ر ال صعاليك إاىل شع ر احلكمة العرب ي, و سري واأف كار بع ض اأع ل الم ال صوفين العرب مث ل احلالج وب شر احل ايف, اللذين ا ستخدمهم ا كاأقنعة الأفكاره وت صوراته يف بع ض الق صائد وامل سرحيات وق د ن ش اأ عب د ال صب ور وترب ي ب ي ن كت ب املنفلوط ي وعمالق ة االأدب والفك ر وتاأث ر برموز الرومان سية العربية وبخا صة جربان خلي ل ج ب ربان ال ذي يع ده قائد رحلت ه. كما ا ستف اد ال شاعر من منج زات ال شعر الرمزي الفرن س ي واالأمل اين )عن د بودل ي ري وريلكه( وال شعر الفل سف ي ا إالجنليزي عند جون دون وييت س وكيت س وت. س. اإلي وت ب صف ة خا صة. وكذل ك ا ستفادته من كنوز الفل سفات الهندي ة وم ن ثقاف ات الهن د املتع ددة اأثناء اإقامت ه بالهن د م ست ش ارا ثقافي ا لل سف ارة امل صري ة. وم ن الذي ن مل يخ ف اإعجابه بهم ل وركا و بودل ي ري ويف حماوالت ه ال شعري ة ا أالوىل كان صالح عبد ال صبور متاأثرا ببع ض ال شعراء القدامى كاملتنبي و أابي العالء املعري ال ذي أاعجب به كث ي ريا وال ذي ر آاه من وجهة نظره ثالثة اأرباع الرتاث ال شعري مقدما اإياه على اأبي مت ام وب شار و أابي نوا س واملتنبي ف كان يقول يعجبني املتنب ي ولكني اأحب اأبا العالء! بع د ذلك ب داأ يتاأثر ببع ض ال شعراء املعا صري ن كاإبراهيم ناج ي وحممود ح سن اإ سماعيل. مسرحه الشعري اأن ا ال اأح ب امل سرح إاال شعري ا و ال يعجبني كث ي ريا م سرح اإب س ن و اأتباعه م ن الناثرين. و اعتق د اأن م س رح اإب س ن االجتماع ي الن ث رثي مثل )بيت الدمي ة( و )عدو املجتمع( وغريهم ا ه و جم رد اإنحراف ة يف تاري خ امل س رح كان ت م سرحيته ماأ س اة احلالج هي بداي ة اجتاه ه اإىل امل س رح ال شع ري ال ذي اأ صب ح م ن اأه م رواده يف االأدب العرب ي وع ن سم ات م س رح عب د ال صب ور يق ول الدكت ور مدحت اجليار: عل ى الرغم من تعدد م سرحيات صالح عب د ال صبور اخلم س من حي ث املو ضوعات املعاجل ة وال شخ صيات بل االأج واء الدرامية الت ي ي ستخدمها داخل ن صو ص ه اأقول اإنه على الرغ م من ذلك ف إان م س رح صالح عبد ال صبور يبدو ضيقا ترتد عنا ص ره املكاني ة إاىل حيز ضي ق.. اأعنى أان م سرحيات ه تتح رك عل ى امل ست وى املكاين حول ثنائية البي ت وال سجن ثم االت ساع يف امل كان. والبيت قد يتح ول إاىل ق صر أاو كوخ ب سي ط أاو منزل شعب ي أاو مقر جريدة لكنه يظ ل حمتفظا بدالل ة االألفة والن ش أاة. وعلى النقي ض يتحول ال سج ن ولوازمه )املحكمة( اإىل ال ضي ق من املكان وي ت رتادف يف غالبية ال سياق ات مع الظل م و القه ر وي ؤوكد اجليار أان م س رح عبد ال صبور يتحرك خالل عنا صر مكانية حمدودة وثيم ات مكانية ثابتة و إان كان ت تتعدد فهي تتعدد يف جتليات خمتلفة ال يتغ ي ري جوهرها ب ل يظل اجلوه ر ثابتا ويتحرك العر ض ال شكل ي االأمر الذي يلقى س وؤاال ح ول امل كان يف م س رح ص ل الح عبد ال صبور هل هو فقري يف عنا صره ومكوناته وهل يرتتب على ذلك القول ب ضيق وحمدودية عنا ص ر الروؤي ة اجلمالي ة للواق ع عن د عبد ال صب ور خا ص ة واأن م سرحياته ترتد دائما للوراء حي ث جند الك وخ والق صر والطري النائ م وال سج ن والبيت وخم دع النوم وحمل العمل وكله ا مفردات كثريا ما شكلت م سرحيات كث ي رية قبله ولي س ببعيد م سرح اأحم د شوقي ال شع ري أاو م سرح على اأحمد باكث ي ري. وم ن هذي ن ال سوؤال ي ن ن ستطيع أان نق ول: إان توظيف صالح عب د ال صبور لهذه املف ردات املكاني ة املح دودة ق د اأغن ى هذه املف ردات حت ى اأنن ا نح س للوهل ة ا أالوىل بتعدده ا وكرثتها ب سبب ج ودة التوظيف والقدرة على و ضعه ا مو ضعا صحيحا يبعد عنها امللل والتكرار والفقر. عن صحيفة االهرام النا صرية اقرتن اسمه باسم الشاعر اإلس باين لوركا خالل تقديم املرسح املرصي مرسحية»يرم ا«لكاتبه ا العاملي يف س تينات القرن املايض إذ اقت ضي عرض املرسحية أن تص اغ األج زاء املغناة منها ش عرا وكان ه ذا العمل من نصي ب»صالح عبد الصبور«. محمد صالح الدين عبد الصبور يوسف الحواتيك الذي متر ذكرى وفاته اليوم ولد يف 3 ماي و 1931 مبدين ة الزقازيق ويعد أحد أهم رواد حركة الش عر الحر العريب وم ن رموز الحداث ة العربية املتأثرة بالفك ر الغريب كام يعد واحدا من الش عراء الع رب القالئل الذين أضافوا مس اهمة بارزة يف التألي ف املرسحي, ويف التنظري للشعر الحر. ظه رت مالمح التأث ر بلوركا من خالل عن ارص عديد مبرسحيات عب د الصبور مثل األمرية تنتظر بعد أن ميوت امللك لييل واملجنون فبهذه املرسحيات تش ابهت املوضوعات فيام بينهام واس تقى عبد الصبور مناب ع موضوعاته من خالل التناص الواضح مع طبيعة املوضوعات والتيامت املرسحية. صاغ الش اعر باقتدار س بيكة ش عرية نادرة من ص ه ره ملوهبته ورؤيته وخرباته الذاتية مع ثقافته املكتس بة من الرصي د اإلبداعي العريب ومن الرتاث اإلنس اين عامة. وبهذه الصياغة اكتمل نضجه وتصوره للبناء الشعري. أحمد نبيل خضر مس ودات ص الح عب د الصب ور وكتابات نقدية
15 14 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب 2016 العدد )3717( ال سنة الرابعة ع شرة - الأربعاء )17( آب 2016 manarat WWW. almadasupplements.com م سيح ا على ال صل ب و شاعرنا يف ق صيدته أاغني ة لل ش تاء والت ي اأعطاها ب عدا دينيا ا ستوحى فيها سرية امل سيح عليه ال سالم بعد ال صلب. يقول ال شاعر: ال ش عر زلتي التي من اأجلها هدمت ما بنيت من أاجلها صلبت وحينما علقت كان الربد والظلمة والر عد ترجني خوفا وحينما ناديته مل ي ستجب عرفت أانني ضيعت ما اأ ضعت فقد اعترب ال شاع ر نف سه م سيحا واعترب كل صاحب فكرة نبيلة يتعذب من اأجلها م سيحا ف ص ل الح عب د ال صب ور ي دي ن ه ذا الع ص ر احلديث ال ذي ي طارد فيه اأ صح اب الد عوات ال صاحل ة وا أالف كار النبيل ة موظف ا ملمح ه يف ت صوي ر تل ك املعاناة ال ت ي ي شقى الأجلها اأ صح اب املب ادئ يف الع ص ر احلدي ث كما ي رى أان خطيئته هي شع ره وهو من أاجله صل ب على الرغ م م ن أان ال شع ر صناعة ال شاع ر وفكره ال ذي بات ي ؤورق ه لي صل به اإىل حد ر سم حياة جديدة جم سدة يف أاحالمه و أافكاره التي بات يوؤمن بها. لرتاث ال صويف 4 ا لق د كان ال ت رتاث ال ص ويف واح دا م ن اأهم امل ص ادر الرتاثي ة ال تي ا ستمد منه ا ال ش اعر املعا صر شخ صيات واأ صوات يعرب من خاللها عن أابعاد من جتربته ب شتى جوانبها الفكرية والر وحية وحتى ال سيا سة واالجتماعية. ولي س غريب ا أان يعرب ال شاع ر املعا صر عن بع ض أابع اد جتربته م ن خ ل الل شخ صيات صوفي ة الأن ال صل ة بن التجرب ة ال شعرية والتجربة ال صوفية جد وثيقة لقد قراأ صالح ال ت رتاث ال صويف وعاي ش ه وا ستخدم الكثري م ن م صطلحاته )املعج م ال صويف( حت ى يف شرح ق صوره لطبيعة الت جربة ال ش عرية ومن هذه امل صطلحات ال صوفية اخلروج الع شق ال شهادة. فق د اأ ش ار اإىل أان ال صوفي ة ه م اأو ل م ن رب ط الت جربة الر وحي ة بالر حلة واعتربوا بحثه م عن احلقيق ة سفرا م ضني ا قد ينتهي ب صاحب ه إاىل النهاي ة ال سعي دة املرج وة وم ن الق صائ د الت ي ا ستم د منه ا النماذج الب شرية ذات االإيحاءات ال صوفية مذكرات ال ص ويف ب شر احل ايف وق صي دة ر سالة اإىل صديق ة حيث وظف فيه ا ال شيخ حمي الد ين وق صيدة م أا ساة احلالج. اأم ا أاغني ة والء ففيه ا متت زج رم وز الت ص وف بالرم وز الد يني ة العام ة وال تي ص و ر فيه ا ال ش اعر رحلت ه يف سبيل ال شعر م ستغ ل ال اجل و ال ص ويف ومف ردات الرحلة ال صوفي ة يف سبي ل الو ص ول فال شعر يف الق صي دة ه و حمب وب ال شاعر ال ذي يتبتل إالي ه ويطهر ذاته لي ستطيع االرتقاء اإليه كما يتبت ل ال ص ويف إاىل حمبوبة ويطه ر ذاته يقول ال شاعر: خرجت لك علي أاوايف حمملك ومثلم ا ول دت -غ ي ري شمل ة ا إالح رام- ق د رجت لك خ ومن أاراد أان يعي ش فليع ش شهيد ع شق يا اأيها احلبيب معذبي اأيها احلبيب أالي س يف املجل س ال سن ي حبوة الت بيع فاإين مطيع وخادم سميع 5 أام ا يف ق صيدت ه ر سال ة اإىل صديق ة وال ت ي يلتقي فيها بال ش ي خ حمي الد ين ال ذي يرم ز إاىل معنى االرتق اء الر وحي اإىل درجة الت سامي يقول: با أالم س يف نومي ر أايت ال ش يخ حمي الد ين جمذوب حارتي العجوز كان يف حياته يعاين االله ت صوري ويحتلي سناه وقال يل: ون سهر امل ساء م سافرين يف حديقة ال ص فاء يكون ما يكون من جمال س ال سحر وهكذا بد أا احلب ال ذي يعي ش يف ذات ال ش اعر يتح ول إاىل في ض م ن الد اخ ل ليتجه نحو ا آالخري ن يف صفاء وعفوي ة وعذوبة ولعل شخ صية احل ل ال ج كانت اأك ث رث شخ صيات ال ت رتاث ال صويف حظ ا من اهتم ام ال ش عراء وعنايته م و احل ل ال ج هو شهي د ال صوفية ال ذي صلب ببغ داد فقد تناوله ال ش عراء يف عدد م ن ق صائده م اأ شهرها ال ت ي كتبها عبد الوه اب البي ات ي بعنوان ع ذاب احلال ج و م أا ساة احلال ج وهي م ا ي سمى بامل سرح ال شعري. فق د كان عذاب احلال ج طرحا لعذاب املفكرين يف معظم املجتمعات احلديثة وحريتهم بن ال س ي ف والكلمة يقول ص ل الح عبد ال صبور معل قا على ه ذه امل سرحية اأم ا الق ضية ال تي نطرحها فق د كانت خال ص ي ال ش خ صي فقد كنت اأعاين حرية مدمرة إازاء كثري من ظواهر ع صرن ا وكنت أا س أال نف سي ال سوؤال ال ذي س أاله احلال ج لنف سه ماذا اأفعل وكانت اإجابة احل ل ال ج هي أان يتكلم ومي وت. فلي س عندي احل ل ال ج صوفيا فح سب ولكن ه شاعر اأي ضا والت جربة ال ص وفية والفن ية تنبعان من منبع واحد وه ي العودة بالك ون اإىل صفائه قد يجتم ع ال شاعر وال ص ويف يف ال شخ ص الواح د فيغ دو م ن املفكري ن الذي ن اآل وا عل ى أانف سهم خدمة ق ضيتهم ول و كان املوت بانتظارهم. لرتاث ال ش عبي )الفلكلوري( 6 ا يحدد صالح عب د ال صبور ت أاث ره بالق ص ص ال شعبي ة يف ق صائ ده فق د كت ب ق صيدت ه مذكرات املل ك عجيب بن خ صيب متخذا من قن اع شخ صي ة فلكلورية قناع ا للت عبري عن آارائه و أافكاره وهموم ه الفكرية وامللك عجي ب بن خ صيب اأحد ملوك األف ليلة وليلة يرد ذك ره يف حكاية احلم ال مع البنات وهي ق صة رجل خرج عن ملك ه حن اأدركه ال س أام ومي ض ي الر ج ل يف رحلته يج وب االأقطار ت اركا بالط ه امللكي املل يء بالتخليط يف كل ش يء يف ا أالف كار وال سف سطة ث م هو ي شهد ال ش ر ويقرتفه فال يجد له طعما. إان ال شاع ر يرم ز به ذا الب ل الط اإىل الك ون ال ذي يزدح م حوله ال ش ع راء بحديثهم اململ امللف ق فكان خ روج عجيب ب ن خ صيب رم ز لل ش خ ص ال ذي ت ضيق ب ه نف سه ب أالوان الز يف املحيطة به والبحث عن احلقيقة ال تي البد أان تكون خمتفية وراء هذا الز يف يقول ال ش اعر: أابحث يف كل احلنايا عنك يا حبيبتي املقنعة يا حفنة من ال ص فاء ال ض ائعة. فاحلقيق ة الوحي دة القا سي ة ال ت ي وجده ا املل ك عجيب بن خ صيب هي اأن ا إالن سان قد سقط كما ي سقط البهلوان يف ال ش بكة. اأم ا ال س ندب اد وما يحمله من ظالل تراثية شعبي ة ومب ا ميثله م ن سع ي اإىل الك شف وحب للمغامرة والتحدي املحفوف باملخاطر وه ذا الن موذج ي كاد يكون من اأب رز الر موز ال ت ي ت ش ي ري اإىل االإن س ان املعا ص ر فمثلما كان ال سندب اد يف مدلول ه احلقيقي منوذجا لرغب ة االإن سان يف اكت ش اف عامله اخلارجي اأ صبح يف إايحاءاته منوذجا لطموح ا إالن سان املعا ص ر يف اكت ش اف ذات ه والبح ث ع ن احلقيقة املختفية. اإن م ضم ون ال س ندب اد عن د ص ل الح عبد ال ص ب ور لي س ثابت ا وال يتك ر ر بعين ه من ق صيدة اإىل اأخ رى الأن الت كرار يفقده القدرة على االإيح اءات املتجد دة والتي كانت تعوز ال شع راء يف تلك الف ت رتة التاريخية اململوءة واالجتماعي ة ال سيا سي ة باملتناق ض ات والثقافية. 7 اأم ا يف ق صيدته اأغنية للقاهرة فان ه أاخرج روح االأ سط ورة وه و يتحدث ع ن القاهرة ال ت ي ظل ت حمبوبت ه الغالي ة فجع ل منها ص ورة )ايزي س( وجع ل من نف س ه صورة اإيزوري س كم ا ا ستط اع شاعرن ا اأن يخلع على عالقت ه مبدينته احلبيبة القاهرة الفكرة القدمي ة الر ا سخة يف اأذه ان امل صرين ال تي تع ب رب ع ن احل ب واالإخال ص والت ضحي ة والوفاء فقد جعل من القاهرة ( إايزي سا( ال تي جمع ت عظامه املبع ث رثة يف ش وارع املدينة وو ضعتها يف تابوته املنحوت يقول: واأن اأذوب آاخر الز مان فيك واأن ي ضم النيل واجلزائر ال تي ت شقه والز يت واالأوثاب واحلجر عظامي املفتة على ال ش وارع امل سفلتة على ذرى ا أالحياء وال س كك حن يل م شملها تابوتي املنح وت من جميز م صر. اأ ش ار ص ل الح عب د ال ص ب ور اإىل ع ودة ايزوري س رمزا لع ودة اخل صب كما يوحي ا ستعم ال ه ذه االأ سط ورة اإىل الت وح د بن االإن س ان ووطن ه وذوبان ه في ه اأن اأذوب اآخ ر الز مان فيك كما ميك ن اأن متثل فكرة البحث الد ائ ب امل ستمر ال ذي ال يياأ س حت ى ي صل اإىل هدفه املن شود الذي اأخذ من زمانه وعمره اأو اأن متث ل فكرة العطاء ال ذي لي س له حدود. لرتاث التاريخي 8 ا ق د م الت اري خ العرب ي أاحداثا انتظم ت فيها حقائق جدي دة جعلت الن ا س يوؤوبون إاليها عندم ا يحتاجون إاليها ل شح ن الهمم اأو شق ح دود الياأ س وجند ال ش اعر يوظف االأحداث الت اريخي ة ذل ك مل ا وج د فيه ا م ن اهتزاز الن فو س وال يزال صداه ا يف أا سماع الن ا س ويف خفقات االأفئدة. ولق د كت ب ق صيدت ه شن ق زه ران يف اخلم سين ات م ن الق رن املا ض ي حيث ا ستح ضر فيها حدثا تاريخيا مهم ا تاركا اأثرا عميقا يف الوجدان العربي وخا صة امل صري نظ را ملا حظ ي ب ه م ن ا ستجاب ات شعرية عربية وا سعة تعبريا ع ن فداحة الظلم ال ذي وق ع على قري ة )دن ش واي( امل صرية على يد املحت ل االإجنلي زي وكان الوطن ي حممود دروي ش زهران يف طليعة ال ضحايا ال ش هداء الذين قدموا أانف سهم قربانا مل صر ال شجاعة. وال ش ك اأن ال ش اع ر ص ل الح عب د ال ص ب ور يوظ ف هذا احلدث وما ارتب ط به لينفخ يف الوجدان العربي بعد نكبة فل سطن حمر ضا عل ى املواجه ة والت ح دي واال ست شه اد ويتجل ى ه ذا املوقف يف اجل زء االأخري من ق صيدته حيث يقول: كان زهران صديقا للحياة مات زهران وعيناه حياه فلماذا قريتي تخ شى احلياة وزهران هو بطل حقيقي حلادثة دن شواي ال شه ي رية ال تي تع د منوذجا لبط ش ال سلطة وتزوي ر احلقيقة تل ك احلادثة ال ت ي اأجمع شع راء العرب على التجاوب معه ا واإدانتها وم ا ت زال ساكن ة يف الوج دان ال ش عب ي امل ص ري وغ دت ق ادرة عل ى الت وا صل مع كل واق ع سيا سي م شاب ه يف م صر والوطن العرب ي واأ صب ح جم رد ذكره ا و سيل ة ال ستح ض ار ص ورة الن ش وة يف الواق ع والد عوة اإىل املواجهة والت غيري. ويخلق صالح عبد ال صبور نوعا من الرت ا سل الوج داين بن زه ران واأبي زيد سالمة اأح د اأبطال ال س رية الهاللية وهو بهذا ي صل بطل ه مبا ضيه اأي اأن زه ران هو امتداد لتلك ال ش خ صي ة العربي ة املخل صة وق د اأكد على عروبت ه خ ل الل تل ك الوم ض ة الد ال ة بقوله )و سم اء ال ش ع ر يف ليل ال ش ت اء( الأن ال ش عر هو الفن القومي االأول لالأمة العربية. كم ا يوظف ص ل الح عب د ال صب ور شخ صية م س رور املرتبطة بظلم شهريار ويخلق حالة م ن الرت ا سل نف س ه بن صورت ي ن وزمنن فم سرور يف الل يايل ميث ل يد ال سلطة الغبية الغا شمة املوكلة ب أارواح العذارى الربيئات امله ددة مل ص در احلياة واخل ص ب واالمتداد وم س رور يف الق صيدة ميثل سي ف ال سلطة امل ستب دة ال تي تتوهم اأن قت ل بطل اجلماعة ه و ال س بي ل اإىل اغتي ال الث ورة واإجها ض وح املقاومة. 9 ر واأتى ال س ياف م سرور و أاعداء احلياة صنعوا املوت الأحباب احلياة وتدىل ر أا س زهران الوديع. وهك ذا كان ت طريق ة ص ل الح عب د ال صبور يف ا ستخدام ه ل ص ور الرتاث فه و أاحيانا ي ستعن باملبن ى أاو الهيكل العام ل أال سطورة واأحيان ا يكتف ي بالتلمي ح اإىل اخل ط العام ويف م ر ات اأخ رى ي ستخدمه ا ا ستخدام ا جزئيا. لكن ه ي رى يف جميع احل االت اأن ا أال سطورة وال ش خ صي ة الرت اثي ة متن ح الق صيدة طاقة وعمقا يختل ف عن عمقه ا الظ اهر كما تعرب عن االأبعاد الثنائية ال ت ي جت سد فكر ال ش اعر وروؤيت ه للحي اة فتنق ل جترب ة ال ش اعر من م ستواه ا ال ش خ ص ي اإىل م ست وى اإن ساين اأعم واأ شمل. كان ت ه ذه بع ض االأدوات الفني ة ال ت ي ا ستخدمه ا ص ل الح عبد ال صب ور يف تعبريه للف ن ال شعري الزاخر باحلي اة والذي اأمده م ن اأيام ه وحيات ه احلافل ة بالغ ب نب والقهر االجتماع ي وظ ل مقارب ا ل شت ى الفن ون لقدرت ه الفائق ة يف تطوي ع ال شع ر وجعل ه خادما مل ستقبل شعبه. 10 كما كت ب عنه الكاتب حم س ن الن صار ورقة بحثي ة يف الع ام 2011 بعن وان:» ص ل الح عبد ال صبور واالإبداع امل سرحي ال شعري يف ذكرى ميالده الثمانن«قال فيها: مرت علين ا الذك رى الثمانن ملي ل الد ال شاعر ص ل الح عب د ال صب ور ال ذي ول د يف 3 مايو 1931 وال ذي كان ل ه تاأثري كب ي ري فى جمال التاأليف يف امل سرح ال شعري. ال ذي مل يعرف ه الع رب قدمي ا اإال م ا كان م ن اأبي الع ل الء املع ري يف ر سال ة الغفران الت ي اعتربته ا د. عائ شة عب د الرحمن ن صا م سرحي ا يع ود اإىل القرن الراب ع الهجري. رغم احت كاك العرب قدميا بالثقافة اليونانية وترجمة كتاب فن ال شعر أالر سطو. ومل يظهر الفن امل سرحي إاال يف القرن التا سع ع ش ر فقد ح اول بع ض ال شع راء العرب اأن يقدم وا للم س رح اأعم اال شعرية م ن ذلك ما ق ام به ال شي خ خليل اليازج ي يف م سرحية )امل روءة والوف اء( اإال اأنها كان ت حماوالت ناق ص ة وبقي االأم ر كذل ك اإىل اأن جاء احمد شوقي الذي كان ت له صلته باالأدب الفرن سي وطي دة فتاأثر بامل سرح التقلي دي الكال سيكي يف ا ستم داد املو ضوعات من التاريخ القدمي واختي ار االأبط ال من علية الق وم وتوظيف اللغة الراقية فكتب م سرحيات )جمنون ليلى, عن ت رتة, م ص رع كليوباترة, قمبي ز, علي بك الكب ي ري ال ست هدى( وهي خم س م سرحيات درامي ة وملهاة واح دة. وقد ا ستق ى مادتها م ن التاريخ الفرع وين والعرب ي واملجتمع امل ص ري يف ع صره. وكتب بعده عزيز اأباظة )غ روب ال شم س, شهري ار, العبا سة اأخت الر شيد(. ويرى النقاد اأن م سرحيات عزيز اأباظة اأقوى م ن الناحية الفنية من م سرحيات شوقي. ثم حقق ت امل سرحي ة ال شعرية درج ة عالية من الن ضوج على يد ال شاعر صالح عبدال صبور مل ا امتلك ه ال شاعر من ر ؤوي ة جمالية خا صة نهل ت من امل سرح العامل ي يف وعي وب صرية م ع ثقاف ة ث رة ومعرف ة وا سع ة بالتاري خ االإ سالمي العربي اأتاحت له ا ستيحاء مواقف الدرام ا الثوري ة. كل ذل ك احت د مبوهب ة شعرية ف ذة اأنتج ت أاعماال م سرحي ة اأجمع النقاد عل ى روعتها واعتباره ا عالمة بارزة ومبدع ة يف تاري خ امل سرحي ة ال شعرية بل امل سرحي ة العربية مبختل ف م صادرها. وقد و صل ت اأعمال ه امل سرحي ة من مث ل )ماأ ساة احلالج 1964, االأمرية تنتظر 1969 بعد ان ميوت املل ك 1975 م سافر ليل 1968 وليلى واملجن ون( اإىل مرحل ة امل سرحي ة ال شعرية الدرامي ة الت ي يختلط فيها ال شع ر بالدراما وتندمج فيها غنائي ة ال شعر و صوره بالبنية الدرامي ة لل شخ صيات واملواق ف مبا يخرج بناء م سرحيا من سجما. ع ال ج فيها م شكالت فل سفية واجتماعية وق د وظ ف صالح عبد ال صبور ه ذا النمط ال شعري اجل دي د يف امل سرح ف اأع اد ال روح وب ق وة يف امل س رح ال ش ع ر, وت رك عبد ال صبور اآث ارا م سرحية اأث رت يف اأج ي ال متعددة من ال شعراء وامل سرحين يف م صر والبلدان العربية خا صة ما ي سمى بجيل ال سبعينيات وجيل الثمانينيات يف م صر ال وط ن العربي وق د ح ازت اأع م ال ه وامل سرحية قدرا كبريا من اهتمام الباحثن وال دار س ي ن ومل ت خ ل أاي درا س ة نقدية تتناولت امل سرح ال شعري من دون االإ شارة إاىل م س رح ي ات ه وق د حملت م سرحياته ال ش ع ري ة س م ات احل زن وال س اأم واالأمل وقراءة الذكرى وا ستلهام املوروث ال صويف وا ستخدام بع ض ال شخ صيات التاريخية ومن اأبرز اأعماله يف ذلك: ماأ ساة احلالج و ليلى واملجنون. 11 وكان التعبري الفني يف م سرحياته عن حادثة من ح وادث احلياة الب شري ة باإحياء م شهده وما يج ري فيه من عم ل. وهكذاجند امل شهد امل سرحي م شهد ناط ق متحرك وهو على حد قول أار سطو حماكاة ا أالفعال النبيلة واملوؤلف يف م سرحيات ه يتوارى ع ن االأنظار ويظهر االأ شخا ص باأفعالهم و أاخالقه م. يعتمد على احلوار ال شع ري م سرحياتة وعل ى عنا صر اأ سا سي ة هي:التمهي د اأو املقدم ة والعق دة واحلل. يف التمهي د يعر ض ال شاع ر ال شخ صي ات واملو ض وع والزمان وامل كان وي شرتط فيها اأن تكون موج زة جمملة تلمح اإىل املو ضوع تلميح ا من غري تف صي ل وال ك شف للمجهول ويتم ذلك عن طري ق احلوار.اأما العقدة فهي العن ص ر االأ سا س ي يف بن اء احلبك ة الفنية وهي تنطوي على ا شتباك الوقائع واالأحداث وامل صال ح واملن ازع واملفاج اآت والتحوالت مما يبعث ال شك يف صدور امل شاهدين والقلق والتطلع اإىل احلل. احل ل وهو خامت ة املط اف والنتيج ة التي ت ص ل اإليها اأحداث امل سرحي ة فتنحل العقدة ويت ضح م صري البارزين من اأبطال امل سرحية ويك ون مفجع ا ومتفقا م ع فل سف ة ال شاعر وافكاره مراعيا م شاعر اجلمهور مر ضيا لكل توقعات النف س الب شرية, وحاز على العديد من اجلوائز ومنها )جائزة الدولة الت شجيعية ع ن م سرحيته ال شعرية )ماأ ساة احلالج( عام 1966 وقد بلغ امل سرح ال شعري درجة عالية م ن الن ض ج واالأبداع الفني عن د صالح عبد ال صبور.. عن احلوار املتمدن رئي س جمل س الإدارة رئي س التحرير رئي س التحرير التنفيذي ------------------------ علي ح سني لخراج الفني ---------------- خالد خ ضري التدقيق اللغوي ---------------- حممد حنون طبعت مبطابع م ؤ س سة املدى لالعالم والثقافة والفنون
صالح عبد الصبور واألبداع المسرحي الشعري محسن النصار مل يظهر الفن امل سرح ي اإال يف القرن التا سع ع ش ر فقد ح اول بع ض ال شعراء الع رب أان يقدم وا للم س رح أاعم اال شعرية م ن ذلك ما قام ب ه ال شيخ خلي ل اليازج ي يف م سرحية )امل روءة والوف اء( إاال أانها كان ت حماوالت ناق ص ة وبقي ا أالم ر كذل ك اإىل أان جاء احمد شوقي الذي كان ت له صلته باالأدب الفرن سي وطي دة فتاأثر بامل سرح التقلي دي الكال سيكي يف ا ستم داد املو ضوعات من التاريخ القدمي واختي ار ا أالبط ال من علية الق وم وتوظيف اللغة الراقية فكتب م سرحيات )جمنون ليلى, عنرتة, م صرع كليوباترة, قمبيز, علي بك الكب ي ري, ال ست هدى(وهي خم س م سرحيات درامي ة وملهاة واح دة. وقد ا ستق ى مادتها م ن التاريخ الفرع وين والعرب ي واملجتمع امل ص ري يف ع صره. وكتب بعده عزيز أاباظة )غ روب ال شم س, شهري ار, العبا سة اأخت الر شيد(. ويرى النقاد أان م سرحيات عزيز اأباظة اأقوى من الناحي ة الفنية من م سرحيات شوقي. ثم حقق ت امل سرحي ة ال شعرية درج ة عالية من الن ضوج على يد ال شاعر صالح عبدال صبور مل ا امتلك ه ال شاعر من ر ؤوي ة جمالية خا صة نهلت م ن امل سرح العامل ي يف وعي وب صرية م ع ثقاف ة ث رة ومعرف ة وا سع ة بالتاري خ االإ سالمي العربي اأتاحت له ا ستيحاء مواقف الدراما الثورية. كل ذلك احتد مبوهبة شعرية فذة اأنتجت اأعماال م سرحية اأجمع النقاد على روعته ا واعتباره ا عالم ة ب ارزة ومبدع ة يف تاري خ امل سرحي ة ال شعرية بل امل سرحي ة العربية مبختل ف م صادرها. وقد و صل ت اأعمال ه امل سرحي ة من مث ل )ماأ ساة احلالج 1964, االأمرية تنتظر 1969 بعد ان ميوت امللك 1975 م ساف ر ليل 1968 وليلى واملجن ون,( اإىل مرحل ة امل سرحية ال شعرية الدرامي ة التي يختل ط فيها ال شع ر بالدراما وتندمج فيها غنائي ة ال شعر و صوره بالبنية الدرامي ة لل شخ صيات واملواق ف مبا يخرج بناء م سرحيا من سجما. عال ج فيه ا م ش كالت فل سفي ة واجتماعي ة وقد وظ ف صالح عب د ال صبور ه ذا النمط ال شع ري اجلدي د يف امل س رح فاأع اد الروح وبقوة يف امل سرح ال شعر, وترك عبد ال صبور اآث ارا م سرحي ة اأثرت يف اأجي ال متعددة من ال شع راء وامل سرحي ي ن يف م ص ر والبل دان العربية خا صة ما ي سمى بجيل ال سبعينيات وجي ل الثمانينيات يف م صر الوطن العربي وق د حازت أاعماله وامل سرحية قدرا كبريا من اهتم ام الباحث ي ن والدار س ي ن ومل تخل اأي درا سة نقدي ة تتناولت امل س رح ال شعري من دون االإ ش ارة اإىل م سرحيات ه وق د حمل ت م سرحيات ه ال شعرية سمات احل زن وال ساأم واالأمل وق راءة الذك رى وا ستله ام املوروث ال ص ويف وا ستخ دام بع ض ال شخ صي ات التاريخي ة وم ن اأب رز اأعماله يف ذل ك: " " ماأ ساة احلالج" و" ليلى واملجنون". وكان التعبري الفني يف م سرحياته عن حادثة من حوادث احلي اة الب شرية ب إاحي اء م شه ده وم ا يج ري فيه م ن عمل. وهكذاجن د امل شه د امل سرح ي م شه د ناطق متح رك وهو عل ى حد ق ول اأر سطو حماكاة ا أالفع ال النبيل ة واملوؤل ف يف م سرحيات ه يت وارى ع ن االأنظ ار ويظه ر االأ شخا ص ب أافعاله م واأخالقه م. يعتم د عل ى احل وار ال شع ري م سرحياتة وعل ى عنا صر اأ سا سية هي:التمهيد اأو املقدمة والعقدة واحلل. يف التمهي د يعر ض ال شاع ر ال شخ صي ات واملو ض وع والزمان وامل كان وي شرتط فيها أان تكون موج زة جمملة تلمح اإىل املو ضوع تلميح ا من غري تف صي ل وال ك شف للمجهول ويت م ذلك عن طري ق احلوار.اأما العقدة فهي العن ص ر ا أال سا س ي يف بن اء احلبك ة الفنية وهي تنطوي على ا شتباك الوقائع وا أالحداث وامل صال ح واملن ازع واملفاج آات والتحوالت مما يبعث ال شك يف صدور امل شاهدين والقلق والتطلع اإىل احلل. احل ل وهو خامت ة املط اف والنتيج ة التي ت ص ل إاليها اأحداث امل سرحي ة فتنحل العقدة ويت ضح م صري البارزين من أابطال امل سرحية ويك ون مفجع ا ومتفق ا م ع فل سف ة ال شاعر وافكاره مراعيا م شاعر اجلمهور مر ضيا لكل توقعات النف س الب شرية, وحاز على العديد من اجلوائز ومنها )جائزة الدولة الت شجيعية ع ن م سرحيته ال شعرية )ماأ ساة احلالج( عام 1966 وق د بلغ امل سرح ال شعري درجة عالية م ن الن ض ج واالأبداع الفني عن د صالح عبد ال صبور.