الغزو الثقافي عبر وكالات الانباء 2016-07-20 د. سهام الشجيري هل ثمة اختراقات واسعة للا طر الثقافية والحضارية التي كانت حتى الا مس القريب من خصوصيات الا مم والشعوب فقد لاحظنا تمسكا بالخصوصية في مؤتمرات عالمية مهمة معنية بالثقافة وحقوق الا نسان في مرحلة التسعينيات من القرن العشرين وليس سهلا تصور ردود ا فعال المتضررين من هذه الثورة العالمية الجديدة. وفي ضوء هذه الثورة يجب الاعتراف بالفرق الشاسع بين البلدان الصناعية الكبرى والدول النامية ومنها الوطن العربي ا ن ا جمالي الناتج الوطني في هذه البلدان الصناعية مستند ا لى حقاي ق العلم بينما لا تمثل المواد الخام ا كثر من ) 15%) من هذا الناتج في المقابل نلاحظ ارتكاز الاقتصاد العربي على تصدير المواد الخام بعيدا من المهارات النوعية والتطوير التقني( 1 ). ا ن الاستعمار الثقافي ينمو في النظام الا علامي فنحن نرى شروط النتاج الثقافي وشخصيته يتقرران في مركز سوق عالمية واحدة تفرض نتاجها على العالم وحيث يكون هناك خطر في قبول مبدا حرية انسياب المعلومات في عالم لا تتساوى فيه الا مكانيات التقنية والمادية وبالتالي في عالم تكون فيه الدول الصغيرة والفقيرة معتمدة بصورة كبيرة على الدول الكبيرة في تقنية انسياب معلوماتها( 2 ). ا ن السيطرة الا علامية الهاي لة للا نتاج الا مريكي وظهور مخاوف ا وروبية من انفراده المطلق على السوق الا علامية الا وروبية بل والعالمية (كما ظهر في مفاوضات الغات عام 1997 بشا ن التعريفة على مواد الاتصال) تعرض البنى الحضارية والقيمية لمجتمعات الجنوب والمجتمع العربي على وجه الخصوص لهزات عنيفة وتجعل في ات شعبية واسعة مسحورة بالقيم الوافدة. وقد ا ضاف احتكار عدد محدد من الشركات متعددة الجنسيات لا نتاج تقنيات الاتصال وتسويقها والا علام تا ثيرا سلبيا ا خر في المضمون الثقافي والترفيهي والقيم الجمالية والمعايير الا خلاقية التي تحلها هذه التقنيات( 2 ). صفحة 6 / 1
التحديات التي ترافق الغزو الثقافي ا ن التحدي الذي تواجهه دول الجنوب ومنها بلدان الوطن العربي يتمثل بالغزو الفكري والاختراق الحاد للمعلومات مما جعلها تفقد الكثير من استقلالها لتصبح تحت هيمنة الثقافة الا جنبية.. فضلا عن حاجتها ا لى ا يصال صوتها ا لى العالم الخارجي لتا كيد هيبتها ونشر ا فكارها لتكون بها وساي لها الا علامية القوية القادرة على حماية ا منها الوطني وحصانة شعوبها من التيارات الفكرية الا جنبية وتعد مجابهة الخلل الناجم عن تخلف وساي ل الا علام ومحدودية قنوات الاتصال وعدم كفايتها وضعف قدرتها على مخاطبة ا نسانها على نحو ناجح من ا كبر التحديات التي واجهتها البلدان العربية مما ا دى في الكثير من الا حيان ا لى عرقلة جهودها في بناء الا نسان الجديد وفي بناء تنميتها وتحقيق التطور النوعي في ميادين الحياة المختلفة والملاحظ على نحو عام هناك تفاوتا بين البلدان العربية من حيث منظومة وساي ل الاتصال وتقاليدها وتطورها الفكري والتقني وحجم دورها في الحياة وتا ثيرها وربما يعود ذلك ا لى ا سباب تتعلق بطبيعة النظام السياسي وتركيبة المجتمع وقدرته على التفاعل والتغيير فضلا عن العوامل المادية( 3 ). ا ذ ا ن معظم الدول العربية شهدت في العقدين الا خيرين من القرن العشرين قفزة واضحة في مجال العمل الا علامي بالرغم من بعض الصعوبات والمشكلات فالفضاي يات العربية بدا ت تا خذ مكانها الطبيعي في خارطة النظام الا علامي العالمي والشيء نفسه ينطبق على الصحافة العربية التي شهدت تطورا كبيرا من حيث التحرير واستعمال التقنيات المتقدمة في الطباعة والتوزيع وا براق النسخ عبر الا قمار الصناعية وظهور الصحافة الا لكترونية عبر ا لة الحاسوب وعلى شبكة الانترنت( 4 ). مما سهل عملية التواصل مع الا خر والاطلاع على تجاربه وثقافته وتلقي المعلومات المتنوعة منه.. ا ذ ا ن الحرب الباردة هي ا خطر وا لعن من الحرب الساخنة لا ن الا خيرة تعبي الجماهير بينما الا ولى تشل الا رادات حيث تتسلل بمكر وتدريجيا وتدق بمطرقتها با لحاح واستمرار على الا ذهان والعقول والا ذواق فتسممها ليصبح المرء عبد قيم وا خلاقيات مستوردة غريبة ا زاء ذلك ا صبح استسلام الا وروبيين ا مام طريقة الحياة الا مريكية يتجلى في كل مكان: في ا سلوب الاستهلاك والملبس ووساي ل اللهو وحتى في الجامعة (5). صفحة 6 / 2
ويتا ثر نقل الا خبار بعقلية ناقليها وبالا داة الناقلة واستمرار النقل هو وظيفة الوكالة (6) كما ا ن ا برز نتاي ج النظام العالمي الثقافي الراهن تدمير الثقافات الوطنية لشعوب البلدان النامية ومنها ثقافة الشعب العربي وفي ضوء ذلك نجد ا ن الا علام العربي لن يتمكن من القيام بعبء المواجهة ما لم يحقق استقلاله الثقافي التاريخي الكامل مقابل الا خر( 7 ). وثمة الكثير من بلدان عدم الانحياز عدت نفسها ضحايا " الا مبريالية الثقافية "(8) لا ن الواقع ا ثبت با ن البلدان الصناعية تسيطر على وساي ل الا علام العالمية بفضل التكنولوجيا والمال والتخصص المهني وهي عن هذا الطريق تفرض قيمها الثقافية( 9 ). والغزو الثقافي لا يعود ا لى ا سباب التفوق التقني وا نما لا ن هذه الهيمنة هي نتاج سلطان جهاز اقتصادي وقوة نظام ايديولوجي واستراتيجي (10). لقد حل الاختراق محل الاستتباع فتحولت التبعية الثقافية ا لى عملية تكريس لثقافة الاختراق( 11 ). وبرغم ا سهام وكالات الا نباء في النصف الثاني من القرن التاسع عشر باختراق الا علام حدود الدولة فا نه لم يصبح عالميا ا لا في المرحلة الرابعة التي كانت بدايتها الا ولى اكتشاف الاتصالات اللاسلكية ) 1896 م) ثم ظهور الا ذاعات ) 1920) والتلفاز (1940) (12). ا ن وساي ل الاتصال الرقمية والا قمار الصناعية وا جهزة الفاكس وشبكات الحاسوب جعلت ترخيص الدولة لوساي ل المعلومات وسيطرتها على هذه الوساي ل ا مرا مستحيلا بل تعدته ا لى ا حباط كل المحاولات للحفاظ على التجانس الثقافي بقوة الدولة( 13 ) كما ا ن هذه الوساي ل لم تصبح وساي ل للتبادل الثقافي وا نما ا صبحت ا دوات قوية من ا دوات خلق النفوذ الثقافي( 14 ). وهذا النفوذ ظل محصورا في جانب واحد فالدول الغربية بصورة عامة والولايات المتحدة بصورة خاصة تسعيان ا لى ا حكام السيطرة على البلدان النامية عن طريق السيطرة على عقول ا فرادها وا فكارهم بالاختراق الثقافي وتكريس القيم البالية التي تنافي قيم تلك الشعوب( 15 ). وبالتالي توجيه رساي لها وا فكارها بالشكل والا سلوب الذي تريده هي ويشير تقرير لجنة اليونسكو صفحة 6 / 3
الدولية لدراسة مشاكل الاتصال ا لى ا ن دولا معينة ومتقدمة تقنيا تستغل مزاياها لممارسة نوع من ا نواع السيطرة الثقافية والا يديولوجية تعرض الذاتية القومية لبلاد ا خرى للخطر( 16 ). لا نها تبث رساي ل مختلفة الا غراض ومتعددة الا ساليب والوساي ل التي تسهم في صناعة رؤية خاصة لا تعنى بخصوصية البلدان التي تتقدم ا ليها فا قمار الاتصال الصناعية ا صبحت تغطي جميع ا جواء الدول النامية( 17 ). ناقلة معلومات وا خبارا وحوادث وثقافات ومحققة مصالحها المرسومة بسهولة. في هذا الا طار يستعمل غوبار مؤلف كتاب (الحرب الثقافية) تعبير " المطرقة الثقافية الا مريكية " التي ما فتي ت تضرب وتدق منذ عام 1945 حتى تحقق ما يراه استسلاما ثقافيا فرنسيا وا وروبيا في كل ميدان ثم يضيف : وبا سم ) الجديد,, الجديد داي ما ( تستورد ا خر التقليعات الثقافية الا مريكية( 18 ). ولن يكون باستطاعة البلدان النامية مواجهة ذلك الاقتحام الا علامي بالا ساليب التقليدية كالمنع ا و التشويش. كما ا ن وكالات الا نباء الدولية تمارس عدوانا ثقافيا ضد البلدان النامية( 19 ). ا ذ ا ن الغزو الثقافي يرمي ا لى تسطيح الوعي بالسيطرة على الاختراق وتكريس نمط في الاستهلاك يخرب الادخار ويعوق التنمية في البلدان المسماة بالنامية( 20 ). فلم تعد وساي ل الا علام مجرد مؤسسات لجمع الا خبار وا يصالها ا لى القاري والمستمع بل تجاوزت هذه المرحلة التقليدية واتضح ا حيانا ا نها مشاركة في صنع الا حداث( 21 ). ا ن وكالات الا نباء الدولية كانت را س الحربة في الصراعات الفكرية الحادة بين الدول( 22 ). وهناك دول وقفت ا مام التحديات تدفع عنها خطر التدفق الا علامي غير المتوازن لتحول دون تا ثر ا جيالها بمضمون ما تشيعه وساي ل خارجية من عادات سيي ة لدى الناشي ة ومنها موقف الحكومة الكندية التي ا علنت على لسان وزير التربية لديها من ا نها ضد غزو بعض البرامج والمسلسلات التلفازية والسينماي ية الا تية عبر الحدود من الولايات المتحدة ) مخدرات.. جراي م ( المخالفة لثقافتها الوطنية وموقف فرنسا الصلب ا مام بعض ما ورد في ا تفاق ) الغات) من بنود تتعلق بتسهيل ا دخال بعض البرامج المتعلقة بالتقنيات السمعية البصرية ) ا غان ا فلام ( التي تروجها الولايات المتحدة صفحة 6 / 4
في السوق الفرنسية( 23 ). -------------------------- المصادر: ) ( د. بيداء محمود ا حمد م. س. ذ ص. 66 ( ) Herbert. Schiller, Communication and Cultural Domintion ( New York : international Arts and Science Press, 1976), pp. 3 5. ) ( محمد خضير الا علام العربي والتحديات التقنية م. س. ذ ص. 44 ) ( للمزيد تقرير التنمية البشرية لعام 2004 التابع للا مم المتحدة ص 15. 18 ) ( للمزيد انظر تقرير التنمية البشرية لعام 2004 التابع للا مم المتحدة ص 15 18. ) ( د. عزيز الحاج الغزو الثقافي ومقاومته ) بيروت المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1983) ص. 20 ) ( حسن صعب ا عجاز التواصل الحضاري م. س. ذ ص 171. ) ( مي العبد االله سنو العرب في مواجهة تطور تكنولوجيا الا علام والاتصال ) بيروت مجلة المستقبل العربي العدد (4/1998 230 ص.32 ) ( مجموعة باحثين العولمة الطوفان ا م الا نقاذ م. س. ذ ص. 496 ) ( هيرفيه بورج ا ساءة استعمال الا علام م. س. ذ ص. 54 ) ( عزيز الحاج الغزو الثقافي ومقاومته م. س. ذ ص 22 28. ) ( محمد عابد الجابري المسا لة الثقافية سلسلة الثقافة القومية 25 قضايا الفكر العربي ) بيروت مركز دراسات الوحدة العربية 1994) ص 171. ) ( فارس ا شتي الا علام العالمي مؤسساته طريقة عمله وقضاياه ) بيروت دار ا مواج للطباعة والنشر والتوزيع ط 1 1996) صفحات متفرقة. ) ( عبد الرزاق الدليمي الا علام والعولمة م. س. ذ ص 21. ) ( غوران هدبرو الاتصال م. س. ذ ص 78. ) ( عبد الرزاق الدليمي ا شكاليات الا علام والاتصال م. س. ذ ص 48. ) ( ماكبرايد ا صوات متعددة م. س.ذ ص. 97 ( ) Chalkley, Alan : Redio and Television in Asia Heinemann. London, 1987. صفحة 6 / 5
Powered by TCPDF (www.tcpdf.org) pp. 93-94. ) ( الدكتور عزيز الحاج الغزو الثقافي ومقاومته م. س. ذ ص 22. ) ( هيرفيه بورج ا نهاء السيطرة الاستعمارية على الا علام م. س. ذ صفحات متفرقة. ) ( محمد عابد الجابري المسا لة الثقافية م. س. ذ ص. 193 ) ( محمد بن عبد الرحمن الخصيف كيف تؤثر وساي ل الا علام دراسة في النظريات والا ساليب ) الرياض مكتبة العبيكان 1994 ( ص. 66 ( ) Leonard R. Sussman, Mass News Media and The Third World Chllenge : Dante B,Fascell, 1979, Op.Cit. p. 105. ) ( العرب والا علام الفضاي ي م. س. ذ ص 53. صفحة 6 / 6