عبد امللك بن حبيب يف ميزان احملدثني مصطفى بوهبوه: باحث دكتوراه مناهج العلوم في الحضارة اإلسالمية وتجديد التراث المغرب لقد حفلت كتب القدماء ابحلديث عن عبد امللك بن حبيب كما حفلت كتبهم أبخباره ومناقبه وما قيل فيه من مدح وقدح وإن كانت هناك جوانب غامضة يف حياته وأخباره مل تنقل إلينا وهذا ال يعين أن كتب الباحثني املعاصرين خالية من احلديث عن حياة ابن حبيب )يعين عبد امللك( بل قد أولوا ترمجته عناية واهتماما وهذا إن د ل على شيء فإمنا يدل على مكانة عبد امللك بن حبيب العلمية. وقد متيز عبد امللك بن حبيب مبيزتني مل توجدا يف غريه يف قته ابألندلس: امليزة األوىل: أنه رجل موسوعي مبا حتمل هذه الكلمة من معىن هو فقيه مؤرخ طبيب. مفسر حمدث أديب لغوي حنوي وامليزة الثانية: غزارة إنتاجه يف وقت مبكر جدا ابلنسبة إىل أهل األندلس حىت قيل أنكتبه زادت على األلف. لكن اهتمام العلماء ركز على جانبني الفقهي واحلديثي وقد خصصت هذه املقالة للحديث عن عبد امللك بن حبيب عند رجال احلديث من حيث جترحيه وتعديله قصد معرفة مكانة الرجل يف احلديث وأقوال العلماء املناسبة فيه. موجز سرية عبد امللك بن حبيب: 1 امسه ونسبه وكنيته: هو عبد امللك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جلهمة 1 بن عباس بن مرداس السلمي العباسي املرداسي القرطيب اإللبريي األندلسي. وقد أمجع على كنيته هذه كل من ترجم له ونقل قال ابن الفرضي يف كتابه علماء األندلس "يكىن أاب مروان" 2 عن اخلط احلكم املستنصر ابهلل أنه " عبد امللك ابن حبيب بن ربيع بن سليمان" زيد يف أابئه ربيع القاضي عياض 3 1 في بعض المصادر ابن جاهمة مثل تاريخ علماء االندلس البن الفرضي وفي الديباج بن جناهمة. 2 تاريخ علماء األندلس البن الفرضي ص 221 دار الكتب بيروت لبنان ط 1 سنة 1997 م. 3 ترتيب المدارك للقاضي عياض ج/ 4 طبعة المغرب ص 122. 1
نسبة إىل " بين سليم" وهي بلدة شهرية ابحلجاز ويقال أنه "عبد امللك ابن حبيب بن سليمان بن حبيب السلمي" 4 وهو من أنفسهم. وقال ابن الفرضي : 5 " قيل أنه من موايل أنفسهم" والراجح يف ذلك أنه من أنفسهم ورجحان ذلك أن عبارة ابن الفرضي رمحه هللا فيها نوع من الشك والريب واألحكام ال تبىن على الشكوك بل تبىن على األمر املتيقن كما قال الفقهاء رمحهم هللا رمحة واسعة. 2 نشأته وطلبه للعلم: نشأ عبد امللك ابن حبيب يف القرية اليت ولد فيها وهي "إلبرية" ومل تعرف ابلتحديد سنة والدته وقد ذكر اإلمام الذهيب رمحه هللا أنه "ولد بعد السبعني ومائة". 6 كان أبوه يعرف حببيب العصار يعصر األدهان ويستخرجها ويقوت عياله منها وملا قوي ساعده مسع ابألندلس من وزايد بن عبد الرمحن واللخمي املعروف بشبطون تويف 204 ه وغريهم من والغازي بن قيس 8 صعصعة بن سالم 7 علماء املغرب واملشرق الذين كانوا مستقرين بدار اإلمارة. وال شك أن هذه املدة اليت قضاها ابن حبيب يف األندلس قد استكمل فيها أهم مبادئ العلوم من أمهها حفظ كتاب هللا عز وجل والتفقه يف معانيه وكذلك معرفة معامل السنة النبوية مث شرع يف تعلم سائر العلوم من فقه وعربية واتريخ. مث ارحتل ابن حبيب إىل املشرق سنة 2008 ه وهو ابن ثالث وثالثني سنة وذلك بغية التزود ابلعلم ومساع احلديث من كبار حمدثي أهل املشرق فسمع مبصر واحلجاز من مجاعة منهم: عبد امللك بن املاجشون ومطرف بن عبد هللا وإبراهيم بن املنذر اجلذامي وأصبح بن الفرج وأسد بن موسى وسواهم كثري وأقام يف رحلته" ثالثة أعوام وشهور" 9 ورجع إىل األندلس سنة 210 ه وقد ازداد علما ورواية إىل ما حصله ابألندلس قبل رحيله. ألنه مل يغادر األندلس إال 4 قاله علي بن معاذ بن الحسن. نقله عنه القاضي عياض في المدارك ج 4 ص 122. 5 قاله علي بن معاذ بن علي بن الحسن.نقله عنه القاضي عياض في المدارك ج 4 ص 122. 6 تذكرة الحفاظ لإلمام الذهبي ج 1 ص 537. 7 صعصعة بن سالم أبو عبد هللا السامي أوزعي المذهب روى عن االوزعي وكان مفتيا باالندلس توفي سنة 192 ه. 8 هو أبوه محمد القرطبي سمع الموطا من مالك وقرأ القرآن على نافع بن النعيم قارئ المدينة. 9 اإلحاطة في أخبار غرناطة البن الخطيب ج/ 3 ط 1 ص 551. 2
وهو يف صف العلماء حيث ذكر أنه ملا رحل قال فقيه األندلس عيسى بن دينار: "إنه ألفقه ممن يريد أن أيخذ عنه العلم". 10 3 رحالته: إن الرحلة يف طلب العلم أو يف طلب احلديث صفة غالبة يف كثري من أهل احلديث يف املشرق واملغرب لكن كثرة العلماء ووفرة مراكز احلضارات يف بالد املشرق جعلت األندلسيني واملغاربة أكثر الناس حاجة إليها وهلذا كانت رحلة ابن حبيب إىل املشرق سنة 208 ه. ابتفاق أكثر من ترجم له من العلماء واملؤرخني" وهو ابن ثالثة وثالثني سنة". 11 فأخذ عن مجلة من العلماء وكانت رحلته مرورا مبصر وعودة إليها وهي موطن العلم والعلماء ولبث ابن حبيب يف يقرأ ويكتب ويسمع وحيفظ وجيالس العلماء وحيضر حلقات العلم يف مكة بالد املشرق"ثالثة سنوات وشهورا" 12 واملدينة ومصر فحصل يف هذه املدة من العلم ما أهله للتصدير والزعامة واإلمامة. 4 شيوخه: أخذ عبد امللك ابن حبيب عن أكابر أصحاب مالك بن أنس وقيل" أنه لقي مالكا رمحه هللا تعاىل آخر عمره وروى عنه عن سعيد ابن املسيب أن سليمان بن داود صلى هللا عليهما وسلم. كان يركب إىل بيت املقدس فيتغذى به مث يعود فيتعشى إبصطخر". 13 وهذا ما ال يتفق عليه اثنان ألن اإلمام مالك تويف سنة 179 ه وكانت رحلة ابن حبيب سنة 208 ه فيقرب ثالثني سنة بني رحلة ابن حبيب إىل املشرق وبني وفاة اإلمام مالك نقل إبراهيم ابن الصديق عن احلافظ السخاوي من كتابه" اإلعالم ابلتوضيح" ومن الغريب ذكر اخلطيب عبد امللك بن حبيب يف الرواية عن مالك مع كونه مل يرحل إال بعد موته بنحو ثالثني سنة" 14 وهذا راجع إىل سهو بعض العلماء دون أن ينتبهوا إىل ذلك. ومنهم احلميدي يف كتابه جذوة املقتبس الذي كان ببغداد بعيدا عن األندلس فسها عن هذا وتبع اخلطيب البغدادي يف ذلك دون أن ينتبه ومن أشهر شيوخ ابن حبيب الذين روى عنهم ابألندلس: صعصعة بن سالم: 10 ترتيب المدارك ج/ 4 مصدر سابق ص 125. 11 اإلحاطة في أخبار غرناطة مصدر سابق نفس الصفحة. 12 نفس المصدر والصفحة. 13 نفح الطيب التلمساني ج /2 دار صاد بيروت 1468 م ص 6 7. 14 مقاالت ومحاضرات إلبراهيم بان الصديق ص 173. 3
وهو أبو عبد هللا الشامي تويف سنة 192 ه وهو يعترب من أقدم شيوخ ابن حبيب ابألندلس أوزاعي املذهب الغازي بن قيس: وهو أبو حممد القرطيب مسع املوطأ من مالك وقرأ القرآن عن انفع بن أيب النعيم قارئ املدينة. اإلمام اللخمي: وهو عبد الرمحن بن زايد اللخمي تويف 204 ه املعروف ب "شطبون" وهو من تالميذ اإلمام مالك وقيل هو أول من أدخل مذهب مالك إىل بالد األندلس. أما من أشهر شيوخه خارج األندلس فمنهم: ابن املاجشون: وهو عبد امللك بن عبد العزيز بن عبد هللا بن أيب سلمة املاجشون التيمي الوالء أصله من فارس واملاجشون لقب جده أيب سلمة ومعىن املاجشون: املورد أي ما خالط محرته بياض لقب بذلك حلمرة يف وجهه. مطرف بن عبد هللا: تويف سنة 220 ه وهو من أشهر شيوخ ابن حبيب أصبح ابن الفرج: وهو ابن الفرج بن انفع موىل عبد العزيز بن مروان من أهل الفسطط. من كبار املالكية مبصر صحب ابن القاسم وابن وهب وقدمه بعضهم عن ابن القاسم تويف سنة 225 ه. ابن عبد احلكم: هو عبد هللا بن احلكم فقيه مصري من أجل أصحاب مالك أفضت إليه الرائسة مبصر بعد أشهب وكان صديقا للشافعي تويف سنة 214 ه. 4
من شيوخه. وعبد هللا ابن انفع الزبريي ذكره القاضي عياض وغريه 15 وعبد هللا ابن املبارك اخلزميكذا يف ترتيب املدارك وأسد بن موسى ابن أصبغ بن الفرج. وابن إيب أويس. من شوخه. وعبدر الرمحن بن رافع الزبيدي ذكره ابن فرحون 16 تالميذته: إن إلبن حبيب رمحه هللا مجع كبري من التالميذ يعسر إحصائهم. فكيف وهو الذي قيل فيهلو رأيت ما كان على ابب ابن حبيب يعين من تالميذ الزدريت غريه وقال بعضهم رأيته يعين عبد امللك "خيرج من اجلامع وخلفه حنو ثالمثائة طالب حديث وفرائض وفقه وإعراب" 17 فمن عيون احلفاظ األندلس وعلمائها الذين رووا عنه ابناه حممد وعبيد هللا. وبقي خملد بن يزيد القرطيب تويف سنة 265 ه. وحممد بن وضاح. وسعيد بن منري. وأمحد بن راشد. وإبراهيم بن خالد. وإبراهيم بن شعب تويف سنة 205 ه. وحممد فلسطني. واملغامي وهو من علماء قرطبة وكان أخرهم موات. مؤلفاته: 15 ترتيب المدارك مصدر سابق ص 123. 16 الديباج المذهب البن فرحون ج/ 2 دار التراث القاهرة ص 8. 17 نفس المصدر ص 9. 5
اتصفت مؤلفات ابن حبيب رمحه هللا ابجلودة والغزارة واحلسن وميكن القول أنه أول أندلسي اجته إىل الكتابة والتأليف على حنو ما كان معروفا ابملشرق 18 ورمبا تفوق على املشارقة يف هذا اجملال فقد قال بعضهم" قلت لعبد ويشبهه العلماء يف غزارة التأليف املبكر " امللك كم كتبك اليت ألفت قال: ألف كتاب وألف ومخسون كتااب" 19 بعصريه أيب بكر أيب الدنيا من املشارقة". 20 وقد أثىن العلماء على كتب ابن حبيب وانلت استحساهنم و إعجاهبم فقال عبد األعلى ابن معلى " هل رأيت كتب حتبب عبادة هللا تعاىل إىل خلقه وتعرفهم به ككتب عبد امللك يريد كتبه يف الرغائب والرهائب". 21 وقال العتيب وذكر الواضحة : "رحم هللا عبد امللك ما أعلم أحد ألف أنفع منكتبه وال أحسن اختياره". 22 على مذهب أهل املدينة أتليف وال لطالب ومن "بغية الوعاة" و "اإلعالم" للزركلي " والديباج املذهب" البن فرحون "وترتيب املدارك" للقاضي عياض و" اإلحاطة يف أخبار غرانطة" أليب اخلطيب خنرج هبذه احلصيلة من املصنفات له: " حروب اإلسالم" و " طبقات الفقهاء والتابعني" " وصفات احملدثني" و"تفسري املوطأ" و " الواضحة يف السنن والفقه" قال ابن فرحون: "مل يؤلف مثلها" 23 و" اجلامع" و كتاب " فضائل الصحابة" وكتاب "غريب احلديث" وكتاب" املسجدين" وكتاب " سرية اإلمام يف امللحدين" وكتاب " مصابيح اهلدى". ومن تواليفه أيضا كتاب "إعراب القرآن" وكتاب " احلسبة يف األمراض" وكتاب " الفرائض" وكتاب " السخاء واصطناع املعروف" وكتاب " كراهية الغناء" وكتاب " النسب" وكتاب " النجوم" وكتاب " فضائل عمر بن عبد العزيز" وكتاب " فضائل مالك بن أنس" وكتاب "السلطان" وكتاب " والباه والنساء" وكتاب "القارئ" وكتاب "الورع يف املال وغريه" وكتاب " احلكم والعمل ابجلوارح" وكتاب " الراب" وكتاب "الناسخ واملنسوخ" و "رغائب القرآن" وكتاب" الدهون والبدء واملغازي واحلداثن" و"ومغازي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وكتاب " الورع يف العلم" وكتاب " مكارم األخالق" وذكر إبراهيم بن الصديقكتاب "التفسري يف ستني جزءا". 24 18 مقاالت ومحاضرات مرجع سابق ص 170. 19 ترتيب المدارك مصدر سابق ص 284. 20 مقاالت ومحاضرات مرجع سابق ص 170. 21 ترتيب المدارك مصدر سابق ج/ 4 ص 128. 22 الديباج المذهب مصدر سابق ج 2 ص 10. 23 نفسا المصدر ص 11. 24 مقاالت ومحاضرات مرجع سابق ص 171. 6
وقد قال بروكلمان: " مل يبق من كتبه الدينية والفقهية اليت مسى أبو بكر خري منها كتاب األخالق أول كتاب الفرائض برلني 4687 كتاب الورع مدريد 577" 25. وفاته: اختلفت العلماء يف حتديد وفاة عبد امللك ابن حبيب وكم كان سنه يوم وفاته فقال القاضي عياض:" تويف ابن وقال الشريازي حبيب يف ذي احلجة سنة مثان وثالثني. وقيل تسع وثالثني ومائتني وقد بلغ ستا ومخسني سنة" 26 وصلى عليه القاضي أمحد بن زايد قاله ابن ثالاث ومخسني سنة. وقربه مبقربة أم سلمة يف قبلة مسجد الضيافة" 27 الفرضي". 28 وقال حممد بن احلارث:"تويف يف سنة سبع وثالثني ومائتني إأل سنة من والية األمري حممد". 29 وقال التلمساين:"تويف يف االندلس يف رمضان سنة 238 وهو ابن ثالث ومخسني سنة بعدما جال يف األرض" 30 وقال ابن الفرضي:" مات عبد امللك بن حبيب يوم السبت ربع ليال مضينا من شهر رمضان سنة مثان وثالثني ومائتني". 31 قال ابن الفرضي: اخربين بذلك ختنه حممد بن قمر الزاهد الفقيه رمحه هللا وكانت علته احلصاة. مات وهو أربع وستني سنة". 32 ونقل ابن اخلطيب يف اإلحاطة عن ابن خلف أنه " كان يقول) يعين عبد امللك بن حبيب( إن كنت اي رب راض عين فاقبضين إليك قبل انقضاء سنة مثان وثالثني فقبضه هللا يف أحب الشهور إليه رمضان من عام مثان وثالثني وهو ابن أربع وستني سنة" 33 وبعد عرض أقوال العلماء يبني أن أقرب األقوال إىل الصواب أن وفاته سنة 238 ه وان عمر ه يوم وفاته أربع وستون عاما وعلى هذا أكثر العلماء. عبد امللك بن حبيب يف ميزان احملدثني: أ جترحيه يف رواية احلديث 25 تاريخ األدب العربي لبروكلمان ج /3 نقله إلى العربية عبد الحليم النجار دار المعارف بمصر ص 3. 26 ترتيب المدارك مصدر سابق ص 141. 27 قاله الشيرازي نقله القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك ص 141. 28 قاله ابن الفرضي نقله عنه القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك ص 141. 29 قاله محمد بن الحارث نقله عنه القاضي عياض في ترتيب المدارك ص 141. 30 نفح الطيب مصدر سابق ص 6. 31 تاريخ علماء االندلس مصدر سابق ص 222. 32 نفس المصدر والصفحة. 33 اإلحاطة في أخبار غرناطة مصدر سابق ص 141. 7
إن أساس جتريح عبد امللك بن حبيب يرجع إىل أصل واحد وذلك هو قول ابن الفرضي يف كتابه "اتريخ علماء األندلس": "ومل يكن لعبد امللك بن حبيب علم ابحلديث وال كان يعرف صحيحه من سقيمه وذكر عنه أن وبناء على هذا القول فكل الطعون واالهتامات اليت وجهت إىل يتساهل وحيمل على سبيل اإلجازة أكثر روايته" 34 ابن حبيب )يعين : عبد امللك( ترجع إىل عبارات ابن الفرضي هذه اليت تعترب األساس الذي بنو عليه كالمهم وانطالقا من ذلك نذكر مناذج من جزئيات جرحه: فهذا ابن وضاح من تالميذ ابن حبيب )يعين عبد امللك( روى عنه بعد قدومه من املشرق ال يرضى عنه وال أخرج له شيئا وكذلك مساعه من أسد بن موسى قال" أمحد بن خالد مل خيرج ابن وضاح البن حبيب شيئا وكان ال يرضى عنه". 35 ولتوضح هذا الكالم نذكر املسألتني التاليتني: املسألة األوىل: قال اين وضاح: قال يل إبراهيم بن املقدر احلزامي:"أاتين صاحبكم األندلسي عبد امللك بن حبيب بغرارة مملوءة كتبا فقال يل: هذا علمك جتيزه يل فقلت: نعم ما قرأ علي منه حرفا وال قرأته عليه". 36 املسألة الثانية: قال ابن وضاح أيضا :"أخربين ابن أيب مرمي قال: كان ابن حبيب)يعين عبد امللك( انزال مبصر وما كنت رأيت أدوم منه على الكتاب فدخلت عليه يف القائلة يف شدة احلر وهو جالس على شدة وعليه طويلة فقلت: ما هذا قلنسوة يف مثل هذا! فقال: هي تيجاننا فقال فما هذا الكتاب مىت نقرأ هذا فقال: أاب عبد هللا ما يشغل بقراءته: فقد أجازها يل الرجل )يعين عبد امللك( فخرجت من عنده فأتيت أسدا فقلت له أيها الشيخ: متعنا القراءة عليك وجتيزه لغريان قال: أان ال أدري القراءة فكيف أجيز فأخربه فقال: إمنا اخذ مين كتيب منها ليس ذا علي". 37 وكان أمحد بن خالد اجلياب احلافظ األندلسي الكبري" سيء الرأي فيه". 38 وحكا الباجي وابن حزم" أن أاب عمر بن عبد الربكان يكذبه" ونقل إبراهيم ابن الصديق عن ابن عبد الرب من كتابه" جامع بيان العلم" أنه قال " وذكر عبد امللك بن حبيب انه مسع عبد امللك بن املاجشون قال: مسعت 34 تاريخ علماء األندلس البن الفرضي ج 1 ط 1 دار الكتب العلمية بيروت لبنان 1997 م ص 221. 35 ترتيب المدارك مصدر سابق ج / 4 ص 129. 36 نفس المصدر والصفحة. 37 تاريخ علماء األندلس مصدر سابق ج 4 ص 129. 38 ترتيب المدارك مصدر سابق ص 129. 8
مالكا سئل عن طلب العلم أواجب فقال: أما معرفة شرائعه وسننه وفقهه الظاهر فواجب وغري ضعف عنه فال شيء عليه. هكذا ذكر ابن حبيب وال يشبه هذا لفظ مالك وال معىن قوله". 39 ذلك منه من كما أن ابن حزم طعن فيه وكذ به ورد أخباره واعتربها يف غاية السقوط حيث ذكر أبن حجر العسقالين يف كتابه "هتذيب التهذيب" : "قال أبو حممد بن حزم روايته ساقطة مطرحة فمن ذلك أنه روى عن مطرفة عن حممد بن كثري عن حبان األنصاري أن امرأة قالت اي رسول هللا: إن أيب شيخ كبري قال فلتحجي عنه وليس ذلك ألحد بعده". 40 ونقل إبراهيم ابن الصديق عن ابن حزم من كتابه"احمللى" اجلزء السابع الصفحة التسعة واخلمسون والستون" أن هذه تكاذيب وهي من طريق عبد امللك بن حبيب وكفى.. وهذا خرب حرفه عبد امللك بن حبيب ألننا رويناه من طريق سعيد بن منظور قال: عبد الرمحن بن زيد أسلم حدثين ربيعة عن عثمان التيمي أن رجال قال للنيب صلى هللا عليه وسلم إن أيب مات أفأحج عنه قال نعم ولك مثل آجره". 41 وقال "أبو بكر بن شيبة ضعفه غري واحد وبعضهم اهتمه ابلكذب". 42 ب تعديله يف رواية احلديث: تفيد املصادر أن الذين عدلوا ابن حبيب )يعين عبد امللك( صنفان من الناس صنف أعجب به وبسعة علمه وإدراكه فمدحه وأثىن عليه وصنف دافعوا عنه ابملعىن املقابل للتجريح فأما الصنف األول كقول سيعد بن منري: " وقول سحنون ملا بلغه نعيه" مات عامل األندلس بل وهللا عامل الدنيا". 44 حدثنا امللمون عبد امللك بن حبيب" 43 والرتاجم مليئة مبدحه والثناء عليه إال أن هؤالء مل يقصدوا تعديله ابملعىن املقابل للرتجيح عند احملدثني. والصنف الثاين هم الذين دافعوا عنه وعدلوه ابملعىن املقابل للرتجيح عند احملدثني وذلك بعدما وصل إليهم ماوجه إليه من طعون واهتامات ذلك مثل قول القاضي منذر بن سعيد" لو مل يكن من فضل عبد امللك إال انك 39 مقاالت ومحاضرات إلبراهيم ابن الصديق ص 177. 40 تهذيب التهذيب البن حجر العسقالني ج/ 6 ط األولى بيروت ص 190. 41 مقاالت ومحاضرات مرجع سابق ص 177. 42 تهذيب التهذيب مصدر سابق نفس الصفحة. 43 ترتيب المدارك مصدر سابق ص 124. 44 نفس المصدر والصفحة. 9
ال جتد احد ممن حتكى عنه معارضته والرد لقوله ساواه يف شيء وأكثر ما جتد أحدهم يقول: كذب واخطأ. مث أييت بدليل على ما ذكره". 45 عبد امللك ومن خالل ما تقدم من ذكر جزئيات جرحه يتبني أن الدليل الذي نفاه القاضي منذر بن سعيد موجود ومفسر كما أن العلماء وضعوا قواعد للتجريح ويف هذا الصدد يقول إبراهيم بن الصديق:"وإذا كان اهتامه يف احلديث اثبتا عن أراببه كما رأينا فالقواعد تقتضي أن تقتصر يف جترحيه على الضعف بفقد الضبط دون الكذب الذي حاول ابن حزم أن يلصقه به فيؤول احلال إىل فقدان العدالة أيضا". 46 إن أقوى هتمة وجهت إىل ابن حبيب حبسب الواقع وابلنظر إىل قواعد احملدثني هي تكذيب حممد بن وضاح به ألنه تلميذه املطلع على أحواله. غري أن هذا التهمة تبقى واهية والدليل على ذلك أن ابن وضاح مل يكذب عبد امللك بن حبيب وال رماه قط هبذه التهمة وكيف يكذبه وقد روى عنه قدر مهما من املشرق وإطالع ابن وضاح على ما اطلع عليه من تصرف عبد امللك يف األخذ والتحمل واملعروف عند علماء األندلس أن من شرط ابن وضاح وبقي بن خملد أن ال يرواي إال عن ثقة عندمها ثبت عنهما واستفاض. وإذا عرف هذا فالذي كذب ابن حبيب يف احلقيقة وجاهر هبذا التصريح هو ابن حزم قال ابن حجر يف "هتذيب التهذيب": "وقد أفحش ابن حزم القول فيه فنسبه إىل الكذب وتعقبه مجاعة أبنه مل يسبقه أحد إىل تكذيبه 47 وعقب اإلمام الذهيب أبن "الرجل أجل من ذلك ولكنه يغلط". 48 وملا نقل احلافظ توهينه عن اتريخ أمحد بن حزم الصديف األندلسي وقوله:" أنه كان صحفيا أي ينقل الصحف بدون رواية ال يدري ما احلديث قلت )يعين ابن حجر( هذا القول أعدل ما قيل فيه فلعله حيدث من كتب غريه فيغلط" 49 وبناء على ما تقدم من جزئيات التجريح والتعديل لعبد امللك بن حبيب يف رواية احلديث يتبني ما يلي: أن عبد امللك بن حبيب ليس هو بذلك الكذاب املختلف كما هو رأي ابن حزم وليس هو بذلك احملدث احلافظ الثقة الضابط بل هو يف غري علم احلديث وخباصة الفقه إمامكبري ال يشق له غبار. 45 المصدر السابق ص 131. 46 مقاالت ومحاضرات مرجع سابق ص 122. 47 تهذيب التهذيب مصدر سابق ص 140. 48 ميزان االعتدال للذهبي ج/ 21 ص 635. 49 نفس المصدر والصفحة. 10
أما يف علم احلديث والرواية فأنسب وصف حبسب قواعد االصطالح هو أن الرجل ضعيف جدا يف رواية احلديث كما قال إبراهيم ابن الصديق وال خيفى عن هذا أن عصر ابن حبيب كان عصر ظهور وأتسيس ومن مث مل تكن الصناعة فيه حمكمة ف وقعت أوهام يف األسانيد وأمساء الرجال ورمبا حىت بعض املتون وكان البن حبيب نصيب من هذا الغلط وإفساد األسانيد وقلبها وذلك هو شأن الضعفاء كما قال إبراهيم بن الصديق الغماري أما الكذب وتعمده فالرجل أجل من ذلك كما قال احلافظ الذهيب وهللا أعلم. الئحة املصادر واملراجع: تاريخ علماء األندلس البن الفرضي ص 221 دار الكتب بيروت لبنان ط 1 سنة 1997 م. ترتيب المدارك للقاضي عياض ج/ 4 طبعة المغرب. تذكرة الحفاظ لإلمام الذهبي ج 1 ص 537. اإلحاطة في أخبار غرناطة البن الخطيب ج/ 3 ط 1. نفح الطيب التلمساني ج /2 دار صاد بيروت 1468 م. مقاالت ومحاضرات إلبراهيم بان الصديق. الديباج المذهب البن فرحون ج/ 2 دار التراث القاهرة. تاريخ األدب العربي لبروكلمان ج /3 نقله إلى العربية عبد الحليم النجار دار المعارف بمصر. تهذيب التهذيب البن حجر العسقالني ج/ 6 ط األولى بيروت. ميزان االعتدال للذهبي ج/ 21. 11