2 أم المؤمنين بسم هللا الرمحن الرحيم نسبها: ىي: زينب بنت خزمية بن عبد هللا بن عمر بن عبد مناف بن ىالل بن عامر بن صعصعة اذلاللية فهي قرشية ىاللية مكية. نشأهتا: فتحت زينب عينها يف مكة على رلتمع ميوج بفتنة الوثنية واالنكباب على عبادة األصنام وتقديسها واستغراق يف شرب اخلمر والزنا ووأد البنات..! رلتمع زاخر بالفساد واالحنالل فيو العصبية أقوى رابطة واحلياة فيو للقوي السيد ولقمة العيش للعبيد الضعفاء مغموسة بالدم والعرق والدموع رلتمع ينزوي يف الصحراء القاحلة اجلرداء ال يرى وال يعايش إال قليال من نتف احلضارة ادلادية يتأثر هبا من خالل احتكاك قوافلو التجارية الغادية والرائحة ب ت الشام واليمن. فتحت زينب عينها على صورة ىذا اجملتمع بواقعو ادلنحرف الفاسد وجنت من السوء ألهنا من بيت عريق يف السيادة والثراء ودرجت يف أحضان والديها تنهل من عطفهما وحبهما لكنها نضجت وأدركت مث أصغت بكث ت من اللهفة والشوق والتأثر ألحداث عامة جتري يف مكة وكان زلورىا األم ت زلمد بن عبد هللا. زينب وبناء الكعبة: عايشت زينب أيام إعادة بناء الكعبة واختالف بطون قريش وفروعها حول إعادة احلجر األسود إىل مكانو من الركن..! ومسعت حبكمة األم ت عليو الصالة والسالم وكيف حل إشكال واختالف الناس وحقن الدماء ببسط ردائو وإمساك رؤساء
زينب بنت خزيمة 3 القبائل بأطراف الرداء وكأهنم مجيع ا شاركوا يف رفع احلجر األسود ونالوا الشرف العظيم. مسعت بذلك فعلق قلبها بصاحب العقل الراجح والرأي الصائب واحلكمة البالغة تعلق إعجاب وإكبار ولقد ىزىا ذات يوم رؤية سيد من سادات قريش ينهال على أحد عبيده ومواليو بعصا غليظة يؤدبو على حد زعمو وانكسرت العصا فتناول السيد سوط ا متشعب الرءوس وراح يضرب بو جسد ذلك ادلسك ت وأخذ الدم يسيل بغزارة واجلراح تنفرج من اللحم األمحر الذي بدأ يتناثر يف أطراف ادلكان. حىت خفت حدة صوت ادلسك ت وتالشى.. ومل تعد تسمع منو سوى أنفاس ت تدد مع اآلنات وأشد ما تأدلت زينب عندما عرفت السبب لقد جاع العبد ادلسك ت بعد عمل شاق متواصل من الفجر إىل الغروب فأكل دون أن يؤ ذن لو فكان ما رأت زينب وشاىدت. زينب واإلسالم: عندما بزغ فجر اإلسالم على مكة وشعت أنواره فوق ربوعها ودعا زلمد بن عبد هللا الناس إىل التوحيد ونبذ عبادة األصنام واإلقالع عن ادلفاسد والعيوب االجتماعية وإزالة الفوارق ب ت الناس فالكل يف اإلنسانية سواء وأكرم اخللق أتقاىم ال أغناىم وال أقواىم. عندئذ تعلق قلب زينب بالدعوة اجلديدة وبعد أن كان إعجاهبا يف السابق ينحصر ضمن إطار شخصية ادلصطفى وكانت زينب رضي هللا عنها حتت تأث ت عدة عوامل دتيل إىل حب ادلساك ت والضعفاء والعطف عليهم وما من شك يف أن رؤيتها للموىل الذي عذب بسبب عدم استئذان سيده يف تناول الطعام وقد أمضو اجلوع
4 أم المؤمنين وأض ت جسده كان لو أثر عميق يف قلبها الطيب وفؤادىا الرحيم ونزعتها اإلنسانية فكانتكما ي روى ويؤثر عنها تدخر قوهتا مما حتصل عليو من نفقة مث توزعو على ادلساك ت واحملتاج ت حىت عرف بذلك القاصي والداين من الناس شاع خربىا لدى أوساط مكة مجيع ا. ترىكمكانت سن زينب يف ذلك احل ت إن العرف ادلشهور ب ت الناس أن ىذه األفعال أو تلك اخلصال إمنا ىي لذوى األعمار ادلتقدمة ممن جتاوزا سن النضوج العقلي والبدين عند الرجال أو النساء على حد سواء غ ت أن زينب رضي هللا عنها خرقت ىذه العادة وحطمت ىذه القاعدة وغ تت ىذا ادلفهوم ألن عمل اخل ت ال يعرف سن ا معينة أو عمر ا بذاتو لقد كانت رضي هللا عنها يف سن السادسة عشرة تقريب ا ومل تكن بعد قد دخلت يف محى اإلسالم وحوزة اإلميان وإذا ما ذكر لقب )أم ادلساك ت( لدى ادلكي ت عرفوا مجيع ا صاحبتو زينب بنت خزمية رضي هللا عنها-. زواجها: ويف سن السادسة عشرة اكتملت زينب أنوثة واستدارت وأصبحت على أبواب الزواج. وىنا خيتلف ادلؤرخون حول زواجها األول فمنهم من يقول بأهنا كانت متزوجة من )عبد هللا بن جحش( ابن عمة النيب وقد مات شهيد ا يوم أحد ومنهم من يقول بأهناكانت متزوجة من )الطفيل بن احلارث بن عبد ادلطلب( فهلك عنها فتزوجها أخوة )عبيدة بن احلارث بن عبد ادلطلب( الذي مات شهيد ا إثر غزوة بدر وكالمها ابن عم رسول هللا وعلى كل حال فإن كلتا الروايت ت تتفق على أن
زينب بنت خزيمة 5 زواج النيب من زينب كان بعد زواجو من )حفصة بنت عمر( رضي هللا عنهما -. ومن ىنا نستدل على أن الرواية الثانية ىي األرجح ألن زواجو من حفصة كان بعد غزوة بدر اليت استشهد فيها )عبيدة( وأيض ا نستدل على أن إسالمها وزواجهاكان يف مكة قبل اذلجرة. مضت أيام احلياة بزينب يف مكة بعد زواجها وإسالمها قاسية مريرة شأهنا شأن ادلسلم ت األوائل السابق ت الذين حتملوا عبء الصمود يف وجو طغيان قريش واستبدادىا وظلمها عاشت أيام احلرمان والعذاب وحتملت جبلد قسوة القطيعة االقتصادية واالجتماعية اليت فرضها طغمة اجلاىل ت على النيب ومجاعة ادلسلم ت. وقضت رضي هللا عنها سنوات الشعب الثالث يف ضنك وأمل وشدة مسغبة ولكنها كانت تتزود من إمياهنا العظيم آلماذلا يف ادلستقبل وثقتها العظمى اليت ال حد ذلا باهلل سبحانو وتعاىل أو أن ما دتر بو مع أخواهتا وإخواهنا إمنا ىو ابتالء وامتحان ال يضاىيو ويهزمو إال الصرب عليو. اهلجرة: مرت رضي هللا عنها بتجربة جديدة ال تقل مرارة وقسوة عما سلف كان من نتائجها البعد عن األىل والوطن واتساع الشقة ب ت اإلنسان ومرتع صباه وملعب شبابو وانقطاعو عن األماكن اليت شهدت طفولتو وشبابو فكانت جزء ا من حياتو أو على األصح جزء ا من حياة زينب رضي هللا عنها -. ألهنا كانت اجتماعية منذ تفتحها ووعيها لكنها رضي هللا
6 أم المؤمنين عنها كغ تىا من ادلسلم ت وادلسلمات تأقلمت يف اجلو اجلديد وانتظمت يف سلك اجملتمع اإلسالمي ادلتميز الذي ب ت أول ما ب ت علي األخوة يف هللا وقد صادف ذلك انسجام مع طبيعة شخصيتها وتكوهنا فأنساىا ذلك بعض مهومها من البعد عن األىل والوطن. وكانت مع زوجها عبيدة بن احلارث مثال طيب ا وكرمي ا يف أصول وقواعد البيت اإلسالمي ادلنشود تعاون ا وزلبة واح تام ا. وليس من شك يف أن شخصية زينب رضي هللا عنها كانت زلور ذلك البيت الكرمي مبا حباىا هللا تعاىل من نضوج عقلي مبكر ومساحة خلق وبساطة يف احلياة رضى وقناعة. يوم الفرقان: حىتكان اليوم العظيم يوم الفرقان يوم بدر وال حاجة بنا أن نعود إىل تفاصيل ادلقدمات والظروف اليت سابقت ورافقت الغزوة. فالذي يهمنا يف احلديث عن زينب رضي هللا عنها ىو استشهاد زوجها عبيدة يف ذلك اليوم أو بعده بأيام ومن مث ترملها.. فقدكان ذلك نقطة حتول كربى يف حياهتا ودخوذلا رضي هللا عنها يف عداد أمهات ادلؤمن ت. من يبارز كانت عادة احلروب يف تلك األيام أن تبدأ بادلبارزة الفردية وكانت قريش يف ذلك اليوم ىي ادلصرة على القتال. فبعد أن حجر ادلسلمون ادلاء عن قريش وتصدوا ذلا وقبلوا التحدي برز من صفوف
زينب بنت خزيمة 7 قريش ثالثة فرسان يطلبون من رسول هللا أن خيرج إليهم أندادىم من ادلسلم ت فنزل بعض األنصار إىل حلبة ادلبارزة حب ا يف اجلهاد وإثبات ا للعهود والوعود اليت قضوىا على أنفسهم وتأكيد ا للبيعة فردىم فرسان قريش وقالوا إمنا نريد أكفاءنا من أقربائنا الذين فارقوا ديننا وأثاروا العداوة والبغضاء بينا وبينهم فربز إليهم بناء على أمر النيب ثالثة من أىل بيتو وخاصة أىلو ىم: محزة بن عبد ادلطلب عمو وعلي بن أيب طالب وعبيدة بن احلارث ابنا عمو وأما القرشيون الثالثة فكانوا عتبة بن ربيعة وأخاه ىشام بن ربيعة وابن عتبة الوليد بن عتبة. فتصاولوا وجتادلوا وأثاروا تراب األرض حبوافر خيوذلم حىت غطى النقع أشخاصهم. مث ما لبث محزة أن قضى على خصمو وكذلك علي رضي هللا عنهما أما عبيدة فقد تعرض لضربة من اخلصم أصابتو يف ساقو وأدت إىل جرح بالغ لكن محزة وعلي ا أعانا عبيدة على خصمو. واستنقذاه وقتال عدوه وعادا بعبيدة إىل معسكر ادلسلم ت يئن من شدة األمل وتنزف الدماء وانتهت ادلعركة )معركة بدر( بانتصار ظافر مؤزر للمسلم ت وىزمية ساحقة حلقت بادلشرك ت. وعاد موكب رسول هللا إىل ادلدينة ب ت هتليل وتكب ت وفرحة غامرة وعاشت ادلدينة أيام ا مجيلة وكأهنا يف عرس وهباء إال بيت زينب بنت خزمية رضي هللا عنها -. فقد كانت يف ىم شديد وحزن بالغ على زوجها وحبيبها اجلريح ادلسجى على الفراش يعاين سكرات ادلوت.
8 أم المؤمنين احلبيب الذي قضت معو أمجل أيام حياهتا وأطيب زمان ادلشاركة كانت ترعاه وتعت ت بو وتقدم لو كل ما ميكنها من إسعاف برجاء أن يشفى وتعود إليو عافيتو وكان رسول هللا وبعض أصحابو يزورونو يف البيت ليطمئنوا عليو ويواسوه يف زلنة مرضو ويشجعونو ويبعثون يف نفسو وقلبو األمل والرجاء. لكن هللا أراد عبيدة شهيد ا.. واختاره هللا تعاىل إىل جواره فبكتو زينب بدمع وحزن بالغ متذكرة أيام ىنائها معو ومتعتها بصحبتو.. ولكن بكاء الصابرة ادلؤمنة احتسبتو عند هللا تعاىل داعية لو حبسن الثواب وكان من عادة العرب كما سلف وعلمت أن يكرموا أحباءىم وأقرباءىم وعظماءىم بالزواج من نسائهم بعد موهتم. الزواج وأم املؤمنني: ومن أوىل منو مبواساة زينب األرملة ومن أوىل من زلمد بن عبد هللا صاحب اخللق العظيم بأن يكون السابق إىل كل مكرمة. وىو قدوة ادلتق ت وإمام ادلؤمن ت وسيد اخللق أمجع ت وأسوة ادلسلم ت يفكل وقت وح ت. فسعى إىل زينب وقد انقضت عدهتا فخطبها لنفسو فأجابات على استحياء وقد حالت الدموع يف عينها ألن ذكرى عبيدة ما تزال قريبة العهد أجابت رضي هللا عنها بأن جعلت أمرىا إىل رسول هللا فيب ت هبا وأدخلها بيوت أزواجو واختذ ذلا حجرة خاصة هبا. أم املساكني: وظلت زينب رضي هللا عنها بلقب )أم ادلساك ت( منذ أن
زينب بنت خزيمة 9 كانت فتاة صغ تة إىل أن حلقت بالرفيق األعلى وكانت مدة إقامتها يف بيت النبوة قص تة مل تتجاوز بضعة أشهر. إال أن حجرهتا كانت مقصد ادلساك ت والفقراء واحملتاج ت واجلائع ت واحملروم ت تقتصد من نفقتها وتدخر جزء ا من طعامها ونصيبها فيما خصت بو مث دتنحو ذلذه الطائفة من الناس حب ا يف هللا وتقرب ا إليو وسعي ا إىل رضاه سبحانو -. الوفاة: كانت رضي هللا عنها قد أدتت الثالث ت من عمرىا ح ت دامهها مرض الوفاة يف عز الشباب ومعية الصبا ولقد كان يوم وفاهتا يوم ا حزين ا إذ تركت رغم قصر مدة العشرة مع رسول هللا أطيب األثر وأعمقو يف قلب ادلصطفى. فقد مرت أيام العشرة ىينة طيبة ال صخب فيها وال نصب وال وصب وال مشقة وال عشر. حلم مجيل ونزىة ممتعة يف ظل دوحة كث تة األفياء والظل وشربة ماء من قداح سلسبيل غسلت رضي هللا عنها وطيبت وكفنت وصلى عليها رسول هللا مث دفنت يف البقيع ولقد نزل إىل حفرهتا اثنان من أقارهبا. وبعد أن وريت الثرى عاد اجلميع ويف مقدمتهم رسول هللا يس تجعون ويدعون ألم ادلساك ت حبسن ادلآب وعظيم الثواب. رضي هللا عنها وأكرم نزذلا ومثواىا وأحلقنا هبا يف الصاحل ت من عباده.
أم المؤمنين 01 فاكس: 1127766 ص ب: 5 الرمز الربيدي: 66877 وكالة الربوة جدة