إنظار املعسر وضرورة التفريق بني املعسر واملماطل

إنظار املعسر وضرورة التفريق بني املعسر واملماطل

التدقيق اللغوي شروق حممد سلمان اإلخراج الفين حسن عبد القادر العزاني 1432 ه - 2011 م ISBN 978-9948 - 499-18 - 3 لدائرة الشؤون اإلسالمية والعمل اخليري بدبي إدارة البحوث فاكس: +971 4 6087555 ص. ب: - 3135 دب ي w w w. i a c a d. g o v. a e هاتف: +971 4 6087777 اإلمارات العربية املتحدة m a i l @ i a c a d. g o v. a e

إنظار املعسر وضرورة التفريق بني املعسر واملماطل إعداد الدكتور إبراهيم عبد اللطيف العبيدي إدارة البحوث

افتتاحية احلمد هلل رب العاملين والصاة والسلام عىل سيدنا حممد وعىل آله وصحبه وم ن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين.. وبعد: فيرس «دائرة الش ؤون اإلسالمية والعمل الخيري بدب ي - إدارة البح وث» أن تقد م إصدار ها اجلديد «إنظار المعسر وضرورة التفريق بين المعسر والمماطل» جلمهور القراء من السادة الباحثين واملثقفن واملتطلعين إىل املعرفة وخاصة يف جمال االقتصاد اإلسامي. وهذه الرسالة املخترصة جاءت لتبني رضورة التفريق بني املعسر الذي اضطر إىل طريق القروض والديون للرضورة أو احلاجة التي وصل إليها وبني املامطل الذي سلك هذا الطريق ليزداد ثراء وسعة عىل حساب غريه ولتبنين طريقة التعامل مع كل حالة منهام وفق رؤية املنهج اإلسالمي املتمثل بقوله تعاىل: ي ا ي ە ي ە وقوله : «مطل الغني ظلم «.

وهذا اإلنجاز العلمي جيعلنا نقدم عظيم الشكر والدعاء ألرسة آل مكتوم حفظها اهلل تعاىل التي حتب العلم وأهله وتؤازر قضايا اإلسلام والعروبة بكل متيز وإقدام ويف مقدمتها صاحب السمو الشيخ حممد بن راشد بن سعيد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس جملس الوزراء حاكم ديب الذي يشيد جمتمع املعرفة ويرعى البحث العلمي ويشجع أصحابه وط ابه. راجين اهلل العيل القدير أن ينفع األمة هبذا العمل وأن يرزقنا التوفيق والسداد وأن يوفق اجلميع إىل مزيد من العطاء عىل درب التميز املنشود. وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملين وصىلى اهلل عىل النى بي األمي اخلاتم سي دنا حممد وعىل آله وصحبه أمجعن. الدكتور سيف راشد اجلابري مدير إدارة البحوث

املقدمة احلمد هلل والصاة والسلام عىل رسول اهلل وعىل آله وصحبه ومن وااله وبعد: فلا خيفى عىل أحد أمهية املال يف حياة مجيع البرش وملا كانت هذه األمهية متجددة بحيث أصبح املال ع ص ب احلياة البرشية اليومية صار هذا املال رضورة من الرضورات اخلمس التي حفظها اإلسام وق ر ن ا بالدين والنفس والعرض والعقل وبذلك تت ضح لنا األمهية التي أوالها اإلسلام هلذه الرضورة وكيف ب ن حكم االعتداء عليها يف تفصيات متشعبة ومن ذلك جزئية ب ل بعض الناس بسيطة ك ث ر التساهل فيها كام يبدو م ن ق األمر الذي حيتاج إىل تذكري و توضيح أال وهي مسألة ( إنظار املعرس ورضورة التفريق بن املعرس واملامطل ) إذ قمت بتوضيح هذه املسألة بيشء خمترص بوقفات يسرية وعىل النحو التايل:

توطئة: الوقفة األوىل: إنظار املعر يف الكتاب والسنة. الوقفة الثانية: حقيقة الفرق بني املعر واملامطل. الوقفة الثالثة: إجراءات زادت األمر تعقيدا. الوقفة الرابعة: ضوابط وقيود تبني املعسر احلقيقي من املامطل. الوقفة اخلامسة: من أساليب املامطلني وتسويفاهتم. الوقفة السادسة: حقائق ثابتة ومؤملة. واخلامتة. وكان اهلدف من إعداد هذه الرسالة املخترصة رضورة التفريق بين املعرس احلقيقي الذي اضطر إىل القروض والديون وبين املامطل الذي أجاد التسويف والتزييف بطرق ووسائل تم رصد بعضها والتنبيه عليها وال شك بأن هناك طرقا أخرى ووسائل أدعو اجلميع للبحث عنها وبيانا.

توطئة: احلمد هلل رب العاملن وأفضل الصاة وأتم التسليم عىل إمام املتقن ورمحة اهلل للعاملن: سيدنا حممد وعىل آله وصحبه أمجعن وبعد: ففي خضم احلياة املادية التي يعيشها الفرد يف القرن احلادي والعرشين برزت مشكات مادية واجتامعية وأخاقية عرقلت ص ف و احلياة بل نغ صت ها يف كثري من األوقات كيف ال واحلياة يوما بعد يوم تكبر وتتطور وهذا التطور مرتبط بتعقيدات احلياة املادية وما يتبعها ففي منتصف القرن املايض مل تكن الطاقة الكهربائية مثلا منترشة يف عموم البلدان فكانت احلياة بسيطة ال حتتاج إىل هذا الكم اهلائل من األجهزة التي تعمل عىل الطاقة الكهربائية وبظهور هذه الطاقة وارتباطها املبارش بأساسيات حياة اإلنسان ازدادت حاجته إليها وكثر اعتامده عليها بحيث أصبحت متث ل ع ص ب احلياة التي

إن فقدت أصبحت احلياة بدونا معطل ة فا بيت يضاء وال معمل ينتج وال مؤسسة من مستشفى أو مدرسة أو غريها تعمل ألن كل يشء مرتبط بالطاقة الكهربائية كام نعلم ومن هنا فرضت هذه األداة نفسها عىل احلياة بصورة عامة بحيث صارت مما ال يمكن ألحد أن يستغني عنه. ورغم ما حتدثه هذه الطاقة يف البيئة من خملفات وينجم عنها من تلوثات إال أن ذلك كله مل يمنع احلاجة إليها الرتباطها املبارش بحياة الناس اليوم. وهذا املثال تشبيه بسيط أسوقه قد يصلح أنموذجا لباقي ما تم اكتشافه وتطوره ومازمته للحياة املدنية العامة مثل: البرتول ووسائط النقل ووسائل االتصال وغريها من تلك األمور التي أخذت تتطور يوما بعد آخر. إال أن هذا التطور بحد ذاته قد كب ل األفراد بمزيد من القيود وااللتزامات املالية التي ترتبت يف ذمة الكثري منا بسبب ما أم لته علينا هذه التطورات يف شتى نواحي 10

احلياة. كل ذلك ول د عىل بعض الناس ضغوطا متثلت يف الديون التي استوجبت أقساطا لسلع خمتلفة منها الرضورية ومنها احلاجية ومنها الكاملية األمر الذي اختلطت معه األوراق فأصبح كثري من الناس مدينا بمبلغ بذمته ملؤسسة أو أفراد وهو بحاجة حقيقية ماسة إىل قيمة هذا القرض وقد حيين وقت السداد وهو ال يملك مقدار ما تراكم عليه وقد وجب عليه االلتزام ب ر د ه يف وقت معن وإال ترتبت عليه آثار قانونية إن مل يف هبا وقد تصل عقوبته إىل السجن. ورافق ذلك وجود صنف آخر من الناس قد أخذ املوضوع أشبه ما يكون باحلرفة فأل ف األمر وامتهنه بطرق مدروسة وح ي ل ملموسة استطاع بموجبها املامطلة بكسب الوقت لتأخري ما عليه من مال أطول وقت ممكن بحيث استطاع أن يأخذ قرضا من مؤسسة ما ألج ل ما وحينام حيل وقت السداد يقوم باالقرتاض من مؤسسة 11

مالية أخرى أجا جديدا ليسد به القرض األول وهكذا األمر دواليك مما جعل بعض املؤسسات املالية التي ت قد م الق ر ض احل س ن تتشدد يف إجراءات التحو ط وتبالغ يف احلذر وهذا من حقها من أجل ضامن اسرتداد ما قدمته من قروض. هذا عىل مستوى املؤسسات أما عىل مستوى األفراد فكذلك احلال عند البعض فهو عندما يأخذ القرض احل س ن عىل أمل أن ي رج ع ه إىل املقر ض يف األج ل الذي تم االتفاق عليه بينهام فإنه ي امط ل وي سو ف وي ؤخ ر يف السى داد رغم حلول األج ل. فهل يتساوى املقرت ضان يف كا احلالتين يف املعاملة عىل حد سواء هذا ما متت اإلجابة عليه يف هذه الرسالة. 12

الوقفة األوىل: إنظار املعسر يف الكتاب والسنة. ثبت يف كتاب اهلل تعاىل وسنة نبيه ﷺ ما يؤكد هذا اخللق القويم إذ جاءت الدعوة القرآنية إىل رضورة إنظار املعرس كام يف قوله تعاىل: ې ى ى ي ا ي ا ي ە )( ي ەي و ي و ي ۇ ي ۇ ي ۆي ۆ ي ۈ ي ۈ ي ې وأ ت ت الرتمجة العملية هلذا األمر من قبل النبي ﷺ ليحث بالتيسري عىل املعرس وهو من اقرتض مبلغا ومل جيد ماال يقوى عىل سداد ما ترتب بذمته من د ي ن أو ق ر ض. والفرق بن الدى ي ن والق ر ض أن الق ر ض أخص من الدى ي ن فالقرض مثا : أن تأخذ )100 درهم( لرتد )100 درهم( مثلها والدى ي ن قد يكون يف بيع مؤجل كأن تشرتي عقارا أو سيارة أو آلة أو طعاما فتأخذ ما اشرتيت عىل أن تدفع ثمنه دفعة واحدة يف أجل حمدد أو عىل أقساط معلومة )( سورة البقرة اآلية 280. 13

اآلجال وال حيسن االقرتاض إال حلاجة ألن القرض فيه منى ة بخلاف الدين املؤجل يف البيع ليس فيه منى ة ألن للزمن فيه حصة من الثمن أي جيوز يف البيع أن ي زاد ألجل التأجيل وال جيوز هذا يف القرض )( إذ بي نت أحاديث كثرية تلك األوامر والتوجيهات املباركة من قبله عليه الصاة والسلام لتكون توجيها لألمة لألخذ هبذا اخللق الكريم ومن ذلك عىل سبيل املثال ما رواه أبو أمامة أسعد بن زرارة ريض اهلل عنه قال: قال رسول اهلل ﷺ: «م ن رس ه أن ي ظله اهلل يوم ال ظلى إال ظله ف ل ي ي رس م ع رس أو ليضع عنه» )2(. عىل )(ينظر: املجموع يف االقتصاد اإلسلامي أ.د. رفيق املرصي دار املكتبي دمشق 1426 ه- 2006 م ص 304. )2( املعجم الكبري للطراين دار إحياء الرتاث العريب الطبعة الثانية 304/1 وقال اهليثمي: يف سنده»عاصم ضعيف ومل يدرك أسعد بن زرارة«. جممع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي دار الكتاب العريب بريوت 134/4. 14

وعن عبد اهلل بن سهل بن حنيف أن سها حدثه أن رسول اهلل ﷺ قال:»من أعان جماهد ا يف سبيل اهلل أو غازيا أو غارما يف ع رسته أو مكات با يف رقبته أظله اهلل يوم ال ظلى إال ظله«)(. وعن سامل عن أبيه عبد اهلل بن عمر ريض اهلل عنهام أن رسول اهلل ﷺ قال:»املسلم أخو املسلم ال ي ظلمه وال ي س لمه ومن كان يف حاجة أخيه كان اهلل يف حاجته ومن فر ج عن مسلم كربة فر ج اهلل عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن سرت مسلام سرته اهلل يوم القيامة«)2(. )( رواه احلاكم يف املستدرك ثم قال: صحيح اإلسناد ومل خيرجاه. وتعقبه الذهبي وقال: بل فيه عمرو بن ثابت وهو مرتوك ينظر: املستدرك عىل الصحيحين أليب عبد اهلل احلاكم النيسابوري دار احلرمين القاهرة الطبعة األوىل 1417 ه- 1997 م.260/2 )2( متفق عليه من حديث عبد اهلل بن عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنهام البخاري يف كتاب املظامل والغصب باب: )ال يظلم املسلم املسلم وال يسلمه( ومسلم يف كتاب املساقاة باب: )حتريم الظلم(. 15

و عن حذيفة قال:»أيت اهلل بعبد من عباده آتاه اهلل ماال فقال له: ماذا عملت يف الدنيا قال: ں ں ڻ ڻ )(. قال: يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان من خلقي اجلواز فكنت أتيرس عىل املورس وأنظر املعرس. فقال اهلل: أنا أحق بذا منك جتاوزوا عن عبدي«فقال عقبة بن عامر اجلهني وأبو مسعود األنصاري: هكذا سمعناه من يف رسول اهلل ﷺ )2(. وعن سليامن بن بريدة عن أبيه قال: سمعت رسول اهلل ﷺ يقول:»من أ ن ظ ر م عرسا فله بكل يوم م ثل ه صدقة «. قال: ثم سمعته يقول:»من أنظر م ع رسا فله بكل يوم م ث ل ي ه صدقة«. فقلت: سمعتك يا رسول اهلل تقول: من أنظر معرسا فل ه بكل يوم مثله صدقة ثم سمعتك تقول: )( سورة النساء جزء من اآلية 42. )2( رواه مسلم عن حذيفة ريض اهلل عنه يف كتاب املساقاة باب: فضل إنظار املعرس. 16

من أنظر معرسا فله بكل يوم م ث ل يه صدقة قال له:»بكل يوم صدقة قبل أن حي ل الدى ي ن فإذا حل الدى ي ن فأنظ ر ه فله بكل يوم م ث ل يه صدقة» )(. )( رواه أمحد يف مسنده بتحقيق شعيب األرنؤوط 153/38 مؤسسة الرسالة الطبعة األوىل 1421 ه. قال اهليثمي يف املجمع: روى ابن ماجة طرفا منه ورجاله رجال الصحيح. وقال املحقق األرنؤوط: إسناده صحيح عىل رشط مسلم ورجاله ثقات رجال الشيخن غري سليامن بن بريدة. وقوله يف احلديث: إن له بكل يوم مثله صدقة قبل أن حيل الدين وله بكل يوم مثليه صدقة بعد حلوله قال: يف األوىل )مثله( ويف الثانية: )مثليه( تفرد أمحد بروايته هبذا اللفظ فقد رواه ابن أيب شيبة عن عفان فقال: )فله بكل يوم صدقة قبل أن حيل الدين فإذا حل فأنظره بعد ذلك فله بكل يوم مثله صدقة( أطلق الصدقة يف األوىل وجعلها بمقدار القرض يف الثانية. وقد وردت كلمة )مثليه( بالنصب وقبلها )مثله( بالرفع ويفرتض أنام يف املوقع نفسه من اإلعراب وعل ق عليه املحقق األرنؤوط بقوله: كذا وقع يف ( م ) ونسخنا اخلطية من )املسند(: مثليه بالنصب! واجلادة: مثاه. 17

الوقفة الثانية: حقيقة الفرق بني املعسر واملماطل. ندرك من األحاديث املتقدمة وغريها عظيم فضل م ن وضع دي نا ماليا عن م عرس أو أنظ ر ه مدة أخرى ولكن ح ر ي بنا أن نعرف من هو املعرس إذ كام يبدو من واقع الناس اليوم أن األمر قد اختلط وصار فيه التباس بن املعرس حقا و بن املامطل. إذ املعرس: ضد املورس بضم امليم وكرس السن وهو الذي أثقل الدين كاهله )(. يقال: ن ظ ره ن ظ ر ا : أي باع ه بن ظ ر ة وإم هال واس ت ن ظ ر ه: ط ل ب ها أي النى ظ ر ة منه واس ت م ه ل ه. وأ ن ظ ره: أخى ره. قال اهلل تعاىل حكاية عن إبليس اللعين: ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ )2( أي أخ رين. ويقال: ب عت فانا ف أ ن ظ ر ت ه أي )( املوسوعة الفقهية وزارة األوقاف بالكويت 147/1. )2( سورة األعراف اآلية: 14. 18

أ م ه لته واالسم النى ظ ر ة ويف احلديث: «كنت أ بايع الناس امل عرس» أي أ مهله )(. فكنت أ نظ ر أما املامطل: فهو مشتق من امل ط ل: وهو التى سويف وامل داف ع ة بالع د ة والدى ي ن ول ي ان ه مأ خوذ من م ط ل احل ديد ومنه احلديث : «م ط ل الغ ن ي ظ ل م» كاالم ت طال وامل امط ل ة وامل طال بالك رس ي قال: م ط ل ه حقى ه وبه م ط ا وام ت ط ل ه وماطل ه به مم اط ل ة وم طاال وهو م طول وم ط ال كص بور وش د اد ) 2 (. وعىل هذا الفارق بن كا املفهومن وقع ل ب س بينهام ال سيام اجلهات املعنوية من مؤسسات وغريها كيف هلا أن تعرف حقيقة العاجز عن أداء ما بذمته واملامطل الذي )( لسان العرب ابن منظور دار صادر بريوت الطبعة األوىل مادة: نظر 215/5. تاج العروس للزبيدي مادة: نظر 3552/1. )2( تاج العروس للزبيدي. 7616/1 19

ي راوغ وي سو ف من أجل كسب الوقت وتأخريه أو إهيام الدائن بعدم قدرته عىل الوفاء أما بالعفو عنه واملساحمة. وقد شخى ص النبي ﷺ هذه احلالة ووصفها بالظلم فقال عليه الصاة والسام: «م ط ل الغني ظلم» )( بل بن ح ل العقوبة التي تقع عىل املامطل الغني فقال ﷺ: «يل الواجد حيل عرضه وعقوبته» )2(. )( متفق عليه من حديث أيب هريرة ريض اهلل عنه يف كتاب االستقراض وأداء الديون واحلجر والتفليس باب: )مطل الغني ظلم( واللفظ للبخاري. )2( رواه أبو داود يف باب احلبس بالدين وغريه والنسائي يف باب مطل الغني ظلم وابن ماجه يف باب احلبس بالدين واملازمة مجيعهم عن عمرو بن الرشيد عن أبيه ريض اهلل عنه. قال العسقاين: قال الطبراين: ال يروى عن الرشيد إال هبذا اإلسناد تفرد به ابن أيب دليلة. ينظر: تلخيص احلبري يف ختريج أحاديث الرافعي الكبري أليب الفضل شهاب الدين العسقاين عني بتنسيقه السيد عبد اهلل اهلاشمي اليامين باملدينة املنورة 3/39. 20

الوقفة الثالثة: إجراءات زادت األمر تعقيدا. وقد يتبادر إىل الذهن أن عاج هذه املشكلة سهل وميسور خاصة إذا ما رفع األمر إىل اجلهات القضائية باعتبار أن املحكمة تفصل يف األمر بسهولة عندما يرفع األمر إليها إذ تستطيع أن جتري حتقيقا باملمتلكات الشخصية العائدة إىل الشخص املدين والتحري الدقيق عن ذلك عبر آليات معلومة متبعة لدهيا تتمثل يف أكثر من جانب منها عىل سبيل املثال: خماطبة البنوك التي يمكن أن يكون قد تعامل معها أو مطالبته بتقديم كشف عن ذمته املالية وما إىل ذلك من اإلجراءات القانونية املشاهبة األخرى إال أن هذا األمر يبدو اليوم يف غاية الصعوبة )( بسبب أن املدين املامطل أو من يف )( مثل ما حدث مع بعض أصحاب املحافظ الذين أخذوا أموال الناس عىل أن املبلغ مضمون بذمتهم مقابل ثمن )فائدة ربوية حمرمة مقطوعة مسبقا (. 21

حكمه يقوم بتحويل ما لديه من أموال مجعها أو ديون إىل عقارات وممتلكات أخرى ويقوم بتسجيل ملكيتها باسم زوجته أو أحد معارفه مثلا بحيث ال يبقى أي دليل يثبت ملكيته ليشء يذكر ويف مقابل هذا رشعت يف بعض الدول ترشيعات خاصة هبذا املوضوع من أجل ضبط مثل هذه احلاالت ورصدها والتفريق بن املعرس احلقيقي وبن املامطل عر إصدار ما يعرف عند القانونن ب )صكوك اإلعسار( إال أن هذا اإلجراء مل ينه املشكلة بل زاد كثريا من حاالت التاعب بعد إجراء التحقيق من قبل املحكمة عن قيمة ملكية املامطل اخلاصة مما يؤهله للحصول عىل ما يؤيد دعواه قضائيا بعدم ملكيته احلالية لألموال وثبوت إعساره. 22

الوقفة الرابعة: ضوابط وقيود تبني املعسر احلقيقي من املماطل. ومن أجل وضع الضوابط والقيود التي نستطيع من خاهلا التمييز بن من يثبت إعساره فعا وبن املامطل حري بنا أن نعود إىل مقدمة هذه الدراسة التي بي نا فيها أن التطور اليوم يف تزايد مستمر ونامء وهذا التطور قد عمى كل مفاصل احلياة الرضورية واحلاجية والكاملية األمر الذي جيب من خاله مراعاة ظروف املدين والنظر إىل حاله نظرة واقعية إذ ال يمكن أن يتساوى من استقرض قرضا ما من أجل أن يكفل من يعول بمطعم أو مرشب أو ملبس أو مسكن مع من استقرض من أجل سفرة سياحية أو سلعة كاملية أو جتارة بأسهم وأوراق مالية وغريها مع تأكيدنا عىل أن ال أحد ضد فكرة أن يرفه اإلنسان عن نفسه بالسياحة املباحة التي يستجم فيها املرء لريى مجيل صنع اهلل يف خملوقاته أو يريح اإلنسان 23

نفسه بام شاء من سلع متطورة مباحة أو يتاجر باألوراق واألسهم املالية التي تتعامل معامات رشعية صحيحة ال غبار عليها وغري ذلك ولكن برشط أن يكون ذلك كله من خالص مال الشخص نفسه بحيث ال يرتتب عليه رضر يلحق باآلخرين فيام لو مل يوفق يف واحد مما ذكرنا من هذه األمثلة وما يشبهها. إن عىل األفراد واملؤسسات اليوم مسؤولية عظيمة تتمثل يف وجوب التحري الكامل عن طبيعة وضع املدين من أجل التمييز والتفريق بين كا الصنفن املذكورين خاصة إذا ما علمنا بالتحذير الشديد واخلطر األكيد الذي بي نه النبي عليه الصاة والسلام يف بيان الفرق بن حقيقة م ن يستقرض بنية أداء ما عليه وبن من يستقرض ويف نيته مسبقا املامطلة وعدم الوفاء من ذلك ما جاء يف احلديث الرشيف عن أيب هريرة ريض اهلل عنه عن النبي ﷺ أنه قال:»من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى 24

اهلل عنه ومن أخذها يريد إتافها أتلفه اهلل«)( فوجود اإلرادة حيدد املوقف من أخذ أموال الناس فمن أراد الوفاء هبا يرس اهلل تعاىل له ذلك بطرق شتى: إما عن طريق إعانة الدولة له من مرصف الغارمن )2( إذا عجز عن السداد مثا أو التنازل أو التخفيف من قبل الدائن أو يسوق اهلل تعال له رزقا من حيث ال حيتسب بينام من أراد بأخذه للامل إتافه بام يعني عدم إرجاعه ألصحابه أتلفه اهلل تعاىل أي بمعنى: مل يعنه عىل الوفاء وربام أصابه يف جسمه أو ماله. )( رواه البخاري يف كتاب االستقراض وأداء الديون واحلجر والتفليس باب: من أخذ أموال الناس عن أيب هريرة ريض اهلل عنه. )2( الغارمون هم املرصف السادس ممن ترصف هلم الزكاة يف قوله تعاىل: ڻ ڻ ڻ ە ە ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ے ے ڭ ڭ ڭڭ ۇ ۇ ۆ [ التوبة: [. 60 25

الوقفة اخلامسة: من أساليب املماطلني وتسويفاتهم. ومعلوم لدى اجلميع أن اإلسلام دين املقاصد واألعامل بالنيات فمجرد التفكري يف عدم إرجاع األموال واحلقوق بوجه عام إىل أصحاهبا يدخل يف سخط اهلل عزى وجلى سواء كان املقابل فردا أم مؤسسة وليس هذا فحسب بل إن الركة متحق وعندئذ يصعب سداد الد ين بمثل هذه النوايا وقد بلغ هذا األمر من الوعيد مبلغا عظيام لدرجة أن عد النبي ﷺ من يقوم هبذا الفعل سارقا والعياذ باهلل فعن صهيب ريض اهلل عنه أن رسول اهلل ﷺ قال:»أي ام رجل ت د ي ن دي نا وهو جم م ع أن ال يوفيه إياه لقي اهلل سارقا «)( وعىل ضوء الواقع الذي نعيشه )( رواه ابن ماجه يف سننه يف باب من أدان دينا مل ينو قضاءه عن صهيب 805/2. وإسناده متصل ال بأس به إال أن يوسف بن حممد بن صفي قال البخاري فيه نظر. وذكره ابن حبان يف الثقات وقال أبو حاتم ال بأس به. كنز العامل دار الكتب العلمية بريوت 1419 ه - 1998 م 96/6. 26

نستطيع اليوم بشكل واضح رصد حماولة بعض الناس أخذ األموال من املصارف والبنوك مع نيتهم املسبقة عدم الوفاء هبا وحماولة املامطلة هبا وتأخري سدادها بدون عذر مقبول مع تتبع شتى الطرق و الذرائع للتملص من الوفاء هبا أصا أو شطبها أو التظاهر باإلفاس وما شابه ذلك وقد يتوارون عن األنظار ملدة معينة أو يغادرون البلاد التي يقيمون فيها وعند التحري عن حقيقة ممتلكاهتم تتبين حقيقتهم بأن ثرواهتم ومهية و أن ما استطاعوا احلصول عليه من أموال كان بدون ضامنات يف بعض األحيان متناسن أن أثر رضر مثل هذه الترصفات قد تعم مجيع احلاالت مما يعني حرمان فئات من الناس هم بحاجة حقيقية إىل القرض أو التمويل الشخيص ألمر مهم ولكنهم قد ال جيدون من يقدم هلم ذلك بسبب طلب املؤسسات املالية بعض الضامنات الازمة لتأمن حصوهلم عىل األموال. 27

الوقفة السادسة: حقائق ثابتة ومؤملة. إن اإلسلام حينام رشع أمر القرض والدين إنام رشعه لسد حاجة ما قد يمر املرء هبا يف حياته لذلك جاء التحذير الشديد من قبل النبي ﷺ حينام كان يستعيذ باهلل تعاىل يف صباح ومساء كل يوم وليلة من أمور و ع دى منها ضلع الدين وقهر الرجال )( ملا فيه من رضر نفيس ومادي عىل الفرد يشعره باملهانة واهلزيمة الداخلية فضا عن التبعات األخرى إذ جاء باألثر أن الدى ي ن ه م بالليل ومذلة بالنهار ملا يرتتب عليه من ترصفات سلبية أخرى جاءت بوصف الصادق املصدوق ﷺ فيام روته السيدة عائشة ريض اهلل عنها: أن رسول اهلل ﷺ «كان يدعو يف الصاة اللهم إين أعوذ بك من املأثم واملغرم فقال له قائل )(»اللهم إين أعوذ بك من اهلم واحلزن والعجز والكسل والبخل واجلبن وضلع الدين وغلبة الرجال«جزء من حديث رواه البخاري يف كتاب التعوذ باب: التعوذ من غلبة الرجال عن أنس بن مالك ريض اهلل عنه. 28

)( ما أكثر ما تستعيذ من املغرم فقال إن الرجل إذا غرم حد ث فكذب ووعد فأخلف» )2(. فام أخر به النبي ﷺ يعد وصفا دقيقا حلال الرجل إذا ما وقع عليه الدين وهو ال يستطيع الوفاء. وقد بلغ من تفظيع أمر الدى ي ن أن اهلل تعاىل يغفر للشهيد كل يشء باستثناء الدى ي ن بل كان النبي ﷺ ال يصيل صاة اجلنازة أصا عىل من مات ويف ذمته د ي ن إال أن يتكفل أحد احلارضين بالوفاء عن املتوىف )3( حتى قال عليه الصلاة والسلام:»نفس املؤمن معلقة بد ي نه حتى ي قىض عنه«)4(. )( والغرم: كل يشء غ رمته من مال وغريه وغ ر م يغرم غرم أو غرامة. ينظر: مجهرة اللغة البن دريد 432/1. )2( البخاري كتاب األذان باب الدعاء قبل السام رقم 798. )3( مع وجود خاف بأن هذا كان يف بداية األمر ثم نسخ بحديث»أنا أوىل باملؤمنن من أنفسهم فمن ترك ماال فلورثته ومن ترك دينا فعيل قضاؤه«. فتح الباري باب من ترك ماال فألهله. )4( رواه الرتمذي يف باب التشديد يف الدين عن أيب هريرة وحسنه. 29

خامتة بعد هذا التجوال الرسيع مع حقيقة املعرس واملامطل حريبناأننكونحذرينأشداحلذرمنالديونوالقروض عامة وأال يلجأ الواحد منا إليهام إال عند الرضورة وإذا اضطررنا إليهام فحذار من املامطلة والتسويف فهو خ ل ق ذميم السيام إذا كان قادرا عىل الوفاء به فإنه يكون ظلام كام تقدم ذلك بحديث النبي ﷺ. ومن العجيب أن تغيب عن بال أكثر املتعاملن يف القروض والديون اليوم كثري من هذه القضايا في غرقون أنفسهم وم ن يعولون من ذوهيم بديون قد ال يستطيعون اخللاص منها طول العمر ويكونون يف حاالت إعسار شديد تول د هلم مصاعب مجة ومتاعب كثرية يف حياهتم ال بل األغرب من هذا كله أن جيهل بعضهم حقيقة أن هذه الديون تبقى يف ذمة املتوىف وتنتقل إىل ورثته. 30

املصادر واملراجع - تلخيص احلبري يف ختريج أحاديث الرافعي الكبري أليب الفضل شهاب الدين العسقاين عني بتنسيقه السيد عبد اهلل اهلاشمي اليامين باملدينة املنورة. - سنن ابن ماجة حتقيق: حممد فؤاد عبد الباقي دار الفكر بريوت. - صحيح البخاري ضبطه ورقمه: د. مصطفى البغا دار ابن كثري دمشق - بريوت ط 5 1414 ه - 1995 م. - صحيح مسلم عني بطبعه حممد فؤاد عبد الباقي دار الكتب العلمية بريوت 1413 ه - 1992 م. - فتح الباري رشح صحيح البخاري البن حجر دار الكتب العلمية بريوت ط 1 1410 ه - 1989 م. - كشف اخلفاء ومزيل اإللباس إلسامعيل بن حممد العجلوين مؤسسة الرسالة ط 6 1417 ه- 1996 م. - كنز العامل لعاء الدين عيل اهلندي دار الكتب العلمية بريوت 1419 ه - 1998 م. 31

- لسان العرب ابن منظور دار صادر بريوت ط 1. - جممع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي دار الكتاب العريب بريوت. - املجموع يف االقتصاد اإلسلامي أ.د. رفيق املرصي دار املكتبي دمشق 1426 ه- 2006 م. - املستدرك عىل الصحيحن أليب عبد اهلل احلاكم النيسابوري دار احلرمن القاهرة ط 1 1417 ه- 1997 م. - مسند اإلمام أمحد بن حنبل مؤسسة الرسالة ط 1 1421 ه- 2001 م - املعجم الكبري للطراين دار إحياء الرتاث العريب ط 2. - املوسوعة الفقهية وزارة األوقاف بالكويت. - املوسوعة احلديثية مسند اإلمام أمحد بن حنبل مؤسسة الرسالة ط 1 1421 ه- 2001 م. 32