160 اخلام س للغة العربية سلطة اللغة وت شكل الأن ساق الثقافية يف املجتمع العربي اأ.د. اأحمد ح ساين توطئة: اإن االن صراف اإىل ت شخي ص الواقع اللغوي والثقايف يف جمتمع ما لهو شعور عميق ب ضرورة البحث عن العنا صر الفاعلة يف سريورة االأن ساق االجتماعية والثقافية تلك العنا صر التي ال ميكن لها اأن حتقق ح ضورها يف بنية املجتمع مبعزل عن سلطة الن سق اللغوي بكل أابعاده الل سانية وروا سبه الثقافية واحل ضارية. ومما ال يرتاب فيه اأحد هو اأن ت شكل االأن ساق الثقافية يف املجتمع الب شري يعد أا صفى صورة ل سلطة اللغة بقيمها الداخلية ( القيم املنطقية( وب شرعيتها اخلارجية) ال شرعية ال سيا سية واملوؤ س سية( و إاذا كان ا أالمر كذلك فاإن مقاربة تفاعل االأن ساق اللغوية والثقافية اأ ضحت مرتكز ا بيني ا ( ل ساني ا واجتماعي ا( يف اخلطاب املنجز يف الثقافة الل سانية املعا صرة. ت سعى هذه الورقة البحثية التي نحن ب سبيلها حينئذ اإىل إايجاد إاجابات علمية كافية لكثري من االأ سئلة اال سرتاتيجية الفاعلة يف ص أان ت شكل االأن ساق اللغوية والثقافية وهي االأ سئلة التي ما فتئت ت شغل بال الل سانيني وعلماء االجتماع على حد سواء والتفكري يف االآن نف سه يف تهيئة ا أالر ضية معرفي ا ومنهجي ا إالمكانية وجود آاليات ل سانية - اجتماعية بينية للنهو ض بدرا سة االأن ساق اللغوية واالجتماعية والثقافية يف املجتمع اللغوي العربي. اأول: الأ س س واملنطلقات يكون خليقا بنا أن ن شري منذ البدء إىل أن ال صلة بني الأن ساق اللغوية والأن ساق الثقافية تعد ظاهرة إن سانية ما فتئت ت سهم يف ت شكل املرتكزات احل ضارية يف سريورة التاريخ الب شري إذ أم سى التفاعل بني الأن ساق اللغوية والثقافية و لجتماعية مركز ا ستقطاب يف البناء احل ضاري للإن سان وما برح يتعزز هذا التفاعل مبنجزات الفكر الإن ساين وبرتقية خربته وحتديثها با ستمرار ملواكبة املتغريات احل ضارية والثقافية التي ي شهدها امل شروع النه ضوي للأمم عرب تاريخها الطويل. ومن ههنا فاإن نظرة عجلى يف امل سار التحويل للح ضارات الإن سانية عرب م سارها التاريخي تهدي بكل ي سر إىل أن امل ضامني الثقافية والقيم احل ضارية للأمة املتجان سة بروافدها ومقوماتها تنتقل من جيل إىل جيل بوا سطة الأن ساق اللغوية والثقافية يف حركتها عرب الزمن تلك احلركة التي ت ستمد قوتها من بنية اللغة نف سها التي ت ستحيل إىل سلطة فاعلة تقود املجتمع اللغوي نحو الأف ضل ليخلد معتقداته الروحية ويوؤ س س منجزاته الفكرية والثقافية ولي سلك سبيله احل ضاري املتوخى. ومما ل يغرب عن أحد هو أن املقومات اللغوية يف كيان الأمة تعد رافد ا لأي حركة نه ضوية يف املجتمع مهما كانت الرتكيبة الب شرية لهذا املجتمع ول ميكن لأي جمموعة ب شرية أن حتقق أهدافها الإ سرتاتيجية على امل ستوى لجتماعي والثقايف و لقت صادي مبعزل عن لغتها الوطنية لأن نه ضة الأمم عرب تاريخ الإن سانية الطويل رافقتها نه ضة لغوية. أ ضحت الأن ساق اللغوية والثقافية حينئذ قوة فاعلة لها ح ضور يف احلركة النه ضوية للمجتمع بكل روافده ومكوناته الب شرية واملوؤ س سية ومن ثمة فاإن ت شكل الأن ساق الثقافية ل ميكن أن يتحقق خارج الن سق اللغوي سواء أكان هذا املجتمع أحادي اللغة أم متعدد اللغات والثقافات فاملنجز الثقايف باأمناطه املختلفة ناجت لغوي لي س إل. و إذا كان الن سق اللغوي ن شاط ا اجتماعي ا وثقافي ا يرافق سريورة الأن ساق لجتماعية والثقافية وي سهم يف حركيتها عرب الزمان واملكان فاإن ه ي شكل يف الوقت نف سه مكونات الوعي الثقايف ملجموعة ب شرية معينة ت ك و ن جمتمع ا له خ صو صيات ثقافية وح ضارية متجان سة. ولذلك فاإن أدنى ت أامل يف امل سار التحويل للغات والثقافات عرب احلقب الزمنية املختلفة يهدي بكل ي سر إىل أن الن سق اللغوي ما انفك
161 اخلام س للغة العربية ي ت خ ذ و سيط ا لفهم الأن ساق الثقافية يف املجتمع الب شري وما كان ذلك إل لأن ت شكل الأن ساق الثقافية ل ميكن له أن يتحقق خارج سلطة اللغة تعد هذه العلقة بني الأن ساق اللغوية والأن ساق الثقافية مرتكز ا ح ضاري ا ما فتئ ي سهم يف البناء احل ضاري للإن سان. ومن ههنا أ ضحى تاريخ املجتمع الب شري ل ينف صل عن تاريخ ل سانه وثقافته. وتاأ سي س ا على هذا الت صور حل ضور الن سق اللغوي يف ت شكل الأن ساق الثقافية يف املد احل ضاري للمجتمع الب شري فاإن اللغة العربية بالنظر إىل بعدها احل ضاري والنه ضوي والتداويل الآين أم ست مقوم ا أ سا س ا يف امل شروع النه ضوي للأمة العربية الذي يعد نه ضة لغوية يف أ صفى صورة لها ومن ههنا ي صبح النهو ض باللغة هدف ا أ سا س ا ل يقل عن الأهداف ال سيا سية و لقت صادية للأمة. إذ إن " اللغة العربية هي أبرز مظاهر الثقافة العربية و أكرثها تعبري ا و أثر ا بو صفها وعاء الوجدان القومي فل ثقافة قومية بدون لغة قومية ". )1( ويف هذا ال صدد يرى بع ضهم أن " حركية اللغة العربية وحيويتها مرتبطة بكيفية تدبري امل ش أالة اللغوية من الداخل واخلارج أي البحث عن التوازنات اللغوية التي جتعل اللغة العربية يف املركز الأول الذي ي دعم با ستثمار لزدواجية والتعددية ل ستثمار الأمثل ويوؤ س س لل س لم اللغوي املبني على سيا سة لغوية واعية وهادفة وتخطيط لغوي حمكم وا ستعداد لغوي داخلي وخارجي يجعل العربية لغة املعرفة التكنولوجية ولغة التنمية". )2( ثانيا: سلطة اللغة بني الن سق الداخلي والتاأطري اخلارجي: منذ البدء نقول إن ال سلطة اللغوية نوعان: أ- سلطة داخلية: نعني بها ال ضوابط والقواعد التي ت شكل الن سق العريف للغة ومنطقها الداخلي املعزز بالروا سب الثقافية واحل ضارية الكامنة التي تتحكم يف آليات ل ستعمال اللغوي و أمناط التفكري و إنتاج املفاهيم والت صورات. ب- سلطة خارجية: نعني بها ال سلطة املوؤ س سية التي يكر سها النظام ال سيا سي بجميع تنظيماته الد ستورية واملدنية وموؤ س ساته ل سرتاتيجية وقرارته ال سيادية التي تتج سد يف ال سيا سة اللغوية للمجتمع فال سيا سة اللغوية حينئذ هي جمموعة من القرارات ت تخذ على م ستوى سلطة حملية أو منظمة إقليمية أو دولية بناء على و ضع لغوي معني من أجل احلفاظ عليه أو تغيريه ليتما شى مع امل شروع النه ضوي للمجتمع. )3( منذ أن كان الإن سان كانت الكلمة من حيث هي وحدة الن سق الل ساين عند الب شر فاأ ضحت الكلمة من ههنا وحدة ل سانية و سيميائية يف الآن نف سه تنتمي إىل الأن ساق النطقية / ال سمعية حين ا و إىل الأن ساق املرئية أحيان ا أخرى. وبني ال سمع والب صر كان وعي الإن سان بكل جتلياته الروحية والعقلية. أم ست سلطة الكلمة سلطة قاهرة قد ترقى بالإن سان إىل مراتب الإن سانية يف رقيها و سموها وقد تنزل به إىل احل ضي ض ليعي ش يف الدرك الأ سفل ومن ههنا اكت سب الن سق الل ساين سلطته من جهة وقد سيته من جهة أخرى وظل يرافق البناء احل ضاري للإن سان يف م ساره التاريخي الطويل ويوؤطر منجزاته الروحية واملادية ويخلدها وينمي وعيه الثقايف واحل ضاري وي ضفي عليه إن سانيته التي ما كانت لتكون لوله. وتاأ سي س ا على ما أوماأنا إليه فاإن الن سق الل ساين مابرح ميار س على الإن سان قوة ح ضورية وهي قوة قهرية فاعلة متار س يف اللوعي Jean-Jacques على اللغة يقول سيادته حر يف ممار سة أن ه ا قهري ا وقد يتوهم الإن سان لها خ ضوع يخ ضع التي جتعل الإن سان سلطتها Lecercle يف هذا ال شاأن::"عندما يتكلم ال شخ ص تكون اللغة دائم ا هي التي تتكلم". )4( و إذا كانت اللغة كذلك فاإن ها تنتقل من الو سيلة يف عرف الب شر لتحقيق التوا صل بني أفراد املجتمع اللغوي إىل الفعل املنجز يف الواقع العيني يف حياة الب شر فاللغة " سلطة يف ذاتها )...( فالإن سان يفعل بها الفعل على النا س وكثري ا ما ل يكون واعي ا ب سلطتها ول بخطرها") 5 ( ولذلك فاإن اللغة لي ست و سيلة ا صطنعها املجتمع الب شري لأغرا ض نفعية منها التوا صل فح سب بل هي القوة الكامنة وراء الأفعال املنجزة تلك الأفعال التي واكبت امل سار التحويل للح ضارة الإن سانية وما فتئت ت ؤوطر املنجزات الفكرية والثقافية ف شكلت روا سب يف املجل س الدويل للغة العربية
162 اخلام س للغة العربية الأن ساق الل سانية والثقافية على اختلف البيئات احل ضارية والعرقية التي تنتمي إليها. إن كانت اللغة جهاز ا من املفاهيم والت صورات فهي يف الوقت نف سه موؤ س سة قانونية تتبدى هذه املوؤ س سة يف ن سق حمكم من ال ضوابط والقواعد التي ت ضفي على اللغة هيبتها و سلطتها و إذا كانت هذه ال سلطة ل ت د ر ك باحل س فهي متار س فعلها القهري يف أذهان املتكلمني امل ستمعني الذين يحققون هذه ال سلطة يف الواقع الفعلي للخربة الإن سانية عن طريق ل ستعمال الفعلي للكلم. يقول عبد ال شلم امل سدي يف هذا ال سبيل الذي نحن يف شاأنه: " إن لكل لغة من لغات الب شر قوانني تنتظمها وت شد أو صالها بحبل متني ل تراه العيون املجردة كالأ شلك املعدنية التي تتخلل الأ سمنت امل سلح وت صبح تلك القوانني أعراف ا يتخاطب بها أفراد املجموعة املنت سبني إليها ب شكل أ صلي أو ب شكل طارئ".) 6 ( عندما ميار س الإن سان العملية التلفظية بوعي أو دون وعي فاإن ه يعلن خ ضوعه ل سلطة كامنة يف الل شعور ت سلبه إرادته وحريته الوهمية لأن اللغة " تنطوي على علقة ا ستلب قاهرة لي س النطق أو اخلطاب بالأحرى تبليغ ا كما يقال عادة إن ه إخ ضاع فاللغة توجيه و إخ ضاع معم مان ".)7( وكان رولن بارت أوماأ إىل هذه ال سلطة القاهرة التي متار سها اللغة على الإن سان بعبارة أو ضح قائل:" اللغة سلطة ت شريعية الل سان قانونها إن نا نلحظ ال سلطة التي ينطوي عليها الل سان لأن نا نن سى أن كل ل سان ت صنيف و أن كل ت صنيف ينطوي على نوع من القهر ORDO تعني يف ذات الوقت التوزيع والإرغام". )8( ومن ههنا فاإن الإن سان ل ي شعر باحلرية املطلقة إل خارج الن سق اللغوي بيد أن الن سق اللغوي ل خارج له على الإطلق. ويكون حري ا بنا أن ن ستح ضر يف هذا املقام قول رولن بارت يف سياق حديثه عن لغة اخلطاب الأدبي إذ يقول: " يف اللغة إذن خ ضوع و سلطة ميتزجان بل هوادة فل مكان للحرية إل خارج اللغة بيد أن اللغة الب شرية من سوء احلظ ل خارج لها إن ها انغلق ول حميد لنا عنها إل عن طريق امل ستحيل )...(ل يتبقى لنا إل مراوغة اللغة وخيانتها هذه اخليانة امللئمة وهذا التليف والهروب هذه اخلديعة العجيبة التى ت سمح لنا ب إادراك اللغة خارج سلطتها يف عظمة ثورة دائمة للغة. هذا هو ما أطلق عليه أدب ا ".)9( تكمن سلطة اللغة يف القوة القهرية و إجناز اللمتناهي الذي يفوق قدرة الب شر فهي كما يرى )HUMBOLDT( )10(: " ا ستعمال غري متناه بو سائل متناهية".) 11 ( بيد أن اللغة قد تتجاوز سلطتها باخلطابات امل ضللة والرباهني اخلاطئة ( القيا سات اخلاطئة( )Paralogisme( فللغة قدرة خارقة على الت ضليل واملغالطة ولذلك فاإن اللغة كما يرى ال سوف سطائيون قادرة على أل تقول شيئ ا و أن تنتج اللمعنى و أن ت وج د عن طريق الكلمات ما ل يوجد يف الواقع )12(. وتاأ سي س ا على ما أوماأنا إليه فاإن الن سق اللغوي ب سلطته الداخلية واخلارجية له ح ضور فع ال يف ت شكل الأن ساق لجتماعية والثقافية وهو ي ستمد قوته احل ضورية من الروا سب الثقافية واحل ضارية التي يت ضمنها من جهة ومن الدعم ال سيا سي واملوؤ س سي من جهة أخرى. ثالثا: الن سق اللغوي والن سق الثقايف: التنوع والختالف. إن الذي يروم الدللة املعجمية وال سياقية ملنطوق الن سق ومفهومه) 13 ( يهتدي إىل أن املدخل املعجمي)ن سق( يدل يف الل سان العربي على النظام و لنتظام فالن سق من كل شيء:ماكان على طريقة نظام واحد عام يف الأ شياء. ويقول ابن سيدة ن س ق ال شيء ي ن س ق ه ن س ق ا ون س ق ه نظ م ه )...( وقد انت سقت هذه الأ شياء بع ضها إىل بع ض أي ت ن س ق ت )...(والنحويون ي سمون حروف العطف حروف الن سق لأن ال شيء إذا عطفت عليه شيئ ا بعده جرى جمرى واحد ا)...( ون س ق الأ سنان : انتظامها يف الن ب ت ة وح سن تركيبها )...( والن سق ما جاء من الكلم على نظام واحد.) 14 ( أ ضحى مفهوم الن سق يف الثقافة ل صطلحية العربية املعا صرة مكافئ ا )15( مل صطلح System( )Système/ يف الإنحليزية والفرن سية وهو م شتق من أ صل تاأثيلي للكلمة اليونانية القدمية sustēma التي تدل على معنى التنظيم أو املجموع ( الكل( وهي بدورها م شتقة من الفعل sunistēmi مبعنى أ س س أو أن شاأ علقات. )16( ويدل م صطلح الن سق System( )Système/ يف الأل سنة الهندو - أوروبية املتفرعة عن اليونانية) 17 (القدمية واللتينية ب شكل عام
163 اخلام س للغة العربية على "و ضع أ شياء بع ضها مع بع ض يف شكل منظم من سق".) 18 ( ومن ثمة أم سى الن سق يرتبط مبعنى الأ شياء املنظمة وفق علقات وقوانني ثابتة تربط الأ شياء بالكل الذي يحتويها. وقد يدل م صطلح الن سق ( كما يرى بع ضهم(على مفهومني اثنني أحدهما عام والآخر خا ص أم ا العام فهو مبعنى جملة من العنا صر مادية وغري مادية يتبادل بع ضها مع بع ضها الآخر فاإذا هي ت ش ك ل كل ع ضوي ا كالنظام املدر سي واجلهاز الع صبي مثل. و أما اخلا ص فهو مبعنى جمموعة من أفكار علمية أو فل سفية ترتبط منطقي ا من حيث متا سكها ل من حيث حقيقتها". )19( كما ي ع ر ف ه بع ضهم على أن ه جمموعة من العنا صر لها نظام معني يدخل بع ضها يف علقات مع بع ضها الآخر لكي يوؤدي وظيفة معينة) 20 ( وب صورة عامة ميكن لنا النظر اإىل الن سق ح سب احلالت الآتية: - 1 جموع أجزاء الكل أو عنا صره. - 2 علقات وتفاعلت قائمة بني هذه العنا صر. - 3 هذه العنا صر تعمل مع ا لكي توؤدي وظيفة معينة. - 4 الن سق يختلف م ستوى تعقيده Level of Complexity ودرجة شموليته ( من لت ساع إىل ال ضيق( فقد تكون وحداته كبرية العدد أو حمدودة.) 21 ( هناك أاربعة مفاهيم اأو مح د د ات لها صلة مبفهوم الن سق: - 1 التفاعل) :)L'interaction التفاعل الداخلي واخلارجي نعني بالتفاعل الداخلي تفاعل الأن ساق الفرعية املكونة للن سق ال شمويل. ونعني بالتفاعل اخلارجي تفاعل الن سق مع أن ساق أخرى ت شاركه يف حواليته )L'environnement( لجتماعية والثقافية كالتفاعل بني الن سق اللغوي والن سق الثقايف يف املجتمع الواحد. - 2 الكلية أو ال شمولية Globalité( :)Totalité ou الن سق هو كل شمويل يتكون من عنا صر منتظمة غري قابلة للختزال.وذلك ما أك ده هيجل )22( بقوله: إن " املعنى احلقيقي للن سق هو ال شمول الكلي وذلك وحده هو الن سق احلق ". )23( - 3 التنظيم ( :)L'organisation مفهوم التنظيم مفهوم جوهري يف بناء الن سق فهو ترتيب الكل اعتماد ا على توزيع عنا صره املنتظمة يف م ستويات هرمية. - 4 التعقيد :)Complexité( الن سق معقد يف كيانه البنائي. هناك ثالثة عوامل تتعلق بهذا التعقيد: - 1 درجة عالية من التنظيم. - 2 صعوبة حتديد عنا صره. - 3 عدم اليقني يف علقته بالبيئة. )24( وبعد ما أ سلفنا ذكره من حدود وتعريفات ميكن لنا أن نتم سك يف هذا ال سبيل الذي نحن ب ش أانه بحد الن سق ال شائع يف املعارف الإن سانية فهو حينئذ كل شمويل يتكون من عنا صر أو وحدات متفاعلة فيما بينها لكي توؤدي وظيفة معينة. وي سهم كل منها بوزن معني ح سب أهميته ودرجة فاعليته داخل الكل ( الن سق(. )25( و ما ل مياري فيه أحد هو أن العلقات بني مكونات الن سق ( العنا صر الن سقية الفاعلة( علقات مت شابكة ومطردة فاأ ضحى التفاعل بني هذه املكونات خا صية ن سقية إذ تغتدي انتظام ا ثابت ا يف سريورة الن سق للحفاظ على بنائه املحكم. ولذلك فاإن مكونات الأن ساق لجتماعية والثقافية واللغوية تتفاعل با ستمرار وتتقاطع ويوؤثر بع ضها يف كيان بع ضها الآخر وهذا التفاعل والتقاطع هو الذي ي ضبط املجل س الدويل للغة العربية
164 اخلام س للغة العربية انتظامها ويعزز ن سقيتها وي ف ع ل سريورتها با ستمرار. وتاأ سي س ا على ذلك فاإن الن سق يف حقيقة أمره كل شمويل يحتوي العلقات الوظيفية بني عنا صره )مكوناته( فتغري مادة العن صر ل ي ؤوثر يف بناء الن سق لأن العلقة الوظيفية التي تربط العن صر بالن سق مل تتغري. وي ضرب لنا دي سو سري Saussure( )Ferdinand De )1857-1913( مثل بلعبة ال ش طرجن d'echec( )26()Jeux حيث شبه الن سق الل ساين بن سق لعبة ال ش طرجن التي حتكم عنا صرها قوانني ثابتة فقيمة العن صر تتحدد يف وظيفته داخل الن سق ولي س يف ذاته إذ إن ن سق اللعبة ل يتغري بتغري مادة عنا صرها إذا ا ستبدلنا قطعة عاجية بقطعة خ شبية يظل ن سق اللعبة قائم ا ول يتاأثر بالتغري املادي لوحدات اللعبة. يحتوي الن سق اللغوي مبكوناته ال صوتية والرتكيبية والدللية الأن س اق الأخرى التي لها صلة بالإن سان )الن سق لجتماعي والثقايف( ويختزلها يف ن سق سيميائي دال) ن سق من العلمات( تلك العلمات التي ت صبح بدائل عن الواقع الطبيعي و لجتماعي والثقايف. ومن ههنا فاإن " ما يحكم العلقة بني العنا صر الل سانية وم ستوياتها ويربط بع ضها ببع ض هو ما يطلق عليه الن سق و إن أي اختلف يف هذه العلقة بني العنا صر تفقد الن سق توازنه وتغري معامله") 27 ( وتاأ سي س ا على هذا الت صور للن سق فاإن التغريات والتحولت التي ميكن أن تظهر داخل كيان الن سق نف سه لي ست اعتباطية بل هي معطى من معطيات الآلية التنظيمية للن سق أي قوانينه الداخلية فمكونات الن سق تعيد تنظيم نف سها با ستمرار حفاظ ا على وحدة الن سق وا ستمرارية سريورته. "فالن سق نظام ينطوي على ا ستقلل ذاتي ي شكل كل موحد ا وتقرتن كليته ب آانية علقاته التي ل قيمة للجزاء خارجها." )28( فالوحدات التي يتكون منها الن سق" لي ست جمرد تراكمات عر ضية تلتقي م صادفة بل تتمتع بتنظيم ذاتي يحفظ كيانها يف سريورة بناء الن سق". )29( إن تداخل الأن ساق يف الن سق الواحد خا صية من خ صائ ص انفتاح الن سق على الأن ساق الأخرى فهو حينئذ " ن سق تتمايز بداخله أن ساق أخرى بحيث ميكن الربط بني علقات املدخلت - املخرجات داخل الن سق". )30( 2- ت شكل الأن ساق الثقافية. يف كتابه: الثقافة البدائية Primitive 1871 )31(Tylor للثقافة كان على يد الأنرثوبولوجي لجنليزي تعريف أنرثوبولوجي أول Culture الثقافة يف نظره:"... ذلك الكل املركب الذي ي ضم املعارف واملعتقدات والفنون والأخلق والقانون والعرف وكل املقد سات والعادات الأخرى التي يكت سبها الإن سان كع ضو يف جمتمع معني". )32( هناك اجتاهان شائعان يف تعريف الثقافة: - لجتاه الأول: ينظر إىل الثقافة على انها تتكون من القيم واملعتقدات واملعايري والرموز والأيديولوجيات وغريها من املنتجات العقلية. - لجتاه الثاين: يربط هذا لجتاه الثقافة بنمط احلياة الكلي ملجتمع ما والعلقات التي تربط بني أفراده وتوجهات هوؤلء الأفراد يف حياتهم. ميكن لنا اأن ن ستمد من هذين الجتاهني ثالثة مفاهيم: الأول: التحيزات الثقافية: ت شمل القيم واملعتقدات امل شرتكة بني النا س. الثاين: العلقات لجتماعية: ت شمل العلقات ال شخ صية التي تربط بني أفراد املجموعة الثقافية املتجان سة. الثالث: أمناط أو أ ساليب احلياة: وهي الناجت الكلي املركب من لنحيازات الثقافية والعلقات لجتماعية. ت شكل هذه العنا صر الن سق الكلي ال شمويل للثقافة. )33( من ههنا فاإن الن سق الثقايف ملجموعة ب شرية معينة ي شكل املنجز الفكري لتلك املجموعة ويج سد ت صوراتها واعتقاداتها وتقاليدها
165 اخلام س للغة العربية و أعرافها هذا الكل ال شمويل الذي يتبدى يف ن سق من العلمات والرموز. فالثقافة " تبدو بناء على هذا الت صور يف شكل سلوك رمزي أو إ شاري م شرتك بني أفراد املجتمع وبف ضل هذا ال سلوك ومن خلله ي ستطيع هوؤلء الأفراد التوا صل والتفاعل في شعرون ب أانهم يكونون كيان ا متميز ا ي سمى جمتمع ا أو جماعة". )34( وتاأ سي س ا على هذا الت صور فاإن الثقافة تعك س القدرة الإجنازية لدى الفرد الذي ينتمي إىل جمتمع له خ صائ ص ثقافية وح ضارية متجان سة تلك القدرة التي حتقق التوا صل لجتماعي والثقايف وتعززه باعتماد ن سق من العلمات والرموز التي تكون الن سق ال سيميائي لثقافة بعينها وما كان ذلك كذلك إل لأن النمط الثقايف ل يعدو أن يكون " جمموعة من مناذج الت صرف التي يتعلمها الإن سان والتي ن شاأت ومنت عن طريق ا ستخدام الرموز وت ستمد وجودها منها منذ أن أ صبح الإن سان قادر ا على الرتميز وبعد أن أ صبح قادر ا على إعطاء معان ودللت معينة للظواهر املادية".) 35 ( إن لهتمام بدرا سة الأن ساق اللغوية داخل الثقافة مينح الثقافة معناها اجلوهري ل املعنى الظاهر املزيف لأن الن سق اللغوي داخل الثقافة لميكن ل ستغناء عنه لأن ه أيديولوجيا ولأن ه وحده الذي يوؤ س س للت صال اجلمعي وي ؤوطر لنظام اخلطاب داخل الثقافة فوحدها إذن املقاربة اللغوية الثقافية ت سمح بفهم أعمق للأن ساق اللغوية مباهيتها املزيفة املعلنة وبايدلوجيتها احلقيقية امل ضمرة" )36( "فالن سق الثقايف جمموعة من القيم املتوارية خلف الن صو ص واخلطابات واملمار سات.") 37 ( ينتمي املنجز الثقايف الإن ساين إىل الأن ساق ال سيميائية الدالة )الأن ساق ال سمعية واملرئية( التي ت شكل شبكة من العلمات تنتظم يف أن ساق متعددة ( الطقو س العادات والتقاليد والأعراف والأ ساطري والفلكلور والفنون( ويعد الن سق اللغوي احلامل املادي لهذه الأن ساق كلها. ومن ههنا فاإن التفاعل بني اللغات ي ع د سبيل للتفاعل الثقايف لأن الن سق اللغوي يت ضمن الأن ساق الثقافية مل ش ك ل ة يف جمتمع معني فالتنوع اللغوي هو تنوع يف الر ؤوى والت صورات واملفاهيم واخلطابات املنجزة يف ثقافة بعينها فالتفاعل بني الأن ساق اللغوية يف املجتمع املتعدد هو تفاعل بني امل ضامني الفكرية والثقافية واحل ضارية ب شكل عام. يتعلق مفهوم التعددية الثقافية مبدئي ا بالتعامل مع املجتمعات غري املتجان سة فالتعددية منظومة فكرية اعتمدتها الدرا سات ل سرتاتيجية وال سيا سية الكربى للتعامل مع واقع الأقليات اللغوية والعرقية والدينية يف جمتمع الأغلبية ومن جهة أخرى هي منظومة أكادميية يف حقل الدرا سات ال سو سيو- ل سانية وال سو سيو- ثقافية ت ستخدم لتو صيف العلقات بني الأن ساق والفئات املختلفة يف املجتمع الواحد ( علقة الأقلية بالأغلبية(. يكاد الن سق الثقايف املعزول يكون منعدم الوجود لأن ه ل ي ستطيع أن يحافظ على بقائه. يقول ليفي سرتاو س ) 38 (يف هذ ال شاأن:" الثقافة الواحدة عندما تكون وحيدة ل ت ستطيع أن تكون متفوقة على الإطلق ش أانها ش أان اللعب املعزول)...( ولي س هناك من ثقافة وحيدة إن ها دائما يف تاآلف مع ثقافات أخرى وهذا ما ميكنها من إحراز سل شلت تراكمية". )39( أم سى التعدد اللغوي والثقايف مطلب ا ح ضاري ا " يهدف إىل الإغناء والدفع إىل التعدد الثقايف وامل ساواة بني الثقافات وال شعوب وم شروعيتها واملحافظة على العادات والقيم الإيجابية فيها وتغذية الفروق التي من ش أانها رفع حظوظ اجلماعات الإثنية يف احل ضور الثقايف". )40( لقد أكد الإعلن ال صادر عن اليون سكو) 41 ( يف موؤمتر باري س )2001/10/02( على التنوع الثقايف واللغوي م شري ا إىل أن العوملة إن كانت يف الظاهر ت شكل خطر ا على الثقافات املحلية يف ضوء التطور ال سريع لتكنولوجيات الإعلم و لت صال فهي على الرغم من ذلك تهيئ الظروف امللئمة لإقامة حوار مركز بني الثقافات واحل ضارات. وكان التاأكيد يف هذا الإعلن على أن التنوع الثقايف واللغوي هو تراث م شرتك للإن سانية. ومن ثمة فاإن التنوع اللغوي هو من ال ضرورات احليوية للجن س الب شري ك ضرورة التنوع البيولوجي.) 42 ( ولذلك فاإن التعدد من حيث املبد أ هو تنوع وثراء واختلف وتفاعل لكن " ينبغي أل يكون عائق ا يف وجه لن سجام الوطني و لرتباط باللغة الوطنية االر سمية وعودة بها إىل الرتاجع والتقهقر وت سريب الهيمنة عرب مفهوم إيجابي".) 43 ( املجل س الدويل للغة العربية
166 اخلام س للغة العربية رابع ا: الأن ساق اللغوية والأن ساق الثقافية: املقاربة الل سانية واملقاربة الأنرثوبولوجية: تعد اللغة من حيث هي ظاهرة ثقافيه قا سم ا م شرتك ا بني الل سانيات والأنرثوبولوجيا وهو الأمر الذي يوؤدي إىل تقاطعهما معرفي ا ومنهجي ا فن ش أا عن هذا التقاطع فرع علمي جديد يجمع بني املرجعيتني )الل سانية والأنرثوبولوجية( أ ضحى ي سمى فيما بعد بالل سانيات الأنرثبولوجية) linguistics )Linguistique anthropologique/ Anthropological. تح ع ر فح الأنرثوبولوجيا العامة )44( عادة باأنها: أ- العلم الذي يدر س الإن سان من حيث هو كائن ع ضوي حي يعي ش يف جمتمع ت سوده نظم و أن ساق اجتماعية يف ظل ثقافة معي نة. ب - العلم الذي يدر س احلياة البدائية واحلياة احلديثة املعا صرة ويحاول التنب وؤ مب ستقبل الإن سان معتمدا على تطو ره عرب التاريخ الإن ساين الطويل. وت ع ر ف الأنرثوبولوجيا الثقافيه Cultural anthropology ب أانها: درا سة علمية مو ضوعها اخل صائ ص الإن سانية للمجتمعات الب شرية ومن أهم هذه اخل صائ ص الثقافة )جمموع العادات والتقاليد والأعراف و أمناط احلياة ملجموعة ب شرية معينة(. يعني مفهوم "ثقافة" Culture من وجهة نظر املقاربة الأنرثوبولوجية احل صيلة الكلية للتقاليد والعادات والأعراف ومنط احلياة لطائفة اجتماعية تتميز بخ صو صيات ح ضارية معينة. أم ا الل سانيات الأنرثبولوجيةanthropologique Linguistique فمو ضوعها الأل سنة اخلا صة باجلماعات الب شرية من حيث اخل صائ ص الإن سانية للمجتمعات بخا صة املجتمعات التي تنعت عادة بالبدائية أو الفطرية فهي تبحث يف ال صلة التي تربط اللغة باخل صائ ص الثقافيه للإن سان يف جمتمع معني إذ إن ال صلة بني اللغة وثقافة املجتمع تعد من املو ضوعات الهامة لعامل الأنرثوبولوجيا. وما كان ذلك إل لأن كل املجتمعات سواء أكانت متح ضرة )متطورة( أم بدائية لها ثقافة و أن احلامل املادي لهذه الثقافة هي اللغة يف بنيتها املتميزة. )45( يرتبط النمط الثقايف) 46 ( لأي جمموعة ب شرية ارتباط ا وثيق ا بالنموذج اللغوي املتميز لتلك اجلماعة مما يجعل تقطيع املفاهيم وتوزيعها يف ثقافة من الثقافات يختلف باختلف الأن ساق اللغوية ) 47 ( فقد لحظ يف هذا ال سبيل مدون املادة املعجمية ( ا سم( يف الأن سيكلوبيديا يف القرن الثامن ع شر أن ا ستخدام بع ض الألفاظ التي تتفاوت يف مدى جتريدها لي س بناجت عن قدرات ذهنية بل عن
167 اخلام س للغة العربية اهتمامات اجلماعة الثقافيه) 48 (. ولذلك جند علقة الثقافة باللغة الطبيعية حتتل مركز ا هام ا يف املطبوعات الأوىل جلامعة تارتو ( )TARTU ( اجلمعية ال سيميائية بالحتاد ال سوفياتي سابق ا( حيث حددت الظواهر الثقافية على أن ها أنظمة ثانوية م شكلة وفق النموذج اللغوي. )49( تعود هذه الفكرة يف مرحلتها اجلنينية إىل هاردر ( )50()HERDER وهمبلد وغريهما يف أوروبا و إىل سابري ( ( SAPIR )51 ) يف أمريكا. حيث يرى هوؤلء جميعا أن اللغة حتدد نظرة املجتمع للعامل املحيط بالإن سان الذى ينتمي إىل منط ثقايف معني كما أن لها تاأثري ا يف الطريقة التي يفكر بها أفراد املجتمع الذين يتكملون لغة متجان سة.) 52 ( يرى سابري أن الب شر ل يعي شون يف العامل املادي وحده ول يف عامل الن شاط لجتماعي باملفهوم العادي ولكنهم يخ ضعون خ ضوع ا إلزامي ا إىل النموذج اللغوي الذي يحدد التكيف لجتماعي يف املحيط الثقايف.) 53 ( ويوؤكد أي ض ا يف مقام آخر أن ف صل اللغة عن الثقافة لي س بالأمر الهني وي ستعمل ههنا لفظ الثقافة مبعناها الوا سع للدللة على جمموعة الت صورات والتمثلت واملفاهيم التي ت شكل النظرة التي تكو نها املجموعة الب شرية عن العامل املحيط بها.) 54 ( لقد اقتفى ورف ( ( )55(WHORF أثر أ ستاذه سابري إذ كان تلميذه وم ساعده يف الإجنازات العلمية التي حققها يف جمال البحث الل ساين والأنرثوبولوجي ف أافاد ورف من هذه الدرا سات وا ستغل هذا الر صيد املعريف يف الدرا سات ال شاملة التي قام بها يف الو سط الثقايف والل ساين للهنود احلمر فتو صل إىل جمموعة من النتائج العلمية أ صبحت تنعت فيما بعد بفر ضية ورف Whorf hypothesis : / Hypothese de Whorf يرى ورف أن اللغة لي ست يف جوهرها و سيلة للتعبري عن الأفكار بل هي نف سها التي ت شكل هذه الأفكار فنحن نق سم العامل بناء على الإطار العام الذي يحدده النموذج اللغوي سلف ا.) 56 ( وقدم صاحب هذه النظرية أمثلة كثرية من لغات متعددة لت أاكيد فر ضيته منها: مناذج من بنية الأفعال يف إحدى لغات الهنود احلمر امل سماة )HOPI( وقارنها ببنية الفعل يف اللغة الإجنليزية فتبني له بعد هذه املقارنة أن نظرة كل من املجتمعني إىل الزمن تختلف اختلف ا جذري ا. )57( ميكن لنا أن نقول يف الأخري: إن النموذج اللغوي يرتبط ارتباط ا وثيق ا بالنماذج الثقافية ملجموعة ب شرية معينة وبناء على ذلك فاإن اللغة عامل أ سا س يف إ ضفاء الطابع الثقايف املميز على املجتمع لأن العلقات لجتماعية لتت شكل إل بوا سطة النموذج اللغوي الذي يقوم بدور جوهري يف جمال الرتاكم الثقايف وانتقال النمط الثقايف عرب الأجيال.) 58 ( وما كان ذلك كله إل لأن اللغة ت شكل جزء ا من الوعي الثقايف للجماعة وهي تعد يف بنيتها اجلوهرية واحدة من أقدم املظاهر لهذا الوعي. وتاأ سي س ا عل ذلك فاإن الت صور ل سرتاتيجي للغة العربية هو يف الواقع تنظيم ن سق من الفعاليات الإلزامية املتكاملة يف إطار الزمان واملكان فهو إذ ذاك ال سعي املحدد والوا ضح من أجل حتقيق أهداف ورغبات حمددة ووا ضحة املعامل.وهذه العنا صر ل تكتمل إل بتوافر روؤية آنية وم ستقبلية تاأخذ بعني لعتبار البعد الثقايف للغة العربية. )59( ل ميكن لنا أن نحقق التنمية اللغوية الفاعلة واملن شودة إل بالتعامل مع اللغة العربية بو صفها ن سق ا فكري ا وثقافي ا من جهة وق ضية معرفية من جهة أخرى تنطلق منها الت صورات والر ؤوى كلها من أجل تر سيخ القيم اللغوية والثقافية لدى املتكلم العربي وتعميق امل شاألة اللغوية يف وعيه الثقايف واحل ضاري وحت سي سه بتاأثري اللغة وفاعليتها يف أي تنمية نن شدها ويف أي م شروع ثقايف وح ضاري نطمح إليه.) 60 ( ومن ثمة فاإن ح ضور اللغة يف التخطيط ل سرتاتيجي والن سق الثقايف للمجتمع العربي يعد حتول جذري ا يف ال سيا سات اللغوية العربية ويعك س وعي ا ح ضاري ا عميق ا ب ضرورة و ضع ت صورات شاملة حلركية املجتمع بجميع مكوناته لقت صادية و لجتماعية والثقافية والرتبوية واللغوية. إذا حتقق هذا التوجه يف بعده ال شمويل فاإن اللغة العربية ستجد لها حي ز ا ميكن لها أن حتتله بكل جدارة و أهلية وا ستحقاق يف ف ضاء التنوع اللغوي والثقايف الذي أ صبح حقيقة واقعية ل ميارى فيها ول ترد.) 61 ( املجل س الدويل للغة العربية
168 اخلام س للغة العربية تو صيات ختامية: نورد ههنا بع ض التو صيات التي ميكن لها أن تعزز امل شروع اللغوي والثقايف يف املجتمع العربي: 1- ضرورة التن سيق املحكم بني الدول العربية واملنظمات الثقافية والرتبوية الفاعلة لتبني م شروع لغوي /ثقايف عربي م ستقبلي ياأخذ بعني لعتبار الواقع املحلي والإقليمي والعاملي للغة العربية. 2- ا ستثمار العلقات لقت صادية والثقافية التي تربط الأمة العربية بالعامل لتمرير م شروع اللغة العربية العاملية وتعزيزه لعوملة اللغة العربية باأن ساقها الثقافية واحل ضارية. 3- ا ستثمار املكانة ال سيا سية و لقت صادية والثقافية للعامل العربي وت أاطريها وفق سيا سة شاملة لن شر الثقافة العربية وت صدير براجمها والرتويج لها لتجد لها حيز ا ميكن لها أن حتتله بني الأن ساق الثقافية العاملية. 4- ضرورة إدماج امل شروع اللغوي والثقايف العربي يف اخلطط الإ سرتاتيجية للموؤ س سات و إ صدار قرارات ومرا سيم يف هذا ال شاأن. 5- توجيه الأبحاث والدرا سات الأكادميية يف اجلامعات العربية لرتقية الدرا سات الل سانية و لجتماعية والثقافية من أجل النهو ض بامل شروع اللغوي والثقايف العربي. هوام ش واإحالت - 1 املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم )Alesco( اخلطة ال شاملة للثقافة العربية صيغة 1996. - 2 عبد الرحمن يجيوي تنمية اللغة ولغة التنمية يف الوطن العربي املركز العربي للأبحاث ودرا سة ال سيا سات الدوحة ( دي سمرب( ص 2011 3. 3 ينظر الرجع نف سه ص 11. - 4 جان جاك لو سركل عنف اللغة ترجمة حممد بوي ل سانيات ومعاجم بريوت املنظمة العربية للرتجمة ص 2005 206. - 5 عبد ال شلم امل سدي جريدة الريا ض ال سعودية اخلمي س 11 ربيع الآخر 1426 ه - 19 مايو 2005 م العدد. 13478-6 املرجع نف سه. - 7 رولن بارت در س ال سيميولوجيا ترجمة عبد ال شلم بنعبد العايل ط 3 دار توبقال للن شر الدار البي ضاء املغرب 1993 ص 12. - 8 املرجع نف سه ص 12. - 9 رولن بارت در س ال سيميولوجيا ص. 14-10 Humboldt :)1835-1767( Friedrich Wilhelm von فيل سوف ولغوي أملاين. 11.9 Noam Chomsky, Aspects de la théorie syntaxique, p 12 ينظر الزواوي بغورة بني اللغة واخلطاب واملجتمع مقاربة فل سفية اجتماعية جملة إن سانيات عدد: 18-17 دي سمرب 2002 اجلزائر. ص 51. - 13 لتعميق هذه املفاهيم ينظر أحمد ح ساين تفاعل الأن ساق اللغوية يف املجتمع املتعدد اللغات والثقافات أعمال امل ؤومتر الدويل اخلام س لكلية الآداب جامعة الزيتونة الأردنية )عمان(" التعددية الثقافية يف اللغة والأدب" ) 19-18-17 نوفمرب 2015 ( اجلزء الأول من كتاب املوؤمتر ص.334-295 - 14 ينظر ابن منظور ل سان العرب مادة ( ن سق(. - 15 بع ض الباحثني ي ستخدم م صطلح النظام مكافئ ا مل صطلح).)Système.)Voir, Dictionnaire du français Larousse (Système- 16-17 تبنت املعاجم واملو سوعات الفل سفية لفظة ن سق اليونانية Systema وعرفت املو سوعة الرو سية الن سق باأن ه لفظة يونانية تعني " الكل املركب من الأجزاء ". املو سوعة الفل سفية مو سكو ص 1983. 616 أورده سليمان أحمد ال ضاهر مفهوم الن سق يف الفل سفة) الن سق الإ شكالت واخل صائ ص( جملة جامعة دم شق املجلد 30 العدد الثالث والرابع. 2014 ص 370. - 18 مدكور إبراهيم و آ خرون معجم العلوم لجتماعية القاهرة الهيئة امل صرية العامة للكتاب القاهرة ص 1975 61.
169 اخلام س للغة العربية - 19 ينظر للند املو سوعة الفل سفية ترجمة خليل أحمد خليل من شورات عويدات بريوت 1996 ج 3 ص أورده 1417 سليمان أحمد ال ضاهر مفهوم الن سق يف الفل سفة) الن سق الإ شكالت واخل صائ ص( جملة جامعة دم شق املجلد 30 العدد الثالث والرابع. 2014 ص 371. - 20 Press أورده.p227 1943.Warren, A.C Dictionary of Psychology.New York ;Te Revised عبد اللطيف حممد خليفة إرتقاء القي م درا سة نف سية سل سلة عامل املعرفة )الكويت( أبريل.1992 ص 30. - 21 ينظر املرجع ن سه ص 30. 22 -جورج فيلهلم فريدري ش هيغل) )Georg Wilhelm Friedrich Hegel ( 1770 1831( - فيل سوف أملاين اقرتن ا سمه بحركة الفل سفة املثالية الأملانية يف أوائل القرن التا سع ع شر. - 23 هيجل تاريخ الفل سفة ص.222 أورده سليمان ال ضاهر ص 377..Voir Dr. hc. Guy TURCHANY La théorie des systèmes et systèmiques,p4-24 - 25 ينظر عبد اللطيف حممد خليفة إرتقاء القي م درا سة نف سية سل سلة عامل املعرفة )الكويت( أبريل.1992 ص 30. Voir, Ferdinand de Saussure, Cours de linguistique générale. Edition critique - 26.p125, 1983 préparée par Tullio de Mauro. Paris: Payot - 27 أحمد يو سف القراءة الن سقية - سلطة البنية ووهم املحايثة من شورات لختلف اجلزائر الدار العربية للعلوم نا شرون بريوت ص 120 2007-28 إديث كريزويل ع صر البنيوية - من ليفي شرتاو س إىل فوكو - تر: جابر ع صفور آفاق عربية بغداد العراق ص 291. 1985-29 سليمان أحمد ال ضاهر املرجع املذكور سابق ا ص 384. - 30 نيكل س لومان مدخل إىل نظرية الأن ساق ترجمة يو سف فهمي حجازي ط 1 من شورات اجلمل بغداد 2010. ص 63. - 31 Tylor أنرثوبولوجي )1917 1832( Sir Edward أجنليزي يعد موؤ س س الأنرثبولوجية الثقافية. - 32 أحمد أبو زيد تايلور سل سلة نوابغ الفكر الأوروبي ص 49. - 33 ينظر ميكل تومب سون و آخرون نظرية الثقافة ترجمة علي سيد ال صاوي سل سلة عامل املعرفة يوليو/ متوز ص 10. 1998-34 زكي ح سام الدين اللغة والثقافة ص 104. - 35 املرجع نف سه ص 105. - 36 عبد الفتاح أحمد يو سف قراءة الن ص و شوؤال الثقافة ا ستبداد الثقافة ووعي القارئ بتحولت املعنى - عامل الكتب احلديث اربد ( عمان( ص 2009.92-91 - 37 نادر كاظم الهوية وال سرد - درا سات يف النظرية والنقد الثقايف بريوت 2006 ص 9. - 38 Stauss )1902-1829( Levi باحث أنرثوبولوجي أمريكي. - 39 ليفي سرتاو س مقالت يف الإنا سة ص 2008. - 40 عبد القادر الفا سي الفهري اكت ساب اللغة العربية والتعليم اللغوي املتعدد أبحاث ل سانية املجلد 4 العدد 2-1 )1999( من شورات معهد الدرا سات والأبحاث للتعريب بالرباط ص 25-24. - 41 تنطلق منظمة اليون سكو من ميثاقها املبدئي الذي مت توقيعه يف 1945/06/26 الذي طبق عملي ا يف 1945 10/24/ وكذلك من د ستورها ال صادر يف 1945/11/16 الذي جاء يف الفقرة ال ساد سة منه أن أع ضاء املنظمة يوؤمنون باأهمية تطوير و سائل لت صال بني ال شعوب وتوظيف هذه الو سائل للتفاهم والتعارف التام. وقد عربت الفقرة الأوىل من الد ستور عن حرية تدفق املعلومات و أ شارت بدقة إىل أن املنظمة من اهتمامها تنمية التعاون لتحقيق التعارف والتفاهم امل شرتك بني ال شعوب با ستخدام كل و سائل لت صال املمكنة. ينظر يون سكو برا س unesco presse مكتب اخلدمات ال صحفية www.unesco.org/new/fr/media-services - 42 ينظر موؤمتر اليون سكو حول التنوع الثقايف باري س www.unesco.org 2001 10/02/ 43 ينظر عبد القادر الفا سي الفهري اكت ساب اللغة العربية والتعليم اللغوي املتعدد أبحاث ل سانية املجلد 4 العدد 2-1 )1999( من شورات معهد املجل س الدويل للغة العربية
170 اخلام س للغة العربية الدرا سات والأبحاث للتعريب بالرباط ص 25-24. - 44 الأنرثوبولوجيا Anthropology م صطلح إجنليزي م شتق من أ صل يوناين مكون من: :Anthropolos الإن سان و :Logos العلم أو الكلمة أو الدرا سة فاملركب الدليل للم صطلح هو علم الإن سان = علم الإنا سة. - 45 ينظر ماريو باي أ س س علم اللغة ترجمة أحمد خمتار عمر ط 2 عامل الكتب القاهرة 1983 ص 52. - 46 قد يتبدى النمط الثقايف للغة يف م ضامني تعك س العادات والتقاليد والأعراف و سلوكات الأفراد وطريقة حياتهم و صراعهم مع الطبيعة وكيفية ت سخريهم لها وامتلكهم آليات تكييف موارد الطبيعة وا ستثمارها وترقيتها ل صالح الإن سان ومهارتهم يف ا صطناع الو سائل التقنية وتطوير البحث العلمي وهو اجلانب التطبيقي واملادي للثقافة وثمرة من ثمار النزعة النفعية وذكاء شعب من ال شعوب. - 47 إن تعلم لغة أجنبية لي س معناه و ضع علمات) )sétiquette جديدة للأ شياء املاألوفة لدى املتكلم بل هو اكت ساب نظرة حتليلية مفارقة يف إطار التوا صل بالتعرف على البنى اللغوية اجلديدة التي يرى من خللها الواقع بطريقة خمتلفة عن لغته الأم. ينظر André Martinet, Eléments.p9,1970 de linguistique générale, Armand Colin Paris - 48 ينظر كلود ليفي شرتاو س مقالت يف الإنا سة ترجمة ح سن قبي سي دار التنوير 2008. ص 9. - 49 ينظر سيزا قا سم و آخرون أنظمة العلمات )مدخل إىل ال سيميوطيقا( دار إليا س الع صرية القاهرة..1986 ص 297. - 50 Herder -1744( Johann Gottfried )1803 كاتب و شاعر وفيل سوف أملاين. - 51 Sapir 1939-1848 Edward باحث أنرثوبولوجي - ل ساين أمريكي. 52- ينظر عاطف مدكور علم اللغة بني القدمي واحلديث ص 49. - 53 ينظر املرجع نف سه ص. 49. - 54 ينظر مي شال زكريا الأل سنية )علم اللغة احلديث( مبادئها و أعلمها ص 220. 55 1897 Benjamin Lee Whorf : 1941 ل ساين أمريكي. M.i.t- 56.1956 أورده )Voir,B.lee Worf: Language,Thought and Reality( نايف خرما أ ضواء على الدرا سات اللغوية املعا صرة ص 181-57 ينظر نايف خرما أ ضواء على الدرا سات اللغوية املعا صرة عامل املعرفة الكويت.1978 ص 217. - 58 ينظر مي شال زكريا املرجع املذكور سابق ا ص 222. 59 عبد العزيز بن عثمان التويجري ندوة الثقافة العربية وحتديات العوملة جملة الرتبية عدد 1999(128 ( الدوحة قطر ص 102. 60 ينظر عبد الرحمن يجيوي تنمية اللغة ولغة التنمية يف الوطن العربي املركز العربي للأبحاث ودرا سة ال سيا سات الدوحة دي سمرب www. 2011 dohainstitute.org - 61 ينظر أحمد ح ساين ترقية اللغة العربية بني التخطيط الإ سرتاتيجي و ل ستثمار املوؤ س سي أعمال املوؤمتر الدويل الثالث للغة العربية تنظيم املجل س الدويل للغة العربية. بدبي )7 2014( 5/10/ املجلد الثالث ص 7.