22 رجب 1440 ه 29 مارس 2019 م جمهورية مصر العربية وزارة األوقاف )1( في رحاب ا إلسراء والمعراج احلمد هلل رب العاملني القائل يف كتابه الكريم : }س ب ح ان ال ذ ي أ س ر ى ب ع ب د ه ل ي ل ا م ن ال م س ج د ال ح ر ام إ ل ى ال م س ج د ال أ ق ص ى ال ذ ي ب ار ك ن ا ح و ل ه ل ن ر ي ه م ن آي ات ن ا إ ن ه ه و الس م يع الب ص ري { وأ شهد أن ال إله إ ال اهلل وحد ه ال ش ريك ل ه وأ شهد أن سيد نا ونبي نا م ح م د ا ع بد ه و ر س ول ه الل ه م ص ل وسل م وبار ك عل يه و عل ى آل ه وصحب ه وم ن ت ب ع ه م ب إحسان إل ى ي و م الد ين. وبعد : فمما ال شك فيه أ ن رحلة اإلسراء واملعراج رحلة ذات أسرار عظيمة فهي رحلة فريدة يف اهلل )صلى تاريخ عليه اإلنسانية بعد وسلم( تكرمي ا خلامت جاءت, األنبياء واملرسلني سنوات ذاق خالهلا هو وأصحابه ألوان ا عنه وتسرية, من االضطهاد واألذى والتكذيب وبعد أن فقد يف أيام معدودة من السنة العاشرة من البعثة عمه أبا طالب الذي كان سند ا له يف حياته وزوجته العاقلة احلنون )رضي اهلل عنها( اليت كانت حصن ا ومالذ ا آمن ا يلجأ له عند شدته. ولقد ازداد هم النيب )صلى اهلل عليه وسلم( السيدة خدجية بعد رحلة الطائف احلزينة اليت كانت أشد املواقف صعوبة يف حياته الشريفة فبعد أن أصابه من أذى قومه وغريهم ما أصابه خرج)صلى اهلل عليه وسلم( إىل الطائف لعله جيد عند أهلها النخوة أو النصرة فكانوا أشد أذى وقسوة عليه )صلى اهلل عليه وسلم( من بين قومه ذلك أنهم سلطوا عليه عبيدهم وصبيانهم يرمونه باحلجارة قدميه من الدم سال حتى الشريفتني, فتوجه )صلى اهلل عليه وسلم( وهو يف طريق عودته إىل ربه بهذا الدعاء احلنون الذي حيمل كل معاني العبودية واالنكسار هلل )تعاىل( وحده ال ألحد سواه, قائل ا : )الل ه م إل ي ك أ ش ك و ض ع ف ق و ت ي و ق ل ة ح يل ت ي و ه و ان ي ع ل ى الن اس ي ا أ ر ح م الر اح م ني! أ ن ت ر ب ال م س ت ض ع ف ني و أ ن ت ر ب ي إل ى م ن ت ك ل ن ي إل ى ب ع يد ي ت ج ه م ن ي
)2( أ م إل ى ع د و م ل ك ت ه أ م ر ي إن ل م ي ك ن ب ك ع ل ي غ ض ب ف ل ا أ ب ال ي و ل ك ن ع اف ي ت ك ه ي ب ن ور أ ع وذ ل ي أ و س ع و ج ه ك ال ذ ي ل ه أ ش ر ق ت الظ ل م ات الد ن ي ا أ م ر ع ل ي ه و ص ل ح و ال آخ ر ة م ن أ ن ت ن ز ل ب ي غ ض ب ك أ و ي ح ل ع ل ي س خ ط ك ل ك ال ع ت ب ى ح ت ى ت ر ض ى و ل ا ح و ل و ل ا ق و ة إل ا ب ك(. ومن هنا ومن قلب كل هذه احملن كانت املنحة الربانية العظيمة رحلة اإلسراء واملعراج اليت أطلع اهلل )عز وجل( نبيه )صلى اهلل عليه وسلم( فيها على حقائق غيبية وأسرار كونية مل يطلع عليها ملك مقرب وال نيب مرسل تكرمي ا له )صلى اهلل عليه وسلم( وتثبيت ا لقلبه ولكي يزداد إميان ا ويقين ا وثقة يف أنه يف معية اهلل )عز وجل( ويف كفالته وعصمته وهلل در اإلمام البوصريي حني قال : سري ت من حرم لي ال إلى حرم * * كما سرى البدر يف داج من الظل م و ب ت ت ر ق ى إل ى أن وقد مت ن ل ت ن م ز ل ة ك جمي ع األنبياء بها * * إن معجزة اإلسراء واملعراج من أج * * من قاب قوسي ن مل تدرك ومل ترم والر س ل ت ق د يم م خ د وم ع ل ى خ د م ل املعجزات وأعظم اآليات اليت أكرم بها احلق سبحانه وتعاىل نبيه )صلى اهلل عليه وسلم( وحنن يف رحاب هذه الذكرى العطرة اجلليل : باألسباب األخذ أن فلنقف مع بعض الدروس والعرب ال يتنافى مع صدق التوكل على هللا )عز وجل( املستفادة من هذا احلدث فقد سخر اهلل تعاىل لنبيه )صلى اهلل عليه وسلم( الرباق ليكون وسيلة انتقاله يف رحلته مع أن اهلل )عز وجل( كان قادر ا على أن يسري بنبيه دون وسيلة وعلى الرغم من يقني النيب )صلى اهلل عليه وسلم( الكامل وصدق توكله على اهلل )عز وجل( إال أنه عندما وصل إىل بيت املقدس ربط الرباق ا ذيل سخره اهلل تعاىل له تعليم ا لألمة بضرورة األخذ
)3( باألسباب فقال )صلى اهلل عليه وسلم(: )..ف ر ب ط ت ه ب ال ح ل ق ة ال ت ي ي ر ب ط ب ه ال أ ن ب ي اء ( يقول اإلمام النووي : يفو" ربط الرباق األخذ باالحتياط يف األمور وتعاطي األسباب وأن ذلك ال يقدح يف الت وك ل". فاملؤمن احلقيقي يعمل عمل رجل ال ينجيه إال عمله ويتوكل على اهلل توكل رجل يعلم أنه لن يصيبه إال ما كتبه اهلل )عز وجل( له وهذا الفهم املتوازن هو املقصود من قوله )صلى اهلل عليه وسلم( يف جانب األخذ باألسباب: )إ ن ق ام ت ع ل ى أ ح د ك م ال ق ي ام ة و ف ي ي د ه ف س يل ة ف ل ي غ ر س ه ا( ومن قوله )صلى اهلل عليه وسلم( يف جانب التوكل : )ل و أ ن ك م ت ت و ك ل ون ع ل ى الل ه ح ق ت و ك ل ه ل ر ز ق ك م ك م ا ي ر ز ق الط ي ر ت غ د و خ م اص ا و ت ر وح ب ط ان ا(. أخوة جميع األنبياء والمرسلين فاألنبياء واملرسلون مجيع ا أصحاب رسالة واحدة يف األصول والعقائد وإن اختلفت يف الشرعة واملنهاج قال تعاىل : }و م ا أ ر س ل ن ا م ن ق ب ل ك م ن ر س ول إ ل ا ن وح ي إ ل ي ه أ ن ه ل ا إ ل ه إ ل ا أ ن ا ف اع ب د ون { وقال نبينا )صلى اهلل عليه وسلم( : )ال أ ن ب ي اء إ خ و ة ل ع ل ات أ م ه ات ه م ش ت ى و د ين ه م و اح د (. وكان سيدنا عبد اهلل بن عباس )رضي اهلل عنهما( يقول يف شأن الوصايا العشر اليت جاءت يف قوله تعاىل: { ق ل ت ع ال و ا أ ت ل م ا ح ر م ر ب ك م ع ل ي ك م أ ل ا ت ش ر ك وا ب ه ش ي ئ ا و ب ال و ال د ي ن إ ح س ان ا و ل ا ت ق ت ل وا أ و ل اد ك م م ن إ م ل اق ن ح ن ن ر ز ق ك م و إ ي اه م و ل ا ت ق ر ب وا ال ف و اح ش م ا ظ ه ر م ن ه ا و م ا ب ط ن و ل ا ت ق ت ل وا الن ف س ال ت ي ح ر م الل ه إ ل ا ب ال ح ق ذ ل ك م و ص اك م ب ه ل ع ل ك م ت ع ق ل ون * و ل ا ت ق ر ب وا م ال ال ي ت يم إ ل ا ب ال ت ي ه ي أ ح س ن ح ت ى ي ب ل غ أ ش د ه و أ و ف وا ال ك ي ل و ال م يز ان ب ال ق س ط ل ا ن ك ل ف ن ف س ا إ ل ا و س ع ه ا و إ ذ ا ق ل ت م ف اع د ل وا و ل و ك ان ذ ا ق ر ب ى و ب ع ه د الل ه أ و ف وا ذ ل ك م و ص اك م ب ه ل ع ل ك م ت ذ ك ر ون * و أ ن ه ذ ا ص ر اط ي م س ت ق يم ا ف ات ب ع وه و ل ا ت ت ب ع وا الس ب ل ف ت ف ر ق ب ك م ع ن س ب يل ه ذ ل ك م و ص اك م ب ه ل ع ل ك م ت ت ق ون {: "هذه
)4( آيات حمكمات مل تنسخ يف أي شريعة من الشرائع أو ملة من امللل وهى حمرمات على بين آدم مجيعا وهن أم الكتاب -أي أصله وأساسه - من عمل بهن دخل اجلنة ومن تركهن دخل النار". ولقد كان من اآليات الكربى اليت أكرم اهلل )عز وجل( بها نبيه )صلى اهلل عليه وسلم( أن مجع له األنبياء واملرسلني يف بيت املقدس وصلى بهم إمام ا كما استقبلوه )صلى اهلل عليه وسلم( يف السموات العال قائلني : )م ر ح ب ا ب الن ب ي الص ال ح و ال أ خ الص ال ح( وكان ذلك إيذان ا بانتقال اإلمامة يف األرض إىل النيب )صلى اهلل عليه وسلم( ويف نفس الوقت تطبيق ا عملي ا للعهد وامليثاق الذي أخذه اهلل )سبحانه وتعاىل( عليهم حيث يقول سبحانه: }و إ ذ أ خ ذ الل ه م يث اق الن ب ي ني ل م ا آت ي ت ك م م ن ك ت اب و ح ك م ة ث م ج اء ك م ر س ول م ص د ق ل م ا م ع ك م ل ت ؤ م ن ن ب ه و ل ت نص ر ن ه ق ال أ أ ق ر ر ت م و أ خ ذ ت م ع ل ى ذ ل ك م إ ص ر ي ق ال وا أ ق ر ر ن ا ق ال ف اش ه د وا و أ ن ا م ع ك م م ن الش اه د ين { قال علي بن أبي طالب وعبد اهلل بن عباس )رضي اهلل عنهما(: "ما بعث اهلل نبي ا من األنبياء إال أخذ عليه امليثاق لئن بعث اهلل حمم د ا )صلى اهلل عليه وسلم( وهو حي ليؤمنن به ولينصرن ه وأمره أن يأخذ امليثاق على أمته لئن بعث اهلل حمم د ا )صلى اهلل عليه وسلم( وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه". مكانة المسجد األقصى إلى جانب المسجد الحرام : فقد انتهى إليه إسراء رسول اهلل )صلى اهلل عليه وسلم( ومنه بدأ معراجه إىل السموات العلى ثم إىل سدرة املنتهى كما أنه أوىل القبلتني وثالث احلرمني وأحد املساجد الثالثة اليت تشد إليها الرحال من أجل الصالة وثوابها كما أنه ثاني مسجد بين على األرض فع ن أ ب ي ذ ر )ر ض ي الل ه ع ن ه ( ق ال : ق ل ت ي ا ر س ول اهلل أ ي م س ج د و ض ع ف ي األ ر ض أ و ل ق ال :)ال م س ج د ال ح ر ام ( ق ال : ق ل ت : ث م أ ي ق ال : )ال م س ج د األ ق ص ى( ق ل ت ك م ك ان
)5( ق ال ب ي ن ه م ا : )أ ر ب ع ون أ ي ن م ا ث م س ن ة ( أ د ر ك ت ك ف يه ( ال ف ض ل ف إ ن ف ص ل ه ب ع د الص ال ة خري فيه وصالة من مخسمائة عدا سواه فيما صالة املسجدين املسجد احلرام واملسجد النبوي حيث يقول النيب عليه اهلل )صلى وسلم(: )ف ض ل ف ي الص ل اة ال م س ج د ال ح ر ام ع ل ى غ ي ر ه م ائ ة أ ل ف ص ل اة و ف ي م س ج د ي أ ل ف ص ل اة و ف ي م س ج د ب ي ت ال م ق د س خ م س م ائ ة ص ل اة ( فاملسجد األقصى من يتجزأ ال جزء املقدسات اإلسالمية فهو ذو مكانة يف قلوب أمة حممد )صلى اهلل عليه وسلم( وهو أمان ة يف أع ناق املسلمني مجيع ا فال ينبغي أن نفرط فيها أو نتهاون يف احلفاظ عليها كما جيب علينا أن نغرس يف أبنائنا هذا املعنى حتى ال تنسى األجيال القادمة مكانة وقدسية املسجد األقصى لدى مجيع املسلمني. أقول قول ي هذ ا وأستغفر للا ل ي ولكم. * * * احلمد هلل رب العاملني وأشهد أن ال إله إال اهلل وحد ه ال شريك ل ه وأشهد أن سيد نا و ن ب ي ن ا م ح م د ا عبد ه ورس ول ه الله م ص ل وسلم و بارك عليه و على آله وصحبه أمجعني. إخوة اإلسالم: مع مطلع إبريل من كل عام حيتفي العامل كله بيوم اليتيم على أن تعاليم ديننا اإلسالمي السمح قد سبقت كل املنظمات اإلنسانية يف العناية باليتيم والوفاء حبقه حيث يقول سبحانه: }و ي س أ ل ون ك ع ن و إ ن خ ي ر ل ه م إ ص ل اح ق ل ال ي ت ام ى ت خ ال ط وه م ف إ خ و ان ك م و الل ه ي ع ل م ال م ف س د م ن ال م ص ل ح و ل و ش اء الل ه ل أ ع ن ت ك م إ ن الل ه ع ز يز ح ك يم { واملتدبر يف اآلية الكرمية يرى أن التعبري القرآني قد جاء بكلمة )إصالح( ليكون شامل ا لكل وجوه العناية والرعاية فاإلصالح اسم جامع لكل ما حيتاج إليه اليتيم فقد حيتاج املال إىل فيكون اإلصالح وعطاء بر ا ورمبا يكون مادي ا اليتيم غني ا
)6( فيحتاج إىل التقويم والرتبية فيكون اإلصالح هنا رعاية وتربية وقد حيتاج إىل من يتاجر له يف ماله أو من يقوم على شئون زراعته أو صناعته فيكون اإلصالح هو القيام بذلك وقد ال حيتاج إىل هذا وال ذ كا وإمنا تكون حاجته إىل العطف واحلنو واإلحساس مبشاعر األبوة فيكون اإلصالح بتوفري ذلك له وقد يكون اإلصالح يف تقويم زيغه واعوجاجه وتهذيب سلوكه وأخالقه وبهذا املعنى الشامل للرعاية والكفالة جاءت النصوص القرآنية والنبوية حتثنا وتدعونا إىل إصالح أحوال اليتامى ورعاية شئونهم. وقال نبينا )صلى اهلل عليه وسلم(: )م ن أ ح س ن إ ل ى ي ت يم ة أ و ي ت يم ع ن د ه ك ن ت أ ن ا و ه و ف ي ال ج ن ة ك ه ات ي ن و ق ر ن ب ي ن أ ص ب ع ي ه الس ب اب ة و ال و س ط ى( وقال )صلى اهلل عليه وسلم(: )خ ي ر ب ي ت ف ي ال م س ل م ني ب ي ت ف يه ي ت يم ي ح س ن إ ل ي ه و ش ر ب ي ت ف ي ال م س ل م ني ب ي ت ف يه ي ت يم ي س اء إ ل ي ه ( وقال )صلى اهلل عليه وسلم(: )ك اف ل ال يتيم -ل ه أ و ل غ ري ه - أ ن ا وه و كه ات ي ن يف اجل ن ة وأشار ب الس ب ابة وال و س طى(. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم هللا وأولئك هم أولو األلباب