المسانيد ومكانتها في علم الحديث النبوي ل الدكتور نور الدين عتر بسم اهلل الرمحن الرحيم احلمد هلل الذي أعزنا باإلسالم واختص هذا الدين بالوعد اإلهلي القاطع: )إنا حنن نزلنا الذكر وإنا له حلافظون(. وصلى اهلل وسلم على سيدنا حممد الذي جاء بالدين الكامل الكافل بتحقيقكل خري وسعادة احملفوظ منكل تغيري أو تبديل ومن أي نقص أو زيادة على آله وصحبه وأتباعهم إىل يوم الدين. أما بعد: فإن حبث )املسانيد( مفيد وهام يقف القارئ من خالله على نوع خاص من اجلهد العلمي لتمييز احلديث املروي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم وإفراده عن غريه كما يقف على نوع خاص من الرتتيب يف مجع األحاديث اليت تناقلها الرواة فإن كتاب )املسند( ال جيمع احلديث النبوي مرتبا على حسب املوضوعات بل جيمع األحاديث على ترتيب رواهتا من الصحابة الكرام رضوان اهلل تعاىل أمجعني. ويوقفنا هذا البحث على مرحلة تارخيية من مراحل تدوين احلديث هلا أمهيتها البالغة ملاكان هلا من األثر العلمي العظيم. واجلدير بالذكر يف هذا التقدمي أننا مل نكتف ببحث )املسانيد( من زاوية علم املصطلح وما يف مصادره من معلومات قيمة عن املسانيد بل أردفنا ذلك بفوائد تزيد البحث قيمة وإثراء وألقينا الضوء على املوضوع من جوانب متعددة شاملة. وأصرح هنا بأن املوضوع من هذه الناحية يطول بسطه واستفتاؤه جدا لكنا الحظنا يف هذا البحث تلبية حاجتنا الثقافية العامة وأال تتجاوز ما متس إليه احلاجة من هذه الزاوية واهلل تبارك وتعاىل هو املوفق واملعني. 1
المسانيد: المسانيد واإلسناد مجع مفرده )مسند( واملسند لفظ مأخوذ من )السند( والسند لغة: يطلق ويراد به ما ارتفع وعال من سفح اجلبل ويراد به ما يعتمد عليه من قوهلم فالن سند: أي معتمد. ويطلق علماء احلديث هذا اللفظ )السند( ويريدون به الطريق املوصلة إىل منت احلديث أي نص احلديث واملراد بالطريق هنا رجال احلديث مسي السند بذلك ألن رجاله يرفعون احلديث إىل قائله وينسبونه إليه ألن العلماء يعتمدون على السند يف احلكم على احلديث بالصحة إذا كان السند مستوفيا شروط الصحة مع استيفاء املنت هلا. اإلسناد خصوصية للمسلمين دون غيرهم: من هذه التسمية الدقيقة اليت أخذت تلك املعاين بعني االعتبار يف تسمية سلسة رواة احلديث سندا يربز االهتمام العظيم الذي أواله املسلمون لإلسناد ولقد كان اإلسناد سنة إسالمية على غاية من األمهية استنها املسلمون وكانوا هم أول من استنها يف التاريخ مل يكن اإلسناد ألمة قبلهم. وذلك أن الصحابة الكرام رضي اهلل عنهم ملا خلفوا النيب صلى اهلل عليه وسلم يف تبليغ الرسالة وأدائها إىل العامل كان اجلو الثقايف لدى األمم خلوا عن أي أثر من قاعدة أو قانون يتعلق بالرواية وضبطها واحملافظة على املرويات وصيانتها بل كان هناك واقع مظلم عند األمم األخرى فقد فرطت يف كتبها املقدسة حىت أصبحت خمتلطة بأقاويل سقيمة وأقاصيص وحكايات خرافية مما ينبو الذوق عن ذكره فضال عن تدوينه. لكن اإلسالم العظيم الذي تكفل اهلل حبفظه وجعله عالجا ناجحا لكل أدواء اإلنسان ومسعفا لكل متطلبات احلضارة أرشد الصحابة ووجههم بتوفيق اهلل تعاىل وتسديده إىل أن حيافظوا على احلديث النبوي باتباع قواعد الرواية املسندة اليت يذكر كل ناقل سنده بنقلها أي يبني عمن تلقى روايته ويذكر الوسائط واحدا عن اآلخر إىل النهاية فظهر السند منذ مطلع عهد املسلمني بالرواية والتزموا به حىت ال يقبل نقل من ناقل إال ببيان سنده. وسجل التاريخ للمسلمني خصوصية ليست لغريهم من األمم على اإلطالق حىت إنك مهما حبثت لدى األمم األخرى وجدت من احملال أن جتد عندهم نقال واحدا مسندا بتناقل الرواة الواحد عن اآلخر حىت يصل إىل نيب من أنبيائهم عليهم السالم. 2
المراد -1-2 بالمسند اصطالحا: جند بالبحث عن هذا املصطلح يف املراجع أن احملدثني يستعملونه لعدة معان وهي: احلديث املسند: وهو احلديث الذي اتصل سنده مرفوعا إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم. الكتاب الذي جيمع أسانيد أحاديث كتاب معني مثل )مسند الشهاب( وهو كتاب يذكر أسانيد أحاديث كتاب الشهاب. -3 الكتاب الذي خيرج احلديث بسنده مرفوعا ومن ذلك تسمية اإلمام البخاري كتابه: )اجلامع املسند الصحيح املختصر من أمور رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه وأيامه(. -4 الكتاب الذي خيرج احلديث بسنده مرفوعا إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم وهو مرتب على أمساء الصحابة وهذا املعىن هو املشهور واملتبادر عند إطالق كلمة مسند على كتاب من كتب احلديث مثل املسند لإلمام أمحد واملسند أليب يعلى املوصلي واملسند إلسحاق بن راهويه. وقد جرى العرف بني أهل هذا الفن على أن تنسب هذه الكتب إىل مؤلفيها فيقال: مسند أمحد ومسند إسحاق بن راهويه وهكذا ولعل السر يف ذلك أن معظم من مجع كتابا على هذا النظام أطلق عليه هذا االسم )املسند( فاحتاجوا إىل متييزها عن بعضها كانت النسبة إىل املؤلف خري وسيلة لذلك. تاريخ المسانيد: إن تاريخ املسانيد يلقي لنا األضواء املساعدة على معرفة األهداف اجلليلة اليت توخ اها احملدثون من تأليف هذه املسانيد وقد استطعنا بالدراسة أن نتوصل إىل نتائ هلا أمهيتها يف املوضوع. وأول ما نلفت النظر إليه هو التنبه إىل أن فكرة مجع املسانيد وظهورها يف عامل التصنيف للحديث النبوي ترتبط ارتباطا وثيقا بتدوين هبذه اللمحة عن كتابة احلديث وتدوينه. كتابة الحديث النبوي: احلديث نفسه مما يزيدنا علما بأمهية الكتاب املسند ومكانته لذلك فإننا منهد مما ال شك فيه أن النظر إىل األدلة القاطعة أن الكتابة كانت أحد العوامل يف حفظ احلديث على الرغم مما وقع فيها من اختالف الروايات وتباين الوجهات حىت صنفت فيها التآليف يف القدمي واحلديث. 3
أخرج البخاري 1 عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال: )ما من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مين إال ما كان من عبد اهلل بن عمرو فإنه كان يكتب وال أكتب(. ويف سنن أيب داود ومسند اإلمام أمحد عن عبد اهلل بن عمرو 2 قال: )وكنت أكتب كل شيء أمسعه من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أريد حفظه فنهتين قريش قالوا: أتكتب كل شيء ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بشر يتكلم يف الغضب والرضى فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأومأ بيده إىل فيه فقال: أكتب فو الذي نفسي بيده ما خيرج منه إال حق(. كذلك وردت أحاديث كثرية عن عدد من الصحابة تبلغ مبجموعها رتبة التواتر يف إثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي يف عهده صلى اهلل عليه وسلم. لكن عارض ذلك ما أخرجه مسلم وأمحد عن أيب سعيد اخلدري أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال: )ال تكتبوا عين شيئا إال القرآن فمن كتب عين شيئا غري القرآن فليمحه(. وقد اختلفت آراء العلماء يف إزالة هذا التعارض مما ال نطيل به هنا. والذي يهدي إليه النظر يف هذه السألة أن الكتابة ال ينهى عنها لذاهتا ألهنا ليست من القضايا التعبدية اليت ال جمال للنظر فيها وألهنا لو كانت حمظورة لذاهتا ملا أمكن صدور اإلذن هبا ألحد من الناس كائنا من كان. وعلى هذه فإنه ال بد من علة يدور عليها اإلذن واملنع يف آن واحد والعلة اليت تصلح لذلك يف اختيارنا هي خوف االنكباب عل درس غري القرآن وترك القرآن اعتمادا على ذلك 3 ذلك أننا تأملنا أقوال الصحابة الذين امتنعوا عن الكتابة وحظروها فإذا بنا جندهم يصرحون بذلك: هذا أبو نضرة يقول قلنا أليب سعيد: )لو كتبتم لنا فإنا ال حنفظ قال: ال نكتبكم وال جنعلها مصاحف. كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حيدثنا فنحفظ فاحفظواكماكنا حنفظ عن نبيكم( 4 3 4 ج 2 1 يف كتاب العلم )باب كتابة العلم( ج 1 ص 148 بشرح فتح الباري والرتمذي. 5 ص 40 أبو داود يف العلم ج 3 ص 318 واملسند ج 2 ص 205. وقد وقع ذلك لألسف غي هذا العصر لبعض املتصدرين يف احلديث أنه رمبا عرضت لبعضهم اآلية من القرآن فلم يعرف أهنا منكتاب اهلل تعاىل. 4 أخرجه اخلطيب يف تقييد العلم: 36 وابن عيد الرب يف جامعة: 064/1
فهذا أبو سعيد اخلدري وهو راوي احلديث يفسر النهي عن الكتابة بأنه خشية أن جيعل احلديث موضع القرآن وراوي احلديث أعلم مبا روىكما يقرر العلماء. وعن عروة بن الزبري أن عمر بن اخلطاب أراد أن يكتب السنن فاستشار يف ذلك أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق عمر يستخري اهلل فيها شهرا مث أصبح يوما وقد عزم اهلل له فقال: )إين كنت أردت أن أكتب السنن وإين ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب اهلل تعاىل وإين واهلل ال ألبس كتاب اهلل بشيء أبدا. ) 5 وقد أعلن عمر هذا على مأل من الصحابة رضوان اهلل عليهم وأقروه مما يدل على استقرار أمر هذه العلة يف نفوسهم ولذلك فإن هذا املعىن نقل عن مجاعة األشعري 7 ورثوها. 8 6 من الصحابة كابن عباس وابن مسعود وأيب موسى بل نقل ذلك ابن سريين عن الصحابة فقال: كانوا يرون أن بين إسرائيل إمنا ضلوا قال اخلطيب يف تقييد العلم 9 اهلل تعاىل غريه أو يشتغل عن القرآن بسواه...(. بكتب )فقد ثبت أن كراهة الكتابة من الصدر األول إمنا هي لئال يضاهي بكتاب من أجل ذلك جند أن الكتابة اليت أذن هبا هي اليت ال تتخذ طابع التدوين العام أي ال تتخذ مرجعا يتداول بني الصحابة ولذلك مل يأمر النيب صلى اهلل عليه وسلم أحدا بكتابة احلديث كما أمر بكتابة القرآن وإمنا أذن ألفذاذ من الصحابة بذلك ومل يكن الصحابة رضوان اهلل عليهم يتداولون تلك الصحف من احلديث كما أننا بالبحث والتتبع مل جند يف شيء من الروايات أن أحدا فعل ذلك وإمنا كانت تلك الصحف بني أيديهم مبثابة املذكرات بكفالة اجملتمع أو أن يلتبس به غريه لدى وتداولت صحفه املكتوبة وذلك بأمر اخلليفة العادل عمر بن عبد العزيز. وبناء على ذلك فإننا نرى أن تقييد احلديث مر مبرحلتني: فلما انتشر علم القرآن وكثر حفظه وقراؤه وأمن على علمه أن ال يفىن الناس أقبلت األمة على تدوين احلديث تدوينا اختذ صبغة العموم 5 أخرجه اخلطيب يف تقييد العلم: ص 49 وابن عبد الرب يف جامع بيان العلم: 6451 والروايات عن عمر يف ذلككثرية. 6 يف تقييد العلم ص 43. 7 املرجع السابق: 56/53 وجامع بيان العلم: 67/64/1. 8 تقييد العلم: 61. 5 9 المرجع السابق: 57.
المرحلة األولى: مرحلة مجع احلديث يف صحف خاصة مبن يكتب دون أن تتداول بني الناس وهذه بدأت منذ عهده صلى اهلل عليه وسلم وبإذنه. المرحلة الثانية: الكتابة اليت تقصد مرجعا يعتمد عليه ويتداوهلا الناس وهذه بدأت من القرن الثاين للهجرة وكانت يف كل من هاتني املرحلتني جمرد مجع لألحاديث يف الصحف غالبا ال يراعى ترتيب معني مث جاء فيها تبويب أو دور التصنيف الذي اختذت فيه الكتابة طابع التبويب والرتتيب من منتصف القرن الثاين وبلغ أوج ذروته يف القرن الثالث املعروف بعصر التدوين. وقد تناولت الكتابة يف عهده صلى اهلل عليه وسلم قسما كبري ا من احلديث يبلغ يف جمموعه ما يضاهي مصنفا كبريا من املصنفات احلديثة ومن أهم ما ورد كتابته من احلديث: -1 الصحيفة الصادقة: اليت كتبها عبد اهلل بن عمرو بن العاص النيب صلى اهلل عليه وسلم ألف مثل 10 وكان عبد اهلل يعتز هبا يقول: )ما يرغبين يف قال عبد اهلل بن عمرو: حفظت عن احلياة إال الصادقة والوهط( 11 وقد انتقلت هذه الصحيفة إىل حفيده عمرو بن شعيب. أخرج اإلمام أمحد يف مسند عبد اهلل بن عمرو من كتابة املسند قسما كبريا من أحاديث هذه الصحيفة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. 2- صحيفة أحكام فكاك األسري. أخرج علي بن أيب طالب: وهي صحيفة صغرية تشتمل على العقل نبأها البخاري 12 وغريه عن أيب جحيفة _ يأ مقادير الديات_ وعلى قال: قلت هل عندكم كتاب. قال: ال إال كتاب اهلل أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما يف هذه الصحيفة. قال قلت: فما يف هذه الصحيفة قال: العقل وفكاك األسري وأن ال يقتل مسلم بكافر. وغري ذلك كثري جدا جيعل الكتابة عنصرا هاما ينضم إىل عوامل حفظ احلديث وميكن لنا أن نقول: إن جمموع ما كتب يف عهد النيب صلى اهلل عليه وسلم يقارب يف جمموعه مقدار كتاب من كتب احلديث النبوي وكان هذا اجملموع مشتمال على مهمات األمور الدينية وأحكام ومقادير شرعية حتتاج إىل الضبط 10 11 أسد الغابة: 232/3. ينن الدارمي: 127/1. والوهط أرض وقفها أبوه عمرو يف الطائفكان عبد اهلل يقوم برعايتها. 12 يف العلم بابكتابة العلم: 29/1. 6
بالكتابة وكانت تلك نواة التدوين اليت متت السامقة يف السماء. واستمرت يف النمو حىت انبثقت من أصلها الثابت فروعها تدرج تدوين الحديث إلى ظهور المسانيد: وهكذا ملا كان عهد اخلليفة العادل عمر بن عبد العزيز أحس اخلليفة الراشد احلكيم باحلاجة املاسة إىل تقييد العلم بالكتاب فكتب إىل اآلفاق وإىل علماء األمصار حيض أهل العلم علىكتابة احلديث. أخرج البخاري يف صحيحه أن عمر بن عبد العزيز كتب إىل أيب بكر بن حزم: )أنظر ما كان من احلديث عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم فاكتبه فإين خفت دروس العلم وذهاب العلماء(. فكتب الزهري وأبو بكر بن عبد الرمحن وغريمها ما يف آفاقهما من احلديث ومل يلبث التدوين املبوب أن انتشر فجمعت األحاديث يف اجلوامع واملصنفات كجامع معمر بن راشد ) 154 ه( وجامع سفيان الثوري ) 161 ه( وجامع سفيان بن عيينة ) 198 ه( وكمصنف عبد الرزاق ) 211 ه( ومصنف محاد بن سلمة ) 167 ه( ووضع اإلمام مالك كتابه )املوطأ( وهو أصح التآليف آنذاك لكن أحاديثه قليلة قدرت خبمسمائة حديث سددها بأقوال الصحابة والتابعني وقلده كثري من الناس حىت بلغت املوطآت األربعني وعىن مالك بانتقاء أحاديث املوطأ حىت قال اإلمام الشافعي: )أصحكتاب بعدكتاب اهللكتاب مالك(. وقد أخرجوا يف هذه التآليف احلديث املرفوع واملوقوف واملقطوع ألهنم قصدوا مجع احلديث للمحافظة عليه لذلك توسعوا فذكروا يف املسألةكل ما ورد فنقلوه بأسانيدهم إىل قائله. مث يف رأس املائة الثالثة ارتأى العلماء إفراد حديث الرسول صلى اهلل عليه وسلم وتصنيفه مستقال عن أقوال الصحابة والتابعني واملرويات املوقوفة عليهم فابتكروا لذلك )املسانيد( مجعوا فيها احلديث النبوي مرتبا حبسب أمساء الصحابة فاألحاديث اليت تروى باألسانيد عن أيب بكر مثال جتمع كلها وتروى بأسانيدها يف مكان واحد حتت عنوان: )مسند أيب بكر( واألحاديث اليت تروى عن عمر بن اخلطاب عن النيب صلى اهلل عليه وسلم جتمع كلها وتروى بأسانيدها يف مكان واحد حتت عنوان )مسند عمر بن اخلطاب( وهكذا إىل آخر الكتاب. 7
شروط الكتاب المسند: من هذه اللمحة الوجيزة نستطيع أن نلحظ أن الغاية األوىل من الكتاب املسند هي مجع األحاديث النبوية وحدها حىت ال ميتزج هبا شيء من غري احلديث النبوي. وعلى ذلك نتوصل إىل أن احملدث يشرتط يف احلديث الذي يودعهكتاب املسند أمني اثنني: األول: أن يكون احلديث مرفوعا أي منقوال عن النيب صلى اهلل عليه وسلم فما كان غري مرفوع أي غري منسوب إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم ال يورده فال يوردون يف املسانيد أقوال الصحابة أو التابعني وما شاكلها. الثاني: أن يكون احلديث منقوال بإسناده فما مل يكن له سند ال يورده مصنف املسند بينما توسع املصنفون قبل ذلك وذكروا يف املصنفات واملوطآت أشياء مسندة وهو األكثر وأشياء معلقة دون إسناد أحيانا. لكن هل يشرط يف احلديث حىت يصنف يف املسند ويدون فيه أن يكون إسناده متصال نعين أن يكون كل واحد من رواته مسع ممن فوقه أو ال يشرتط ذلك بل يكفي أن يكون للحديث سند ولو كان منقطعا أي سقط بعض رواته من السلسة إن الظاهر املتبادر من التسمية ال يوجب اتصال السند بل يوجب أن يكون للحديث سند مث قد يكون السند متصال أي مسع كل واحد من رواته ممن فوقه وقد يكون منقطعا أي سقط بعض رواته من سلسلة اإلسناد لكن احلافظ اإلمام أمحد بن علي بن حجر العسقالين املتويف سنة ) 852 ه( صرح يفكتابه 13 القيم املوجز )نزهة النظر شرح خنبة الفكر( خبالف ذلك فقد قال يف تعريف احلديث املسند )واملسند يف قول أهل احلديث: هذا حديث مسند هو مرفوع صحايب بسند ظاهر االتصال. وقال: ويفهم من التقييد بالظهور أن االنقطاع اخلفي كعنعنة املدلس واملعاصر الذي مل يثبت لقيه ال خيرج عن كونه مسندا إلطباق األئمة الذين خرجوا املسانيد على ذلك(. ولنا على هذا مالحظتان: األولى: أنه مزج بني الكتاب املسند وتسمية احلديث املسند وكل واحد منهما اصطالح منفرده عن اآلخر فال يلزم من ثبوت الشرط يف احلديث املسند أن يكون ثابتا يف الكتاب املسند. 13 ص 57 8
الثانية: أنا وجدنا يف واقع املسانيد ما يدل على خالفه فقد وجدنا يف املسانيد أحاديث منقطعة كثرية نسرد لك ما استخرجناه بتتبع مائيت حديث من أول مسند أمحد وهي ذوات األرقام: 37 27 18 7 109 108 107 106 98 81 71 70 69 68 66 65 64 62 60 59 46.194 193 140 132 126 118 115 113 هذه ثالثون حديثا منقطعة يف املسند يف هو ظاهر االنقطاع. مائيت حديث نبه العالمة أمحد شاكر على انقطاعها ومنها ما واخلالصة املستخرجة من كل ذلك: أن كتاب املسند واسع احملتوى ال يقتصر على احلديث الصحيح واحلسن بل خيرج فيه الصحيح واحلسن واملتصل واملنقطع والضعيف والشديد الضعف كل بشرط أن يكون احلديث مرويا بسنده ومرفوعا أي منسوبا إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم. استشكال رواية الحديث الضعيف: وقد ثار يف هذا العصر سؤال تكرر كثريا على ألسنة املتعلمني يف هذا اجليل يستشكل رواية احلديث الضعيف يف كتب حديثية قيمة مجعها وقام بتأليفها أئمة أجلة على غاية العلم بعلل احلديث ومتييز صحيحه من ضعيفه ومقبوله من منحوله فكيف مل ينقحوا الكتب اليت مجعوا فيها احلديث حىت تكون خالية من احلديث الضعيف ويرتاح قارئ هذه الكتب من عناءكبري ويذوق حالوة اليقني وبرد االطمئنان. جواب هذا اإلشكال: ومنهد للجواب عن اإلشكال بالتذكري بأمر مهم جدا هو أن هذا االستشكال مل يكن على القدر واحلجم الذي هو عليه اآلن وذلك بسبب ما كان عليه اجملتمع املسلم من االهتمام بعلم احلديث وطلبه وحبث اإلسناد ورواته وكانوا يف عصرهم هم الرواة وكان اجملتمع سليما من آفة األمية الدينية وكانت جمالس العلم حافلة حىت لقد كان اجمللس يضم ألوفا ضخمة من الطلبة يسمعون احلديث فكان يسهل عليهم معرفة ما غمض ومتييز صحيح احلديث من سقيمه. ويعجبنا يف هذا قول اإلمام أيب عمرو بن : ولقد كان شأن احلديث فيما مضى عظيما عظيمة مجوع الصالح يف مقدمة كتابه )علوم احلديث(. 14 طلبته رفيعة مقادير حفاظه ومحلته وكنت علومه حبياهتم حية وأفنان فنونه ببقائهم غضة ومغانيه بأهله آهله فلم يزالوا يف انقراض ومل يزل يف اندراس حىت آضت به احلال إىل أن صار أهله إمنا هم شرذمة قليلة 14 ص 4/3 9
العدد ضعيفة الع دد ال تعين على األغلب يف حتمله بأكثر من مساعه غ فال من كتابته عطال... 16 15 وال تتعىن يف تقييده بأكثر يقول ابن الصالح هذا القول يف عصر أخرج أمثاله من األئمة احلفاظ مث أخرج من جاء بعده كاإلمام النووي والعراقي والذهيب وأمثاهلم من األعالم فكيف يكون احلال يف عصرنا الذي عدمت فيه اإلمامة احلقيقية ومل يبق إال رسوم ظاهرية وكيف ال تكثر اإلشكاالت والشبهات مع فقد العلم والعلماء وشر املصائب اجلهل واملرء عدو ما جهل. وشر من هذا الشر توهم اجلاهل أنه من أهل العلم بل اد عاء بعض األدعياء اإلمامة يف العلم وهو ممن مل جياوز حدود ابتداء فهم العلم... بعد هذا التمهيد فإنا نقول: إن هذا التوسع يف الرواية حىت يشمل يف بعض املصادر األحاديث الصحيحة والضعيفة له مزايا هامة يف العلم والعمل ضرورة األحكام الشرعية قد تثبت باألحاديث احلسنة بل وبالضعيفة إذا تعددت طرقها أو ساندها قياس جلي أو عرف عملي يف عمود السلف. وقد بني العلماء هذه الفوائدكاإلمام احلاكم أيب عبد اهلل حممد بن عبد اهلل النيسابوري يفكتابه: )املدخل واإلمام احلافظ أبو الفضل حممد بن طاهر املقدسي يف )شروط األئمة على معرفة كتاب اإلكليل( 17 الستة(.. 18 وغريمها ونذكر ها هنا هذه الفوائد بإيضاح مع ضميمة مما ظهر لنا بالدراسة: أ( إن احملدثني يف الصدر األول ومنهم أصحاب املسانيد قصدوا حفظ السنة من الضياع فدونواكل ما وقع هلم واجتهدوا يف ذلك غاية االجتهاد وأوردوا األحاديث بأسانيدها فأحالوا القارئ على أسانيد احلديث وكانوا يف عهد علم وحفظ كما ذكرنا وكان احلديث يف عهدهم على كل لسان ال يصعب متييزه على طالبه فكانوا يف مأمن ومنأى من التلبيس واإليهام.. مث قام األئمة فنبهوا على األحاديث الضعيفة وبينوا درجة الضعف وسببه يفكل حديث. ب( معرفة أدلة املذاهب واختالفها يف االستدالل فيورد األئمة األحاديث الضعيفة اليت استدل هبا بعض العلماء مع بيان سقمها لنزول الشبهة. ت( بعض األحاديث الضعيفة يصلح لالعتبار به فإذا تقوت مثل هذه األحاديث بورودها من وجه آخر مماثل هلا أو أقوى منها ارتفع احلديث إىل احلسن كما أن احلديث الضعيف الذي يصلح لالعتبار إذا 15 16 17 غفال : مجع مغفل وهو السهم الذي ال عالمة به فإذا خرج يف القرعة فهو كال شيء وتعاد القرعة. عطال : مجع عاطل من العطل وهو اخللو عن الزينة واملراد ودون حتقيق. ورقة: 288 من اجملموعة املخطوطة 18 ص 13/12 10
انضم إىل حديث صحيح يفيده مزيد قوة تنفع يف الرتجيح فيذكر العلماء األحاديث الضعيفة ملا عسى أن تفيده يف التقوية والرتجيح. ث( وأخريا فإن ملعرفة احلديث الضعيف أمهية كربى لدى العلماء من حيث االحتجاج به وتظهر هذه الفائدة من بيان أقاويلهم يف العمل به وقد اختلفوا يف ذلك على مذاهب ثالثة: المذهب األول: ال جيوز العمل به مطلقا وهو منقول عن القاضي أيب بكر بن العريب. المذهب الثاني: يعمل به مطلقا ما مل يكن له معارض وهو قول اإلمام أمحد وأيب داود وأهنما يريان أنه هبذا أقوى من رأي الرجال. المذهب الثالث: العمل باحلديث الضعيف يف فضائل األعمال واملواعظ واآلداب وروايته يف القصص واملناقب وهو مذهب اجلمهور والعمل به مشروط بثالثة مشروط هي: 1- أن يكون احلديث الضعيف غري شديد الضعف أما إذاكان الضعف بسبب الكذب أو التهمة به أو بسبب فحش الغلط فإنه ال يلتفت إليه. 2- أن يندرج حتت أصل معمول به من أصول الشريعة العامة. 3- أن ال يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد االحتياط. 19 أشهر كتب المسانيد: إن كتب املسانيد كثرية جدا تعز على اإلحصاء والعد احمليط وذلك يرجع إىل اهتمام العلماء احملدثني احلفاظ جبمع األحاديث على ترتيب املسند منذ العهد األول الذي عرف فيه ويف هذا يقول اإلمام احلافظ ابن حجر العسقالين يفكتابه هدى الساري مقدمة فتح الباري 20 )إىل أن رأى بعض األئمة منهم أن يفرد حديث النيب صلى اهلل عليه وسلم خاصة وذلك على رأس املائتني: فصنف عبيد اهلل بن موسى العبسي الكويف مسندا وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا وصنف أسد بن موسى األموي مسندا وصنف نعيم بن محاد اخلزاعي نزيل مصر مسندا مث اقتفى األئمة بعد ذلك أثرهم فقل إمام من احلفاظ إال وصف حديثه على املسانيد كاإلمام أمحد بن حنبل وإسحاق 19 وقد توسعنا يف دراسة املسألة يف كتابنا )منه النقد يف علوم احلديث( ص 296-291. وانظر الكفاية يف علم الرواية للخطيب ص 134-133. وعلوم احلديث البن الصالح ص 93. وتدريب الراوي للسيوطي ص 196. وتوضيح األفكار ج 2. ص 113-109. و وت جيه النظر ص 293-289. وقواعد التحديث ص 121-117. واألجوبة الفاضلة للكنوي ص 59-36 وغريها. 20 ج 1 ص 4. 11
كأيب بن راهويه وعثمان بن أيب شيبة وغريهم من النبالء ومنهم من صنف على األبواب وعلى املسانيد معا بكر بن أيب شيبة( انتهى. وقد ذكروا يف املراجع مجلة وافرة مما اشتهر من هذه املسانيد فعدوا العشرات منها 21 مل يشتهر. فما بالك بسواها مما لكنا ال نستطيع التعريف بكل هذه املسانيد بل خنص بالتعريف خنبة من أشهرها وهي )املسند لإلمام أمحد بن حنبل( و)املسند أليب يعلى املوصلي( و )املسند أليب بكر البزا ز( و )املعجم الكبري للطرباين(. أ( المسند لإلمام أحمد بن حنبل: مؤلفه هو اإلمام أمحد بن حنبل الشيباين وإمام أهل السنة واحلديث ولد سنة 164 م وتويف سنة 241 ه. قال اإلمام الشافعي: )خرجت من بغداد فما خلفت هبا رجال أفضل وأعلم وال أفقه من أمحد بن حنبل(. وقال إبراهيم احلريب: )رأيت أمحد كأن اهلل مجع له على علم األولني واآلخرين(. وقال اإلمام أبو زرعة الرازي لعبد اهلل بن أمحد: )كان أبوك حيفظ ألف ألف حديث(. كان اإلمام أمحد غيورا على السنة شديد التأس ي بالسلف وقد كان ملوقفه العظيم من املعتزلة وقوهلم خبلق القرآن أثر عظيم يف سالمة الفكر اإلسالمي واجتاهه. وحسبنا يف هذا قول اإلمام علي بن املديين: )إن اهلل أيد هذا الدين بأيب بكر الصديق يوم الرد ة وبأمحد بن حنبل يوم احملنة(. 22 صنف اإلمام أمحد كتابه املسند ليكون مرجعا للمسلمني وإماما وجعله مرتبا على أمساء الصابة الذين يروون األحاديث كما هي طريقة املسانيد فجاء كتابا حافال كبريا يبلغ عدد أحاديثه مع املكرر ثالثني ألفا تقريبا فيها الصحيح واحلسن والضعيف ومنها أحاديث يسرية شديدة الضعف حىت حكم على بعضها بعض احملدثني بالوضع لكن احلافظ أيب احلجر ألف كتابا مساه )القول املسدد ي الذب عن املسند( حقق فيه نفي الوضع عن األحاديث اليت أشرن إليها وطهر من حبثه أن غالبها جياد وأنه ال يتأتى القطع باحلكم بالوضع يف شيء منها بل وال يكون واحد منها موضوعا إال الفرد النادر مع االحتمال القوي يف دفع ذلك. 23 21 انظر ذلك في الرسالة المستطرفة ومقدمة تحفة األحوذي. 22 23 12 تذكرة احلفاظ ص 432/431. تعجيل املنفعة ص 6 وانظر تدريب الراوي للسيوطي ص 101/100.
ب( المسند ألبي يعلى الموصلي: مؤلفه اإلمام أيب يعلى أمحد بن علي بن املثىن املوصلي ولد سنة 210 ه وارحتل يف طلب احلديث وهو ابن مخس عشرة سنة وعم ر وتفر د ورحل إليه الناس تويف سنة 307 ه. وحضر جنازته خلق عظيم. أثىن العلماء على أيب يعلى ووصفوه باحلفظ واالتقان والدين والورع قال احلاكم النيسابوري: كنت أرى علي احلافظ _وهو شيخ احلاكم_ معجبا بأيب يعلى وإتقانه وحفظه حلديثه حىت كان ال خيفى عليه إال اليسري(. قال احلاكم: )وهو ثقة مأمون(. ومسند أيب يعلى الذي نتكلم عنه هو املسند الكبري وله مسند آخر صغري. واملسند الكبري مرجع ضخم حافل يقارب يف درجة أحاديثه املسند لإلمام أمحد بن حنبل قال فيه احلافظ حممد بن الفضل التميمي: )قرأت املسانيد كمسند العدين ومسند ابن منيع وهي كاألهنار ومسند أيب يعلى كالبحر يكون جمتمع األهنار(. 24 ت( المسند للحافظ أبي بكر البزاز: مؤلفه احلافظ العالمة أبو بكر أمحد ين عمرو بن عبد اخلالق البصري املتويف بالرملة سنة 292 ه صاحب الرحالت الكثرية الواسعة لنشر العلم حىت كثر تالمذته جدا قال اإلمام الذهيب: )ارحتل يف آخر عمره إىل أصبهان وإىل الشام والنواحي ينشر علمه(. 25 وللبزار مسندان: أحدمها صغري واآلخركبري. )وهو املسمى بالسر الزاخر بني فيه الصحيح من واملسند املشتهر له هو املسند الكبري قال الكتاين: 26 غريه( قال العراقي: )ومل يفعل ذلك إال قليال إال أنه يتكلم يف تفرد بعض رواة احلديث ومتابعة غريه عليه( انتهى. وقد يسأل سائل عن مكانة هذا الكتاب خصوصا وقد نقل الذهيب يف تذكرة احلفاظ عن الدار قطين أنه قال: )ثقة خيطئ ويتكل على حفظه( انتهى. واجلواب: أن هذا اصطالح خاص عند احملدثني يف بعض الثقات الذين يعتمدون على كتبهم قد يقع هلم اخلطأ إذا حدثوا من حفظهم وهذا ال يضر بقيمة الكتاب ألن املصنف يعتمد فيه على ما كتبه عن 24 25 تذكرة احلفاظ: ص 718/707. وقارن بالرسالة املستطرفة: ص 54/53. تذكرة احلفاظ: ص 654. 26 حممد بن جعفر يف الرسالة املستطرفة ص 51. 13
الرواة الذين تلقى عنهم ومل يزل العلماء حيتجون مبا استوى شروط القبول من مرويات البزاز يف مسنده وينهلون فوائده منكالمه على األحاديث وعلى الرجال كما نراه يفكتب رواة احلديث. ومن أمثلة ذلك: إبراهيم النخعي اإلمام الفقيه تكلموا يف مساعه من أنس بن مالك فاستشهد احلافظ )ويف مسند البزار حديث إلبراهيم عن أنس قال البزار: ال نعلم إبراهيم ابن حجر بكالم البزار فقال: 27 أسند عن أنس إال هذا(. ث( المعجم الكبير للطبراني: هو العالمة احلافظ اإلمام احلجة أبو القاسم سليمان بن أمحد بن أيوب اللخمي الشامي مسند الدنيا ولد سنة 260 ه وتويف سنة 360 ه وقد استكمل مائة عام وعشرة أشهر ومأل حديثه البالد وصنف 28 تصانيف كثرية يطول سردها. قال ابن عقدة: )ما أعرف له نظريا (. وللطرباين ثالثة معاجم: الكبري واألوسط والصغري واألخريان مرتبان على أمساء شيوخه حبسب حروف املعجم واملعجم الصغري روى فيه كل شيخ من مشاخيه حديثا واحدا فتجاوز عدد أحاديثه األلف وهو عدد ضخم يدل على توسعه يف طلب احلديث والرحلة ألجله يف اآلفاق. وكتابه املعجم الكبري يسمى أيضا )املسند( ألنه مرتب على أمساء الصحابة إال أنه مل يذكر فيه حديث أيب هريرة وكأن ذلك ألنه أفرده بتصنيف خاص لطوله. وقد بني الطرباين هدفه من كتابه هذا يف مقدمته بيانا مفيدا جدا فقال: )هذا كتاب ألفناه جامع لعدد ما انتهى إلينا ممن روى عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من الرجال والنساء على حروف ألف ب ت 29 ث. بدأت فيه بالعشرة رضي اهلل عنهم لئال يتقدمهم أحد غريهم خرجت عن كل واحد منهم حديثا وحديثني وثالثة وأكثر من ذلك على حسب كثرة روايتهم وقلتها ومن كان من املقلني خرجت حديثه أمجع ومن مل يكن له رواية عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وكان له ذكر من أصحابه من استشهد مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أو تقدم موته ذكرته من كتب املغازي وتاريخ العلماء ليوقف على عدد 27 يف هتذيب التهذيب: ج 1 ص 178. 28 تذكرة احلفاظ: ص 915. 29 يعين املبشرين باجلنة: انظر نصكالمه يف املعجم ج 1 ص 3 طبع بغداد. 14
أ( الرواة عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وذكر أصحابه وسنخرج مسندهم باالستقصاء على ترتيب القبائل بعون اهلل ووفاته إن شاء اهلل وحده(. أهمية كتب المسانيد: حتتل كتب املسانيد مكانة هامة بني مصادر املصنفات احلديثية نذكر طائفة من ذلك فيما يلي: الضخمة ب( احلديث النبوي وختتص مبزايا وفوائد ليست يف غريها من أن كتب املسانيد أسهمت بقسط كبري يف حفظ احلديث النبوي ملا اشتملت عليه من الثروة من األحاديث املرفوعة إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم وساعد على حتقيق ذلك توسع أصحاب املسانيد يف شروطهم اليت مجعوا األحاديث حتت ظلها يف هذا اللون من الكتب كما أوضحنا من قبل. إن كتب املسانيد قد سهلت عمل قلنا وهذا شرط التزمه احملدثني يف نقد األحاديث لكوهنا اشرتطت الرواية بالسند كما احملدثون يف كل مصنفاهتم األصلية ولكن ترتيب األحاديث على أمساء الصحابة جيمع طائفة كبرية من األحاديث بسند واحد يف مكان واحد مما جيعل البحث عن عدد من الصحابة مما يفيد يف تقويته إذا كان حيتاج إىل تقوية. ت( هو احلال يف التعرف على ما رواه كل صحايب من الروايات ال على سبيل اإلحاطة بل على سبيل التقريب كما املسانيد الكبرية الضخمة مثل مسند اإلمام أمحد وأيب يعلى واملعجم الكبري للطرباين بل سجل لنا التاريخ حماولة على غاية من األمهية يف هذا الصدد قام هبا إمام عظيم من أئمة املغرب العريب اإلسالمي هو اإلمام بقي بن خملد األندلسي القرطيب املتو ى سنة ) 276 ه( فقد مجع سندا استقصى ما روي عن كل صحايب ورتب مسند كل صحايب على أبواب الفقه فجاء مرجعا حافال ضخما وفريدا ليس ألحد مثله حىت عول عليه احملدثون يف ظل فريدا يف بابه. ث( ج( تسهيل الوصول إىل احلديث عدد مرويات الصحابة وإن كان قد فاته بعض أشياء لكن علمه بواسطة معرفة رواية الصحايب وهو نوع ولون من الفهرسة ال جيوز الغض من أمهيته ال سيما يف عصرنا احلايل الذي عين فيه الباحثون بفنون الفهرسات. املساعدة على حتقيق نصوص األحاديث وذلك ألن املسانيد عمدة للحفاظ اعتمد عليها األئمة يف كثري من مروياهتم يف الكتب املصنفة على األبواب واملوضوعات فإن تقدم املسانيد الزمين يف التأليف جعل باإلمكان مراجعة ما رواه أصحاب الكتب املبوبة على املوضوعات اليت صنفت بعد ذلك بعرضها على املسانيد والتماس كثري من الفوائد يف الروايات. 15
وهذا مثال رائع أذكره مما وقع لنا واحتاج فيه التحقيق إىل املسند وهذا املثال هو حديث: أيب أيوب األنصاري يف رحلته إىل مصر ألجل حديث السرت على املسلم. أخرج هذا احلديث اإلمام أبو بكر أمحد بن علي اخلطيب البغدادي املتويف سنة 463 ه يفكتابه )الرحلة يف طلب احلديث( ويف النسختني اخلطيتني منه سقط ال يستقيم املعىن بدونه حىت جلأت يف أثناء حتقيق الكتاب يف بادئ األمر إىل تقدير حمذوف يف الكالم مث مبراجعة احلديث يف مسند احلميدي وقفت على النص بتمامه فزال ماكان ملتبسا واتضح املعىن. وهذا هو نص احلديث نذكره ههنا ملا فيه من إثارة الروح العلمية اجملاهدة يف سبيل العلم مع متييز السقط بوضعه بني حاصرتني. أخربنا أبو نعيم احلافظ ثناء حممد بن أمحد بن احلسني ثناء بشر بن موسى ثناء احلميدي ثناء سفيان ثناء ابن جري قال مسعت أبا سعد األعمى حيدث عطاء بن أيب رباح قال: )خرج أبو أيوب إىل عقبة بن عامر وهو مبصر يسأله عن حديث مسعه من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فلما قدم أتى منزل مسلمة بن خملد األنصاري وهو أمري مصر فأخرب به فعجل فخرج إليه فعانقه وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب ( قال: )حديث مسعته من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مل يبق أحد مسعه غريي وغري عقبة( فابعث من يدلين على منزله قال: فبعث معه من يدله على منزل عقبة فأخرب عقبة به فعجل فخرج إليه فعانقه وقال: )ما جاء بك يا أبا أيوب (. فقال: حديث مسعته من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مل يبق أحد مسعه غريي وغريك يف: سرت املؤمن. قال: نعم مسعت رسول اهلل صل اهلل عليه وسلم يقول: )من سرت مؤمنا على خربة سرته اهلل يوم القيامة( فقال له أبو أيوب: صدقت. مث انصرف أبو أيوب إىل راحلته فركبها راجعا إىل املدينة فما أدركته جائزة مسلمة بن خملد إال بعريش مصر(. 30 30 الرحلة يف طلب العلم ص 124/118 وأخرجه مطوال أيضا من طريق سفيان احلميدي يف مسنده برقم 384 وأخرجه اإلمام أمحد خمتصرا ج 4 ص 153 وانظر ص 159 وأخرجه اخلطيب خمتصرا أيضا من وجه آخر عن سفيان عن ابن جري قال مسعت شيخا من أهل املدينة حيدث عطاء بن أيب رباح أن أبا أيوب رحل إىل مصر... )يفكتاب األمساء املبهمة يف األنباء احملكمة ورقة 244(. ويف سند احلديث مقال وقد تقوى بوروده من طرق أخرى وإنكان فيها مال لكنها تقوي احلديث ويرتقي هبا إىل درجة احلديث احلسن. وانظر مزيدا من الطرق يف جممع الزوائد ج 1 ص 134 واألمساء املبهمة يف األنباء احملكمة املوضع السابق. 16
ح( إن نظام كتاب املسند يتيح فرصة سهلة ونادرة لدراسة حياة الصحايب واجتاهاته العلمية أو إزالة إشكاالت يف حقه يصعب الوصول إىل حلها من مصادر أخرى وهذه اجلوانب هامة ظهرت احلاجة ماسة هلا بشكل بارز يف عصرنا احلايل بسبب هتجم طوائف من أهل البدع وأهل الضالل من األجانب واتباعهم على بعض الصحابة الكرام رضي اهلل عنهم متذرعني مبا حوته كتب مجعت الغث والسمني والصحيح والسقيم. أذكر لذلك مثالني: المثال األول: الفتنة اليت دبرها املنافقون ضد سيدنا عثمان بن عفان رضي اهلل عنه وسار فيها أناس عاطفيون تأثروا حبمالت االفرتاءات املدبرة ضد هذا اخلليفة املظلوم الذي آثر أن يتحمل كل شيء كي ال تراق دماء املسلمني بينما جند يف مسند اإلمام أمحد بأسانيد هي أقوى من كل ما يف كتب التاريخ ما يوضح احلقيقة ويكشف زيف االدعاءات املختلفة ضد هذا اخلليفة املظلوم رضي اهلل عنه. المثال الثاني: موضوع عدالة الصحابة فإن هذا األمر ثابت بنصوص الكتاب والسنة وداللة اإلمجاع واملعقول وقد خاض فيه أقوام بادعاءات وأوهام وخترصات. وقد جلأ بعض الباحثني السابقني إىل دراسة هذه القضية يف ضوء الواقع الذي تنطق به رواياهتم ولتحقيق هذا الغرض عمد إىل أحاديث بعض الصحابة الذين هم أكثر تعرضا للنقد من قبل بعض الفئات وهذا الباحث هو العالمة احملقق حممد بن الوزير اليماين فقد تتبع أحاديث معاوية بن أيب سفيان وعمرو بن العاص واملغرية بن شعبة وبني بسرد األحاديث اليت رووها أهنم مل ينفردوا مبا خيالف ما ثبت عن غريهم من الصحابة يف موضوع ما بل إهنم مل يرووا شيئا يؤيد مواقفهم السياسية وأثبت التتبع املذكور يف كتابه )الروض الباسم يف الذب عن سنة أيب القاسم(. 31 مث أثبت ذلك بعده واعتمده واحت به إمام من الشيعة الزيدية هو حممد بن إمساعيل األمري الصنعاين يف كتابه الكبري يف أصول احلديث: توضيح األفكار شرح تنقيح األنظار( 32 31 ج 2 ص 129/113. 32 ج 2 ص 463/453. 17
وهكذا أفاد التصنيف املسند تسهيل فائد هامة جدا للعامل كان من العسري الوصول إليها من طريق غريه وإن هذا البحث يف الواقع ليس قاصرا على هؤالء الصحابة بل قد مشل به احملدثون غريهم من الصحابة أيضا. )إن أمية احلديث اعتمدوا يقول العالمة احملدث عبد الرمحن املعلمي اليماين يف كتابه: األنوار الكاشفة 33 فيمن ميكن التشكك يف عدالته من الصحابة اعتبار ما ثبت أهنم حدثوا به عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أو عن صحايب آخر عنه وعرضوها على الكتاب والسنة وعلى رواية غريهم مع مالحظة أحواهلم وأهوائهم 34 فلم جيدوا من ذلك ما يوجب التهمة بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غريهم من الصحابة ممن ال تتجه إليه التهمة أو جاء يف الشريعة ما معناه أو ما يشهد له( 35 خدمة كتب المسانيد: هلذه األمهية العلمية واملكانة اليت احتلتها كتب املسانيد كانت املسانيد موضع اعتناء كبري من العلماء وحمل اهتمامهم وكان أول ما ظهر من عنايتهم حفظها آخر. عن ظهر قلب وذلك ألهنا بتوسعها تروي ما ال يروي غريها حىت صار احلافظ الذي حيفظ املسانيد يتميز على غريه باإلحاطة بعلم وفوائد ال توجد عند غريه ألن ترتيب املسانيد على أمساء الصحابة جيعل من الصعب التوصل إىل احلديث عن طريق تقليب األوراق والصفحات وال يزال احلفظ أساسا لتكوين امللكة العلمية املتألقة ألنه يسعف ما ال يسعف التصنيف مهما تيسرت سبيل فوائده كما أن احلافظ يستطيع أن يستنبط فوائد ومعارف ال حتصل بطريق لكن احلاجة متس إىل تسهيل جين هذه الفوائد بغري طريق احلفظ الذي يطول زمان الوصول إليه وقد يعز حتصيله ومن هنا فقد قدم علماؤنا أجزل اهلل مثوبتهم للمسانيد خدمات علمية جليلة ومتنوعة تكفل تسهيل اإلفادة من املسانيد وحتصيل زبد فوائدها نلخص بيان طائفة منها فيما يلي: 33 ص 271. 34 أي نزعاهتم السياسية يف اخلالف بني علي ومعاوية. 35 وأضيف إىل ذلك ما أدى يب إليه البحث فاشهد أنه من خالل استقرائي أللوف تراجم الرواة واملرويات الضعيفة اليت ذكرت يفكتب الضعفاء فإنه مل يوجد حديث قط حيكم فيه مبا خيل هبذا املبدأ عن الصحابة بصورة ما. وأما ما قد يتوهم من أثر اخلالفات السياسية اليت شجرت بني الصحابة رضوان اهلل عليهم فإن التحقيق يدل على اهنا مل تتجاوز موضوعها فيما بينهم ألهنا يف الواقع ذات مالبسات خفية دقيقة أدت إىل شيء قط فهذه األحاديث املروية عن خمالفي سيدنا علي ال يوجد فيها شيء خالفوا غريهم من الصحابة فيه بل ليس فيها ما يقوي موقفهم يف خالفهم مع اإلمام علي رضي اهلل تعاىل عنه. 18
أول- استخراج زوائد المسانيد: وإيداعها مؤلفات خاصة معروفة بكتب الزوائد. وكتب الزوائد هي كتب مصنفة على أبواب املوضوعات جتمع األحاديث الزائدة يف بعض كتب احلديث على أحاديثكتب أخرى دون األحاديث املشرتكة بني اجملموعتني. وقد أكثر العلماء من تصنيف الزوائد وعنوا فيها بزوائد املسانيد وتفننوا يف هذا اللون من التصنيف فجمعوا يفكتاب زوائد مسند معني زادت على الكتب الستة مثل زوائد مسند البزار للهيثمي. 36 كما مجعوا زوائد عدد من املسانيد اهلامة اجلامعة يف كتب خاصة ونذكر من هذا النوع هذه املراجع اهلامة: أ- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لإلمام احلافظ نور الدين علي بن أيب بكر اهليثمي املتويف سنة 807 ه. مجع فيه ما زاد على الكتب الستة من ستة مصادر هامة وهي: مسند أمحد ومسند أيب يعلى املوصلي ومسند أيب بكر البزار واملعجم الكبري للطرباين واملعجم األوسط واملعجم الصغري كالمها للطرباين أيضا فجاء مرجعا حافال يف عشرة أجزاء بني فيه رتبةكل حديث من حيث القبول والرد فكملت فائدته هبذا البيان البالغ األمهية حىت قالوا: )هو من أنفعكتب احلديث بل مل يوجد مثلهكتاب وال صنف نظريه يف هذا الباب(. 37 ب- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: لإلمام احلافظ أمحد بن علي بن حجر العسقالين مجع فيه الزوائد على الكتب الستة من مثانية مسانيد وهي: أليب داود الطيالسي واحلميدي وابن أيب عمر ومسد د وأمحد بن منبع وأيب بكر بن أيب شيبة وعبد بن محيد واحلارث بن أيب أسامة وأضاف زيادات من مسند أيب يعلى ومسند إسحاق بن راهويه ليست يف جممع الزوائد. 38 وقد طبع هذا الكتاب القيم بتحقيق متقن للمحدث الشيخ حبيب الرمحن األعظمي فسح اهلل يف مدته لكنه اعتمد على نسخة جمردة من األسانيد وسيعيده احملقق على نسخة مسندة وال خيفى ما يف ذلك من األمهية والفائدة. 36 حققه حمدث الديار اهلندية الشيخ حبيب الرمحن األعظمي. 37 الرسالة املستطرفة: ص 129. 38 كما أفصح يف تقدمي الكتاب: ص 4. 19
ت- اتحاف المهرة الخيرة بزوائد المسانيد العشرة: صنفه احملدث احلافظ شهاب الدين أبو العباس أمحد بن أيب بكر الكناين البوصريي املتويف بالقاهرة سنة 840 ه. مجع يف هذا الكتاب زوائد عشرة مسانيد على الكتب الستة وهذه املسانيد هي: أليب داود الطيالسي وأيب بكر احلميدي ومسدد بن مسرهد وحيىي بن أيب عمر العدين وإسحاق بن راهويه وأيب بكر بن أيب شيبة وأمحد بن منيع وعبد بن محيد واحلارث بن حممد بن ايب أسامة وأيب يعلى املوصلي. ثانيا- ترتيب المسانيد: وهو عمل جليل حيتفظ بأحاديث الكتاب املسند لكن يعيد ترتيبها وجيمعها على وفق ترتيب املوضوعات ونذكر من هذا العملكتابني: أ( الفتح الرباني لترتيب مسند اإلمام أحمد بن حنبل الشيباني: قام بعمل هذا الكتاب عامل فاضل معاصر هو العالمة الشيخ أمحد بن عبد الرمحن البنا رمحه اهلل وأعلى مقامه يف جنان النعيم رتب مسند اإلمام أمحد بن حنبل على األبواب وجرد األحاديث من أسانيدها مث جعل كل األحاديث اليت تتبع موضوعا جمموعة يف باب يناسبها فما كان يف اإلميان خرجه يف اإلميان وما كان يف الصالة جعله يف الصالة. وهكذا سهل االطالع على أحاديث املسند بعد أن كان معوزا وال سيما ما إذا كان احلديث من مرويات صحايب مكثر من الرواية فإن استخراجه من املسند صعب ألنه يتطلب النظر يف كل مسند الصحايب الذي يروي احلديث املطلوب. مث صنف الشيخ البنا شرحا على هذا الرتتيب مساه: )بلوغ األماين من أسرار الفتح الرباين( ذكر فيه سند كل حديث وخترجيه وتكلم على األحاديث تصحيحا وتضعيفا وشرح مفردات واستنباط فوائد يوجز أحيانا ويتوسع أحيانا لكن الشرح مل يكمل بل اخرتمت املنية الشيخ وقد طبع واحدا وعشرين جزءا وقد شرع فضيلة أستاذنا العالمة اجلليل الشيخ حممد بن عبد الوهاب البحريي أمتع اهلل به بإكمال هذا الشرح وبلغ هناية اجلزء الثاين والعشرين مث عاقت ظروف سفر وعوائق ومرض عن متابعة العمل يسره اهلل له. 20
21 ب( منحة المعبود بترتيب مسند الطيالسي ألبي داود: قام بعمله الشيخ البنا أيضا رتب فيه على األبواب أحاديث مسند كبري هو مسند أيب داود الطيالسي والكتاب مطوع يف جملدين. ثالثا: اإلخراج المحقق: منذ وجدت الطباعة تسهل هبا من خدمة الكتاب ما مل يكن متيسرا من قبل من حسن ترتيب وحتقيق وإخراج مث فهرسة متنوعة شاملة. وقد قام من علماء العصر خبدمة على أعلى مستوى يف اإلخراج املتكامل ألشهر مسند يف الدنيا وهو الشيخ أمحد شاكر رمحه اهلل فقد اعتىن بتحقيقكتاب املسند لإلمام أمحد ورقم أحاديثه ترقيما مسلسال من أول الكتاب إىل آخره وخرج أحاديثه وتكلم عليها تصحيحا وتضعيفا وشرح متون األحاديث شرحا موجزا وجعل لكل جزء فهارس منها فهرس لألحاديث على األبواب وشرع يعد فهارس مفردة شاملة للكتاب كله يف تأليف خاص أمساه )مقاليد الكنوز( وهي تسمية الئقة هبذا العمل الكبري غري أن الشيخ أمحد شاكر مل يكمل العمل بل انتهى إىل ما يقارب الثلث وحالت املنية دون بلوغ األمنية وال حول وال قوة إال باهلل. اخلامتة: ويف ختام هذا البحث نذكر بأمهية كتب املسانيد واآلثار اجلليلة اليت قدمتها للحديث النبوي الشريف ونتقدم هبذه التوصيات: -1 االهتمام البالغ بإخراج املسانيد اهلامة وإحيائها باستخراج خمطوطاهتا وحتقيقها على أصول التحقيق العلمي والتعليق عليها مث فهرستها مبا يكمل فوائدها ويسهل سبل اإلفادة هبا. وقد وفقين اهلل تعاىل لتصوير خمطوطات لبعض املسانيد أرجوه سبحانه التيسري لتحقيق هذا الغرض بفضله وكرمه. 2- أود هنا يف هذا املوقف أن أعلن عن فائدة هامة تضمنها عمل الشيخ البنا يف ترتيبه للمسند مهيبا باخلربات واإلمكانات العلمية أن تسعى للمحافظة عليها. فقد أوقفين فضيلة أستاذنا الشيخ حممد عبد الوهاب -3 البحريي على قطعة من الفتح الرباين خمطوطة وفيها رقم اجلزء والصحيفة من املسند جبانب كل حديث لكن هذا غري موجود يف املنت املطبوع من ترتيب املسند وال شرحه. التذكري بالنسخة اخلطية املسندة من كتاب )املطالب العالية( ورجاء ممن يعنيهم األمر االتصال بفضيلة العالمة حمدث ديار اهلند للمساعدة على إخراج الكتاب حمققا على تلك النسخة.
4- كذلك أوجه النداء الستكمال العمل العلمي الذي خدم به مسند اإلمام أمحد يف ضوء العمل املوجود حاليا ويف ضوء االنتقادات والدراسات اليت أجريت عليه وأرسل كثري منها إىل الشيخ أمحد شاكر ونشر أشياء منها يف أواخر بعض أجزاء املسند. وأخريا أرجو اهلل تبارك وتعاىل أن يوفق لتحقيق هذه الغايات الكبرية واألهداف اجلليلة مبا يقر أعني العلماء وأعني املسلمني الغيورين على احلديث النبوي واملتعلقني بالسنة النبوية املطهرة رواية ودراية ومنهاج حياة وسبيل حضارة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالم على املرسلني واحلمد هلل رب العاملني. وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه وسلم تسلميا. حبث مقدم إىل ملتقى الفكر اإلسالمي املنعقد يف اجلزائر شوال إىل الفرتة من يف املوافق ل 7/27 إىل 1982/8/3 م. 1402 ه 12 _ 6 22