بسم االله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى ا له وصحبه ا جمعين... ا ما بعد: فكلنا ذلك الرجل الذي يحب ا ن يبشر بالجنة والرحمة والرضوان من االله تعالى نسا ل االله الجنة وكلنا يطمع في دخول الجنة التي عرضها كعرض السماء والا رض... ولكن هذه الجنة تنال برحمة االله تعالى ثم بالا عمال الصالحة. وفي هذه الا سطر ذكر لعمل قلبي يوصل للجنة ويدخل في رحمة االله تعالى ذلك العمل الذي لا يطيقه ا لا من صفت قلو م وتعلقت بخالقها فتعال ا خي الكريم لنستمع ا لى الصحابي الجليل وهو يروي لنا قصة ذلك الرجل الذي قاده هذا العمل ا لى ا ن يكون من ا هل الجنة فعن ا نس بن مالك قال: كنا جلوس ا مع الرسول فقال: «يطلع عليكم الا ن رجل من ا هل الجنة» فطلع رجل من الا نصار تنطف لحيته من وضوي ه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الا ولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي مثل مقالته ا يض ا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الا ولى فلم ا قام النبي تبعه عبد االله بن عمرو بن العاص فقال: ا ني لاحيت ا بي فا قسمت ا لا ا دخل عليه ث لاث ا فا ن را يت ا ن تو ويني ا ليك حتى تمضي فعلت فقال: نعم قال ا نس: وكان عبد االله يحدث ا نه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل ش يي ا غير ا نه ا ذا تعار وتقلب على فراشه ذكر االله ع ز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبد االله: غير ا ني لم ا سمعه -٥-
يقول ا لا خير ا فلما مضت الثلاث ليال وكدت ا ن ا حتقر عمله قلت: يا عبد االله ا ني لم يكن بيني وبين ا بي غضب ولا هجر ولكن سمعت رسول االله يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الا ن رجل من ا هل الجنة فطلعت ا نت الثلاث مرار فا ردت ا ن ا وي ا ليك لا نظر ما عملك فا قتدي به فلم ا رك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول االله فقال: ما هو ا لا ما را يت فلما وليت دعاني فقال ما هو ا لا ما را يت غير ا ني لا ا جد في نفسي لا حد من المسلمين غ ش ا ولا ا حسد ا ح د ا على خير ا عطاه االله ا ياه. فقال عبد االله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق [رواه الا مام ا حمد]. االله ا كبر يا لها من صدور طاهرة صافية نقية لا تحمل حقد ا ولا تعرف حسد ا ولا تكن غلا تلك القلوب التي لم تستطع ا ن تكون في صدورنا مثلها ا لا من رحم ربك. قال شيخ الا سلام رحمه االله: (فقول عبد االله بن عمرو له هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق يشير ا لى خلوه وسلامته من جميع ا نواع الحسد) [مجموع الفتاوى - ١٠ ١١٩]. ا خي الكريم: ا ن لسليم الصدر مكانة عظيمة ومترلة عالية فعن عبد االله بن عمرو رضي االله عنهما قال: قال رسول االله : «خير الناس ذو القلب المخموم واللسان الصادق» ما القلب المخموم قال: هو التقي النقي الذي لا ا ثم فيه ولا بغي ولا حسد قيل: فمن على ا ثره قال «الذي يشنا الدنيا ويحب الا خرة» قيل: فمن على -٦-
ا ثره قال «مو من في خلق حسن» [رواه ابن ماجه وصححه الا لباني]. سليم الصدر يحوز حسنات كثيرة ولو كان عمله قليلا فعن سفيان بن دينار قال: قلت لا بي بشر: ا خبرني عن ا عمال من كان قبلنا (يعني الصحابة) قال: كانوا يعملون يسيرا ويو جرون كثير ا قلت: ولم ذاك قال: لسلامة صدورهم. ا يها المسلم: الحسد مانع عن الحق وصاد عن تلقيه فما منع ا هل الكفر عن قبول دعوة الحق ا لا ا ن قالوا: ا ه و لاء م ن الل ه ع ل ي ه م م ن ب ي ن ن ا [الا نعام: ٥٣] و ق ال وا ل و لا ن ز ل ه ذ ا ال ق ر ءان ع ل ى ر ج ل م ن ال ق ر ي ت ي ن ع ظ يم [الزخرف: ٣١]. الحسد ا كل للحسنات جالب للسيي ات قال : «الحسد يا كل الحسنات كما تا كل النار الحطب والصدقة تطفي الخطيي ة كما يطفي الماء النار» [رواه ابن ماجه]. وعن ا بي هريرة ا ن النبي قال: «ا ياكم والحسد ف ا ن الحسد يا كل الحسنات كما تا كل النار الحطب ا و قال: العشب» [رواه ا بو داود]. الحسد سبب لغضب االله ولعنته فهذا ا بليس لما حسد ا بانا ا دم عليه السلام على ما ا تاه االله لعنه االله وطرده والحسد دعا ابن ا دم ا لى قتل ا خيه قال تعالى: ف ط و ع ت ل ه ن فس ه ق ت ل ا خ يه ف ق ت ل ه ف ا ص ب ح م ن ال خ اس ر ين [الماي دة: ٣٠]. والحسد يعد ركنا من ا ركان الكفر قال ابن القيم رحمه االله: ا ركان الكفر ا ربعة: الكبر والحسد والغضب والشهوة فالكبر يمنعه -٧-
الانقياد والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلها والغضب يمنعه العدل والشهوة تمنعه التفرغ للعبادة. والحسد من ا هم الا سلحة التي يستخدمها ويوصي ا الشيطان جنوده لزرع العداوات قال علي بن ا بي طالب. قال ا بليس لجنوده ا لقوا بين الناس التحاسد والبغي فا ما يعدلان الشرك [ جة ا الس ٤٠٩/١]. والحاسد معاد لنعم االله تعالى معترض على ما من به على خلقه قال ابن مسعود : لا تعادوا نعم االله عز وجل ومن يعادي نعم االله قال: الذين يحسدون الناس على ما ا تاهم من فضله. ا لا من كان لي حاسدا ا سا ت على االله في حكمه ا تدري على من ا سا ت الا دب لا ن ك لم ت رض لي م ا وه ب وقال بعض الحكماء: الحاسد لا ينال من ا الس ا لا مذمة وذلا ولا ينال من الملاي كة ا لا لعنة وغض ب ا ولا ينال من الخلق ا لا جز ع ا وغ م ا ولا ينال عند الترع ا لا شدة وهولا ولا ينال عند الموقف ا لا فضيحة ونكالا. فيا ا خي: الحقد داء دفين ليس يحمله ا لا جهول ملي النفس بالعلل مالي وللحقد يشقيني وا حمله سلامة الصدر ا هنا لي وا رحب لي ا ن نم ت قرير العين ناعمها وا متطي لمراقي ا د مركبتي ا ني ا ذن لغبي فاقد الحيل ومركب ا د ا حلى لي من الزلل وا ن صحوت فوجه السعد يبسم لي لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي -٨-
ا مور تعين على سلامة الصدر: من ا همها ما يلي: - ١ يعرف العبد خطورة هذا الداء فهو مقس للقلوب مشتت للشمل زارع للعداوات والبغضاء بين المسلمين وقد سبق ذكر شيء من ا ثاره الوخيمة فيما سبق من ا سطر. - ٢ يتعرف على ا حوال من سلمت قلو م وعلى را سهم رسول الهدى يكذبه قومه ويضربوه ويفترون عليه ومع ذلك يقول: «بل ا رجو ا ن يخرج االله من ا صلا م من يعبد االله وحده لا يشرك به شيي ا» [متفق عليه]. وعن ا نس قال: كنت ا مشي مع رسول االله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فا دركه ا عرابي فجذبه برداي ه جبذة شديدة فنظرت ا لى صفحة عاتق النبي وقد اثر ا حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي من مال االله الذي عندك فالتفت ا ليه فضحك ثم ا مر له بعطاء [متفق عليه]. فهذا رسول الهدى والرحمة لا يرد على هذا الا عرابي ا لا بالضحك الناتج عن سلامة الصدر وصفاي ه من كل شواي ب الحقد والغل والحسد. وهذا ابن عباس رضي االله عنهما يقول: ا ني لا مر على ا لا ية من كتاب االله فا ود ا ن الناس كلهم يعلمون منها ما ا علم. ويضرب لنا ا بو ضمضم ا روع الا مثلة فكان يقول ا ذا ا صبح: (اللهم ا نه لا مال لي ا تصدق به على الناس وقد تصدقت عليهم بعرضي فمن شتمني ا و قذفني فهو في حل فقال النبي -٩-
لا««من يستطيع منكم ا ن يكون ك ا بي ضمض م» قال ابن القيم رحمه االله: وفي هذا الجود من سلامة الصدر وراحة القلب والتخلص من معاداة الخلق ما فيه [ ذيب مدارج السالكين ٤٠٧]. وكان الا مام الشافعي يقول: (وددت ا ن الناس تعلموا هذا العلم ولم ينسب ا لي منه شيء) [صفة الصفوة ٢٥١]. ٢/ الا يثار وعدم الشح فقد امتدح االله تعالى ا هل الا يمان فقال: و ال ذ ين ت ب و ء وا الد ار و ال ا يم ان م ن ق ب ل ه م ي ح ب ون م ن ه اج ر ا ل ي ه م و لا ي ج د ون ف ي ص د ور ه م ح اج ة م م ا ا وت وا و ي و ث ر ون ع ل ى ا ن ف س ه م و ل و ك ان ب ه م خ ص اص ة و م ن ي وق ش ح ن فس ه ف ا ول ي ك ه م ال م فل ح ون [الحشر: ٩]. التجاوز عن الهفوات والزلات وعدم تتبعها وا ساءة الظن ا فالواجب العفو والصفح عنها. لما عفوت ولم ا حقد على ا حد ا رحت نفسي من هم العداوات والواجب على المسلم كذلك: ا حسان الظن وحمل الا مور على المحمل الحسن وا يجاد الا عذار والمسلم ما مور بالبعد عن ا ساءة الظ ن قال تعالى: ي ا ا ي ه ا ال ذ ين ا م ن وا اج ت ن ب وا ك ث ير ا م ن الظ ن ا ن ب ع ض الظ ن ا ث م و لا ت ج س س وا و لا ي غ ت ب ب ع ض ك م ب ع ض ا ا ي ح ب ا ح د ك م ا ن ي ا ك ل ل ح م ا خ يه م ي ت ا ف ك ر ه ت م وه و ات ق وا الل ه ا ن الل ه ت و اب ر ح يم [الحجرات: ١٢]. ا فشاء السلام فهو طريق المحبة بين المسلمين قال : تدخلوا الجنة حتى تو منوا ولا تو منوا حتى تحابوا ا و لا ا دلكم -١٠-
على شيء ا ذا فعلتموه تحاببتم ا فشوا السلام بينكم» [رواه مسلم]. قد يمكث الناس دهر ا ليس بينهم ود فيزرعه التسلم واللطف - ٥ الهدية: فالهدية لما ا ثر عظيم في صفاء النفوس وجلب المحبة والتا لف فقد قال «ادوا : تحابوا» [حسنه الا لباني]. هدايا الناس بعضهم لبعض وتزرع في الضمير هوى وودا تولد في قلو م الوصالا وتكسوهم ا ذا حضروا جمالا - ٦ الحذر من هجر المسلم والتقاطع والتدابر فقد قال : «لا يحل لمسلم ا ن يهجر ا خاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدا بالسلام» وقال «لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد االله ا خوانا» [رواهما البخاري ومسلم]. - ٧ البعد عن الجدل والمراء لما يترتب عليه من ا يغال الصدور وبث المشاحنات والعداوات وحب الانتصار للنفس وتذكر قول الرسول الكريم : «ا نا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وا ن كان محق ا». - ٨ ا شغال النفس بذكر االله تعالى وما تستطيعه من ا نواع الطاعات وعدم ترك النفس بلا شغل فا نك ا ن لم تشغلها بالطاعة ش غلت بالمعصية. - ٩ اللجوء ا لى االله تعالى بالدعاء والتضرع بين يديه با ن يصلح قلبك ويسلم صدرك من نزغات الشيطان ويجعله صدر ا سليم ا لا يحمل غلا ولا حسد ا لا ح د. ومن ذلك ا ن يقول العبد: «واسلل -١١-
سخيمة قلبي» [صحيح ا بي داود]. - ١٠ اجتناب الا سباب المو دية للحسد وا غارة الصدور ومن ا همها: * ضعف الا يمان باالله تعالى والصلة به وعدم الرضا بق ض اي ه وقدره وما قسمه للعبد. * حب الدنيا والتنافس على نعيمها وزخارفها الزاي لة قال الحسن البصري رحمه االله: "من نافسك في دينك فنافسه ومن نافسك في دنياك فا لقها في نحره". * حب الظهور والعلو على الغير وحب الرياسة وطلب الجاه والمدح من الناس. * الكبر والا عجاب بالنفس في الحدي ث: «ثلاث مهلكا ت: شح مطاع وهوى متبع وا عجاب المرء بنفسه» [السلسلة الصحيحة (١٨٠٢)]. * الظن السيي بالمسلمين وهجرهم وا شغال النفس بالكلام فيهم وذكر عيو م... فيا ا يها المسلم كن سليم الصدر فا نه ينفعك في يوم ا نت ا ح وج ما تكون ا ليه هناك: يوم لا ينفع مال ولا بنون * ا لا من ا تى االله بقلب سليم [الشعراء: - ٨٨ ٨٩]. -١٢-