برنامج المكتبة الشاملة -

النسخ

1 تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة الكتاب : شرح منظومة القواعد الفقهية شرح منظومة القواعد الفقهية الشيخ سعد بن ناصر الشثري / منظومة القواعد الفقهية مقدمة المصنف إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماكثيرا. أما بعد: فإن من نعم اهلل ( علينا أن هيأ لنا أسباب طلب العلم الشرعي الذي نتقرب به إلى اهلل ( فإن أفضل نعمة ينعم اهلل بها على العباد في الدنيا: الدخول في دين اإلسالم وااللتزام بشرائعه وإن من شرائع هذا الدين: طلب العلم الشرعي فهو قربة هلل ( وهو أيضا وسيلة من وسائل التقرب إلى اهلل ( فهو غاية في نفسه وسيلة للتقرب إلى اهلل في غيره من األعمال فإنه ال يتصور أن يتقرب العبد إلى ربه ( إال بالعلم الشرعي. وإن من فضل اهلل علينا أن جعلنا نتذاكر في مثل هذه المجالس العلمية التي هي أفضل ما في الدنيا وأبرك ما فيها والسعادة تحصل في مثل هذه المجالس وإنه -واهلل ثم واهلل- ال يوجد أحد أسعد من طالب علم يبذل وقته في طلب العلم يتقرب بذلك إلى اهلل (. وإن من فضل اهلل علينا أن هيأ لنا مثل هذه الدورات العلمية التي تكون الدروس العلمية فيها مضبوطة ومنظمة ومراعى فيها جميع التخصصات الشرعية بحيث ما من علم شرعي إال ويكون مشموال في هذه الدورات وإن من فضل اهلل ( علينا أن هيأ رجاال نحسبهم صادقين قد هيئوا مثل هذه الدورات وبذلوا من أوقاتهم وجهدهم لتهيئة األسباب إلقامة هذه الدورات ونذكر منهم في هذا المجلس: األخ فهد جزاه اهلل خيرا ورفع مقداره ويسر له أسباب العلم النافع والعمل الصالح كما نسأل اهلل ( للجميع العلم النافع الذي يتقرب به الجميع إلى ربهم (. )1/1(

2 حديثنا في هذه الدورة وفي هذا األسبوع عن القواعد الفقهية وأود أن أقدم بمقدمة عن علم القواعد الفقهية بحيث نتناول تاريخ هذا العلم ونتناول أهم المؤلفات فيه وأتناول طرق ومناهج العلماء في التأليف في هذا العلم وأتحدث عن تعريف هذا العلم وعن الفروق بين هذا العلم وغيره من العلوم ومما له به نوع اتصال. من المعلوم أن اهلل ( امتن علينا ببعثة محمد ( وخصه بخصائص منها أنه أوتي جوامع العلم وجوامع الكلم أن يتكلم النبي ( بالكالم القليل الذي يكون له معان عديدة ويشمل أحكاما متعددة. وإذا تأمل المرء سنة النبي ( وجد فيها من ذلك الشيء الكثير ومثال ذلك قول النبي ( ( ال ضرر وال ضرار ( وهذا الحديث قد روي عن عدد من الصحابة بأسانيد ال يخلو أحادها من مقال لكننا عند جمع هذه األسانيد نجد أن لهذا الحديث أصال ثم إن الشريعة قد دل على معناه بعموم أدلتها األخرى ومن ألفاظ النبي ( المختصرة التي أخذ منها قواعد فقهية قوله ( ( الخراج بالضمان ( كما رواه أبو داود والترمذي بإسناد صححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه ابن حبان. ومن األلفاظ الواردة في ذلك قول النبي ( ( اليمين على من أنكر ( وفيكما في الصحيحين وفي بعض ألفاظ هذا الحديث: ( البينة على المدعي ( وهذا وإنكان قد تكلم أهل العلم في أسانيده مفردة إال أنه عند جمع أسانيده والنظر في معناه نجده ثابتا في الشريعة. فالمقصود أن المتأمل في سنة النبي ( يجد أن هناك عددا من األحاديث النبوية قد اختصرت ألفاظها ودل على معان عديدة وأحكام متعددة فيدلنا هذا على مبدأ قواعد الفقه ثم بعد النبي ( وردت ألفاظ رشيقة عن األئمة من الصحابة فمن بعدهم من التابعين فيها اختصار في األلفاظ وشمول في المعاني واألحكام. )2/1( ومن ذلك قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ( مقاطع الحقوق عند الشروط كما ذكر ذلك البخاري تعليقا ورواه بإسناد جيد عبد الرزاق وغيره. وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ( أيضا: هذه على ما نقضي وتلك على ما قضينا فهذه عبارة مختصرة أصبح قاعدة فقهية يهتديها األئمة والعلماء والفقهاء وهذا اللفظ قد رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وجماعة بإسناد ال بأس به ثم بعد عصور الصحابة والتابعين وبعد أن جاء عصر التدوين نجد أن الواحد من العلماء يعلل األحكام الفقهية التي يطلقها بعلل تجمع أحكاما فقهية من أبواب شتى فأخذ من تلك التعليالت قواعد فقهية. ومن أمثلة ذلك بعد عصر التدوين أن اإلمام الشافعي -رحمه اهلل- فيكتابه األم ذكر عددا من

3 األحكام وعللها بعلل جامعة تشمل مسائل عديدة من ذلك قوله -رحمه اهلل-: ال ينسب إلى ساك قول ومنها قوله: الرخص ال يتعدى بها محلها فأخذت هذه األلفاظكقواعد عامة -قواعد فقهية- ورتب عليها أحكاما فقهية في أبواب عديدة. ومن ذلك قول اإلمام أبي يوسف -رحمه اهلل-: التعذير إلى اإلمام على قدر الجناية ومن ذلك قول اإلمام أحمد:كل زوج يالعن ومنها قوله عن الوصي: ال يشتريكيف يبيع يعني: ال يشتري من الميراث كيف يشتري وهو يبيع فأخذ من هذا قاعدة فقهية أن من يبيع ال يشتري فمثال ذلك الوكيل إذاكان سيبيع بضاعة لغيره فإنه ال يجوز أن يشتري تلك البضاعة لنفسه. ثم بعد ذلك وبعد هذه العصور -عصور أوائل التدوين- رغب العلماء جمع تلك القواعد في مؤلفات خاصة وذلك أن الفروع الفقهية متكاثرة وال يمكن اإلحاطة بها فعندما نضبط تلك القواعد نستطيع ضبط الفروع الفقهية فحاول العلماء التأليف في القواعد الفقهية. )3/1( ومن أوائل من أل ف في القواعد الفقهية: أبو الحسن الكرخي المتوفى سنة أربعين وثالثمائة فيكتاب عرف بعد ذلك باسم "أصول الكرخي" ثم ألف بعده أبو زيد الدبوسيكتابه: "تأسيس النظر" وذكر فيه عددا من القواعد الفقهية وذكر فيه عددا من الفروع الفقهية المترتبة على تلك القواعد وإنكان غالب ما يذكره من القواعد قواعد خالفية بين اإلمام أبي حنيفة وأصحابه وبين اإلمام أبي حنيفة وبقية األئمة كمالك والشافعي وغيرهم. ثم بعد ذلك ولعل سببكون الحنفية هم أول من ألف في القواعد الفقهية هو مقاربة طريقة التأليف في القواعد الفقهية لطريقة الحنفية في التأصيل فإن من المعلوم أن علماء أصول الفقه لهم منهجان في التأليف األصولي. المنهج األول: تقرير القواعد بناء على االدلة بغض النظر عن الفروع وهذا هو منهج جمهور العلماء وعليه سار علماء المالكية والشافعية والحنابلة. والمنهج الثاني: تأصيل القواعد األصولية من خالل الفروع الفقهية الواردة عن األئمة وهذا هو منهج الحنفية فهم يذكرون ويتتبعون الفروع الفقهية الواردة عن اإلمام أبي حنيفة وأصحابه ويأخذون منها قواعد فقهية. آسف يأخذون منها قواعد أصولية فهذا المنهج قريب من منهج القواعد الفقهية ولذلك كان منهجكان الحنفية من أوائل من ألف في القواعد الفقهية. بعد ذلك جاء اإلمام العز بن عبد السالم -رحمه اهلل- المتوفى سنة س وستمائة فألفكتابه: "قواعد األحكام في مصالح األنام" وكان من أوائل الكتب المؤلفة في القواعد الفقهية فاحتذى العلماء بعده

4 حذوه فألفوا مؤلفات عديدة في هذه القواعد. إذا نظر اإلنسان للكتب المؤلفة في القواعد الفقهية يمكنه أن يقسم تلك المؤلفات إلى تقسيمات عدة: )4/1( التقسيم األول: تقسيم المؤلفات في القواعد الفقهية بحسب عنوان تلك الكتب فإن المؤلفات في القواعد الفقهية منها ما يعنون باسم األشباه والنظائر ويراد باألشباه المسائل المتشابهة من أوجه متعددة وأما األمثال فهي المسائل المتشابهة منكل وجه وأما النظائر فهي المسائل المتشابهة من وجه واحد وإنكان تختلف في بقية الوجوه والغالب في إطالق لفظ النظائر أن يراد به المسائل المتشابهة في الصورة المختلفة في الحكم. ومن الكتب المؤلفة باسم األشباه والنظائركتاب: "األشباه والنظائر" البن الوكيل الشافعي وكتاب: "األشباه والنظائر" للسيوطي الشافعي وكتاب: "األشباه والنظائر" البن نجيم الحنفي وابن نجيم قد استفاد من طريقة السيوطي وأخذ منهكثيرا من مباحثه. واالسم الثاني مما سمي به المؤلفات في هذا العلم اسم الفروق وممن ألف في ذلك السامري الحنبلي ابن سنينة صاحب "المستوعب" فقد ألفكتاب: "الفروق" ومن ذلك أيضا القرافي المالكي الذي ألفكتاب: "الفروق" ومن ذلك أيضاكتاب: "الفروق" ألبي محمد الجويني والد أبي المعالي. ومن األسماء التي ألف - من األسماء التي سمي بها المؤلفات في هذا العلم اسم القواعد مثل: "قواعد ابن رجب الحنبلي" و"القواعد" لألونشريسي "إيضاح السالك إلى قواعد اإلمام مالك" "والمجموع المذهب في قواعد المذهب" للعالء الشافعي. )5/1( وإذا نظر المؤلف- وإذا نظر اإلنسان إلى المؤلفات في الكتب المؤلفة في القواعد الفقهية يجد أنها نهج مناهج متعددة في الترتيب فليس ترتيب القواعد الفقهية سائرا على منهج واحد بل الكتب في القواعد الفقهية على طرائق مختلفة في الترتيب فمن هذه المؤلفات ما يرتب القواعد بحسب أهميتها وشمولها فيبدأ بالقواعد الكلية الكبرى التي لها فروع منكل باب فقهي ثم يتطرق إلى القواعد الكبرى التي تدخل في أبواب متعددة وإن لم تكن تدخل في جميع األبواب مثل قاعدة التابع تابع ثم يذكرون القواعد الخالفية.

5 ومن أمثلة الكتب المؤلفة على هذا الترتيبكتاب: "األشباه والنظائر" للسيوطي والبن نجيم. والمنهج الثاني ترتيب الكتب الفقهية أو ترتيبكتب القواعد الفقهية بحسب الحروف األولى فيبدأ بالقواعد التي تبدأ بحرف األلف مثل: قاعدة األمور بمقاصدها ثم بحرف الباء مثل: البينة على المدعي وهكذا. وممن ألف على هذا المنهج الزركشي بدر الدين فيكتابه: "المنثور" ولعل هذه الطريقة من أحسن الطرق في ترتيب القواعد ألنكون القواعد مما تعم وتشمل أو تقتصر على بعض األبواب مما تختلف فيه األنظار وتختلف فيه وجهات العلماء. من أنواع الترتيب للكتب في القواعد الفقهية ترتيبها بحسب األبواب الفقهية فيورد القواعد المتعلقة بكتاب الطهارة ثمكتاب الصالة وهكذا. وممن سار على هذا المنهج المقري المالكي فيكتابه: "القواعد" وقد سار جماعة من العلماء في ترتيب القواعد الفقهية على ذكر القواعد بدون ترتيب مثل ابن رجب فيكتابه: "القواعد" فإنه يذكر القواعد بدون أي ترتيب. )6/1( إذا تقرر ذلك فإن المؤلفات في القواعد الفقهية من جهة شمول هذه المؤلفات لغير علم القواعد الفقهية من العلوم يمكن تقسيمه إلى أقسام عدة فمنها ما اقتصر على القواعد الفقهية فقط وال يذكر غيره من الفنون مثلكتاب: "األشباه والنظائر" البن نجيم ومنها ما يذكر مع القواعد الفقهية قواعد أصولية مثلكتاب: "الفروق" للقرافي "وتأسيس النظر" للدبوسي ومنها ما يذكر مع القواعد الفقهية موضوعات وأبواب فقهية مثل الزركشي فيكتابه: "المنثور" إذا تقرر ذلك فما الفرق بين القاعدة األصولية والقاعدة الفقهية. الفرق بين القاعدة األصولية والقاعدة الفقهية يظهر من خالل عدد من األمور : األمر األول: أن القاعدة األصولية توجد أوال ثم يستخرج الحكم الفقهي ثم بعد ذلك تجمع األحكام الفقهية المتشابهة فيؤلف منها قاعدة فقهية. الفرق الثاني: أن القاعدة األصولية ال يمكن أن يؤخذ منها الحكم الفقهي مباشرة بل ال بد أن يكون معها دليل تفصيلي مثال ذلك قاعدة األمر للوجوب هل تأخذ منها وجوب أي فعل من األفعال ال يمكن حتى تضيف إليها دليال تفصيليا مثل قوله: ( )))))))))) ))))))))))) ( )1( من الفروق بينما القاعدة الفقهية يمكن أن نأخذ منها حكما مباشرة مثال ذلك: قاعدة األمور بمقاصدها نأخذ منها أن النية واجبة للصالة وللوضوء هذه قاعدة فقهية أخذنا منها الحكم مباشرة مما يعتني علماء القواعد

6 الفقهية فيه بإيراد الفرق بينه وبين القاعدة الفقهية: الفرق بين القاعدة وبين الضابط. وهناك فرقان ظاهران بين القواعد الفقهية والضوابط: )7/1( الفرق األول: أن القاعدة الفقهية تكون مما يدخل في أبواب عديدة فالقاعدة الفقهية لها فروع في أبواب فقهية متعددة مثال ذلك: قاعدة األمور بمقاصدها نأخذ منها وجوب الصالة في باب الصالة ونأخذ منها في البيع أن المقاصد معتبرة ونأخذ منها في الجنايات الفرق بين القتل العمد والقتل الخطأ بينما الضوابط الفقهية تكون خاصة بباب واحد مثال ذلك: قاعدة أن ما جاز في الفريضة من الصلوات جاز في النفل فهذا ضابط فقهي متعلق باألبواب- أبواب النوافل نوافل الصلوات ومثله ضابطكل زوج يالعن فهذا ضابط فقهي يختص بباب واحد. الفرق الثاني بين القاعدة الفقهية والضابط: أن القاعدة الفقهية فيها إشارة لمأخذ الحكم ودليل الحكم فقولنا: األمور بمقاصدها فيه إشارة لمأخذ الحكم وهو الدليل الوارد في ذلك إنما األعمال بالنيات كما رواه الشيخان من حديث عمر بن الخطاب بينما الضابط الفقهي ال يشير إلى مأخذ المسألة ودليلها. إذا تقرر ذلك فما هي القاعدة الفقهية القاعدة الفقهية يراد بها حكمكلي فقهي ينطبق على جزئيات عديدة من أبواب مختلفة فقيل: حكم ألن الحكم يراد به إثبات أمر ألمر أو نفيه عنه في القاعدة الفقهية إثبات أو نفي وقيل:كلي إلبعاد األحكام الجزئية أحكام الفقه الخاصة بمسألة واحدة فهذه ليس من القواعد الفقهية وقيل: فقهي إلخراج القواعد الكلية الواردة في العلوم األخرى مثل قواعد النحو وقواعد الحساب- الفاعل مرفوع واالثنان مع االثنين يكون أربعة ونحو ذلك. )8/1( وقيل: ينطبق على جزئيات عديدة ألن هذا هو المراد بالقاعدة وقيل: من أبواب متعددة إلخراج الضابط الفقهي وقيل في التعريف:كلي ولم يقل: أغلبي مع أنكثيرا من القواعد الفقهية لها مستثنيات بسبب أن لفظ القاعدة في ذاتهكلي وإنما األغلبية بحسب الجزئيات الداخلة في القاعدة فعندما أقول: المشقة تجلب التيسير المشقة هذا حكمكلي وليس حكما جزئيا فلم أقل: أغلب المشقة تجلب التيسير. وكون بعض الفروع ال يدخل في القاعدة ليس معناه أن حكم القاعدة في ذاته ليس حكماكليا بل هو

7 حكمكلي. ممن اعتنى بعلم القواعد الفقهية وألف فيه المؤلفات: الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه اهلل- وله مؤلفات عديدة في هذا العلم منها: "اختصار قواعد ابن رجب" ومنها: "كتاب القواعد واألصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة" وهوكتاب موجود ومتداول وذكر فيه ستين قاعدة وبضعا وأربعين من الفروق والتقاسيم ومن مؤلفاته أيضا:كتاب "منظومة القواعد الفقهية وشرحها" وهو الذي بين أيدينا وسنتناوله بالشرح واإليضاح بإذن اهلل (. مقدمة القواعد الفقهية البداءة في الخطب بحمد اهلل ( الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا أجمعين وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. أما بعد: فقال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه اهلل تعالى- في منظومة القواعد الفقهية: الحمد هلل العلي األرفق وجامع األشياء والمفرق )9/1( نعم هذا البي بدأ به الشيخ -رحمه اهلل- القواعد الفقهية بحمد اهلل ( وهكذا السنة البداءة في الخطب بحمد اهلل ( وقدكان النبي ( يبدأ خطبه بحمد اهلل والثناء عليه وكان ( يبدأ رسائله وكتبه بالبسملة بدون حمد فيقول: ( من محمد رسول اهلل إلىكذا إلى قيصر عظيم الروم ونحوه فهذا هو السنة البداءة في الكتب بالبسملة الرسائل بالبسملة والبداءة في الخطب بحمد اهلل سبحانه. فإذاكان هناك مؤلف وكتاب فإنكثيرا من أهل العلم رأوا أنه يبدأ به باألمرين معا: البسملة وحمد اهلل تعالى وأخذوا هذا من أنه يجمع األمرين معا كونه رسالة... كونه رسالة مكتوبة وكونه خطبة ألنه سيقرأ بعد ذلك. قالوا: وفيه اقتداء بكتاب اهلل ( فإنه بدأ بالبسملة ثم حمده سبحانه ويراد بالحمد وصف المحمود بالوصف الجميل مع محبته وتعظيمه هذا هو المراد بالحمد في لغة العرب وبعض العلماء يقول: إن المراد بالحمد الثناء الثناء بالجميل وقد استشكل ذلك لما ورد في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي ( قال ( قال اهلل ( قسم الصالة بيني وبين عبدي قسمين أو نصفين فإذا قال العبد: الحمد هلل الحمد هلل رب العالمين. قال اهلل: حمدني عبدي وإذا قال العبد: الرحمن الرحيم. قال اهلل: أثنى علي عبدي. ( ففرق بين الثناء وبين الحمد وهذا جعل بعض العلماء يرى أن

8 الثناء يراد به تكرير الحمد مأخوذ من الثني في اللغة يقال: ثنى وثنى هذا األمر وثناه بمعنى أتى به مرة أخرى. وقوله: العلي هذا وصف هلل ( بالعلو واهلل موصوف بعلو الذات وبعلو القدر وال يعني وصف اهلل ( بأحد نوعي العلو أن نمنع منه النوع اآلخر من أنواع العلو. )11/1( وقوله هنا: األرفق مأخوذ من الرفق فاهلل رفيق يحب الرفق وكان في بعض النسخ التي طبع في الزمان األول بالواو األوفق وقد استشكلتها واستشكل وصف اهلل ( بها فسأل الشيخ ابن عثيمين -رحمه اهلل- عن هذا اللفظ فذكر لي بأنهم حفظوا هذه المنظومة عن الشيخ بلفظ األرفق بدون األوفق. وقوله هنا: وجامع األشياء والمفرق هذا فيه وصف هلل ( بالجمع والتفريق ومن أوصاف اهلل ( أنه يجمع بين األشياء المتشابهة في الحكم ويفرق بين األشياء المختلفة وعلى هذا األمر بني القواعد الفقهية فإن القواعد عبارة عن جمع المتشابهات ووضعها في قاعدة واحدة بينما علم الفروق مبني على إظهار السبب الذي من أجله فرق بين المسائل. نعم اهلل واسعة ذي النعم الواسعة الغزيرة والحكم الباهرة الكثيرة هذا أيضا من وصف اهلل ( والثناء عليه هو -سبحانه- قد أنعم علينا بنعم واسعة غزيرة متعددة من أفضلها نعمة دين اإلسالم ونعمة التوجه لطلب العلم الشرعي فهذه من نعم اهلل علينا. ونعم اهلل عديدة ال يمكن للعبد أن يحصيها لذلك قال -جل وعال-: ( ))))) ))))))))) )))))))) )))) )) ))))))))))) ( ( )2( وقوله هنا: والحكم الباهرة الكثيرة هذا وصف هلل ( بأنه حكيم واهلل حكيم في أوامره الكونية وحكيم في أوامره الشرعية فإن خطاب اهلل وأمره على نوعين: أمر وخطابكوني. واهلل ( حكيم يضع األشياء في محالها وال يقدر شيئا إال لحكمة واهلل ( أيضا حكيم في شرعه فإنه ما شرع شيئا إال وفيه الحكمة وفيه مصلحة العباد ومن هنا فإن وصف اهلل ( بالحكيم نستفيد منه أنه حكيم في تصرفاته وحكيم في أوامره وحكيم في شرعه وهذا من األلفاظ التي تقع على معان متعددة ويراد باللفظ الواحد جميع تلك المعاني. الصالة والسالم على رسول اهلل ثم الصالة مع سالم دائم على الرسول القرشي الخاتم

9 )11/1( بعد ذلك ذكر المؤلف الصالة والسالم على رسول اهلل وقدكان من المعروف عند بعض العلماء والمشتهر بينهم أنه يراد بلفظ الصالة الدعاء يستدلون على ذلك بعدد منكالم العرب وإذا تأمل اإلنسانكالم العرب وراعاهكله وجد أن المراد بالصالة الثناء والذكر الجميل وأنه ال يراد بلفظ الصالة في جميع المواطن الدعاء يدل على هذا أن بعض النصوص الواردة في الصالة ال يمكن أن تفسر بالدعاء مثل نسبة الصالة هلل ( ( (((( ((((((( (((((((( (((((((((( ((((((((((((((((( ( )3( ال يمكن أن يقال هو الذي يدعو. ثم أيضا إن الدعاء يتعدى بالالم- دعا فالن لفالن بينما الصالة تتعدى بلفظ على لذلك فإن األظهر أن يراد بلفظ الصالة الثناء والذكر الجميل. وقول بعض الناس: إن المراد بالصالة من اهلل الرحمة هذا قول خاطئ ويخالف منهج أهل السنة في تفسير الصالة وفي تفسير الرحمة فإنهم يفرقون بين الرحمة وبين الصالة بل إن النصوص الشرعية جاءت بالتفريق بينهما قال -جل وعال-: ( )))))))))))) )))))))))) ))))))))) )))) ))))))))) )))))))))) ( ( )4( فلوكان الصالة هي الرحمة لماكان لعطف الرحمة على الصالة فائدة. وقوله: الخاتم هذا وصف للنبي ( بكون اهلل قد ختم به الرسالة والخات م بكسر التاء اسم فاعل فكأنه قد جاء آخر الرسل والخات م بفتح التاء اسم آلة كأنه قد ختم به الرسالة. )12/1( فإن قال قائل: إن عيسى -عليه السالم- سيأتي في آخر الزمان فكيف يوصف محمد ( بأنه خاتم الرسل والجواب عن ذلك: أن عيسى -عليه السالم- قد تقدم زمانه ثم إن عيسى -عليه السالم- ال يأتي بصفةكونه نبيا وإنما يأتي بصفةكونه عبدا متبعا لرسول اهلل ( فال يأتي بشرع جديد وال ينبأ بتعاليم جديدة وإنما يكون متابعا لهدي النبي ( والدليل على أنه ( هو خاتم األنبياء قوله -سبحانه-: ( ))) )5( ( ( ((((((((((((( ((((((((( (((( ((((((( (((((((( (((((((((((( (((( (((((( (((((( (((((((( ((((( وقوله ( كما في البخاري: ( ال نبي بعدي (. الصالة على آل النبي ( وآله وصحبه األبرار الحائزي مراتب الفخار صلى المؤلف أيضا على آل النبي ( ويكون بذلك متبعا لهدي النبي -صلى اهلل عليه وسلم- فإن النبي

10 ( كان قد أمر أصحابه في التشهد بالصالة عليه وعلى آله ولذلك نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد- واآلل في لغة العرب يراد بها عدد من المعاني منها: القرابة- فآل فالن قرابته ويراد به األتباع فيقال: آل فالن بمعنى أتباعه ولذلك فسر قوله ( ( )))))))))))) ))))) )))))))))) )))))) ))))))))))) )))) ( )6( فإن المراد بآل فرعون هنا أتباعه ألن من قرابة فرعون من هداه اهلل ( ودخل في دين اإلسالم ولذلك وقع الخالف بين العلماء: هل المراد باآلل هنا األتباع أو القرابة على منهجين للعلماء. وقوله: وصحبه ال يدلنا على أن المراد بلفظ آله هم قرابته ألنه ال يمتنع أن نعطف الخاص على العام كما قال سبحانه ( (((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( ((((((((((((( ( )7( والعمل الصالح جزء من أجزاء اإليمان وأقاموا الصالة- وإقامة الصالة خاص عطف على العام وهو العمل الصالح ومنه قوله ( ( ((( ((((( ((((((( (( ((((((((((((((((( ((((((((((( ((((((((((( (((((((((( ( )8( وجبريل وميكال خاص أتي بهما بعد العام في قوله مالئكته. )13/1( والمراد بلفظ األصحاب هنا: من رأى النبي ( ولو ساعة واحدة مؤمنا به ومات على ذلك والعلماء يأتون بهذه اللفظة ردا على الرافضة الذين يترضون ويصلون على اآلل وال يترضون على األصحاب وقد جاءت النصوص في فضل الصحابة -رضوان اهلل عليهم- وبيان مكانتهم ومنزلتهم منها قوله سبحانه: ( ((((((((((((((( ((((((((((( (((( (((((((((((((((( (((((((((((( ((((((((((( (((((((((((( ((((((((((( (((((( (((( (((((((( ((((((((( (((((( ( )9( ومنها قوله سبحانه: ( (((((((( ((((((( (((( ((((((( ((((((((( ( (((((((((( (((((((((( ((((((((((( ((((( (((((((((( (((((((( ((((((((((( ( ))))))) ( )11( إلى غير ذلك من النصوص. ومنها قوله ( ( خيركم قرني ثم الذين يلونهم ( حديث عمران بن حصين في الصحيح. نعم. منزلة العلم اعلم هدي أن أفضل المنن علم يزيل الشك عنك والدرن بعد ذلك بدأ المؤلف ببيان منزلة العلم وأن العلم نعمة من النعم التي ينعم اهلل بها على عباده وقد جاءت النصوص متواترة في بيان فضل العلم ومكانته ومنزلته منها قوله سبحانه: ( ))))))))) ))))))))) ((((((((((( ((((((((((( (( ((((((((((( ( ((((((( ( )11( ومنها قول النبي ( ( من يرد اهلل به خيرا يفقهه في الدين ( كما في الصحيح من حديث معاوية وجاء في الحديث اآلخر في الصحيح ( أن النبي

11 ( كان يدرس أصحابه في المسجد فأقبل ثالثة نفر دخل أحدهم في الحلقة وجلس اآلخر خلف القوم وولى الثالث مدبرا. فقال النبي ( أال أخبركم مثل القوم أما أحدهم فأوى إلى اهلل فآواه اهلل وأما اآلخر فاستحيا من اهلل فاستحيا اهلل منه وأما اآلخر فأعرض فأعرض اهلل عنه (. والعلم يستفاد به شيئان: )14/1( الشيء األول: اليقين الذي تزول به وساوس الشيطان بالشبهات فاليقين من صفة أهل اإليمان وكلما كان المرء عالماكلما حصل له اليقين وكلماكان متمسكا بمنهج السلف الصالح وعقيدة أهل السنة حصل له من اليقين ما لم يحصل لغيره وألمثاله من أصحاب العقائد واالتجاهات األخرى. واألمر الثاني مما يحصل به العلم: ما يدفع اهلل به الشهوات عن القلب الورع الذي تندفع به الشبهات ولهذاكان العلماء هم أهل الخشية: ( ((((((( ((((((( (((( (((( ((((((((( (((((((((((((((( ( ( )12( ألنهم عندهم من العلم ما يدفع اهلل به الشبهات والشهوات. وقول المؤلف هنا: إن أفضل المنن هو العلم ليس ظاهره مرادا للمؤلف ألنه من المعلوم أن أفضل نعمة ينعم اهلل بها على العباد هي رؤيته -سبحانه- في الجنة يوم القيامة كما ورد ذلك في صحيح مسلم من حديث صهيب ولكن نقول بأن العلم لماكان موصال إلى الجنة التي يحصل فيها لقاء اهلل ( والنظر إليهكان العلم وسيلة ألفضل النعم. من فوائد العلم أنه يبين للمرء الحق ويكشف الحق لذي القلوب ويوصل العبد إلى المطلوب هذا أيضا من فوائد العلم: أنه يبين للمرء الحق ومن هنا نعرف أن العلم ليس بمعرفة األقوال وإنما العلم بمعرفة الراجح من األقوال. من عرف أقوال العلماء عرف أن في المسألة ثالثة أقوال أربعة أقوال وأحاط بخالفهم فليس في الحقيقة عالما إنما العالم الذي يعرف األقوال بأدلتها ويتمكن من الترجيح فيها ولذلككان السلف يعرفون األقوال في المسألة لكنهم ال يفتون فيها ألنهم لم يتوصلوا للترجيح في تلك المسألة. ويوصل العلم العبد إلى المطلوب من رضاء اهلل ( ويوصله إلى جنة الخلد وسيأتي الكالم عن النية في قاعدة مستقلة. فهم القواعد ومعرفتها

12 فاحرص على فهمك للقواعد جامعة المسائل الشوارد )15/1( يرغب المؤلف هنا بفهم القواعد وبمعرفتها وعلم القواعد من العلوم المهمة التي تيسر لطالب العلم معرفة أحكام الفروع الفقهية فإن اإلحاطة بالفروع الفقهية غير ممكن- ال يمكن إلنسان مهما بلغ منزلته من العلم أن يحيط بالفروع الفقهية بذاتها فيعرف جميع المسائل الفقهية ولكن من عرف القواعد الفقهية أحاط من خالل القواعد الفقهية بالفروع الفقهية. وأيضا وهذا معنى قول المؤلف هنا جامعة المسائل الشوارد المسائل الفقهية تجمع من خالل القواعد وكونها شوارد تشرد عن الذهن وكون اإلنسان قد قرأ جميع مسائل الفقه ال بد أن يند عن ذهنه شيء من المسائل. ومن فوائد تعلم علم القواعد الفقهية من غير ما ذكره المؤلف: أن القواعد الفقهية تجعل اإلنسان ال يضطرب في المسائل الفقهية فإن من سار على قاعدة فقهيةكان أحكامه الفقهية سائرة على منهج واحد أما من لم يراع القواعد الفقهية فإن ترجيحاته تكون مضطربة غير سائرة على منهج واحد. ومن فوائد تعلم علم القواعد أيضا: أن علم القواعد يجعل المرء يعرف أسرار الشريعة ويفقه مقاصد الشريعة التي تقصدها الشريعة من خالل تقرير األحكام الفقهية ومن ذلك أيضا: أن القواعد الفقهية موجزة األلفاظ سهلة يمكن للمرء أن يحيط بها وأن يحفظها بخالف الفروع الفقهية. ومن فوائد تعلم علم القواعد الفقهية أيضا: القدرة على استعمال القياس فإننا عندما نعرف العلة التي من أجلها ثب الحكم نلحق بقية المسائل بهذه المسألة ولذلك جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ( أنهكتب رسالة إلى أبي موسى األشعري ( رسالته المشهورة في القضاء فقال فيها: واعرف األشباه واألمثال وقس األمور عند ذلك واعمد إلى أحبها إلى اهلل. )16/1( وهذه الرسالة ثابتة وقد شكك بعض الناس فيها لكنها ثابتة فقد روي من أربعة طرق يقوي بعضها بعضا أحد هذه الطرق رجاله ثقات وإنكان فيه وجادة لكن الوجادة طريق للعمل وإن لم تكن طريقا صحيحا للرواية فبمجموع هذه الروايات يثب هذا الكتاب. ولذلك نجد األئمة يوثقون هذا الكتاب ويعتبرونه حتى قال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل- في

13 منهاج السنة: إنكتاب عمر إلى أبي موسى األشعريكتاب مشهور معروف عند العلماء تداولوه بالشرح وقد أفرد اإلمام ابن القيم هذا الكتاب -كتاب عمر- بالشرح فيكتابه: "إعالم الموقعين" في أغلب المجلد األول والمجلد الثاني فهوكتاب مشهور معروف. معرفة حكم النوازل الجديدة فترتقي في العلم خير مرتقا وتقتفي سبل الذي قد وفقا هنا فائدة من فوائد تعلم علم القواعد: وهو أن المرء يرتقي في هذا العلم ويكون محيطا به عالما بأسراره ويكون بذلك قادرا على معرفة حكم النوازل الجديدة فإنك عندما تعرف علل األحكام والقواعد التي ترد إليها األحكام تكون بذلك عارفا بأحكام النوازل الجديدة وبالقواعد الفقهية تتكون لدى المرء ملكة فقهية يستطيع بها معرفة أحكام المسائل الشرعية. )17/1( وقوله هنا: وتقتفي سبل الذي قد وفقا فيه إشارة إلى أن المرء يجب عليه االتباع والسير على منهج الصالحين ممن قبله وعلى ذلك تدل النصوص الشرعية منها قول اهلل ( ( ))))))))))))))) ))))))))))) (((((((( (((( (((((( ((((((((((( (((((((((((( ((((((((((( (((((((((((( (((((((((((((((( (((( ((((((((( (((((( (((((((( (((((( ((((((( ((((((( ((((((((( ((((((((((( ( )13( اآلية. وقوله سبحانه: ( (((((((((( ((((((( (((( ((((((( (((((( ( (((( (((((( ( )14( بل إن اهلل ( قد توعد من ترك سبيل المؤمنين في قوله سبحانه: ( ((((( ((((((((( (((((((((( (((( (((((( ((( (((((((( (((( (((((((((( (((((((((( ( (((((((( ((((((((((( (((((((( ((( (((((((((( ((((((((((((((( ((((((( (((((( (((((((((( )15( ( ((((( (((((((( منهج المؤلف في القواعد الفقهية وهذه قواعد نظمتها من كتب أهل العلم قد حصلتها في هذا البي إشارة إلى منهج المؤلف في القواعد الفقهية بأن هذا الكتاب وهذا المؤلف خاص بالقواعد وفيه إشارة إلى أنها منظومة وفيه إشارة إلى أنه قد استفاد من أهل العلم السابقين. ففي هذا البي اعتراف بالفضل لمن سبقه وهذا منهج أهل اإليمان أنهم ال ينسبون إلى أنفسهم ما ليس لهم بل قد ورد في الحديث- حديث أسماء -رضي اهلل عنها- في الصحيحين أن النبي صلى اهلل عليه سلم قال: ( المتشبع بما لم يعطكالبس ثوبي زور (

14 الدعاء ألهل العلم السابقين ومعرفة فضلهم جزاهم المولى عظيم األجر والعفو مع غفرانه والبر )18/1( احتوى هذا البي الدعاء ألهل العلم السابقين ومعرفة فضلهم وهذا من منهج أهل السنة والجماعة أنهم يترضون عمن سبقهم ويعرفون لهم فضلهم ويثنون عليهم ويدعون لهم ولهذا قال اهلل -جل وعال- ( ((((((((((( ((((((( (((( (((((((((( (((((((((( ((((((( (((((((( ((((( (((((((((((((( )16( ( (((((((((( (((((((((( (((( (((((((((( ((( (((((((( (((( (((((((((((( (((((((((( ((((((((( فأهل يعرف بعضهم لبعض مكانته وميزته وأهل اإليمان يدعو بعضهم لبعض بالخير ويتعاونون على ما يقربهم إلى اهلل ( ومن ذلك أن يدعو بعضهم لبعض وقد ورد في الحديث أن ( من دعا ألخيه بظهر الغيب وكل اهلل له ملكا يقولكلما دعا: آمين ولك بمثل. ( فالدعاء ألهل اإليمان من القربات التي يتقرب بها العباد إلى ربهم (. انتهى المؤلف من ذلك بذلك من مقدمة القواعد الفقهية وانتقل بعد ذلك إلى الحديث عن مبحث النية ومبحث النية مبحث يحتاج إلى نوع توسع فلعلنا نجعله في يوم آخر. أسأل اهلل ( أن يوفقنا وإياكم لطاعته وأن يجعلنا وإياكم من أهل عبادته وأن يغفر لنا ولكم ولجميع المسلمين كما نسأله -سبحانه- أن يوفق والة أمور المسلمين للحكم بشريعته والعمل بسنة نبيه (. جزاكم اهلل خيرا. شيخنا الفاضل: وجعل ما قلتم في ميزان حسناتكم. س: هذا سائل يقول ما هو الفرق بين القواعد األصولية وأصول الفقه ج: القواعد األصولية جزء من مباحث أصول الفقه ألن أصول الفقه يحتمل أو يحتوي على شيئين معرفة األلفاظ الواردة فيه ويحتوي على القاعدة األصولية من خالل تقريرها وإقامة الدليل عليها وبيان الخالف فيها. فالقاعدة األصولية هي زبدة علم أصول الفقه بينما علم أصول الفقه يحتوي على تعريف المصطلحات على الخالف في هذه القواعد األصولية إقامة الدليل الترجيح أما القاعدة األصولية فهي الحكم النهائي المنتج من خالل علم أصول الفقه. أحسن اهلل إليكم. )19/1(

15 س: وهذا يقول: يعدكثير من العلماءكتاب "قواعد األحكام في مصالح األنام" فيكتب القواعد الفقهية مع أن موضوعه دائر في الكالم على المصالح فهو أشبه بكونه منكتب المقاصد الشرعية. أرجو التوضيح وجزاكم اهلل خيرا. ج:كتاب العز بن عبد السالم يحتوي األمرين معا: المقاصد والقواعد الفقهية فإن العز أرجع مسائل الفقه إلى قاعدة اعتبار المصالح وإلغاء المفاسد فهذه قاعدة فقهية ولذلك نجد أنكثيرا من العلماء يذكر أن مقاصد الشريعة جزء من مباحث علم القواعد الفقهية فمثال قاعدة المشقة تجلب التيسير فيها مالحظة لمقصد من مقاصد الشريعة قاعدة األمور بمقاصدها هذا فيه مالحظة لمقاصد المكلف. ومن هنا نجدكثيرا من العلماء يعتبرون علم المقاصد جزء من علم القواعد الفقهية. س: أحسن اهلل إليكم. وهذا يقول: هل يلزم وجود الدليل على دخول الفرع تح القاعدة الكبرى ج: القاعدة ال بد من إقامة الدليل عليها وال يصح أن نثب قاعدة بال دليل فإذا أثبتنا القاعدة بدليلها فحينئذكل جزئية تندرج تح هذه القاعدة فإنها تدخل تحتها وال نحتاج إلى دليل. مثال ذلك: قاعدة األمور بمقاصدها تشمل وجوب النية في الوضوء في الصالة وال نحتاج إلى دليل جديد إلثبات دخول هذا الفرع في القاعدة وإنما على من نفى دخول الفرع في القاعدة إقامة الدليل على أنه ليس من القاعدة. نعم. س: أحسن اهلل إليكم. ويسألكثير من اإلخوة عن أهم الكتب المؤلفة في القواعد الفقهية وجزاكم اهلل خيرا )21/1( ج: سبق أن تناولنا شيئا من المؤلفات في القواعد الفقهية وبينا منهجكل مؤلف ومن أحسن المؤلفات كتاب: "األشباه والنظائر" للسيوطي وهوكتاب جيد ونافع وقد جمع فيهكتابة من سبقه فهوكتاب طيب ونافع ومن الكتب المؤلفة في ذلك لكنه عسير ويصعب علىكثير من المنتسبين للعلم الشرعي فهمه وإدراك مقاصدهكتاب: "قواعد ابن رجب" ففي المرحلة األولىكتاب "األشباه والنظائر" للسيوطي وفي المرحلة المتقدمةكتاب "قواعد ابن رجب". س: أحسن اهلل إليكم وأثابكم ونفعنا بعلمكم وجعل ما قلتم في ميزان حسناتكم وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل وبعد نواصل ما ابتدأنا به من شرح لمنظومة الشيخ السعدي في القواعد الفقهية. النية شرط لصحة العمل

16 الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا أجمعين وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه اهلل- في منظومة القواعد الفقهية: النية شرط لسائر العمل فيها الصالح والفساد للعمل ذكر المؤلف هنا أن النية شرط لتصحيح العمل والمراد بالنية القصد- يقال: نوىكذا بمعنى قصده ويراد بالنية في االصطالح العزم على الفعل فمن عزم على فعل من األفعال قيل بأنه قد نواه وبعض العلماء يعرف النية بأنها قصد التقرب هلل ( وهذا ال يصح ألن النية على نوعين: نية صحيحة بقصد التقرب هلل ( ونية التقرب لغيره وهذه أيضا من أنواع النيات ولكل حكمه. وقوله هنا: شرط يراد بالشرط ما يلزم من عدمه عدم الحكم وال يلزم من وجوده وجود الحكم وال عدمه لذاته مثال ذلك: الطهارة شرط للصالة يلزم من انتفاء الطهارة انتفاء صحة الصالة لكن ال يلزم من وجود الطهارة وجود الصالة أو انتفاؤها. )21/1( هكذا عبر المؤلف عن هذه القاعدة بأن النية شرط للعمل والشروط على أنواع: منها شروط الصحة مثل: اشتراط الطهارة للوضوء ومنها شروط للوجوب بحيث ال يجب الفعل إال بوجود شرطه مثل: االستطاعة شرط لوجوب الحج لكن لو قدر أن اإلنسان غير المستطيع حج لصح حجه فاالستطاعة شرط لوجوب الحج وليس شرطا لصحته فقول المؤلف هنا: النية شرط للعمل متردد بين أن يراد به شرط الصحة وأن يراد به شرط الوجوب وال يمكن أن يقال: المراد جميع المعنيين ألن المعنيين متنافيان وال يصح أن يراد باللفظ الواحد معنيان متنافيان ولكن قد بين المؤلف في آخر البي المراد بذلك في قوله: بها الصالح والفساد للعمل. فدل ذلك على أن النية عند المؤلف شرط لصحة العمل ولكن يؤخذ على هذا أمر آخر وهو أن بعض أفعال المكلفين تصح ولو لم يوجد فها نية. مثال ذلك أداء الدين فإنه يصح ولو لم ينو العبد هذا الفعل أو ولم ينو به التقرب هلل ( ومثله النفقة على األقارب وإزالة النجاسة. هذه أعمال تصح ولو لم توجد معها النية فدل ذلك على أن عنونة المؤلف تحتاج إلى إعادة نظر وذلك ألن من األعمال ما يصح ولو لم يكن معه نية. وقد عبر بعض العلماء عن هذه القاعدة بعنوان آخر فقالوا: ال ثواب إال بنية وأكثر من يجعل هذه القاعدة هم الحنفية ألنهم يصححونكثيرا من األعمال بدون النية ولكنهم يقولون: ال يوجد الثواب إال

17 إذا وجدت النية لذلك فإن الوضوء عند الحنفية صحيح ولو لم ينوه المكلف والغسل صحيح ولو لم ينوه المكلف والجمهور على خالف ذلك يشترطون لصحة الوضوء والغسل النية. وأدلة هذه القاعدة تدل على صحة مذهب الجمهور وضعف مذهب الحنفية ولذلك عنون العلماء لهذه القاعدة بعنوان آخر فقالوا في عنوانها: األمور بمقاصدها وعبروا بقولهم: األمور ليدخل في ذلك األقوال واألفعال وأعمال القلوب وقالوا: بمقاصدها ولم يعبروا بالنيات ليكون ذلك أشمل. )22/1( ولكن يالحظ على هذا العنوان عدد من المالحظات: منها أن قولهم: بمقاصدها فيه جعل المقصد مناطا باألمور واألمور ليس لها مقاصد وإنما المقاصد تكون إما للشارع وإما للمكلفين. وأما األفعال فإنه ال يصح أن يقال: إن الفعل له مقصد وإنما المقصد للشارع أو للمكلف كما انتقد ثانيا ++بأن قولهم: األمور يشمل الذوات ألن الذات أمر من األمور ألن األمر هو الشأنكما قال - جل وعال-: ( )))))) )))))) )))))))))) ))))))))) )))) ( )17( وليس المراد باألمر هنا الطلب ألن األمر بمعنى الطلب جمعه أوامر وهم قالوا هنا: أمور ولم يقولوا: أوامر وال يصح أن تناط األحكام الشرعية بالذوات فال يصح لنا أن نقول مثال: الجدار جائز وإنما تناط األحكام الشرعية بأفعال المكلفين فيقال: بناء الجدار بيع الجدار هدم الجدار ونحو ذلك من األفعال. أما أن تناط األحكام بالذوات فهذا ال يصح ولذلك فلعل أصوب العناوين التي تعنون بها قاعدة النية أن يقال: األعمال بالنيات وبذلك نكون قد وافقنا لفظ النبي ( وال شك أن الموافقة للفظ النبي ( من األمور المطلوبة وبذلك أيضا نشير إلى دليل هذه القاعدة وهو الحديث الوارد في ذلك فإن قال قائل: قولنا األعمال بالنيات ال يدخل فيه األقوال وال أحوال القلوب قيل له: هذا فهم خاطئ بل الصواب أن األقوال تدخل في األفعال ويدل على ذلك قول اهلل ( ( )))))))))) ))))))) ))))))))))) ( ( ((((((((( ((( (((((( (((((( (((((( ( (((((((( (((((((((( (((((((( (((((( (((((( (((((((((( (((((( )18( فسمى القول الذي يوحي به الشياطين بعضهم إلى بعض سماه فعال فدل ذلك على أن األقوال تدخل في مسمى األعمال. )23/1( وأما أحوال القلوب فإنها أيضا مما يدخل في مسمى األعمال إذا كان عمال مثل: الرجاء والخوف. هذه أعمال من أعمال القلوب فهي أعمال فتدخل في القاعدة فإن قال قائل: قولنا األعمال بالنيات

18 يحتمل أن يراد به صورة الفعل ويحتمل أن يراد به صحة الفعل ويحتمل أن يراد بهكمال الفعل فهذه القاعدة تحتاج إلى تقدير والتقدير متردد بين معان عديدة فال بد أن يعين أحد تلك المعاني من أجل أن نقدر القاعدة به فحينئذ القاعدة مجملة فيقال: إن هذه القاعدة قاعدة يراد بها معرفة أحكام الشريعة فتحمل على العرف الشرعي ألنه ال يصح أن تحمل القاعدة على صورة األفعال فإن صورة الصالة توجد ولو لم يوجد نية أال يمكن أن يوجد إنسان يصلي بدون نية ويتوضأ ويغتسل بدون نية ممكن لكن المراد الحكم الشرعي ألننا نتكلم عن عرف شرعي وألفاظ شرعية فال بد أن نحمل القاعدة على األلفاظ والمعاني الشرعية إذا تقرر أن هذا العنوان هو أولى ما عنون به هذه القاعدة فما دليل القاعدة. القاعدة ثابتة في الشريعة ويدل عليها عدد من النصوص منه قوله سبحانه: ( ))) ))))) ))))))) (((((((( ((((( ((((((((( (((( ((((((( ((((( (((((((( ((( (((((( ((((( ((((((((( ((((((((((((( (((((( ((((((((( ((((( (((((((( (((((((((( ((((((( (((((( (((( (((((((((( (((((((((( (((((((((( (((((((( (((((((((((((( ((((( ((((((((( (((((((((( (((( ( )19( وكما قال -جل وعال-: ( ((( ((((( ((((((( (((((( (((((((((( (((((( ((((( ((( ((((((((( ( ( )21( كما قال سبحانه: ( ((((( ((((((((. )21( ( ((((( (((((((( ((((((( ((((((((( (((((((( (((( ((((((((( (((((((((((( ((((((( )24/1( فاآليات في معنى القاعدة عديدة وكذلك األحاديث ومنها ما ورد في السنن من حديث معاذ ( أن النبي ( قال: ( من غزا يريد عقاال فإنما له ما نوى ( وجاء في المسند أن النبي ( قال: ( رب قتيل بين الصفين اهلل أعلم بنيته ( وقد تكلم بعض أهل العلم في إسناد هذا الحديث من جهة أن الصحابي فيه لم يذكر والصواب أن الراوي الذي رواه أحال في اسم الصحابي إلى الحديث الذي قبله فإنه قال: إنه قال وكان الحديث واردا بعد حديث البن مسعود فأحاله إلى الحديث الذي قبله ولذلك حكم عليه الحافظ -رحمه اهلل- بأن الحديث ممن وثق رجاله قال: رجاله موثقون وجاء في الحديث اآلخر أن النبي ( قال: ( ثم يبعث اهلل الناس على نياتهم ( وقد ورد هذ المعنى من حديث عدد من الصحابة وجاء في حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي ( قال له: ( إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اهلل إال أجرت عليها حتى ما تجعله في في في امرأتك. ( وأجمع حديث استدل به على هذه القاعدة ما رواه يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ( أن النبي ( قال: ( إنما األعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمنكان هجرته إلى اهلل ورسوله فهجرته إلى اهلل ورسوله ومنكان هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.

19 ( وهذا الحديث قد رواه الشيخان -البخاري ومسلم- في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب كما رواه أهل السنن وقد تلقاه أهل العلم بالقبول وصدر به اإلمام البخاري صحيحه وقال عنه اإلمام الشافعي: إنه ثلث العلم وجعل أصول العلم وأصول الدين ثالثة أحاديث منها هذا الحديث. إذا تقرر ذلك فما فائدة النية قال العلماء: بأن النية يراد بها أمران مهمان: األمر األول: اإلخالص وتمييز العمل المنوي هل هو هلل وحده أو هلل ولغيره وإذا نظر العبد في األفعال وجدها على ثالثة أنواع: )25/1( النوع األول: ما يتمحض أن يكون عبادة بحيث ال يمكن أن يفعله العبد على جهة مغايرة لجهة العبادة مثل الصالة هل يمكن أن يصلي أحد من الخلق صالة على جهة غير العبادة ما يمكن. فهذا الفعل يتمحض أن يكون عبادة فال بد فيه من النية لكل الناس والناس في مثل هذا الفعل على ثالثة أقسام: القسم األول: من فعل هذا الفعل يبتغي به وجه اهلل من أجل أن ينيله اآلخرة فهذا هو المثاب وهو الموحد وهو المستحق لألجركما قال -جل وعال-: ( )))))) )))))))))) )))) ))))))))))))) )))). )22( ( ( ((((((((((( ((((((((((( ((((((((((( (((((((((((( (((((((((( ((((((((( (((( ((((((((((( النوع الثاني من الناس: من يفعل هذا الفعل طاعة هلل من أجل أن ينيله الدنيا فقط فهو يصلي هلل من أجل أن يجعله يتجاوز في اختباره أو يحصل على فائدة دنيوية فهذا ليس له إال ما يحصل له من الثواب الدنيوي وليس له أجر أخروي ودليل ذلك قوله سبحانه: ( ))) ))))) ))))))) ))))))))))))) (((((((((( (((((((( ((((( ((((((((( (((( ((((((( ((((( (((((((( ((( (((((( ((((( ((((((((( )))))))))) )))))))))) )))) ( )23( وحكم عليه بأنه يصلى جهنم إذاكان أفعالهكلها على هذا الوجه ال يريد بها إال الدنيا فقط ثم ذكر الصنف اآلخر وهم أهل القسم األول السابق ذكره القسم الثالث من يفعل هذه األفعال قربة هلل ولغيره فهو يعبد اهلل ويعبد غيره أو يصرف العبادة لغير اهلل فهؤالء هم أهل الشرك وهم الذين ناقضوا أصل دين اإلسالمكما قال -جل وعال- مبينا حكمهم ( إ ن ه م ن ي ش ر ك ب الل ه ف ق د ح ر م الل ه ع ل ي ه ال ج ن ة و م أ و اه الن ار و م ا ل لظ ال م ين م ن أ ن ص ار ( )24( وال بد أن يالحظ الشرط اآلخر في العبادات وهو شرط المتابعة وسيأتي له ذكر في القواعد اآلتية )26/1(

20 النوع الثاني من األفعال ما ال يتمحض أن يكون عبادة بل قد يفعل على جهة العبادة وقد يفعل على جهة ليس جهة العبادة ومن أمثلة ذلك النفقة على القريب ور د الد ي ن ور د العارية ور د األموال ألصحابها فهذا ال يتمحض أن يكون عبادة بل قد يفعل على جهة العبادة وقد يفعل على جهة غير جهة العبادة والناس فيه على ثالثة أقسام القسم األول من فعل هذا الفعل قربة هللكان مستحقا لألجر والثواب ودليل ذلك حديث سعد السابق ( إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اهلل إال أجرت عليها حتى ما تضعه في في امرأتك ( فحكم له باستحقاق األجر لكونه نوى بهذا العمل القربة هلل ( من أنفق بدون نية لم يستحق األجر والثواب وبذلك نحمل النصوص المطلقة التي جاءت باستحقاق الثواب في مثل هذا الفعل مثل حديث: ( إنك لن تغرس غرسا إالكان ما أكل منه وما أخذ منه صدقة لك ( أو ما ورد بمعناه فهذا يحمل على الحديث المقيد السابق. النوع الثاني من األفعال- النوع الثاني من الناس: الذين يفعلون هذا الفعل من يفعله قربة لغير اهلل مثال ذلك: من رد العارية عبادة لغير اهلل فإنه يكونكذلك من المشركين ألنه صرف شيئا من األفعال التي ينويكونها عبادة لغير اهلل ومن صرف شيئا لغير اهلل بنية العبادةكان من المشركين. النوع الثالث: من فعل هذا الفعل بدون نية العبادة وإنما فعله للعادة أو للتقوى أو للفائدة الدنيوية فهذا ال يستحق به أجرا وال ثوابا. النوع الثالث من األفعال: التروك مثل ترك الزنا وترك الخمر وترك الدخان وغيرذلك من المحرمات فالناس في مثل هذا الفعل على صنفين: الصنف األول: من ترك هذه المحرمات رغبة في األجر والثواب فيستحق األجر والثواب. )27/1( الصنف الثاني: من تركه بدون نية ال ينوي بذلك التقرب هلل ( وإنما تركه ألنه ال يرد على ذهنه أو تركه ألنه أفود له في دنياه ترك الخمر من أجل األضرار البدنية والصحية والمالية المترتبة على الخمر ولم يتركه هلل فحينئذ هذا ال يستحق األجر والثواب ألنه لم يتركه هلل واألجر والثواب إنما يكون بالنية لقوله ( وإنما لكل امرئ ما نوى. ( إذا تقرر ذلك فما هي منزلة طلب العلم من األعمال السابقة نقول: إذا أطلق العلم في لسان أهل الشرع فالمراد به العلم الشرعي وحينئذ هو من الصنف األول الذي يتمحض أن يكون عبادة فال بد أن ننوي به وجه اهلل من أجل أن ينيلنا األجر األخروي ال نريد به حظا دنيويا وإنما نريد به وجه اهلل من أجل أن ينيلنا األجر األخروي وأما طلب سائر العلوم مثل: الطب ومثل: الكيميا والفيزيا فاألصل في

21 هذه أال يطلق عليها اسم العلم بإطالقه وإنما تقيد ++خالف الصنف األول وهذا من القسم الثاني فمن طلب هذه العلوم قربة هلل وإعانة للمسلمين وتحقيقا ألمر اهلل فإنه يستحق بذلك األجر والثواب ومن فعله ألمر من الدنيا أو بدون نية فإنه ال يستحق إال ما حصل عليه في الدنيا هذا ما يتعلق بالفائدة األولى من فوائد النية وهو اإلخالص. الفائدة الثانية: تمييز العمل المنوي فإن األعمال منها ما يقع عبادة ومنها ما يقع عادة فنميزها بالنية مثال ذلك: أن تغتسل للتبرد فهذا عبادة وتغتسل تريد بذلك الجمعة وتريد بذلك رفع الحدث األكبر فهذا عبادة ما المفرق بينهما النية وكذلك مما يميز به بواسطة النية: التمييز بين فرض األعمال ونفلها ما الفرق بين سنة الفجر وصالة الفجر كالهما ركعتان يقال: الفرق بينهما في النية فتنوي باألولى السنة المستحبة وتنوي بالصالة الثانية الفرض الواجب. )28/1( وكذلك مما يحصل التمييز به بواسطة النية: التمييز بين أعيان الصلوات وأعيان الواجبات فأنتم تفرقون بين صالة الظهر وصالة العصر بالنية مع أن صورةكل من الصالتين واحدة فهذا من فوائد النية إذا تقرر ذلك فال شك أن محل النية هو القلب وأن التلفظ بها بدعة أماكون محل النية القلب فألن هذا هو المعقول منها ولم يقع خالف في ذلك لكن هل يصح مع نية القلب أن نعقد النية باللسان نقول: األصل في العبادات: التوقيف والرجوع إلى حال النبي ( والمتابعة له في ذلك ولم يرد عن النبي ( أنه تلفظ بشيء من نواياه في العبادات لم يقل: اللهم إني نوي أن أصلي لك الصالة الفالنية فحينئذ يكون من جهر بالنية وتلفظ بها مخالفا لهدي النبي (. مما يتعلق بذلك أن بعض العلماء ذكروا أنه يشرع التلفظ بالنية في أمرين: األمر األول: في نسك الحج ألن النبي ( قال فيه: ( لبيك اللهم عمرة ( وقال: ( لبيك اللهم حجة ( قال: ( عمرة في حجة (. واألمر الثاني: النسك ذبح الهدي وذبح الذبائح فإن بعض العلماء ذكروا أنه يتلفظ بالنية في ذلك وذلك أن الذابح يقول: باسم اهلل واهلل أكبر اللهم هذا منك وإليك. والذي يظهر أن هذه األفعال وهذه األقوال ليس تلفظا بالنية بل هي نسك وذكر وارد في أول العبادة وليس تلفظا بالنية كما أننا نبتدئ الصالة بقولنا: اهلل أكبر وهذا ذكر مشروع في أول الصالة وليس تلفظا بالنية كذلك األمر في نسك الحج وفي الذبائح ولذلك ال يشرع لإلنسان أن يقول في بدء المناسك: اللهم إني نوي حج القران أو التمتع أو اإلفراد ألن هذا مخالف لهدي النبي (. )29/1(

22 كذلك ال يشرع له أن يقول: اللهم إني نوي أن أذبح الذبيحة الفالنية وهذا هو التلفظ بالنية فدلنا ذلك على أن التلفظ بالنية في جميع األعمال ليس مشروعا بل هو مخالف لهدي النبي ( إذا تقرر ذلك فإن النية تدخل في الواجبات والمستحبات بال إشكال ألنه بالنية تميز العبادات فال تكون أفعال المكلف التي طلبها الشارع على وجه االستحباب أو وجه الوجوب عبادة إال إذا نوى بها العبد موافقة أمر اهلل وطاعته سبحانه. وكذلك تدخل النية في مباحث األحكام المباحة فالمباحات تدخلها النية بل تقلب أعمالها منكونها أمورا مباحة إلىكونها أمورا مستحبة ولذلك من نام ينوي بنومه التقوي على طاعة اهللكان نومه مما يستحق به األجر والثواب ومن تناول الطعام من أجل أن يتقوى به على أداء الصلوات وأداء الفرائض كان ذلك من األمور المشروعة التي يستحق بها العبد األجر والثواب مما يدل على أن النية تؤثر في األعمال وتقلبها بل إن النية تدخل في المحرمات فإن من فعل المحرم ناويا له استحق العقوبة. أما من فعل المحرم ولم يكن ناوي ا لفعل المحرم فإنه ال يستحق العقوبة بل يعتبر فعله خطأ والخطأ ال تؤاخذ به الشريعة كما قال -جل وعال -: ( ((((((( (( ((((((((((((( ((( ((((((((( (((( ))))))))))) ( ( )25( قال اهلل -كما في صحيح مسلم-: ( قد فعل ( في الرواية األخرى: ( قال اهلل :نعم ( ويدل على ذلك قوله -جل وعال-: ( (((((((( (((((((((( ((((((( ((((((( ((((((((((( ((((( (. )26( وال بد أن يفرق في لفظ الخطأ بين معنيين فإن الخطأ يطلق على خالف الصواب ويطلق على خالف الطاعة ولذلك المخطئ يراد به من لم يصب والخاطئ يراد به العاصي فيفرق بين هذين االصطالحين فإن لفظ الخطأ يطلق على األمرين معا وقد ضل بعض الطوائف بسبب عدم التفريق بين هذين األمرين. )31/1( وإذا تقرر ذلك فإن العبد قد يفعل األمر المباح ناويا به المحرم مثال ذلك :من أراد أن يزني وفعل األسباب في ذلك فصادف امرأته يظنها أجنبية فواقعها فهذا فعل فعال مباحا ونيته أن يفعل الفعل المحرم فيقال: يستحق إثم الفعل المحرم لكنه ال يستحق النتائج المترتبة على الفعل المحرم فإن اإلثم المرتب على الفعل المحرم نوعان: إثم على ذات الفعل وإثم على النتائج واآلثار المترتبة على الفعل: من زنا بأجنبية فإنه حينئذ قد ترتب على ذلك آثار منها: إدخال الولد األجنبي على غير والده ومنها إفساد المرأة على زوجها...إلى غير

23 ذلك من اآلثار. فالعبد يعاقب بالفعل ذاته ويعاقب بآثار الفعل لكن م ن فع ل المباح يظنه محرما فإنه ال يستحق إال إثم الفعل دون إثم اآلثار المترتبة عليه وهذا يدلنا على أن وسائل األحكام معتبرة وأن لها أثرا في تغيير األحكام ولعل المؤلف يعقد قاعدة في أحكام الوسائل والمقاصد. إذا تقرر ذلك فإن النية لها أثر في األلفاظكما أن لها أثرا في األعمال فإن ألفاظ المكلف على نوعين: النوع األول: ما قارنه دليل يبين المراد به فحينئذ نعمل ذلك الدليل مثال ذلك: من تشاجر مع زوجته ثم طلقها فإن المشاجرة دليل على أنه يريد بلفظ الطالق الطالق المعروف فيعمل بهذه القرينة. ومثال آخر -مما يصرف اللفظ عن ظاهره-: أن تكون المرأة مقيدة مربوطة بحبل أو نحوه فيأتي الزوج فيحل الحبل فيفكه ثم يقول: الحمد هلل أن اآلن طالق فلفظ الطالق هنا ال يراد به الطالق المعروف وإنما يراد به االنفكاك من الحبل. ما الدليل على أن المراد به ذلك القرينة التي وجدت معه. ومن أمثلة ذلك في غيركتاب الطالق: بيع الهازل فإن الهازل معه قرينة تبين أن المراد به ليس البيع المعروف. )31/1( النوع الثاني من األلفاظ: ما ليس معه قرينة تعين المراد به فهذا على نوعين: ألفاظ صريحة فتحمل على المراد بها لغة وال يلتف إلى نية القائل مثال ذلك: إذا تلفظ اإلنسان بالطالق فإنه يحكم بأنه قد طلق إذا تلفظ اإلنسان بلفظ البيع صريحا: بعتك ثوبي هذا فإنه حينئذ يحكم عليه بأنه قد أراد حقيقة البيع. والنوع الثاني: ألفاظ تعتبركناية وليس صريحة ومثال ذلك في الطالق إذا قال لزوجته: اذهبي ألهلك فهذا قد يقعكناية عن الطالق لكننا ال نوقع به الطالق إال إذا وجدت معه قرينة أو دليل أو نية من القائل تعين وتبين أن المراد به الطالق. هل النية شرط أو ركن في العبادات هذا مما وقع الخالف بين الفقهاء فيه فمنهم من يرى أنها شرط ومنهم من يرى أنها ركن والفرق بين الشرط والركن: أن الشرط يكون سابقا للمشروط بينما الركن جزء من أجزائه. وبعض الفقهاء يقول: إن ذكر النية في أول الوضوء أو في أول الفعل يعتبر شرطا واستصحاب حكم النية في أثناء الفعل يعتبر ركنا وجمهور الحنابلة يعكسون ذلك فيقولون: إن ذكر النية في أول العبادة شرط واستصحاب حكمها -أيضا- شرط. وإذا تقرر لنا أن النية تسبق الفعل فإنها تكون حينئذ شرطا.

24 وأما النية المقارنة للفعل فإنها ركن في العبادة وهذا يجرنا إلى مبحث وهو ما هو وق النية النية األصل فيها أن تكون مقارنة للفعل المنوي هذا هو األصل إال أن الشارع جاء في بعض األعمال وصحح سبق النية للفعل مثال ذلك: أن الشريعة جاءت بأن من نوى في الليل صح صيامه ولو لم تكن نيته مقارنة ألول الصيام فهذا مستثنى من أصل القاعدة. ننتقل بعد ذلك للحديث عن شروط النية متى تكون النية صحيحة معتبرة ومتى ال تكون هناك عدد من الشروط منها: العلم بالمنوي فأن إذا أردت أن تنوي شيئا فال بد أن تكون عالما وما لم تكن عالما به ال يصح أن تنويه. )32/1( والشرط الثاني: الجزم بالمنوي ألنه ال يمكن أن تنوي شيئا وتقصده إال إذاكن جازما وبعض العلماء يجعل الجزم ركنا من أركان النية وال يجعله شرطا لها. والشرط الثالث: التمييز فالصبي غير الممي ز ال يتمحض له قصد صحيح وحينئذ ال يصح اعتبار النية منه قالوا: ليس له نية. الشرط الرابع: العقل ألن غير العاقل ال يتمحض له قصد صحيح ولذلك فإن النائم والمجنون والسكران ال تعتبر نياتهم إنكان لهم نيات وكون السكران نحكم بوقوع الطالق بفعله ليس هذا من باب اعتبار نيته وإنما هو من باب ربط األحكام بأسبابها بدون نظر للنية. هناك شرط خامس يذكره بعض الفقهاء: وهو اإلسالم قالوا: ألن الكافر ال تصح عباداته وهذا الشرط ال يصح ال يصح أن نجعل اإلسالم شرطا في النية وذلك ألن الكافر تعتبر نيته في عدد من األمور مثل طالقه مثل بيعه مثل نذره مثل يمينه فدل ذلك على أن النية معتبرة من الكافر وأن النية تصح وإنكان من غير المسلم. فإن قال قائل: العبادات ال تصح من الكافر فحينئذكيف تصح نيته قلنا: إن النية ال تتمحض أن تكون عبادة بل قد تقع على جهة غير العبادة وعدم صحة عبادات الكافر ليس معناها أنه تصح نيته مثل المحد ث: هل تصح الصالة من المحدث ال تصح الصالة من المحد ث مع أن نيته معتبرة فعدم صحة الصالة وعدم صحة العبادة ال يدل على عدم اعتبار النية هذا شيء من مباحث النية. والنية الكالم فيها يطول وقد ذكر العلماء: أن النية تدخل فيكثير من األعمال وفيكثير من األبواب الفقهية وما من باب فقهي إال وللنية فيه مدخل مثال ذلك: أحكام الطهارة التمييز بين العادة والعبادة فيها التمييز بين غ سل التبرد وغسل الجنابة التمييز بين أنواع الوضوء التمييز بين التيمم... التيمم

25 يشترط له النية بإجماع العلماء. فدخل النية في باب الطهارة وكذلك في باب الصالة يميز بين أنواع الصلوات سواء كان صورتها واحدة أو لم تكن واحدة. )33/1( ومما تعمق فيه بعض فقهاء الشافعية مباحث النية نظرا ألن بعضهم يشترط التلفظ بالنية فشد دوا على الخلق وضيقوا عليهم حتى أن بعض فقهاء الشافعية يرى أن من لم يتصور جميع أفعال الصالة أثناء البدء فيها فإن صالته ال تكون صحيحة ولذلك يقول: عندما ت ك ب ر وعندما تنوي الصالة ال بد أن تتصور جميع أفعال الصالة حينئذ وهذا فيه مشقة على العباد وحرج عليهم لم تأت الشريعة بمثله ولذلك فهم يبطلونكثيرا من صلوات الخلق. وإذا تأمل اإلنسان فيكثير من أحوال فقهاء الشافعية وجدهم قد أدخلوا على أنفسهم الوساوس بسبب ذلك لذلك تجد اإلنسان منهم يكبر مئات المرات وال يقتنع بتكبيرته ألنه لم ينو جميع أفعال الصالة حينئذ نسي فعال من أفعال الصالة لذلك تجدهم في الطهارة يعيد اإلنسان منهم طهارته مرات عديدة بسبب ذلك. وتدخل النية في مباحث الزكاة فنفرق بين فرضها وبين نفلها وننوي بها التقرب إلى اهلل ( وكذلك في مباحث الصيام فإن الصيام ال يصح إال بتبيي النية كما ورد ذلك في حديث عدد من الصحابة بأسانيد يقو ي بعض ها بعض ا أن النبي- صلى اهلل عليه وسلم- قال: ( من لم ي بي الصيام من الليل فال صيام له ( وأقوى إسناد في ذلك حديث حفصة وإنكان حديث حفصة لوحده فيه مقال ألهل العلم لكن إذا تأمل اإلنسان النصوص الشرعية واألحاديث الواردة في ذلك وجدها يقوي بعضها بعضا في وجوب تبيي النية. أما صيام النفل فقد ورد فيه عدد من األحاديث أن النبي- صلى اهلل عليه وسلم-كان ينوي الصيام في أثناء النهار فدل ذلك على أنه يجزئ العبد أن ينوي الصيام في أثناء النهار تخصيص ذلك بما قبل الزوال يحتاج إلى دليل واألصل اإلطالق ما دام أن اإلنسان لم يأكل في أثناء نهاره جاز له أن يصوم ولو لم يبق إال ساعات قليلة على غروب الشمس. )34/1( وكذلك تدخل النية في مباحث الحج فنفرق بين أنواعه وننوي أفعاله: الطواف والسعي... إلى غير ذلك ونميز بين أنواع الطواف: هذا طواف إفاضة وهذا طواف قدوم وهذا طواف وداع وهذا طواف

26 نفل مطلق... إلى غير ذلك من األنواع. وكذلك تدخل في باب الجهاد وفي باب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي باب البيع وفي باب اإلجارة وسائر المعامالت وفي أبواب النكاح والطالق وف ر ق بالنية في مباحث الجنايات: فهذا قتل عمد وهذا قتل شبه عمد وهذا قتل خطأ. وكذلك في باب األيمان والنذور وفي باب القضاء وفي باب اليمين ولذلك ورد في الحديث: ( أن الي مين على ما يصد ق ك به صاحبك. ( األصل في اليمين أن تكون بحسب نية الحالف إال إذاكان ذلك مقدما لغيرك من الناس فإنه تكون اليمين حينئذ على ما يصدقك به صاحبككما ورد ذلك في صحيح مسلم فدلنا ذلك على أن مباحث النية لها أهمية ومكانة ينبغي بنا العناية بها. وهنا مبحث متعلق بالنية وهو متعلق بمبطالت النية: النية يبطلها قطع ها فمن صلى وفي أثناء الصالة نوى أو قطع النية فحينئذ تبطل نيته وال تصح صالته ومما يبطل النية أيضا التردد فيها ألن غير الجازم لم تتحقق فيه نية صحيحة إال أن الفقهاء قد استثنوا عددا من المسائل وقع التردد فيها نتيجة لعسر الجزم بالم ن و ي.. ومثلوا لذلك بمن نسي صالتا من صلوات أحد األيام وال يدري أي الصلوات هي التي نسيها قالوا: يشرع له أن يصلي جميع صلوات األمس ليخرج من الواجب بيقين مع أنه يتردد فيكل صالة من هذه الصلوات هل هي فرض أو هي نفل وهنا التردد اغ ت ف ر لمشقة مراعاة الجزم. ومما يبطل النية أيضا االنتقال بالنية لمن هو أعلى منها: فمن نوى نفال مطلقا ثم نوى قلب صالته إلى صالة فرض لم يصح ألن الفرض أقوى من النفل بخالف ما لو نوى العكس في أثناء فرض الصالة نوى قلبها إلى نفل فإن جماهير أهل العلم يصححون ذلك. )35/1( ومن األمور المتعلقة بالنية: أن ينوي العبد بفعله شيئين متغايرين فهل يصح للعبد أن يفعل ذلك يقال: إذاكانكل واحد من الفعلين مقصودا لذاته لم يصح أن ينوي العبد بفعله األمرين معا.. مثال ذلك: ال يصح للعبد أن ينوي بصالة ركعتين أن تكون عن سنة الفجر وعن صالة الفجر ألنكال من سنة الفجر وصالة الفجر مقصودة لذاتها فال يصح أن يدخل إحدى الصالتين في األخرى.. بخالف ما إذاكان أحد الفعلين ليس مقصودا لذاته ومثال ذلك س ن ة دخول المسجد -تحية المسجد -هذه ليس مقصودة لذاتها فلو دخل العبد ونوى بصالته أن تكون صالة الفرض وتكون تحية المسجد أجزاه ذلك وإن نوى الفرض فقط أجزأته عن تحية المسجد. ومن أمثلة ذلك ما يقع فيه الخالف بين الفقهاء: هل هو مقصود لذاته أو هو مقصود بالتبع مثل

27 :طواف الوداع بعض الفقهاء قال: بأنه مقصود لذاته فحينئذ ال يجزئ للعبد أن يطوف طوافا واحدا ينوي به طواف اإلفاضة وطواف الوداع. والصواب: أن طواف الوداع ليس مقصودا لذاته داللة الحديث أن النبي ( بي ن أن المراد بطواف الوداع أال ينفر أحد من البي حتى يكون آخر عهده بالبي ولذلك جاء في الحديث: ( أن عائشة- رضي اهلل عنها- طاف ثم طاف طواف العمرة ثم سع ثم خرج ولم تط ف طوافا آخر. ( مع أن هذه العمرة وقع بعد الحج فأجزأها طواف العمرة عن طواف الوداع فدلنا ذلك على أن طواف الوداع ليس مقصودا لذاته. ومما يؤخذ من حديث عائشة -رضي اهلل عنها- أيضا أنه يجزئ اإلنسان أن يطوف ثم يسعى ثم يخرج مباشرة وال يطالب بطواف آخر للوداع وال يعد السعي قاطعا لحكم الطواف ألن عائشة - رضي اهلل عنها- لم تط ف مرة أخرى. الكالم في مباحث النية يطول. س: هذا يقول: شيخنا الكريم هل من يقرأ أذكار الصباح والمساء أو األذكار في باب الصلوات ويقول: إنها تحفظني من العين هل هذا يدخل في عمل اآلخرة أو في عمل الدنيا )36/1( ج: إذا قصد اإلنسان أن يحفظ نفسه من العين التي تقطعه عن أعمال اآلخرة فإنه يكون ناويا ألعمال اآلخرة لكن من أراد أن األذكار تقطعه وتمنع عنه العين التي تقطعه من أعمال الدنيا فإنه لم ينو إال الدنيا وبالتالي ال يستحق األجر والثواب وهذا ينبغي أن يالحظ في جميع األعمال. بعض الناس يتصدق ليدفع عن نفسه المصائب الدنيوية فهذا ال يستحق إال األجر الدنيوي حينئذ ينبغي لإلنسان أن يالحق نفسه بالنية وأن ينوي بأعماله األجر األخروي. نعم. أحسن اهلل إليكم. س: يقول: أال يقال: إن الكافر تصح نيته عند من قال: إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ج: من قال: إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لم ي صحح عباداتهم في الدنيا وفائدة هذه المسألة: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة في اآلخرة وال تظهر لها أي ثمرة في الدنيا ومن قال: إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة قال: إنهم يعاقبون عقوبة زيادة عن العقوبة بأصل اإليمان في اآلخرة واآلخر يقول ومذهبه يقتضي أنهم يعاقبون زيادة عقوبة في اآلخرة. والصواب: أن الكفار يعاقبون في اآلخرة بسبب تركهم للفروع بداللة النصوص الدالة على ذلك بداللة أن الكفار في اآلخرة على مراتب متفاوتة على دركات مختلفة فدل ذلك على أنهم مخاطبون بفروع