إضاءات نقدية )فصلية حمكر مة( السنة الثالثة العدد العاشر صیف 1392 ش/ حزیران 2۰13 م صص 41 9 مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد )دراسة حتليلية( حامد صدقي امللخص قد تثري دراسة اآلراء النقدية الستکناه الشعر کثري ا من اخلالفات املعيارية وتشعر ب ا يف احلديث عنه فلکلر زمن بل لکلر شاعر وناقد تعريفه ملفهوم الشعر کما أنر الشعر شئنا أم أبينا فن روحي يف جوهره له ما يربطه وثيق ا بالذات اإلنسانية ولکلر أديب ذاتيته وإذا کان کذلک فالشعر متعدر د اجلوانب ألنر الذات ليست ظاهرة أحادية البعد األمر الذي جيعل من الصعب تعريف الشعر تعريف ا معياري ا لذا فإنر عدد ا ال بأس به من األدباء املعاصرين قد حاول التأمر ل يف جتربته الشعرية. يسعي هذا البحث إيل الکشف عن مفهوم الشعر لدي اثنني من کبار الشعراء والناقدين العرب يف العصر احلديث واملعاجلة الفنية ملعرکة نقدية عنيفة خاض فيها األديبان وسعي من خالهلا کلر منهما النيل من اآلخر فدرسنا آثارمها الشعرية والنثرية واستخرجنا تنظرياتهما وتعليقاتهما النقدية من خالل دراسة موضوعية - حتليلية ونقدية حماولني أن نعطي القارئ تصور ر ا عامر ا ملفهوم الشعر يف أبعاده الروحية والفنية قدر املستطاع مرکر زين علي آراء العقر اد والرافعي يف هذا املجال. تري املقالة أنر الشعر عند األديبني مزيج من املوهبة الفطرية اإلهلية والعاطفة املرهفة والفکرة الصائبة والکالم املوس يقي املوزون فکالمها يرتاوحان بني الکالس يکية والرومانس ية وعلي ه ذا فاملعرکة النقدية بينهما ال تعود إيل خالف جوهري يف التنظري األديب. الکلمات الدليلية: الشعر النقد األديب األدب املعاصر مصطفي صادق الرافعي عبر اس العقر اد. حامد فشي. أستاذ جبامعة اخلوارزمي إيران.. طالب مرحلة الدکتوراه جبامعة اخلوارزمي إيران. hamedfashi@yahoo.com التنقيح واملراجعة اللغوية: د. عبداحلميد أمحدی تاريخ الوصول: 1391/10/5 ش تاريخ القبول: 1392/2/11
/ 10 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش املقدمة منذ زمن طويل اهتمر کلر قوم حس ب طبعهم بوضع تعريف للشعر فقد اهتمر العرب بالش عر من حيث الوزن والقافية وقالوا بأنر ه کالم موزن مقفر ي يدلر علي معين وهذا يعين أنر هم عنوا باملوس يقي خاصر ة. واهتمر اليونان به من حيث اخليال والعاطفة والعقل مع ا وأمهلوا املوسيقي متام ا فعرر فوا الشعر بطريقة خيالية فقالوا: إنر الشعر مرکبة جيرر ها جوادان مها العاطفة واخليال ويقودمها حوذي هو العقل وهذه املرکبة تسبح فوق الغيوم. وقد حظي مفهوم الشعر بعناية بالغة من النقاد العرب قدامي وحمدثني علي اختالف توجر هاته م وتعدر د مش اربهم وتباين اهتماماتهم أحيان ا بدء ا من ابن س الر م واجلاحظ مرور ا باملرزوقي والقرطاجين وانتهاء بالنقاد املعاصرين بکلر ما يزخر به هذا التاريخ النق دي من تن ور ع وثراء. ومل يکن الشعراء ببعيدين عن هذه احلرک ة النقدية الفاعلة املتفاعلة فقد أدلوا بدالئهم وقالوا آراءهم يف أهمر فنر أديب عرف به العرب حتي جعلوه ديوان حياتهم أال وهو الشعر. ولعلر تعريف الشعر تعريف ا منطقي ا غري يسري ألنر کلمة الشعر إذا أطلقت أثارت يف نفوس النر اس معاين خمتلفة حسب دراستهم فالعروضيون أو اللفظيون عامر ة يفهمون من هذا اللفظ صورته الظاهرة يف الوزن والقافية اللر ذين مييزانه عن النثر واملناطقة يرون فيه وس يلة مؤثر رة تبعث يف النفوس انفعال ا ما فنظروا بذلک إيل ناحيته املعنوية والشعراء أنفسهم أيض ا انصرفوا إيل وصف الشعر أو إطرائه دون العناية حبدر ه حدر ا جامع ا مانع ا. حناول يف هذا البحث استجالء مفهوم الشعر لدي اثنني من الشعراء املعاصرين أال ومها مصطفي صادق الرافعي وعباس حممود العقاد وذلک بدراس ة تراثهما األديب مرکر زين علي آرائهما النظرية يف وضع حدر للشعر. وقد عمدنا إيل اختيار هذين األديبني ألنر هما شاعران وناثران وناقدان فلديهما تراث أديب جمر وألنر هما خاضا معارک نقدية خمتلف ة األمر الذي قد يعطيهما براعة يف التنظري األديب وإقناع القارئ حسب رأينا وألنر هما عاشا يف عصر واحد تقريب ا وألنر هما کانا متعارضني بل خصمني يف الشعر حبيث يقول العقر اد واصف ا الرافعي بأنر ه رجل ضيق الفهم ومن جانب آخر وضع الرافعي کتاب
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 11 "علي الس فود" الر ذي يصور ر فيه اخلصوم ة العنيفة التي جرت بينه وبنی العقر اد وهي تعدر من أش هر املعارک األدبية يف التأريخ األديب املعاصر ولنس ع أیضا إلی استطالع ما إذا کانت اخلصومة تعود إيل خالفات جوهرية يف مفهومهما عن األدب عامر ة والشعر خاصر ة أو هناک ش يء آخر وأخري ا مبا أنر العقر اد ينتمي إيل مجاعة الديوان املنسوبة إيل الرومانس ية والرافعي ال ينتس ب إيل مدرس ة أو مجاعة بعينها فنودر لو نستفهم هل أوجد هذا احلياد وذاک االنتماء اختالف ا يف الرؤية األدبية عندمها أو هناک تصور ر عامر سيطر علي فکر کلر أديب. وعلي کلر فإنر هما قد عرضا ملفهوم الشعر يف تراثهما األديب ممر ا يساعدنا ويسعدنا علي تقدمي مفهوم للشعر من جوانبه کافر ة حس ب ما ينظران األمر الر ذي قد ميکر ننا من أن ندرک الشعر أکثر ومن أن نصبح أصحاب آراء أدبية ونقدية أيض ا. ويف هذه الدراسة غري املسبوقة قد قدر منا الرافعي يف البحث لتقدر مه يف امليالد والوفاة. الرافعي والشعر يعدر مصطفي الصادق الرافعي )1937-1880( من کبار الشعراء العرب وناقديهم يري نفسه فارس حلبة الشعر: إينر إذا أرهفت حدر يراعت الرافع ي الر ذي ب ه ارتفعت مل تلق يف الشعراء غريي مبدع ا )الرافعي 1322 ق ج 1 : 44( أرهاط هذا القريض والشعب )املصدر نفسه: 149( ولعلر هناک أبيات ا أخري تدلر علي هذا الفخر واالعتداد بالنفس وطبع ا علي الر ذي يعتب نفس ه هو الشاعر ويعتب ما ينش ده هو الشعر اخلالص عليه أن يکون عنده تعريف للشعر وموازينه لکي يرشد اآلخرين فلننظر إيل کتب الرافعي النقدية والشعرية ونري ماذا عنده. وأمر ا بعد هذا الفخر فنتفاجأ عندما نقرأ أنر ه يقول:»والشعر موجود فيکلر نفس من ذکر و أنثي.«)املصدر نفس ه: 4( و حنن نعتقد أنر قصده من الشعر ليس الشعر باملعين الفينر بل يش ری إيل أحوال النفس اإلنس انية والعواطف البشرية ألنر نا نراه يف موضع
/ 12 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش آخر يقول عن األحوال الت تتعرض للشاعر:»وال فضل للشاعر فيها إال أنر ه تنبر ه هلا.«)املصدر نفس ه: 7( و هلذا قال نعيمة:»ليس الشاعر من خيلق عواطف ويولد أفکار ا فليس من خيلق شيئ ا من ال ش يء إالر اهلل إنم ا الشاعر من ميدر أصابيع وحيه اخلفية إيل أغش ية قلوبکم وأفکارکم فريفع جانب ا منها وحي ور ل کلر أبصارکم إيل ما انطوي حتتها. فتبصرون هناک عواطف وتعثرون علي أفکار وألور ل وهلة حتسبونها أفکار الشاعر وعواطفه ولکنر ها يف احلقيقة عواطفکم وأفکارکم مل يکتش فها الشاعر وال ابتدعها وال أيقظها لکنر ه رفع جانب ا من الستار عنها وصور ب کلر أبصارکم إليها.«)نعيمة 1991 م: 102( فرمبا بإمکاننا أن نفسر ر أنر الرافعي يقصد من الشعر يف العبارة األويل جمرر د احلسر والشعور فهو حبکم الفطرة موجود عند الکلر فإذا اس تطاع شخص أن يتنبر ه إيل هذا الشعور الالحمدود ويتغينر به فهو شاعر علي حدر قوله. يقول يف مقدر مة ديوانه:»أور ل الشعر اجتماع أسبابه وإنم ا يرجع يف ذلک إيل طبع صقلته احلکمة وفکر جال صفحته البيان. فما الشعر إالا لسان القلب إذا خاطب القلب وسفري النفس إذا ناجت النفس وال خري يف لسان غري مبني وال يف سفري غري حکيم.«)الرافعي 1322 ق: 3( فهو يس رد للشعر أسباب ا أوهله ا الطبع ولکنر ه ال يکتفي بالطبع املج رر د بل املثقر ف باحلکمة والفکر فيمزج بني القرحية الذاتية والثقافة االکتسابية. ونري هذه املمازجة جلية يف عبارة حنسبها حتديد ا للعملية الش عرية عند الرافعي فها هو يقول:»کأنم ا هو )أي الشعر( بقية من منطق اإلنسان اختبأت يف زاوية من النفس فما زالت بها احلواسر حتي وزنتها علي ضربات القلب وأخرجتها بعد ذلک أحلان ا بغري إيقاع أال تراها س اعة النظم کيف تتفرر ع کلر ها مثر تتعاون کأنم ا تبحث بنور العقل عن ش يء غاب عنها يف سويداء الفؤاد وظلماته لذلک کان أحسن الشعر ما تتغينر به قبل عمله.«)املصدر نفس ه: 3 و 4 ( فالشعر يعين امتزاج بني القل ب والعقل واإليقاع وإنر ه متعدر د الزوايا فإن نظرنا إليه من زواية أو زوايا عدر ة حمدر دة خسرنا بقيتها وجعلنا أنفسنا يف ضيق الفهم وإحراج اللذر ة. إنر ه يقول يف مقدر مة اجلزء الثاين من ديوانه:»الش عر معين ملا تشعر به النفس فهو من خواطر القلب إذا أفاض عليه احلسر من نوره انعکس علي اخليال فانطبعت فيه
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 13 معاين األشياء کما تطبع الصور يف املرآة.«)الرافعي 1322 ق ج 2 : 3( و»يتبني لنا يف هذا املفهوم إحس اس رومانتيکي واضح إذ يربط بني الشعر والنفس اإلنسانية وحرية التعبري عمر ا حتسر.«)هدر ارة 1994 م: 333( کما يشري إيل الصدق يف التجربة الشعورية ألنر الشعر هو ما تشعر به النفس مثر يأيت دور البيان فيضاف اخليال إيل الشعور. ويف هذه العبارة وما سبقها ال نري أي إشارة إيل الوزن والقافية ما جيعلنا نقول إنر الرافعي»يضع الوزن والقافية يف املرتبة الثانية بعد لغة النفس.«)املصدر نفسه( يعتقد الرافعي جبمالية الشعر الذاتية فريي أنر ه ليس علي الشاعر أن ينمر ق الکالم أو أن يتکلر ف التزيني بالصنعة ألنر ه إذا کان الشاعر شاعر ا حق ا فإنر مجالية الکالم جتيش من طبعه املوهوب تلقائي ا وهلذا»إنر أحسن الشعر ما کان زينته منه.«)الرافعي 1322 ق ج 1 : 9( إذن فللشعر لغته اخلاصر ة العفوي ة اجلميلة تنبعث من ذات صاحبه»فإنر لغة الش عر ذاتية وخاصية فردية.«)أبوسعد 1985 م: 21( هلذا ف»إنر لغة الشعر تکسر رتابة اللغة املألوفة.«)محاس ة عبداللطيف 1990 م: 15( وإذا کان اجلمال يف الشعر ذاتي ا»فإنر الشعر يستطيع إيل حدر ما أن حيافظ علي مجال لغة ما بل يستطيع أن يعيد ذلک اجلمال.«)إليوت 1991 م: 19( نودر لو نش ری إيل أنر ه إذا کانت لغة الشعر ومجاهلا ذاتيني فطبع ا هذه الذات تتعلر ق بصاحب نس مر يه ش اعر ا فلعلر نا نوافق علي أنر ه»مل تصبح للش عر لغة خاصر ة وللنثر لغة أخري إنم ا هناک شاعر له خصوصية ذاتي ة وقدرات يفيض منها عل ي لغة النر اس فرتتفع من مستوي احلياة اليومية والکتابات النثرية إيل آفاق من األحاسيس واملشاعر اإلنسانية املتدفر قة.«)أبوسعد 1985 م: 23( وعل ي کل فالطبع املوهوب عند الرافعي هو األصل األور ل يف الشعر بل يف األدب کلر ه حتي يف نقده الالذع لطه حسني يأخذ أور ل ما يأخذ عليه هو فقدان الطبيعة األدبية عن د طه فيقول:»لست أدري کيف يأيت ملن ال يکون الشعر من طبيعته أن يکون ناقد ا أديب ا أو اس تاذ ا لألدب.«)الرافعي 2002 م: 194( وعلي هذا فجملة القول أنر املثل األعلي للش اعر هو الر ذي يراه هوراس و»هو رجل مثقر ف فطر علي القريض.«)هوراس 1988 م: 101(
/ 14 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش»وال ب در يف کلر ش يء مع املعاين الر ت له يف قر احل من املعاين الر ت له يف اخليال وها هنا موضع األدب والبيان.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 202( و»حبسبک أنر هذه األکوان إنر م ا هي احلقيقة ولکلر حقيق ة منها خيال وهو مملکة الشعراء.«)الرافعي 1322 ق ج 2 : 3( فال بدر للش خص املوهوب أن يکون له خيال خصب لکي يس تطيع أن يطور ر ما يشعر به ويعطيه صورة ختييلية حبيث ختلب اآلخرين إيل أن يقدر الشاعر أن يؤثر ر يف النفوس والقلوب وهلذا»أنر اخليال الشعري يزيغ باحلقيقة يف منطق الشاعر ال ليقلبها عن وضعها وجييء بها ممس وخة مشور هة ولکن ليعتدل بها يف أفهام الناس وجيعلها تامر ة يف تأثريها.«)الرافعی 1999 م ج 3 : 293( وهذا يعين»أنر الش عر يوازي الواقع وال يس اويه وأنر العالقة بني صور القصيدة ومعطيات الواقع عالقة تشابه وليست عالقة مطابقة أو مساواة.«)عصفور 1995 م: 241( أمر ا التأثري فهو األمر الر ذي يراه الرافعي حياة الشعر يقول:»خيرجون بالشعر عن معناه وآية ذلک أن ال تعرف يف منظومهم روح التأثري الر ت هي حياة الشعر.«)الرافعي 1322 ق ج 2 : 5( فال معين لشعر ال تأث ری له يف اآلخرين لکن من أين جييء هذا التأثري جييبنا الرافعي قائل ا:»إنم ا تنفخ النفس تلک الروح يف الکالم.«)املصدر نفسه( نستنبط أنر غاية الشعر عند الرافعي هي التأثري و»التأثري يعين تغيري ا يف االجتر اه وحتور ل ا يف السلوک والبداي ة األويل للتأثري هي تقدمي احلقيقة تقدمي ا يبهر املتلقر ي من ناحية ويبده ه بها من ناحية أخري وذلک أمر ال ميکن أن يتمر مبجرر د النظم العاري لألفکار بل يت مر بضرب بارع من الصياغة تنطوي علي قدر من التمويه تتر خذ معه احلقائق أشکال ا ختلب األلباب وتس حر العقول فتتبدر ي احلقائق من خالل ستار شفيف يضفي عليها إبهام ا حمبر ب ا يثري الفضول ويغذر ي الش وق إيل التعرر ف.«)عصفور 1995 م: 57( وبهذا التقدمي والتخييل ينقل الش عر اإلنسان من حياته العادية»إيل حياة أخري فيها شعورها ولذر تها وإن مل يکن هلا مکان وزمان حياة کملت فيها أشواق النفس ألنر فيها اللذر ات واآلالم بغري ضرورات وال تکاليف.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 203( وهذا العامل املجهول الر ذي ال يعرف له مکان وال زمان يشبه يوتوبيا الرومانسية.»إنر أساس الفنر علي اإلطالق هو ثورة اخلالد يف اإلنسان علي الفاين فيه وأنر تصوير
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 15 ه ذه الثورة يف أوهامها وحقائقها مبثل اختالجاتها يف الش عور والتأثري هو معين األدب وأس لوبه.«)املصدر نفس ه: 204( فينظر الرافعي إيل الفنر مبا فيه الشعر کقور ة تتمکر ن من أن تثري اإلنس ان من داخله علي داخله وهذا هو األساس للشعر وهذا هو معين األدب وأسلوبه»فاألدب من هذه الناحية يشبه الدين کالمها يعني اإلنسانية علي االستمرار يف عملها وکالمها قريب من قريب غري أنر الدين يعرض للحاالت النفس ية ليأمر وينهي واألدب يع رض هل ا ليجمع ويقابل والدر ين يوجر ه اإلنس ان إيل ربر ه واألدب يوجر هه إيل نفس ه وذلک وحي اهلل إيل امللک إيل نيبر خمتار وهذا وحي اهلل إيل البصرية إيل إنسان خمتار.«)املصدر نفس ه: 207( نضيف إيل ما مضي أنر الرافعي يري األدب مبا فيه الشعر رؤية قدس ية علي أنر ه وحي من اهلل إيل البصرية إيل إنس ان خمتار ومن مثر فإنر الشاعر إنس ان ذو بصرية اختاره اهلل لوحي الشعر والشعر وسيلة للتوجر ه إيل النفس ومن عرف نفس ه فقد عرف ربر ه فيتمکر ن الش عر من أن يکون واصل ا بني الفرد ونفس ه ومن مثر بني النف س وربر ها وألمر ما قيل إنر»الش عراء هم الکهنة الر ذي ن يرتمجون وحي ا ال يدرکون کنهه.«)ر: هوراس 1988 م: 54( وألمر ما خلط العرب بني الشاعر والنيبر وعلي هذا يقول الرافعي:»لو عدا الش اعر الصحيح طور التکوين الشعري بصفاته ملا کان منه إال نيبر.«)الرافعي التا: 37( وجلر ما نضيفه هنا أنر الرافعي ملس واعتقد مبا بني الشعر وما فوق الطبيعة من صلة والر ذي نودر لو نسمر يه باالرتباط بني الوعي والالوعي. إنر الرافعي يعرر ف الطريق الذي حيقق اهلدف من الشعر ويراه يف»االتر ساق واخلري واحل قر واجلمال من ذلک يأيت الشاعر واألديب وذو الفن عالج ا من حکمة احلياة للحي اة.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 207( فالشعر بعد أن تدفر ق من الطبع من الالزم أن يص ور ر ما خييله جامعا بني االتر ساق واخلري واحلقر واجلمال وهکذا يستطيع أن حيقر ق حياته وهو التأثري يف احلياة واحلرکة حنو الس مور والکمال و»مادام يسعي الشعر حن و هذا اهلدف فال بدر من أن يتبيني املخطر ط األخالقي الر ذي يصل اإلنسان بهدي منه إيل الفضيلة والسعادة.«)عصفور 1995 م: 209( ویتجلر ي مفهوم الفضيلة والسعادة يف مفردات اخلري واحلقر واجلمال الت اس تخدمها الرافعي لتبيني کيفية حتقيق غاية الشعر ولکن ينبغي أن ننتبه إيل أنر الشعر ال حيقق هذا اهلدف بطريقة مباشرة کما أشرنا سابق ا
/ 16 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش بل ينجزه من خالل وسيط نوعي يقدر م قيم هذا املخطط تقدمي ا فني ا مؤثر ر ا وهذا التقدمي الفينر يف الشعر خيتلف عن أقرانه من فنون فلنر ماذا عند صاحبنا من هذه الناحية. أمر ا من ناحية اللفظ واملعين والش کل التعبريي أو التقدمي الفين فها هو يقول:»ولو کان الشعر هذه األلفاظ املوزونة املقفر اة لعددناه ضرب ا من قواعد اإلعراب ال يعرفها إالر من تعلر مها ولکنر ه يتنزر ل من النفس منزلة الکالم من کلر إنسان ينطق به وال يقيمه کلر إنسان.«)الرافعي 1322 ق ج 1 : 5( وبهذا يفرق الرافعي بني النظم والشعر فال حيسب کلر منظوم شعر ا ويف الوقت نفس ه يعتب الوزن عنصر ا هامر ا يف عدر الکالم شعر ا فيقول:»مت نزر لت احلقائق يف الشعر وجب أن تکون موزونة فال تأيت علي س ردها وال تؤخذ هون ا کالکالم بال عمل وال صناعة... واخليال هو الوزن الشعري للحقيقة وختيل الشاعر هو إلقاء النور يف طبيعة املعين.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 224( ومن هنا تتجلر ي خطورة دور اخليال عند الرافعي فمن جانب هو مبعث الوزن الشعري ومن جانب آخر تتر ضح صلته باحلقيقة وبهذا يفصل بينه وبني الوهم. إنر الرافعي يهتمر بالوزن العروضي»فللوزن قيمة کبي يف الشعر حت عدر أهمر فارق بينه وبني النثر.«)أمحد أمني 1963 م: 70( ولکن ال يري الکالم املوزون شعر ا أو بعبارة أفضل يري أنر النظم ال يصنع شعر ا وهذه نظرة صحيحة والشاهد علي ذلک األحباث العلمية املنظومة الر ت ال نعتبها شعر ا وليست تؤثر ر علينا ال نفسي ا وال عاطفي ا إذن حس ب ما يعتقد الرافعي وکما يقول ستدمان Stadman إنر»الشعر هو اللغة اخليالية املوزونة الر ت تعبر عن املعين اجلديد والذوق والفکرة والعاطفة وعن سرر روح البشرية.«)منيف موسي 1985 م: 14( وما فائدة هذا الوزن»کأنر الشعر مل جيئ يف أوزان إالر ليحمر ل فيها نفس قارئه إيل تلک اللر ذات علي اهتزارات النغم وما يطرب الشعر إالر إذا أحسسته کأنم ا أخذ النفس حلظة وردر ها.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 223(»فاملراد بالشعر هو التأثري يف النفس ال غري.«)املصدر نفسه: 228( إذن التعبري املوزون عنصر الزم يف الشعر وهو عامل إمتاع املتلقر ي والتأثري عليه»فإذا مل يس تطع الشاعر أن يأيت يف نظمه بالروي املونق والنسج املتالئم واحلبک املستوي واملعاين اجليدة الر ت ختل ص إيل النفس خلوص طبيعة إيل
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 17 طبيعة متازجها ورأيته يأيت بالشعر اجلايف الغليظ واأللفاظ املستومخة الرديئة والقافية القلقة واملجازات املتفاوتة واملضطربة واالستعارات البعيدة املمس وخة فاعلم أنر ه رجل قد باعده اهلل من الشعر.«)املصدر نفسه: 231( وبهذا يقرتب الرافعي من الشعر الکالسيکي حيث ندرک التزامه بعمود البالغة العربية وعروض اخلليل فليس الشاعر أن يقول ما يشعر به کيفما شاء بل عليه أن ينتقي املعاين واملفردات واملجازات وأن يأيت بالوزن والقافية املتناسبان للموضوع وإن مل يکن کذلک فليس بالشاعر فطرة ألنر اهلل قد باعده من الش عر. فالنظم يف الشعر واجب»وال ينظم إالر متغنر ي ا ويروض الشعر بذلک ألنر النفس تتفتر ح للموسيقي وتنقاد.«)املصدر نفسه: 263( صحيح أنر الشعر قبل کلر شيء فنر روحي عاطفي فطبع ا هذه الروح والعاطفة تتطلر ب لغة روحية لبيانها وهذه اللغة حبکم فطرتها تتر سم بعمق نغمي نلمسه عند مهسات أنفسنا وتتجلر ي هذه النغمة يف الکالم بواسطة الوزن»فليس الوزن يف الشعر صورة موسيقية فرضت عليه فرض ا لتکون حلية تزينه کالر.«)الشايب 1994 م: 229( إذن النظم يف الشعر يؤدر ي إيل موس يقية الکالم وهذه املوس يقي تؤدر ي إيل التأثري يف النفوس ألنر النفس تتفتر ح للموس يقي وتنقاد علي حد قول الرافعي ولکنر املوسيقي ال تکفي للشعر بل ال بدر أن تتضمر ن معين يتنزر ل من النفس فلعلر نا نس تطيع أن نقول:»إذا تواف ر الوزن والقافية دون التأثري العاطفي کان الکالم نظم ا کألفية إبن مالک وإذا توافر التأثري دون الصورة املوس يقية الوزنية کان الکالم نثر ا أدبي ا جنده يف رسائل الکتر اب.«)املصدر نفسه: 299-298( فالشرطان متضامانان ليصبح الکالم شعر ا. وبالتأکيد علي الوزن والقافية أو املوس يقي يدافع الرافعي ضمني ا عن النحو العريب ألنر ه کما يقول محاسة عبداللطيف:»إنر الوزن املعني والقافية املختارة يؤدر يان بالضرورة إيل اختيار تراکي ب حنوية معينة.«)محاس ة عبد اللطيف 1990 م: 18( ومن حيث املجموع رمبر ا کان األقرب إيل الدقر ة أن نقول»إنر فاعلية التخييل يف الشعر ال تنفصل أصل ا عن البنية اإليقاعية الر ت ال تنفصل بدورها عن بنية الرتکيب أو الداللة.«)عصفور 1995 م: 194( وأمر ا بعد أن وجد الشعر حقر ا فعمر يتحدر ث ليؤثر ر»إنر احلقائق ليست هي الشعر وإنم ا
/ 18 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش الشعر تصويرها واإلحساس بها يف شکل حي تلبسه احلقيقة.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 263(»والشعر يف أسرار األشياء ال يف األشياء ذاتها.«)املصدر نفسه: 222( وعلي الشاعر»أالر ينظر إيل وجود الشيء بل إيل سرر ه وال يعين برتکيبه بل باجلمال يف ترکيبه.«)املصدر نفس ه: 207-206( قبل کلر شيء نعتب هذه العبارت ردر ا علي أفالطون الر ذي کان يقول:»الشاعر کاملصور ر حياکي ظواهر األشياء دون أن يفهم طبيعتها.«)أرسطو 1983 م: 61( وبعد ذلک فالشعر ليس احلقيقة بل اإلحساس بها وتصويرها والقدرة علي التصوير هو الفاصل بني الشاعر عن غريه»فالر ذي جيعل الشاعر شاعر ا هو تلک القدرة علي التصوير فقد يکون عندنا شعور فياض کالر ذي عند الشاعر ولکن ليس عندنا من املقدرة علي التصوير ما عند الشاعر.«)أمح د أمني 1963 م: 68( والعناية جبمال األشياء حتتاج إيل إدراک اجلمال»فهناک قوي روحية إلدراک اجلمال وخلقه يف األشياء خلق ا هو روح الشعر وروح فنر ه.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 232( إذن فإنر الشاعر يدرک اجلمال وخيلقه أي يکشفه لآلخرين أي يعلر م النر اس إدراکه ويبني هلم زوايا خفية منه ألنر»الشعر يف تصوير خصائص اجلمال الکامنة.«)املصدر نفسه: 223( إنر الرافعي يري الشعر تصوير ا للحقيقة وذلک بالنفاذ يف صميم األشياء ال التطرر ق إيل ظواهرها الظاهرة فکما يقول إمرسن Emrsen»الشعر هو احملاولة اخلالدة للتعبري عن روح األشياء.«)منيف موسي 1985 م: 14( لکنر هذا النف اذ يتطلر ب قدر ا من احلکمة األمر الر ذي جيعلنا نقول إنر الرافعي يري من الشعر حکمة ومن الشاعر حکيم ا فها هو ذا يقول:»إنر من الشعر حکمة ومن يؤت احلکمة فقد أويت خري ا کثري ا.«)الرافعي 1322 ق ج 1 : 11( وينشد يف املعين بعينه: والشعرکلر الشعريفحکمة يوحي بها لألنفس اخلاطر وکما يقول أمحد شوقي: والشعر إن مل يکن ذکري وعاطفة )املصدر نفسه: 151( أو حکمة فه و تقطيع وأوزان )شوقي 1988 م ج 2 : 103( إذن»فف ي عمل األدي ب خترج احلقيقة مضاف ا إليها الفن وجي يء التعبري مزيد ا فيه
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 19 اجلمال وتتمثر ل الطبيعة اجلامدة خارجة من نفس حية ويظه ر الکالم وفيه رقر ة حياة القلب وحرارتها وشعورها وانتظامها ودقر ها املوس يقير.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 204( و»يهب لک األدب تلک القور ة الغامضة الر ت تتر سع بک حتي تشعر بالدنيا وأحداثها مارر ة من خالل نفسک وحتسر األشياء کأنر ها انتقلت إيل ذاتک من ذواتها وذلک سرر األديب العبقري فإنر ه ال يري الرأي باالعتقاب واالجتهاد کما يراه الناس وإنم ا حيسر به فال يقع له رأيه بالفکر بل يلهمه إهلام ا.«وعلي هذا»ففصل ما بني العامل واألديب أنر العامل فکرة واألديب فکرة وأسلوبها.«)املصدر نفسه: 206-204( ونفسر ر األسلوب بالتعبري الشعري والذوق الفينر ألنر هما مييزان منهج بيان الفکرة الشعرية عن غريه لکنر نا نري أنر ه ينبغي أن يکون الذوق والعاطفة واإلحساس ويف کلمة واحدة النفس اإلنسانية هي السمة الفکرية الغالبة علي الشعر و»کلر ما نتطلر به يف الشاعر أالر تطغي ثقافته العلمية علي ذوقه الفيني.«)أمحد أمني 1963 م: 75( فالشعر يلهم وال بدر أن تکون لغته موحية ملهمة ال علمية مقرر رة. نسأل الرافعي وبعد أن وضر ح لنا املالمح الشعرية حسب رأيه کيف نستطيع أن نيزر بني الشعر وغريه فيجيب:»اعمد إيل ما تريد نقده فردر ه إيل النثر فإن استطعت حذف شيء منه ال ينقص من معناه أو کان يف نثره أکمل منه منظوم ا فذلک اهلذر بعينه أو نوع منه.«)الرافعي 1322 ق ج 1 : 9( فالفرق األساس بني الشعر والنثر عنده يعود إيل الشکل التعبريي ألنر ه خاصية ذاتية وهذه اخلاصية ميزة ال تقبل التبديل إيل ذات أخري فإذا استطعنا أن ننثر شعر ا فليس هو بالشعر يف احلقيقة ألنر»املعين النثري ميکن التعبري عنه بعبارة نثرية أخري لکنر املعين الشعري ال يؤدر ي إالر بالصورة الر ت أرادها الشعر وبالرتکي ب اللغوي الر ذي اختاره.«)محاس ة عبد اللطيف 1990 م: 51( وبهذا يفضر ل الرافعي الش عر علي النثر عامر ة ألنر ه»لو کان النثر م ل ک ا لکان الش عر تاجه.وإنر ک إنم ا تزين النثر بالش عر وال تزين الشعر بالنثر.«)الرافعي 1322 ق ج 1 : 10 و 11 ( إذن»املجيد من الش عراء أفضل من غريه يف صناعة الکالم.«و»لن يکون الشعر شعر ا حتي جتد الکلمة من مطلعها ملقطعها مفرغة يف قالب واحد من اإلجادة.«)املصدر نفسه: 9( وهذه العبارة األخرية يعين أنر الرافعي ال يقبل تفاوت مس توي اجلودة ألبيات القصيدة الواحدة فکلر األبيات والکلمات جيب أن تکون يف مستوي سواء من اجلودة واالنتقاء.
/ 20 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش وللفظ عند الرافعي دوره يف الشعر»فليس من شاعر قدمي أو حديث يعدر شاعر ا إالر إذا أعطي املعاين خري ألفاظها جزلة يف مقام اجلزالة ورقيقة يف مقام الرقر ة وال جتد من يلزم طريقة واحدة يف اختيار اللفظ إال إذا لزم فنر ا واحد ا يف املعين.«)الرافعي 2002 م: 259( إذن ينبغ ي أن تکون العالقة تامر ة بني اللفظ واملعين»فلکلر منهما من األمهير ة ما ال يق لر عن اآلخر فال بدر يف الکالم البليغ أن يکون ذا لفظ عذب و معين حلو.«)أمحد أمني 1963 م: 74( وهذه نظرية مقبولة عندنا أن تکون ل کلر من اللفظ واملعين قيمته وفاعلير ته»فإنر الرافعي يتمينر أن يکون الشعر تصوير عامل حي من املعاين واأللفاظ.«)ه در ارة 1994 م: 333( بيد أنر ه ينبغي أن ننتبه إيل أنر»يف الشعر شيئ ا غري األلفاظ واملعاين الذهنية وهو الصور اخليالية وما ينطوي عليه من دعاوي الشعور.«)مندور 1997 م: 113( کما أشرنا. إذا کان الشعر يبحث عن أسرار األشياء وينظر إيل سرر وجودها فطبع ا ال يتحدر د مبواضي ع خاصر ة بعينها وال يتمحور حول حماور مس بق تعيينها ألنر»الغزل والنسيب واملدح واهلجاء والوصف والرثاء وغريها هي شعوب منه وما انتهي املرء من مذهب في ه إال إيل مذهب وال خرج من طريق إالر إيل طريق أمل تر أنر هم يف کلر واد يهيمون وما دامت األعمار تتقلر ب بالناس فالشعر أطوار.«)الرافعي 1322 ق ج 1 : 9( وألنر»مادر ة عمله أحوال الناس وأخالقهم وألوان معيشتهم ومذاهب أخيلتهم وأفکارهم يف معين الفن وتفاوت إحساسهم به وأسباب مغاويهم ومراشدهم يسدر د علي کلر ذلک رأيه.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 207( فالشعر ال حيتکر لنفسه موضوعات خاصر ة يوظر فها للتعبري فاملوضوع يتکيف بالشعر وال يتکيف الشعر به. إذا اختخ ذ الشاعر من أحوال النر اس مادر ة لعمله فال بدر أن نقول»لکلر زمن شعر و شعراء ولکلر شاعر مرآة من أيامه.«)الرافعي 1322 ق: ج 1 6( و لعلر ه هلذا أو لغريه»أسلمهم هوراس ومن حنا حنوه مقاليد الزعامة والتش ريع.«)هوراس 1988 م: 55( إذن إنر»مهمر ة الشاعر ستختلف ال وفق ا لتکوينه الشخصي فحسب بل تبع ا للفرتة الر ت جيد نفس ه فيها.«)إليوت 1991 م: 38( إنر الشعراء إذا کانوا مرآة من أيامهم فال حيقر هلم أن يکونوا مقلر دين ألنر هم واحلالة هذه»کاملصابي ح وما علي أحدها أن يتألر ق بنور
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 21 غ ریه ما دام يف کلر مصباح زيت ه.«)الرافعي 1322 ق ج 2 : 5( ومن هنا ندرک أمهية اإلبداع الفين والصدق يف التعبري عند الرافعي: 1 والشعر إن مل يک من صادق فيه فال شعر وال شاعر )املصدر نفسه ج 1 : 151( وملر ا کان الش عر من أرقي الفنون الت تتشابک واملجتمع البشري»فإنر اإلبداع الفينر يف الشعر کان ودائم ا يف حوزته قدرة الکشف عن أدقر وأرقر ما خيتزنه اإلنسان وخيتلج يف حرکة املجتمع من خمتلف القضايا وأمور احلياة ومعين هذا أنر ه يف س لوکه الفينر واجلمايل إنم ا يفصح عن موقف جتاه احلياة.«)أبوسعد 1985 م: 37( و»لو سئلت أزمان الدنيا کيف فهم معين احلياة الس امية وکيف رأوها يف آثار األلوهية عليها لقدر م کلر جيل يف اجلواب علي ذلک معاين الدين ومعاين الشعر.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 223( فالرافعي يعتقد بأن يفع م الشعر من املعاين السامية کي يوضر ح معين احلياة فاحلياة عنده سامية و»األدب هو السمور بضمري األمر ة.«)املصدر نفسه: 210( والشعر کالدين له دور تکويين اجتماعي يظهر يف صدق التعبري عن املعاين الرفيعة وإدارک اجلمال وإبداعه وکلر ذلک بلغة موسيقية. واإلبداع حيتاج إيل علم و»علم األديب هو النفس اإلنسانية بأسرارها املتر جهة إيل الطبيعة والطبيعة بأس رارها املتر جهة إيل النفس ولذل ک فموضع األديب من احلياة موضع فکرة حدودها من کلر نواحيها األسرار.«)املصدر نفسه: 206( يري الرافعي يف موقف آخر أنر»الشعر فکرة الوجود يف اإلنسان وفکرة اإلنسان يف الوجود وال يکفي أن خيلق هذا اإلنسان مرر ة واحدة من حلم ومن دم بل ال بدر أن خيلق مرر ة أخري من معان وألفاظ فالشاعر يبدع أمر ة کاملة إن مل خيلقها فإنر ه خيلق أفکارها اجلميلة وحکمتها اخلالدة وآدابها العالية وسياستها املوفر قة.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 240( فللشعر وللشاعر دور تکويين يف احلياة فهما وإن مل خيلقا اإلنسان وجودي ا بإمکانهما أن خيلقاه فکر ا وأدب ا وسياس ة. لکن کما أشرنا سابق ا أنر الشعر عند الرافعي ليس فکرة فحس ب بل فکرة وأسلوبها أمر ا بالنسبة لألسلوب املعنوي فرأينا أنر ه مييل 1. يف کلمة»صادق«نلمس تورية فلعلر الشاعر يقصد بها صادق الرافعي يعين نفسه وإن کان کذلک فهذا البيت اعتداد بالنفس ولعلر ه يقصد منها کلر شاعر صادق يف التعبري.
/ 22 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش إيل األدب العايل الر ذي يتضمر ن املعاين العالية. وإذا ارتبطت الفکرة بالنفس اإلنسانية ارتبطت بقوي روحية وعاطفية طبع ا و»صلة العواطف بالفکر صلة هي سرر الشعر وسرر فنر ه.«)املصدر نفس ه: 232(»فالشاعر العظيم ال يرسل الفکرة إلجياد العلم يف نفس قارئها فحسب وإنم ا هو يصنعها وحيذو الکالم فيها بعضه عل ي بعض ويتصرر ف بها ليوجد بها العلم و الذوق مع ا.«هلذا إنر الشعر»فنر النفس الکبرية احلسر اسة امللهمة حني تتناول الوجود من فوق وجوده يف لطف روحاين ظاهر يف املعين واللغة واألداء.«)املصدر نفسه: 224-223( وإنر الشاعر»يهب لک تلک القور ة الغامضة الر ت تتسر ع بک حتي تشعر بالدنيا وأحداثها مارر ة من خالل نفسک وحتسر األشياء کأنر ها انتقلت إيل ذاتک من ذواتها.«)املصدر نفس ه: 204(»فإنر جناح الشعر مرتبط مبدي العون الر ذي يقدر مه إيل اإلنسان يف جتاوز مستوي الضرورة إيل مستويات أکثر مسو ا تصل اإلنسان ب کلر ما ينبغي أن يکون عليه.«)عصفور 1995 م: 202( وهذا يعين أنر الشعر يهدف إيل الکمال اإلنساين. أمر ا ولو کانت املعاين يف قمر ة اجلودة اإلنسانية فال تکفي ليکون الکالم شعر ا ألنر النثر أيض ا بإمکان ه أن يکون حافل ا باملعاين ذاتها بل جيب أن يک ون هناک فرق بني األداء الش عري واألداء النثري»فبالش عر تأيت احلقيقة يف أظرف أشکاهلا وأمجل معارضها أي يف البيان الر ذي تصنعه النفس امللهمة.«)الرافع ي 1999 م ج 3 : 222( و»ال بدر للمعاين الشعرية من جور اللغة البيانية.«)املصدر نفسه: 230 ( ونعلم أنر اللغة البيانية الشعرية تتميز فضل ا عن املجازات وما ش ابهها بالروح املوسيقية الر ت تکمن يف اإليقاع اللفظي. ويعتقد الرافع ي أنر ه لکلر معين موس يقي خاصر ة به فال ينبغي يف الشعر أن يرتک املعين دون أن يصبغ بصبغة شعرية فيقول:»إنر من األوزان ما يستمرر يف غرض من املعاين وال يستمرر يف غريه کما أنر من القوايف ما يطر رد يف موضوع وال يطر رد يف س واه والر ذين يهملون کلر ذلک ال يدرکون شيئ ا من فلسفة الشعر وال يعلمون أنر هم إنم ا يفسدون أقوي الطبيعتني يف صناعته.«)املصدر نفسه: 231-230( إذن فإنر الرافعي ال يهمل الوزن والقافية بل يرامها أقوي عنصرین فی صیاغة الشعر حبيث من ال ينتبه إليهما ال يعرف من فلسفة الشعر شيئ ا وهذا يعين أنر الشعر ينبثق من طبع موهوب مثقر ف انبثاق ا موزون ا موسيقي ا ألنر هذه امليزة
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 23 من طبيعة الشعر فال بدر أن توجد يف طبيعة صاحب الش عر أيض ا وإذا کان لکلر غرض وزن يستمرر فيه فال بدر أن نقول بأنر»التوافق بني الوزن العروضي وموضوع الشعر أو بني الصورة واملادر ة يف اإلنتاج ضروري.«)هوراس 1988 م: 165 /بتصرر ف( وإذا کان الکالم ذا معين عال وألفاظ مالئمة له وذا موسيقي خاصر ة بذلک املعين فبني أيدينا شعر وکما قلنا إنر غاية الشعر هي التأثري الر ذي هو حياة الشعر فکيف يؤثر ر الشعر يف النف وس ويؤدر ي وظيفته يف صنع األف کار واآلداب فضل ا عن هزر النفوس واجلواب عند الرافعي هو الصدق يف التعبري الر ذي هو عالمة براعة الشاعر علي أنر القلوب سواق»فإنر الکلمة إذا خرجت من القلب وقعت يف القلب وإذا خرجت من اللسان مل تتجاوز اآلذان.«)الرافع ي 1322 ق ج 1 : 8( و»مجاع القول يف براعة الش اعر أن يکون کالمه من قلبه.«)املصدر نفس ه( ألنر»الشعر معين ملا تشعر به النفس فهو من خواطر القلب.«)املصدر نفس ه ج 2 : 3( أي يأخذ من القلب وينطق عن القلب فيوحي إليه وبهذا يوجد التعاطف مع املتلقر ي»فإنر کلر عمل شعري يعين تواصل ا بني املبدع واملتلقر ي والتواصل يبدأ بتوصيل رس الة من نوع خاصر ذات حمتوي متر صل بالقيم يوجر هها املبدع إيل املتلقر ي من خالل وسيط نوعي هو القصيدة.«)عصفور 1995 م: 232( وبع د ذلک کلر ه ف إذا أردت أن تعرر ف األديب مبا فيه الشاعر»ملا وجدت أمجع وال أدقر يف معناه من أن مر تس يه اإلنسان الکوين وغريه هو اإلنسان فقط.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 205( ولعلر قصده من اإلنسان الکوين هو أنر»اإلنسان من الناس يعيش يف عمر واحد ولکنر الشاعر يبدو کأنر ه يف أعمار کثرية من عواطفه وکأنم ا ينطوي علي نفوس خمتلفة جتمع اإلنسانية من أطرافها.«)املصدر نفس ه: 222( وهلذا اإلنسان قدرة خاصة يف رؤية ما وراء وجود األشياء وأسرار احلياة وعليه وظيفة ماسر ة وهي انتقال هذه الرؤية إيل اآلخرين ألنر ه»هو نبع إنساين لإلحساس يغرتف الناس منه«و»الشاعر هو ذاک الر ذي يري الطبيعة کلر ها بعينني هلما عشق خاص وفيهما غزل علي حدة وقد خلقتا مهيأتني مبجموعة لنفس العصبية لرؤية الس حر الر ذي ال يري إالر بهما بل الر ذي ال وج ود له يف الطبيعة احلية لوال عينا الشاعر کما ال وجود له يف اجلمال احلي لوال عينا العاشق.«)املصدر نفسه: 223( مبعين أنر»الشاعر الر ذي يستحقر أن يدعي شاعر ا
/ 24 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش ال يکت ب وال يصف إالر ما تراه عين ه الروحية وخيتمر به قلبه حتي يصبح حقيقة راهنة يف حيات ه ول و کانت عينه املادي ة أحيان ا قاصرة عن رؤيت ه.«)نعيمة 1991 م: 82-83(»فإنر الشعر إن هو إالر ظهور عظمة النفس الشاعرة مبظهرها اللغوي.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 226( علي ذلک فال بدر للشاعر أن يکون له قرحية موهوبة وروح مميزة ميتاز بهما عن غري الشاعر وهلذا»متتاز قرحية الشاعر بقدرتها علي خلق األلوان النفسية الر ت تصبغ کلر ش يء وتلور نه إلظهار حقائقه ودقائقه حتي جيري جم راه يف النفس وجيوز جمازه فيها.«)املصدر نفس ه: 222( وهلذا»إنر الشاعر کثري ا ما حيطر م العالق ات الظاهرية لتتحور ل عناصر الوجود وأش ياؤه إيل جمرر د مفردات وأدوات يف يديه يش کر ل بها عامله الشعري اخلاصر أو يعيد صياغة األمل علي س بيل املثال وفق رؤيته الشعرية اخلاصر ة علي حنو يزيده عمق ا وثراء واکتمال ا.«)عشري زايد 1978 م: 9( ومع ذلک ليس الشعراء أنفسهم علي مستوي سواء فمقاديرهم تتفاوت بتفاوت هبة اهلل هلم»فيخصر شاعر ا بالزيادة وآخر بالنقص.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 232( والتفاضل بينهم يعود إيل ما يبتکرون ويبدعون ألنر»س رر النبوغ يف األدب ويف غ ریه هو التوليد.«)املصدر نفسه: 220( وينبغي أن ننتبه إيل أنر»التفاضل إنا يکون علي ابتکار األشياء علي طريقة الشعر ال علي طريقة النظم.«)الرافعي 1322 ق ج 2 : 7( وبعد ذلک کلر ه»قلر أن جتد من يسمر ي شاعر ا.«)املصدر نفسه: 4( الشعر يف أرؤس من يدر عي حم رر م إالر عل ي أهل ه کالدين يف أوهام هذي العواء وکم من اجلهر ال يأيت احلراء )املصدر نفسه: 118( إذا کانت القرحية الشعرية هبة من اهلل فجدير أن متيل هذه القرحية إيل ينبوعها وعلي هذا يقول الرافعي:»الشاعر الصحيح رجل الکمال السماوي ألنر الشعر إذا مل يکن مع الش رائع کان عليها.«)الرافعي دت: 38( وللنقطة األخرية نودر لو نشری إيل أمهير ة الطبيعة عند الرافعي إذ يقول:»فبالشعر تتکلر م الطبيعة يف النفس.«)الرافعي 1999 م ج 3 : 222( وهذا يعين أنر الطبيعة شاعرة فتتمکر ن أن تبعث القور ة الشعرية يف النفس ألنر ها
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 25 تتکلر م بالشعر فتؤثر يف النفس وتوحي إليها. نسرد مالمح الشعر ومواصفاته عند مصطفي صادق الرافعي فيما يأيت: الشعر هبة من اهلل والشاعر إنس ان خمتار/ألوهية الشعر/ الشعر لسان القلب وتعبري عن النفس والر ذي ينبعث عن طبع موهوب/ الشعر تعبري عن احلقائق وتصويرها/ ريادة اخليال يف نقل احلقائق بالصورة الشعرية/ الشعر تغلغل يف أسرار األشياء/ للشعر مقدرة الکش ف عمر ا خنفيه بداخلنا/ ذاتية التجربة/ صدق التجربة الشعرية/ الصدق يف التعبري/ حرية التعبري/ التأثري هو غاية الشعر املنشودة/ وجوب التعاطف مع املتلقر ي/ مقدرة النفس حتقر ق بغية الشعر کما هي مبعثه/ ربط الشعر بالنفس اإلنسانية/ امليل إيل اخلري واجلمال/ التأکيد علي الوحدة العضوية/ اجلمال ذايت للشعر وللغته/ االبتعاد عن التکلر ف والتصنر ع/ لغة الش عر فردية ذاتية/ لغة الشعر موحية ملهمة/ الشعر عون لإلنسانية والشاعر هو اإلنس ان الکوين فإنر هلما دور ا تکويني ا يف املجتمع اإلنساين/ ربط الشعر باحلياة/ الشعر خيلق اجلمال/ الشعر يبدع عامل ا مطلق ا من قيود الزمان واملکان/ االجتر اه إيل الشعر امللتزم الديين وإيل الشعر األخالقي/ لکلر من اللفظ واملعين أمهيته يف الشعر وجيب التالئم بينهما/ التزام بالقواعد النحوية/ أمهية املوسيقي ووجوب التزام بالوزن والقافية/ موضوع الشعر ال نهاية له فال حيدر د/ عاملية الشعر/ ذمر التقليد واإلش ادة باإلبداع/ الش عر يؤدي دور ا تهذيبي ا کالدين/ مرافقة العاطفة والفکرة مع ا وذلک بتقدمي اخليال علي العقل/ أن يکون الشاعر عاطفي ا حکيم ا/ تفضيل الشعر علي النثر/... ويف کلمة أخرية بالنس بة لنظرة الرافعي إيل الشعر نقول: إنر الشعر بعد أن کان موهبة إهلي ة فهو لغة وجدانية تتحقر ق بالتالحم بني الطبع املوه وب واللغة والعاطفة واخليال والفکرة واملوسيقي )الوزن والقافية( واالجتر اه حنو استبطان احلقائق وأسرار األشياء وإن کان هن اک تغاير يف درجة أمهية العناصر املذکورة ولکن الشعر احلقر يف النهاية يتحقر ق بتضافر بني کلر ها متمثر ل ا يف وحدة نسمر يها القصيدة والت تهدف إيل التأثري يف املتلقر ي. العقاد والشعر إنر عبر اس حممود العقر اد )1964-1889( هو من أهمر األدباء واملفکر رين املصريني يف العصر احلديث نستقصي آراءه کشاعر وناقد حول الشعر بدء ا من مواصفاته الذاتية:
/ 26 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش والشعر منن ف س الرمحان مقتبس والشاعر الفذر بني الناس رمحان )العقاد 1996 م: 37( فهو قبل کل شيء يعتقد بألوهية الشعر علي أنر ه مقتبس من نفس الرمحان وإذا کان الشاعر فذر ا فبإمکانه أن يکون نسخة رمحانية بني الناس ألنر ما يقوله مستقاة من قول الرمحان فألمر ما»کان الشاعر يلقر ب بني الرومان بالفاتيس وهو الکاهن أو الرسول أو النيب.«)هوراس 1988 م: 53( 1 وبعد ذلک»إنم ا الشعر إحساس وبداهة وفطنة وإنر الفکر واخليال والعاطفة ضرورية کلر ها للفلسفة والشعر مع اختالف يف النسب وتغاير يف املقادير.«)العقاد 1984 م: 322( إذن فالعقاد يري أنر الشعر مزیج من احلس والفکر والعاطفة واخليال فرمبر ا بإمکاننا أن نقول إنر هذه اخلصائص هي خصائص الشاعر الر ت تتجلر ي يف التعبري والتعبري عنها هو الشعر علي حدر قول العقر اد مع ذلک بإمکاننا أيض ا أن نق ول کلر هذه املواصفات ذاتية باطنية فال بدر هلا من ش کل خارجي أمهله العقاد يف هذا التعريف لکنر ه يف عبارة أخري يش ری إليه ويعتبه أي التعبري فاصل ا بني اجليد من الشعر ورديئه فيقول:»األمر الر ذي ال خالف فيه أنر الشعر فيه اجليد والرديء إن مل يکن فيه القدمي واجلديد فاجليد هو ما عبر ت به فأحسنت التعبري عن نفس ملهمة وشعور حير وذوق قومي والرديء هو ما أخطأت فيه التعبري أو ما عبر ت فيه عن معين ال حتسر ه أو حتسر ه وال يساوي عناء التعبري عنه.«)املصدر نفسه: 236( إنر العقر اد يف العبارة السابقة مل يکثرت بالتعبري کش کل خارجي له أطره وموازينه بل اهتمر مبوضوعيته الر ت هي نفس ملهمة وشعور حي وذوق قومي إلنر»الشعر هو نبضة قل ب قبل أن يک ون ملعة فکر وهو خفضة حياة قبل أن يکون فکرة ذهن وهو حالة نفسية قبل أن يکون قضية فکر وهو قضية إنسان قبل أن يکون التماع أفکار ووسوسة أفئدة قبل أن يکون رنني ألفاظ.«)سيد قطب 1983 م: 49(»الشعر الصحيح يف أوجز تعريف له هو ما يقوله الشاعر والشاعر يف أوجز تعريف 1. إنر القدماء أيض ا أدرکوا أنر الشعر ليس کالم ا عادر ي ا يتدفر ق علي لسان الکلر وأيقنوا صلته بعامل متافيزيقي ومن جانب آخر مل يعرفوا شيئ ا من الالوعي واملقدرات الروحية الکامنة وهلذا أو لغريه نسبوا الشعر إيل اجلنر واملجانني واصطنعوا ربر ات له. )هوراس 1988 م: 83 /بتصرر ف(
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 27 هو اإلنس ان املمتاز بالعاطف ة والنظرة إيل احلياة وهو القادر عل ي الصياغة اجلميلة يف إعراب ه عن العواطف والنظرات.«)العقاد 1984 م: 204( فنس تنبط أنر العقاد يري أنر الشعر هو نتيجة لغوية لعاطفة ممتازة مزجت بنظرة إيل احلياة»فللشاعر نظر باطن للحي اة.«)أمني 1963 م: 69( وبعبارة أخري إنر الش عر تعبري عن احلياة بلغة عاطفية ممتازة والش عر هذا»عن وان النفوس الصحيحة.«)العقاد 1984 م: 207( اإلعراب ع ن العواطف والنظرات يعين مرافقة العاطفة والفکر يف الشعر وهذا أمر جيد لکنر نا نري أنر»هذا الفکر ال جيوز أن يدخل عامل الشعر إالر مقنر ع ا غري سافر ملفر ع ا باملشاعر والتصور رات والظالل ذائب ا يف وهج احلسر واالنفعال ليس له أن يلج هذا العامل ساکن ا بارد ا جمرد ا.«)قطب 2003 م: 65( نقصد إيل أن ال تطغ ي الفکرة علي العاطفة وإن اتر سم الشعر بالفکرة فليکن بني أيدينا فکر شعري أو شعر فکري ال الفکر املجرر د املنظوم. أمر ا إذا نظرنا إيل الشعر کتعبري عاطفي فهل لنا أن نقول إنر لغته دوم ا تتر صف بالرقر ة حنن جنيب ال ألنر العاطفة نفسها ليست رقيقة علي الدوام والعقاد يوافقنا علي ذلک فيقول:»من األوهام الر ت شاعت بني قراء الشعر عندنا وبعض قرائه يف األمم األخري أنر الرقر ة هي الصفة األويل للشعر کلر ه أو هي مزيته علي النثر والکتابة واملباحث العقلية البحت ة.«)العقاد التا: 94(»ليس ه ذا ما نقوله وإنم ا نقول إنر الرقر ة تعاب يف غري موضعها وإنم ا متلح بعض األحيان يف الشعر بقدر ما متلح يف الرجل ولکنر ها إذا کانت شرط ا من شروطه وغرض ا يبحث عنه إن مل يوجد فيه فقد يتمر الکلف علي داء دخيل ويشف عن ذبول يف الطباع غ ری مجيل.«)املصدر نفس ه: 101( وبهذا يبوح مبيله إيل مطابقة اللغة مع مقتضي احلال. إنر عالمة جودة الشعر عند العقر اد هي صلة الشعر بالطبيعة مباشرة أي بدون حجاب ولو کان ذلک احلجاب تقليد ا أو نقص ا يف الطبع»ولست أري بني أجود الشعر وأردئه سوي فرق واحد جوهري وهو أنر الشعر اجليد ما مل حيلر بني قائله والطبيعة حجاب التقليد أو عوج الطبع وأنر الشعر الرديء ما ليس کذلک.«)العقاد التا: 104( يعين أنر الشعر اجلي د حبکم جوهره يرتبط بالطبيعة وثيق ا وه ذه النظرة من أبرز اخلصائص الر ت تنس ب العقر اد إيل املدرس ة الرومنطيقية وإن کانت هناک خصائص أخري أيض ا
/ 28 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش»فالطبيعة عند الشاعر الرومانتيکي معبد يأوي إليه ليستجمر.«)مندور 1988 م: 103( ولذلک يقول صاحبنا:»ولعمري کيف يکون شاعر ا من ال يذکر الزهر أو الثمر کما يذکر العابد اهلل والعاشق لياله. يذکرمها يف غضبه ورضاه وهلوه وبلواه وفرحه وبکاه ويف غيظه وهواه ويف يقظته وکراه.«)العقاد 1977 م: ج 1 28( وبعد ذلک کلر ه عمر يتحدر ث الشعر وعمر يبحث إنر»الشعر شيء يتر صل باإلنسان من حيث هو کائن حي ال من حيث ه و ابن وطن أو ابن جامعة أخري من لغة أو عقيدة...«)العقاد 1984 م: 208( فقبل کلر شيء إنر ه ظاهرة إنسانية تبحث عن شؤون إنسانية فهو فن إنس اين وعلي هذا طبيعي أن نعتقد أن»ليس الشاعر مطالبا بالقضايا العلمية و ال بالدق ة التأرخيية.«)العقاد التا: 252( لکن علينا أن ننتبه إيل أنر هذا ال يعين أنر الش اعر يس تطيع أن يهمل احلقائق بل»جيب أن ال خيالف الشاعر ظاهر احلقيقة إال ليکون کالمه أوفق لباطنها فأمر ا أن يتخبر ط يف أقاويله ميين ا ومشال ا خمالف ا ظاهر احلقيقة وباطنها مدابر ا أحکام احلس والعقل والصواب لغري غرض تس تلزمه خدمة احلقائق النفسية أو تصوير الضمائر اخلفية فذلک سخف ليس من الشعر وال من العلم.«)املصدر نفس ه: 252( فالشعر من هذه الناحية تعبري مجايل ملتزم باحلقيقة ومتر صل باإلنسان وهو»التعبري الفينر عن النفس البشرية والعقل اإلنساين إذ هو خالصة العقل والشعور والعاطفة واخليال واألفکار والصور والتجربة اإلنسانية بقيمها الش عورية والتعبريية مع ا.«)منيف موسي 1985 م: 15( من هنا يتر ضح لنا أنر الشعر عند العقر اد ليس اخلوض يف األوهام وليس أيض ا تعبري عن احلقائق املقرر رة بل هو استقصاء لباطن احلقائق أو أسرار األشياء کما يقول الرافعي ودليل آخر علي هذا االستنباط أنر ه يف موضع ينقد فيه أمحد شوقي يقول:»إنر الشاعر من يشعر جبوهر األش ياء ال من يعدر دها وحيصي أش کاهلا وألوانها وليست مزية الشاعر أن يقول عن الش يء ماذا يش به وإنم ا مزيته أن يقول ما هو ويکشف لک عن لبابه وصلة احلياة به.«)العقاد 1997 م ج 1 : 20( فالشاعر کاشف جوهر األشياء ومبني صلتها باحلياة فهو فيلسوف عظيم والشعر تعبري عن هذا الکشف وذاک التبيان إذن فالشعر أصبح»مغامرة حياول خالهلا الشاعر أن يعيد اکتشاف الوجود وأن يکسبه معين جديد ا غري معناه العادي
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 29 املبتذل ووسيلته إيل ذلک هي النفاذ إيل صميم الوجود الکتشاف تلک العالقات اخلفية احلميمة الر ت تربط بني عناصر الوجود.«)عشري زايد 1978 م: 9( إذا کان الشاعر فيلسوف ا فال بدر أن يستخدم العناصر البالغية إلفهام فلسفته وهلذا»إذا کان کد ک من التش بيه أن تذکر ش يئ ا أمحر مثر تذکر شيئني أو أشياء مثله يف االمحرار فما زدت علي أن ذکرت أربعة أو مخسة أشياء محراء بدل شيء واحد ولکن التشبيه أن تطبع يف وجدان س امعک وفکره صورة واضحة ممر ا انطبع يف ذات نفس ک. وما ابتدع التشبيه لرسم األش کال واأللوان فإنر الناس مجيع ا يرون األشکال واأللوان حمسوسة بذاتها... بقور ة الشعور وتيقر ظه وعمقه واتر س اع مداه ونفاذه إيل صميم األشياء ميتاز الشاعر علي سواه وهلذا ال لغريه کان کالمه مطرب ا مؤثر ر ا وکانت النفوس تواقة إيل مساعه واستيعابه ألنر ه يزيد احلياة حياة.«)العق اد 1997 م ج 1 : 21-20( لذلک فإنر النفاذ إيل صميم األشياء واحلديث عن جوهر الظواهر امتياز الشاعر علي غريه فإنر ه»حياکي أوجه احلياة يف عامليتها الشاملة من حيث الشکل واجلوهر واملثال.«)أرسطو 1983 م: 61( ولنتساءل هل التعبري عن باطن احلقائق خيتصر بالشعر أ ال ينبغي أن يکون للشعر ش کل بياين مييزه عن غريه يف التعبري حنن نعتقد بأنر»الشعر حيتاج إيل شکل التعبري ألنر الطبيعة الش کلية بينه وبني النثر خمتلفتان طبع ا حتي کونه مفعم ا باحلياة غري کاف ذلک أنر ه يف مقدور النثر أن يکون مفعم ا باحلياة.«)هربرت ريد 1997 م: 44( إنر العقر اد يوافقنا يف اإلجابة عن ذلک التساؤل فإنر ه يري للشعر شکال بيانيا خاصر ا يتجلر ي أکثر ما يتجلر ي يف املوس يقي يق ول:»املقصود بالفنر الکامل هو الشعر الر ذي توافرت له شروط الوزن والقافية وتقسيمات البحور واألعاريض الر ت تعرف بأوزانها وأمسائها وتطر رد قواعدها يف کلر ما ينظم من قبيلها.«)العقاد 1995 م: 22( فالعقر اد يفضر ل الش عر علي غريه من الفنون إذا کانت ش روطه الر ت تتجسر د يف الوزن والقافية متوافرة وهلذا يرف ض العقر اد أن تکون يف االلتزام بالبحور العروضية صعوبة»علي أنر خطأ الدعوة إيل االستغناء عن القافية وتعديل أوزان العروض ظاهر ملن يکلر ف نفسه قليل ا من البحث يف حقيقة الصعوبة الر ت يتومهر ونها لألوزان العربية وحيسبونها حائل ا دون الش اعر وما خيتاره من موضوعات النظم. فإنر أوزان العروض العربية علي إحکامها
/ 30 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش وإتقانها س هلة األداء قابلة للتوسر ع والتنويع إيل الغاية املطلوبة يف کلر موضوع يتناوله الشعراء.«)العقاد 1988 م: 105( م ن ناحية أخري أيض ا نس تطيع أن نثبت ضرورة الوزن والقافي ة ألنر ها»طبع ا أنر متلقر ي الشعر ال يقبلون من الشاعر أن يقول هلم ما يعرفونه بالطريقة الر ت يعرفونها إنر هم يتوقر عون منه أن يقول هلم ما يعرفونه بطريقة ال يعرفونها.«)محاسة عبد اللطيف 1990 م: 22( فالشعر من هذه الناحية تعبري غري عادي عن عامل عادر ي والطريقة اخلالبر ة الشعرية للتعب ری عمر ا هو معروف عند النر اس تتسر م بالعاطفة واإلتر زان وال صعوبة يف اختيار األوزان وتوظيفها ألنر لکلر موضوع يتناوله الشعراء وزن يناس به ومياشيه حسب ما قال ه العقر اد. من جهة أخري نلمس س هولة أداء األوزان يف أنر الوزن ظاهرة طبيعية لتصوير العاطفة فإنر العاطفة تؤدر ي باإلنسان إيل انفعال يف القلب واألنفاس ميلک النفس وإذا أردنا أن نعبر ع ن ذلک االنفعال بالکلمات فإنر نبضات القلب وتردر دات األنفاس تتس رر ب يف الکلمات ومن مثر إيل اجلمالت فتأيت ذات رنر ات نسمر يها الوزن أو املوس يقي. ولعلر هذا هو ما يردر العقاد علي الر ذي ن يدعون إيل إمهال القافية قائل ا:»والثابت من جتربة الناظرين يف تعديل األوزان منذ س تني س نة أنر إلغاء القافية کلر اإللغاء يفسد الشعر العريب وال تدعو إليه احلاجة.«)العقاد 1988 م: 107( نور د لو نش ری إيل نقطة ظريفة وطريفة وهي أنر العقر اد يرفض إلغاء القافية بأکملها وه ذا ال يعين أنر ه يلتزم أو يعتقد بالقافية الکالس يکية املتس اوية ألنر ه يقول ردر ا علي هواته ا:»إنر ين ال أبايل بعصيان أهل القوايف کلر املباالة.«)العقاد 1984 م: 512( فکلر ما يطلبه أن تقرتن التجربة الشعورية بالوزن والقافية. إنر العقر اد يري الوحدة املوضوعية ومن مثر الوحدة العضوية للشعر ضرورية ألنر ه ينظر إيل القصيدة ککائن حي. ف»القصيدة الشعرية کاجلسم احلي يقوم کلر قسم منها مقام جهاز من أجهزته وال يغين عنه غريه يف موضعه إال کما تغين األذن عن العني أو القدم عن الکفر أو القلب عن املعدة.«)العقاد 1997 م ج 2 : 130( وإذا کانت القصيدة من البداية إيل النهاية تتمحور حول موضوع واحد وإذا کان لکلر موضوع وغاية وزن يسري فيهما فهذا يعين أنر العقر اد يعتقد بوحدة الوزن يف القصيدة وإن مل يعتقد بوحدة القافية.
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 31 س بق أن أشار العقر اد إيل أمهية طريقة التعبري وموضوعه مبعين أنر الشعر ال ميکن أن يتحقر ق بالعنصر التخييل ي وحده کما ال ميکن أن يتحقر ق بعنص ر الوزن والقافية فقط وکما ال تؤدر ي الفک رة املجردة املنظومة إيل أن يصري الکالم ش عر ا فال بدر من تعانق هذه العناصر کلر ها يف التعبري الشعري علي حدر قوله إذن ف»اإليقاع املقسم والقافية ليس ا مها کلر ما مييز طبيعة الشعر فهناک ما هو أعمق هناک الروح الشعرية.«)قطب 2003 م: 63(»فالشرطان اللذر ان جيب توافرمها يف الشعر مها الوزن والقافية واالتر صال بالشعور "اإلنساين" فإذا وجدت نوع ا من األدب جيمعهما کان شعر ا أمر ا إذا وجدت الشرط األور ل دون الثاين فنظم ال شعر وإذا وجدت الثاين دون األور ل فنثر شعري وهو الر ذي کان يکون شعر ا لو ال أنر ه فقد الوزن.«)أمني 1963 م: 64( إنر العقر اد يري وجود املس تلزمات الش عرية للشاعر العريب س هلة وواجبة ألنر»اللغة العربية تنفرد بسمة الشاعرية ألنر ها مجعت بني أبواب االشتقاق وأوزان العروض وحرکات اإلعراب.«)العقاد 1995 م: 21( فإنر الشاعر العريب ينش د موزون ا علي أساس فطرة لغته فهي لغة حية قادرة علي اإلحياء والتصوير ألنر ها شاعرة. وکان العقر اد حامس ا يف الدفاع عن مراعاة الرتاکيب الفصحي الصحيحة يف الشعر حبيث»أخذ علي جبان يف قصي دة املواکب کثرة األخطاء اللغوية وضعف الرتاکيب واستهجن منه أن يکون جاهل ا بلغته.«)هدر ارة 1994 م: 346( ولکن هناک فرق بني اللغة الش اعرة بذاتها والتعبري الشعري املوسيقي ألنر الناس العاديني يس تخدمون اللغة أيض ا وليست تعابريهم شاعرة وال ش عرية فريي العقر اد أنر مصدر موس يقية الکالم هو الطبيعة فيقول:»إنر التعبري املوس يقي عنصر من عناصر الطبيعة... الطري املغرر د هو الشعر کلر ه... فإذا مل يشعر الشاعر بتغريد الطري علي اختالفه فبماذا عس اه أن يشعر ألنر الطري هو حجر ة الطبيعة لشعر اإلنسان وغناء اإلنسان.«)العقاد التا: 6-5( ومن هنا تتر ضح لنا مرة أخري أمهية الطبيعة )وهي خلقة اهلل سبحانه و تعايل( يف ش اعرية النفس اإلنس انية فبعد أن کان الشعر مقتبسا من نفس الرمحان جييء دور الطبيعة کي يثري جيشان هذه النفس بطريه ألنر الطري حسب ما نري يعطي الکالم شعريته وکما هو الطلق يف السماء واملغرر د من فوق علي من دونه فالشاعر عليه
/ 32 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش أن حيلر ق يف السماء طلق ا دون أن يتقيد يقيود األرض فالشاعر کالطري حيلر ق يف مساء من املعاين واألحاسيس حرر ا ألنر»الشعر هو احلرية بذاتها.«)أمني 1963 م: 65( فينفر س عمر ا خيتلج بداخله بصورة تغريدية أي موس يقية فيخلب القلوب ويوحي إليها. إذن فإنر مجال الکالم الشعري وموسيقاه مقتبس من طبيعة الطبيعة ومن طبيعة النفس ومن طبيعة اللغة کلر ها. وإذا کان الشعر حرار طليق ا فليس يتحدر د يف أطر موضوعية بعينها ألنر ه کما يقول العقر اد: الشعر باب احلياة عندي ال مهريب من حياة جدر ي )العقاد 1997 م: 86( فالشعر باب احلياة ويف الوقت نفس ه هو يتر صل باإلنسان والنتيجة أنر الشعر باب احلياة اإلنس انية الر ت هي غري متناهية إذن»فإنر أبواب الشعر هي أبواب احلياة علي اتر ساعها فمن دلر علي حياة شاعرة يف نظمه فهو شاعر ومن مل يدلر علي ذلک فما هو بشاعر ولو نظم يف مجيع األبواب.«)العقاد 1984 م: 461( يعين»أنر الشعر ال حيدر ده املوضوع الر ذي يقال فيه ولکن حتدر ده درجة الشعور بهذا املوضوع وطريقة التعبري عن هذا الش عور.«)قطب 1983 م: 89( وهلذا حتي الطبيعة الر ت کانت حجة علي الشعر ال تکفي موضوع ا له ألنر ه قبل ذلک يتر صل باإلنسان وجتربته الشعورية ف»ليست الرياض وحدها وال البحار والکواکب هي موضوعات الشعر الصاحلة لتنبيه القرحية واستجاشة اخليال... کلر ما خنلع عليه من إحساسنا ونفيض عليه من خيالنا ونتخلر له بوعينا ونبثر فيه هواجسنا وأحالمنا وخماوفنا هو شعر وموضوع للشعر ألنر ه حياة وموضوع للحياة.«)العقاد 1997 م: 4( ألنر ه»الغناء املطلق مبا يف النفس من مشاعر وأحاسيس وانفعاالت حني ترتفع هذه املشاعر واألحاسيس عن احلياة العادية وحني تصل هذه االنفعاالت إيل درجة التوهر ج واإلش راق أو الرفرفة واالنس ياب.«)قطب 2003 م: 65( فال جيدر للشاعر أيض ا أن حيدر د نفس ه مبوضوع أو مطلب ألنر إبداعه وهو الشعر ال يتقيد بقيد موضوعي»فالشاعر ال ينبغي أن يتقيد إالر مبطلب واحد يطوي فيه مجيع املطالب وهو "التعبري اجلميل عن الشعور الصادق".«)العقاد 1996 م: 288( إنر الشعر هو احلياة أو بعبارة أفضل هو تعبري مجيل عن شعور صادق جتاه احلياة
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 33 لذاک»إنر من أراد أن حيصر الشعر يف تعريف حمدر د لکمن يريد أن حيصر احلياة نفسها يف تعريف حمدر د.«)املصدر نفس ه: 288( وهذا التعريف أيض ا من خصائص الرومانسية و»يتر فق الرومنطيقيون الغربيون مع الرومانطيقيني العرب يف ربط األدب باحلياة مثلما عبر عن ذلک دوستايوس کي قائل ا: الشعر و احلياة شيء واحد.«)الفرفوري 1988 م: 121( فکلر من يعرر ف الشعر يبني جانب ا من جوانبه وال حيدر ده أو بعبارة أفضل ال يقدر أن حي در ده ألنر ه احلياة وألنر ه»أخ ذ احلياة بکلر جنباتها وجوانبها فإنر ه ليس ميدان ا تتدافع فيه قواعد املنطق وأصوله.«)منيف موسي 1985 م: 16( يري الف نر کاحلياة حي اة ويري للحي اة فنر ا و ش عرا ضلر من يفضل احلياتني جهال واهتدي من حوي احلياتني طرر ا )العقاد التا: 91( فاملهتدي هو الر ذي ميزج بني الشعر واحلياة ألنر احلياة هو الشعر والشعر هو احلياة وکلر هذه تعابري رومانسية وألنر»الشعر يعمر ق احلياة فيجعل ساعة من العمر ساعات... فإذا قلنا لک: أحبب الشعر فکأنر نا نقول: لک ع ش وإذا قلنا: إنر أمر ة أخذت تطرب للشعر فکأنر نا نقول: إنر ها أخذت تطرب للحياة.«)العقاد 1996 م: 287( فإذا کان الشعر هو احلياة أو تعبري عنه ومتر صل بقضية اإلنسان أو کما يقول سيد قط ب:»تعبري عن اللحظات األقوي واألمأل بالطاقة الش عورية يف احلياة.«)قطب 2003 م: 64( فال خيتصر بعصر وال يتحدر د مبصر و اليتعني مبواصفات البيئة االجتماعية کما مل يتقيد مبواضيع معينة إذن فإنر»متثيل البيئة ليس من شرائط الشاعرية ألنر البيئة اجلاهلة املقلر دة ميثر لها الشعراء اجلاهلون املقلر دون وألنر الشاعر املتفور ق قد خيالف بيئته.«)العقاد 1984 م: 210( وبهذا يردر العقر اد علي الر ذين يرون عصرنة الشعر يف احلديث عن احلوادث االجتماعية اليومية أو وصف املخرتعات أو ما شابه ذلک فيقول:»ا طلب من الشعر أن يکون عنوان ا للنفس الصحيحة مثر ال يعنيک بعدها موضوعه وال منفعته وال تتر همه بالتهاون إذا مل حيدر ثک عن االجتماعيات واحلماسيات واحلوادث الر ت تلهج بها األلسنة والصيحات الر ت تهتف بها اجلماهري.«)املصدر نفسه: 208(»فاملعاصرة عنده تعين متثيل روح العصر«)هدر ارة 1994 م: 343 /بتصرر ف(
/ 34 فصلية إضاءات نقدية السنة ۳ العدد 10 صیف 139۲ ش ولکن ما هو الر ذي يعطي للشعر حيويته أو بعبارة أخري ما هي بواعث الشعر يقول العقر اد:»وما بواعثه إالا حماسن الطبيعة وخماوفها وخواجل النفس وأمانيها وإذا حکمنا بانقضاء هذه البواعث فکأنم ا حکمنا بانقضاء اإلنسان وليس من العجب أن يول د يف الدني ا أناس ال يهتزر ون للشعر وه ي مکتظة مبن ال يهتزر ون للحياة نفسها.«)العقاد 1996 م: 288( فمبعث الشعر هو الطبيعة والنفس إذن فکلر ش يء يف احلياة ميکن أن يکون باعث ا للشعر وبالنسبة للطبيعة فقد حتدر ثنا آنف ا أمر ا بالنسبة للنفس فنقول: إنر العقر اد من أصحاب الشعر الغنايي أو الوجداين کما کان الرافعي کذلک فالشعر واحلالة هذه هو وس يلة للتعبري عن الذات فبالتايل نس تطيع أن نقول: إنر لکلر شاعر قضاياه اخلاصر ة املرتبطة بذاتيته. وإذا کان الشعر متعلر ق ا بالنفس من جانب ومرهون ا بالطبيعة من جانب آخر فيمکننا القول بأنر»عامل الشعر نسخة خصوصية جدر ا ونسبية أيض ا من عامل اإلنسان.«)شلش 1980 م: 8( إذا کان الش عر حي اة فطبيعي أن يقول العقر اد:»إنر الشاعر الکبري هو من يشعر جبوانب احلياة فتس تخرج من شعره صورة جامعة لکلر ش يء فيها وفلسفة أو نظرة خاصر ة إيل العامل کما يدرکه هو ويراه.«)العقاد 1984 م: 461-460( فالشاعر عنده ه و الر ذي ميل ک العاطفة واحلکمة جتاه احلياة يف آن واحد وکأنر ه ينظر إيل الشاعر باعتباره صاحب رسالة يف احلياة وينظر إيل الشعر کوس يلة ح رر ة للتعبري عن هذه الرسالة وبيانها ونقلها. وإذا کانت فلسفة الشاعر مرتبطة باإلنسان والعامل فالشاعر هو اإلنسان الکوين والشعر هو ظاهرة کونية و»وسيلة للوصول باحلياة إيل حال من الکمال ميکر ن اإلنسان من جتاوز مستويات الضرورة.«)عصفور 1995 م: 228 /بتصرر ف( أمر ا بالنس بة لقضية اللفظ واملعين فالعقر اد قد يفضر ل املعين عل ي اللفظ فإنر ه يقول:»تتعلر ق أشعار املقلر دي ن باحلروف واأللفاظ ال باحلقائق واملعاين.«)العقاد 1997 م ج 1 : 44( ويقول يف موضع آخر:»إنر نا نقدر الکتاب مبا يوحيه ال مبا تدلر عليه حروفه.«)العقاد التا: 255( ويف موضع آخر يقول واصف ا الوح دة العضوية:»مت طلبت هذه الوحدة املعنوية يف الشعر فلم جتدها فاعلم أنر ه ألف اظ ال تنطوي علي خاطر مطر رد أو شعور کامل احلياة«)العقاد 1997 م ج 1 : 21( نعم إنر العقر اد يهتمر باملعين أکثر منه
مفهوم الشعر عند الرافعي والعقاد / 35 باللف ظ ولکن هذا ال يؤدر ي إيل أن حنکم حکما صارم ا علی أنر ه من هواة املعين دون اللفظ ألنر ه يصرر ح باعتقاده عن الصلة الوطيدة القائمة بينهما مدافع ا عن الوزن فيقول:»إنم ا الشعر تفاعل کامل بني اللفظ واملعين وقاعدة القواعد الفنية يف وزن أو نظام مقدر ر. وکلر بيت يف الشعر املطبوع آي ة علي صدق هذا التفاعل التامر بني األلفاظ واملعاين واألوزان وآية علي لزوم الوزن کلزوم لفظ الشعر ومعناه.«)العقاد 1969 م: 310( والعبارة أوضح من أن حتتاج تعليق ا. أمر ا اآلن وبع د أن عرفنا مفهوم الشعر جبوانبه املختلفة عند العقر اد فنبحث عن املعيار يف التمييز بني جيد الشعر ورديئه عنده»إنر احملک الر ذي ال خيطئ يف نقد الشعر ه و إرجاعه إيل مصدره فإن کان ال يرجع إيل مصدر أعمق من احلواس فذلک شعر القشور والطالء وإن کنت تلمح وراء احلسر شعور ا حي ا ووجدان ا تعود إليه احملسوسات کما تعود األغذية إيل الدم ونفحات الزهر إيل عنصر العطر فذلک شعر الطبع القوي واحلقيقة اجلوهرية.«)العقاد 1997 م ج 1 : 28( بناء علي ما ذ کر فمعيار الشعر عن د العقر اد هو مصدره وغايته نعين النفس أو الذات فالشعر ينبثق من النفس ليؤثر ر عليها فح ک م ه أيض ا النفس ولعلر هذا عودة إيل نظرية النقد الذوقي أو الفطري فريي القارئ أو املتلقر ي هل الشعر نفذ إيل باطنه أو بقي علي مسعه ولسانه إن کان نافذ ا إيل س ويداء القلب وأعماق النفس فهذا هو الشعر احلق الصحيح عند صاحبنا إذن»ينبغي أن ننظر إيل الشعر علي ما يثري يف نفوسنا من أحاسيس وما يرسم خليالنا من صور وما يطلق لنا من أعيان الفکر احملسوسة احملدودة ويصلنا بصور اإلنس انية وباحلياة املکنونة.«)قطب 1983 م: 50( وحتقيق هذا األمر حيتاج إيل التعاطف بني الشاعر و املتلقر ي وحتقيق التعاطف يعود إيل مقدرة الشاعر يف خلق اجلمال بالکلمات املوحية الصادقة وإنر هذه الغاية ليس ينش دها الشاعر فقط بل إنر ها بغية املتلقر ي أيض ا»فليس همر الناس من القصيد أن يتسابقوا يف أشواط البصر والس مع وإنم ا مهر هم أن يتعاطفوا ويودع أحس هم وأطبع هم يف نفس إخوانه زبدة ما رآه ومسعه وخالصة ما استطابه أو کرهه.«)العقاد 1997 م ج 1 : 20( إنر التعاطف مع قارئ الشعر حيصل عب احلديث عن النفس ألنر»قوام األدب منذ