تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو إعادة فتح امللف اإليراني حممد صفار
مكتبة اإلسكندرية بيانات الفهرسة- أثناء - النرش )فان( صفار محمد. تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو : إعادة فتح الملف اإليراني / محمد صفار. اإلسكندرية مصر : مكتبة اإلسكندرية 2017. ص. سم يشتمل على إرجاعات ببليوجرافية. تدمك 978-977-452-398-5 1. فوكو ميشيل 1984-1926. 2. السلطة االجتماعية.. 3 الفلسفة الفرنسية. أ. مكتبة اإلسكندرية. ب. العنوان. ديوي 303.33 2016827074 ISBN: 978-977-452-398-5 رقم اإليداع: 2016 23496/ 2017 مكتبة اإلسكندرية االستغالل غير التجاري تم إنتاج المعلومات الواردة في هذا الكتاب لالستخدام الشخصي والمنفعة العامة ألغراض غير تجارية ويمكن إعادة إصدارها كلها أو جزء منها أو بأية طريقة أخرى دون أي مقابل ودون تصاريح أخرى من مكتبة اإلسكندرية. وإنما نطلب اآلتي فقط: يجب على المستغلين مراعاة الدقة في إعادة إصدار المصنفات. اإلشارة إلى مكتبة اإلسكندرية بصفتها»مصدر«تلك المصنفات. ال يعتبر المصنف الناتج عن إعادة اإلصدار نسخة رسمية من المواد األصلية ويجب أال ينسب إلى مكتبة اإلسكندرية وأال يشار إلى أنه تم بدعم منها. االستغالل التجاري يحظر إنتاج نسخ متعددة من المواد الواردة في هذا الكتاب كله أو جزء منه بغرض التوزيع أو االستغالل التجاري إال بموجب إذن كتابي من مكتبة اإلسكندرية. وللحصول على إذن إلعادة إنتاج المواد الواردة في هذا الكتاب يرجى االتصال بمكتبة اإلسكندرية ص.ب. 138 الشاطبي 21526 اإلسكندرية مصر البريد اإللكتروين: secretariat@bibalex.org اآلراء الواردة في هذا الكتاب تعبر عن رأي الكاتب فقط وال تعبر عن رأي مكتبة اإلسكندرية.
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو إعادة فتح امللف اإليراني حممد صفار* *دكتور انلظرية السياسية بكلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة
مكتبة اإلسكندرية مركز ادلراسات اإلسرتاتيجية رئيس جملس اإلدارة مصطىف الفيق رئيس اتلحرير خادل عزب مدير اتلحرير سامح فوزي سكرتارية اتلحرير أمنية اجلميل املراجعة اللغوية رانيا يونس مروة اعدل اتلصميم واإلخراج الفين ريم نعمان
الفهرس 7 اتلصدير 9 املقدمة 13 الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد 47 الفصل اثلاين: حتليل فوكو ألسايلب اتلحكم والسيطرة 101 الفصل اثلالث: ادلولة يف اتلحليل السيايس لفوكو 121 الفصل الرابع: إاعدة فتح امللف اإليراين 183 الفصل اخلامس: إاعدة بناء مفهوم فوكو للقوة 227 اخلاتمة 233 املراجع
الت صدير أاود يف البداية اأن أا ستميحك عذر ا أايها القارئ عما ستجده يف هذا الكتاب واأنا ال اأعلم فيما قراأت م ؤلف ا ا ستقال من م سئوليته كم ؤلف قبل صدور عمله مثلما اأفعل االآن. فلقد بداأت كتابة هذا العمل الذي بني يديك منذ ما يقرب من ع رشين عام ا عندما كنت اأحت س س بداية طريق البحث والدرا سة يف جمال التخ ص ص وما زلت أاذكر رهبة البداية وم شقتها واملحاوالت العديدة ال ساذجة لل رشوع فيها سواء يف داخل م رص اأو خارجها. وبعد ذلك تقلبت يف البلدان وت قل بت على رصوف للدهر شتى فاإذا ضمري املتكلم الذي يظهر من بني سطور الكتاب يدل على شخ ص اآخر ال اأكاد اأتبينه بل ال اأعرفه. و شتان بني ضمري املتكلم الذي يخاطبك يف هذا الت صدير أايها القارئ و ضمري املتكلم يف منت هذا الكتاب فاإذا االأول املتقدم يف ترتيب الزمان فقط وقد ملأه احلما س وا أالمل يندفع فيما يقول ويجزم أاو يكاد - رغم قلة ب ضاعته العلمية - اأنه حاز العلم اأو العلم كله ويدبج ال سطور بلهجة شديدة الثقة وهو لقلة ورعه العلمي غزير الكتابة سيال القلم. اأما االآخر املتاأخر زمان ا فبعد اأن مرت به خطوب وخطوب اأجده قد فرت حما سه وبردت م شاعره وهداأت اآماله وهو يبحث عن اندفاعته االأوىل فل يكاد يجدها ولفرط ورعه العلمي ي ستحي من الكتابة فهو يت أانى ويتمهل رمبا باأكرث من اللزم. ورغم اأن االأول ال يعرف االآخر واأن ى له هذا! اإذ هو ينتمي إاىل زمن م ضى وما كان ملا م ضى أان ي ست رشف ما سيقبل فاإن االآخر هو ا آالخر ال يعرف االأول اأو لنقل ال يتذكره اأو حتى ال يرغب يف تذكره إانه خجل منه ومن اندفاعه ومن ثقته املفرطة أا شد اخلجل. لكن صاحبينا سيلتقيان
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو اأمامك اأيها القارئ بني دفتي هذا الكتاب لي س فقط الأن أاحدهما سيكتب الت صدير للمنت الذي كتبه االآخر بل اأي ض ا أالن االآخر أاو االأخري سيرتجم ما كتبه االأول منذ قرابة عقدين. ولن ت ستطيع اأن تعلم أايها القارئ كم منع املرتجم نف سه من أان يروغ باليمني وال شمال يف ن ص امل ؤلف واإن كان قد اأخفق يف أان يكبح جماح نف سه عن ذلك يف العديد من االأحيان. ورغم ذلك فوجهه يحمر خجل مما ال حمالة سين سب اإليه واإن كان يعتقد يف قرارة نف سه اأنه ينت سب اإىل اآخر ال يعرفه بل رمبا ي ستحي من معرفته. 8
املقدمة تعترب النظرية ال سيا سية هي املرتكز لعلم ال سيا سة وهي كعلم مظلة اإمنا ت صدر تقاليدها واقرتاباتها ومفاهيمها واأدواتها لبقية فروع علم ال سيا سة. وميكن تعريف النظرية ال سيا سية باأنها الطريقة التي يتم من خللها اإدراك الوجود ال سيا سي وترجمته اإىل م صطلحات دالة عليه اأي حتويله اإىل مفاهيم. ووفق ا لذلك تعد القوة مفهوم ا مركزي ا بالن سبة للنظرية ال سيا سية للدرجة التي معها مت تعريف النظرية ال سيا سية خطاأ باأنها نظرية القوة. ويف الواقع كان هناك ت صور واحد للقوة هو الذي سيطر على النظرية ال سيا سية والتحليل ال سيا سي. لقد احتكر الت صور القانوين - القمعي للقوة النظرية ال سيا سية ونتيجة لذلك وقع التحليل ال سيا سي يف زالت ثلث: املارك سية حيث القوة هي البنية الفوقية لعلقات وو سائل االإنتاج ووظيفتها الوحيدة هي احلفاظ بالقهر على منط االإنتاج ال سائد والبنيوية الوظيفية حيث القوة جمرد ميكانيزم قمعي يقوم بدور وظيفي للحفاظ على بقاء وعمل النظام القائم والنخبوية حيث القوة هي جمرد أاداة يف يد النخبة احلاكمة ال ستمرار حكمها وللحفاظ على مركزيتها بني كافة النخب امل ضادة. يف تلك احلاالت ال سابقة كان هناك ت صور للقوة ي صورها على اأنها دائم ا ما ت ستخدم القوة املادية ودائم ا ما تقول ال من خلل الت رشيعات ودائم ا ما تفتقر اإىل االإبداع اإال يف تقنيات ومهارات القمع والتعذيب. ولهذا مل ت ستطع تلك احلاالت اأن تفهم أاو تف رس طبيعة امل ؤ س سات احلديثة الأنها تبد أا من املو ضع اخلطاأ أاو ت سري يف االجتاه اخلط أا.
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو ويف هذا العمل سوف اأجادل ب أان مي شيل فوكو يقدم ت صور ا مفاهيمي ا ي سلط ال ضوء على القوة و سيخل ص النظرية ال سيا سية والتحليل ال سيا سي من مثالب الت صور القانوين - القمعي للقوة. وميكن تق سيم هذا الفر ض الرئي سي اإىل ثلثة فرو ض فرعية. أاولها أان ت صور فوكو للقوة كان نتاج ا مل سلماته النظرية والفل سفية التي تت سم بالعداء للمذهب االإن ساين. ثانيها اأن فوكو قدم ت صور ا خلق ا لعلقات القوة بحيث ال ميكن اختزالها اإىل علقات االإنتاج. ثالثها أان ت صوره للقوة جرى اإدخال تعديلت وا ضحة عليه بعد معاي شته وحتليله للثورة االإيرانية مبا اأدى اإىل فتح ثغرة للمقاومة يف هذا الت صور عن طريق ا ستيعاب العامل الروحاين. و سوف اأقوم بتناول اأعمال فوكو ذاتها كخطاب يتمتع ب سياقه واإ شكاالته ومفاهيمه ومو ضوعاته و إا سرتاتيجياته ساأ شري لها االآن يف عجالة. ميكن للقارئ أان يتعرف على عنا رص ثلثة للخطاب الفوكويل هي: تكنيكات القوة وتكنيكات املعرفة وتكنيكات الذات وهي ال تعدو اأن تكون سبل خمتلفة تقود اإىل االإ شكالية الكربى التي تخرتق ن سيج اخلطاب الفوكويل اأال وهي جينالوجية الذات احلديثة. واملو ضوع الرئي سي للخطاب هو البنية سواء جت سدت يف شكل بنى معرفية اأو ترتيبات للقوة. وبا ستطاعة املرء أان يتعرف على عمارة من املفاهيم الداعمة بع ضها بع ض ا يف ذلك اخلطاب مثل القوة واملعرفة واللذة والعقل واخلطاب. ولعل االإ سرتاتيجية التي يطبقها اخلطاب لربط عنا رصه هي مركب االأركيولوجيا - اجلينالوجيا الذي يعدل ذاته با ستمرار. واإنني عن طريق ت سكني مفهوم القوة لفوكو يف اخلطاب الفوكويل وعن طريق و ضع ذلك اخلطاب يف سياقه الفل سفي النظري اأكون قد قمت بتفكيكه. 10
املقدمة ومن اأجل ذلك سينق سم هذا العمل اإىل خم سة ف صول سيتناول الف صل االأول ال سياق النظري للخطاب الفوكويل وكذلك مكوناته التي جرى االإملاح لها. و سريكز الف صل الثاين على حتليلت فوكو لتكنيكات القوة. اأما الف صل الثالث ف سوف يحاول االإ شارة اإىل مو ضع الدولة يف التحليل ال سيا سي لفوكو. بينما يك شف الف صل الرابع عن حتليل فوكو للحدث الثوري االإيراين والدور الذي لعبه العامل الروحاين يف املقاومة. واأخري ا ي سعى الف صل اخلام س الإعادة بناء عنا رص مفهوم القوة الفوكويل مع مقارنته باثنني من مفكري القوة هما أانطونيو جرام شي ولوي س األتو سري. 11
الفصل األول خطاب فوكو: ال سياق والأبعاد
اأول : ساأحاول ت سكني خطاب فوكو يف سياقه الفل سفي الذي يتك شف يف االإجابة التي قدمها كانط عن س ؤال: )ما التنوير ( ف إاذا اتخذنا اإجابة كانط كنقطة بداية ن ستطيع منها اأن مند خطني أاولهما باجتاه نيت شه وثانيهما باجتاه هابرما س اللذين سلكا طريقني خمتلفني يف ا إالجابة عن ذات ال س ؤال. و سوف ي شكل هذا املثلث ال سياق النظري خلطاب مي شيل فوكو. يف عام 1784 كتب اإميانويل كانط مقاال للرد على ال س ؤال الذي طرحته الدورية ال شهرية لربلني Monatsschrift( )Berlinische )ما التنوير ( ويف ذلك املقال عرف كانط التنوير باعتباره:»خروج ا إالن سان من حالة عدم الن ضج التي فر ضها على ذاته )اأي( عدم القدرة على ا ستخدام عقله دون اإر شاد وتوجيه من االآخرين... لذلك ف شعار التنوير سي صري: فلتكن لديك ال شجاعة ال ستخدام عقلك«))). ويجادل كانط باأنه ستكون هناك فر ص اأكرب لتنوير اجلمهور باأكمله يف حالة احلرية حينما تقوم القلة التي تفكر بذاتها بتحرير نف سها من حالة عدم الن ضج وبن رش روح االحرتام العقلين ملهمة التفكري كفر ض عني. ويعترب كانط اأن التقدم باجتاه التنوير ميكن اأن يتحقق حينما تكفل احلرية لل ستخدام العام للعقل وذلك حينما Immanuel Kant, What Is Enlightenment?, in The Politics of Truth, edited by ((( Sylvère Lotringer and Lysa Hochroth, Semiotext(e) Foreign Agents Series (New York: Semiotext(e), 1997): 101-134.
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو يقوم املرء با ستخدام عقله يف خماطبة جمهور القراء باأكمله. ويف مقابل ذلك يجوز تقييد اال ستخدام اخلا ص للعقل دون اإعاقة ال سري نحو التنوير وذلك حينما يقوم املرء با ستخدام عقله اأثناء عمله يف وظيفة جمتمعية حمددة كاأن يكون ضابط ا يف اجلي ش أاو ق سي س ا يف كني سة اأو حم سل لل رضائب. ويقوم هذا الف صل بني العام واخلا ص يف ا ستخدام العقل على»اتفاق م صطنع«يق ضي مبنح ذلك الفرد الذي يعترب نف سه ع ضو ا يف الكومنولث اأو حتى يف املجتمع العاملي ومن ثم يعد دار س ا يقوم باخلطاب اإىل اجلمهور احلق يف أان يفكر ويجادل دون االإ رضار ب شئون املجتمع الذي ينتمي إاليه. ويف مقابل ذلك فاإنه يتعني على هذا الفرد ذاته اأن يتحلى بالطاعة وين صاع للأوامر باعتباره جزء ا من آالة احلكم. ومييز كانط بني هذا االتفاق والق سم الذي ت أاخذه جمموعة من رجال الدين على نف سها باحرتام معتقدات ثابتة ال تتغري اإذ يدين كانط هذا الق سم الأنه ي صد عن سبيل التنوير من خلل فر ض و صاية دائمة على تلك املجموعة من رجال الدين وبو صايتهم على ال شعب باأكمله. ومن هنا ي ؤكد اأنه يحق للأجيال القادمة اأن ت صف هذا االتفاق باعتباره عمل اإجرامي ا الأنه ي صادر على مرحلة كاملة من مراحل التقدم االإن ساين ويجعلها عقيمة بالن سبة للأجيال القادمة ))). اأما حينما تنمو جرثومة احلرية التي تتغذى عليها الطبيعية االإن سانية وتطبع اآثارها على عقول النا س الذين سيجنحون اأكرث اإىل الت رصف بحرية ف سوف تتاأثر حتم ا بذلك اأ صول احلكم ودعائم ال سلطة التي ستجد من م صلحتها اأن تعامل االإن سان على اأ سا س كرامته ولي س باعتباره اآلة ))). 16 Ibid.: 12-13. ((( Ibid.: 18-19. (((
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد يف خطاب ق صري اأر سله فريدريك نيت شه الأخته اأعلن الفيل سوف االأملاين االرتداد عن عقيدته وقد ذكر لها مت سائل :»لو اأننا اآمنا منذ ال صغر اأن اخلل ص سياأتي من شخ ص اآخر غري ي سوع كمحمد مثل اأمل نكن سن شعر بنف س ال سكينة اإنها العقيدة التي جتعلنا ن شعر باالرتياح ولي ست احلقيقة املو ضوعية التي تقف وراءها فالدين ال يقدم اأبد ا اأقل برهان على الواقع املو ضوعي ))). لي س هناك من شك يف اأن خربة نيت شه اتخذت كافتتاحية لها التحرر من نري العقيدة الدينية اجلامدة مثلما لدى كانط بيد أانها حظيت بفاجعة املوت مثلما يف الرتاجيديا اليونانية. اأم يكن اأمر ا مثري ا للده شة والعجب بالن سبة لنيت شه أان الرجل العجوز مل ي سمع بعد اأن»االإله قد مات«))). مل ينجم عن وفاة االإله التي احتفل بها نيت شه أاي شكل من اأ شكال الدوجماتية بل قاده ذلك اإىل»الولوج يف بحر ال شك دون مر شد أاو حتى بو صلة«))). وقد عني ذلك أان نيت شه تقم ص دور»حمطم االأوثان«الذي سي أاخذ على عاتقه أان ي شن حرب ا بل هوادة ل سحق كافة ا آاللهة امل صطنعة وا أالبطال الزائفة التي ستقوم من مرقد االإله امليت ساعية مللء الفراغ الناجم عن وفاته. اأطلق نيت شه ما يف جعبته من سهام النقد على االأ شكال R.J. Hollingdale, Nietzsche: The Man and His Philosophy (London: Routledge and ((( Kegan Paul, 1965): 39. Friedrich Wilhelm Nietzsche, Thus Spoke Zarathustra, in The Portable Nietzsche, ((( edited and translated by Walter Kaufmann (New York: Penguin Books, 1982): 129. Hollingdale, Nietzsche: 30. ((( 17
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو املختلفة لعبادة البطل التي أادانها باعتبارها ردة اإىل عبادة االإله وانعكا س ا لتقدي س امللوك واالأمراء. ويف ذات الوقت كان يلوح على أافق امل رشوع الفكري لنيت شه ذلك ال سعي الدوؤوب لت أا سي س شهوة للمجد وعاطفة حياله يف ذلك العامل الذي مت تطهريه من ا آاللهة ))). مل يكن من الغريب اإذن اأن يعلن نيت شه اأن»ا إالن سان لي س سوى شيء يتحتم جتاوزه«ويت ساءل:»لقد خلقت كافة الكائنات حتى ا آالن ما هو اأبعد من ذاتها اأتريدون أان تكون كاجلزر )يف البحر( واأن تعودوا اإىل التوح ش ماذا كان القرد بالن سبة للإن سان االأعلى«))). وهكذا سيخرج من الرماد املحرتق للإله امليت بطل نيت شه: ا إالن سان االأعلى فلم يكن االإن سان سوى حبل بني الوح ش وا إالن سان االأعلى معرب ولي س غاية هو جمرد افتتاحية يف مقطوعة مو سيقية اإذ اإنه سيعي ش من اأجل اأال ميتد به العمر ))). فاالإن سان ا أالعلى هو»املنت رص على ذاته و أامري حوا سه و سيد حوا سه اإنه لن يلد نف سه بل سيلد شيئ ا اأعلى«))) لي س هدف البطل عند نيت شه سوى اأن يجعل من نف سه عمل فني ا أاو م رشوع ا جمالي ا عرب خو ض غمار معركة ضارية ضد نف سه يف عامله الباطني. و ست صبح البطولة عند نيت شه اإذن جنوح االإن سان الذي ي صارع من اأجل الو صول اإىل غاية إانها لي ست سوى إارادة تدمري الذات اإذ إان التدمري واخللق ال ينف سلن يف ديناميات جتاوز Leslie Paul Thiele, The Agony of Politics: The Nietzschean Roots of Foucault s ((( Thought, American Political Science Review 84, No. 3 (September 1990): 907-925. Nietzsche, Thus Spoke Zarathustra : 124. ((( Ibid.: 126-127. ((( Ibid.: 181. ((( 18
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد الذات. اإن االإن سان االأعلى هو فان ي سعى اإىل اخللود و إان سان يرغب يف اأن ي صبح إاله ا. وال شك اأن املفارقة بني تلك الغاية ال سماوية والو سائل االأر ضية ستقوده اإىل م صريه املفجع ))). دعت مدر سة فرانكفورت اإىل تعميق مفهوم نقد العقل لدى كانط من خلل اقتفاء اأثر ا أال صول االجتماعية والثقافية للعقل. ففي الكتاب العمدة )ديالكتيك التنوير( يجادل رائدا هذه املدر سة تيودور اإدورنو وماك س هو ركامير أان العقل انقلب اإىل نقي ضه واأنتج اأ شكاال عقلنية جديدة لل سيطرة االجتماعية. فقد قام مركب العقلنية االأداتية والراأ سمالية بتوظيف أامناط من االت صال اجلماهريي وجهاز بريوقراطي عقلين للدولة وكذلك العلم والتكنولوجيا وهو ما من ساأنه اأن يقود إاىل»نهاية الفرد«. وهكذا صار العقل التنويري شمولي ا و صف ى كافة البدائل وو ضع احتكار ا على احلقيقة وال صواب. ومن ثم انقلبت عقلنية التنوير اإىل ال عقلنية وخداع حيث حتولت احلرية والتقدم ك أا ساطري م شتبكة بالتنوير اإىل سيطرة ورجعية اأعادت اإنتاج منط الطاعة العمياء وعبادة القوة الذي كان ين سب من قبل إاىل الدين ))). على اأن اإدورنو وهو ركامير مل يطيحا بالعقل اأو يرف ضاه كلية باعتباره وهم ا اأيديولوجي ا واإمنا انتقدا التبجيل الزائد عن احلد والتقدي س للعقل وطالبا باإعادة تاأ سي س ذاتية نقدية تت سم بالتفكر يف الذات ))). Ibid.: 13-14. ((( Steven Best and Douglas Kellner, Postmodern Theory: Critical Interrogations ((( (London: Macmillan, 1991): 218-219. Ibid.: 232-233. ((( 19
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو وا ستكماال لهذا اخلط حاول الفيل سوف االأملاين يورجني هابرما س سرب غور طبيعية احلداثة وم ساراتها وقابليتها التحريرية. فاحلداثة اجلمالية بالن سبة اإليه التي تعرب عن نف سها من خلل صورة الطليعة التي ستقهر امل ستقبل املجهول تدل على تبجيل اللحظة احلا رضة التي هي بدورها عدة ما ضيات )جمع ما ضي( جديدة. لذا ت شكل احلداثة التطلع اإىل احلا رض احلقيقي واخلالد والكامل. وتعد تلك»النوايا الفو ضوية«لقطع مت صل الزمان هي اجلانب االآخر للقوة الهادمة لذلك»الوعي اجلمايل الذي يتمرد على التقاليد ومنجزاتها التي ت رشع املعايري والقواعد«))). ويف مقابل ذلك يعزو التحديث االجتماعي الذي ي سرت شد مبعايري العقلنية االقت صادية واالإدارية خمتلف املجاالت االجتماعية كاالإ شعاع الثقايف واالندماج االجتماعي والتعليم. ويعزو هابرما س ال شعور بعدم الر ضا الذي يعرب عنه اأن صار ما بعد احلداثة اإىل ت سارع ذلك التحديث أاحادي اجلانب بدال من اندماج احلداثة الثقافية. وبالرغم من ذلك فهو يعرتف أان احلداثة الثقافية تنتج تناق ضاتها الداخلية اإذ قاد انق سام العقل اإىل ثلثة جماالت )العلم والفن واالأخلق( وم أا س سة تلك املجاالت كنظم للخربة اإىل تباعد امل سافة بينها واإطلق طاقات معرفية بداخل كل منها بحيث أا صبح للتنظيم العقلين ال سيطرة على العلقات االجتماعية. كان املفرت ض وفق ا للم رشوع االأ صلي للحداثة اأن ت سري الدوائر الثلث برفقة بع ضها ))). Jürgen Habermas, Modernity: An Unfinished Project, in Habermas and the ((( Unfinished Project of Modernity: Critical Essays on the Philosophical Discourse of Modernity, edited by Maurizio Passerin d Entrèves and Seyla Benhabib (London: Polity Press, 1996): 40-41. Ibid.: 44-45. ((( 20
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد ويعول هابرما س على اجلانب اجلمايل كي يعيد التوازن الداخلي للم رشوع احلداثي لذا لي س من الغريب أان ي صف احلداثة ب أانها م رشوع غري مكتمل. بعد مد أا سلع املثلث سي صبح من املمكن االآن اأن نقوم بتثبيت اأن التنوير ال يتعلق اإال بالقوة والعقل والتحرر والذات. فوفق ا لروؤية كانط للتنوير ميكننا أان نرى خيطني مت شابكني, ا أالول تطوري والثاين نقدي. فمن خلل تاأ سي س سلطة العقل كان كانط ي ستبدل مبداأ اخلل ص املرتبط بالعناية االإلهية يف العقيدة الدينية مببد أا التحرر املرتبط بالعناية العقلية يف مذهب التنوير من اأجل اإر ساء دعائم تقاليد التنوير املرتبط بغاية م ستقبلية. من ناحية اأخرى أا س س كانط تقاليد النقد حينما أاخذت ا إالن سانية تفكر يف اللحظة احلا رضة من أاجل حتديد ال رشوط ال رضورية لل ستخدام ال رشعي للعقل حتى ال ي سقط يف الدوجما ))). من اأجل هذا ظهر كانط مرتني يف خطاب فوكو: االأوىل: باعتباره رائد النوم االأنرثوبولوجي»يف الفل سفة والثانية: باعتباره م ؤ س س تقليد احلداثة امل سمى»ب أانطولوجيا اخلا ص«. اإذا كان النقد هو سلح العقل املا ضي ف إان هذا ال سلح ذو حدين يدل على ذلك الكلمة ا أالملانية التي ي ستخدمها كانط لي شري اإىل التفكري )Rasanieren( وهي تعني التعقل من أاجل العقل ذاته. فلو صار العقل منغلق ا من كل قيد لينقذ نف سه من ال سقوط يف الدوجماتية ف سوف يعني ذلك اأن التعقل سيحطم كل قاعدة صلبة ميكن الأية معرفة أان تقف عليها. وي ستتبع ذلك اأن كل شيء سي صبح صواب ا حتى اإ شعار اآخر و سيتحول العلم اإىل What Is Enlightenment?, in The Foucault Reader, edited by Paul Rabinow ((( (London: Penguin Books, 1991). 21
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو ماأ س سة ال شك يف هذه املنطقة على وجه التحديد حيث ال ي ستطيع العقل اأن ي ؤ س س رشعية ل سلطته اإال با سم العقل نف سه سيطلق نيت شه م رشوعه الفكري الذي ال حمالة سيلتقي بذاك اخلا ص بكانط. لقد متكن نيت شه من اأن يطلع من حجب الغيب على ثغرات العقل مبجرد اإزاحة النقاب عن االفرتا ضات اخلطية للتنوير اأي من داخل احلدود ال رشعية للعقل ))). كانت دائرية العقل اإذن هي ما كن ى عنه نيت شه با ستخدام التجوالت الثلثة للروح فالروح ستتحول من جمل ينوء بثقل االأوامر )يجب عليك اأن...( اإىل اأ سد يقهر ال صحراء ويزاأر )اأريد أان...( ثم اإىل طفل تدل براءته ون سيانه على البداية اجلديدة ))). وكان رد نيت شه على التبجيل والتمجيد الزائد عن احلد الذي ي ؤديه التنوير للعقل هو اإجمالية الوجود اأي حتويل الذات اإىل عمل فني ا أالمر الذي يلغي مرة واحدة وللأبد كل ذات. هذا الف ضاء الفل سفي اجلديد حيث تذوب الذات ) سواء كانت االإله اأو االإن سان( الذي فتح نيت شه ال سبيل إاليه سي صبح املكان الذي يحبو فيه خطاب فوكو. لن يغيب نقد نيت شه للعقل عن ناظري هابرما س الذي انتقد بدوره مفهوم نيت شه للنقد فوفق ا لهابرما س سيدمر النقد ذاته إاذا ات سم بال شمولية حيث سيحطم اأية أار ضية حتى من حتت قدميه و سيلب س Anthony Giddens, The Consequences of Modernity, 6 th ed. (London: Polity Press, ((( 1996): 47. Nietzsche, Thus Spoke Zarathustra : 136-139. ((( 22
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد العقل بالقوة وحينئذ سريتد اإىل اخللف اإىل عامل ال رصاع بني قوى ال ميكن التوفيق بينها ))). يعرتف هابرما س بقدرة العقل على جتاوز ذاته الإر ساء اللغة يف حاالت االتفاق ))). وي ؤكد هابرما س على خلف نيت شه اأن العن رص اجلمايل ال ميكن توظيفه كاأ سا س ملنظور نقدي يدعي لنف سه مقام احلياد وعدم االرتباط اإذ يقت رص دور اجلمايل على رفع وعي العقل بتلك ا أالمور التي مل يتم تعقلها بعد أاو مل يتم ا ستيعابها يف اأي اإطار ثقايف ))). بناء على ذلك سيكون من غري املمكن اأن يلتقي فوكو وهابرما س عند مفرتق الطرق ال سابق دون أان يتبادال أاية نظرات. فبينما سيدخل هابرما س فوكو يف زمرة النيت شيني ال صغار الذين سيوجه لهم سهام نقده سيخو ض فوكو معركة رش سة ضد»ابتزاز احلداثة«الذي يقوم به هابرما س من وجهة نظره. ثاني ا: بعد أان قمت بتعيني الف ضاء النظري الذي يتحرك يف اإطاره خطاب فوكو ساأ رسع يف حتديد أابعاده. بناء على روؤية فوكو ذاته ملا أاجنزه فقد ذكر اأن املو ضوع الرئي سي الأعماله هو جينا لوجيه الذات احلديث اأي التاأريخ للأمناط املختلفة التي مت بوا سطتها جعل الكائن الب رشي ذات ا Habermas, The Philosophical Discourse of Modernity: Twelve Lectures, translated by ((( Frederick Lawrence (Cambridge: MIT Press Cambridge, 1990): 125-127. David Owen, Foucault, Habermas and the Claims of Reason, History of the ((( Human Sciences 9, No. 2 (1996): 121. Stephen K. White, Foucault s Challenge to Critical Theory, The American ((( Political Science Review 80, No. 2 (June 1986): 427. 23
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو فردية ))). اأو بب ساطة كيف تقوم الذوات املفردة باالإخبار عن احلقيقة املتعلقة بها ))). فهناك ثلثة أامناط للت شي ؤ حاول خطاب فوكو تغطيتها: املعرفة اأو اأمناط اكت ساب املعلومات التي متنح نف سها مرتبة العلوم حيث يتم حتويل الذوات اخلطابية اإىل مو ضوعات للدرا سة القوة اأو ممار سات التق سيم حيث يتم ف صل الذات التي ميار س عليها ال سلطة عن االآخرين اأو تق سيمها من الداخل االأخلق اأو تكنيكات الذات حيث يقوم الكائن الب رشي بنف سه اإىل حتويل نف سه اإىل ذات ))). ميكننا اأن جند الطرق الثلث التي اتبعها فوكو القتفاء اأثر مو ضوعه الرئي سي بدرجات متفاوتة يف الثنايا املختلفة خلطابه. يف مواجهة التيارات الفكرية املختلفة ال سائدة يف فرن سا قبل عام 1968 حدد خطاب فوكو لنف سه مهمة ا ستكمال ما قام به نيت شه من ذبح الذات واإن مت ذلك على م ستويات خمتلفة. فكان على رءو س ثلثة اأن تتدحرج لتمهيد الطريق اأمام خطاب فوكو حتى يطارد الذات القدمية و رشكاءها االإن سان والتاريخ وامللك. Foucault, Afterword: The Subject and Power, in Michel Foucault: Beyond ((( Structuralism and Hermeneutics, edited by Hubert L. Dreyfus and Paul Rabinow, 2 nd ed. (Chicago: University of Chicago Press, 1983): 208. Foucault, The Minimalist Self, in Politics, Philosophy, Culture: Interviews and ((( Other Writings, 1977-1984, edited by Lawrence D. Kritzman (New York: Routledge, 1988): 30. Foucault, The Subject and Power : 208. ((( 24
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد»قد تكونون قتلتم ا إالله حتت وط أاة كل ما قلتموه ولكن ال تتخيلوا اأنكم بوا سطة كل ما قلتموه ت ستطيعون خلق إان سان سيعمر اأطول منه«))). رفع خطاب فوكو شعار»وفاة ا إالن سان«عالي ا باعتباره مكمل الإعلن نيت شه ال سابق عن»وفاة االإله«لكن ال ينبغي اأن تفهم وفاة االإله باعتبارها حكم ا تاريخي ا نهائي ا يق ضي بعدم وجود االإله واإمنا مبعنى نهاية ذلك الكيان الل نهائي الل تاريخي الذي ي ضع احلدود على وجودنا. وتعني وفاة االإله اأي ض ا أان ذلك الكيان الل حمدود اخلارجي على وجودنا لن يوجد يف امل ستقبل ولكن ذلك لن يحدث من خلل بناء عامل حمدود من النمط الو ضعي واإمنا عن طريق الو ضع والرفع اللذين ال ينتهيان للحدود التي تعني وجودنا أاي حالة دائمة من التجاوز حلدود اأنف سنا ))) وبنف س املنطق تعني وفاة االإن سان اإزالة الكيان الل تاريخي االآخر الذي خلق كمو ضوع للمعرفة يف العلوم ا إالن سانية التي ف شلت يف احلفاظ على وعدها بالك شف عن اجلوهر االإن ساين واإمنا خلقت بدال من ذلك»ذاتية«ال تثبت على حال. فمن خلل اأ ساليب القوة املختلفة مل يتوقف الب رش اأبد ا عن ت شكيل اأنف سهم يف سل سلة ال تنتهي من الذاتيات التي ال تقود إاىل حمطة نهائية االإن سان. فلقد كان االإن سان جمرد حيوان جتارب يف عمليات تغري ال تنتهي قامت بت شكيله وت شويهه كذات حية ))). Foucault, The Archaeology of Knowledge and the Discourse on Language, translated by ((( A.M. Sheridan Smith (London: Tavistock, 1972): 211. Foucault, A Preface to Transgression, in Language, Counter-Memory, Practice: ((( Selected Essays and Interviews, edited by Donald F. Bouchard, translated by Donald F. Bouchard and Sherry Simon (New York: Cornell University Press, 1977): 32. Foucault, Adorno, Horkheimer, and Marcuse: Who Is a Negator of History?, in ((( Remarks on Marx: Conversations with Duccio Trombadori, translated by R. Goldstein and James Cascaito, Semiotext(e) Foreign Agents Series (New York: Semiotext(e), 1991): 123-124. 25
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو يعد التاريخ رفيق االإن سان امللزم له جون فكاك وهو ي ضمن له اأن تتجمع االأحداث املتناثرة من حوله يف وحدة متكاملة لذا ميثل التحليل التاريخي خطاب اال ستمرارية واالت صال نتيجة لهيمنة االإن سان الفاعل االأ صلي يف كافة التطورات التاريخية ))) ومن الناحية املنطقية ي ستتبع موت االإن سان موت التاريخ فحينما أاعلن فوكو أان مهمته تنح رص يف التخل ص من ميل العلوم االإن سانية اإىل اتخاذ»ا إالن سان واأ صله«مرجع ا لها وجماال للدرا سة )ذلك امليل املماثل لهدف االأنرثوبولوجيا يف البحث يف اأ صل االأجنا س( وهو ما يطلق فوكو عليه اآخر القيود ا أالنرثوبولوجية فقد كان يفتتح جماال جديد ا اأعطاه ا سم»التاريخ الفعال«. ويف ذلك املجال اجلديد للدرا سة التاريخية ستتم إاثارة الت ساوؤالت حول الغاية النهائية للتاريخ )التليولوجيا( وكذلك النظرة ال شمولية للأحداث التاريخية باعتبارها ت شكل حركة جممعة. سيقوم التاريخ الفعال بالتاأكيد على وجه الت شتتات واالنقطاعات واالأخطاء. و سيتناول ا أالحداث ال ضائعة التي ال حت صى يف التاريخ يف اإطار الطابع اخلا ص واملميز لكل منها دون غاية نهائية ت ضعها يف ت سل سل اأو وحدة جامعة ت ضبطها وتعطيها معن ى كلي ا. و ستغدو مهمة امل ؤرخ بهذا املعنى مماثلة لوظيفة الطبيب حينما ينظر ويدقق عن قرب يف ج سد املري ض بدال من إان يحملق يف االأفق البعيد بحث ا عن ا أالفكار املجردة Foucault, On Popular Justice: A Discussion with Maoists, in Power/Knowledge: ((( Selected Interviews and Other Writings, 1972-1977, edited and translated by Colin Gordon (New York: Pantheon Books, 1981): 12. 26
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد أاو الع صور الزاهرة ))). ولكن يف مقابل ذلك ن ستطيع القول اإن خطاب فوكو ي ضعنا يف مواجهة تاريخ معكو س يعر ض لنا» صعود الهيمنة وفقدان احلرية«و ستغدو الروايات التاريخية ذات الطابع»عك س اليوتوبي«)Dystopian( على نف س الدرجة من اخلط أا مثل اليوتوبيات التي ت سعى تلك الروايات اإىل حتطيم م صداقيتها ))). اأخري ا ولي س اآخر ا سيظهر امللك باعتباره الت ضحية االأكرث أاهمية التي سي سوقها خطاب فوكو اإىل مذبح املفاهيم. ي شري لفظ»امللك«يف هذا ال سياق اإىل ال شكل القانوين للقوة الذي يتمتع بخ صائ ص معينة: فهي قوة سالبة حيث ال تقوم ب شيء سوى قول»ال تفعل«كما تبدو فعاليتها يف شكل و ضع احلدود ال سالبة وفر ض اخل سارة وهي قوة قانونية فريمز امل رشع لتلك القوة يف أانقى صورها كما أانها متار س سلطتها بو ضع القوانني التي تف صل بني القانوين وغري القانوين وهي قوة حترميية الأنها ال توظف اأداة غري قانون املنع والتحرمي من خلل التهديد بالعقاب وهي قوة منطية ال تغري من سمتها فهي تعمل بنف س الطريقة على كافة امل ستويات اإذ إانها ت ستخدم القانون والرقابة على اجلميع ابتداء من ا أالب حتى االأمري وعلى من متار س عليه اخل ضوع والطاعة واإال تعر ض للإبادة ))). ت ؤدي Ibid.: 15-16; Michel Foucault, Nietzsche, Genealogy, History, in The Foucault ((( Reader, edited by Paul Rabinow (London: Penguin Books, 1991): 88-90. David Couzens Hoy (ed.), Introduction, in Foucault: A Critical Reader (Oxford: ((( Basil Blackwell, 1986): 17. Foucault, The History of Sexuality, translated by Robert Hurley, 4 th ed., vol. 1, An ((( Introduction (London: Penguin Books, 1990): 83-85. 27
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو اال ستمرارية التاريخية لهذا الفهم للقوة باعتبارها»امللك«اأو» صاحب ال سيادة«اإىل نتيجتني يف غاية ا أالهمية بالن سبة للتحليل ال سيا سي. أاولهما: يجعل هذا النموذج القانوين للقوة التحليل ال سيا سي عاجز ا عن اإدراك كنه علقات ال سيطرة وتف سريها أالنه يهدر جهده يف البحث عن رشعية القوة وتاأ سي سها ف سل عن أانه يفرت ض وجود اأفراد حمايدين وحقوق مطلقة متجاوزة للزمان واملكان تربر سلطة صاحب ال سيادة. ثانيهما: ي سوق هذا النموذج القانوين للقوة التحليل ال سيا سي اإىل االرتداد صوب شكلني من اأ شكال احلقبة االقت صادية )Economism( التي متاثل بني علقات القوة وقوانني االقت صاد. فينظر الليرباليون إاىل القوة كب ضاعة ميكن رشاوؤها وبيعها بوا سطة العقد الذي ي عد اأعلى أا شكال القوة ال رشعية. ومن نف س الزاوية االقت صادية و إان كان ب شكل خمتلف ينظر املارك سيون للقوة باعتبارها املنعة التي ت ضمن بقاء وا ستمرار علقات االإنتاج يف املجتمع ))). وحينما يطاح بامللك من التحليل ال سيا سي سريافقه اإىل قربه عدد من املفاهيم كال رشعية واالأيديولوجية واحلرية. ففي الواقع سيتم حتمل ال سلطة طاملا بقيت اآلياتها خفية بحيث تكون ال رسية بهذا املعنى جزء ا ال ميكن اال ستغناء عنه من كيفية ممار سة ال سلطة بالن سبة ملن متار س عليهم. وطاملا ظهرت ال سلطة باعتبارها تبد أا على احلرية التي ال ميكن امل سا س بها دون الك شف عن اآلياتها التي متار س يف اخلفاء بعيد ا Diego Venturino, À la politique comme à la guerre? À propos des cours de Michel ((( Foucault au Collège de France (1976), Storia Della Storiografia 23 (1993): 137. 28
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد عن االأعني ف سيكون هذا املظهر لل سلطة كقيد ال شكل العام إالمكانية تقبلها اأو فلنقل ل رشعية ممار ستها ))). بهذه املجازر املفاهيمية يكون خطاب فوكو قد خلق فجوة يف داخله حتول دون اإمكانية اإر ساء اأية اأر ضية اأخلقية ملمار سة النقد. من أاجل هذا ستعمل االقرتابات املنهاجية التي وظفها اخلطاب الفوكويل على جت سيد تلك الفجوة القدمية بداخله وكذلك جعل امل سارات التاريخية والفل سفية التي سلكها ممكنة ومقبولة يف الف ضاء اخلايل من الذات الل تاريخية الذي يتحرك فيه اخلطاب. يذهب الراأي ال سائد اإىل اأن املنهج االأركيولوجي اأو االأركيولوجيا يغلب عليها التوجه النظري حيث يهدف اإىل التنقيب عن القواعد العامة احلاكمة للممار سات اخلطابية التي تقدم بدورها اأ سا س ا لفهم تاريخ العلوم االجتماعية. اأما املنهج اجلينالوجي أاو اجلينالوجيا فينظر اإليها على اأنه يغلب عليها التوجه العملي حيث يهدف اإىل ت شخي ص وفهم اأهمية املمار سات االجتماعية واآثارها التي غ ض املنهج االأركيولوجي الطرف عنها لذلك مت تف سري انتقال اخلطاب الفوكويل من االأركيولوجيا اإىل اجلينالوجيا على اأنه سعي للتغلب على اأوجه الق صور يف االأركيولوجيا من خلل الرتكيز على تلك املمار سات االجتماعية التي كانت قد مت جتاهلها (((. Foucault, The History of Sexuality: 86. ((( Hubert L. Dreyfus and Paul Rabinow (eds)., Michel Foucault: Beyond Structuralism (2) and Hermeneutics, 2 nd ed. (Chicago: University of Chicago Press, 1983): 102-103. 29
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو غري اأننا ال ن ستطيع الو صول اإىل نتيجة حا سمة يف اأمر تلك النقلة من االأركيولوجيا اإىل اجلينالوجيا يف اخلطاب الفوكويل باعتبارها حماولة من ذلك اخلطاب لتبديل ب ؤرته أاو للقرتاب من نف س املو ضوعات عرب سبل متباينة واإن كانت متقاطعة اإال اإذا قمنا باالإملاع لتلك العلقة بني النظرية واملمار سة التي يعتمدها خطاب فوكو. فلدى فوكو تخرب النظرية واملمار سة علقة جديدة فبينما مل تكن املمار سة فيما سلف سوى تطبيق للنظرية اأو بالعك س م صدر إالهام للنظرية و صياغاتها اجلديدة مل تعد العلقة بينهما يف الوقت احلايل شمولية مبعنى ا ستيعاب اأحدهما للآخر بالكامل والت أاثري عليه كلية واإمنا صارت العلقة جزئية ومنق سمة فل ت ستطيع نظرية ما أان تنمو وتتطور دون مواجهة عقبة ما تقوم املمار سة باخرتاقها اأو بتجاوزها.»فاملمار سة هي كمجموعة من العدائني يف سباق تتابع من نقطة نظرية اإىل أاخرى وباملثل فالنظرية هي عداء التتابع من ممار سة فعلية اإىل اأخرى«))). بهذا املعنى»فالنظرية ال تعرب أاو ترتجم املمار سة بل النظرية هي املمار سة«كذلك فالنظرية متثل»نظام ا حمدود ا ل رصاع القوة«فهي ن شاط يف حد ذاتها للح صول على القوة ميار س اإىل جوار أاولئك امل شاركني يف رصاع القوة. ولي س ذلك بغر ض اإيقاظ وعي ه ؤالء املت صارعني اأو تنويرهم Foucault, Intellectuals and Power: A Conversation between Michel Foucault and ((( Gilles Deleuze, in Language, Counter-Memory, Practice: Selected Essays and Interviews, edited by Donald F. Bouchard (New York: Cornell University Press, 1977): 205-206. 30
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد من على البعد واإمنا تعترب النظرية اخلطاب امل ضاد الذي يطلقه من متار س عليهم ال سيطرة ( أالولئك امل سيطر عليهم( ضد القوة امل سيطرة. ولي ست تنظري ا عنهم أاو على حالتهم ))). وبذلك مل يعد دور النظرية صياغة واحدة من االأ ساطري الكربى املمنهجة بل القيام بتحليل ميكانيزمات القوة وكذلك»بناء املعرفة اال سرتاتيجية شيئ ا ف شيئ ا«. وهكذا ستغدو النظرية اأداة لعلقات القوة وال رصاع عليها يتم بناوؤها خطوة خطوة من خلل التفكري يف الو ضع الراهن ))) وكذلك سي صري النقد الذي متار سه النظرية فن ا يف الع صيان الذي يعمل على التحرر من الذات والتخل ص منها تلك الذات التي مت ت شكيلها وفر ضها يف إاطار» سيا سات احلقيقة«))). هذا املوقف الفل سفي الذي يثري النقد والت ساوؤل حول احلدود املفرو ضة عليها وي سعى لتجربة انتهاكها سيقوم خطاب فوكو برتجمته اإىل درا سات تاريخية ي ضمن هذا املوقف االت ساق والتما سك بني املناهج االأركيولوجية واجلينالوجية لتلك الدرا سات التاريخية عن احلدود التي فر ضت عليها خللق ذواتنا وال سيطرة عليها ))). Ibid.: 208-209. ((( Foucault, The Eye of Power, in Power/Knowledge: Selected Interviews and ((( Other Writings, 1972-1977, edited and translated by Colin Gordon (New York: Pantheon Books, 1981): 145. Foucault, What Is Critique?, in The Politics of Truth, edited by Sylvère Lotringer ((( and Lysa Hochroth, Semiotext(e) Foreign Agents Series (New York: Semiotext(e), 1997): 23-82. Kant, What Is Enlightenment? : 132-133. ((( 31
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو وبناء على ذلك ن ستطيع روؤية القوا سم امل شرتكة بني املنهاجني ا أالركيولوجي واجلينالوجي اللذين لي سا سوى ن سختني من نف س ذلك املوقف النقدي. يعد اأهم افرتا ضات االأركيولوجيا اأن اخلطاب ين ساب كنهر جار بل نهاية ي ستطيع االآخرون أان يقفزوا فيه ومن تياراته تخرج احلقائق دون نقطة بداية أاو فاعل مبدئ. فاالأنا اخلطابية تقع دائم ا حتت رحمة»الظهور بال صدفة«وكذلك»االختفاء املحتمل«))). ولذلك ستكون مهمة االأركيولوجيا حترير املمار سة اخلطابية والتكوينات اخلطابية من سلطة الفاعل االأ صلي اأو الذات ))). وباملثل ستطرد اجلينالوجيا م ساألة االأ صل أاو البداية باعتبارها لي ست أاكرث من امتداد ميتافيزيقي ينبع من االإميان بجوهر اأبدي أازيل رغم أان ذلك اجلوهر ا أال صلي مت تخليقه على مراحل تدريجية. ونتيجة لذلك لن ت سعى اجلينالوجيا اإىل اقتفاء أاثر االأ صل اأو البداية االأوىل بل اإىل ا سرتجاع التفا صيل واالأحداث التي صاحبتا خلق كل بداية مفتعلة ))). و ست صبح مهمة اجلينالوجيا اإجراء التحليل التاريخي الذي يف رس عملية تكوين الذات من داخل ال سياق التاريخي ذاته دون اللجوء اإىل اإ شارات مرجعية لذات متعالية تتنامى عرب م سار التاريخ ))). Foucault, The Order of Discourse, in Language and Politics, edited by Michael ((( Shapiro, Readings in Social and Political Theory (Oxford: Basil Blackwell, 1984): 108-109. Foucault, The Archaeology of Knowledge: 30. ((( Foucault, Nietzsche, Genealogy, History : 78-80. ((( Foucault, Truth and Power, in Power/Knowledge: Selected Interviews and Other ((( Writings, 1972-1977, edited and translated by Colin Gordon (New York: Pantheon Books, 1981): 117. 32
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد على اأ سا س االفرتا ض املحوري للأركيولوجيا واملهمة التي حددتها لنف سها سي سعى هذا املنهج اإىل التعرف على ا آالليات واالإجراءات التي تقوم بالتحكم يف عملية إانتاج اخلطاب وبانتقادها وتنظيمها وتوزيعها يف املجتمع و سيقود ذلك الك شف اإىل إازاحة سلطة اخلطاب و سيحاول ا ستعادة ال سيطرة على مكونات اخلطاب ))). لكن االأمر فيما يقوم به املنهج ا أالركيولوجي ال يتعلق با ستخراج قواعد اأو أا س س قبلية سابقة على اإنتاج اخلطاب وتتحكم يف مقوالت اخلطاب وال يرتبط االأمر كذلك بكيفية حتكم تلك املقوالت يف بع ضها ح سب منط م سبق إالنتاج ممار سة خطابية ميكن احلكم عليها بال صواب اأو اخلطاأ باتباع االإجراءات العملية الزمنية. بل يت صل االأمر فيما يقوم به املنهج االأركيولوجي مبا يتعرف على اآثار علقات القوة التي ت شيع بني مقوالت اخلطاب وداخل كل منها وكيفية ت شكل نظام لعلقات القوة بينها اأو ما ميكن ت سميته»نظام اخلطاب«وما يخربه نظام احلقيقة الذي يحدد معايري ال صحة واخلطاأ من تعديلت وتغريات جزئية اأو كلية يف بع ض اللحظات واأخري ا اأثر اإنتاج املقوالت اخلطابية على علقات القوة داخل اخلطاب وخارجه ))). ويف إاطار سعي املنهج االأركيولوجي لتتبع كافة ما سبق فهو ال ي سعى لعزل املقوالت اخلطابية ولكن للك شف عنها يف اإطار شبكة العلقات بني املمار سات اخلطابية واملجاالت غري اخلطابية كامل ؤ س سات وا أالحداث ال سيا سية والعمليات االقت صادية (((. Foucault, The Order of Discourse : 109. ((( Foucault, Truth and Power : 109-133. ((( Foucault, Body/Power, in Power/Knowledge: Selected Interviews and Other ((( Writings, 1972-1977, edited and translated by Colin Gordon (New York: Pantheon Books, 1981): 55-62. 33
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو وباملثل فعلى أا سا س ذات االفرتا ض املحوري للجينالوجيا واملهمة التي حددتها لنف سها جند التحليل اجلينالوجي ين صب با أال سا س على مهارات اخللق وعمليات القوة التي ستمتد لتغطي كافة امل ستويات واملجاالت يف املجتمع. فيتم حتليل القوة من خلل مفردات ال رصاع واحلرب بحيث تكون القوة حرب ا للجميع ضد اجلميع حيث ال توجد ذوات ثابتة وحمددة تقاتل وت صارع بع ضها. و أاعمق من ذلك شيء ما بداخلنا يقاتل ويت صارع مع شيء اآخر لي س فقط االأفراد هم الذين يتقاتلون ولكن حتى املكونات الفرعية للأفراد )Sub-individuals( تتقاتل ))). من هذا املنطلق سيتم حتليل امل ؤ س سات االجتماعية والهياكل االقت صادية واالأبنية اللغوية والفكرية باعتبارها ساحات خمتلفة ل رصاع القوة الذي ال ينتهي ))). و سي شكل اجل سد مو ضع الب ؤرة يف الدرا سة بالن سبة للمنهج اجلينالوجي نظر ا لكونه وعاء للخربات املا ضية ومكمن ا للرغبات واالأحا سي س واالأخطاء وا إالخفاقات. ويعد اجل سد كذلك ساحة مفتوحة لتدخلت تكتيكات وا سرتاتيجيات القوة التي قد تتاآلف وتت ضافر مع بع ضها داخل اجل سد أاو ت شتبك يف اقتتاالت و رصاعات على مناطق ال سيطرة فيه. و سيعيد اجلينالوجي كتابة تاريخ اجل سد بالك شف عن اأنظمة ال سيطرة املختلفة التي خ ضع لها وعلقات وتكنيكات القوة التي قامت بغزوه واإعادة هيكلته بل وخلقه خلق ا ))). Foucault, Confession of the Flesh, in Power/Knowledge: Selected Interviews ((( and Other Writings, 1972-1977, edited and translated by Colin Gordon (New York: Pantheon Books, 1981): 208. Foucault, Two Lectures, in Power/Knowledge: Selected Interviews and Other ((( Writings, 1972-1977, edited and translated by Colin Gordon (New York: Pantheon Books, 1981): 91. Foucault, Nietzsche, Genealogy, History : 83, 87. ((( 34
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد من العر ض ال سابق لتلك القوا سم امل شرتكة بني االأركيولوجيا واجلينالوجيا ميكن اخلروج ببع ض امللحظات اأهمها: اأن االأركيولوجيا هي جينالوجيا اخلطاب مثلما اجلينالوجيا هي أاركيولوجيا علقات القوة. فيدر س املنهج االأركيولوجي اخلطاب كحرب خطابية حيث يخلق مقوالت اخلطاب فاعليها وتزودهم باالأ سلحة املا ضية وحتدد لهم مكان وزمان املعارك واأخري ا تدمرهم وت سقطهم. أان االأركيولوجيا متد يدها للجينالوجيا من أاجل توحيد قواهم ملتابعة الطريق وراء صيدهم الثمني )الك شف عن احلدود املفرو ضة علينا من قبل أانظمة ال سيطرة املختلفة اخلطابية وغري اخلطابية(. ويت ضح ذلك يف اأبرز صورة عرب املماثلة الداللية بني لفظي )Episteme( اأي نظام املعرفة و) Apparatus ( أاي جهاز ال سلطة. فجهاز ال سلطة وفق ا ال ستخدام فوكو للفظ ي ضم جمع ا من امل ؤ س سات واملمار سات واخلطابات والقوانني واالإجراءات ومن ثم يرتبط ب شكل وا ضح بكل من اأمناط املعرفة وتاأثريات القوة. اأي اأنه ي ضم عنا رص من اخلطاب وعنا رص من خارج اخلطاب )م ؤ س سية اجتماعية( بينما يقت رص نظام املعرفة على كونه جهاز ال سلطة داخل اخلطاب وميار س تلك ال سلطة على التكوينات اخلطابية فح سب ))). Foucault, The History of Sexuality, in Power/Knowledge: Selected Interviews ((( and Other Writings, 1972-1977, edited and translated by Colin Gordon (New York: Pantheon Books, 1981): 190-197. 35
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو يفرت ش ن سيج اخلطاب الفوكويل ب ساط بنية مفاهيمية تعد مفاهيمها املف صلية هي املعرفة والعقل واخلطاب واللذة. ويلعب مفهوم املعرفة يف هذا ال سياق دور ا حموري ا )Connaissance( و) Savoir ( اللذين ي شريان اإىل معنيني متباينني. فمن ناحية تعرف كلمة )Connaissance( التي تدل على حقل معريف متخ ص ص أاو حيز من املعرفة كاالقت صاد اأو ا أالحياء على كونها العلقة بني الذات العارمة ومو ضوع املعرفة والقواعد احلاكمة لتلك العلقة. ومن ناحية أاخرى تدل كلمة )Savoir( التي ت شري إاىل املعرفة على وجه العموم دون حتديد ملجال أاو تخ ص ص على ال رشوط التي ت سمح بظهور الذات العارمة ومو ضوع املعرفة وكذلك املقوالت يف حقل معريف ما ))). يف ظل هذا التمييز ال سابق يرمي لفظ املعرفة يف اإطار علقة القوة املعرفة اإىل م ستوى التحليل اخلا ص بتلك ال رشوط اللزمة لظهور الذوات العارفة ومو ضوعات املعرفة واملقوالت املعرفية. بعبارة أاخرى املعرفة املق صودة يف مركب القوة املعرفة الذي يرد با ستمرار يف خطاب فوكو ت شري اإىل )Savoir( ولي س.)Connaissance( ال تتعلق اإ شكالية علقة القوة باملعرفة ب أان القوة تخ ضع املعرفة لتخدم م صالح القوة اأو أانها تفر ض على املعرفة حمتواها ا أاليديولوجي واإمنا يتعلق االأمر باال شتباك الذي ال يف ض بني اأ شكال املعرفة واأمناط ممار سة ال سلطة. فلي س هناك من معرفة ميكن اأن تت شكل دون نظام للت صال والت سجيل والرتاكم اخلا ص باملعلومات واملعارف وهذا النظام يف ذاته هو نظام للقوة يرتبط يف وجوده وممار سته Foucault, The Archaeology of Knowledge: 15. ((( 36
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد لتاأثريه باأنظمة القوة االأخرى. كذلك ا أالمر بالن سبة للقوة فل ميكن للقوة اأن متار س دون ا ستخل ص وا ستحواذ وتوزيع املعرفة ولذلك سنجد اأ شكاال خمتلفة يف حياتنا اليومية ملركب القوة املعرفة مثل التحقيقات اجلنائية واالمتحانات الدرا سية ))). ال ن ستطيع ت سكني م س أالة الذات/ الفاعل يف مكان خري من ال رشطة الرابطة يف مركب القوة املعرفة. من هذا املنطلق فاملعرفة باعتبارها )Savoir( هي العملية التي يتم عن طريقها يحدث تغري للذات الفاعلة من خلل العمل واملجهود املبذول بغر ض حت صيل املعرفة اأو على وجه التحديد تكوين مو ضوع للمعرفة. اأما اإذا فهمت املعرفة باعتبارها )Connaissance( ف سيكون الرتكيز فيها على ال سماح بتوليد اأو اإنتاج شتى مو ضوعات املعرفة على عدم تغري وثبات الذات الفاعلة ))). وينجم عن ذلك أان شبكة علقات وا سرتاتيجيات القوة املعرفة اأو القوى املعارف هي التي تخلق كل من الذات العارفة ومو ضوعات املعرفة. بعبارة اأخرى فاإن مركب القوى املعارف ينفخ يف اجل سد. ذلك املبداأ النظري املجرد امل سمى بالروح الذي يتم بوا سطته التلعب باجل سد وت شكيله وخلقه خلق ا ))). Foucault, Résumé des cours : 1970-1982, Conférences, essais et leçons du Collège ((( de France (Paris: Julliard, 1989): 19-20. Foucault, What Is Critique? : 69-70. ((( Karlis Racevskis, Michel Foucault and the Subversion of the Intellect (New York: ((( Cornell University Press, 1983): 97-98. 37
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو لي س هناك من مثال اأو ضح لذلك من مفهوم»ال شخ ص اخلطر«الذي ظهر نتيجة الخرتاق علم النف س الطبي لنظام العقوبات مما أادى اإىل حت سن وتنقية و سائل العقاب بحيث صارت موجهة للمجرم نف سه بح سبانه م ؤلف فعل أاو حدث ولي س للجرمية املقرتفة ))). ففيما م ضى مل يكن املجرم سوى ذلك ال شخ ص الذي تن سب اإليه اجلرمية ومن ثم كان العقاب موجه ا للجرم ذاته. ولكن اليوم مل تعد اجلرمية غري حدث ي شري اإىل وجود عن رص خطر )ال شخ ص اخلطر( يف اجل سد االجتماعي ولذلك اأ صبح العقاب موجه ا اإىل ذلك ال شخ ص اخلطر ))). تعترب اللذة مفهوم ا حموري ا آاخر يف البنية املفاهيمية للخطاب الفوكويل رغم صعوبة تعريفه اأو حتى االإم ساك به. ففي حديث خا ص ذكر فوكو اأن اللذة احلقيقية تخلف يف املرء اإح سا س ا مكثف ا وهائل وغالب ا له فيقوده اإىل موت حمقق ال ي ستطيع االإفلت من قب ضته. اأما املتع الب سيطة واللذات اليومية املعتادة فل تعني شيئ ا بالن سبة له وال ت ستطيع ما تخلفه من اآثار حمدودة أان تفر ض ترتيب ا معين ا على حياة ا إالن سان بحيث ينف سح لها مكان يف تلك احلياة. ومع ذلك يبدو ملفهوم اللذة يف خطاب فوكو أاهمية ال شك فيها اإذ ترتبط بعلقات شديدة التعقيد مع القوة التي حتاول تكنيكاتها خمتلفة ا أال شكال )الرف ض/ االإقرار/ اال ستثارة/ التكثيف( اخرتاق االإح سا س Foucault, The Dangerous Individual, in Politics, Philosophy, Culture: Interviews ((( and Other Writings, 1977-1984, edited by Lawrence D. Kritzman (New York: Routledge, 1988): 137. Ibid.: 128. ((( 38
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد باللذة والتحكم فيه من اأجل خلق اأب سط أامناط ال سلوك الفردي ))). وميكن ت صور شكل علقة القوة اللذة على اأنها يف هيئة حلزونات ال تنتهي. فقد اقت ضى التعامل الطبي مع امل ساألة اجلن سية على سبيل املثال االت صال واالحتكاك باالأج ساد والنظر العميق لها من حتت اجللد بحيث ضم ذلك التعامل اجل سد اجلن سي بالكامل بني ذراعيها. ولقد اأف ضى منط التعامل احل سي اال ستمتاعي للقوة من ناحية اإىل ازدياد فعالية وعمق ال سيطرة على املجال حمل ال سيطرة. ومن ناحية اأخرى منح القوة اأثناء ممار ستها بطاقة دافعة وم شاعر متولدة تكافئ ممار سة القوة وتو سع جمالها. فتح ضغط االعرتاف الكن سي ي ست شعر املعرتف يف اإجابته عن االأ سئلة باللذة بينما جتتذب القوة تلك االأ رسار املطوية التي كانت تراقبها من قبل. ويف نف س الوقت ف إان القوة الدافعة للعرتاف جتتذب ال شعور باللذة الذي ت سعى مهاجمته والذي تولده قوة املمانعة لدى املعرتف أاثناء إازاحته النقاب عن تلك اللذائذ. وهكذا تت ضح الهيئة احللزونية للعلقة بني اللذة والقوة فيما ي سميه فوكو عمل القوة من خلل ميكانيزم طاقة الدفع املزدوجة. فمن ناحية اللذة هناك تلك اللذة املتولدة عن ممار سة القوة تقابلها اللذة املتولدة عن حماولة التهرب من القوة وخداعها. ومن ناحية القوة هناك القوة التي يغمرها ال شعور باللذة التي كانت القوة تتبعها ابتداء يف مقابل القوة التي ت ؤ س س وجودها من خلل لذة املقاومة اأو التباهي ))). Foucault, The History of Sexuality: 11. ((( Ibid.: 44-45. ((( 39
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو إان العلقة الدائرية لل ستثارة واملمانعة التي ت شكل حلزون اللذة القوة قد توحي للوهلة ا أالوىل بوجود تفعيل وتقوية متبادلني بني القوة واللذة ي ؤديان اإىل تراكم القوة. بيد أان النظرة املعمقة تدل على اأن ال شكل احللزوين للعلقة مبا فيه من ا ستثارات وممانعات ال يعني سوى اأن العلقة بني القوة واللذة هي يف حقيقة االأمر علقة غري متكافئة. فحينما ت شتبك ممار سة القوة باالإح سا س بلذة املمار سة ال ينتج عن حلزون اللذة القوة بال رضورة تراكم يف القوة وال سيطرة وتت ضح تلك امل س أالة ح سب فوكو اأكرث ما تت ضح يف منوذج ال سادو مازو شية وهو منوذج لل سيطرة ترتبط علقات القوة فيه با ستثارة الرغبة اجلن سية.)Eroticization( اإذا عدنا اإىل التحليل النف سي ل سيجموند فرويد للتعرف على مق صود فوكو لوجدناه يعرف ال سادو مازو شية باأنها ا ستعادة متاأخرة لعقدة اأوديب غري اأن أابرز ما مييزها يف هذه احلالة لي س العداء جتاه االأب وحب اال ستحواذ وال سيطرة على االأم بقدر ما ترتبط بالرغبة يف اإقامة علقة جن سية سلبية مع االأب وبالتايل مع ال سلطة. وينجم عن حل هذه العقدة ح سبما يرى فرويد تكوين االأنا االأعلى الذكوري امل سيطر وكذلك الذات/ الفاعل الذكوري الطبيعي. ويتاأتى ذلك من خلل ا ستيطان سلطة االأب بداخل الذات واالأهم من ذلك تخلي ص علقة القوة مع االأب من ارتباطها باجلن س اأو الرغبة اجلن سية.)De-sexualization( أاما فوكو فهو ال ي سلم لفرويد ر أايه من حيث اإمكانية حل تلك العقدة وتكوين الذات الذكورية املوحدة الأن ت صوره للعلقة احللزونية بني القوة واللذة يحول دون فك االرتباط بني علقات القوة والرغبة اجلن سية 40
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد ومن ثم ال ميكن لعلقة القوة أان تتخل ص من طابعها اجلن سي بل يزداد االرتباط بينهما على عك س ما توقع فرويد. يقود االرتباط الذي ال ينفك بني علقات القوة وا ستثارة الرغبة اجلن سية اإىل التقلب الدائم لعلقات القوة ذات الطابع احل سي ولذلك فالعلقة الرتاتبية بني ا أالنا االأعلى وا أالنا والهو يف منتهى صعوبة املنال. بعبارة أاخرى فالذات املوحدة عند فرويد سي ستبدلها فوكو ب شبكة معقدة من العلقات النف سية واالجتماعية والثقافية التي تت صارع با ستمرار فيما بينها لتنتج جمع ا هائل من الذاتيات امل شتتة واملنق سمة على نف سها ))). ميثل العقل قطب الرحى يف البنية املفاهيمية للخطاب الفوكويل فهو ال يرتبط بال سياق الفل سفي للتنوير فح سب بل ي شكل اأقوى اأ سباب وجود امل رشوع الفكري لفوكو ذاته. فحينما كان خطاب فوكو يتفح ص اجلنون كمو ضوع للدرا سة و صف فوكو مهمته على أانها حماولة»كتابة تاريخ االأ شكال ا أالخرى للجنون ( أاي العقل(... ولتعيني حلظة امل ؤامرة قبل اأن تتاأ س س ب صورة دائمة يف جمال احلقيقة«. كان الغر ض من مهمة درا سة اجلنون اإذن حتديد الفعل االأ صلي والت أا سي سي للتق سيم الذي ف صل العقل والل عقل واإخ ضاع الثاين للأول بحيث تكون تلك درا سة كتابة لتاريخ صمت اجلنون ولي س ا ستعادة مونولوج العقل الذي غطى على ذلك ال صمت ))). اإن ما حاول فوكو القيام به ح سبما يرى حال دريدا هو حماولة الهروب من ذلك ال شكل للعقل الذي شكل العامل احلديث من Suzanne Gearhart, The Taming of Michel Foucault: New Historicism, ((( Psychoanalysis, and the Subversion of Power, New Literary History 28, No. 3 (1997): 463-466. Foucault, Madness and Civilization: A History of Insanity in the Age of Reason, ((( translated by Richard Howard (New York: Vintage Books, 1973): IX. 41
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو اأجل الو صول اإىل شكل اأعلى للعقل ي ستطيع الت سامي فوق ذلك الف صل بني العقل والل عقل ))). ويدلل دريدا على وجهة نظره بالت رصيح ب أان»اأوكريلوجيا ال صمت«التي اأ شار إاليها فوكو ت شهد من ناحية على رغبة قوية يف الذهاب اإىل ما اأبعد من العقل عرب تبيان الطبيعة التع سفية والظرفية للف صل بني العقل والل عقل ومن ناحية توحي مبطمح اإىل ك رس م ؤامرة ال صمت والتحدث بلغة اجلانب ا آالخر الذي مت إا سكاته ( أاي اجلنون(. لكن تلك املحاولة تبدو بالن سبة لدريدا يف حكم امل ستحيل الأن ا أالداة التي ي ستخدمها فوكو ال ستعادة صوت الل عقل هي نف سها التي حجبت صوته أاال وهي لغة العقل ذاتها ))). وميكننا الرد على ذلك ب أان خطاب فوكو مل يوقع نف سه يف الفخ الذي اأ شار إاليه دريدا من ا ستخدام لغة العقل التي اأخر ست الل عقل حتى متنحه صوته مرة اأخرى. ويدل على ذلك ما اأورده فوكو من ت أاكيد على أاننا»مل نعد نعرف يف الواقع ما كان عليه اجلنون فلقد طوى وجهه على نف سه مبا ال ي سمح لنا بفك شفرة ما خلفه من آاثار أالن تلك مل تعد اأي شيء سوى معامل سوداء«))). طاملا اأنه ال توجد ثقافة تبيح كل شيء بل تبداأ املجتمعات االإن سانية يف كافة االأحوال من التجديد والتحرمي ف ستربز درا سة مو ضوع اجلنون الذي تولد عن الف صل ال سلطوي بني العقل والل عقل اإ شكالية اخلارج Exteriority(.)Enigma of مبعنى اأن اأي ا ما يكون ما ي صم ما يقع على Roy Boyne, Foucault and Derrida: The Other Side of Reason (London: Unwin ((( Hyman, 1990): 48. Ibid.: 53-56. ((( Foucault, Madness and Civilization: 290. ((( 42
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد اجلانب االآخر للحد باأنه خارجي فاإنه ي ستطيع اأن ي صمنا نحن بنف س الو صمة يف امل ستقبل وبنف س الطريقة اأي ض ا ))). ومييز فوكو بني العقل الديالكتيكي الذي يتاأ س س عن طريق ر سم صورة للجانب االآخر له )النقي ض( ومنها ي ستقي صورة لذاته )نقي ض النقي ض( مع احلفاظ على امل سافة الفا صلة بني النقي ضني من ناحية وبني اللوجو س االإغريقي الذي لي س له نقي ض يزوده بعمقه. ويتنب أا فوكو مبوت ذلك العقل الديالكتيكي ومفهوم االإن سان املرتبط به والذي يعرب عن نف سه يف صورة الوجود الزمايل الذي يفنى ويعود واحليوان الذي يفقد احلقيقة ليجدها مرة اأخرى والذات التي تغرتب عن نف سها ثم تعود لذاتها يف النهاية ))). بهذا املعنى ي ؤخر اخلطاب الفوكويل مل رشوع نقد عقلين للعقل ينطلق من امل ساعات التالية: ))1) لقد خلق العقل نف سه فلم يكن هناك فعل خلق أا صلي من اخلارج ميكن اكت شافه اأو الرجوع إاليه اأي أان العقل قدمي. ))2) هناك اأ شكال خمتلفة للعقلنية تتوالد من بع ضها وتت صارع مع بع ضها وتقتفي اأثر بع ضها ولي س هناك منط واحد للعقلنية. ))3) ال ي ستطيع اأحد أا شكال العقلنية االدعاء ب أانه يحتكر العقل اأو حتى ميثله بل ال متلك كافة أا شكال العقلنية أان تتماهى بالكامل مع العقل فالعقل اأو سع منها جميع ا ويتجاوزها كلها. 43 Ibid.: 291. ((( Foucault, Peter Stastny and Deniz Sengel, Madness, the Absence of Work, Critical ((( Inquiry 21, No. 2 (Winter 1995): 292; Foucault, Madness and Civilization: XI.
تفكيك مفهوم القوة عند ميشيل فوكو ))4) طاملا اأن ا أال شكال املختلفة للعقلنية ت شهد تبدالت وتغريات فعلى خلف ما يذهب اإليه أان صار ما بعد احلداثة فاأننا ال ن شهد انهيار العقل اأو نهايته بل ذلك االإحلل املتوا صل للأ شكال القدمية للعقلنية باأ شكال اأخرى ))). يف هذا االإطار ال سابق سيقوم اخلطاب الفوكويل عن طريق ا ستق صاء املو ضوعات البحثية املختلفة عن تاريخ اجلنون والعبادة والعلوم االجتماعية واجلنائية بعزل ا أال شكال املختلفة للعقلنية التي يقدم كل منها نف سه على اأ سا س أانه ال شكل املهيمن والوحيد للعقل. ويت أا س س النقد العقلين الذي يجريه فوكو على فكرة التوالد الل نهائي واالإنتاج املتعددة للعقل. لكن فوكو نف سه ي سلم باأن حماولته لتلم س حدود العقل لن ت ستطيع ب أاي سبيل ا ستيعاب اجلانب ا آالخر للعقل )الل عقل( عن طريق امليتافيزيقا اأي التعرف على جوهر الل عقل. ومع ذلك فيما أان )غريية( اجلانب االآخر للعقل تتاأ س س على اال ستبعاد امليتافيزيقي ولذلك ال سيا سي من حدود العقل فاإن ذلك يفتح الباب اأمام إامكانية سرب غور اال ستبعاد من الناحية ال سيا سية وكذلك ا ستيعاب الل عقل يف املجال ال سيا سي أاي اإدماج أا شكال التعبري ال سيا سي للجانب االآخر للعقل يف العملية ال سيا سية. ويتطلب ذلك قيام شكل جديد للممار سة ال سيا سية يخلو من احلدود الثابتة واالأ شكال اجلامدة واحللول املطلقة ))). Foucault, Critical Theory/Intellectual History, in Politics, Philosophy, Culture: ((( Interviews and Other Writings, 1977-1984, edited by Lawrence D. Kritzman (New York: Routledge, 1988): 27-28, 35. Boyne, Foucault and Derrida: 85-86. ((( 44
الفصل األول: خطاب فوكو: السياق واألبعاد لي س هناك غرابة اإذن اأن ي رصح خطاب فوكو ب أان ا أال شكال املختلفة للعقلنية ال تنف صل عن أامناط ممار سة القوة التي تداعب اأ شكال املعرفة واخلطابات املختلفة على اأن شبكة علقات التبادل والتداخل والتحول بني العقل والقوة ال تعني باأية حال من االأحوال اأن هناك متاهي ا اأو حتى متاثل يف ال شكل )Isomorphism( بني كل من العقل والقوة ))). وحني اأثار اخلطاب الفوكويل بدرا ساته املختلفة ذلك ال س ؤال عن امل سئولية التاريخية للعقل عن جتاوزات ممار سة القوة التي مل يكن من املمكن جتنبها وقدم لها العقل تربيرات منطقية فقد كان يعالج مو ضوع/ اإ شكالية التنوير عرب ك شف اجلذور الدقيقة للعلقة بني العقل والقوة والتحرر ))). يربز مفهوم»اخلطاب«كاأحد اأهم دعائم البنية املفاهيمية خلطاب فوكو اإذ لي س هناك مفهوم يجوب أاعمال فوكو اإال وقد ا شتبك مع مفهوم اخلطاب وتفاعل معه تاأثري ا وتاأثر ا وملا كان جتديد فوكو يف مفهوم اخلطاب الذي ن س أا يف علم ا أالن سبة وانتقل منه إاىل جمال الدرا سات التاريخية واالجتماعية ومن اأهم ا إال سهامات النظرية التي قدمها. وملا كانت قابليات واإمكانات هذا املفهوم الإجراء درا سات يف جمال العلوم االجتماعية وال سيا سية على قدر كبري من ا أالهمية بحيث ال يت سع املجال ملناق شة كل ذلك فاإن كاتب هذه ال سطور ر أاى رضورة اإرجاء التعاطي مع فهم فوكو للخطاب وما يثريه من اإ شكاالت اإىل عمل قادم يتم التعر ض فيه للم ساألة بكافة حزافريها وتف صيلتها. Foucault, Critical Theory/Intellectual History : 17-46. ((( Foucault, What Is Critique? : 37-38. ((( 45