الشيخان
الûشيخان طه حùسني
14 يوزع مجانا مع العدد 57 من مجلة الدوحة يوليو 2012 الûشيخان ت أليف: طه ح سني الناTرش : وزارة الثقافة والفنون والرتاث - دولة قطر رقم الإيداع بدار الكتب القطرية : الرتقيم الدويل )ردمك( : اإخراج وتنفيذ : الق سم الفني - جملة الدوحة لوحة الغالف : تف صيل من وفيقة سلطان - قطر
الûشيخان طه حùسني تقدمي: صربي حافظ
لوحة الغالف : من وفيقة سلطان - قطر
»الûشيخان«بناء دولة احلق والعدل واحلرية صربي حافظ هذا الكتاب»ال شيخان«الذي تهديه»الدوحة«لقرائها يف شهر رم ضان هو اآخر كتب ما يعرف باإ سالميات طه ح سني )1889 1973( التي اأثرت املكتبة العربية وفتحت أامامها بابا جديدا للبحث وال ستق صاء والتاأمل واأن س أات فيها أا سلوبا غري م سبوق من الكتابة عن التاريخ العربي وعن الإ سالم ب صورة ميتزج فيها اأ سلوب الأديب ال رسدي املرهف وح سا سيته اللغوية الراقية ب رصامة املوؤرخ املنهجية وعقالنيته ومنطقه. وقد شغلت هذه ال سل سلة من الكتب التي دارت حول تاريخ الإ سالم الباكر طه ح سني ملا يقرب من ثالثني عاما وهي الفرتة املمتدة بني ظهور اأول كتب هذا امل رشوع الأدبي التاريخي»على هام ش ال سرية«عام 1933 وحتى ظهور اآخرها )ال شيخان( عام 1960 مرورا ب»الوعد احلق«و»الفتنة الكربى: بجزءيه عثمان وعلي وبنوه«و»مراآة الإ سالم«وغريها. واإ سالميات طه ح سني بالرغم من اأنها م رشوع كبري ترك ب صمته على امل شهد الثقايف والفكري ف أايده من اأيده وهاجمه من هاجمه هي اأحد امل شاريع الكربى يف هذا املجال لأهمية منجزه فيها وتفرد منهجه ومتيز اأ سلوبه الأدبي الر صني. ولكنها على تعدد كتبها واأهميتها لي ست اإل اأحد املحاور البارزة يف م رشوعه الثقايف والفكري ال ضخم الذي جند فيه اإىل جانب هذا املحور املهم عددا آاخر من املحاور. 7
م رشوع ضخم متعدد املحاور م رشوع طه ح سني الأدبي/ الفكري م رشوع ضخم متعدد اخليوط واملحاور. فيه املحور النقدي الذي اهتم بنقد الأدب ومتحي ص ن صو صه وحتليلها بعد تعري ضها ل ضوء ال شك العقلي وطرح الأ سئلة اجلوهرية عليها. وهو حمور سعى اإىل اإر ساء منهج نقدي حديث وعلمي ور صني يف التعامل مع الن صو ص الأدبية ومع مبدعيها من اأعالم الأدب العربي القدمي من امرئ القي س وال شعراء ال صعاليك اإىل املعري واملتنبي وحتى اأعالم الأدب احلديث مثل حافظ و شوقي وغريهما. وفيه اأي ضا املحور الفكري الذي يتخلل كل املحاور والذي بداأه بر سالته للدكتوراه عن ابن خلدون و سعى فيها اإىل رد املنهج العلمي يف الفكر والجتماع اإليه واإىل اإحياء منهج رفاعة رافع الطهطاوي يف إاجراء حوار م ستمر بني املناهج واملنطلقات الغربية احلديثة وبني الأ صول العربية والإ سالمية القدمية القادرة على احلوار معها ووا صله بدرا ساته املهمة عن املذاهب الأدبية والفكرية املختلفة. وهناك اأي ضا املحور الإبداعي الذي فتح فيه بكتابه العالمة»الأيام«باب ال سرية الذاتية اخلالقة يف الأدب العربي احلديث والتي ميتزج فيها ال رسدي بالذاتي بالتاأملي والفكري ب شكل بالغ العذوبة والت أاثري. لأن اجلزء الأول من»الأيام«والذي صدر عام 1927 يعد يف م ستوى من م ستويات التاأويل فيه رد طه ح سني املفحم على من هاجموه على كتابه»يف ال شعر اجلاهلي«وبرهانا نا صعا ل نظري له على أانه بدون العقل وال شك وطرح الأ سئلة ما كان للفتى الفقري الذي ذهب اجلهل بنور عينيه اأن ي صبح ملء ال سمع والب رص واأن ي عمل عقله فريى ما ل يراه الآخرون. كما اأجنز يف هذا املحور الإبداعي عددا لباأ س به من الن صو ص ال رسدية املهمة يف الرواية والق صة الق صرية اأذكر منها على وجه اخل صو ص ف ضال عن»دعاء الكروان«و» شجرة البوؤ س«و»جنة ال شوك«و»اأحالم شهرزاد«جمموعته الق ص صية املهمة»املعذبون يف الأر ض«لأنها فتحت باب الواقعية الأدبية على م رصاعيه فتدفقت 8
منه ن صو ص اإبداعية كثرية ان شغلت بال رشائح املهم شة واملعذبة يف الواقع امل رصي والعربي من ورائه وو ضعت ق ضية العدل الجتماعي على خارطة اجلدل والإبداع معا وهي الق ضية التي مازالت حتى اليوم شاغل املجتمع العربي و أاحد شعارات ثورات الربيع العربي الراهنة. وهناك كذلك حمور الفن التمثيلي واليونانيات الذي اهتم فيه بتقدمي كال سيكيات امل رسح الغربي در سا وترجمة وبتي سري سياقات هذا امل رسح الجتماعية والفل سفية والت صورية للقارئ العربي حتى ي ستطيع اأن ي ستوعب ن صو صه وروؤاه وحتى ميهد الأر ض مليالد م رسح م رصي وعربي مل يتاأخر ميالده كثريا. ووا صل طه ح سني رفده باملعارف واخللفيات عرب تقدميه للكثري من اأعالم امل رسح الفرن سي قدميه وحديثه. وهو حمور انفتح يف ما بعد ف شمل اأجنا سا اأدبية غربية كثرية وا صل اإثراءه على مد م سريته الثقافية الطويلة يف الهتمام بالرتجمة وهي م رشوع م ستقل وبتقدمي الرتجمات املختلفة لالآداب الغربية من ستندال اإىل دو ستويف سكي وكان اأول من قدم للقارئ العربي اأعالم احلداثة الأوروبية الكبار من جوي س وكافكا إاىل ت. س. اإليوت واأو سكار وايلد يف جملته املهمة»الكاتب امل رصي«فقد كان طه ح سني واعيا ب رضورة احلوار اخلالق مع ثقافات العامل عامة والثقافة الأوروبية املتو سطية خا صة. وكان يعي مقولة جوته ال شهرية باأن الثقافات ترتجم ما تت شوف اإىل إابداعه اأو ما هي على م شارف تخليقه فكان ي ست رشف برتجماته ومبا يو صي تالميذه برتجمته حاجات الثقافة العربية الراهنة وم ستقبلها. لأنه يدرك اأن القارئ العربي الذي اأخذت ح سا سيته الأدبية يف التغري يف حاجة اإىل اأدب جديد وروؤى جديدة واأفكار مغايرة مل يوفرها له كتابه بعد ويجد اأطيافها جميعا فيما اأجنزته الثقافة الأوروبية على مد ساحتها الوا سعة من رو سيا حتى بريطانيا مرورا ببلده الأثري فرن سا بالطبع. وهناك اأي ضا حمور التنظري الثقايف والفكري الذي يقدم فيه كتابه/ تقريره الثقايف حلكومة الوفد»م ستقبل الثقافة يف م رص«1938 روؤية 9
10 ثقافية وفكرية متميزة اأ صبحت ميثاق العمل الثقايف الوطني امل رصي لعقود. تطرح على م رص م رشوعها احل ضاري والنه ضوي اجلدير بها وهي ت ست رشف ا ستقاللها احلقيقي عقب توقيع الوفد على معاهدة 1936. ويوا صل يف كتبه ومقالته الكثرية الأخرى من هنا ومن هناك يف هذا املحور ا ستق صاءاته ال شيقة للكثري من ق ضايا هذا امل رشوع التي كان اأحد ممار سيها واأحد اأبرز العنا رص الفاعلة يف كثري من اإجنازاتها واأن شطتها. فلم يقت رص ن شاطه على حرم اجلامعة برغم دوره املهم فيها حيث اأر سى بها جمموعة من القيم اجلامعية الأ سا سية وعلى راأ سها أاهمية ا ستقالل اجلامعة وع صمة البحث العلمي فيها من اجلهل و ضيق الأفق. لأن طه ح سني»اأ ستاذ«جامعي بحق باملعنى الدقيق لهذا امل صطلح الذي ابتذله الكثريون. اأ ستاذ ل ي ساوم على قيم اجلامعة و سمعتها ويوؤثر أان يفقد وظيفته على اأن يكر س اجلامعة خلدمة م رشوع سيا سي ل رشعية له كما حدث يف اأزمته مع حكومة اإ سماعيل صدقي وحزب ال شعب. اأ ستاذ صاحب م رشوع علمي وفكري واجتماعي بكل معنى الكلمة. يفتح امل سارات اجلديدة ويحث طالبه على طرح الأ سئلة واكت شاف الأ صقاع العلمية والبحثية املجهولة. وقد كان طه ح سني صاحب م رشوع تعليمي طموح عمل بداأب على حتقيقه على مراحل جعل شعارها جميعا اأن التعليم حق و رضورة كاملاء والهواء. بد أاه حينما كان م ست شارا تعليميا حلكومة الوفد بفر ض اللغة العربية كلغة ر سمية للبالد و سن قانون التعليم الإلزامي وتاأ سي س اإدارة الرتجمة بوزارة املعارف والتي صدر عنها م رشوع الألف كتاب. كما ا ست صدر منها قانونا بتاأ سي س جامعة الإ سكندرية عام 1942 واأ صبح أاول مدير لها. ثم تبع هذه اخلطوات بخطوة اأخرى مهمة حينما قرر جمانية التعليم الثانوي عندما اأ صبح وزيرا للمعارف يف حكومة الوفد عام 1950. لكن م رشوع طه ح سني التعليمي الطموح بلغ ذروته اجلامعية حقا بتاأ سي س جامعة الإ سكندرية كتج سيد موؤ س سي مل رشوعه الفكري واحل ضاري يف»م ستقبل الثقافة يف م رص«حينما جعل هذه اجلامعة اجلديدة منارة علمية وبحثية للقاء احل ضاري بني م رص والعامل املتو سطي واأحالها اإبان
إادارته لها ويف سنوات قالئل اإىل واحدة من اأهم جامعات البحر الأبي ض املتو سط جتتذب خرية الباحثني ال شباب من أاوروبا نف سها والتي اأ صبح للكثري منهم وقد عملوا شبانا يف جامعة الإ سكندرية اأثناء اإدارته لها ساأن كبري فيما بعد مثل: جرميا س ورولن بارت وفوكو واإ. م. فور سرت وروبرت جريفز وجون هيث ستب س وغريهم. وكان طه ح سني ف ضال عن هذا كله من أاهم حمركي العمل الثقايف العام يف م رص ويف العامل العربي الأو سع طوال حياته. عرب م شاركاته املختلفة يف امل ؤومترات واملحا رضات والأحاديث الإذاعية والكتابات ال صحافية. حتوالت الواقع وجتذر عملية التحديث ولي س هنا جمال تقدمي م رشوع طه ح سني الفكري والثقايف ال ضخم ناهيك عن تقييمه فقد كتبت عنه الكثري من الكتب منذ اأ صدر كتابه العالمة»يف ال شعر اجلاهلي«عام 1926 فتناوله الكتاب وكتبت عنه الكتب ولتزال تكتب عنه الكتب حتى الآن يف العربية ويف اللغات الأوروبية املختلفة على ال سواء. فهو م رشوع كبري له منا رصوه الذين يحلمون با ستقالل م رص وتقدمها وله معار ضوه من الذين يريدون النكفاء بها اإىل الوراء وتبعيتها وهم كثريون ولكنه م رشوع كبري بحق وليزال يحتاج اإىل املزيد من الدر س والتاأمل. ولكن كل ما ت سعى اإليه هذه املقدمة هي طرح جمموعة من الأفكار حول املحور الذي اكتمل بهذا الكتاب:»ال شيخان«وهو حمور الدرا سات التاريخية الفكرية الجتماعية معا فهذه ال صفات جمتمعة هي التي متيز كتاباته و رسدياته املتعددة املعروفة بالإ سالميات. أاقول إان هذه املقدمة ت سعى اإىل طرح جمموعة من الأفكار حول هذا املحور بالرغم من يقينها باأن م رشوع طه ح سني م رشوع كبري متكامل تتفاعل فيه املحاور مع بع ضها البع ض ويدعم بع ضها البع ض ويرفده 11
12 باملزيد من الدللت و سعة الأفق وبعد النظر. ب صورة ي صعب معها ف صل حمور عن بقية املحاور فن ص طه ح سني هو ن ص مت شابك احللقات برغم تنوع الأجنا س الأدبية التي تنتمي اإليها ن صو صه املختلفة وريادته الأدبية يف الكثري من املجالت. وحتى ندرك طبيعة اإجناز طه ح سني يف هذا املحور الذي اكتمل بكتاب»ال شيخان«لبد من و ضع هذا الإجناز يف سياقات توليده وتطويره. فقد كان هذا املحور الذي ا ستغرق ثالثة عقود من عمله وحياته جزءا من م سرية ثقافية طويلة تراكمت فيها اإجنازات عملية التحديث العربية يف م رص خا صة واأ صقاع عربية كثرية معها وتبلورت عربها مالمح خطاب اأدبي وفكري يحتفل بالعقل وي سعى لتحقيق التقدم وال ستقالل. وهي عملية لها صريورتها املتميزة والتي امتدت من رفاعة رافع الطهطاوي وعلي مبارك وحممود سامي البارودي اإىل جمال الدين الأفغاين وعبداهلل الندمي وحممد عبده واحلركة الوطنية العرابية وا ستطاعت مب شاركات كثريين اأن تر سي البنية التحتية لتحول ثقايف واجتماعي كبري ومتوا صل. لكن اإجها ض الثورة العرابية وما تبعه من ا ستعمار بريطاين هن د س اأ س سه الأوىل اأحد اأكرب ال سا سة الربيطانيني املعادين لثقافة شعوب امل ستعمرات وتعليمهم وهو اللورد كرومر رضب تلك امل سرية يف ال صميم فتعرثت لأكرث من عقدين من الزمان. ولكنها ا ستطاعت اأن تلتقط اأنفا سها من جديد بعد حادث دن شواي ال شهري عام 1906 وما تبعه من صحوة وطنية. والواقع اأن ما مكن م رص من العودة اإىل م سريتها الثقافية والنه ضوية ب رسعة هو اأن البنية التحتية للتحول الثقايف والتي بداأت منذ عودة رفاعة رافع الطهطاوي من باري س عام 1932 وتلقت دفعة قوية وموؤثرة يف سنوات حكم اخلديوي اإ سماعيل كان لها دور كبري يف تاأ سي س قواعد تلك العودة. فلم تنجح اإجراءات امل ستعمر الربيطاين يف تقلي ص الإنفاق العام و إاغالق املدار س وال صحف واجلمعيات الثقافية اإل عرقلة تلك امل سرية لهنيهة رسعان ما ا ستعادت بعدها عافيتها. لأن عملية التحديث التي بداأت منذ م رشوع حممد علي النه ضوي الكبري كانت قد ر سخت يف اأدمي الواقع
بنيتها التحتية وجذ رتها. وا ستطاعت التغلغل يف شتى مناحي احلياة اليومية للم رصيني والتاأثري فيها: من تخطيط املدينة وتبدل عمرانها وتغري نوعية م ساكنها مبا يرتتب عليها من تبدل طرائق حياتهم ومن تثوير التعليم اإىل تغري»ر ؤوية العامل«باملفهوم ال شامل لهذا امل صطلح ومن تطور و سائل املوا صالت اإىل اإيقاع احلركة. كانت هذه البنية التحتية قد جتذرت يف الواقع ويف الإن سان. واأدت اإىل النمو املت سارع للحا رضتني امل رصيتني الكبريتني: القاهرة والإ سكندرية ب شكل غري م سبوق واإىل حتولهما اإىل مراكز جذب للكثريين من الأوروبيني من اليونان واإيطاليا خا صة. واأ صبحت احلياة احل رضية واقعا صلبا و صريورة انطوت على جمموعة من التحولت اجلذرية التي انتابت بنية احلياة الإجتماعية ذاتها وطقو سها اليومية. فتحررت من الأن ساق الجتماعية الثابتة اإىل الأن ساق املتحولة. واأ صبحت املدر سة وال صحيفة والكتاب وامل رسح واجلمعية الثقافية من اأدوات احلياة اليومية لالإن سان احل رضي وموؤ س ساتها التي ل غنى عنها مهما حرمها كرومر من التمويل. واأ صبح منط احلياة اجلديد هذا اأداة فاعلة يف تغيري روؤية الإن سان امل رصي لنف سه وللعامل من حوله. وقد تغلغلت يف حياته اليومية اأدوات احل ضارة احلديثة حتى أادت اإىل ميالد»ر ؤوية جديدة للعامل«ت ستوجب بالتايل خطابا جديدا يعرب عنها وي صوغ صبواتها ومطاحمها. لذلك ما اإن اندلعت رشارة حادث دن شواي و أايقظت م رص من كابو س هزمية الثورة العرابية واحتالل الوطن حتى بداأت تلك ال صريورة التحديثية من جديد وبزخم كبري وك أانها مل تتعرث قط. فما اإن م ر عامان بالكاد على هذا احلادث الذي و ضعه م صطفى كامل بقوة على خريطة الوعي الوطني حتى وجدنا أانه قد مت تاأ سي س خم سة اأحزاب مرة واحدة عام 1908 ويوؤ س س كل منها جريدته. ووجدنا كثريا من الن صو ص ال رسدية الرائدة تتربعم يف ال سنوات القليلة التالية لها من»عذراء دن شواي«ملحمود طاهر حقي وحتى»زينب«ملحمد ح سني هيكل»والع رشة الطيبة«ملحمد تيمور. وبداأت الأجنة 13
الأوىل خلطاب جديد ميد جذوره يف اأعمال عبداهلل الندمي الباكرة وروؤاه ويرد للحلم امل رصي الوطني زخمه من جديد يف التربعم والنمو. فكرثت املقالت والكتابات التي تبلور روا سي هذا اخلطاب اجلديد العقلية منها والوطنية على ال سواء. ب صورة رسعان ما جتلت نتائج تراكماتها احلثيثة الباهرة بعد عقد من الزمان يف ثورة 1919. حتوالت اخلطاب الثقايف والروؤية واإذا كانت الثورة مبا تنطوي عليه من بحث عن هوية وطنية وثقافية م ستقلة بنت تراكمات تلك املتغريات اجلديدة وبنت اخلطاب الثقايف التحديثي فاإنها قدمت لهذا اخلطاب دفعة قوية داعمة لأ س سه الفكرية واملنطلقية. واأحالته اإىل خطاب وطن باأكمله ي سعى للحرية وال ستقالل. فقد كان هذا اخلطاب باأ س سه العقلية اجلديدة هو الذي بلور عملية التحول من التفكري التقليدي القدمي باأفقه امل سدود واملحدود اإىل تفكري جديد ينه ض على املنطق والعلم وتعدد الحتمالت املفتوحة ولي س على اجلهل واخلرافة. و أاحال الواقع الجتماعي من الركود الذي عانى منه لقرون من احلكم العثماين و رصاعات املماليك اإىل واقع متحرك ومتغري نتيجة الوعي ب أان التعليم قد اأ صبح اآلة للحراك الجتماعي وتبدل امل صائر التي كانت تعاين من الثبات. ومك ن الإن سان من احللم مب ستقبل اأف ضل ي ستطيع فيه اأن يكون ما يريد ل اأن يتبع ما يراد له واأن يوا صل ما كان يفعله اأبواه دون اأي خيارات بديلة. وهو التحول نف سه الذي انتقل بالفكر الوطني وال سيا سي من روؤية م ستقبل م رص يف اإطار و ضعها املاألوف يف اخلالفة العثمانية اإىل روؤيته يف اإطار الدولة الوطنية احلديثة امل ستقلة. ومن دولة تابعة سيا سيا واقت صاديا اإىل مركز أاجنبي سواء اأكان يف الأ ستانة اأو يف لندن بعد ذلك اإىل دولة 14
م ستقلة لها اأجندتها ال سيا سية التي عرب عنها الوفد والثورة. و رسعان ما بلور اأ س س اقت صادها الوطني الطامح لال ستقالل طلعت حرب مب رشوعاته املختلفة. وعلى ال صعيد الأدبي والفكري كان التحول الناجم عن متغريات البنية التحتية للتحول الثقايف والجتماعي هو بزوغ اخلطاب الأدبي اجلديد باأ شكاله املختلفة من رواية وق صة ق صرية وم رسحية ونقد اأدبي منهجي خالق وهو جن س اأدبي مغاير ملا كان سائدا من قبل من احلوا شي وال رشوح على املتون واملوازنات. ومع هذه الأ شكال الأدبية اجلديدة تبلورت لغة تعبريية جديدة مل يعد مدار اهتمامها هو اللعب بالألفاظ واملح سنات البالغية اإمنا خلق بالغة جديدة تعتمد على املنطق العقلي ودقة التعبري والهتمام بقدرة اللغة على نقل متغريات الواقع والرتقاء بوعي القارئ وتفكريه. وكان هذا اخلطاب الأدبي والثقايف اجلديد ولغته ذات املنطلقات الت صورية املختلفة مغايرا بل مناق ضا متاما للخطاب الذي ساد قبله لقرون واعتمد على الك سل العقلي والتكل س البالغي والتكرار الببغاوي للحوا شي وال رشوح. وهو خطاب برغم قدمه وركاكته كان اأن صاره وامل ستفيدون منه كثريين ومتنفذين معا يتمتعون كمثقفني باجلاه والنفوذ وال سلطة على القارئ والواقع الثقايف على ال سواء. ومن هنا كان ما يعرف باملعارك بني القدمي واجلديد وقد دارت رحاها وا شتدت وتنوعت ق ضاياها طوال العقود الثالثة الأوىل من القرن الع رشين هي يف واقع الأمر معارك على ما يدعوه عامل الجتماع الفرن سي الكبري بيري بورديو براأ س املال الثقايف أاو راأ س املال الرمزي يف املجتمع. وهي املعارك التي انتهى معظمها اإىل انت صار اأن صار اخلطاب اجلديد وزعزعة مكانة اخلطاب القدمي وتاآكل راأ سماله الرمزي. يف سياق هذا اجلدل اأو ال رصاع بني اخلطابني وما ميثله كل منهما من ر أا سمال رمزي كانت كتابات بداية القرن وخا صة يف الأعمال الق ص صية الأوىل لدى جربان خليل جربان )1883 1931( يف لبنان وحممود 15
تيمور 1894( )1973 وحممود طاهر ل شني 1894( )1954 يف م رص تعر ي ملق رجال الدين من اأ صحاب اخلطاب التقليدي وتك شف للمجتمع تهافت منطقهم وف سادهم. سواء اأتعلق الأمر برجال الدين امل سيحي عند )جربان( اأو م شايخ الدين الإ سالمي عند حممود تيمور وحممود طاهر ل شني يف حماولة لزعزعة مكانتهم يف املجتمع و سحب ب ساط ال سلطة والدور واملكانة التي احتازوها عرب تراكم تواريخ النحطاط الثقايف والركود. ول ست يف حاجة هنا إاىل تذكري القراء بالهجوم ال ضاري الذي ينطوي عليه كتاب»الديوان«لعبا س حممود العقاد واإبراهيم املازين على جنوم اخلطاب التقليدي يف الأدب وال شعر من اأحمد شوقي اإىل م صطفى لطفي املنفلوطي وزعزعة مكانتهم الأدبية وجتريدهم من راأ سمالهم الثقايف. بل إان طه ح سني نف سه ناله ما ناله من اأ صحاب اخلطاب القدمي عندما ن رش كتابه العالمة»يف ال شعر اجلاهلي«فما اأحتدث عنه هو حراك جديل و رصاع ثقايف شامل ساد العقود الثالثة الأوىل من القرن الع رشين وانتهى ب سحب الب ساط كلية من حتت اأقدام جنوم اخلطاب التقليدي القدمي والإجهاز على الأ سا س الذي كانت تنه ض عليه شعبيتهم واحرتام القراء لهم و أاهم من هذا كله حلول جنوم اخلطاب اجلديد حملهم. حترير اخلطاب الديني من احتكار التقليد يف سياق هذا ال رصاع على راأ س املال الثقايف الرمزي طوال العقود الأوىل من القرن الع رشين ويف سياق تعزيز مكانة اخلطاب الثقايف اجلديد و سحب الب ساط من حتت أاقدام اخلطاب القدمي والك شف عن عوراته وعطبه ميكن أان نفهم الإطار الذي دارت فيه عملية عقلنة اخلطاب الديني وطرح الأ سئلة املنهجية عليه. وهي العملية التي كان م رشوع طه ح سني يف كتابة إا سالمياته املتعددة جزءا اأ سا سيا منها. ففي سياق هذا ال رصاع بني اخلطابني جنح اخلطاب اجلديد يف زعزعة الأ س س التي ينه ض عليها احتكار 16
املثقف التقليدي للخطاب الديني ويف الك شف عن ا ستغالله ال سيئ لهذا اخلطاب لتحقيق املكا سب املادية منها واحل سية ولي س ابتغاء مر ضاة اهلل كما جند يف الكثري من ق ص ص حممود تيمور يف جمموعاته الأوىل والتي حملت عناوين دالة مثل»ال شيخ سيد العبيطال شيخ جمعةال شيخ عفا اهلل«.. إالخ. وقد تلت عملية تعرية هوؤلء امل شايخ الفا سدين والك شف عن عدم جدارتهم بالحرتام على امل ستوى ال شعبي عرب الق ص ص والروايات التي ل جند فيها»ال شيخ«اإل شخ صية سلبية ل ت ستحق الحرتام حماولت جادة للمثقف احلديث يف الدخول اإىل تلك ال ساحة التي كانت حكرا على املثقف التقليدي وجلب خطابه العقالين ومناهج البحث والتمحي ص التاريخي اإليها. ب صورة اأمكن فيها ت سكني اخلطاب الديني يف قلب اخلطاب احلداثي العقالين اجلديد. وقد بد أا هذه املحاولت العقلية الر صينة واجلادة حممد ح سني هيكل )1888 1956( بكتابه الرائد يف هذا املجال»حياة حممد«1933 والذي تبعه بكتب عديدة اأخرى هي»يف منزل الوحي«1937 و»الفاروق عمر«1944 و»ال صديق أابوبكر«1946. وبالتزامن مع م رشوع هيكل زميل طه ح سني و صديقه انطلق م رشوع طه ح سني يف اإ سالمياته يف العام نف سه بكتاب»على هام ش ال سرية«1933 وتوا صل حتى»ال شيخان«1960. ويف نف س الفرتة عقد الثالثينيات كتب توفيق احلكيم )1898 1987( كتابه احلواري الكبري ول اأقول امل رسحي»حممد«1936 لأنه مل يكن ممكنا اأن يكتب م رسحية باملعنى املاألوف عنه واإن كتب يف الفرتة نف سها»اأهل الكهف«التي ا ستطاع فيها ا ستيعاب املو ضوع الديني يف ال شكل امل رسحي برباعة وتوفيق كبريين. وبداأ عبا س حممود العقاد )1889 1964( سل سلة كتبه املعروفة با سم»العبقريات«والتي بداأها عام 1939 وتتابعت حلقاتها حتى نهاية الأربعينيات. وقد ات سمت كل تلك الأعمال الرائدة با ستيعاب املو ضوع الديني داخل بنية اخلطاب اجلديد واإخ ضاع م رسوداته املتداولة واملعروفة للتمحي ص وملنطق هذا اخلطاب 17
18 العقلي والت صوري وجتريدها مما حلق به من خرافات. وتوا صلت م سرية ا ستيعاب املو ضوع الديني يف بنية اخلطاب اجلديد يف العقود التالية حتى اكت سبت الن صو ص وال رسديات الإ سالمية اجلديدة بعدا عقليا ر صينا وتاأويال فكريا مغايرا ومعا رصا ي ضع الإ سالم يف قلب م رسودات القرن الع رشين اجلديدة ومبنطق ح ضاري وفكري يعي ما يدور يف العامل ويتوجه له بخطاب قادر على إاقناعه. فوجدنا فتحي ر ضوان )1911 1988( يكتب»حممد: الثائر الأعظم«1954 ويروي فيه ق صة الر سول ) صلعم( من منظور اأكرث صحابته راديكالية واأ شد خلفائه عقالنية وحر صا على احلق والعدل واحلرية: عمر بن اخلطاب. يف نوع من الفال ش باك الذي يدور يف راأ س عمر ساعة سماعه خرب موت الر سول ) صلعم(. وهي ا سرتاتيجية رسدية م ك نته حقا من تقدمي ق صة»حممد: الثائر الأعظم«مبنطق إان ساين مقنع ملن يوؤمن بر سالته ومن ل يوؤمن بها على ال سواء. وهو الدور الذي اأخفق فيه اخلطاب القدمي الذي اكتفى بوعظ املوؤمنني وترك الإ سالم عر ضة لنقد مرير من اأعدائه امل سيحيني منهم واليهود. فقد اأدرك اخلطاب اجلديد اأن انفتاحنا على العامل يتطلب منا اأن نقدم ديننا وق صة ر سولنا العظيم ) صلعم( ل ملن يوؤمنون به فح سب ولكن ملن ل يوؤمن به كذلك ومبنطق يقنعه. واأن ن صو ر للعامل اجلانب الثوري باملعنى املعا رص للدعوة الإ سالمية و إابراز جوانب الثورة الجتماعية والفكرية والت رشيعية التي تنطوي عليها باملقارنة بغريها من الثورات الإن سانية. ويف الفرتة نف سها كتب م صطفى حممود )1921 2009( كتابة ال شهري»اهلل والإن سان«عام 1956 يهاجم فيه املتاجرة بالدين لأن كل متاجرة به ل ت ستهدف وجه اهلل ول ت صب يف م صلحة الإن سان. ويك شف فيه اأن الذين يتاجرون باهلل والإن سان يفعلون ذلك ل من اأجل اهلل أاو الإن سان واإمنا من اأجل حتقيق املكا سب والأموال فهم ل يبتغون وجه اهلل ول يخدمون الإن سان. ويعري فيه ملق رشكة اآرامكو لطباعتها القر آان الكرمي طباعة فخمة وهي ل ت ؤومن مبا جاء فيه ناهيك عن أان تعمل به بل ويف جمل س اإدارتها عدد من غالة امل سيحيني ال صهاينة املتطرفني الذين ل ي ضمرون للم سلمني اأي خري. وهو
الكتاب الذي لقي رواجا كبريا وقتها واإن تراجع موؤلفه ال شيخ عنه يف فرتة تالية من حياته حينما اكت شف هو نف سه كم هي جمزية التجارة بالدين وكم توفر من ثراء مل يوفره له نقد املتاجرين به. وبلغت تلك امل سرية ذروتها يف عقد ال ستينيات بن رش عبدالرحمن ال رشقاوي )1920-1987( كتابه»حممد: ر سول احلرية«1961 الذي وا صل فيه جتربة فتحي ر ضوان وطو رها وك شف فيه مبنهجية علمية عن مكونات ال رصاع الجتماعي والطبقي وال سيا سي يف اجلزيرة العربية وعن حترير الر سول ) صلعم( ل إالن سان من ربقة العبودية الجتماعية والروحية على ال سواء قبل قرون من انطالق اأي دعوة لتحرير العبيد يف الغرب اأو يف اأي مكان بالعامل. وكيف دافعت دعوته عن امل ضطهدين واملحرومني واملظلومني قبل كل الثوار الجتماعيني بقرون. كما شهد عقد ال ستينيات اأي ضا حترر اخلطاب الديني عن الإ سالم من سطوة املوؤ س سة الدينية التقليدية كلية اإىل احلد الذي وجدنا معه قبطيا وهو نظمي لوقا )1923 1987( يكتب ق صة النبي يف»حممد: الر سالة والر سول«1959. فتقرر وزارة املعارف وقتها طبع الكتاب وتوزيعه على طلبة املدار س الثانوية. لكن هذه امل سرية املهمة يف حتديث اخلطاب الديني وو ضعه و سط اخلطابات التاريخية العقلية املقنعة يف قلب القرن الع رشين والتي ا ستمرت لأربعة عقود من بدايات ثالثينيات القرن حتى نهايات ستينياته رسعان ما انقلبت صريورتها وانعك س اجتاهها يف العقود الأربعة الأخرية. فقد مت ا ستغالل النك سة باعتبارها نهاية امل رشوع التحديثي العقالين وبداية التحول صوب اخلطاب املتاأ سلم اأو املتاأ سلف الذي منحه ال سادات دعمه ال سيا سي عقب ت سلمه لل سلطة و إاعالن اأن دولته هي دولة العلم والإميان. وعاد اخلطاب التقليدي ب رشا سة لينتزع الب ساط من جديد من حتت اأقدام اخلطاب احلديث ويكت سب ب سلطة الدولة والإعالم اجلديد والدعم اخلارجي غري املحدود شعبية كبرية ل بني املتعلمني واإمنا بني الأميني الذين توجه لهم هذا اخلطاب عرب و سائل الإعالم املرئية منها وامل سموعة. وجنح اخلطاب 19
القدمي يف فر ض احلجاب على روؤو س الن ساء واإ سداله على عقول الرجال معا. وو صلت هذه امل سرية ذروتها يف فتاوى ا ستحالل دم جنيب حمفوظ والعتداء الآثم على حياته ودعوات حترمي الأدب والفن وم صادرة الكتب والروايات. لكن درا سة هذه امل سرية املقلوبة والتي انتهت ب شيطنة الإ سالم يف الغرب وتف شي )الإ سالموفوبيا( فيه بعدما كانت امل سرية الأوىل قد ك سبت له اأن صارا بني مثقفيه ووجدنا الكثريين من امل ست رشقني من اأمثال مونتجومري وات يف بريطانيا ومك سيم رودن سون يف فرن سا يدافعون عنه بقوة وميجدون سرية ر سوله الكرمي ) صلعم( ويكتبون عنه بكل احرتام وتقدير لي ست مو ضوع اهتمامنا هنا واإن كانت مو ضوعا جديرا بالدرا سة ملعرفة باثولوجيا الراهن امل رصي والعربي يف الزمن الرديء. طه ح سني وحتديث اخلطاب التاريخي: فما يهمنا هنا هو مو ضعة م رشوع اإ سالميات طه ح سني يف سياقه من ناحية والتقدمي لآخر كتب هذا امل رشوع»ال شيخان«من ناحية اأخرى. والواقع اأن مدخل طه ح سني اإىل اإ سالمياته تلك كان كما راأينا يف سياقاتها ينه ض على مبد أاين أا سا سيني: أاولهما اأن يعيد كتابة هذا اخلطاب القدمي بلغة حديثة م ضافا اإليها م شاعر من يعرفها يف اأ صولها القدمية ووعيه بت أاثريها الكبري عليه. فقد بداأ طه ح سني م رشوع اإ سالمياته الكبري كما يقول يف مقدمته ل»على هام ش ال سرية«بالرغبة يف تقدمي ما ترويه كتب الرتاث العربي املهمة عن ال سرية النبوية إاىل القراء الذين ان رصفوا عن قراءة تلك الكتب وعن قراءة ال سرية وعن قراءة الآداب القدمية ملا يواجهون فيها من صعوبات. ونقل اأهم ما فيها بلغة سهلة ومنطق سليم م ضافا اإليه ما ترتكه يف نف سه قراءة الأ صول من م شاعر واأحا سي س.»فلي س يف هذا الكتاب اإذن تكلف ول ت صنع ول حماولة لالإجادة ول اجتناب للتق صري. و إامنا هو صورة ي سرية طبيعية صادقة لبع ض ما اأجد من ال شعور حني اأقراأ 20
هذه الكتب التي ل اأعدل بها كتبا أاخرى مهما تكن والتي ل أامل قراءتها والأن س بها والتي ل ينق ضي حبي لها و إاعجابي بها وحر صي على اأن يقراأها النا س. ولكن النا س مع الأ سف ل يقر ؤوونها لأنهم ل يريدون اأو لأنهم ل ي ستطيعون. فاإذا ا ستطاع هذا الكتاب اأن يحبب اإىل ال شباب قراءة كتب ال سرية خا صة وكتب الأدب العربي القدمي عامة والتما س املتاع الفني يف صحفها اخل صبة ف أانا سعيد حقا موفق حقا لأحب الأ شياء اإيل واآثرها عندي«.»على هام ش ال سرية ص ط«وطه ح سني يريد لهذه القراءة وملا يتمخ ض عنها من معرفة اأن تكون قراءة فاعلة حتث القراء على ا ستلهام تراثهم القدمي يف كتابتهم اجلديدة واإبداعاتهم املعا رصة كما ي ستلهم الغربي تراثه يف أاعماله الأدبية والفكرية املعا رصة فيدير احلا رض حواره مع املا ضي ويغتني به. اأما املبداأ الثاين فهو اأن يقدم هذه املرحلة بلغة سهلة ي سرية الفهم وال ستيعاب اإىل القارئ اجلديد بكل دقة و أامانة وب صورة جتعل الكتاب اجلديد بديال موثوقا به عن الكتب القدمية الكثرية وال صعبة يف هذا املجال. لأنه يقدم جوهرها ويدقق يف رواياتها وميح صها ويلتزم الأمانة يف تعامله معها. إاذ يقول:»واأحب اأن يعلم النا س اأي ضا اأنني و سعت على نف سي يف الق ص ص ومنحتها من احلرية يف رواية الأخبار واخرتاع احلديث ما مل اأجد به باأ سا. اإل حني تت صل الأحاديث والأخبار ب شخ ص النبي اأو بنحو من اأنحاء الدين فاإنني مل اأبح لنف سي يف ذلك حرية ول سعة. و إامنا التزمت ما التزمه املتقدمون من اأ صحاب ال سرية واحلديث ورجال الرواية وعلماء الدين. ولن يتعب الذين يريدون اأن يردوا ف صول هذا الكتاب القدمي يف جوهره واأ صله اجلديد يف صورته و شكله اإىل م صادره القدمية التي اأخذ منها. فهذه امل صادر قليلة جدا ل تكاد تتجاوز سرية ابن ه شام وطبقات ابن سعد وتاريخ الطربي. ولي س يف هذا الكتاب ف صل اأو نباأ اأو حديث اإل وهو يدور حول خرب من الأخبار ورد يف كتاب من هذه الكتب«. )على هام ش ال سرية ص ك( ويوؤكد هذا املقتطف أان لكل ما يف الكتاب اأ صوله 21
22 يف ثقات كتب ال سرية والتاريخ الإ سالمي. واأن منهج طه ح سني يف الكتابة يلتزم بالدقة وال صدق والأمانة وخا صة حينما يت صل الأمر ب شخ ص النبي أاو باأمر من اأمور الدين. حيث يرجع فيها كل شيء اإىل م صادره الأولية املوثوق فيها مع اأنه يتيح لنف سه يف غري ذلك الت رصف وفق ما يقت ضيه املنطق والعقل وما يعزز عملية الإقناع. فتحديث اخلطاب الديني عند طه ح سني يلتزم باحلقائق امل ستقرة يف الكتب الثقات. وهو اأمر يكرره طه ح سني يف كتابه»الفتنة الكربى«حينما يوؤكد اأن املنهج الذي اختطه فيه هو منهج التدقيق العلمي يف كتابة التاريخ. اإذ يفتتح اجلزء الأول من»الفتنة الكربى«ب»هذا حديث اأريد اأن اأخل صه للحق ما و سعي اإخال صه للحق وحده. واأن اأحترى فيه ال صواب ما ا ستطعت اإىل حتري ال صواب سبيال واأن اأحمل نف سي فيه على الإن صاف ل أاحيد عنه ول اأمالئ فيه حزبا من اأحزاب امل سلمني على حزب ول اأ شايع فيه فريقا من الذين اخت صموا يف ق ضية عثمان دون فريق. فل ست عثماين الهوى ول ست شيعة لعلي. ول ست اأفكر يف هذه الق ضية كما كان يفكر فيها الذين عا رصوا عثمان واحتملوا معه ثقلها وجنوا معه اأو بعده نتائجهاالفتنة الكربى: عثمان ص 4«فهو ي ضيف هنا اإىل رضورة اللتزام باحلقائق التاريخية املجردة واملوثقة احليدة وال رصامة املنهجية. ثم يوا صل:»واأنا اأريد اأن اأنظر إاىل هذه الق ضية نظرة خال صة جمردة ل ت صدر عن عاطفة ول هوى ول تتاأثر بالإميان ول بالدين واإمنا هي نظرة املوؤلف الذي يجرد نف سه جتريدا كامال من النزعات والعواطف والأهواء مهما تختلف مظاهرها وم صادرها وغاياتها«. )الفتنة الكربى: عثمان ص 5( نحن هنا باإزاء كتابة جديدة للتاريخ مغايرة حل شد الروايات وجتميعها دون منهج وا ضح لأنها كتابة تاأخذ يف اعتبارها مكونات التاريخ الجتماعية والقت صادية وال سيا سية والب رشية على ال سواء وتزن دور كل مكون من هذه املكونات مبيزان علمي دقيق. حتى ل يبدو التاريخ للقارئ وكاأنه تراكم من الأحداث دون منطق اأو عل ة واإمنا على اأنه عملية صريورة
اإن سانية فكرية واجتماعية معا ترتبط فيها النتائج بالأ سباب والدوافع بالظروف والأحداث. فاإذا كانت الكتابة»على هام ش ال سرية«كما يقول العنوان امل ستقى من كتب الهوام ش واحلوا شي بعد اأن اأحدث فيها بحق ثورة اأدبية وتعبريية ي سرية ي سهل متييز التاريخي فيها من املوؤول اأو ما اأحيط بهالت من اخلرافة اأو الأ سطورة. وكانت الكتب الثالثة الكربى» سرية ابن ه شام«و»الطبقات الكربى«لبن سعد و»تاريخ الطربي«مراجع ثقات ميكن الركون اإليها والعتماد عليها يف فرز الأ صيل من الدخيل يف كل تلك الروايات التي دارت على هام شها وا ستفاد منها الكاتب يف خلق ال سياق واملناخ والروؤية. ف إان الكتابة عن»الفتنة الكربى«كانت ع سرية. كانت الكتابة عن تلك الفرتة امل ضطربة يف صدر الإ سالم ع سرية بحق وهذا ما ي ضفي على كتابته عنها اأهمية م ضاعفة لأن كثريا مما كتب عن وقائع هذه الفتنة و أاحداثها يف املراجع وامل صادر القدمية دو ن بعد سياقات الفتنة و أاحداثها وحمل الكثري من تر سبات تلك الأحداث وت أاويالتها وتربيرات الراوين لها ودوافعهم ومن ت صورات املوؤرخني لها ومواقفهم من خالفاتها وما تركته يف نفو سهم حولها ح سب مواقعهم من أاحداثها. فقد أاطلقت جمريات الأحداث األ سنة الرواة املتع صبني بكذب كثري وروى كثري من املوؤرخني هذه الأكاذيب دون متحي ص اأو تدقيق اأو تعري ض ل ضوء املنطق والروايات املغايرة. كما اأن كثريا من تلك الروايات نقلت م شافهة و صنعت فيها الذاكرة وهي بطبعها خ ؤوون صنيعها. لذلك حترى طه ح سني يف الكتابة عنها الدقة وال رصامة املنهجية ب صورة جتعل كتابه رائدا يف هذا املجال. وكاد اأن يخل ص من درا سته لها باأن بع ض ما اأدى اإليها يعود اإىل ا صطدام الواقع باآليات حراكه ال سيا سي والجتماعي بعد ات ساع رقعة الدولة الإ سالمية وتنامي خراجها باملثال الأخالقي والقيمي والديني النادر الذي اأر سى ال شيخان أابو بكر وعمر قواعده الأوىل على اأر ض اجلزيرة العربية. ب صورة اأ صبح من الع سري على من جاء بعدهما اأن يطبق هذا املثال النموذجي الذي مل تنجح الب رشية حتى الآن يف الو صول اإىل مثله صدقا وعدل وحرية. فقد قال الرواة اإن عمر بن اخلطاب قال»اإن 23
اأبا بكر اأتعب من جاء بعده«ولي س من شك يف اأن»عمر كان اأ شد من اأبي بكر اإتعابا ملن جاء بعده. ف سرية هذين الإمامني قد نهجت للم سلمني يف سيا سة احلكم ويف اإقامة اأمور النا س على العدل واحلرية وامل ساواة نهجا شق على اخللفاء وامللوك من بعدهما اأن يتبعوه. فكانت نتيجة ق صورهم عنه طوعا اأو كرها هذه الفتنة التي قتل فيها عثمان رحمه اهلل والتي جنمت منها فنت اأخرى قتل فيها علي ر ضي اهلل عنه و سفكت فيها دماء كثرية كره اهلل اأن ت سفك وانق سمت فيها الأمة الإ سالمية انق ساما مازال قائما اإىل الآن«.»ال شيخانال شيخان«: ذروة م رشوع االإ سالميات: ول اأدري اإذا ما كان طه ح سني قد خطط م رشوعه من البداية بهذا الرتتيب الذي بداأ ب»على هام ش ال سرية«وانتهى ب»ال شيخان«بعدما فرغ من»الفتنة الكربى بجز أايها«اأم اأن الكتب توالدت من بع ضها البع ض على هذا النحو. لكنني اأقراأ يف م سارها منطقا رائعا يجعل»ال شيخان«ذروة امل رشوع ونهايته الطبيعية التي ج سدت تلك اليوتوبيا التي حلم بها الإن سان منذ فجر اخلليقة ومل تتحقق على الأر ض اإل يف عهد ال شيخني جاعلة الإ سالم أا سمى ما و صلت اإليه احل ضارة الإن سانية من قبل وما تزال ت صبو اإليه من بعدهما. فبعد اأن ر سم لنا اخلريطة الثقافية والجتماعية للمجتمع العربي قبل الر سالة وتتبع تطور الر سالة املحمدية ور صد لنا كل ما دار على هام ش سريتها العطرة من اأحداث و شخ صيات. ب صورة جعلتنا نعرف هذا الواقع املوغل يف القدم بن صاعة وحيوية كما يعرف الإن سان حا رضه وجمتمعه انتقل اإىل حديث»الفتنة الكربى«وت صاريف اأحداثها بتدقيق واأناة. وتتبع يف جزئي هذا الكتاب كيفية تخلق اخلالف يف صدر الإ سالم وتولد 24
ال رصاع بني املثال املرجتى والواقع املدعوم ب ضعف النف س الإن سانية وعدم صربها على املثاليات الكربى التي اأر سى الإ سالم اأ صولها وج سد ال شيخان جمتمعها بعد اكتمال الر سالة ووفاة الر سول ) صلعم(. وكيف تربعمت الفتنة وتوالدت اأجنة الفرقة بني ال صحابة على كيفية ت سيري اأمور الدولة الإ سالمية التي وا صلت النمو والت ساع يف عهد عثمان بعد اأن كان عمر قد مد نطاقها من اجلزيرة اإىل بالد فار س ومن ال شام اإىل م رص و شمال اإفريقيا. وكيف بداأ عدم الر ضا على ت رصفات اخلليفة وحماباته لأقربائه ين رش سمومه بني امل سلمني بعد اأن كان اخلليفة مثال يحتذى يف ال سلوك واملواقف. وكيف انتهت تلك الفرقة اإىل الثورة على عثمان وقتله. وكيف اأ صبح الأمر بعده بالغ ال صعوبة حينما توىل علي اخلالفة واأراد العودة بها إاىل سرية عمر و رصامته النموذجية فرف ض من اأف سدهم الرثاء مثل معاوية بيعته واأعلنوا احلرب عليه بحجج واهية مثل الثاأر لدم عثمان وهو اأمر مل يفعله معاوية حتى بعد اأن انتهت اإليه اخلالفة بالغدر واحلرب والدهاء. ثم تفرق امل سلمون بعدها اإىل شيع متناحرة بل ومتحاربة يف ال سنوات اخلم س التي حكم فيها علي بن اأبي طالب. وهي سنوات ات سمت باحلروب املاأ ساوية بني امل سلمني بع ضهم البع ض حيث بداأت بحرب علي الناكثني: الذين نكثوا بيعتهم له وعلى ر أا سهم طلحة والزبري وتبعها بحربه للقا سطني الذين اأبوا اأن يبايعوه وعلى ر أا سهم معاوية وداهيته عمرو بن العا ص. ويف ظني اأن ماأ ساوية الفتنة الكربى ووقع اأحداثها الدامي على النف س هو الذي دفع طه ح سني اإىل العودة اإىل درا سة ما قام به ال شيخان من جت سيد لدولة اخلالفة: دولة احلق والعدل واحلرية على الأر ض. وخلق النموذج الإ سالمي كيوتوبيا لالإن سانية جمعاء ب رصف النظر عن دياناتها واأعراقها مل يحقق املجتمع الإن ساين مثيال لها حتى اليوم. فقد كان وعي طه ح سني ب أاهمية هذا النموذج وندرته و صعوبته معا يتخلل كتابه»الفتنة الكربى«. حيث يك شف فيه عن اأن جتربة ال شيخني كانت سابقة لزمانها يف مثاليتها وعدلها حني يقول:»واأكاد اأعتقد اأن اخلالفة الإ سالمية كما فهمها اأبو بكر وعمر اإمنا كانت جتربة جريئة تو شك اأن تكون مغامرة ولكنها مل تنته اإىل 25
26 غايتها ومل يكن من املمكن اأن تنتهي إاىل غايتها لأنها اأجريت يف غري الع رص الذي كان ميكن اأن جتري فيه سبق بها هذا الع رص سبقا عظيما. وما راأيك يف اأن الإن سانية مل ت ستطع اإىل الآن على ما جربت من جتارب وبلغت من رقي وعلى ما بلغت من فنون احلكم و صور احلكومات اأن تن شئ نظاما سيا سيا يتحقق فيه العدل ال سيا سي بني النا س على النحو الذي كان اأبو بكر وعمر يريدان اأن يحققاه«.»الفتنة الكربى: عثمان ص - 5 6«. فقد»كانت القاعدة الأ سا سية التي اأقام عليها اأبوبكر وعمر نظام حكمهما هي اأن ي سريا سرية النبي يف امل سلمني ما وجدوا اإىل ذلك سبيال. و سرية النبي يف امل سلمني معروفة اإىل اأبعد حد ممكن. وكان قوام هذه ال سرية حتقيق العدل اخلال ص املطلق بني النا س. وما نحتاج فيما نظن اأن نقيم على ذلك دليال. وح سبنا اأن نذكر من ل يذكر اأن الإ سالم اإمنا جاء قبل كل شيء بق ضيتني اثنتني: اأولهما التوحيد وثانيتهما امل ساواة بني النا س«.»الفتنة الكربى: عثمان ص 10«واإذا كان من الي سري اأن ي ؤومن النا س بوحدانية اهلل الذي ل اإله اإل هو فاإن حتقيق امل ساواة بني النا س مع ما ج بل عليه الإن سان من ضعف وا ست سالم ل أالهواء لي س ي سريا باأي حال من الأحوال. وهو اأمر حققه ال شيخان و أاخفقت الإن سانية يف حتقيقه بعدهما بل أاخفقت الأمة الإ سالمية نف سها يف ال ستمرار فيه بعدهما واإل ملا دبت الفتنة بينهم وملا كربت. وقد يبدو اأمر العدل واحلرية وامل ساواة بني النا س منطقيا وي سريا حينما نتحدث عنه ولكن تطبيقه يف الواقع أامر بالغ الع رس حمفوف باملزالق واملخاطر تنه ض يف وجهه الكثري من ال صعوبات خا صة حينما نبداأ يف تدبري أامور جمتمع من املجتمعات وتوزيع الأدوار فيه بني حاكم وحمكوم. يقول طه ح سني:»اإن اأمر اخلالفة كله قام على البيعة اأي على ر ضا الرعية فاأ صبحت اخلالفة عقدا بني احلاكمني واملحكومني يعطي اخللفاء على أانف سهم العهد أان ي سو سوا امل سلمني باحلق والعدل واأن يرعوا م صاحلهم و أان ي سريوا فيهم سرية النبي ما و سعهم ذلك. ويعطي امل سلمون على اأنف سهم
العهد اأن ي سمعوا ويطيعوا واأن ين صحوا ويعينوا«.»الفتنة الكربى عثمان ص 25«فنحن هنا باإزاء تعاقد اجتماعي حر بني احلاكم واملحكوم ينه ض على احلق والعدل وابتغاء مر ضاة اهلل. ويتاأ س س على احلرية املطلقة منذ هذا الزمن الباكر. فقد كان اأول ما قاله اأول الرا شدين اأبوبكر ال صد يق يف خطبته التي تروى عنه عقب بيعته والتي يرد حديثها يف هذا الكتاب الذي نقدمه لك:»اإن اأح سنت فاأعينوين واإن اأخطاأت فقوموين... اأطيعوين ما اأطعت اهلل ور سوله فاإذا ع صيت اهلل ور سوله فال طاعة يل عليكم«. هكذا يك شف العهد الأول اأو العقد الجتماعي ال سيا سي الأول الذي قامت عليه ال سلطة الب رشية الأوىل يف الإ سالم بعد موت الر سول ) صلعم( الذي كان يتلقى الوحي عن اهلل عز وجل عن اأنه عهد بني اأحرار مت ساوين يف احلقوق والواجبات»اإن اأح سنت فاأعينوين واإن اأخطاأت فقو موين«. وهو عقد اجتماعي سيا سي على اأ س س مثالية بالغة الدقة والو ضوح. وقد ا ستمر هذا العقد واكت سب قدرا اأكرب من ال رصامة مع عمر ابن اخلط اب الذي و ضع أا سا س احلكم يف خطبة تولية احلكم بعد أان فرغ من دفن اأبي بكر على م ستويني: الأول هو أان يقوم هو بنف سه باإحقاق العدل وتوفري احلرية.»باأن ما ح رضه من اأمر امل سلمني با رشه بنف سه ول يبا رشه اأحد دونه وما غاب عنه من اأمرهم ول ه اأهل الأمانة والكفاية فاإن اأح سن هوؤلء الولة زادهم اإح سانا واإن أا سا ؤووا نك ل بهم. فلم يغري طول خالفته من ذلك العهد شيئا ال شيخان«. والثاين هو ما يخ ص الرعية ممن ل ي ستطيع اأن يبا رش أامرهم بنف سه. فقد ر سم لعماله اأي ولته على الأم صار سبل التعامل مع الرعية بو ضوح وجالء. إاذ كان عمر»ل ميل من أان يقول لأهل املدينة وملن ورد عليه من أاهل الأم صار: اإين مل اأر سل عمايل لي رضبوا اأب شار النا س ول ليظلموهم واإمنا اأر سلتهم ليعلموا النا س دينهم و سن ة نبيهم ويق سموا بينهم فيئهم ويقيموا اأمرهم كله على العدل. وكان كثريا ما يتقدم اإىل عماله يف األ ي رضبوا امل سلمني فيذلوهم ول يحرموهم فيكفروهم ول ينزلوهم الغيا ض في ضيعوهم. وكان ل يرى اأحدا من بع ض جيو شه اإل ساأله عن اأمره كله وعن اأمر اجلند وعن سرية قوادهم فيهم«.»ال شيخان«27
28 وكان ان شغال طه ح سني بالك شف عن حقيقة هذا التعاقد الجتماعي ال سيا سي ودوره يف إار ساء قواعد دولة احلق والعدل واحلرية هو شاغله الأ سا سي يف كتابة كتابه عن»ال شيخني«لأنه مل يكن م شغول كما يوؤكد لنا يف ت صدير كتابه بت صوير ما جرى يف فرتة خالفتهما من اأحداث كبار: من رد أابي بكر العرب إاىل الإ سالم بعد أان جحدوه وحاولوا التمل ص من بع ض أاركانه بقبولهم ال صالة ورف ض الزكاة. واإعادة اجلزيرة العربية كاملة لالإ سالم والإجهاز على دعاوى املتنبئني الكثريين الك ذ بة من م سيلمة يف اليمامة اإىل الأ سود العن سي يف اليمن اإىل طليحة يف بني اأ سد و سجاح يف بني متيم وغريهم. أاو باإخراج عمر الروم من ال شام واجلزيرة وم رص وبرقة واإخراج الفر س من العراق والق ضاء على سلطانهم يف بالدهم ون رش الإ سالم يف كل تلك الربوع التي مل تعرفه من قبل. فكل هذه الوقائع التاريخية معروفة كتب عنها املوؤرخون. ولكن ما شغله بالكتابة عنهما هو الك شف عن دورهما يف تاأ سي س دولة الإ سالم النموذجية بل يوتوبيا الإن سان التي ما زال يحلم بتاأ سي سها على الأر ض. وحر ص عمر على و ضع قواعد هذه الدولة على الأ س س التي أاقامها عليها الر سول الكرمي. و شدته مع ولته وحر صه على العدل واإن صاف امل سلمني ل من بع ضهم البع ض فح سب واإمنا من الولة بل من اخلليفة نف سه. أاو باخت صار شديد كي ل اأف سد على القارئ ال ستمتاع بقراءة هذا الكتاب القيم كان شاغل طه ح سني الكبري بعدما فرغ من كتابه»الفتنة الكربى«هو ر سم ال صورة النموذجية لدولة اخلالفة الإ سالمية التي اأدت القطيعة معها والنحراف بها عن مبادئها الأ سا سية بعد ال سنوات اخلم س الأوىل من خالفة عثمان إاىل اختالف امل سلمني واحرتابهم حتى اليوم. وال س ؤوال الذي قد يتبادر اإىل الذهن ونحن نقراأ هذا الكتاب عن»ال شيخني«: ملاذا كتب طه ح سني عنهما يف كتاب واحد ومل يفرد لكل منهما كتابا خا صا به كما فعل حممد ح سني هيكل ثم عبا س حممود العقاد من قبله وهو سوؤال وجيه بال شك فكل منهما ي ستحق كتابا باأكمله ولكن طه ح سني و ضعهما يف كتاب واحد لأنه راأى اأنهما قدما معا م رشوعا واحدا
متكامل الأركان مو صول احللقات هو م رشوع اخلالفة يف اأرقى صورها واأكرثها عدل ومثالية. واأن سنوات خالفتهما الثنتي ع رشة فقد ا ستمرت خالفة أابو بكر ال صديق لعامني ) 10 ه/ 632 13 ه/ 634 ( وخالفة عمر بن اخلطاب لع رشة ) 13 ه/ 634 23 ه/ 644 ( هي فرتة واحدة م ستمرة ومتكاملة. واأن بداية الفتنة يف املجتمع اأو القطيعة مع م رشوع اخلالفة النموذجي ويوتوبياه الإن سانية مل تبداأ اإل بعد ال سنوات اخلم س الأوىل من خالفة عثمان بن عفان ) 23 ه/ 644 35 ه/ 656 ( ثم تعرثت بعدها حماولت علي بن اأبي طالب ) 35 ه/ 656 40 ه/ 661 ( يف العودة بها اإىل جادة ال صواب. فقد قال عمر بن اخلطاب»لو ولوها الأجلح أاي علي حلملهم على اجلادة«. ولكنهم ولوها له بعد اأن كانت الرفاهية املادية الناجمة عن ات ساع الفتوح قد اأف سدت النفو س والعقول على ال سواء فلم ي ستطع أان يعود بهم اإىل جادة ال صواب. 29
30
ب سم اهلل الرحمن الرحيم 1 هذا حديث موجز عن ال شيخني: أابي بكر وعمر رحمهما اهلل. وما اأرى اأن سيكون فيه جديد مل اأ سبق إاليه فما أاكرث ما كتب القدماء واملحدثون عنهما!وما اأكرث ما كتب امل ست رشقون عنهما اأي ضا! واأولئك وهوؤلء جد وا يف البحث وال ستق صاء ما أاتيحت لهم و سائل البحث وال ستق صاء واأولئك وهوؤلء قد قالوا عن ال شيخني كل ما كان ميكن أان يقال. ولو اأين أاطعت ما أاعرف من ذلك ملا أاخذت يف اإمالء هذا احلديث الذي يو شك أان يكون معادا ولكني أاجد يف نف سي من احلب لهما والرب بهما ما ي غريني بامل شاركة يف احلديث عنهما. وقد راأيتني حتدثت عن النبي صلى اهلل عليه و سلم يف غري مو ضع وحتدثت عن عثمان وعلي رحمهما اهلل ومل اأحتدث عن ال شيخني حديثا خا صا بهما مق صورا عليهما. و أاجد يف نف سي مع ذلك شعورا بالتق صري يف ذاتيهما كما اأجد يف ضمريي شيئا من اللوم الالذع على هذا التق صري. و أانا مع ذلك ل أاريد اإىل الثناء عليهما واإن كانا للثناء اأهال فقد اأثنى عليهما النا س فيما تعاقب من الأجيال. والثناء بعد هذا ل يغني عنهما شيئا 31
32 ول يجدي على قارئ هذا احلديث شيئا. وقد كانا ر ضي اهلل عنهما يكرهان الثناء اأ شد الكره ي ضيقان به أاعظم ال ضيق. وما أاريد اأن اأف ص ل الأحداث الكثرية الكربى التي حدثت يف اأيامهما فذلك شيء يطول وهو مف ص ل اأ شد التف صيل فيما كتب عنهما القدماء واملحدثون. و أانا بعد ذلك اأ شك اأعظم ال شك فيما ر وي عن هذه الأحداث و أاكاد اأقطع ب أان ما كتب القدماء من تاريخ هذين الإمامني العظيمني ومن تاريخ الع رص الق صري الذي ول يا فيه أامور امل سلمني اأ شبه بالق ص ص منه بت سجيل حقائق الأحداث التي كانت يف اأيامهما والتي شقت لالإن سانية طريقا إاىل حياة جديدة كل اجلدة. فالقدماء قد أاكربوا هذين ال شيخني اجلليلني اإكبارا يو شك أان يكون تقدي سا لهما ثم اأر سلوا اأنف سهم على سجيتها يف مدحهما والثناء عليهما. واإذا كان من احلق اأن النبي صلى اهلل عليه و سلم نف سه قد كذب النا س عليه وكان كثري من هذا الكذب م صدره الإكبار والتقدي س فال غرابة يف اأن يكون اإكبار صاحبيه العظيمني وتقدي سهما م صدرا من م صادر الكذب عليهما اأي ضا. والقدماء يق ص ون الأحداث الكربى التي كانت يف اأيامهما كاأنهم قد شهدوها ور أاوها راأي العني مع اأننا نقطع باأن اأحدا منهم مل ي شهدها واإمنا اأر خوا لهذه الأحداث باأخرة. ولي س اأ شد ع رسا من التاأريخ للمواقع احلربية وو صفها و صفا دقيقا كل الدقة صادقا كل ال صدق بريئا من الإ رساف والتق صري. والذين ي شهدون هذه املواقع وي شاركون فيها ل ي ستطيعون اأن ي صفوها هذا الو صف الدقيق ال صادق لأنهم مل يروا منها اإل اأقل ها و أاي رسها مل يروا اإل ما عملوا هم وما وجدوا وقد شغلهم ذلك عما عمل غريهم. وما ظنك باجلندي الذي هو دائما م شغول بالدفاع عن نف سه واتقاء ما ي سوقه اإليه خ صمه من الكيد أاتراه قادرا على أان يالحظ ما يحدث حوله وما يحدث بعيدا عنه من الهجوم والدفاع ومن الإقدام والإحجام هيهات! ذلك شيء ل سبيل اإليه. واإمنا ي ستطيع امل ؤورخون املتقنون أان يحققوا عواقب املواقع وما يكون
من انت صار جي ش على جي ش وانهزام جي ش اأمام جي ش وما يكون اأحيانا من اإبطاء الن رص اأو إا رساعه ومن طول املواقع اأو ق رصها ومن امتحان اجلي شني املحرتبني مبا يكون فيهما أاو يف أاحدهما من كرثة القتلى واجلرحى ومن اخلطط التي يتخذها القواد للهجوم والدفاع وما يكون لهذه اخلطط من جنح اأو اإخفاق. ف أاما اإح صاء القتلى واجلرحى والغرقى - إان ا ضطر اجلي ش املنهزم اإىل عبور نهر اأو قناة- واإح صاء املنهزمني بل اإح صاء اجليو ش نف سها قبل اأن تلتقي وحني تلتقي ف شيء ل سبيل اإليه ول سيما بالقيا س إاىل الأحداث التي كانت يف الع صور القدمية حني مل يكن هناك اإح صاء دقيق وحني مل يكن للنا س علم مبناهج البحث وال ستق صاء وحتقيق اأحداث التاريخ. وقدماء امل ؤورخني من العرب مل يعرفوا من اأمر هذه الأحداث الكربى اإل ما تناقله الر واة من العرب واملوايل فهم إامنا عرفوا تاريخ هذه الأحداث من طريق املنت رصين وحدهم بل من طريق الذين مل ي شهدوا النت صار باأنف سهم. و إامنا نقلت اإليهم اأنباوؤه نقال اأقل ما ميكن أان يو صف به اأنه مل يكن دقيقا. وهم مل ي سمعوا أانباء هذا النت صار من املنهزمني بني فر س وروم واأمم اأخرى شاركتهم يف احلرب و شاركتهم يف الهزمية فهم سمعوا صوتا واحدا هو ال صوت العربي. و أاي رس ما يجب على امل ؤورخ املحقق اأن ي سمع اأو يقراأ ما حتدث به أاو كتبه املنهزمون واملنت رصون جميعا. والأحداث الكربى التي كانت اأيام ال شيخني خطرية يف نف سها تبهر الذين ي سمعون أانباءها أاو يقرءونها فلي ست يف حاجة اإىل اأن يتكرث يف روايتها املتكرثون ول اإىل اأن يحيطها الرواة مبا أاحاطوها به من الغلو والإ رساف فرد العرب اإىل الإ سالم بعد اأن جحدوه و إاخراج الروم من ال شام واجلزيرة وم رص وبرقة واإخراج الفر س من العراق والق ضاء على سلطانهم يف بالدهم كل هذه الأحداث ل سبيل إاىل ال شك فيها ول يف وقوعها يف هذا الع رص الق صري اأثناء خالفة ال شيخني وهي اأحداث ت صف نف سها وتدل على خطورتها ولي ست حمتاجة اإىل املبالغة يف و صفها لأنها فوق كل مبالغة مع اأنها حقائق ل معنى لل شك فيها. 33
34 من أاجل هذا كله اأعر ض عن تف صيل هذه الأحداث كما رواها القدماء و أاخذها عنهم املحدثون يف غري بحث ول حتقيق. و أانا اأعتقد اأن املوؤرخ حني يقول: إان ع رص ال شيخني قد شهد انت صار امل سلمني على الروم وق ضاء امل سلمني على دولة الفر س قد قال كل شيء و سج ل معجزة مل يعرف التاريخ لها نظريا. أانا اإذن ل أاملي هذا احلديث لأثني على ال شيخني ول لأف صل تاريخ الفتوح يف ع رصهما و إامنا أاريد اإىل شيء آاخر خمالف لهذا اأ شد اخلالف اأريد اأن اأعرف واأن أابني لقارئ هذا احلديث شخ صية أابي بكر وعمر رحمهما اهلل كما ي صورها ما نعرف من سريتهما وكما ت صورها الأحداث التي كانت يف ع رصهما وكما ي صورها هذا الطابع الذي طبعت به حياة امل سلمني من بعدهما والذي كان له اأعظم الأثر فيما خ ضعت له الأمة العربية من أاطوار وما جنم فيها من فنت. ويقول الرواة: إان عمر قال عن اأبي بكر: اإنه أاتعب من بعده. ولي س من شك يف اأن عمر كان اأ شد من اأبي بكر اإتعابا ملن جاء بعده ف سرية هذين الإمامني قد نهجت للم سلمني يف سيا سة احلكم ويف اإقامة اأمور النا س على العدل واحلرية وامل ساواة نهجا شق على اخللفاء وامللوك من بعدهما أان يتبعوه. فكانت نتيجة ق صورهم عنه - طوعا اأوكرها - هذه الفتنة التي قتل فيها عثمان رحمه اهلل والتي جنمت منها فنت اأخرى قتل فيها علي ر ضى اهلل عنه و سفكت فيها دماء كثرية كره اهلل اأن ت سفك وانق سمت فيها الأمة الإ سالمية انق ساما مازال قائما إاىل الآن. هذا النهج الذي نهجه ال شيخان والذي ق رص عنه بعدهما اخللفاء وامللوك هو الذي أاريد اأن اأعرفه و أاجلوه لقارئ هذا احلديث واأ ستخل ص منه بعد ذلك شخ صية أابي بكر وعمر رحمهما اهلل. ول اأذكر ع رس هذا البحث ول ما س أابذل فيه من اجلهد وما ساأتعر ض له من امل شقة وما سيعر ض يل من امل شكالت فكل من يحاول مثل هذا البحث لبد من اأن يوطن نف سه على كل هذا العناء ومن اأن ي ستعني اهلل عليه.
2 يقول اهلل عز وجل يف سورة احلجرات:»ق ال ت الأ ع ر اب اآم ن ا ق ل مل ت وؤ م ن وا و ل ك ن ق ول وا اأ س ل م ن ا و مل ا ي د خ ل الإ مي ان يف ق ل وب ك م و اإ ن ت ط يع وا اهلل و ر س ول ه ل ي ل ت ك م م ن اأ ع م ال ك م ش ي ئ ا اإ ن اهلل غ ف ور ر ح يم «. وكل شيء يدل على أان اهلل عز وجل قد اختار نبيه جلواره ومازال الأعراب م سلمني مل يدخل الإميان يف قلوبهم بعد. راأوا سلطانا جديدا قد ظهر يف الأر ض و أاظل املدينة ومكة والطائف وطالب النا س باأن يدينوا دينه وي شهدوا اأن ل اإله اإل اهلل و أان حممدا عبده ور سوله ويوؤدوا ما يفر ض عليهم من الواجبات وراأوا هذا ال سلطان يعلن احلرب على كل عربي يف اجلزيرة ي ستم سك ب رشكه ول ي ذعن لهذا الدين اجلديد ور أاوه يحول بني امل رشكني وبني امل سجد احلرام مبكة ويعلن إاليهم قول اهلل عز وجل يف سورة براءة:».. اإ من ا امل رس ك ون جن س ف ال ي ق ر ب وا امل س ج د احل ر ام ب ع د ع ام ه م ه ذ ا«. ور أاوا لهذا ال سلطان من القوة والباأ س ور أاوا فيه من ال سعة والإ سماح ما رهب هم ورغ بهم فاأعلنوا إاذعانهم لهذا الدين اجلديد طائعني اأو كارهني. ولو قد بقي النبي صلى اهلل عليه و سلم فيهم أاعواما كثرية أاو قليلة لكان من املمكن أان تذعن لهذا الدين قلوبهم كما أاذعنت له أال سنتهم ولكن اهلل اآثر 35
36 لنبي ه رحمته ور ضوانه ففارق هذه الدنيا را ضيا مر ضي ا. ور أاى امل سلمون غري امل ؤومنني من العرب أانه رجل كغريه من الرجال يعر ض له املوت كما يعر ض لغريه من النا س واأن الذي نه ض بالأمر من بعده لي س اإل رجال يعرفونه ويقدرون اأنه أاجدر أان يعر ض املوت له كما عر ض للنبي الذي اأنزل عليه القراآن واأتيح له ما أاتيح من الظهور على كل من خالفه اأو ناواأه. هنالك تك شفت قلوبهم عن دخائلها واأظهروا اأنهم قد اأ سلموا ل سلطان النبي دون اأن توؤمن به قلوبهم فاأظهروا ما اأظهروا من الر دة وجعلوا ي ساومون يف الزكاة وتقول وفودهم لأبي بكر: نقيم ال صالة ول ن ؤودي الزكاة. كان املال اأحب اإليهم من الدين وكانت نفو سهم أاكرم عليهم من اأن ي ؤودوا رضيبة اإىل رجل ل يوحى اإليه ول ي أاتيه خرب ال سماء. بل اإن ظاهرة أاخرى دلت على اأن فريقا من العرب مل ينتظروا بجحودهم وردتهم فراق النبي صلى اهلل عليه و سلم لهذه الدنيا فاأظهروا الرد ة قبل وفاته ل لأنهم ضاقوا بالزكاة اأو آاثروا املال على الدين بل لأنهم نف سوا على قري ش اأن تكون فيها النبوة واأن ي هي اأ لها ما ه يئ من هذا ال سلطان مبا له من قوة وباأ س ومبا فيه من سعة واإ سماح فظهر بينهم بدع جديد وهو التنبوؤ. فما ينبغي اأن ت ستاأثر قري ش من دونهم بالنبوة وما ينبغي اأن تخت ص وحدها بهذا ال سلطان تب سطه على الأر ض. وما اأ رسع ما ظهر التنب ؤو يف ربيعة- ويف بني حنيفة منهم خا صة - فاأعلن م سليمة نبوته يف اليمامة وجعل يهذي بكالم زعم اأنه كان يوحى اإليه وجعل يقول: لنا ن صف الأر ض ولقري ش ن صفها. ولكن قري شا قوم يظلمون. وظهر التنبوؤ يف اليمن فثار الأ سود العن سي و أاعلن نبوته وركبه شيطان ال سجع كما ركب م سيلمة. ومل يكد النبي صلى اهلل عليه و سلم ينتقل إاىل الرفيق الأعلى حتى ظهر تنبوؤ اآخر يف بني اأ سد فاأعلن طليحة أانه نبي وجعل يهذي لقومه كما هذى صاحباه بال سجع يزعم اأنه يتنزل عليه من ال سماء.
ثم مل يقف الأمر عند هذا احلد بل تنب أات امراأة يف بني متيم - وهي سجاح- كانت نازلة يف بني تغلب فلما ا ستاأثر بها شيطان ال سجع اأ رسعت إاىل قومها من متيم فاأغوت منهم خلقا كثريا. وكذلك نف ست قحطان على عدنان اأن يكون لها نبي من دونها فظهر فيها الأ سود العن سي ونف ست ربيعة العدنانية على م رض اأن ت ستاأثر من دونها بالنبوة ونف ست أا سد ومتيم امل رضيتان اأن ت ستاأثر قري ش بالنبوة من دون سائر م رض فظهر طليحة يف بني اأ سد وظهرت سجاح يف بني متيم. وكذلك عادت الأر ض كافرة بعد اإ سالمها وا شتعلت فيها نار ما اأ رسع ما انت رش لهبها حتى شمل جزيرة العرب كلها! وح رص الإ سالم يف املدينة ومكة والطائف. وكان انت شار هذا اللهب وارتداد الكرثة الكثرية من العرب حمنة امت ح ن بها اأبوبكر وامت ح ن بها معه امل سلمون بعد وفاة النبي. ولي س شيء اأ صدق ت صويرا ل شخ صية الرجل من ثباته للمحنة مهما تعظم ونفوذه من م شكالتها مهما تتعقد وظهوره على هولها مهما يكن شديدا. ومل يواجه اأبوبكر يف اأول عهده باخلالفة ردة املانعني للزكاة وكفر التابعني ملن تنب أا من الكذابني فح سب واإمنا واجه يف الوقت نف سه تاأهب العرب من ن صارى ال شام للمكر به والكيد له والغارة عليه. وقد واجه النبي صلى اهلل عليه و سلم حتف ز العرب يف ال شام على حدود اجلزيرة العربية وكانت له معهم خطوب فلم تكن موؤتة ول تبوك اإل حماولة لرد ن صارى العرب يف ال شام عن اجلزيرة بل مل يكتف النبي - صلى اهلل عليه و سلم- مب ؤوتة وتبوك واإمنا جه ز قبل وفاته جي شا لغزو هوؤلء العرب واأم ر على هذا اجلي ش أا سامة بن زيد بن حارثة وكان لأ سامة ث أار عند هوؤلء العرب الذين قتلوا أاباه يوم موؤتة. وع سى اأن يكون النبي قد لحظ هذا الثاأر حني اأم ر أا سامة على حداثة سنه وحني جعل يف جي شه خرية اأ صحابه وفيهم اأبوبكر وعمر. ولكن النبي مر ض قبل اإنفاذ هذا اجلي ش وملا أاح س الوفاة اأو صى باإنفاذ جي ش أا سامة. 37
38 فلما ا ستخلف اأبوبكر نظر ف إاذا الأر ض من حوله كافرة و إاذا أاولو القوة والباأ س من اأ صحابه قد ج ن دوا يف هذا اجلي ش املهياأ للغارة على أاطراف ال شام والذي اأو صى النبي قبل وفاته ب إانفاذه إاىل غايته. فاأبوبكر اإذن أامام نار م ضطربة يف اجلزيرة العربية كلها وهو بني اثنتني: إاما أان ينفذ هذا اجلي ش فيواجه هذه النار املتاأججة غري قادر على إاخمادها و إاما اأن يوؤجل إانفاذ هذا اجلي ش حتى يحاول به اإخماد هذه النار فيبطئ يف اإنفاذ و صية النبي. وكذلك اأخذته املحنة من جميع اأقطاره. و سرنى كيف ا ستطاع اأن يخرج منها ظافرا موفورا.
3 ومن قبل هذه املحنة واجهته حمنة اأخرى قبل اأن يلي أامور امل سلمني وهي وفاة النبي صلى اهلل عليه و سلم. ومل تكن هذه املحنة مق صورة عليه بل كانت عامة كادت تفنت امل سلمني عن دينهم. فهم كانوا يقدرون اأن النبي سيبقى فيهم حتى يظهر دين اهلل على الدين كله وهم يقرءون يف سورة التوبة قول اهلل عز وجل:»ه و ال ذ ي اأ ر س ل ر س ول ه ب ال ه د ى و د ين احل ق ل ي ظ ه ر ه ع ل ى الد ين ك ل ه و ل و ك ر ه امل رش ك ون «. ويقرءون قوله عز ا سمه يف سورة الفتح:»ه و ال ذ ي اأ ر س ل ر س ول ه ب ال ه د ى و د ين احل ق ل ي ظ ه ر ه ع ل ى الد ين ك ل ه و ك ف ى ب اهلل ش ه يد ا «. وكان النبي قد اأظهر دين احلق على الدين كله يف جزيرة العرب ولكنه مل ي ظهره على الدين كله يف سائر أاقطار الأر ض. ثم انتق ضت اليمن مع الأ سود العن سي وانتق ض بنو حنيفة مع م سيلمة يف حياة النبي فلم يتم له اإذن اإظهار دين احلق على الدين كله ل يف جزيرة العرب ول يف غريها من أاقطار الأر ض. 39
40 وها هو ذا يفارق الدنيا ويختاره اهلل جلواره. فال غرابة يف اأن ي شك ال صادقون من املوؤمنني يف اأنه قد مات كما شك عمر رحمه اهلل. ول غرابة يف أان يكفر الذين كانوا يعبدون اهلل على حرف كما كفر الأعراب الذين جحدوا الزكاة. ول غرابة يف اأن ي ضطرب اأمر النا س يف املدينة اأ شد ال ضطراب. فاإذا فكرت يف اأن أابا بكر كان أاحب النا س إاىل ر سول اهلل وكان ر سول اهلل اأحب النا س اإليه عرفت وقع هذه املحنة يف نف س أابي بكر. ولكنك تعلم كيف خرج أابوبكر من هذه املحنة دون اأن ت ضطرب لها نف سه ودون اأن يجد ال ضعف اأو الريب اإىل نف سه سبيال. وتعرف كذلك كيف ا ستطاع أان يرد ال صادقني من املوؤمنني اإىل اأنف سهم اأو يرد اأنف سهم إاليهم حني تال عليهم هاتني الآيتني الكرميتني. وهما قول اهلل عز وجل يف سورة اآل عمران:»و م ا م م د اإ ال ر س ول ق د خ ل ت م ن ق ب ل ه الر س ل اأ ف اإ ن م ات اأ و ق ت ل انق ل ب ت م ع ل ى اأ ع ق اب ك م و م ن ي نق ل ب ع ل ى ع ق ب ي ه ف ل ن ي رش اهلل ش ي ئ ا و س ي ج ز ي اهلل ال ش اك ر ين «. وقوله يف سورة الزمر:»اإنك مي ت واإن هم مي ت ون«. مل يجزع اإذن اأبوبكر ومل ي ر ت ب لوفاة النبي بل ذاد اجلزع والريب عن نفو س املوؤمنني ال صادقني حني ذكرهم مبا اأنب أا اهلل به يف القر آان من اأن النبي معر ض للموت وللقتل ومن أانه ميت كما ميوت غريه من النا س. ولي س اإذن ب د من البحث عن م صدر ما اأتيح لأبي بكر من الثبات للمحن وال صرب عليها والنفوذ آاخر الأمر من م شكالتها.