( يا أ ي ه ا الن اس ك ل وا م م ا م ف األ ر مض ح ال ال ط يمبا و ال ت ت بمع وا خ ط و ا مت الش ي ط ا من إمن ه ل ك م عد و م بمني )168( إم ن ا ي أ م ر ك م بمالس و م ء و ال ف ح ش اء و أ ن ت ق ول وا ع ل ى ا لل م م ا ال ت ع ل م ون )169( ). [ البقرة : 168 169 ]. ---------------- )ي ا أ ي ه ا الن اس ك ل وا م م ا م ف األ ر مض ح الال ط يمبا ) اخلطاب جلميع البشر أي : كلوا مما أحله هللا لكم من الطيبات. قوله تعاىل ( حالال ) أي : ماكان حالال يفكسبه. ( طيبا ) أي : طيبا يف ذاته.نافعا آلكله يف دينه. وهذا القول أوىل من قول إن ( طيبا ) تأكيد ألن محل الكالم على التأسيس أوىل من محله على التوكيد. قوله تعاىل ( حالال طيبا ) فال جيوز أكل اخلبيث واحملر م. ( و ال ت ت بمع وا خ ط و ا مت الش ي ط ا من ) هني من هللا عن اتباع خطوات الشيطان وهي : طرائقه ومسالكه. واخلطوات مجع خ ط وة ويقال بالفتح خ طوة وهي ما بني القدمني حال اخل طو. ( إمن ه ل ك م ع د و م بمني ) أي : ظاهر العداوة وذلك ألن الشيطان التزم أمورا سبعة يف العداوة أربعة منها يف قوله تعاىل )و أل ض ل ن ه م و أل م ن ي ن ه م و أل م ر ن ه م ف ل ي ب ت ك ن ء اذ ان األنعام و أل م ر ن هم ف ل ي غ ي ر ن خ ل ق هللا ) وثالثة منها يف قوله تعاىل )أل ق ع د ن ل م صراطك املستقيم ث آلت ي ن ه م م ن ب ني أ ي د يه م و م ن خ ل ف ه م و ع ن أمياهنم و ع ن ش ائ ل ه م و ال ت د أ ك ث ر ه م شاكرين الشيطان هذه األمور كان عدوا متظاهرا بالعداوة فلهذا وصفه هللا تعاىل ) [ تفسري الرازي ].. 1 وقد حذرنا هللا يف آيات كثرية عن اتباع خطواته : كما قال تعاىل )و ال ت ت ب عوا خ ط و ات ال شي ط ان إ ن ه ل ك م ع د و م ب نني ). وقال تعاىل ( وم ن األ ن ع ام مح ول ة و ف ر شا كلوا مم ا ر ز ق كم ا لل و ال ت ت ب عوا خ ط و ات الش ي ط ان إ ن ه ل ك م ع د و م ب نني ). وقال تعاىل )ي ا أ ي ه ا ال ذ ين آم نوا ال ت ت ب عوا خ ط و ات الش ي ط ان و م ن ي ت ب ع خ ط و ات الش ي ط ان ف إ ن ه ي أ م ر ب ال ف ح ش اء و ال م ن ك ر ). وقال تعاىل ( إ ن الش ي ط ان ل ك م ع د و ف ا ت ذوه ع د و ا إ ن ا ي د ع و ح ز ب ه ل ي ك ونوا م ن أ ص ح اب الس ع ري ). وقال تعاىل )أ ل أ ع ه د إ ل ي ك م ي ا ب ن آد م أ ن ال ت ع ب دوا الش ي ط ان إ ن ه ل ك م ع د و م ب نني ). فلما التزم بذلك وقال تعاىل )إ ن ا ي ر يد الش ي ط ان أ ن ي وق ع ب ي ن كم ال ع د او ة و ال ب غ ض اء يف اخل م ر و ال م ي س ر و ي ص د كم ع ن ذ ك ر ا لل و ع ن الص الة ف ه ل أ ن ت م م ن ت ه ون ). فيجب احلذر من خطوات الشيطان ألنه عدو ظاهر مبني لنا : فهو حيب أن حيزن املؤمن. كما قال تعاىل )إ ن ا الن ج و ى م ن الش ي ط ان ل ي ح ز ن ال ذ ين آم نوا ) وأحب شيء إىل الشيطان : أن حيزن العبد ليقطعه عن سريه ويوقفه عن سلوكه. وهو خيوف املؤمنني باألعداء. كما قال تعاىل ( إ ن ا ذ ل كم الش ي ط ان خي و ف أ و ل ي اء ه ف ال ت اف وه م و خ اف ون إ ن ك ن ت م م ؤ م ن ني ) أي : خيوفكم بأوليائه. وخيوف بالفقر. كما قال تعاىل )الش ي ط ان ي ع دكم ال ف ق ر و ي أ م رك م ب ال ف ح ش ا ء ) فيخوف املسلم من الفقر وذلك ألمور : أوال : لي مسك عن الصدقة فيحرمه أجرها وثواهبا العظيم. ثانيا : ليصيبه بالقلق واحلزن.
2 ثالثا : ليشك بوعد هللا ( وما أنفقتم من شيء فهو خيلفه ). رابعا : ليقدم على أكل احلرام خوفا من الفقر كما قال تعاىل )يا أيها الناس كلوا مما يف األرض حالال طيبا وال تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبني ). وحيث على الرياء يف اإلنفاق والتبذير. قال تعاىل ( و ال ذ ين ي ن ف ق ون أ م و ا ل م ر ئ اء الن اس وال ي ؤ م ن ون ب ا لل و ال ب ال ي و م اآل خ ر و م ن ي ك ن الش ي ط ان ل ه ق ر ينا ف س اء ق ر ينا ). وكما قال تعاىل ( إ ن ال م ب ذ ر ين ك انوا إ خ و ان الش ي اط ني و ك ان الش ي ط ان ل ر ب ه ك ف ورا ). ومن أعماله : الدعوة إىل الكفر واالرتداد عن الدين. ني ). كما قال تعاىل ( ك م ث ل الش ي ط ان إ ذ ق ال ل ل ن س ان اك ف ر ف ل م ا ك ف ر ق ال إ ن ب ر يء ن م ن ك إ ن أ خ اف ا لل ر ب ال ع ال م وقال تعاىل عن ا لدهد ( و ج د ت ه ا و ق و م ه ا ي س ج د ون ل لش م س من د ون ا لل و ز ي ن ل م الش ي ط ان أ ع م ا ل م ف ص د ه م ع ن الس ب يل ف ه م ال ي ه ت د ون ). وقال تعاىل ( أ ل أ ع ه د إ ل ي ك م ي ا ب ن آد م أ ن ال ت ع ب دوا الش ي ط ان إ ن ه ل ك م ع د و م ب نني ). وقال تعاىل )إ ن ال ذ ين ار ت د وا ع ل ى أ د ب ار ه م م ن ب ع د م ا ت ب ني ل م ا ل د ى الش ي ط ان س و ل ل م و أ م ل ى ل م ). ومن أعماله : زرع العداوة والبغضاء بني الناس. كما قال تعاىل )إ ن ا الن ج و ى م ن الش ي ط ان ل ي ح ز ن ال ذ ين آ منوا و ل ي س ب ض ار ه م ش ي ئا إ ال ب إ ذ ن ا لل و ع ل ى ا لل ف ل ي ت و ك ل ال م ؤ م ن و ن(. وقال تعاىل ( إ ن ا ي ر يد الش ي ط ان أ ن ي وق ع ب ي ن كم ال ع د او ة و ال ب غ ض اء يف اخل م ر و ال م ي س ر و ي ص د ك م عن ذ ك ر ا لل و ع ن الص الة ف ه ل أ ن ت م م ن ت ه ون ).عن وقال تعاىل يعقوب )ق ال ي ا ب ن ال ت ق ص ص ر ؤ ياك ع ل ى إ خ و ت ك ف ي ك يدوا ل ك ك ي دا إ ن الش ي ط ان ل ل ن س ان ع د و م ب نني(. وقال تعاىل )و ق ل ل ع ب اد ي ي ق ولوا ال ت ه ي أ ح س ن إ ن الش ي ط ان ي ن ز غ ب ي ن ه م إ ن الش ي ط ان ك ان ل ل ن س ان ع د و ا م ب ينا (. ومن تزيينه تسمية املعاصي بأمساء حمببة لكي خيفي خبثها. كما قال آلدم )ف و س و س إ ل ي ه الش ي ط ان ق ال ي ا آد م ه ل أ د ل ك ع ل ى ش ج ر ة اخل ل د و م ل ك ال ي ب ل ى(. قال ابن القيم : وقد ور ث أتباعه تسمية األمور احملرمة باألمساء ال ت ت ب النفوس مسمياهتا فسموا اخلمر بأم األفراح. ويف عصرنا يسمون الربا بالفائدة والتربج الفاضح حبرية املرأة واملغنية الفاسقة بالفنانة. عقبات الشيطان : العقبة األوىل : عقبة الكفر باهلل تعاىل. فإنه إن ظفر يف هذه به بردت نار عداوته واسرتاح. العقبة الثانية : عقبة البدعة. إما باعتقاد خالف حق الذي أرسل هللا به رسوله وأنزل به كتابه وإما بالتعبد مبا ل يأذن به هللا. فإن جنا منها بنور السنة : العقبة الثالثة : عقبة الكبائر. فإن ظفر به فيها زينها له وحسنها يف عينه وسو ف به. فإن قطع هذه العقبة بعصمة من هللا أو بتوبة نصوح طلبه على : العقبة الرابعة : عقبة الصغائر.
فكان له منها بالق فز وقال : ما عليك إذا اجتنبت الكبائر ما غشيت من اللمم أو ما علمت بأهنا تكف ر باجتناب الكبائر وباحلسنات وال يزال يهون عليه أمرها حىت يصر عليها فيكون مرتكب الكبرية اخلائف الوجل النادم أحسن حاال منه. العقبة اخلامسة : عقبة املباحات ال ت ال حرج على فعلها. فشغله هبا عن االستكثار من الطاعات وعن االجتهاد يف التزود ملعاده وأقل ما ينال منه : تفويته األرباح واملكاسب العظيمة واملنازل العالية. العقبة السادسة : عقبة األعمال املرجوحة املفضولة من الطاعات. فأمره هبا وحسنها يف عينه وزينها له وأراه ما فيها من الفضل والربح ليشغله هبا عما هو أفضل منها وأعظم كسبا ورحبا [ مدارج السالكني : 1 ] 237 /. ( إم ن ا ي أ م ر ك م بمالس و م ء و ال ف ح ش ا م ء و أ ن ت ق ول وا ع ل ى ا لل م م ا ال ت ع ل م ون ) فهذا كالتفصيل جلملة عداوته وهو مشتمل على أمور ثالثة: أوهلا: السوء وهو متناول مجيع املعاصي سواء كانت تلك املعاصي من أفعال اجلوارح أو من أفعال القلوب أي: إ نا يأمركم عدوكم الشيطان باألفعال السيئة. وثانيها : الفحشاء : وهي نوع من السوء ألهنا أقبح أنواعه وهو الذي يستعظم ويستفحش من املعاصي. وثالثها : ( أ ن ت قول وا ع ل ى هللا م ا ال ت ع ل م و ن( وكأنه أقبح أنواع الفحشاء ألنه وصف هللا تعاىل مبا ال ينبغي من أعظم أنواع الكبائر فصارت هذه اجلملة كالتفسري لقوله تعاىل الصغائر والكبائر والكفر واجلهل باهلل. ( و ال ت ت ب ع وا خطوات الشيطان( فيدخل يف اآلية أن الشيطان يدعو إىل قوله تعاىل ( والسوء ) أي األعمال السيئة ومسيت سيئة ألهنا تسوء صاحبها يف الدنيا ويف اآلخرة يف الدنيا بظهور آثارها عليه من ا لم والضيق يف الصدر واخللق والرزق فيفقد من السعادة يف احلياة بقدر ما عمل من السوء قال تعاىل )ف م ن ي ر د ا لل أ ن ي ه د ي ه ي ش ر ح ص د ر ه ل ل س الم و م ن ي ر د أ ن ي ض ل ه جي ع ل ص د ر ه ض ي قا ح ر جا ك أ ن ا ي ص ع د يف الس م ا ء( وقال تعاىل )أ ف م ن ش ر ح ا لل ص د ر ه ل ل س الم ف ه و ع ل ى ن ور م ن ر ب ه ف و ي ن ل ل ل ق اس ي ة ق ل وب ه م م ن ذ ك ر ا لل (. وتسوؤه آجال بعد موته ملعاقبته عليها إن ل يتب منها أو يتداركه هللا بعفوه ورمبا تسوء غريه بأن يتعدى ضررها إىل الغري مباشرة أو بأن يكون لا أثرها السيئ على البالد والعباد عامة مبحق الربكات وقلة اخلريات كما قال تعاىل )ظ ه ر ال ف س اد يف ال ب ر و ال ب ح ر مب ا ك س ب ت أ ي د ي الن ا س ل ي ذ يق ه م ب ع ض ال ذ ي ع م لوا ل ع ل ه م ي ر ج ع ون ( وقال الفوائد : )ما منع قوم زكاة أموا لم إال منعوا القطر من السماء(. رواه ابن ماجه قوله تعاىل )والفحشاء...( أي : الزنا واللواط هذه نوع من السوء فيكون من باب عطف اخلاص على العام فالفحشاء: ما قبح من األعمال الشنيعة. 1- من ة هللا على عباده حيث أباح لم مجيع ما يف األرض. 2- أن األصل يف األشياء الطهارة. 3- ترمي اتباع خطوات الشيطان. 4- ينبغي على املسلم معرفة عدوه الشيطان ليتجنبه. 5- تأكيد عداوة الشيطان لب ن آدم. 6- أن الشيطان ال يأمر باخلري. 7- أن اإلنسان إذا وقع يف قلبه هم بالسيئة أو بالفاحشة فليعلم أهنا من الشيطان. 3
8- ترمي القول على هللا بال علم. 9- أن القول على هللا بال علم من أوامر الشيطان. ( و إمذ ا ق م يل هل م ات بمع وا م ا أ نز ل ا لل ق ال وا ب ل ن ت بم م ا أ ل ف ي ن ا ع ل ي م ه ب اء ن ا أ و ل و ك ان ب اه م م ال ي ع م قل ون ي ي ا و ال ي ه ت دون )170( و م ث ل ال م ذين ك ف ر وا ك م ث مل ال م ذي ي ن م عق م ب ا ال ي س م إمال د ع اء و نمد اء ص م ب ك م ع م ي ف ه م ال ي ع م قل ون )171( ). [ البقرة : 170 171 ]. ---------------- ( و إمذ ا ق م يل هل م ) قيل : املراد هبؤالء : متخذي األنداد ويكون املعىن : ومن الناس من يتخذ من دون هللا أندادا حيبوهنمكحب هللا وإذا قيل لم اتبعوا ما أنزل هللا قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا واختاره ابن كثري حيث ل يذكر يف تفسريه غريه. ]تفسري ابنكثري : 1 ]190 /. وقيل : أن املراد ( وإذا قيل لم ) أي الناس الذين خوطبوا بقوله ( يا أيها الناس كلوا مما يف األرض حالال طيبا ) واملعىن : يا أيها الناس كلوا مما يف األرض حالال طيبا وال تتبعوا خطوات الشيطان... وإذا قيل لم اتبعوا ما أنزل هللا قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا وهذا اختيار ابن جرير الطربي رمحه هللا [ تفسري الطربي : 2 ] 94 /.. ( ات بمع وا م ا أ ن ز ل ا لل ) على رسوله واتركوا ما أنتم عليه من الضاللة واجلهل. فيه وجوب اتباع ما أنزل هللا : كما قال تعاىل ( ات ب ع وا م ا أ ن ز ل إ ل ي ك م م ن ر ب ك م و ال ت ت ب ع وا م ن د ون ه أ و ل ي اء ق ل يال م ا ت ذ ك ر و ن ). وقال تعاىل )ات ب ع م ا أ وح ي إ ل ي ك م ن ر ب ك ال إ ل ه إ ال ه و و أ ع ر ض ع ن ال م ش ر ك ني ). ( ق ال وا ) يف جواب ذلك : ( ب ل ن ت بم م ا أ ل ف ي ن ا ع ل ي م ه ب اء ن ا ) بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أي : من عبادة األصنام واألنداد كما يف اآلية األخرى )و إ ذ ا ق يل ل م ات ب ع وا م ا أ ن ز ل ا لل ق ال وا ب ل ن ت ب ع م ا و ج د ن ا ع ل ي ه آب اء ن ا( والقرآن يفسر بعضه بعضا. قال الرازي : ( أ ل ف ي ن ا( مبعىن وجدنا بدليل قوله تعاىل يف آية أخرى ( ب ل ن ت ب ع م ا و ج د ن ا ع ل ي ه ء اب اء ن ا ) ويدل عليه أيضا قوله تعاىل ( إ ن ه م أ ل ف و ا ء اب اءه م ض ال ني ). قال تعاىل منكرا عليهم : ( أ و ل و ك ان ب اه م م ) الذين يقتدون هبم ويقتفون أثرهم. ( ال ي ع م قل ون ي ي ا و ال ي ه ت د ون ) أي : ليس لم فهم وال هداية. ( و م ث ل ال م ذين ك ف ر وا ) أي : فيما هم فيه من الغي والضالل واجلهل. ( ك م ث مل ال م ذي ي ن م عق م ب ا ال ي س م إمال د ع اء و نمد اء ) أي: كالدواب السارحة ال ت ال تفقه ما يقال لا بل إذا نعق هبا راعيها أي: دعاها إىل ما يرشدها ال تفقه ما يقول وال تفهمه بل إ نا تسمع صوته فقط. هذا التأويل األول لآلية : أي : مثل واعظ الذين كفروا الذي يعظهم مع هؤالء الكفار كمثل صاحب بقر أو غنم أو هبيمة يناديها وينعق هبا فتسمع ما يقول لكنها ال تفقه منه شيئا واختار هذا ابن كثري. قال السعدي :... أخرب تعاىل أن مثلهم عند دعاء الداعي لم إىل اإلميان كمثل البهائم ال ت ينعق لا راعيها وليس لا علم مبا يقول راعيها ومناديها. وعلى هذا القول يكون املثل قد ض رب باملدعو الذي ال يستجيب ال الداعي. 4
5 والتأويل الثا ن : أن هذا مثل ضرب لم يف دعائهم األصنام ال ت ال تسمع وال تبصر وال تعقل شيئا ورجح هذا ابن جرير. وعلى هذا القول يكون هذا املثل يف حال املشركني مع معبوداهتم واألول أصح. ( ص م ب ك م ع م ي ) أي : صم عن مساع احلق بكم ال يتفوهون به عمي عن رؤية طريقه ومسلكه. ( ف ه م ال ي ع م قل ون ) أي : ال يعلمون شيئا وال يفهمونه. الفوائد : 1- ذم التعصب بغري هدى. 2- أن من تعصب ملذهب مع خمالفة الدليل ففيه شبه من هؤالء. 3- وجوب اتباع ما أنزل هللا. 4- أن كل من خالف احلق وما أنزل هللا فليس بعاقل وليس عنده هدى وقد قال تعاىل )ف إ ن ل ي س ت ج يب وا ل ك ف اع ل م أ ن ا ني ). ي ت ب ع ون أ ه و اء ه م و م ن أ ض ل مم ن ات ب ع ه و اه ب غ ري ه دى م ن ا لل إ ن ا لل ال ي ه د ي ال ق و م الظ ال م 5- ذم من يسمع وال يستجيب. 6- أن من يسمع احلق وال يستجيب له فيه شبه من هؤالء الذين ذكرهم هللا. 7- فضل من مسع احلق واستجاب له وقد قال تعاىل )ي ا أ ي ه ا ال ذ ين آم نوا اس ت ج يب وا لل و ل لر س ول إ ذ ا د ع اك م ل م ا حي ي يك م و اع ل م وا أ ن ا لل حي ول ب ني ال م ر ء و ق ل ب ه و أ ن ه إ ل ي ه ت ش ر ون ). وقال تعاىل )ق ل ن ا اه ب طوا م ن ه ا مج يعا ف إ م ا ي أ ت ي ن ك م م ن ه دى ف م ن ت ب ع ه د اي ف ال خ و نف ع ل ي ه م و ال ه م حي ز ن و ن ). وقال تعاىل ( ق ال اه ب ط ا م ن ه ا مج يعا ب ع ضك م ل ب ع ض ع د و ف إ م ا ي أ ت ي ن ك م م ن ه دى ف م ن ات ب ع ه د اي ف ال ي ض ل و ال ي ش ق ى ). 8- أن من طبع هللا على قلبه فإنه يكونكالبهيمة فال يسمعون احلق وال يقولون به. ( ي ا أ ي ه ا ال م ذين م ن وا ك ل وا من ط يمب ا مت م ا ر ز ق ن اك م و اي ك ر وا م م لل إمن ك نت م إمي اه ت ع ب د ون )172( إ ن ا ح ر م ع ل ي ك م ال م ي ت ة و الد م و ل م اخل منمزيمر و م ا أ مل بم م ه ل م غ ي م ا لل م ف م من اض ط ر غ ي ر ب اغ و ال ع اد ف ال إم ث ع ل ي م ه إمن ا لل غ ف ور ر م حيم )173( ). [ البقرة : 172 173 ]. ---------------- )ي ا أ ي ه ا ال م ذين م ن وا ك ل وا من ط يمب ا مت م ا ر ز ق ن اك م ) يأمر هللا تعاىل عباده املؤمنني أن يأكلوا من طيبات ما رزقهم تعاىل. واآليات الدالة على إباحة الطيبات و ترمي اخلبائث كثرية : قال تعاىل ( وحي ل ل م الط ي ب ات و حي ر م ع ل ي ه م اخل ب ائ ث ). وقال تعاىل )ي س أ لون ك م اذ ا أ ح ل ل م ق ل أ ح ل ل كم الط ي ب ات ). وقال تعاىل )ال ي و م أ ح ل ل كم الط ي ب ات و ط ع ام ال ذ ين أ وتوا ال ك ت اب ح ل ل ك م ). وهللا أمر املرسلني بذلك فقال تعاىل )ي ا أ ي ه ا الر س ل كلوا م ن وا ص احل ا إ ن مب ا ت ع م ل ون ع ل ي ن الط ي ب ات و اع م ل م ) ويف احلديث قال ( إن هللا طيب ال يقبل إال طيبا.. ). واختلف باملراد بالطيب الذي أباحه هللا : فقيل : الطيبات هي احمللالت وقيل : املراد بالطيبات ما تستطبه العرب وقيل : الطيبات ال ت أحلها هللا ما كان نافعا آلكله يف دينه وهذا اختيار ابن تيمية. هذه اآلية تدل على أن األصل يف األشياء احلل واإلباحة.
[ وقد تقدم مباحث الشكر ] ( و اي ك ر وا م لل م ) أي : قوموا بشكره على نعمه عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم. ( إمن ك ن ت م إمي اه ت ع ب د ون ) أي : اشكروا هلل تعاىل إنكنتم فعال تعبدونه و تضعونه له. والعبادة : هي التذلل هلل بالطاعة وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه. 6 إن رزق هللا للعبد يستلزم شكره : فسليمان عندما رأى عرش بلقيس عنده مستقرا ( ه ذ ا م ن ف ض ل ر ب ل ي ب ل و ن أ أ ش كر أ م أ ك فر و م ن ش ك ر ف إ ن ا ي ش كر ل ن ف س ه و م ن ك ف ر ف إ ن ر ب غ ن ك ر مين ). ونبينا كان يقوم الليل حىت تتفطر قدماه ويقول : أفال أحب أن أكون عبدا شكورا. ( إم ن ا ح ر م ع ل ي ك م ال م ي ت ة ) أي : ما حرم عليكم ربكم إال اخلبائث كامليتة وهي : ال ت متوت حتف أنفها من غري تذكية وسواء كانت منخنقة أو موقوذة أو مرتدية أو نطيحة. وامليتة إ نا حرمت الحتقان الرطوبات والفضالت والدم اخلبيث فيها والذكاة ملا كانت تزيل ذلك الدم والفضالت كانت سبب احلل. يستثىن من ذلك : ميتة البحر لقوله تعاىل )أ ح ل ل ك م ص ي د ال ب ح ر و ط ع ام ه ) قال ابن عباس : صيد البحر ما أخذ حي وطعامه ما أخذ ميتا. وعن أ ب هريرة. أن رسول هللا قال يف البحر ( هو الطهور ماؤه احلل ميتته ) رواه أبو داود. ويستثىن كذلك اجلراد. ( و الد م ) أي : وحرم عليكم الدم واملراد هنا الدم املسفوح كما قال تعاىل ( ي ط ع م ه إ ال أ ن ي ك ون م ي ت ة أ و د ما م س ف وحا أ و حل م خ ن ز ير ). ( و ل م اخل من مزيمر ) أي : وحرم عليكم حلم اخلنزير. قال القرطيب : ال خالف يف ترمي خنزير الرب. ق ل ال أ ج د يف م ا أ وح ي إ ل حم ر ما ع ل ى ط اع م وقد ذكر هللا ترميه يف عدة آيات : فقال تعاىلكما يف سورة املائدة )ح ر م ت ع ل ي كم ال م ي ت ة و الد م و حل م اخل ن ز ي ر ). وقال تعاىل يف سورة األنعام )ق ل ال أ ج د يف م ا أ وح ي إ ل حم ر ما ع ل ى ط اع م ي ط ع م ه إ ال أ ن ي ك ون م ي ت ة أ و د ما م س ف وحا أ و حل م خ ن ز ير ). وهو حيوان مسج والعني تكرهه له نابان كنا ب الفيل ورأسه كرأس اجلاموس وهو حرام حلمه وشحمه ومجيع أجزائه. احلكمة من ترميه : كثرة الديدان يف حلم اخلنزير وألن أشهى غذائه القاذورات والنجاسات وأكل حلمه من أسباب الدودة الوحيدة القاتلة ويقال: إن له تأثريا سيئا يف العفة والغرية. ( و م ا أ مل بم م ه ل م غ ي م ا لل م ) اإلهالل املراد به رفع الصوت واملعىن : وما ذبح وذكر عليه اسم غري هللا تبارك وتعاىل وكانوا يذكرون اسم آ لتهم على الذبيحة ويرفعون أصواهتم بذلك. ( ف م من اض ط ر ) أي : أجلأته الضرورة إىل األكل من احملرمات. لكن بشرط : ( غ ي ر ب اغ و ال ع اد ) ال يكون باغيا وال عاديا [ وسيأيت املراد هبما ]
7 ( ف ال إم ث ع ل ي م ه ) أي : فال عقوبة عليه يف األكل. يف هذه اآلية جواز األكل من امليتة عند الضرورة ومنا مباحث : أوال : تعريف الضرورة لغة وشرعا : قال ابن منظور : االضطرار االحتياج إىل الشيء وقد اضطره إليه أمر. وشرعا : للضرورة تعاريف متقاربة يف املعىن عند الفقهاء ومن ذلك ما يأيت : قيل : إهنا بلوغه حدا إن ل يتناول املمنوع هلك إذا قارب وهذا يبيح تناول احلرام. وقيل : ومعىن الضرورة هاهنا خوف الضرر على نفسه أو بعض أعضائه برتكه األكل واملعىن متقارب. ثانيا : بيان حد االضطرار الذي يبيح تناول احملرم : حد االضطرار هنا يتبني من جمموع اآليات الواردة يف املوضوع وهي : قوله تعاىل ( و ق د ف ص ل ل ك م م ا ح ر م ع ل ي ك م إ ال م ا اض ط ر ر ت إ ل ي ه ). فأطلق يف هذه اآلية اإلباحة بوجود الضرورة يف كل حال وجدت الضرورة فيها. قوله تعاىل ( ف م ن اض ط ر غ ي ر ب اغ و ال ع اد ف ال إ ث ع ل ي ه ). فقيد اإلباحة يف هذه اآلية بأن يكون املضطر غري باغ وال عاد لكنه ل يبني سبب االضطرار و ل يبني املراد بالباغي والعادي. قوله تعاىل ( ف م ن اض ط ر يف خم م ص ة غ ي ر م ت ج ان ف إل ث ف إ ن ا لل غ فو ن ر ر ح ي ن م(. فبني سبحانه سبب االضطرار وهو املخمصة. وإذا : ميكننا أن نقول : إن حد االضطرار املبيح لتناول احملرم هو أن خياف على نفسه التلف بسبب اجلوع و ل جيد ما يتغذى به من احلالل بشرط أن يكون غري متجانف إل ث وهو الباغي والعادي. وقد اختلف العلماء يف املراد بالباغي والعادي على قولني : القول األول : أن املراد بالباغي هو اخلروج على إمام املسلمني واإل ث الذي يتجانف إليه العادي هو إخافة الطريق وقطعها على املسلمني ويلحق بذلك كل سفر معصية هلل ألن يف ذلك إباحة على املعصية وذلك ال جيوز. فعلى هذا القول :الباغي : اخلارج على اإلمام والعادي : قاطع الطريق وكل مسافر سفر معصية. القول الثاين : إليه. أن املراد بالباغي : الذي يبغي احملرم من الطعام مع قدرته على احلالل والعادي الذي يتعدى القدر الذي حيتاج ورجح هذا التفسري شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا وقال: وأما اآلية فأكثر املفسرين قالوا: املراد بالباغي الذي يبغي احملرم من الطعام مع قدرته على احلالل والعادي الذي يتعدى القدر الذي حيتاج إليه وهذا التفسري هو الصواب وهو قول أكثر السلف...وليس يف الشرع ما يدل على أن العاصي بسفره ال يأكل امليتة وال يقصر بل نصوص الكتاب والسنة عامة مطلقة. ورجح هذا القول القرطيب واإلمام ابن جرير. ثالثا : بيان حكم تناول الطعام احملرم يف حال الضرورة. اختلف العلماء يف ذلك على قولني : القول األول : جيب على املضطر األكل من امليتة وحنوها. وهذا قول احلنفية والصحيح من مذهب املالكية وأحد الوجهني يف مذهب احلنابلة وأصح الوجهني عند الشافعية. لقوله تعاىل ( و ال ت ق ت لوا أ ن ف س ك م ).
8 ولقوله تعاىل ( و ال ت ل قوا ب أ ي د يك م إ ىل الت ه ل ك ة ) وترك األكل مع إمكانه يف هذه احلال إلقاء بيده إىل التهلكة وألنه قادر على إحياء نفسه مبا أحل هللا له فلزمه كما لوكان معه طعام حالل. القول الثاين : أنه ال يلزمه يف هذه احلال األكل من احملرم. ألن له غرضا يف تركه وهو أن يتجنب ما حرم عليه وألن إباحة األكل رخصة فال تب عليه كسائر الرخص. النار. والراجح القول األول أنه جيب عليه أن يأكل يف هذه احلال وهو اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا حيث قال : وجيب على املضطر أن يأكل ويشرب ما يقيم به نفسه فمن اضطر إىل امليتة أو املاء النجس فلم يشرب و ل يأكل حىت مات دخل رابعا : بيان مقدار ما يباح للمضطر تناوله من احملرم. يباح له أكل ما يسد به الرمق ويأمن معه املوت باإلمجاع وحيرم ما زاد على الشبع باإلمجاع. واخت لف يف حكم الشبع على ثالثة أقوال : القول األول : ال يباح له الشبع. وهو قول أ ب حنيفة وأحد الروايتني عن أمحد وأحد القولني للشافعي. وهو قول ابن املاجشون من املالكية. قالوا : ألن اآلية دلت على ترمي ما ذكر فيها واستثىن ما اضطر إليه فإذا اندفعت الضرورة ل حيل األكل كحال االبتداء. وألنه بعد سد الرمق غري مضطر فلم حيل له األكل لآلية حيققه أن حاله بعد سد رمقه كحاله قبل أن يضطر و ث ل يبح له األكل كذا هاهنا. القول الثاين : أن له الشبع. وهذا قول مالك وأحد القولني يف مذهب الشافعي. حلديث جابر بن مسرة )أن رجال نزل احلرة فنفقت عنده ناقة فقالت له امرأته: اسلخها حىت نقدر شحمها وحلمها ونأكله فقال: حىت أسأل رسول هللا فسأله فقال : )هل عندك غىن يغنيك ( قال: ال قال: فكلوها( فأطلق النيب األمر بأكل و ل حيدد. القول الثالث : التفصيل بني من خيشى استمرار الضرورة فيحل له الشبع ومن ضرورته مرجوة الزوال فال حيل له إال سد الرمق ألن من ضرورته مستمرة إذا اقتصر على سد الرمق عادت الضرورة إليه عن قرب وال يتمكن من البعد من امليتة خمافة الضرورة ويفضي إىل ضعف بدنه ورمبا أدى ذلك إىل تلفه خبالف من ليست ضرورته مستمرة فإنه يرجو الغىن عنها مبا حيل له. وهذا احتمال يف مذهب احلنابلة ذكره صاحب املغ ن وقول يف مذهب الشافعي. وهذا القول هو الراجح. خامسا : هل جيوز للمضطر أن يتزود من الطعام احملرم الصحيح أنه جيوز له ذلك وهذا قول مالك ورواية عن أمحد وهو قول الشافعية. ألنه ال ضرر يف استصحاهبا وال يف إعدادها لدفع ضرورته وقضاء حاجته وال يأكل منها إال عند ضرورته. سادسا : إذا وجد املضطر ميتة وطعام الغري حبيث ال قطع فيه وال أذى فإنه ال حيل له أكل امليتة بل يأكل طعام الغري. سابعا : كل احملرمات إذا اضطر إليها وزالت هبا الضرورة كانت مباحة قلنا ( وزالت هبا الضرورة ) احرتازا مما ال تزول به الضرورة كما إذا ما اضطر اإلنسان إىل أكل سم فال جيوز أن يأكل ألنه ال تزول هبا ضرورته بل ميوت به ولو اضطر إىل
شرب مخر لعطش ل حيل له ألنه ال تزول به ضرورته ولذلك لو احتاج إىل شربه لدفع لقمة غص هبا حل له ألنه تزول به ضرورته. ثامنا : لو اضطر مليتة آدمي فاملشهور عند احلنابلة أنه ال جيوز أن يأكلها وقالت الشافعية : إنه جيوز أكلها عند الضرورة وهو الصحيح. ( الشيخ ابن عثيمني ). ( إمن ا لل غ ف ور ) هذا تعليل للحكم فاحلكم انتفاء اإل ث والعلة )إ ن ا لل غ فو ن ر ر ح ي ن ر م حيم م ). ( غ ف ور ) سبق شرحها. قال السعدي: وملا كان احلل مشروطا هبذين الشرطني وكان اإلنسان يف هذه احلالة رمبا ال يستقصي متام االستقصاء يف تقيقها أخرب تعاىل أنه غفور فيغفر ما أخطأ فيه يف هذه احلال خصوصا وقد غلبته الضرورة وأذهبت حواسه املشقة. ويف هذه اآلية دليل على القاعدة املشهورة ( الضرورات تبيح احملظورات ) فكل حمظور اضطر إليه اإلنسان فقد أباحه له امللك الرمحن فله احلمد والشكر أوال وآخرا وظاهرا وباطنا. ( ر م حيم ) ومن رمحته أنه أباح احملرمات حال الضرورة ومن رمحته يغفر الزالت واخلطيئات. الفوائد : فضيلة اإلميان. 1- األمر باألكل من طيبات ما رزق هللا. 2- أن اخلبائث ال يؤكل منها. 3- أن ما حيصل ل لنسان من مأكول فإنه من رزق هللا. 4- وجوب شكر هللا. 5- وجوب اإلخالص هلل تعاىل. 6- أن الشكر من تقيق العبادة. 7- ترمي أكل امليتة. 8- جناسة امليتة والدم وحلم اخلنزير وكل ما أهل لغري هللا. 9- أن التحرمي والتحليل إىل هللا. 10- أن الضرورة تبيح احملظور لكن هذه الضرورة تبيح احملرم بشرطني : 11- األول : صدق الضرورة حبيث ال يندفع الضرر إال بتناول احملر م. والثاين : زوال الضرورة به حيث يندفع الضرر كما تقدم. أن تناول احملرم بدون عذر إ ث ومعصية. 12- إثبات امسني من أمساء هللا ومها : الغفور والرحيم. 13-9
10 ( إمن ال م ذين ي ك ت م ون م ا أ نز ل ا لل من ال م كت ا مب وي ش ت ر ون بم م ه ث ن ا ق ل م يال أ ول مك م ا ي أ ك ل ون م ف ب ط و م ن م م إمال الن ار و ال ي ك ل مم ه م ا لل ي و م ال م قي ام م ة و ال ي ز ك م يمهم و هل م ع ذ اب أ ل م يم )174( أ ول مك ال م ذين اي ت ر و ا الض ال ل ة بماهل د ى و ال ع ذ اب بمال م غ م فر ة م ف م آ أ ص ب ر م م ع ل ى الن امر )175( ذ ل م ك بمأ ن ا لل ن ز ل ال م كت اب بما ل مق و إمن ال م ذين اخ ت ل ف وا م ف ال م كت ا مب ل م في م يق اق ب ع م يد )176( ). [ البقرة : 174 176 ]. ---------------- ( إمن ال م ذين ي ك ت م ون م ا أ ن ز ل ا لل من ال م كت ا مب ) يع ن اليهود الذين كتموا صفة حممد يف كتبهم ال ت بأيديهم مما تشهد له بالرسالة والنبوة فكتموا ذلك لئال تذهب رياستهم وما كانوا يأخذونه من العرب من ا لدايا والتحف فخشوا إن - لعنهم هللا - أظهروا ذلك أن يتبعه الناس ويرتكوهم فكتموا ذلك إبقاء على ما كان حيصل لم من ذلك وهو نزر يسري فباعوا أنفسهم بذلك واعتاضوا عن ا لدى واتباع احلق وتصديق الرسول واإلميان مبا جاء عن هللا بذلك النزر اليسري فخابوا وخسروا يف الدنيا واآلخرة. و لذا قال تعاىل : ( و ي ش ت ر ون بم م ه ث نا ق ل م يال ) الضمري يف قوله ( به ) يرجع إىل الشيء املكتوم أي : أهنم يشرتون بالشيء الذي كتموه مثنا قليال من متاع الدنيا كالرشا أو املناصب أو اجلاه عند أتباعهم. معىن اشرتوا : أي استعاضوا عنه بثمن قليل من املنافع الدنيوية. ومساه قليال النقطاع مدته وسوء عاقبته. ويف اآلية أن من موانع ا لداية أن يكون ل لنسان يف الباطل شهرة ومكانة. وهذه اآلية وإن كانت يف اليهود لكنها ال تتص هبم فكل من كتم علما فهو داخل يف هذه اآلية. قال الشيخ ابن عثيمني : املنحرف عن الدين وعن نشر العلم ينحرف ألحد سببني : السبب األول : خشية الناس. السبب الثاين : الطمع يف الدنيا. قال تعاىل يف سورة املائدة ( ف ال ت ش و ا الن اس و اخ ش و ن و ال ت ش ت ر وا ب آي ايت مث نا قليال ). ( أ ول مك م ا ي أ ك ل ون م ف ب ط و م ن م م إمال الن ار ) أي: إ نا يأكلون ما يأكلونه يف مقابلة كتمان احلق نارا تأجج يف بطوهنم يوم القيامة كما قال تعاىل )إ ن ال ذ ين ي أ كل ون أ م و ال ال ي ت ام ى ظ ل ما إ ن ا ي أ كل ون يف ب ط وهن م ن ارا و س ي ص ل و ن س ع ريا ( ويف احلديث الصحيح عن رسول هللا )إن الذي يأكل أو يشرب يف آنية الذهب والفضة إ نا جيرجر يف بطنه نار جهنم(. ]تفسري ابنكثري: 92/1[ وقيل : معىن )م ا ي أ كل ون يف ب ط وهن م إ ال الن ار ) أي : أنه يوجب عليهم عذاب النار فسمى ما أكلوه ( من الرشا وغريها ) نارا ألنه يؤول هبم إليها وما ذكره ابنكثري أقرب وأصح. وهذا احلكم وإن كان خاصا فاالعتبار بعموم اللفظ فهو يشمل كل من كتم ما شرعه هللا وأخذ عليه الرشا. ( و ال ي ك ل م م ه م ا لل ي و م ال م قي ام م ة ) أي : ال يكلمهم تكليم رضا فالنفي هنا ليس نفيا ملطلق الكالم وإال فاهلل عز وجل يكلم الكفار ويوخبهم كما قال تعاىل )ق الوا ر ب ن ا غ ل ب ت ع ل ي ن ا ش ق و ت ن ا و ك ن ا ق و ما ض ال ني. ر ب ن ا أ خ ر ج ن ا م ن ه ا ف إ ن ع د ن ا ف إ ن ا ظ ال م ون. ق ال اخ س أوا ف يه ا و ال ت ك ل م ون ). يوم القيامة مسي بذلك : أوال : ألن الناس يقومون من قبورهم قال تعاىل ( يوم يقوم الناس لرب العاملني ).
11 ثانيا : ولقيام األشهاد لقوله تعاىل ( إ ن ا ل ن ن صر رس ل ن ا و ال ذ ين آم نوا يف احل ي اة الد ن ي ا و ي و م ي قوم األ ش ه اد ). ثالثا : ولقيام املالئكة لقوله تعاىل ( ي و م ي قوم الر وح و ال م الئ ك ة ص ف ا... ). ( و ال ي ز ك م يمهم ) أي : ال يث ن عليهم خبري. ( و هل م ع ذ اب أ ل م يم ) أي : موجع والعذاب هو : النكال والعقوبة. ( أ ول مك ) املشار إليهم ( الذين يكتمون ما أنزل هللا من الكتاب ). ( ال م ذين اي ت ر و ا الض الل ة بماهل د ى ) أي : ( ال ذ ين اش ت ر و ا ) أي : اختاروا واعتاضوا ( الض الل ة ) وهي هنا كتمان العلم وهو تكذيب النيب وكتم صفته ال ت يف كتبهم ( ب ا ل د ى ) وهو نشر ما يفكتبهم من صفة الرسول وذكر مبعثه والبشارة به واتباعه وتصديقه. قال أبو حيان : ويف لفظ اشرتوا إشعار بإيثارهم الضاللة والعذاب ألن اإلنسان ال يشرتي إال ماكان له فيه رغبة ومودة واختيار وذلك يدل على هناية اخلسارة وعدم النظر يف العواقب. قال الشيخ ابن عثيمني: )اشرتوا( مبعىن اختاروا ولكنه عرب هبذا ألن املشرتي طالب راغب يف السلعة فكان هؤالء - والعياذ باهلل - طالبون راغبون يف الضاللة مبنزلة املشرتي. ( و ال ع ذ اب بمال م غ م فر ةم ) أي : واختاروا العذاب باملغفرة وهو ما تعاطوه من أسبابه املذكورة وهوكتم العلم. ( ف م ا أ ص ب ر م م ع ل ى الن امر ) هذه اآلية للتعجب قال الطربي : أي : ما أجرأهم على النار أي : ما أجرأهم على عذاب النار وأعملهم بأعمال أهلها. وقال ابن كث ي : خيرب تعاىل أهنم يف عذاب شديد هائل يتعجب من رآهم فيها من صربهم على ذلك مع شدة ما هم فيه من العذاب والنكال واألغالل عياذا باهلل من ذلك. [ تفسري ابنكثري : 1 ] 192 /. وقيل : إن ( ما ) استفهامية واملعىن : ما الذي أصربهم على النار والقول األول هو الصحيح وهو مذهب اجلمهوركما ذكر ذلك الشوكا ن. ( ذ ل م ك بمأ ن ا لل ن ز ل ال م كت اب بما ل مق ) أي: ذلك العذاب الذي جيازون به بسببكتمهم للكتاب بسبب أن هللا أنزل الكتاب - التوراة - باحلق فكفروا به واختلفوا فيه. وقيل : املراد ب ( الكتاب ) جنس الكتب ويشمل التوراة واإلجنيل والقرآن. ( و إمن ال م ذين اخ ت ل ف وا م ف ال م كت ا مب ) قيل : املراد بالكتاب التوراة والذين اختلفوا فيه هم اليهود والنصارى وقيل : املراد بالكتاب القرآن والذين اختلفوا فيه هم اليهود والنصارى واملشركني فبعضهم يقول : هو سحر وبعضهم يقول : هو شعر وبعضهم يقول : كهانة. ( ل م في م يق اق ب م عيد ) أي : يف خالف بعيد عن احلق والصواب مستوجب ألشد العذاب. الفوائد : 1- ترميكتم العلم. 2- أنكتم العلم من صفات اليهود. 3- عظم جرمكتم العلم. 4 -وجوب نشر العلم. 5- أن الكتب منزلة من عند هللا.
6 -علو هللا عز وجل. 7- أن متاع الدنيا قليل ولوكثر. 8- خطر فتنة الدنيا ولذلك قال ( فاتقوا الدنيا.. ). 9 -إقامة العدل يف اجلزاء. 10 -إثبات الكالم هلل تعاىل. ( ل ي س ال م ب أ ن ت و ل وا و ج وم ك م ق م ب ل ال م ش مرمق و ال م غ مر مب و ل م كن ال م ب م ن م ن بما لل م و ال ي و م اخآ م خمر و ال م ئآئمك م ة و ال م كت ا مب و الن بميم ني و ت ى ال م ال ع ل ى ح بم م ه ذ موي ال ق ر ب و ال ي ت ام ى و ال م س اك م ني و اب ن الس بمي مل و الس آئمل م ني و م ف المرق ا مب و أ ق ام ال الة و ت ى الز ك اة و ال م وف ون بمع ه م دمم إمذ ا ع ام د وا و ال ابممرين م ف ال ب أ س اء والض ر اء و م حني ال ب أ مس أ ول مك ال م ذين ص د ق وا و أ ول مك م م ال م ت ق و ن. ) )177( [ البقرة : 177 ]. ---------- )ل ي س ال م ب أ ن ت و ل وا و ج وم ك م ق م ب ل ال م ش مرمق و ال م غ مر مب( ملا أمر هللا تعاىل املؤمنني أوال بالتوجه إىل بيت املقدس ث حو لم إىل الكعبة شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض املسلمني فأنزل هللا تعاىل بيان حكمته يف ذلك وهو أن املراد إ نا هو طاعة هللا عز وجل وامتثال أوامره والتوجه حيثما وجه واتباع ما شرع فهذا هو الرب والتقوى واإلميان الكامل وليس يف ق ب ل لزوم التوجه إىل جهة املشرق أو املغرب بر وال طاعة إن ل يكن عن أمر هللا وشرعه و لذا قال )ل ي س ال رب أ ن ت و ل وا وج وه ك م ال م ش ر ق و ال م غ ر ب و ل ك ن ال رب م ن آم ن ب ا لل و ال ي و م اآل خ ر...( وقال الثوري: )و ل ك ن ال رب م ن آ من ب ا لل...( قال: هذه أنواع الرب كلها. قال ابن كثري: وصدق رمحه هللا فإن من اتصف هبذه اآلية فقد دخل يف عرى اإلسالم كلها وأخذ مبجامع اخلري كله. الرب اسم جامع للطاعات وأعمال اخلري املقربة إىل هللا تعاىل. ( م ن م ن بم ا لل م ) اإلميان باهلل يتضمن أربعة أمور : األول : اإلميان بوجود هللا تعاىل. وقد دل على وجوده : الفطرة والعقل والشرع واحلس. أما داللة الفطرة على وجوده : فإن كل خملوق قد فطر على اإلميان خبالقه. وأما داللة العقل على وجوده تعاىل : فألن هذه املخلوقات سابقها والحقها ال بد لا من خالق أوجدها إذ ال ميكن أن توجد نفسها بنفسها وال ميكن أن توجد صدفة. وأما داللة احلس على وجود هللا : فإننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعني وغوث املكروبني ما يدل داللة قاطعة على وجوده تعاىل قال تعاىل : )و ن وحا إ ذ ن اد ى م ن ق ب ل ف اس ت ج ب ن ا ل ه ). الثاين : اإلميان بربوبيته. أي بأنه وحده الرب ال شريك له وال معني. الثالث : اإلميان بألوهيته. أي بأنه وحده اإلله ال شريك له. الراب : اإلميان بأمسائه وصفاته. 12
أي إثبات ما أثبته هللا لنفسه يفكتابه أو سنة رسوله من األمساء والصفات على الوجه الالئق به من غري تريف وال تعطيل وال تكييف وال متثيل. ( و ال ي و م اخآ م خمر ) ويشمل اإلميان جبميع ما يكون بعد املوت. ( و ال م الئمك م ة ) املالئكة : عا ل غييب خملوقون عابدون هلل تعاىل وليس لم من خصائص الروبية واأللوهية شيء خلقهم هللا تعاىل من نور ومنحهم االنقياد التام ألمره والقوة على تنفيذه. واإلميان باملالئكة يتضمن أربعة أمور : األول : اإلميان بوجودهم. الثاين : اإلميان مبن علمنا امسه منهم بامسه كجربيل ومن ل نعلم امسه نؤمن هبم إمجاال. الثالث : اإلميان مبا علمنا من صفاهتم كصفة جربيل فقد أخرب النيب أنه رآه على صفته ال ت خلق عليها وله ستمائة جناح قد سد األفق. الراب : اإلميان مبا علمنا من أعما لم ال ت يقومون هبا بأمر هللا تعاىل وقد يكون لبعضهم أعمال خاصة. ( و ال م كت ا مب ) اسم جنس يشمل مجيع الكتب املنزلة على األنبياء حىت ختمت بأشرفها وهو القرآن املهيمن على ما قبله من الكتب الذي انتهى إليهكل خري واشتمل علىكل سعادة يف الدنيا واآلخرة ونسخ بهكل ما سواه من الكتب قبله. واإلميان بالكتب يتضمن أربعة أمور : األول : اإلميان بأن نزو لا من عند هللا حقا. الثاين : اإلميان مبا علمنا امسه من عند هللا بامسه. الراب الثالث : تصديق ما صح من أخبارها كأخبار القرآن وأخبار ما ل يبدل أو حيرف من الكتب السابقة. : العمل بأحكام ما ل ينسخ منها والرضا والتسليم به. ( و الن بميمني ) أي : وآمن برسل هللاكلهم من أو لم إىل آخرهم. واإلميان بالرسل واألنبياء يتضمن أربعة أمور : األول : اإلميان بأن رسالتهم حق من هللا تعاىل. الثاين : اإلميان مبن علمنا امسه منهم مثل : حممد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح وأما من ل نعلم امسه منهم فنؤمن به إمجاال. الثالث : تصديق ما صح عنهم من أخبارهم. الراب : العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خامتهم حممد. ( و ت ى ال م ال ع ل ى ح بم م ه ) أي أخرجه وهو حمب له راغب فيه كما ثبت يف الصحيحني من حديث أ ب هريرة مرفوعا )أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغىن و تشى الفقر(. وهذه اآلية مثل : قوله تعاىل ( و ي ط ع م ون الط ع ام ع ل ى ح ب ه م س ك ينا و ي ت يما و أ س ريا. إ ن ا ن ط ع م ك م ل و ج ه ا لل ال ن ر يد م ن ك م ج ز اء و ال شك ورا ). وقوله ( ل ن ت ن الوا ال رب ح ىت ت ن ف قوا مم ا ت ب ون ). وقوله ( و ي ؤ ث ر ون ع ل ى أ ن ف س ه م و ل و ك ان هب م خ ص اص ةن ). 13
14 فقوله تعاىل ( على حبه ) على حب املال هذا القول هو الصحيح وهو قول األكثر خالفا ملن قال إن الضمري يف قوله ( على حبه ) يرجع إىل هللا أو من قال يرجع إىل اإليتاء أي على حب اإليتاء. فإنفاق املال على حبه من أفضل القربات وأعظمها ألن املال حمبوب للنفس. واختلف العلماء يف هذه اآلية )و آت ى ال م ال ع ل ى ح ب ه ( فقيل: حي ت م ل ب ه أ ن ي ر يد ب ه الص د ق ة ال و اج ب ة وحيتمل: أ ن ي ر يد ب ه الت ط و ع و ل ي س يف اآل ي ة د ال ل ةن ع ل ى أ ن ه ا ال و اج ب ة و إ ن ا ف يه ا ح ث ع ل ى الص د ق ة و و ع ند ب الث و اب ع ل ي ه ا أل ن أ ك ث ر ما ف يه ا أ ن ه ا م ن ال رب و ه ذ ا ل ف نظ ي ن ط و ي ع ل ى ال ف ر ض و الن ف ل إال أ ن يف س ي اق اآل ي ة و ن س ق الت ال و ة م ا ي د ل ع ل ى أ ن ه ل ي ر د ب ه الز ك اة ل ق و ل ه ت ع اىل )و أ ق ا م الص ال ة و آت ى الز ك اة ) ف ل م ا ع ط ف الز ك اة ع ل ي ه ا د ل ع ل ى أ ن ه ل ي ر د الز ك اة ب الص د ق ة ال م ذ ك ور ة ق ب ل ه ا. قال الرازي : وهذا التأويل يدل على أن الصدقة حال الصحة أفضل منها عند القرب من املوت والعقل يدل على ذلك أيضا من وجوه : أحدما : أن عند الصحة حيصل ظن احلاجة إىل املال وعند ظن قرب املوت حيصل ظن االستغناء عن املال وبذل الشيء عند االحتياج إليه أدل على الطاعة من بذله عند االستغناء عنه على ما قال ( ل ن ت ن ال وا الرب حىت تنف ق وا مم ا ت ب ون ). وثانيها : أن إعطاءه حال الصحة أدل على كونه متيقنا بالوعد والوعيد من إعطاءه حال املرض واملوت. وثالثها : يبذله الغ ن. أن إعطاءه حال الصحة أشق فيكون أكثر ثوابا قياسا على ما يبذله الفقري من جهد املقل فإنه يزيد ثوابه على ما ورابعها : أن منكان ماله على شرف الزوال فوهبه ألحد مع العلم بأنه لو ل يهبه لضاع فإن هذه ا لبة ال تكون مساوية ملا إذا ل يكن خائفا من ضياع املال ث إنه وهبه منه طائعا وراغبا فكذا ههنا. وخامسها :. أنه متأيد بقوله تعاىل ( ل ن ت ن الوا الرب حىت تنف ق وا مم ا ت ب ون ) وقوله ( و ي ط ع م ون الطعام على ح ب ه ) أي على حب الطعام وقال السعدي : بني به أن املال حمبوب للنفوس فال يكاد خيرجه العبد فمن أخرجه مع حبه له تقربا إىل هللا تعاىل كان هذا برهانا إلميانه. ومن إيتاء املال على حبه :أن يتصدق وهو صحيح شحيح يأمل الغىن وخيشى الفقر وكذلك إذاكانت الصدقة عن قلة كانت أفضل ألنه يف هذه احلال حيب إمساكه ملا يتومهه من العدم والفقر. وكذلك إخراج النفيس من املال وما حيبه من ماله كما قال تعاىل ( ل ن ت ن الوا ال رب ح ىت تن ف قوا مم ا ت ب و ن ) فكل هؤالء ممن آتى املال على حبه. ( تفسري السعدي ). ( ذ موي ال ق ر ب ) وهم قرابات الرجل وهم أوىل من أعطي من الصدقة كما ثبت يف احلديث ( الصدقة على املساكني صدقة وعلى ذوي الرجم ثنتان : صدقة وصلة ) رواه الرتمذي فهم أوىل الناس بك وبرب ك وإحسان ك وقد أمر هللا تعاىل باإلحسان إليهم يف غري موضع من كتابه العزيز. ( و ال ي ت ام ى ) هم الذين الكاسب لم وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ والقدرة على التكسب. ( و ال م س اك م ني ) وهم الذين ال جيدون ما يكفيهم يف قوهتم وكسوهتم وسكناهم فيعطون ما تسد به حاجتهم وخلتهم. قيل : مسي املسكني بذلك ألن الفقر أسكنه وقيل : مسي بذلك ألنه ساكن إىل الناس من أجل أن جيدكفايته. ) و اب ن الس بمي مل ( فيعطى ما يكفيه يف ذهابه وإيابه. وهو املسافر اجملتاز الذي قد فرغت نفقته فيعطى ما يوصله إىل بلده وكذا الذي يريد سفرا يف طاعة هللا
والسبيل الطريق ومسي بابن السبيل ألنه مالزم لا. ( و الس ائمل م ني ) وهم الذين يتعرضون للطلب فيعطون من الزكوات والصدقات. ( و م ف المرق ا مب ) وهم املكاتبون الذين ال جيدون ما يؤدونه يف كتابتهم ( واملكاتب : العبد إذا اشرتى نفسه من سيده مببلغ من املال على أقساط معلومة ) ويدخل يف الرقاب إعتاق العبيد ابتداء وكذلك يدخل فيه فك األسارى. )و أ ق ام ال الة ) أي وأ ت أفعال الصالة يف أوقاهتا بركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها على الوجه الشرعي املرضي. )و ت ى الز ك اة ) أي : وأعطى الزكاة الواجبة. والزكاة : هي قدر واجب يف مال خمصوص لطائفة أو جهة خمصوصة بشروط خمصوصة ومسيت بذلك ألهنا تزكي املال وصاحب و ص ل ع ل ي ه م ). املال ( خ ذ م ن أ م و ا ل م ص د ق ة ت ط ه ره م و ت ز ك يه م هب ا ويكو ن املذكور من إعطاء هذه اجلهات واألصناف املذكورين قبل ذلك إ نا هو التطوع والصلة. ( و ال م وف ون بمع ه م دمم إمذ ا ع ام د وا ) أي : ويوفون بالعهود وال خيلفون الوعود. كما قال تعاىل ( ي ا أ ي ه ا ال ذ ين آم نوا أ و فوا ب ال ع ق و د ). وقال تعاىل ( ال ذ ين ي وف ون ب ع ه د ا لل و ال ي ن قض ون ال م يث ا ق ). وقال تعاىل ( و أ و فوا ب ع ه د ا لل إ ذ ا ع اه د ت ). وعكس هذه الصفة النفاق كما يف احلديث عنه أنه قال ( آية املنافق ثالث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤمتن خان ) متفق عليه. ( و ال ابممرين م ف ال ب أ س ا م ء ) أي يف حال الفقر. لغريه. قال السعدي : ألن الفقري حيتاج إىل الصرب من وجوه كثرية لكونه حيصل له من اآلالم القلبية والبدنية املستمرة ما ال حيصل فإن تنعم األغنياء مبا ال يقدر عليه تأ ل وإن جاع أو جاعت عياله تأ ل وإن أكل طعاما غري موافق لواه تأ ل وإن عرى أو كاد تأ ل وإن نظر إىل ما بني يديه وما يتومهه من املستقبل الذي يستعد له تأ ل وإن أصابه الربد الذي ال يقدر على دفعه تأ ل فكل هذه وحنوها مصائب يؤمر بالصرب عليها واالحتساب ورجاء الثواب من هللا عليها. ( و الض ر ا م ء ) ويف حال املرض واألسقام وخصوصا مع تطاول ذلك ألن النفس تضعف والبدن يأ ل وذلك يف غاية املشقة على النفوس فإنه يؤمر بالصرب احتسابا لثواب هللا. ( و م حني ال ب أ مس ) أي : يف حال القتال والتقاء األعداء. قال السعدي : ألن اجلالد يشق غاية املشقة على النفس وجيزع اإلنسان من القتل أو اجلراح أو األسر فاحتيج إىل الصرب يف ذلك احتسابا ورجاء لثواب هللا الذي منه النصر واملعونة ال ت وعدها الصابرين. ونص على هذا الصرب يف هذه املواضع لصعوبته وشدته. والبأس يطلق يف القرآن على )3( إطالقات : مبعىن العذاب : كقوله تعاىل ( لينذر بأسا شديدا من لدنه ) وقوله )ف م ن ي ن صر ن ا م ن ب أ س ا لل إ ن ج اء ن ا ). ومبعىن القتال واملعركة : كقوله تعاىل ( و ال ي أ ت ون ال ب أ س إ ال ق ل يال ). ومبعىن : الفقر والضيق : كقوله تعاىل ( م س ت ه م ال ب أ س اء و الض ر اء ). 15
16 ( أ ول مك ال م ذين ص د ق وا ) أي هؤالء الذين اتصفوا هبذه الصفات هم الذين صدقوا يف إمياهنم ألهنم حققوا اإلميان القليب باألقوال واألفعال فهؤالء هم الذين صدقوا. ( و أ ول مك م م ال م ت ق ون ) ألهنم اتقوا احملارم وفعلوا الطاعات. قال القرطيب : تضم نت هذه اآلية الكرمية ست عشرة قاعدة من أ م هات األحكام : اإلميان باهلل وبأمسائه وصفاته واحلشر والنشر والصراط واحلوض والش فاعة واجلنة والنار واملالئكة والر سل والكتب املنزلة وأهن ا حق من عند هللا كما تقدم والن بيني وإنفاق املال فيما يعن له من الواجب واملندوب وإيصال القرابة وترك قطعهم وتفق د اليتيم وعدم إمهاله املساكني كذلك ومراعاة ابن السبيل وهو : املسافر املنقطع وقيل: الضعيف والس ؤ ال وفك الرقاب واحملافظة على الص لوات وإيتاء الز كاة والوفاء بالعهود والص رب يف الش دائد وكل قاعدة من هذه القواعد تتاج إىل كتاب. وقال ابن عايور : فلله هذا االستقراء البديع الذي يعجز عنه كل خطيب وحكيم غري العالم احلكيم. وقد مجعت هذه اخلصال مجاع الفضائل الفردية واالجتماعية الناشئ عنها صالح أفراد اجملتمع من أصول العقيدة وصاحلات األعمال. فاإلميان وإقام الصالة مها منبع الفضائل الفردية ألهنما ينبثق عنهما سائر التحليات املأمور هبا والزكاة وإيتاء املال أصل نظام اجلماعة صغريها وكبريها واملواساة تقوى عنها األخوة واال تاد وتسدد مصا ح لألمة كثرية وببذل املال يف الرقاب يتعزز جانب احلرية املطلوبة للشارع حىت يصري الناس كلهم أحرارا. والوفاء بالعهد فيه فضيلة فردية وهي عنوان كمال النفس وفضيلة اجتماعية وهي ثقة الناس بعضهم ببعض. والصرب فيه مجاع الفضائل وشجاعة األمة ولذلك قال تعاىل هنا )أولئك الذين صدقوا وأولئك هم املتقون( فحصر فيهم الصدق والتقوى حصرا ادعائيا للمبالغة ودلت على أن املسلمني قد تقق فيهم معىن الرب وفيه تعريض بأن أهل الكتاب ل يتحقق فيهم ألهنم ل يؤمنوا ببعض املالئكة وبعض النبيني وألهنم حرموا كثريا من الناس حقوقهم و ل يفوا بالعهد و ل يصربوا. وفيها أيضا تعريض باملشركني إذ ل يؤمنوا باليوم اآلخر والنبيني والكتب وسلبوا اليتامى أموا لم و ل يقيموا الصالة و ل يؤتوا الزكاة. الفوائد : -1-2 -3-4 -5-6 -7-8 -9-10 -11 أن الرب حقيقة هو اإلميان باهلل وما ذكره تعاىل يف هذه اآلية. أن اإلميان باليوم باآلخر من أكرب احلوافز على اإلميان باهلل ولذلك دائما يقرن هللا بينه وبني اإلميان به. وجوب اإلميان باملالئكة. وجوب اإلميان بالكتب. وجوب اإلميان بالرسل مجيعهم وأهنم بلغوا األمانة ونصحوا لألمة. فضل ومنزلة إعطاء املال على حبه ويف احلديث ( والصدقة برهان ). أن املال حمبوب للنفوس. أن إعطاء القريب من الصدقة وغريها أفضل وأوىل. فضل الصدقة على املسكني واليتيم وابن السبيل والسائلني. أن إقامة الصالة من الرب. أن املعترب إقامتها خبشوعها وأركاهنا ليس فقط فعلها جسديا من غري خشوع.
17-12 -13-14 -15-16 -17-18 احلرص واالجتهاد يف إقامة الصالة على أكمل الوجوه. عظم منزلة الزكاة وأهنا بعد الصالة. الثناء على املوفني بالعهد سواء مع هللا أو مع اخللق. فضل الصرب وأنه من أعلى املنازل. أن من حقق هذه الصفات فقد صدق مع هللا. أن الصدق ليس بالدعاوى ولكن بالعمل والفعل. أن القيام بالرب من التقوى. ( ي ا أ ي ه ا ال م ذين م ن وا ك تمب ع ل ي ك م ال مق اص م ف ال ق ت ل ى ا ل ر بما ل مر و ال ع ب د بمال ع ب م د و األ نث ى بماأل نث ى ف م ن ع م في ل ه من أ م خي م ه ي ي ء ف ات مب اع بمال م ع ر و م ف و أ د اء إمل ي م ه بممإح س ان ذ ل م ك ت م فيف من ر بمك م و ر ح ة ف م من اع ت د ى ب ع د ذ ل م ك ف ل ه ع ذ اب أ ل م يم )178( ). ]سورة البقرة: 178[ ----------- ( ي ا أ ي ه ا ال م ذين م ن وا ) أي : يا أيها الذين آمنوا بقلوهبم وانقادوا وعملوا جبوارحهم. واإلميان إذا أفرد و ل يذكر معه ( وعملوا الصاحلات ) فإنه يشمل مجيع خصال الدين من اعتقادات وعمليات وأما إذا ع طف العمل الصا ح على اإلميان كقوله ( والذين آمنوا وعملوا الصاحلات ) فإن اإلميان حينئذ ينصرف إىل ركنه األكرب األعظم وهو االعتقاد القليب وهو إميان القلب واعتقاده وانقياده بشهادة أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول هللا وبكل ما جيب اإلميان به. واإلميان شرعا : قول باللسان واعتقاد باجلنان وعمل باألركان. تصدير اخلطاب هبذا النداء فيه ثالثة فوائد : ( الشيخ ابن عثيمني ). األوىل : العناية واالهتمام به. الثانية : اإلغراء وأن من يفعل ذلك فإنه من اإلميان كما تقول يا ابن األجود ج د. الثالثة : أن امتثال هذا األمر يعد من مقتضيات اإلميان وأن عدم امتثاله يعد نقصا يف اإلميان. ( ك تمب ع ل ي ك م ال مق اص م ف ال ق ت ل ى ) أي : فرض عليكم املماثلة والعدل يف القصاص حركم حبركم وعبد كم بعبد كم وأنثاكم بأنثاكم وال تتجاوزا وتعتدوا فتقتلوا غري اجلا ن فإن أ خذ غري اجلا ن ليس بقصاص بل هو ظلم واعتداء. قال السعدي : مينت تعاىل على عباده املؤمنني بأنه فرض عليهم )ال ق ص اص يف ال قت ل ى( أي : املساواة فيه وأن يقتل القاتل على الصفة ال ت قتل عليها املقتول إقامة للعدل والقسط بني العباد. وتوجيه اخلطاب لعموم املؤمنني فيه دليل على أنه جيب عليهمكلهم حىت أولياء القاتل حىت القاتل بنفسه إعانة و ل املقتول إذا طلب القصاص ومتكينه من القاتل وأنه ال جيوز لم أن حيولوا بني هذا احلد ومينعوا الو ل من االقتصاص كما عليه عادة اجلاهلية ومن أشبههم من إيواء احملدثني. كتب عليكم : أي فرض عليكم. قال الرازي : قوله تعاىل ( ك ت ب ع ل ي ك م ) فمعناه : فرض عليكم فهذه اللفظة تقتضي الوجوب من وجهني : أحدمها : أن قوله تعاىل ( كتب ) يفيد الوجوب يف عرف الشرع قال تعاىل ( ك ت ب ع ل ي كم الصيام ). والثاين : لفظة ( ع ل ي ك م ) مشعرة بالوجوبكما يف قوله تعاىل ( و لل ع ل ى الناس ح ج البيت ).
والقصاص: لغة تتبع األثر كالقصص واصطالحا : هو أن يفعل باجلا ن كما ف عل إن ق ت ل ق ت ل وإن قطع طرفا ق ط ع طرفه وهكذا. قال الرازي : أما القصاص فهو أن يفعل باإلنسان مثل ما فعل من قولك : اقتص فالن أثر فالن إذا فعل مثل فعله قال تعاىل ( فارتدا على ءاث ار مه ا ق ص ص ا ) وقال تعاىل ( و ق ال ت أل خ ت ه ق ص يه ) أي اتبعي أثره ومسيت القصة قصة ألن باحلكاية تساوي احملكي ومسي القصص ألنه يذكر مثل أخبار الناس ويسمى املقص مقصا لتعادل جانبيه. ففي هذه اآلية وجوب القصاص لكن إذا عفا أولياء املقتول أو قبلوا ا لدية سقط القصاص لقوله تعاىل بعد ذلك )ف م ن ع ف ي ل ه م ن أ خ يه ش ي ء ن ف ات ب اعن ب ال م ع ر وف و أ د اء ن إ ل ي ه ب إ ح س ا ن ) ولقوله ( ومن قت ل له قتيل فهو خبري النظرين إما أن ي ودي وإما أن ي قاد ) متفق عليه. قوله تعاىل ( احل ر ب احل ر و ال ع ب د ب ال ع ب د... ) أي : فإذا قتل احلر احلر فاقتلوه به وإذا قتل العبد العبد فاقتلوه به وإذا قتلت األنثى األنثى فاقتلوا األنثى وهذا ال إشكال فيه. وظاهر اآلية أن الرجل ال يقتل باملرأة لقوله ( و األ ن ث ى ب األ ن ث ى ) مع أن مجاهري العلماء على أن الرجل يقتل باملرأة بل نقل بعضهم اإلمجاع كالقرطيب ويدل لذلك حديث أنس ( أن يهوديا قتل جارية على أوضاح النيب لا فقتلها حبجر فجيء هبا إىل وهبا رمق فقال : أقتلك فالن فأشارت برأسها أن ال ث قال الثانية فأشارت برأسها أن ال ث سأ لا الثالثة فأشارت برأسها أن نعم فقتله النيب حبجرين ) متفق عليه. واجلواب عن ظاهر اآلية : أوال : قال بعض العلماء : إن اآلية نزلت يف قوم ال يرضون إذا قتل العبد منهم أن يقتل قاتله العبد من القبيلة ال ت تركته ويقولون ال نرضى مقابله إال رجال حرا أفضل من قاتله وإذا قتلت امرأة من غريهم امرأة منهم ال يرضون بقتل املرأة القاتلة فقط ولكنهم يقولون نقتل مكاهنا رجال وإذا ق تل منهم حر قالوا ال نرض بأن نقتل قاتله فقط بل ال بد أن نقتل أكثر من قاتله فنزلت اآلية فيهم. ثانيا : أهنا منسوخة بقوله تعاىل ( و ك ت ب ن ا ع ل ي ه م ف يه ا أ ن الن ف س ب الن ف س ). ( ف م ن ع م في ل ه من أ م خي م ه ي ي ء ) أي : إذا عفا و ل املقتول عن القاتل إىل الدية أو عفا بعض األولياء فإنه يسقط القصاص و تب الدية. قال الشيخ ابن عثيمني ( فمن عفي له ) املعفو عنه القاتل ( من أخيه ) املراد به املقتول أي من دم أخيه فأي قاتل عفي له من دم أخيه شيء سقط القصاص. قال السعدي ( فمن عفي له من أخيه ) ترقيق وحث على العفو إىل الدية وأحسن من ذلك العفو جمانا. وقال اخلازن : ( فمن عفي له من أخيه شيء ) أي : ترك له وصفح عنه من الواجب عليه وهو القصاص يف قتل العمد ورضي بالدية أو العفو عنها أو قبول الدية يف قتل العمد من أخيه أي من دم أخيه وأراد باألخ و ل املقتول وإ نا قيل له أخ ألنه البسه من قبل أنه و ل الدم واملطالب به. وقيل : إ نا ذكره بلفظ األخوة ليعطف أحدمها على صاحبه مبا هو ثابت بينهما من اجلنسية وأخوة اإلسالم. وقال ابن عايور ( فمن عفي له ) هو و ل املقتول وإن املراد بأخيه هو القاتل وصفا بأنه أخ تذكريا بأخوة اإلسالم وترقيقا لنفس و ل املقتول ألنه إذا اعترب القاتل أخا لهكان من املروءة أال يرضى بالق و د منه ألنهكمن رضي بقتل أخيه. 18
19 وقال : يف قوله ( وأخيه ) دليل على أن القاتل ال يكفر ألن املراد باألخوة هنا أخوة اإلميان فلم خيرج بالقتل منها ومن باب أوىل سائر املعاصي ال ت هي دون الكفر وال يكفر هبا فاعلها وإ نا ينقص بذلك إميانه. ( ف ات مب اع بمال م ع ر و م ف ) أي : فإذا عفى عنه وجب على الو ل ( أي و ل املقتول ) أن يتبع القاتل ويطالبه ( باملعروف ) من غري أن يشق عليه وال حيمله ما ال يطيق بل حيسن االقتضاء والطلب وال حيرجه. قال اخلازن ( فاتباع باملعروف ) أي : فليتبع الو ل القاتل باملعروف فال يأخذ أكثر من حقه وال يعنفه. قال الرازي : االتباع باملعروف أن ال يشدد باملطالبة بل جيرى فيها على العادة املألوفة فإن كان معسرا فالنظرة وإن كان واجدا لعني املال فإنه ال يطالبه بالزيادة على قدر احلق وإن كان واجدا لغري املال الواجب فاإلمهال إىل أن يبتاع ويستبدل وأن ال مينعه بسبب االتباع عن تقدمي األهم من الواجبات. ( و أ د اء إمل ي م ه بممإح س ان ) وعلى القاتل ]أداء إليه بإحسان[ من غري مطل وال نقص وال إساءة ف ع لي ة أو قولية فهل جزاء اإلحسان بالعفو إال اإلحسان حبسن القضاء فكما أنه عف ى عنه فينبغي أن حيسن إليه حبسن القضاء. فالضمري يف قوله )إليه( يعود على العايف بإحسان واملؤد ى : ما وقع االتفاق عليه. قال الرازي : فأما األداء بإحسان فاملراد به أن ال يدعي اإلعدام يف حال اإلمكان وال يؤخره مع الوجود وال يقدم ما ليس بواجب عليه وأن يؤدي ذلك املال على بشر وطالقة وقول مجيل. قال اخلازن باإلحسان فيما له وعليه. ( وأداء إليه بإحسان ) أي : على القاتل أداء الدية إىل و ل الدم من غري مماطلة أمر كل واحد منهما وحسن القضاء هذا مأمور به يف كل ما يثبت يف ذمم الناس ل لنسان مأمور من له حق باالتباع باملعروف ومن عليه احلق باألداء باإلحسان. ( ذ ل م ك ) املشار إليهكل ما سبق من جواز العفو إىل الدية. ( ت م فيف من ر بمك م ) إ شارة إ ىل ما شرعه لذه األمة من أخذ الدية وكانت بنو إ سرائيل ال دي ة عندهم إ نا هو الق ص اص ف ق ط. ( و ر ح ة ) باجلميع بالقاتل حيث سقط عنه القتل وبأولياء املقتول حيث أبيح لم أن يأخذوا العوض. ( ف م من اع ت د ى ب ع د ذ ل م ك ) أي : فمن اعتدى بعد أخذ الدية وقبو لا. قال الرازي : املراد أن ال يقتل بعد العفو والدية وذلك ألن أهل اجلاهلية إذا عفوا وأخذوا الدية ث ظفروا بعد ذلك بالقاتل قتلوه فنهى هللا عن ذلك. وقيل املراد : أن يقتل غري قاتله أو أكثر من قاتله أو طلب أكثر مما وجب له من الدية أو جاوز احلد بعد القصاص وجيب أن حيمل على اجلميع لعموم اللفظ. ما بني له كيفية ( ف ل ه ع ذ اب أ ل م يم ) عذاب أليم موجع شديد يوم القيامة وقد جاء يف احلديث ( من أصيب بقتل فإنه خيتار إحدى ثالث : إما أن يقتص منه وإما أن يعفو وإما أن يأخذ الدية ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها ) رواه أمحد. قتله. وقيل : العذاب يف الدنيا : القتل يف الدنيا ألنه قتله بعد عفوه وأخذ الدية منه فلما قتله بعد ذلك صار معتديا قاتال فوجب ورجح الرازي األول وقال املراد العذاب األليم يف اآلخرة وضعف القول الثا ن وأن املراد به العذاب يف الدنيا ألن املفهوم من العذاب األليم عند اإلطالق هو عذاب اآلخرة.
20 الفوائد : -1-2 -3-4 -5 وجوب إقامة القصاص. أن تنفيذ القصاص من مقتضى اإلميان ألن اخلطاب موجه للمؤمنني. أن ترك تنفيذه نقص يف اإلميان. أن الذكر يقتل بالذكر وهذا باإلمجاع لقوله ( احلر باحلر ) لكن يشرتط أن يكون القاتل مكلفا فأما الصيب واجملنون فال قصاص عليهما بال خالف. قاله يف الشرح. ويشرتط أن يكون املقتول معصوما فال جيب القصاص بقتل حر ب. واملعصوم هو املسلم والذمي واملعاهد واملستأمن. أن العبد يقتل بالعبد لقوله ( والعبد بالعبد ). واختلف العلماء : هل يقتل احلر بالعبد القول األول : أن احلر يقتل بالعبد. وهذا مذهب اجلمهور. األدلة : قوله تعاىل : ( احلر باحلر... ). وحلديث ابن عباس : ( ال يقتل حر بعبد ) رواه الدار قط ن وفيه ضعف. القول الثا ن : أن احلر يقتل بالعبد. وهذا مذهب األحناف واختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية لقوله تعاىل : )و ك ت ب ن ا ع ل ي ه م ف يه ا أ ن الن ف س ب الن ف س ). قال ابن كث ي : ذهب أبو حنيفة إىل أن احلر يقتل بالعبد لعموم آية املائدة وإليه ذهب الثوري وابن أ ب ليلى وداود وهو مروي عن علي وابن مسعود وإبراهيم النخعي وقتادة واحلكم. وأما قوله : ( احلر باحلر ) فقد اختلف يف تأويلها : فقالت طائفة : جاءت اآلية مبينة حلكم النوع إذا قتل نوعه فبينت حكم احلر إذا قتل حرا والعبد إذا قتل عبدا واألنثى إذا الن ف س قتلت أنثى و ل تتعرض ألحد النوعني إذا قتل اآلخر فاآلية حمكمة وفيها إمجال بينه قوله تعاىل : )و ك ت ب ن ا ع ل ي ه م ف يه ا أ ن ب الن ف س ) وبينه النيب بسنته ملا قتل اليهودي باملرأة. قاله جماهد. وروي عن ابن عباس أهنا منسوخة بآية املائدة. 6- أن األنثى تقتل باألنثى. لقوله تعاىل : ( و األ ن ث ى ب ا ألن ث ى ). وتقتل املرأة بالرجل والرجل باملرأة. قال القرطيب : وأمجع العلماء على قتل الرجل باملرأة واملرأة بالرجل. وقال يف املغ ن : وهذا قول أكثر أهل العلم. لقوله تعاىل : )و ك ت ب ن ا ع ل ي ه م ف يه ا أ ن الن ف س ب الن ف س ). وملا رواه أنس أن النيب قتل يهوديا جبارية قتلها على أوضاح لا. رواه البخاري هل يقتل أحد األبوين بالولد ذهب مجهور العلماء إىل أنه ال يقتل الوالد بولده.
حلديث عمر قال : مسعت النيب يقول ( ال يقاد الوالد بولده ) رواه أمحد قال الرتمذي بعد إخراجه : والعمل على هذا عند أهل العلم أن األب إذا قتل ابنه ال يقتل بولده. وألن األب هو سبب لوجود االبن. وقال بعض العلماء : إن الوالد يقتل بالولد. وهذا قول ابن نافع وابن احلكم وابن املنذر لعموم قوله تعاىل : ( النفس بالنفس ) ورجحه الشيخ حممد رمحه هللا. 21 ال يقتل مسلم بكافر. قال يف الشرح : هذا قول أكثر أهل العلم وروي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت ومعاوية وهو قول مجهور العلماء. -7-8 -9-10 -11-12 حلديث : ( ال يقتل مؤمن بكافر ) رواه أبو داود وأما الكافر فيقتل باملسلم بإمجاع العلماء كما يف الصحيح أن النيب قتل يهوديا رضخ رأس جارية من األنصار. وألن املسلم أعلى مرتبة بإسالمه من الكافر. فضيلة العفو يف القصاص. قال يف الشرح : وهو أفضل باإلمجاع. لقوله تعاىل : ( ف م ن ت ص د ق ب ه ف ه و ك ف ار ةن ل ه ) وقوله : ( ف م ن ع ف ا و أ ص ل ح ف أ ج ر ه ع ل ى ا لل ). واختار شيخ اإلسالم أنه إذا كان القاتل معروفا بالشر والفساد فإن القصاص منه أفضل يف قوله ( أخيه ) قال الشيخ السعدي : دليل على أن القاتل ال يكفر ألن املراد باألخوة هنا أخوة اإلميان فلم خيرج بالقتل منها ومن باب أوىل أن سائر املعاصي ال ت هي دون الكفر ال يكفر هبا فاعل ها وإ نا ينقص بذلك إميانه. أن فاعل الكبرية ال خيرج من اإلميان. الرد على اخلوارج واملعتزلة. وجوب األداء على القاتل باإلحسان بال مماطلة وال تأخري. أن املعتدي بعد انتهاء القصاص أو أخذ الدية متوعد بالعذاب األليم. ( و ل ك م م ف ال مق ا مص ح ي اة ي ا أ ومل األ ل ب ا مب ل ع ل ك م ت ت ق ون )179( ). ]سورة البقرة: 179[ ----------- ( و ل ك م م ف ال مق ا مص ح ي اة ) يقول تعاىل: ويف شرع القصاص لكم وهو قتل القاتل حكمة عظيمة وهي بقاء املهج وصوهنا ألنه إذا علم القاتل أنه يقتل انكف عن صنيعه فكان يف ذلك حياة للنفوس ويف الكتب املتقدمة : القتل أنفى للقتل فجاءت هذه العبارة يف القرآن أفصح وأبلغ وأوجز )و ل ك م يف ال ق ص اص ح ي اةن ) قال أبو العالية : جعل هللا القصاص حياة فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه خمافة أن يقتل. ( ابن كثري ). قال البقاعي ( ولكم ) أي يا أيها الذين آمنوا ( يف القصاص ) أي : هذا اجلنس وهو قتل النفس القاتلة بالنفس املقتولة من غري جماوزة وال عدوان ( حياة ) أي : عظيمة بديعة ألن من علم أنه ي قتل ال ي ق تل. قال الرازي : اعلم أنه ليس املراد من هذه اآلية أن نفس القصاص حياة ألن القصاص إزالة للحياة وإزالة الشيء ميتنع أن تكون نفس ذلك الشيء بل املراد أن شرع القصاص يفضي إىل احلياة يف حق من يريد أن يكون قاتال ويف حق من يراد
جعله مقتوال ويف حق غريمها أيضا أما يف حق من يريد أن يكون قاتال فألنه إذا علم أنه لو ق تل قتل ترك القتل فال يقتل فيبقى حيا وأما يف حق من يراد جعله مقتوال فألن من أراد قتله إذا خاف من القصاص ترك قتله فيبقى غري مقتول وأما يف حق غريمها فألن يف شرع القصاص بقاء من ه م بالقتل أو من يهم به ويف بقائهما بقاء من يتعصب لما ألن الفتنة ا تعظم بسبب القتل فتؤدي إىل حملاربة ال ت تنتهي إىل قتل عا ل من الناس ويف تصور كون القصاص مشروعا زوال كل ذلك ويف زواله حياة الكل. وقال الرازي : اتفق علماء البيان على أن هذه اآلية يف اإلجياز مع مجع املعا ن باللغة بالغة إىل أعلى الدرجات وذلك ألن العرب عربوا عن هذا املعىن بألفاظ كثري كقو لم : قتل البعض إحياء للجميع وقول آخرين : أكثروا القتل ليقل القتل وأجود األلفاظ املنقولة عنهم يف هذا الباب قو لم : القتل أنفى للقتل ث إن لفظ القرآن أفصح من هذا وبيان التفاوت من وجوه : أحدما : أن قوله ( و ل ك م يف القصاص حياة ) أخصر من الكل ألن قوله ( و ل ك م ) ال يدخل يف هذا الباب إذ ال بد يف اجلميع من تقدير ذلك ألن قول القائل : قتل البعض إحياء للجميع ال بد فيه من تقدير مثله وكذلك يف قو لم : القتل أنفى للقتل فإذا تأملت علمت أن قوله ( يف القصاص حياة ) أشد اختصارا من قو لم : القتل أنفى للقتل. وثانيها : أن قو لم : القتل أنفى للقتل ظاهرة يقتضي كون الشيء سببا النتفاء نفسه وهو حمال وقوله ( يف القصاص حياة ) ليس كذلك ألن املذكور هو نوع من القتل وهو القصاص ث ما جعله سببا ملطلق احلياة ألنه ذكر احلياة منكرة بل جعله سببا لنوع من أنواع احلياة. وثالثها : أن قو لم القتل أنفى للقتل فيه تكرار للفظ القتل وليس قوله ( يف القصاص حياة (كذلك. ورابعها : أن قول القائل : القتل أنفى للقتل ال يفيد إال الردع عن القتل وقوله ( يف القصاص حياة ) يفيد الردع عن القتل وعن اجلرح وغريمها فهو أمجع للفوائد. وخامسها : أن نفي القتل مطلوب تبعا من حيث إنه يتضمن حصول احلياة وأما اآلية فإهنا دالة على حصول احلياة وهو مقصود أصلي فكان هذا أوىل. وقال اإلمام السيوطي : وقوله تعاىل ( ولكم يف القصاص حياة ) فإن معناهكثري ولفظه قليل ألن معناه أن اإلنسان إذا علم أنه مىت ق تل قتل كان ذلك داعيا إىل أن ال يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثري من قتل الناس بعضهم لبعض وكان ارتفاع القتل حياة لم. وقد فضلت هذه اجلملة على أوجز ماكان عند العرب يف هذا املعىن وهو قو لم : القتل أنفى للقتل بعشرين وجها أو أكثر. ( ي ا أ ومل األ ل ب ا مب ) يقول : يا أو ل العقول واألفهام والنهى. قيل : إ نا خصهم بالنداء مع أن اخلطاب السابق عام ألهنم أهل التأمل يف حكمة القصاص من استبقاء النفوس. األرواح وحفظ قال ابن عايور : )ي ا أ و ل األ ل ب اب ) فاملراد به العقالء الذين يعرفون العواقب ويعلمون جهات اخلوف فإذا أرادوا اإلقدام على قتل أعداءهم وعلموا أهنم يطالبون بالقود صار ذلك رادعا لم ألن العاقل ال يريد إتالف غريه بإتالف نفسه فإذا خاف ذلك كان خوفه سببا للكف واالمتناع إال أن هذا اخلوف إ نا يتولد من الفكر الذي ذكرناه ممن له عقل يهديه إىل هذا الفكر فمن ال عقل له يهديه إىل هذا الفكر ال حيصل له هذا اخلوف فلهذا السبب خص هللا سبحانه هبذا اخلطاب أو ل األلباب. 22