( ر ب ن ا إ ن ك م ن ت د خ ل الن ار ف ق د أ خ ز ي ت ه و م ا ل لظ ال م ني م ن أ نص ار )192( ر ب ن ا إ ن ن ا س ع ن ا م ن اد ي ا ي ن اد ي ل إل مي ان أ ن آم ن وا ب ر ب ك م ف آم ن ا ر ب ن ا ف اغ ف ر ل ن ا ذ ن وب ن ا و ك ف ر ع ن ا س ي ئ ات ن ا و ت و ف ن ا م ع األب ر ار )193( ر ب ن ا و آت ن ا م ا و ع دت ن ا ع ل ى ر س ل ك و ال ت ز ن ا ي و م ال ق ي ام ة إ ن ك ال ت ل ف ال م يع اد )194( ). [ آل عمران : -192 194 ]. ---------------- ( ر ب ن ا إ ن ك م ن ت د خ ل الن ار ف ق د أ خ ز ي ت ه ) أي : أهنته وأظهرت خزيه ألهل اجلمع. قال ابن عاشور : قوهلم ( ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) مسوق مساق التعليل لسؤال الوقاية من النار كما توذن به ( إن ) املستعملة إلرادة االهتمام إذ ال مقام للتأكيد هنا. قال الشوكاين : بيان للسبب الذي ألجله دعاه عباده بأن يقيهم عذاب النار وهو أن من أدخله النار فقد أخزاه أي : أذله وأهانه. قال الرازي : اعلم أهنم ملا سألوا رهبم أن يقيهم عذاب النار أتبعوا ذلك مبا يدل على عظم ذلك العقاب وشدته وهو اخلزي ليكون موقع السؤال أعظم ألن من سأل ربه أن يفعل شيئا أو أن ال يفعله إذا شرح عظم ذلك املطلوب وقوته كانت داعيته يف ذلك الدعاء أكمل وإخالصه يف طلبه أشد والدعاء ال يتصل باإلجابة إال إذا كان مقرونا باإلخالص فهذا تعليم من هللا عباده يفكيفية إيراد الدعاء. قال ابن اجلوزي قوله تعاىل ( فقد أخزيته ) فيما يتعلق به هذا اخلزي قوالن : أحدمها : أنه يتعلق مبن يدخلها خملدا. والثاين : أنه يتعلق بكل داخل إليها وهذا املعىن مروي عن جابر بن عبد هللا واختاره ابن جرير. ( و م ا ل لظ ال م ني م ن أ ن ص ار ) أي : يوم القيامة ال ج مري هلم منك وال حميد هلم عما أردت هبم. واملراد بالظلم هنا الشرك فإن الشرك ظلم ألن أصل الظلم وضع الشيء يف غري موضعه واملشرك ظامل ألنه وضع العبادة اليت هي حق هلل تعاىل وحده وضعها يف املخلوق الضعيف الفقري أو وضعها لصنم أو حجر أو شجر وألجل هذا البيان فإن القرآن يكثر هللا فيه إطالق الظلم على الشرك. كما قال تعاىل عن العبد الصاحل ( إن الشرك لظلم عظيم ). وثبت يف صحيح البخاري أن النيب فسر قوله ( الذين آمنوا ومل يلبسوا إمياهنم بظلم ) قال : بشرك مث تال قول لقمان ( إن الشرك لظلم عظيم ). وقال تعاىل ( وال تدع من دون هللا ما ال ينفعك وال يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظاملني ) أي : من املشركني. ومل يأت الظلم يف القرآن إال هبذا املعىن إال يف موضع واحد يف سورة الكهف مبعىن النقص كما قال تعاىل )ك ل ت ا اجل ن ت ني آت ت أج جكل ه ا و مل ت ظ ل م م ن ه ج ش ي ئا ) أي ومل تنقص. وقد يطلق الظلم على ظلم اإلنسان نفسه ببعض املعاصي اليت ال تبلغ الكفر ومنه قوله تعاىل )جمث أ و ر ث ن ا ال ك ت اب ال ذ ي ن ) بدليل قوله يف اجلميع )ج ن ا ج ل ن ف س ه و م ن ج هم ج مق ت ص د و م ن ج هم س اب ق ب اخل ي ر ات ب إ ذ ن ا لل ت ع د ن اص ط ف ي ن ا م ن ع ب اد ن ا ف م ن ج هم ظ امل ي د ج خلجون ه ا ) ألن هذا أطاع الشيطان وعصى ربه فقد وضع الطاعة يف غري موضعها. ( ر ب ن ا إ ن ن ا س ع ن ا م ن اد يا ي ن اد ي ل إل مي ان ) أي : داعيا يدعو إىل اإلميان وهو الرسول. فاألكثر أن الداعي هو حممد عليه الصالة والسالم. 1
والدليل عليه قوله تعاىل ( ادع إىل س ب يل ر ب ك ) ( و د اع يا إ ىل هللا ب إ ذ ن ه ) ( أ د ع ج و إىل هللا ). قال البغوي : يعين حممدا قاله ابن مسعود وابن عباس وأكثر املفسرين. 2 قال الشوكاين : املنادي عند أكثر املفسرين هو النيب وقيل : هو القرآن. قوله تعاىل )ي ن اد ي ل إل مي ا ن ) أي: )إىل( اإلميان كقوله تعاىل )بأن ربك أوحى هلا( أي: أوحى إليها وكقول املؤمنني )احلمد هلل الذي هدانا هلذا( أي: إىل هذا وقيل: الالم للعلة أي: ألجل اإلميان. ( أ ن آم ن وا ب ر ب ك م ) أي : يقول : آمنوا. ( ف آم ن ا ) أي : فاستجبنا له واتبعناه. ( ر ب ن ا ) تكرير النداء ب ( ربنا ) إلظهار التضرع واخلضوع. ( ف اغ ف ر ل ن ا ذ ن وب ن ا ) أي : بإمياننا واتباعنا نبيك فاغفر لنا ذنوبنا أي : اسرتها واحمها. قيل : ( و ك ف ر ع ن ا س ي ئ ات ن ا ) مجع سيئة ومسيت سيئة ألهنا تسوء صاحبها يف الدنيا ويف اآلخرة يف الدنيا بظهور آثارها عليه من اهل م والضيق يف الصدر واخللق والرزق فيفقد من السعادة يف احلياة بقدر ما عمل من السوء قال تعاىل )ف م ن ي ج ر د ا لل ج أ ن ي ه د ي ه ج ي ش ر ح ص د ر ه ج ل إل س الم و م ن ي ج ر د أ ن ي ج ض ل ه ج ي ع ل ص د ر ه ج ض ي قا ح ر جا ك أ ن ا ي ص ع جد يف الس م ا ء ) وقال تعاىل )أ ف م ن ش ر ح ا لل ج ص د ر ه ج ل إل س الم ف ج هو ع ل ى نجور م ن ر ب ه ف و ي ل ل ل ق اس ي ة قجلجوب جج هم م ن ذ ك ر ا لل ). وتسوؤه آجال بعد موته ملعاقبته عليها إن مل يتب منها أو يتداركه هللا بعفوه ورمبا تسوء غريه بأن يتعدى ضررها إىل الغري مباشرة أو بأن يكون هلا أثرها السيء على البالد والعباد عامة مبحق الربكات وقلة اخلريات كما قال تعاىل )ظ ه ر ال ف س ا ج د يف ال ب ر و ال ب ح ر مب ا ك س ب ت أ ي د ي الن اس ل ي ج ذ يق ج هم ب ع ض ال ذ ي ع م لجوا ل ع ل ج هم ي ر ج ع ج ون ) وقال ( ما منع قوم زكاة أمواهلم إال منعوا القطر من السماء ) رواه ابن ماجه اختلف يف املراد بالذنوب والسيئات هنا على أقوال : املراد بالذنوب هنا الكبائر وبالسيئات الصغائر كما قال تعاىل )إ ن ت ت ن ب ج وا ك ب ائ ر م ا تجن ه و ن ع ن ه ج نجك ف ر ع ن جكم س ي ئ ات جك م و نجد خ ل جكم ج مد خ ال ك ر ميا (. فطلبوا تكفري الصغائر ألن الصغائر تكفرها الطاعات. وقيل : أن املراد هبما شيء واحد وإ نا أعيد ذلك للتأكيد ألن االحلاح يف الدعاء واملبالغة فيه مندوب. قال الشوكاين : والظاهر عدم اختصاص أحد اللفظني بأحد األمرين واآلخر باآلخر بل يكون املعىن يف الذنوب والسيئات واحدا والتكرير للمبالغة والتأكيد. وقيل : املراد باألول ما تقدم من الذنوب وبالثاين املستأنف. وقيل : أن يريد بالغفران ما يزول بالتوبة وبالكفران ما تكفره الطاعة العظيمة. وقيل : أن يكون املراد باألول ما أتى به اإلنسان مع العلم بكونه معصية وذنبا وبالثاين : ما أتى به اإلنسان مع جهله بكونه معصية وذنبا. ( و ت و ف ن ا م ع األ ب ر ار ) أي : أحلقنا بالصاحلني املكثرين من الطاعات واألعمال الصاحلات. واألبرار : مجع بار أو بر وأصله من االتساع فكأن البار متسع يف طاعة هللا ومتسعة له رمجته. وليس يف هذا دعاء باملوت وإ نا هو نظري قول يوسف عليه السالم ( توفين مسلما وأحلقين بالصاحلني ). يف هذا جواز التوسل بالعمل الصاحل فالتوسل املشروع أنواع : األول : التوسل إىل هللا باسم من أمسائه احلسىن أو صفة من صفاته العليا. كأن يقول املسلم يف دعائه ( اللهم إين أسألك بأنك أنت الرمحن الرحيم اللطيف اخلبري أن تعافيين ) ودليل مشروعية هذا
النوع من التوسل : قوله تعاىل ( وهلل األمساء احلسىن فادعوه هبا ). واملعىن : ادعوا هللا تعاىل متوسلني إليه بأمسائه احلسىن. ومن األدلة قول النيب يف أحد أدعيته الثابتة عنه قبل السالم من صالته : ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على اخللق أحيين ما علمت احلياة خريا يل وتوفين إذاكانت الوفاة خريا يل... ) رواه النسائي. ومنها أنه مسع رجال يقول يف تشهده : اللهم إين أسألك يا هللا الواحد األحد الصمد الذي مل يلد ومل يولد ومل يكن له كفوا أحد أن تغفر يل ذنويب إنك أنت الغفور الرحيم فقال : ( قد غفر له قد غفر له ). رواه أبو داود ومنها ما رواه أنس أن النيب كان إذا حزبه أمر قال : ( يا حي يا قيوم برمحتك أستغيث ) هبذه األحاديث وما شاهبها تبني مشروعية التوسل إىل هللا باسم من أمسائه أو صفة من صفاته. رواه الرتمذي. الثاين : التوسل إىل هللا بعمل صاحل قام به الداعي. كأن يقول املسلم ( اللهم بإمياين بك وحمبيت لك واتباعي لرسولك اغفر يل ). وأدلة هذا النوع : قوله تعاىل ( الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ). وقال تعاىل ( ربنا آمنا مبا أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ). ومن ذلك حديث أصحاب الغار الثالثة حيث انطبقت عليهم الصخرة فسد ت عليهم باب الغار فلم يستطيعوا اخلروج فتوسلوا إىل هللا بصاحل األعمال ففرج هللا عنهم فخرجوا ميشون. الثالث : التوسل إىل هللا تعاىل بدعاء الرجل الصاحل. متفق عليه كأن يقع املسلم يف ضيق شديد أو حتل به مصيبة كبرية ويعلم من نفسه التفريط يف جنب هللا فيحب أن يأخذ بسبب قوي إىل هللا فيذهب إىل رجل يعتقد فيه الصالح والتقوى فيطلب منه أن يدعو له ربه. فهذا مشروع وقد دلت عليه الشريعة املطهرة. فمن ذلك ما رواه أنس قال ( أصاب الناس سنة على عهد النيب فبينما النيب خيطب على املنرب قائما يوم اجلمعة دخل أعرايب فاستقبل رسول هللا فقال : يا رسول هللا هلك املال وجاع العيال وانقطعت السبل فادع هللا لنا... ) متفق عليه. ومن ذلك ما رواه أنس : ( أن عمر بن اخلطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد املطلب فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون ) رواه البخاري. ومعىن قول عمر : إنا كنا نتوسل إليك بنبينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا أي : كنا نقصد نبينا ونطلب منه أن يدعو لنا ونتقرب إىل هللا بدعائه واآلن وقد انتقل إىل الرفيق األعلى ومل يعد من املمكن أن يدعو لنا فإننا نتوجه إىل عم نبينا العباس ونطلب منه أن يدعو لنا. وليس معناه أهنمكانوا يقولون يف دعائهم : اللهم جباه نبيك أسقنا مث أصبحوا يقولون بعد وفاته : اللهم جباه العباس أسقنا ألن مثل هذا الدعاء مبتدع ليس له أصل يف الكتاب وال يف السنة. ومن ذلك ما رواه احلافظ بن عساكر يف تارخيه ( 1/151/18 ) بسند صحيح عن التابعي اجلليل سليم بن عامر : ( أن السماء قحطت فخرج معاوية بن أيب سفيان وأهل دمشق يستسقون فلما قعد معاوية على املنرب قال : أين يزيد بن األسود اجلرشي فناداه الناس فأقبل يتخطى فأمره معاوية فصعد على املنرب فقعد عند رجليه فقال معاوية : اللهم إنا نستشفع إليك الي وم خبي رنا وأفضلنا اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن األس ود اجلرشي يا يزيد ارفع يديك إىل هللا فرفع يديه ورفع الناس 3
أيديهم فماكان أوشك أن ثاوت سحابة يف الغربكأهنا ترس وهبت هلا ريح فسقتنا حىتكاد الناس أن ال يبلغوا منازهلم ) فهذا معاوية ال يتوسل بالنيب وإ نا يتوسل هبذا الرجل الصاحل. ( ر ب ن ا و آت ن ا م ا و ع د ت ن ا ع ل ى ر س ل ك ) قيل : معناه : على اإلميان برسلك وقيل : معناه : على ألسنة رسلك وهذا أظهر قال ابن القيم : املعىن : وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من دخول اجلنة. وقالت طائفة : معناه : وآتنا ما وعدتنا على اإلميان برسلك. ويرتجح األول بأنه قد تقدم قوهلم ( ر ب ن ا إ ن ن ا مس ع ن ا ج من اد يا ي ج ن اد ي ل إل مي ان أ ن آم نجوا ب ر ب جكم ف آم ن ا ) وهذا صريح يف اإلميان بالرسول واملرسل. قال القرطيب : إن قيل : ما وجه قوهلم ( ر ب ن ا و آت ن ا م ا و ع دت ن ا على ج ر ج سل ك ) وقد علموا أنه ال خيلف امليعاد فاجلواب من ثالثة أوجه : األو ل : أن هللا سبحانه وعد من آمن باجلنة فسألوا أن يكونوا ممن ج وع د بذلك دون اخل ز ي والع قاب. الثاين : أهنم دعوا هبذا الدعاء على جهة العبادة واخلضوع والدعاء ج مخ العبادة. وهذاكقوله ( ق ال ر ب احكم باحلق ) وإنكان هو ال يقض ي إال باحلق. النيب فسألوه ذلك إعزازا الثالث : سألوا أن ي ج عطوا ما وع دوا به من النصر على عدو هم معج ال ألهنا حكاية عن أصحاب للد ين. وهللا أعلم. ( و ال ت ز ن ا ي و م ال ق ي ام ة ) أي : على رؤوس اخلالئق. ( إ ن ك ال ت ل ف ال م يع اد ) فاهلل ال خيلف امليعاد لكمال صدقه وكمال قدرته ألن الذي خيلف امليعاد إما أن يكون لكذب الواعد أو لعجزه. الفوائد : 1- أن النار دار اخلزي. 2- على املسلم أن يدعو هللا أن يقيهم عذاب النار. 3- إثبات النار. 4- حترمي الظلم بكل أنواعه وأعظمه الشرك. 5- أن الظلم سبب لدخول النار. 6- وجوب اإلميان باهلل. 7- جواز التوسل بالعمل الصاحل. 8- أن اإلميان من أفضل األعمال. 9 -كل أحد حيتاج ملغفرة الذنوب. 10- أن الذنوب تنقسم إىل صغائر وكبائر. 11- متين املوت على اإلسالم والسنة. 12- ينبغي للداعي أن يكثر من الثناء على هللا. 13- أن الرسل هم الواسطة بني هللا وبني خلقه. 14- إثبات يوم القيامة. 4
15- فضيلة اخلوف من هللا. 16- أن هللا ال خيلف امليعاد 5