«أازمة املدرSسة العمومية وخيار اللجوء الرتبوي للفئات املتوSسطة«عبد املجيد لعماري نظرا ملا راكمته هذه امل ؤو س سة من اختالالت بنيوية مند اال ستقالل شملت جميع جوانب احلياة املدر سية بدءا بالتلميذ الذي كان مو ضوعا للتجارب يف أاكرث من منا سبة ورجل االإدارة الذي و ضع يف»مو ضع ال سجان«اأحيانا خالل ال سنوات االأخرية خ صو صا يف املدن الكربى واالأحياء واملوؤ س سات الرتبوية التي تعاين من عنف املحيط و املدر س الذي مت تغييبه يف فعل االإ صالح على م ستوى امل شاركة يف صياغة القرار الرتبوي وعلى م ستوى التكوين حيث مل يتم االلتفات إاليه- خالل العقد االأخري- اإال بعد الرتبة اجلارحة الذي ح صل عليها املغرب يف سلم التنمية الب رشية يفيد التفكري يف الوVضع احلايل للمنظومة الرتبوية املغربية واآفاق اإUصالحها اأن املدرSسة العمومية يف املغرب توجد يف وVضع املùساءلة يف الظرف الراهن من قبل جميع مكونات املجتمع املغربي نظرا ملا راكمته هذه املوؤSسùسة من اختالالت بنيوية مند االSستقالل Tشملت جميع جوانب احلياة املدرSسية بدءا بالتلميذ الذي كان موVضوعا للتجارب يف اأكرث من مناSسبة ورجل االإدارة الذي وVضع يف»موVضع الùسجان«اأحيانا خالل الùسنوات االأخرية خüصوUصا يف املدن الكربى واالأحياء واملوؤSسùسات الرتبوية التي تعاين من عنف املحيط و املدرSس الذي مت تغييبه يف فعل االإUصالح على مùستوى املûشاركة يف Uصياغة القرار الرتبوي وعلى مùستوى التكوين حيث مل يتم االلتفات إاليه- خالل العقد االأخري- اإال بعد الرتبة اجلارحة الذي حüصل عليها املغرب يف Sسلم التنمية البûشرية) الرتبة 125 ( فبات يف حكم املوؤكد باأن املنظومة الرتبوية اأUصبحت ذاهلة عن التغريات التي عرفتها الùسوق البيداغوجية خالل العقود االأخرية وبات واVضحا اأي ضا اأنه ال ميكن حتقيق التنمية والتقدم اإال باالSستثمار يف االإنùسان كمورد بûشري: فما هي طبيعة االأزمة التي تعيûشها املنظومة الرتبوية املغربية 80
81 وما هو الùسياق العام الذي مت فيه قلب Uصورة املدرSسة العمومية يف اأذهان املغاربة خالل العقود الثالثة االأخرية وهجرها من قبل الفئة املتوSسطة وهي الوليد الûشرعي الذي خرج من رحم املدرSسة العمومية والزال يتغنى برموزها وعطائها تفيد جل الدراSسات التي اأجنزت حول املنظومة الرتبوية املغربية باأن اأزمتها متعددة االأSسباب واالأبعاد فهي: اأزمة مردودية وفعالية داخلية : ناجتة يف جزء منها عن Vضعف وطول وتقادم امل ضامني املعرفية املقررة وSسيادة هاجùس التقومي على هاجùس التكوين ا أالمر الذي اأدى اإىل تفاقم ظاهرة الغûش يف االمتحانات والغûش املرفق بالعنف الذي يهدد ليùس فقط املنظومة الرتبوية باالنهيار واإمنا يتجاوز ذلك اإىل تهديد النظام القيمي للمجتمع املغربي ككل وهو النظام الذي كان يجد يف املدرSسة جماال حلماية قيمه االأUصيلة وحماربة القيم املنحطة قبل اأن تتحول هذه املوؤSسùسة من جمال للتقديùس اإىل جمال للتعنيف هذا باالإVضافة اإىل االنقطاع عن الدراSسة والهذر الدراSسي الذي الزال يقف كعقبة يف وجه النهوVض باملدرSسة العمومية فüصحيح اأن جهودا كبرية قد بدلت يف ما يتعلق باإلزامية التعليم اإىل Sسن 16 من العمر اإال اأن الهذر واالنقطاع الزال ميùس التالميذ الذين Tشملهم برنامج التعليم االإلزامي اأنفùسهم. وذلك اإىل جانب ق ضايا اأخرى تتعلق باالرتفاع املهول يف نùسبة االأمية وعدم القدرة على كùسب رهان تعميم التمدرSس بûشكل عام والتعميم الكيفي بûشكل خاUص وVضعف اأداء املنظومة على مùستوى العلوم واللغات واملفارقة احلاUصلة على مùستوى الربامج بني التعليم االأSساSسي الذي تقوم مقرراته على افرتاVض تعميم التعليم ا أالويل بينما يقدر العجز يف تغطيته للهوامûش واالأطراف والقرى النائية با أالطر الرتبوية و املوارد املادية لتعليم هوؤالء االأطفال الذين يوجدون بني الùسنة الرابعة واخلامùسة من العمر ب 40 %حùسب التقرير ا أالخري لليونيùسيف-)ماي 2014( -. وهي اأي ضا: اأزمة قيادة تربوية. وافتقاد املنظومة الرتبوية لقيادات اجتماعية حاملة ملûشاريع تربوية وعدم اSستقرار هذه القيادة وكرثة القرارات التي تتناق ض مع روح االإUصالح ذلك اأنه اإذ كانت عûشرية االإUصالح قد حركت التüصورات التقليدية حول الرتبية واأمدت املنظومة الرتبوية املغربية مببادئ جديدة يف فلùسفة االإUصالح و»اإذا كان املخطط االإSستعجايل قد اأدخل الزمن كعنüصر جديد اإىل دفرت حتمالت كل املنخرطني يف عملية االإUصالح «فاإن هذا التغري احلاUصل على مùستوى ا إالحùساSس باالأزمة وعرVض حùسن النية يف االإUصالح ال ميكن اأن يخفي االرتباك احلاUصل يف التعامل مع هذا الرهان من قلب
املوقف الرSسمي نفùسه يف اأكرث من مناSسبة فبعدما قدمت عûشرية االإUصالح كعûشرية للخالUص بالنùسبة للمنظومة الرتبوية وبعدما كرب حلم املجتمع املغربي الذي كان يùستعجل حتقيق نتائج ملموSسة يف حتüصيل اأبنائه خرج قرار وقف العمل ببيداغوجيا االإدماج ومûشاريع أاخرى مرتبطة به من قلب املوقف الرSسمي نفùسه وكاأن ما كان باالأمùس اإUصالحا مل يعد كذلك واإمنا ثبت فùساده لتüصطدم االأحالم الكربى للمجتمع مبطلب التطبيع مع واقع الينفك الفùساد فيه يقوم مقام الفاعلية الداخلية وينوب عنها ويف حلظة االرتباك والتناق ض القüصوى هاته طفا Tشعار االإUصالح اإىل الùسطح جمددا. ومعنى ذلك اأن اجلùسم الرتبوي اخلارج لثوه من غرفة العمليات: عمليات العالج واالإUصالح التي اSستغرقت ثالثة عûشر Sسنة Sسيكون على موعد جديد مع قدر االإUصالحات التي مل حتقق االإUصالح من قبل ليعلق احللم يف حتقيق هذا االإUصالح على القادم من االأعوام اأو القادم من العقود مادام االأمل يف االإUصالح قد اأخد من املغاربة كل هذا االمتداد الزمني الذي يعود به إاىل مرحلة االأحالم الكربى التي تعود به اإىل عهد االSستقالل. ويوؤكد هذا املعطى اأن اإUصالح املنظومة الرتبوية كان على الدوام فوقيا وعلى اأن اأزمة املدرSسة مل تدرSس يف يوم من ا أاليام من قلب املدرSسة نفùسها ومل ينظر اإليها كاأزمة تùستوجب تدخال بيداغوجا يف املقام االأول من اأجل تغيري اأو اإUصالح أاو تعديل املناهج والربامج والتûشريعات اإذ غالبا ما كان النقاTش حول املدرSسة يتوقف مبجرد حدوث التوافق حول املعنى الùسياSسي لالإUصالح دون اأن ميتد هذا النقاTش ليûشمل اجلوانب البيداغوجية لهذه العملية ودون اأن يتم إاTشراك املدرSسة يف تقييم جتاربها الùسابقة من الداخل تقييما ميكن من االحتفاظ بعناUصر القوة يف هذه املنظومة ومراكمتها قüصد االSستعانة بها كلما الحت بوادر االأزمة أاو اخللل اأو اعتمادها يف اإطار خطة اإSستباقية اأو اإUصالح مفتوح يقي املنظومة من الùسقوط جمددا يف االأزمة واالنحüصار. بينما كانت والزالت هذه املحطات االإUصالحية تعاTش يف أاجواء من ا إالحùساSس بالغنب واالنùسحاب والالمباالة الكلية- اأحيانا- من قبل املدرSسني واالإدارة الرتبوية اللذين يüصلهم»االإUصالح«- الذي يتم النزول به اأحيانا اإىل اأدنى مùستوياته - يف Uصورة حذف اأو اإVضافة يف املواد الدراSسية أاو تقليüص يف احليز الزمني املخüصüص لهذه املادة اأو تلك لتبقى املنظومة الرتبوية يف حاجة دائمة إاىل االإUصالح. وباالإVضافة اإىل مûشكل املردودية وعدم اSستقرار القيادة الرتبوية وكرثة القرارات املخالفة لروح االإUصالح فاإن اأزمة املدرSسة املغربية هي : 82
83 اأزمة تخطيط وVضعف يف احلùس االSسرتاتيجي وVضعف االإرتباط بني نظام الوSسائل ونظام الغايات ا أالمر الذي ينعكùس Sسلبا على العالقة بني خمرجات املنظومة الرتبوية ومدخالتها. وينتهي يف الغالب بالتباعد بني النتائج والتوقعات. وSسنة بعد Sسنة اأUصبح املجتمع املغربي الذي كان فرحا مبدرSسته اإىل بداية الثمانينات من القرن املاVضي يüصب جام غ ضبه على»املعلم الذي كاد باالأمùس اأن يكون رSسوال«وبات الكل يتمنى اأن يüصلب يف Sساحة املدرSسة مبا تنطوي عليه هذه االأحكام من Tشحن SسياSسي للمجتمع وجهل باالأSسباب التي رSسمت املاآل الذي اآلت اإليه املدرSسة يف مغرب اليوم. ويف هذا الùسياق الذي توؤطره مقوالت االأزمة واالإختالالت حدث انقالب كبري يف Uصورة املدرSسة لدى فئات واSسعة من املجتمع املغربي بينما اختارت الفئة املتوSسطة»اللجوء الرتبوي«اإىل القطاع اخلاUص هربا من املدرSسة العمومية التي طالها االإهمال. Uصورة املدرSسة العمومية يف املغرب الراهن اإذا كانت املدرSسة هي البوابة الوحيدة للولوج اإىل دائرة الثقافة وتوزيع واإعادة توزيع الرثوات والقيم الرمزية داخل املجتمع املغربي اإىل مطلع الثمانينات من القرن املاVضي واإذا كان الطلب على املنتوج الرتبوي كبريا اإىل هذه الفرتة فاإن اإUصالح 1985 قد قلب Uصورة املدرSسة يف ذهن املغاربة من Uصورة املدرSسة املنتجة للنخبة االإجتماعية والثقافية اإىل املدرSسة املنتجة للعطالة وذلك بعدما بات فك االإرتباط واVضحا بني الûشهادة والوظيفة فاأUصبحت املدرSسة تبدو وكاأنها ذاهلة عن انتظارات املجتمع غري مكرتثة برهاناته. لذلك بات من الùسهل الطعن يف هويتها املعنوية يف جمتمع التبùست لديه الوجهة التي يتوجه إاليها مبطالبه فاأUصبح يتوجه بها اإىل املدرSسة بدل موؤSسùسات الدولة ذات الüصلة بتلك املطالب واأحيانا تتم مطالبة املدرSسة باإUصالح اأخطاء واأعطاب الùسياSسة التعليمية للدولة و مûشاكل واختالالت املجتمع ككل. بل هناك من جعل من املدرSسة العمومية Tشماعة تعلق عليها كل االخفاقات التي عرفتها البالد يف خمتلف املجاالت االقتüصادية واالجتماعية والùسياSسية والثقافية معتربا باأن اإUصالح التعليم هو احلل الùسحري لكل املûشاكل التي يعاين منها املجتمع مبا يحمله هذا الطرح من تüصور مغلوط ملûشاكل املدرSسة ومûشاكل املجتمع يف اآن واحد ( د- حماين أاقفلي (.»وبينما Tشككت العديد من القوى يف جدوى املدرSسة«مند هذه املرحلة العüصيبة ليùس فقط من تاريخ املدرSسة بل من تاريخ البالد ككل - مرحلة الثمانينات وبداية التùسعينات- خرجت املدرSسة العمومية عن Uصمتها خالل هذه املرحلة وحملت Tشعارات
جمتمعية داخل املدارSس واجلامعات مطالبة مبدرSسة املجتمع كبديل ملدرSسة الدولة. ويف إاطار هذا االأفق الغام ض الذي باتت فيه العالقة بني املدرSسة وحميطها االجتماعي والùسياSسي قائمة على قاعدة الüصراع اأUصبح واVضحا باأن بوابة الüصعود اإىل املراتب االجتماعية العليا واملتوSسطة اأUصبحت Vضيقة ومل تعد مفتوحة يف وجه جميع الفئات والûشرائح االجتماعية. وبعدما Sساد اخلطاب الذي يفùسر اأزمة املدرSسة واجلامعة املغربية بعدم مالئمة الûشواهد اجلامعية لùسوق الûشغل تعاظم حجم البطالة التي امتدت- منذ منتüصف الثمانينات- لتûشمل جميع التخüصüصات )الطب والفلùسفة واالقتüصاد..( فد خلت بذلك اجلامعة املغربية يف حلقة تكاد تكون مفقودة اإىل اأواخر العقد االأول من القرن احلايل وهي احللقة التي اتùسمت بüصعوبة االندماج املهني واالجتماعي للخريجني. ومنذ هذه الفرتة بالذات بداأ التدافع بني الفئات االجتماعية من اأجل ظفر اأبنائها مبعدالت توؤهلهم لولوج املعاهد العليا واجلامعات التي الزال روادها يحüصلون على فرUص للûشغل. وقد احتد هذا التدافع خالل الùسنوات اخلمùس االأخرية حيث مل يعد االإقüصاء من ولوج هذه املوؤSسùسات مقتüصرا على اأبناء الفئات الفقرية و املهمûشة- املقüصيون اأUصال قبل التحاقهم باملدرSسة بتعبري بورديو - واإمنا امتد ليûشمل الفئة االجتماعية املتوSسطة التي تùستثمر يف املعرفة من خالل تعليم أابنائها خاUصة رجال ونùساء التعليم مبختلف اأSسالكه واملهندSسون والق ضاة واملحامون ورجال االإعالم واملوظفون الكبار واملتوSسطون وخمتلف املهن احلرة التي يوجد اأUصحابها يف نفùس املùستوى االجتماعي للفئات املذكورة. وقد عرب هذا الوVضع اجلديد عن نفùسه خالل الùسنوات االأخرية من خالل احتجاجات التالميذ الذين مل تûشفع لهم معدالتهم العليا يف الولوج اإىل بع ض الكليات واملدارSس العليا. وبالنتيجة تعاظمت تيارات الهجرة نحو كندا واأوربا والواليات املتحدة ا أالمريكية وروSسيا والüصني و اكرانيا وتونùس والùسنغال.. اإال اأنها مل تعد هذه املرة هجرة Sسواعد مفتولة - بتعبري حممد عابد اجلابري- واإمنا اأUصبحت هجرة عقول مفتولة كلفت البالد أامواال كثرية وSسنوات طويلة من التكوين. وباملوازاة مع ذلك حدث انقالب كبري يف Uصورة املدرSسة و يف اإSسرتاتيجيات التعامل مع املعرفة املدرSسية لدى فئات عري ضة من املجتمع املغربي اكتûشفت ذاتها كموVضوع للندبة وال ضياع داخل املدرSسة العمومية وهي نفùس الفئات الفقرية واملهمûشة التي Sستقوم بتüصدير اأزمة عالقتها مع املعرفة لتüصبح اأزمة منظومة تربوية بكاملها من خالل تنامي ظاهرتي الغûش والعنف املدرSسي 84
85 التي اكتùست بعدا انفجاريا خالل الùسنوات االأخرية. ويف املقابل اختارت الفئات املتوSسطة ما ميكن تùسميته ب»الهجرة اأو اللجوء الرتبوي«اإىل التعليم اخلüصوUصي الذي خلقته من رزقها وعلى حùساب مùستواها املعيûشي بحثا عن مالذ آامن لراأSسمالها البûشري من مدرSسة ال تتوفر فيها مواUصفات الوSسط الرتبوي كاملة. التعليم اخلüصوUصي: املنفى الرتبوي الإختياري للفئات املتوSسطة تفيد العودة اإىل العديد من الدراSسات الùسوSسيولوجية التي تناولت املجتمع املغربي مع كل من»جون واتريبوري«و»رميي لوفو«و»بول باSسكون» pascon «Paul وحممد جùسوSس... باأن الكثري من االأSسئلة التي متùس جوهر العالقة بني الدولة واملجتمع يف املغرب قد ظلت معلقة كما اأن الùسلوك الùسياSسي للدولة اجتاه بع ض مكونات املجتمع وموؤSسùساته قد اتùسم بالغموVض وعدم الثبات على نفùس املواقف يف الكثري من املناSسبات. وتعد الفئات االجتماعية املتوSسطة ب ضعفها وهûشاTشتها من الفئات التي مùست مüصاحلها االقتüصادية والرتبوية خالل العقود الثالثة االأخرية وهي تتعرVض حاليا لعملية بلرتة une prolétarisations الأنها توجد من الناحية االجتماعية يف ما يûشبه قاعة االنتظار للولوج اإىل دائرة الفقر وبعدما كانت املدرSسة العمومية تûشكل جماال حيويا لالSستثمار يف الراأSسمال البûشري بالنùسبة لهذه الفئات فاإن اأزمة املنظومة الرتبوية املغربية قد Vضيقت عليها اخلناق. وحرUصا منها على توفري Tشروط مالئمة لتمدرSس أابنائها فاإن هذه الفئة قد التجاأت بهم اإىل املدارSس اخلüصوUصية وترجع االأSسباب العميقة لهجر املدرSسة العمومية من قبل هذه الفئة التي تلقت تعليمها يف الغالب باملدارSس العمومية اإىل فقدان الثقة يف الùسياSسة املتبعة من قبل الدولة يف جمال التعليم العمومي من حيث هي SسياSسة اأهملت املدرSسة العمومية بقرار SسياSسي غايتها يف ذلك التخفيف من نفقات الدولة يف قطاع اعترب غري منتج بل مùستنزفا للمالية العمومية اأو تüصفية احلùساب- كما ذهبت اإىل ذلك بع ض التحليالت - مع فئة لطاملا TشوTشت على احلقل الùسياSسي. ونتيجة للماآل الذي اختري لها اأUصبحت املدرSسة العمومية كمجال للندرة وكموؤSسùسة تعرف مبا ليùس فيها فاملدرSسة العمومية اإىل حدود الربنامج االSستعجايل هي املوؤSسùسة التي ال ماء وال كهرباء وال مرافق Uصحية فيها. وقد التقطت الفئة املتوSسطة رSسالة الدولة اإىل املدرSسة العمومية مبكرا من خالل املنحى الذي اتخذته SسياSستها يف هذا الباب منذ اإUصالح 1985. واإذا كانت هذه الفئة - التي تتكون
من االأطر العليا واملتوSسطة يف القطاعني العام واخلاUص من حمامني واأطباء ورجال التعليم وذوي املهن احلرة الذين يوجدون يف نفùس املùستوى االإجتماعي الذي توجد فيه هذه الفئات االأخرية اإذا كانت هذه الفئات قد غادرت املدرSسة العمومية فالأنها متلك راأSسماال ال تريد املغامرة به وينطبق عليها يف هذا الباب نفùس الوUصف الذي يوUصف به راأSس املال :»راأSس املال جبان بطبعه«واملقüصود بهذا الوUصف هو الراأSسمال البûشري الذي يتمثل يف اأبنائها. ومن جهته وجد املùستثمرون يف قطاع التعليم اخلاUص يف هذه الفئة زبونا Sسخيا يفاوVض على جودة العروVض املقدمة الأبنائه وال يفاوVض على املقابل املادي لهذه العروVض وذلك هو الùسر يف االأرباح الكبرية التي حققها هذا القطاع الذي اSستفاد من الùسخاء ال ضريبي للدولة فاأUصبح يبدو وكاأنه خارج مراقبتها هذا مع العلم باأن الûضاأن الرتبوي هو Tشاأن دولتي «une» étatique chose وليùس Tشاأن اأفراد وجماعات بتعبري عامل االجتماع الفرنùسي»اإميل دوركامي«. وقد اتخذ ا أالمر Uصورة انفالت من الرقابة االإيديولوجية للدولة اأحيانا فاأUصبحت العديد من الفئات االإجتماعية- بتوجهاتها االأيديولوجية جتد لنفùسها داخل قطاع التعليم اخلاUص العالمة الرتبوية التي تبحث عنها فقد تكون هذه العالمة حداثية وقد تكون حاملة لنفحة اأUصولية وهي العالمة التي اكتùسحت Sسوق التعليم اخلاUص ببالدنا يف الوقت الراهن حتث Uصمت وجتاهل الدولة االأمر الذي يدعو اإىل طرح التùساوؤل التايل : هل ميكن للرتبية اأن تتم خارج الف ضاء املوؤSسùساتي للدولة وبعيدا عن مراقبتها وعلى املùستوى التنظيمي فاإن عددا كبريا من املوؤSسùسات ا خلاUصة يف قطاع التعليم تعمل خارج ال ضوابط القانونية املنظمة للقطاع ذلك اأن اأغلب بناياتها عبارة عن منازل وفيالت معدة للùسكن بالنùسبة للعائالت النووية اإال اأنها تùستقبل اأعدادا كبرية من التالميذ وهو اأمر يدعو اإىل االSستغراب اإذ كيف لفيال villa»من احلجم املتوSسط معدة للùسكن من قبل اأربعة أافراد اأن تùستقبل حمولة عûشرين حافلة مدرSسية وهو عدد التالميذ املùسجلني بها واإىل جانب ذلك فاإن جل هذه البنايات ال تتوفر فيها املواUصفات واملعايري الدولية لالSستعمال كموؤSسùسات تربوية بدءا باملùساحة املخüصüصة لكل تلميذ داخل احلجرة الدراSسية وعدد التالميذ داخل الفüصول الدراSسية وSساحة املدرSسة واملùسافة التي ال تتجاوز نüصف مرت اأحيانا بني التالميذ والùسبورة وانتهاءا بعدم احرتام دفرت التحمالت اخلاUص باملرافق الüصحية والرياVضية. والبيئية والتاأمني على خماطر النقل املدرSسي...اإلخ. 86
87 واإذا كان االآباء ال يرتددون يف تùسجيل اأبنائهم يف هذه املوؤSسùسات فالأنهم يبحثون فقط عمن يراقبهم ويوفر لهم احلماية من خماطر الûشارع العام التي يعاين منها التالميذ الذين يتابعون دراSستهم باملدارSس العمومية ولذلك اأUصبح يف حكم املوؤكد اأن جلوء االأSسر اإىل املدارSس اخلاUصة و االإقبال الكبري على Sساعات الدعم اخلüصوUصي يعكùس االأزمة احلادة للمدرSسة العمومية وهو احد املداخل الرئيùسية لتفùسريها ويوؤكد هذا املعطى - أاي ضا- اأن ا أالمر ال يتعلق مبجرد هجر للمدرSسة العمومية من طرف فئة نûشيطة من التالميذ يتوفر لديها حد اأدنى من Tشروط الدراSسة- على حùساب معيûشة االأSسرة- وتتاح أامامها اإمكانيات كبرية للتميز والرفع من جودة املدرSسة العمومية واإمنا يتعلق بهجرة ثقافة بكاملها قادرة على التاأثري يف البنيات العقلية واملوؤSسùساتية. فعلى مùستوى الذهنيات فاإن هذه الفئة حتمل اأفكارا وتüصورات جديدة حول املعرفة واملدرSسة والنظرة اإىل احلياة ومنظومة القيم االجتماعية والثقافية والùسياSسية بûشكل يجعل من هذه العقلية مدرSسة موازية اأو مدرSسة داخل املدرSسة تùساهم ال حمالة يف نûشر القيم احلداثية وتعميمها. وبانعزال هذه الفئة االجتماعية وهجرها للمدرSسة العمومية اأUصبحنا نûشاهد يف قلب املدن املغربية تقاطبا حادا بني مدارSس عüصرية بثقافة الوافدين عليها واأخرى تبدو وكاأنها امتداد للبوادي يف قلب املدن بتüصورات الوافدين عليها وثقافتهم وقيمهم خüصوUصا واأن االأمر يتعلق بالفعل بفئة اجتماعية غالبية اأبنائها ينحدرون من اأSسر حديثة العهد باحلياة احل ضرية. اأما على املùستوى املوؤSسùساتي فاإن املغادرة»غري الطوعية«للمدرSسة العمومية من قبل الفئات املتوSسطة قد حرمت هذه املوؤSسùسة من فئة ذات ميوالت كبرية اإىل التنظيم وحùسن التùسيري والتدبري واملراقبة والتتبع الûشيء الذي كان باالإمكان اأن يجعل منها رقيبا قويا يف ما يخüص تنفيذ املûشاريع االإUصالحية وTشريكا نûشيطا يف النهوVض باملنظومة الرتبوية لذلك فهي كما اأSسلفت الذكر ال تتفاوVض على اأثمنة العروVض الرتبوية املقدمة اإليها واإمنا تفاوVض على جودتها وقد نقلت القنوات التلفزيونية املغربية يف اأكرث من مناSسبة وقفاتها االإحتجاجية على عدم الرVضى على تردي مùستوى اخلدمات الرتبوية التي تقدم أالبنائها داخل موؤSسùسات التعليم اخلüصوUصي. بينما ترك اأبناء الفئات الفقرية للقدر مع املدرSسة العمومية التي هدمت حتت Vضغط الواقع املطبوع باجلهل واالأمية الذي تعيûشه االأSسر اإىل جانب القرار الùسياSسي الذي مل يكن يتجه Uصوب املدرSسة العمومية اإال لغاية التخفيف من النفقات وVضبط التوازنات املالية. ولذلك ولذلك فاإن
اأزمة املدرSسة العمومية يف بالدنا جتد اأهم حمدداتها ومبادئها التفùسريية يف القرار اأو املوقف الùسياSسي للدولة من التعليم العمومي ويف ما ترتب عنه من انùسحاب مفروVض للفئات املتوSسطة من هذا القطاع. وخالفا لهذا املنطق على مùستوى املقاربة والتحليل توجد الكثري من التفùسريات التبùسيطية النùسحاب الفئة االجتماعية املتوSسطة من املدرSسة العمومية وهي تفùسريات تùستكني للحكم اجلاهز واملùسوق له SسياSسيا وهو اأن ا أالمر يتعلق مبجرد موVضة واإتباع اأو ميوالت بورجوازية اأو Vضعف يف احلùس الوطني حتى ل»فئة انتهازية«!! كما يحلو للبع ض وUصفها واحلال اأن ا أالمر يتعلق- على العكùس من ذلك - بفئة مل تقبل ترك اأبنائها رهينة يف مدرSسة تركت لالأقدار لكي تدبر حالها وهي مدرSسة الدولة بعدما تبخر حلمها و أاملها يف مدرSسة املجتمع. ومعنى ذلك اأن قرار االنùسحاب من املدرSسة العمومية بالنùسبة للفئات املتوSسطة من املجتمع املغربي مل يكن انùسحابا طوعيا بقدرما كان Vضرورة قامت فيها هذه الفئة مبلء البياVض اأو الفراغات التي خلفتها الدولة قي ميدان التعليم نتيجة التعامل معه مبنظور يفتقد اإىل البعد االإSسرتاتيجي يف اإطار SسياSسة عامة مل تكن تعري االهتمام الكامل اإىل االSستثمار يف الراأSسمال البûشري الأنه مل يكن يف يوم من االأيام على راأSس اأولوياتها واحلال اأن الفئات االجتماعية املتوSسطة يف حاجة اإىل الدعم االقتüصادي واالجتماعي الدائم حتى يتùسنى لها القيام بوظائفها االجتماعية والùسياSسية والثقافية كاملة يف احلفاظ على اSستقرار املجتمع وتوازنه ومتاSسكه الهûش ذلك التوازن الذي يهدده تنامي اجلهل وا أالمية باالنهيار يف اأية حلظة. 88